المجلد السادس - ذكر غزو الفرنج بالأندلس

في هذه السنة سير محمد بن عبد الرحمن الأموي صحب الأندلس جيشًا مع ابنه المنذر إلى بلاد المشركين في جمادى الآخرة فساروا وقصدوا الملاحة وكانت أموال لذريق بناحية ألبة والقلاع فلما عم المسلمون بلدهم بالخراب والنهب جمع لذريق عساكره وسار يريدهم فالتقوا بموضع يقال له فج المركوين وبه تعرف هذه الغزاة فاقتتلوا فانهزم المشركون إلا انهم لم يبعدوا واجتمعوا بهضبة بالقرب من موضع المعركة فتتبعهم المسلمون وحملوا عليهم واشتد القتال فولى الفرنج منهزمين لا يلوون على شيء وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون‏.‏

وكانت هذه الوقعة ثاني عشر رجب وكان عدد ما اخذ من رؤوس المشركين ألفين وأربع مائة واثنتين وتسعين رأسًا وكان فتحًا عظيمًا وعاد المسلمون‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة رجع سليمان بن محمد صرفه عبد الله بن طاهر إلى طبرستان من جرجان بجمع كثير وخيل وسلاح فتنحى الحسن بن زيد عن طبرستان ولحق بالديلم ودخلها سليمان وقصد سارية وأتاه ابنان لقارن بن شهريار وأتاه أهل آمل وغيرهم منيبين مظهرين الندم يسألون الصفح فلقيهم بما أرادوأن ونهى أصحابه عن القتل والنهب والأذى‏.‏

وورد كتاب أسد بن جندان إلى محمد بن عبد الله يخبره أنه لقي علي ابن عبد الله الطالبي المسمى بالمرعشي فيمن معه من رؤساء الجبل فهزمه ودخل مدينة آمل وفيها ظهر بأرمينية

رجلان فقاتلهما العلاء بن أحمد عامل بغا الشرابي فهزمهمأن فصعدا قلعة هناك فحصرهمأن ونصب عليها المجانيق فهزما منها وخفي أمرهما عليه وملك القلعة‏.‏

وفيها حارب عيسى بن الشيخ الموفق الخارجي فهزمه وأسر الموفق‏.‏

وفيها ورد كتاب محمد بن طاهر بن عبد الله بخبر الطالبي الذي ظهر بالري وما أعد له من العساكر المسيرة إليه وظفر به واسمه محمد بن جعفر فأخذه أسيرا ثم سار إلى الري بعد أسر محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى ابن الحسين الصغير ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وإدريس بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد اله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام‏.‏

وفيها انهزم الحسن بن زيد من محمد بن طاهر وكان لقيه في ثلاثين ألفا وقتل من أصحابه أعيان الحسن ثلاثمائة رجل وأربعون رجلًا‏.‏

وفيها خرج إسماعيل بن يوسف العلوي ابن أخت موسى بن عبد الله الحسني‏.‏

وفيها كانت وقعة بين محمد بن خالد بن يزيد وأحمد المولد وأيوب ابن أحمد بالسلير من أرض بني تغلب فقتل بينهما جماعة كثيرة فانهزم محمد ونهب متاعه‏.‏

وفيها غزا بلكاجور الروم ففتح مطمورة وغمن غنيمة كثيرة وأسر جماعة من الروم‏.‏

وفيها ظهر بالكوفة رجل من الطالبيين اسمه الحسين بن أحمد بن حمزة ابن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام واستخلف بها محمد بن جعفر بن حسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام يكنى أبا أحمد فوجه إليه المستعين مزاحم بن خاقان وكان العلوي بسواد الكوفة في جماعة من بني أسد ومن الزيدية وأجلى عنها عامل الخليفة وهوأحمد بن نصير بن حمزة بن مالك الخزاعي إلى قصر ابن هبيرة واجتمع مزاحم وهشام بن أبي دلف العجلي فسار مزاحم إلى الكوفة فحمل أهل الكوفة العلوية على قتالهما وعدهم النصرة فتقدم مزاحم وقاتلهم وكان قد سير قائدًا معه جماعة فأتى أهل الكوفة من ورائهم فأطبقوا عليهم فلم يفلت منهم واحد ودخل الكوفة فرماه أهلها بالحجارة فأحرقها بالنار فاحترق منها سبعة أسواق حتى خرجت النار إلى السبيع ثم هجم على الدار التي فيها العلوي فهرب وأقام مزاحم بالكوفة فأتاه كتاب المعتز يدعوه إليه فسار إليه‏.‏

وفيها ظهر إنسان علوي بناحية نينوى من أرض العراق فلقيه هشام بن أبي دلف في شهر رمضان فقتل من أصحاب العلوي جماعة وهرب فدخلالكوفة‏.‏

وفيها ظهر الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الأرقط بن محمد بن علي بن الحسين بن علي المعروف بالكركي بناحية قزوين وزنجان فطرد عمال طاهر عنها‏.‏

وفيها قطعت بنوعقيل طريق جدة فحاربهم جعفر بشاشات فقتل من أهل مكة نحوثلاثمائة رجل فغلت الأسعار بمكة وأغارت الأعراب على القرى‏.‏

وفيها ظهر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب بمكة فهرب جعفر بشاشات وانتهب إسماعيل منزله ومنازل أصحاب السلطان وقتل الجند وجماعة من أهل مكة واخذ ما كان حمل لإصلاح القبر من المال وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة وغير ذلك وأخذ كسوة الكعبة وأخذ من الناس نحوًا من مائتي ألف دينار وخرج منها بعد أن نهبها وأحرق بعضها في ربيع الأول بعد خمسين يومًا وسار إلى المدينة فتوارى عاملها ثم رجع إسماعيل إلى مكة في رجب فحصرهم حتى تماوت أهلها جوعًا وعطشأن وبلغ الخبز ثلاث أوراق بدرهم واللحم رطل بأربعة دراهم وشربة ماء بثلاثة دراهم ولقي أهل مكة منه كل بلاء‏.‏

ثم سار إلى جدة بعد مقام سبعة وخمسين يومًا فحبس عن الناس الطعام واخذ الأموال التي للتجار وأصحاب المراكب ثم وافى إسماعيل عرفة وبها محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور الملقب بكعب البقر وعيسى بن محمد المخزومي صاحب جيش مكة كان المعتز وجههما إليهأن بعرفة ليلًا ولا نهارأن ووقف إسماعيل وأصحابه ثم رجع إلى جدة فأفنى أموالها‏.‏

وفيها مات سري السقطي الزاهد وإسحاق بن منصور بن بهرام أبويعقوب الكوشج الحافظ النيسابوري توفي في جمادى الأولى وله مسند يروى عنه‏.‏

حوادث سنة اثنتين وخمسين ومائتين

ذكر خلع المستعين


في هذه السنة خلع المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم نفسه من الخلافة وبايع للمعتز بالله بن المتوكل وخطب للمعتز ببغداد يوم الجمعة لأربع خلون من المحرم وأخذ له البيعة على كل من بها من الجند‏.‏

وكان ابن طاهر قد دخل على المستعين ومعه سير بن حميد وقد كتب شروط الأمان فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ قد كتب سعيد كتاب الشروط فأكده غاية التوكيد فنقرأه عليك لتسمعه‏.‏

فقال المستعين‏:‏ لا حاجة لي إلى توكيدها فما القوم بأعلم بالله منكن ولقد أكدت على نفسك قبلهم فكان ما علمت‏.‏

فما رد عليه محمد شيئًا‏.‏

فلما بايع المستعين للمعتز وأشهد عليه بذلك نقل من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل بالمحرم ومعه عياله وأهله جميعا ووكل بهم وأخذ منه البردة والقضيب والخاتم ووجه مع عبد الله بن طاهر ومنع المستعين من الخروج إلى مكة فاختار المقام بالبصرة فقيل له‏:‏ إن البصرة وبية فقال‏:‏ هي أوبأ أوترك الخلافة‏!‏ ولست خلون من المحرم دخل بغداد أكثر من مائتي سفينة فيها صنوف التجارات وغمن كثير‏.‏

وفيها سير المستعين إلى واسط واستوزر المعتز أحمد بن أبي إسرائيل وخلع عليه ورجع أبوأحمد إلى سامرا لاثنتي عشرة خلت من المحرم فقال بعض الشعراء في خلع المستعين‏:‏ خلع الخليفة أحمد بن محمد وسيقتل التالي له أويخلع ويزول ملك بني أبيه ولا يرى أحد تملك منهم يستمتع إيهًا بني العباس إن سبيلكم في قتل أعبدكم سبيل مهيع رقعتم دنياكم فتمزقت بكم الحياة تمزقًا لا يرقع وقال الشعراء في خلعه كالبحتري ومحمد بن مروان بن أبي الجنوب وغيرهما فأكثروا‏.‏

وفيها لسبع بقين من المحرم انصرف أبوالساج ديوداد بن ديودست إلى بغداد فقلده محمد ين عبد الله معاون ما سقى الفرات من السواد فسير نوابه إليها لطرد الأتراك والمغاربة عنها ثم سار أبوالساج إلى الكوفة‏.‏

وفيها كتب المعتز إلى محمد بن عبد الله في إسقاط اسم وصيف وبغا ومن معهما من الدواوين وكان محمد بن أبي عون وهوأحد قواد محمد بن عبد الله قد وعد أبا أحمد أن يقتل بغا ووصيفأن فعقد له المعتز على اليمامة والبحرين والبصرة فكتب قوم من أصحاب بغا ووصيف إليهما بذلك وحذروهما محمد بن عبد الله فركبا إلى محمد وعرفاه ما ضمنه ابن أبي عون من قتلهمأن وقال بغا‏:‏ إن القوم قد غدروأن وخالفوا ما فارقونا عليه والله لوأرادوا أن يقتلونا ما قدروا عليه‏.‏

فكفه وصيف وقال‏:‏ نحن نقعد في بيوتنا حتى يجيء من يقتلنا‏!‏ ورجعا إلى منازلهما وجمعا جندهما ووجه وصيف أخته سعاد إلى المؤيد وكان في حجرها فكلم المؤيد المعتز في الرضاء عنه فرضي عن وصيف وكتب إليه بذلك وتلكم أبوأحمد بن المتوكل في بغا فكتب إليه بالرضاء عنه وهما ببغداد ثم تكلم الأتراك إحضارهما إلى سامرأن فكتب إليهما بذلك وكتب إلى محمد بن عبد الله ليمنعهما من ذلك فأتاهما كتاب إحضارهمأن فأرسلاه إلى محمد بن عبد الله يستأذنانه وخرج وصيف وبغا وفرسانهما وأولادهما في نحوأربع مائة إنسان وخلفا الثقل والعيال فوجه ابن طاهر إلى باب الشماسية من يمنعهم فمضوا إلى باب خراسان وخرجوا منه ووصلا سامرأن ورجعا إلى منزلهما من الخدمة وخلع عليهمأن وعقد لهما على أعمالهمأن

ذكر الفتنة بين جند بغداد ومحمد بن عبد الله

وفي هذه السنة كانت وقعة بين جند بغداد وأصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر‏.‏

وكان سبب ذلك أن الشاكرية وأصحاب الفروض اجتمعوا إلى دار محمد يطلبون أرزاقهم في رمضان فقال لهم‏:‏ إني كتبت إلى أمير المؤمنين في إطلاق أرزاقكم فكتب في الجواب‏:‏ إن كنت تريد الجند لنفسك فأعطهم أرزاقهم وإن كنت تريدهم لنا فلا حاجة لنا فيهم فشغبوا عليه واخرج لهم ألفي دينار ففرقت فيهم فسكتوا‏.‏

ثم اجتمعوا في رمضان أيضًا ومعهم الأعلام والطبول وضربوا الخيام على باب حرب وعلى باب الشماسية وغيرهما وبنوا بيوتًا من بواري وقصب وباتوا ليلتهم فلما أصبحوا كثر جمعهم واحضر محمد أصحابه فباتوا في داره وشحن داره بالرجال واجتمع إلى أولئك المشغبين خلق كثير بباب حرب بالسلاح والأعلام والطبول ورئيسهم أبوالقاسم عبدون بن الموفق وكان من نواب عبيد الله بن يحيى بن خاقان فحثهم على طلب أرزاقهم وفائتهم‏.‏

فلما كان يوم الجمعة أرادوا أن يمنعوا الخطيب من الدعاء لمعتز فعلم الخطيب ذلك فاعتذر بمرض لحقه ولم يخطب فمضوا يريدون الجسر فوجه إليهم ابن طاهر عدة من قواده في جماعة من الفرسان والرجال فاقتتلوا فقتل بينهم قتلى ودفعوا أصحاب ابن طاهر عن الجسر فلما رأى الذين بالجانب الشرقي أن أصحابهم أزالوا أصحاب ابن طاهر عن الجسر حملوا يريدون العبور إلى أصحابهم وكان ابن طاهر قد أعد سفينة فيها شوك وقصب فألقى فيها النار وأرسلها إلى الجسر الأعلى فأحرقت سفنه وقطعته وصارت إلى الجسر الآخر فأدركها أهل الجانب الغربي فغرقوها عبر من في الجانب الشرقي إلى الغربي ودفعوا أصحاب ابن طاهر إلى باب داره وقتل بينهم نحوعشرة أنفس ونهب العامة مجلس الشرط وأخذوا منه شيئًا كثيرًا من أصناف المتاع‏.‏

ولما رأى ابن طاهر أن الجند قد ظهروا على أصحابه أمر بالحوانيت التي على باب الجسر أن تحرق فاحترق للتجار متاع كثير فحالت النار بين الفريقين ورجع الجند إلى معسكرهم بباب حرب وجمع ابن طاهر عامة أصحابه وعبأهم تعبئة الحرب خوفًا من رجعة الجند فلم يمن لهم عودة‏.‏

فأتاه في بعض الأيام رجلان من الجند فدلاه على عورة القوم فأمر لهما بمائتي دينار وأمر الشاه بن ميكال وغيره من القواد في جماعة بالمسير إليهم فسار إلى تلك الناحية وكان أبوالقاسم وابن الخليل وهما المقدمان على الجند قد خافا مضي ذينك الرجلين وقد تفرق الناس عنهما فسار كل واحد منهما إلى ناحية وأما ابن الخليل فإنه لقي الشاه بن ميكال ومن معه فصاح بهم وصاح ه أصحاب محمد وصار في وسطهم فقتل وأما أبوالقاسم فإنه اختفى فدل عليه فأخذ وحمل إلى ابن طاهر وتفرق الجند من باب حرب ورجعوا منازلهم وقيد أبوالقاسم وضرب ضربًا مبرحا فمات منه في رمضان‏.‏

ذكر خلع المؤيد وموته

في رجب خلع المعتز أخاه المؤيد من ولاية العهد بعده وكان سببه أن العلاء بن أحمد عامل أرمينية بعث إلى المؤيد بخمسة آلاف دينار ليصلح بها أمره فبعث عيسى بن فرخانشاه إليها فأخذها فأعزى المؤيد الأتراك بعيسى وخالفهم المغاربة فبعث المعتز إلى المؤيد وأبي احمد فأخذهما وحبسهما وقيد المؤيد وأدر العطاء للأتراك والمغاربة‏.‏وقيل إنه ضربه أربعين مقرعة وخلعه بسامرا وأخذ خطه بخلع نفسه وكانت وفاته أيضًا في رجب لثمان بقين من الشهر‏.‏

وكان سبب موته أن امرأة من نساء الأتراك أعلمت محمد بن راشد أن الأتراك يريدون إخراج المؤيد من الحبس فأنهى ذلك إلى المعتز فذكر موسى ابن بغا عنه فقال‏:‏ ما أرادوه إمنا أرادوا أن يخرجوا أبا أحمد بن المتوكل لأنسهم به وكان في الحرب التي كانت فلما كان من الغد دعا

بالقضاة والفقهاء والوجوه فأخرج المؤيد إليهم ميتًا لا أثر به ولا جرح وحمل إلى أمه ومعه كفنه وأمرت بدفنه فقيل إنه أدرج في لحاف سمور ومسك طرفاه حتى مات وقيل إنه أقعد في الثلج وجعل على رأسه منه كثير فجمد بردًا ولما مات المؤيد نقل أخوه أبوأحمد إلى محبسه وكانا لأب وأم‏.‏

ذكر قتل المستعين

ولما أراد قتل المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم كتب إلى محمد ابن عبد الله يأمره بتسليم المستعين إلى سيما الخادم فكتب محمد إلى الموكلين بالمستعين بواسط في تسليمه إليه وأرسل أحمد بن طولون في تسليمه فأخذه أحمد وسار به إلى القاطول فسلمه إلى سعيد بن صالح فأدخله سعيد منزله وضربه حتى مات‏.‏

وقيل‏:‏ بل جعل في رجله حجرًا وألقاه في دجلة وقيل‏:‏ كان قد حمل معه داية له تعادله فلما أخذه سعيد ضربه بالسيف فصاح وصاحت دايته ثم قتل وقتلت المرأة معه وحمل رأسه إلى المعتز وهويلعب بالشطرنج فقيل‏:‏ هذا رأس المخلوع‏!‏ فقال‏:‏ ضعوه حتى أفرغ من الدستّ فلما فرغ نظر إليه وأمر بدفنه وأمر لسعيد بخمسين ألف درهم وولاه معونة البصرة‏.‏

وفي هذه السنة مستهل رجب كانت الفتنة بين الأتراك والمغاربة‏.‏

وسببها أن الأتراك وثبوا بعيسى بن فرخانشاه فضربوه واخذوا دابته واجتمعت المغاربة مع محمد بن راشد ونصر بن سعد وغلبوا الأتراك على الجوسق وأخرجوهم منه وقالوا لهم‏:‏ كل يوم تقتلون خليفة وتخلعون آخر وتعملون وزيرًا‏.‏

وصار الجوسق وبيت المال في أيدي المغاربة وأخذوا الدواب التي كان تركها الأتراك فاجتمع الأتراك وأرسلوا إلى من بالكرخ والدور منهم فاجتمعوا وتلاقوا هم والمغاربة وأعان الغوغاء والشاكرية المغاربة فضعف الأتراك وانقادوا فأصلح جعفر بن عبد الواحد بينهم على أن يحدثوا شيئا وكل موضع يكون فيه رجل من الفريقين يكون فيه رجل من الفريق الآخر فمكثوا مديدة ثم اجتمع الأتراك وقالوا‏:‏ نطلب هذين الرأسين فإن ظفرنا بهما فلا أحد ينطق‏.‏

فبلغ الخبر باجتماع الأتراك إلى محمد بن راشد ونصر بن سعد فخرجا إلى منزل محمد بن غرون ليكونا عنده حتى يسكن الأتراك ثم يرجعا إلى جمعهما فغمز بهما إلى الأتراك فأخذوهما فقتلوهما فبلغ ذلك المعتز فأراد قتل ابن غرون فكلم فيه فنفاه إلى بغداد‏.‏

ذكر خروج مساور بالبوازيج

في هذه السنة في رجب خرج مساور بن عبد الحميد بن مساور الشاري البجلي الموصلي بالبوازيج وإلى جده ينسب فندق مساور بالموصل‏.‏

وكان سبب خروجه أن شرطة الموصل وكان يتولاها لبني عمران وأمراء الموصل لزموا إنسانًا اسمه حسين بن بكير فأخذ ابنًا لمساور هذا اسمه حوثرة فحبسه بالحديثة وكان حوثرة جميلا فكان حسين هذا يخرجه من الحبس ليلًا ويحضره عنده ويرده إلى الحبس نهارا فكتب حوثرة إلى أبيه مساور وهوبالبوازيج يقول له‏:‏ أنا بالنهار محبوس وبالليل عروس فغضب لذلك وقلق وخرج وبايعه جماعة وقصد الحديثة فاختفى حسين بن بكير وأخرج مساور ابنه حوثرة من الحبس وكثر جمعه من الأكراد والأعراب وسار إلى الموصل فنزل بالجانب الشرقي‏.‏

وكان الوالي عليها عقبة بن محمد بن جعفر بن محمد بن الأشعث بن أهبان الخزاعي وأهبان يقال إنه مكلم الذئب وله صحبة فوافقه عقبة من الجانب الغربي فعبر دجلة رجلان ن أهل الموصل إلى مساور فقاتلا فقتلا وعاد مساور وكره القتال وكان حوثرة بن مساور معهم فسمع يقول‏:‏ أنا الغلام البجلي الشاري أخرجني جوركم من داري في هذه السنة حمل محمد بن علي بن خلف العطار وجماعة من الطالبيين إلى سامرا فيهم‏:‏ أبوأحمد محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأبوهاشم داود بن القاسم الجعفري في شعبان‏.‏

وكان سبب ذلك أن رجلًا من الطالبيين سار من بغداد في جماعة من الشاكرية إلى ناحية الكوفة وكانت من أعمال أبي الساج وكان مقيمًا ببغداد فأمر محمد بن عبد الله بالمسير إلى الكوفة فقدم بين يديه خليفته عبد الرحمن إلى الكوفة فلما صار إليها رمي بالحجارة وظنوه جاء لحرب العلوي فقال‏:‏ لست بعامل إمنا أنا رجل وجهت لحرب الأعراب فكفوا عنه‏.‏

وكان أبو أحمد الطالبي المذكور قد ولاه المعتز الكوفة بعدما هزم مزاحم ابن خاقان العلوي الذي كان وجه لقتاله بها وقد تقدم ذكره فعاث أبوأحمد فيها وآذى الناس وأخذ أموالهم وضياعهم فلما أقام عبد الرحمن بالكوفة لاطفه واستماله حتى خالطه أبوأحمد وآكله وشاربه حتى سار به ثم خرج متنزها إلى بستان فأمسى وقد عبأ له عبد الرحمن أصحابه فقيده وسيره إلى بغداد في ربيع الآخر ووجدت مع ابن أخ لمحمد بن علي بن خلف العطار كتب من الحسن بن زيد فكتب بخبره إلى المعتز فكتب إلى محمد بن عبد الله حمله وحمل الطالبيين المذكورين إلى سامرا فحملوا جميعًا‏.‏

وفيها توجه أوالساج إلى طريق خراسان من قبل محمد بن عبد الله‏.‏

وفيها عقد لعيسى بن الشيخ على الرملة وأوفد خليفته أبا المغرا إليهأن وعيسى هذا شيباني وهوعيسى بن الشيخ بن السليل من ولد جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان واستولى على فلسطين جميعهأن فلما كان من الأتراك بالعراق ما ذكرناه تغلب على دمشق وأعمالهأن وقطع ما كان يحمل من الشام إلى الخليفة واستبد بالأموال‏.‏

وفيها كتب وصيف إلى عبد العزيز بن أبي دلف العجلي بتوليته الجبل وبعث إليه بخلع فتولى ذلك من قبله‏.‏

وفيها قتل محمد بن عمروالشاري بديار ربيعة قتله خليفة لأيوب بن أحمد في ذي القعدة‏.‏

وفيها أغار جستان صاحب الديلم مع أحمد بن عيسى بن أحمد العلوي والحسين بن أحمد الكوكبي على الري فقتلوا وسبوا وكان بها عبد الله بن عزيز فهرب منهأن فصالحهم أهل الري على ألفي ألف درهم فارتحلوا عنهأن وعاد ابن عزيز فأخذ أحمد بن عيسى وبعث به إلى نيسابور‏.‏

وفيها مات إسماعيل بن يوسف الطالبي الذي كان فعل بمكة ما فعل‏.‏

وفيها حج بالناس محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور‏.‏

وفيها سير محمد بن عبد الرحمن صاحب الأندلس جيشًا إلى بلاد العدو فقصدوا ألبة والقلاع ومدينة مانة وقتلوا من أهلها عددًا كثيرأن ثم قفل الجيش سالمين‏.‏

وفيها توفي محمد بن بشار بندار وأبوموسى محمد بن المثنى الزمن البصريان وهما مشايخ البخاري ومسلم في الصحيح وكان مولد بندار سنة سبع وستين ومائة‏.‏

حوادث سنة ثلاث وخمسين ومائتين

ذكر أخذ كرج من ابن أبي دلف


فيها عقد المعتز لموسى بن بغا الكبير في رجب على الجبل فسار على مقدمته مفلح فلقيه عبد العزيز بن أبي دلف خارج همذان فتحاربأن وكان مع عبد العزيز أكثر من عشرين ألفًا من الصعاليك وغيرهم فانهزم عبد العزيز وقتل أصحابه‏.‏

فلما كان في رمضان سار مفلح نحوكرج وجعل له كمينين ووجه عبد العزيز عسكرًا فيه أربعة آلاف فقاتلهم مفلح وخرج الكمينان على أصحاب عبد العزيز فانهزموا وقتلوا وأسروا وأقبل عبد العزيز ليعين أصحابه فانهزم بانهزامهم وترك كرج ومضى إلى قلعة له يقال لها زر فتحصن بها ودخل مفلح كرج فأخذ أهل عبد العزيز وفيهم والدته‏.‏

وفيها قتل وصيف وكان سبب قتله أن الأتراك والفراعنة والأشروسنية شغبوا وطلبوا أرزاقهم لأربعة أشهر فخرج إليهم بغا ووصيف وسيما فكلمهم وصيف فقال لهم‏:‏ خذوا التراب ليس عندنا مال‏.‏

قال بغا‏:‏ نعم‏!‏ نسأل أمير المؤمنين ونتناظر في دار أشناس‏.‏

فدخلوا دار أشناس‏.‏

ومضى سيما وبغا إلى المعتز وبقي وصيف في أيديهم فوثب عليه بعضهم فضربه بالسيف ووجأه آخر بسكين ثم ضربوه بالطبرزينات حتى قتلوه وأخذوا رأسه ونصبوه على محراك تنور وجعل المعتز ما كان إلى وصيف إلى بغا الشرابي وهوبغا الصغير وألبسه التاج الوشاحين‏.‏

ذكر قتل بندار الطبري

وفيها قتل بندار الطبري وكان سب قتله أن مساور بن عبد الحميد الموصلي الخارجي لما خرج بالبوازيج كما ذكرنا وكان طريق خراسان إلى بندار ومظفر بن سيسل وكانا بالدسكرة أتى الخبر إلى بندار بمسير مساور إلى كرخ جدان فقال المظفر في المسير إليه فقال للمظفر‏:‏ قد أمسينا وغدًا العيد فإذا قضينا العيد سرنا إليه‏.‏

فسار ندار طمعًا في أن يكون الظفر له فسار ليلا حتى أشرف على عسكر مساور فأشار عليه بعض أصحابه أن يبيتهم فأبى وقال‏:‏ حتى أراهم ويروني فأحس به الخوارج فركبوا واقتتلوا‏.‏

وكان مع بندار ثلاثمائة فارس ومع الخوارج سبع مائة فاشتد القتال بينهم وحمل الخوارج حملة اقتطعوا من أصحاب بندار أكثر من مائة فصبروا لهم وقاتلوهم حتى قتلوا جميعا فانهزم بندار وأصحابه وجعل الخوارج يقطعونهم قطعة بعد قطعة فقتلوهم‏.‏

وأمعن بندار في الهرب فطلبوه فلحقوه فقتلوه ونصبوا رأسه ونجا من أصحابه نحومن خمسين رجلًا وقتل مائة‏.‏

وأتى الخبر إلى المظفر فرحل نحوبغداد وسار مساور نحو حلوان فقاتله أهلها فقتل منهم أربع مائة إنسان وقتلوا من أصحابه جماعة وقتل عدة من حجاج خراسان كانوا بحلوان وأعانوا أهلها ثم انصرفوا عنه‏.‏

وقال ابن مساور في ذلك‏:‏ فجعت العراق بندارها وحزت البلاد بأقطارها وحلوان صبحتها غارة فقبلت أغرار غرارها وعقبة بالموصل أحجرته وطوقته الذل في كارها

ذكر موت محمد بن عبد الله بن طاهر

وفي ليلة أربع عشرة من ذي الحجة انخسف القمر جميعه ومع انتهاء خسوفه مات محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين وكانت علته التي مات بها قروحًا أصابته في حلقه ورأسه فذبحته وكانت تدخل فيها الفتايل‏.‏

ولما اشتد مرضه كتب إلى عماله وأصحابه بتفويض ما إليه من الولاية إلى أخيه عبيد الله بن طاهر فلما مات تنازع ابنه وأخوه عبيد الله الصلاة عليه فصلى عليه ابنه وتنازع عبيد الله وأصحاب طاهر حتى سلوا السيوف ورموا بالحجارة ومالت العامة مع أصحاب طاهر وعبر عبيد الله إلى داره بالجانب الشرقي فعبر معه القواد لاستخلاف محمد فكان أوصاه على أعماله ثم وه المعتز بعد ذلك الخلع إلى عبيد الله فأمر عبيد الله للذي أتاه بالخلع بخمسين ألف درهم‏.‏

ذكر الفتنة بأعمال الموصل

في هذه السنة كانت حرب بين سليمان بن عمران الأزدي وبين عنزة‏.‏وسببها أن سليمان اشترى ناحية من المرج فطلب منه إنسان من عنزة اسمه برهونة الشفعة فلم يجبه إليها فسار برهونة إلى عنزة وهم بين الزابين فاستجار بهم وببني شيبان واجتمع معه وجمع سليمان لهم بالموصل وسار إليهم فعبر الزاب وكانت بينهم حرب شديدة وقتل فيها كثير وكان الظفر لسليمان فقتل منهم بباب شمعون مقتلة عظيمة وأدخل من رؤوسهم إلى الموصل أكثر من مائتي رأس فقال حفص بن عمروالباهلي قصيدة يذكر فيها الوقعة أولها‏:‏ شهدت مواقفنا نزار فأحمدت كرات كل سميدع قمقمام جاؤوا وجئنا لا نفيتم صلنا ضربًا يطيح جماجم الأجسام وهي طويلة‏.‏وفيها كان أيضًا بأعمال الموصل فتنة وحرب قتل فيها الحباب بن بكير التليدي وسبب ذلك أن محمد بن عبد الله بن السيد بن أنس التليدي الأزدي كان اشترى قريتين كان رهنهما محمد بن علي التليدي عنده وكره صاحبهما أن يشتريهما فشكا ذلك إلى الحباب بن بكير فقال الحباب له‏:‏ ائتني بكتاب من بغا لأمنع عنهما وأعطاه دواب ونفقة وانحدر إلى سر من رأى وأحضر كتابًا من بغا إلى الحباب يأمره بكف يد محمد بن عبد الله بن السيد عن القريتين ففعل ذلك وأرسل إليهما من منع محمدا فجرت بينهم مراسلات واصطلحوا‏.‏

فبيمنا محمد بن عبد الله بن السيد والحباب بالبستان على شراب لهما ومعهما قينة قال لها الحباب غني بهذا الشعر‏:‏ كذبتم وبيت الله لا تأخذونها مراغمة ما دام للسيف قائم ولا صلح حتى تقرع البيض بالقنا ويضرب بالبيض الخفاف الجماجم وافترقا وقد حقد كل واحد منهما على صاحبه وأعاد الحباب التوكيل بالقريتين فجمع محمد جمعا وترددت الرسل في الصلح وأجابا إلى ذلك وفرق محمد جمعه فأبلغ محمد أن الحباب قال‏:‏ لوكان مع محمد أربعة لما أجاب إلى الصلح فغضب لذلك وجمع جمعًا كثيرا وسار مبادرًا إلى الحباب فخرج إليه الحباب غير مستعد فاقتتلوا فقتل الحباب ومعه ابن له وجمع من أصحابه وكان ذلك في ذي القعدة من هذه السنة‏.‏

ذكر عدة حوادث

فيها نفي أبو أحمد بن المتوكل إلى البصرة ثم رد إلى بغداد فانزل في الجانب الشرقي بقصر دينار ونفي أيضًا علي بن المعتصم إلى واسط ثم رد إلى بغداد‏.‏

وفيها مات مزاحم بن خاقان بمصر في ذي الحجة وحج بالناس عبد الله ابن محمد بن سليمان الزينبي‏.‏

وفيها غزا محمد بن معاذ من ناحية ملطية فانهزم وأسر‏.‏

وفيها التقى موسى بن بغا والكوكبي العلوي عند قزوين فانهزم الكوكبي ولحق بالديلم وكان سبب الهزيمة أنهم اصطفوا لقتال جعل أصحاب الكوكبي تروسهم في وجوههم فيتقون بها سهام أصحاب موسى فلما رأى موسى أن سهام أصحابه لا تصل إليهم مع فعلهم أمر بما معه من النفط أن يصب في الأرض ثم أمر أصحابه بالاستطراد لهم ففعلوا ذلك فظن الكوكبي وأصحابه أنهم قد انهزموا فتبعهم فلما توسطوا النفط أمر موسى بالنار فألقيت فيه فالتهب من تحت أقدامهم فجعلت تحرقهم فانهزموا فتبعهم موسى ودخل قزوين‏.‏

وفيها في ذي الحجة لقي مساور الخارجي عسكرًا لخليفة مقدمهم حطرمس بناحية جلولاء فهزمه مساور‏.‏

وفيها سار جيش المسلمين من الأندلس إلى بلاد المشركين فافتتحوا حصون جرنيق وحاصروا فوتب وغلب على اكثر أسوارها‏.‏

ذكر ابتداء دولة يعقوب الصفار وملكه

هراة وبوشنج وكان يعقوب بن الليث وأخوه عمرو يعملان الصفر بسجستان ويظهران الزهد والتقشف‏.‏

وكان في أيامهما رجل من أهل سجستان يظهر التطوع بقتال الخوارج يقال له‏:‏ صالح المطوعي فصحبه يعقوب وقاتل معه فحظي عنده فجعله صالح مقام الخليفة عنه ثم هلك صالح وقام ثم إن صاحب خراسان احتال لدرهم لما عظم شأنه وكثر أتباعه حتى ظفر به وحمله إلى بغداد فحبسه بها ثم أطلق وخدم الخليفة بغداد‏.‏

وعظم أمر يعقوب بعد اخذ درهم وصار متولي أمر المتطوعة مكان درهم وقام بحاربة الشراة فظفر بهم وأكثر القتل فيهم حتى كاد يفنيهم وخرب قراهم وأطاعه أصحابه بمكره وحسن حاله ورأيه طاعة لم يطيعوها أحدًا كان قبله واشتدت شوكته فغلب على سجستان وأظهر التمسك بطاعة الخليفة وكاتبه وصدر عن أمره وأظهر أنه هوأمره بقتال أتباعه فخرج عن حد طلب الشراة وصار يتناول أصحاب أمير خراسان للخليفة‏.‏

ثم سار من سجستان إلى هراة من خراسان هذه السنة ليملكها وكان أمير خراسان محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين وعامله على هراة محمد بن أوس الأنباري فخرج منها لمحاربة يعقوب في تعبئة حسنة وبأس شديد وزي جميل فتحاربا واقتتلا قتالًا شديدا فانهزم ابن أوس وملك يعقوب هراة وبوشنج وصارت المدينتان في يده فعظم أمره حينئذ وهابه أمير خراسان وغيره من أصحاب الأطراف‏.‏

حوادث سنة أربع وخمسين ومائتين

وفيها قتل بغا الشرابي وكان سبب قتله أنه كان يحرض المعتز على المسير إلى بغداد والمعتز يأبى ذلك ويكرهه فاتفق أن بغا اشتغل بتزويج ابنته من صالح بن وصيف فركب المعتز ومعه أحمد بن إسرائيل إلى كرخ سامرا إلى بابكيال التركي ومن معه من المنحرفين عن بغا‏.‏

وكان سبب انحرافه عنه أنهما كانا على شراب لهما فعربد أحدهما على الآخر فاختفى بابكيال من بغا فلما أتاه المعتز اجتمع معه أهل الكرخ وأهل الدور ثم أقبلوا مع المعتز إلى الجوسق بسامرا وبلغ ذلك بغا فخرج في غلمانه وهم زهاء خمس مائة إنسان من ولده وقواده فسار إلى السن فشكا أصحابه بعضهم إلى بعض ما هم فيه من العسف وأنهم خرجوا بغير مضارب ولا ما يلبسونه في البرد وأنهم في شتاء فأتاه بعض أصحابه وأخبره بقولهم فقال‏:‏ دعني حتى انظر الليلة‏.‏

فلما جن عليه الليل ركب في زورق ومعه خادمان وشيء من المال الذي صحبه وكان قد صحه تسع عشرة بدرة دنانير ومائة بدرة دراهم ولم يحمل معه سلاحا ولا سكينا ولا شيئا ولم يعلم به أحد من عسكره‏.‏

وكان المعتز في غيبة بغا لا ينام إلا في ثيابه وعليه السلاح فسار بغا إلى الجسر في الثلث الأول من الليل فبعث الموكلون بالجسر ينظرون من هو فصاح بالغلام فرجع وخرج بغا في البستان الخاقاني فلحقه عدة من الموكلين فوقف لهم بغا وقال‏:‏ أنا بغا إما أن تذهبوا معي إلى صالح بن وصيف وإما أن تصيروا معي حتى أحسن إليكم‏.‏

فتوكل به بعضهم وأرسلوا إلى المعتز بالخبر فأمر بقتله فقتل وحمل رأسه إلى المعتز ونصب بسامرا وبغداد وأحرقت المغاربة جسده وكان أراد أن يختفي عند صالح بن وصيف فإذا اشتغل الناس بالعيد وكان قد قرب وخرج هووصالح ووثبوا بالمعتز‏.‏

ذكر ابتداء حال أحمد بن طولون

كانت ديار مصر قد أقطعها بابكيال وهومن أكابر قواد الأتراك وكان مقيمًا بالحضرة واستخلف بها من ينوب عنه بها‏.‏

وكان طولون والد أحمد بن طولون أيضًا من الأتراك وقد نشأ هو بعد والده على طريقة مستقيمة وسيرة حسنة فالتمس بابكيال من يستخلفه بمصير فأشير عليه بأحمد بن طولون لما ظهر عنه من حسن السيرة فولاه وسيره إليها‏.‏

وكان بها ابن المدبر على الخراج وقد تحكم في البلد فلما قدمها أحمد كف يد ابن المدبر واستولى على البلد وكان بابكيال قد استعمل أحمد بن طولون على مصر وحدها سوى باقي الأعمال كالإسكندرية وغيرها فلما قتل المهدي بابكيال وصارت مصر لياركوج التركي وكان بينه وبين أحمد ابن طولون مودة متأكدة استعمله على ديار مصر جميعها فقوي أمره وعلا شأنه ودامت أيامه ‏{‏ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 21‏]‏‏.‏

ذكر وقعة بين مساور الخارجي وبين عسكر الموصل

كان مساور بن عبد الحميد قد استولى على أكثر أعمال الموصل وقوي أمره فجمع له الحسن بن أيوب بن أمد بن عمر بن الخطاب العدوي التغلبي وكان خليفة أبيه بالموصل عسكرًا كثيرًا منهم حمدان بن حمدون جد الأمراء الحمدانية وغيره وسار إلى مساور وعبر إليه نهر الزاب فتأخر عنه مساور عن موضعه ونزل بموضع يقال له وادي الذيات وهوواد عميق فسار الحسن في طلبه فالتقوا في جمادى الأولى واقتتلوا واشتد القتال فانهزم عسكر الموصل وكثر القتل فيهم وسقط كثير منهم في الوادي فهلك فيه أكثر من القتلى ونجا الحسن فوصل إلى حزة من أعمال إربل اليوم ونجا محمد بن علي بن السيد فظن الخوارج أنه الحسن فتبعوه وكان فارسًا شجاعا فقاتلهم فقتل واشتد أمر مساور وعظم شأنه وخافه الناس‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة توفي أبوأحمد بن الرشيد وهوعم الواثق والمتوكل وعم أبي المنتصر والمستعين والمعتز وكان معه من الخلفاء إخوته الأمين والمأمون والمعتصم وابنا أخيه الواثق والمتوكل ابنا المعصتم وأبناء ابني أخيه وهم المنتصر والمستعين والمعتز‏.‏وفيها في جمادى الآخرة توفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبي طالب عليه السلام بسامرا وهوأحد من يعتقد الإمامية إمامته وصلى عليه أبوأحمد بن المتوكل وكان مولده سنة اثنتي عشرة ومائتين‏.‏

وفيها عقد صالح بن وصيف لديوداد على ديار مصر وقنسرين والعواصم‏.‏

وفيها أوقع مفلح بأهل قم فقتل منهم مقتلة عظيمة‏.‏

وفيها عاود أهل ماردة من بلاد الخلاف على محمد بن محمد بن عبد الرحمن صاحب الأندلس وسبب ذلك أنهم خالفوا قديمًا على أبيه فظفر بهم وتفرق كثير من أهلها فلما كان الآن تجمع إليها من كان فارقها فعادوا إلى الخلاف والعصيان فسار محمد إليهم وحصرهم وضيق عليهم فانقادوا إلى التسليم والطاعة فنقلهم وأموالهم إلى قرطبة وهدم سور ماردة وحصن بها الموضع الذي كان يسكنه العمال دون غيرهم‏.‏

وفيها هلك أردون بن ردمير صاحب جليقية من الأندلس وولي مكانه أدفونش وهوابن اثنتي

وفيها انكسف القمر كسوفًا كليًا لم يبق منه شيء ظاهر‏.‏

وفيها كان ببلاد قحط شديد تتابع عليهم من سنة إحدى وخمسين إلى سنة خمس وخمسين وكشف الله عنهم‏.‏

وفيها وصل دلف بن عبد العزيز بن أبي دلف العجلي إلى الأهواز وجند يسابور وتستر فجبى بها مائتي ألف دينار ثم انصرف وكان والده أمره بذلك‏.‏

وفي رمضان سار نوشرى إلى مساور الشاري فلقيه فهزمه وقتل من أصحابه جماعة كثيرة‏.‏

وحج بالناس علي بن الحسين بن إسماعيل بن عباس بن محمد‏.‏

وفيها توفي أبوالوليد بن عبد الملك بن قطن النحوي القيرواني بها وكان إمامًا في النحوواللغة وإمامًا بالعربية قيل مات خمس وخمسين وهوأصح‏.‏

حوادث سنة خمس وخمسين ومائتين

ذكر استيلاء يعقوب بن الليث الصفار على كرمان


وفيها استولى يعقوب بن الليث الصفار على كرمان وسبب ذلك أن علي ابن الحسين بن شبل كان على فارس فكتب إلى المعتز يطلب كرمان ويذكر عجز الطاهرية وأن يعقوب قد غلبهم على سجستان وكان علي بن الحسين قد تباطأ بحمل خراج فارس فكتب إليه المعتز بولاية كرمان وكتب إلى يعقوب ابن الليث بولايتها أيضا يلتمس إغراء كل واحد منهما بصاحبه ليسقط مؤونة الهالك عنه وينفرد بالآخر‏.‏

وكان كل واحد منهما يظهر طاعة لا حقيقة لها والمعتز يعلم ذلك منهما فأرسل علي بن الحسين طوق بن المغلس إلى كرمان وسار يعقوب إليها فسبقه طوق واستولى عليها وأقبل يعقوب حتى بقي بينه وبين كرمان مرحلة فأقام بها شهرين لا يتقدم إلى طوق ولا طوق يخرج إليه فلما طال ذلك عليه أظهر الارتحال إلى سجستان فارتحل مرحلتين وبلغ طوقًا ارتحاله فظن أنه قد بدا له في حربه وترك كرمان فوضع آلة الحرب وقعد للأكل والشرب والملاهي‏.‏

واتصل يعقوب إقبال طوق على الشرب فكر راجعا فطوى المرحلتين في يوم واحد فلم يشعر طوق إلا بغبرة عسكره فقال‏:‏ ما هذا فقيل‏:‏ غبرة المواشي فلم يكن بأسرع من موافاة يعقوب فأحاط به وأصحابه فذهب أصحابه يريدون المناهضة والدفع عن أنفسهم فقال يعقوب لأصحابه‏:‏ أفرجوا لقوم‏!‏ فمروا هاربين وخلوا كل ما لهم وأسر يعقوب طوقًا‏.‏

وكان علي بن الحسين قد سير مع طوق في صناديق قيودًا ليقيد بها من يأخذه من أصحاب يعقوب وفي صناديق أطوقه وأسورة ليعطيها أهل البلاء من أصحاب نفسه فلما غمن يعقوب

عسكرهم رأى ذلك فقال‏:‏ ما هذا ياطوق فأخبره فأخذ الاطوقة والأسورة فأعطاها أصحابه وأخذ القيود والأغلال فقيد بها أصحاب علي‏!‏ ولما أخرج يد طوق ليضع فيها الغل رآها يعقوب وعليها عصابة فسأله عنها فقال‏:‏ أصابتني حرارة فقصدتها‏.‏

فأمر بنزع خف نفسه فتساقط منه كسر خبز يابسة فقال‏:‏ يا طوق‏!‏ هذا خفي لم أنزعه منذ شهرين من رجلي وخبزي في خفي منه آكل وأنت جالس في الشرب ثم دخل كرمان وملكها مع سجستان‏.‏

ذكر ملك يعقوب فارس

وفيها رابع جمادى الأولى ملك يعقوب بن الليث فارس ولما بلغ علي بن الحسين بن شبل بفارس ما فعله يعقوب بطوق أيقن بمجيئه إليه وكان علي بشيراز فجمع جيشه وسار إلى مضيق خارج شيراز من أحد جانبيه جبل لا يسلك ومن الجانب الآخر بهر لا يخاض فأقام على رأس المضيق وهوضيق ممره لا يسلكه إلا واحد بعد واحد وهوعلى طرف البر وقال‏:‏ إن يعقوب لا يقدر على الجواز إلينا فرجع‏.‏

وأقبل يعقوب حتى دنا من ذلك المضيق فنزل على ميل منه وسار وحده ومعه رجل آخر

فنظر إلى ذلك المضيق والعسكر وأصحاب علي بن الحسين يسبونه وهو ساكت ثم رجع إلى أصحابه فلما كان الغد الظهر سار بأصحابه حتى صار إلى طرف المضيق ممايلي كرمان فأمر أصحابه بالنزول وحط الأثقال ففعلوا وركبوا دوابهم عريا واخذ كلبًا كان معه فألقاه في الماء فجعل يسبح إلى جانب عسكر علي بن الحسين وكان علي بن الحسين وأصحابه قد ركبوا ينظرون إلى فعله ويضحكون منه‏.‏

وألقى يعقوب نفسه وأصحابه في الماء على خيلهم وبأيديهم الرماح يسيرون خلف الكلب فلما رأى علي بن الحسين أن يعقوب قد قطع عامة النهر تحير في أمره وانتقض عليه تدبيره وخرج أصحابه يعقوب من وراء أصحاب علي فلما خرج أوائلهم هرب أصحابه إلى مدينة شيراز لأنهم كانوا يصيرون إذا خرج يعقوب وأصحابه بين جيش يعقوب والمضيق ولا يجدون ملجأن فانهزموأن فسقط علي بن الحسين عن دابته كبا به الفرس فاخذ أسيرأن وأتي به إلى يعقوب فقيده فلما أصبح نهب أصحاب دار علي ودور أصحابه وأخذ ما في بيوت الأموال وبي الخراج ورجع إلى سجستان‏.‏

وقيل إنه جرى بين يعقوب الصفار وبين علي بن الحسين بعد عبوره النهر حرب شديدة وذلك أن عليًا كان قد جمع عنده جمعًا جمعًا كثيرًا من الموالي والأكراد وغيرهم بلغت عدتهم خمسة

عشر ألفًا بين فارس وراجل فعبأ أصحابه ميمنة وميسرة وقلبًا ووقف هوفي القلب وأقبل الصفار فعبر النهر فلما صار مع علي على أرض واحدة حمل هووعسكره حملة واحدة على عسكر علي فثبتوا لهم ثم حمل ثانية لهم عن مواقفهم وصدقهم في الحرب فانهزموا على وجوههم لا يلوي أحد على أحد‏.‏

وتبعهم علي يصيح بهم ويناشدهم الله ليرجعوا أوليقفوا فلم يلتفت إليه أحد وقتل الرجالة قتلًا ذريعأن وأقبل المنهزمون إلى باب شيراز مع العصر فازدحموا في الأبواب فتفرقوا في نواحي فارس وبلغ بعضهم في هزيمته إلى الأهواز‏.‏

فلما رأى الصفار ما لقوا من القتل أمر بالكف عنهم ولولا ذلك لقتلوا عن آخرهم‏.‏

وكان القتل خمسة آلاف قتي وأصاب علي بن الحسين ثلاث جراحات ثم أخذ أسيرًا لما عرفوه ودخل الصفار إلى شيراز وطاف بالمدينة ونادى بالأمان فأطمأن الناس وعذب عليًا بأنواع العذاب وأخذ من أمواله ألف بدرة وقيل أربع مائة بدرة ومن السلاح والأفراس وغير ذلك ما لا يحد وكتب إلى الخليفة بطاعته وأهدى له هدية جليلة منها عشرة بيزان بيض وباز أبلق صيني ومائة من مسك وغيرها من الطرائف وعاد إلى سجستان ومعه علي وطوق تحت الأستظهار فلما فارق بلاد فارس أرسل الخليفة عمالة إليها‏.‏

وفيها في يوم الأربعاء لثلاث بقين من رجب خلع المعتز لليلتين خلتا من شعبان ظهر موته‏.‏

وكان سبب خلعه أن الأتراك لما فعلوا بالكتاب ما ذكرناه ولم يحصل منهم مال ساروا إلى المعتز يطلبون أرزاقهم وقالوا‏:‏ أعطنا أرزاقنا حتى نقتل صالح بن وصيف فلم يكن عنده ما يعطيهم فزلوا معه إلى خمسين ألف دينار فأرسل المعتز إلى أمه يسألها أن تعطيه مالًا ليعطيهم فأرسلت إليه‏:‏ ما عندي شيء‏.‏

فلما رأى الأتراك أنهم لا يحصل لهم من المعتز شيء ولا من أمه وليس في بيت المال شيء اتفقت كلمتهم وكلمة المغاربة والفراغنة على خلع المعتز فساروا إليه وصاحوأن فدخل إليه صالح ومحمد بن بغا المعروف بأبي نصر وبابكيال في السلاح فجلسوا على بابه وبعثوا إليه أن اخرج إلينأن فقال‏:‏ قد شربت أمس دواء وقد أفرط في العمل فإن كان أمر لا بد منه فليدخل بعضكم‏!‏ وهويظن أن أمره واقف على حاله فدخل إليه جماعة منهم فجروه برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه وأقاموه في الشمس في الدار فكان برفع رجلًا ويضع أخرى لشدة الحر وكان بعضهم يلطمه وهويتقي بيده وأدخلوه حجرة وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة أشهدوهم على خلعه وشهدوا على صالح بن وصيف أن للمعتز وأمه وولده وأخته الأمان‏.‏

وكانت أمه قد اتخذت في دارها سربا فخرجت منه هي وأخت المعتز وكانوا أخذوا عليها الطريق ومنعوا أحدًا يجوز إليها وسلموا المعتز إلى من يعذبه فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام فطلب حسوة من ماء البئر فمنعوه ثم أدخلوه سردابا وجصصوا عليه فمات فلما مات اشهدوا على موته بني هاشم والقواد وأنه لا أثر فيه ودفنوه مع المنتصر‏.‏

وكانت خلافته من لدن بويع إلى أن خلع أربع سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا وكان عمره كله أربعًا وعشرين سنة وكان أبيض أسود الشعر كثيفه حسن العينين والوجه أحمر الوجنتين حسن الجسم طويلًا وكان مولده بسر من رأى وكان فصيحا فمن كلامه لما سار المستعين إلى بغداد وقد أحضر جماعة للرأي فقال لهم‏:‏ أما تنظرون إلى هذه العصابة التي ذاع نفاقها الهمج العصاة الأوغاد الذين لا مسكة بهم ولا اختيار لهم ولا تمييز معهم قد زين لهم تقم الخطأ سوء أعمالهم فهم الأقلون وإن كثروا والمذمومون إذا ذكروا أن وقد علمت أنه لا يصلح لقود الجيوش وسد الثقور وإبرام الأمور وتدبير الأقاليم إلا رجل قد تكاملت فيه خصال أربع‏:‏ حزم يتقي به عند موارد الأمور حقائق مصادرهأن وعلم يحجزه عن التهور والتعزير في الأشياء إلا مع إمكان فرصتهأن وشجاعة لا تفضها الملمات مع تواتر حوائجهأن وجود يهون تبذير الأموال عند سؤالهأن وسرعة مكافأة الإحسان إلى صالح الأعوان وثقل الوطأة

وأما الاثنتان فإسقاط الحجاب عن الرعية والحكم بين القوي والضعيف بالسوية‏.‏

وأما الواحد فالتيقظ للأمور وقد اخترت لهم رجلًا من موالي أحدهم شديد الشكيمة ماضي العزيمة لا تبطره السراء ولا تدهشه الضراء ولا يهاب ما وراءه ولا يهوله ما يلقاه فهوكالحريش في أصل الإسلام إن حرك حمل وإن نهش قتل عدته عتيدة ونعمته شديدة يلقى الجيش في النفر القليل العديد بقلب أشد من الحديد طالب للثأر لا تفله العساكر باسل البأس ومقتضب الأنفاس لا يعوزه ما طلب ولا يفوته من هرب واري الزناد مضطلع العماد لا تشرهه الرغائب ولا تعجزه النوائب وإن ولي كفى وإن قال وفى وإن نازل فبطل وإن قال فعل ظله لوليه ظليل وبأسه في الهياج عليه دليل يفوق من ساماه ويعجز من ناواه ويتعب من جاراه وينعش من والاه‏.‏     ‏  ‏   ‏ ‏ ‏