وفي يوم الأربعاء لليلة بقيت من رجب بويع لمحمد بن الواثق ولقب بالمهتدي بالله وكان يكنى أبا عبد الله وأمه رومية وكانت تسمى قرب ولم يقبل بيعة أحد فأتي بالمعتز فخلع نفسه وأقر بالعجز عما أسند إليه وبالرغبة في تسليمها إلى ابن الواثق فبايعه الخاصة والعامة.
وفي هذه السنة شغبت العامة ببغداد سلخ رجب ووثبوا بسليمان بن عبد الله.
وكان سببه أن كتاب المهتدي ورد سلخ رجب إلى سليمان يأمره بأخذ البيعة له وكان أبوأحمد بن المتوكل ببغداد وكان المعتز قد سيره إليها كما تقدم فأرسل سليمان إليه فأخذه إلى داره.
وسمع من ببغداد من الجند والعامة بأمر المعتز فاجتمعوا إلى باب دار سليمان فقاتلهم أصحابه وقيل لهم: ما يرد علينا من سامرا خبر فانصرفوا.
ورجعوا الغد وهويوم الجمعة على ذلك وخطب للمعتز ببغداد فانصرفوا وبكروا يوم السبت فهجموا على دار سليمان ونادوا باسم أبي أحمد ودعوا إلى بيعته وسألوا سليمان أن يريهم أبا أحمد فأظهره لهم ووعدهم أن يصير إلى محتهم إن تأخر عنهم ما يحبون فانصرفوا بعد أن أكدوا عليه في حفظ أبي أحمد.
ثم أرسل إليهم من سامرا مال ففرق فيهم فرضوا وبايعوا للمهتدي لسبع خلون من شعبان وسكنت الفتنة.
ذكر ظهور قبيحة أم المعتز
قد ذكرنا استتارها عند قتل ابنها وكان السبب في هربها وظهورها أنها كانت قد واطأت النفر من الكتاب الذين أوقع بهم صالح على الفتك بصالح فلما أوقع بهم وعذبهم علمت أنهم لا يكتمون عنه شيئا فأيقنت بالهلاك فعملت في الخلاص وأخرجت ما في الخزائن إلى خارج الجوسق من الأموال والجواهر وغيرها فأودعته واحتالت فحفرت سربًا في حجرة لها إلى موضع يفوت التفتيش فلما خرجت الحادثة على المعتز بادرت فخرجت في ذلك السرب فلما فرغوا من المعتز طلبوها فلم يجدوها ورأوا السرب فخرجوا منه فلم يقفوا على خبرها وبحثوا عنها فلم يظفروا بها.
ثم إنها فكرت فرأت أن ابنها قتل وأن الذي تختفي عنده يطمع في مالها وفي نفسها ويتقرب بها إلى صالح فأرسلت امرأة عطارة إلى صالح ابن وصيف فتوسطت الحال بينهما وظهرت في رمضان وكانت لها أموال ببغداد فأحضرتها وهي مقدار خمسمائة ألف دينار وظفروا لها بخزائن تحت الأرض فيها أموال كثيرة ومن جملتها دار تحت الأرض وجدوا فيها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار ووجدوا في سفط قدر مكوك زمرد لم ير الناس مثله وفي سفط آخر مقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار وفي سفط مقدار كيلجة من الياقوت الأحمر الذي لم يوجد مثله فحمل الجميع إلى صالح فسبها وقال: عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار وعندها
ثم سارت قبيحة إلى مكه فسعت وهي تدعوبصوت عال على صالح ابن وصيف وتقول: اللهم أخز صالحًا كما هتك ستري وقتل ولدي وشتت شملي وأخذ مالي وغربني عن بلدي وركب الفاحشة مني وأقامت بمكة.
وكان المتوكل سماها قبيحة لحسنها وجمالها كما يسمى الأسود كافورًا.
قال: وكانت أم المهتدي قد ماتت قبل استخلافه وكانت تحت المستعين فلما قتل جعلها المعتز في قصر الرصافة فماتت فلما ولي المهتدي قال: أما أنا فليس لي أم أحتاج لها غلة عشرة آلاف دينار في كل سنة لجواريها وخدمها والمتصلين بها وما أريد إلا القوت لنفسي وولدي وما أريد فضلًا إلا لإخوتي فإن الضائقة قد مستهم.
ذكر قتل أحمد بن إسرائيل وأبي نوح
وفيها قتل أحمد بن إسرائيل وكان صالح قد عذبه بعد أن أخذه وأخذ ماله ومال الحسن بن مخلد ثم أمر بضربه وضرب أبي نوح ضرب التلف كل واحد منهما خمس مائة سوط فماتا ودفنا وبقي الحسن بن مخلد في الحبس.
ولما بلغ المهتدي ضربهما قال: أما عقوبة إلا السوط والقتل أما يكفي الحبس إنا لله وإنا إليه راجعون! يكرر ذلك مرارًا.
وشغب الجند والعامة بها وفي رمضان وثب عامة بغداد وجندها بمحمد بن أوس البلخي.
وكان السبب في ذلك أن محمد بن أوس قدم من خراسان مع سليمان بن عبد الله بن طاهر على الجيش القادمين من خراسان وعلى الصعاليك الذين معهم ولم تكن أسماؤهم في ديوان العراق وكانت العادة أن يقام لمن يقدم من خراسان بالعراق ما كان لهم بخراسان ويكون وجه ذلك من دخل ضياع ورثة طاهر بن الحسين ويكتب إلى خراسان ليعطي الورثة من بيت المال عوضه.
فلما سمع عبيد الله بن عبد الله بقدوم سليمان إلى العراق ومصير الأمر إليه أخذ ما في بيت مال الورثة وأخذ نجومًا لم تحل وسار فأقام بالجويب في شرقي دجلة ثم انتقل إلى غربيها فقدم سليمان فرأى بيت مال الورثة فارغا فضاقت عليه الدنيا وأعطى أصحابه من أموال جند بغداد وتحرك الجند والشاكرية في كلب الأرزاق.
وكان الذين قدموا مع محمد بن أوس من خراسان قد اساؤوا مجاورة أهل بغداد وجاهروا بالفاحشة وتعرضوا للحرم والغلمان بالقهر فامتلأوا عليهم غيظًا وحنقا فاتفق العامة مع الجند وثاروأن وأتوا سجن بغداد عند باب الشام فكسروا بابه وأطلقوا من فيه وجرت حرب بين القادمين مع ابن أوس وبين أهل بغداد فعبر ابن أوس وأصحابه وأولاده إلى الجزيرة وتصايح الناس: من أراد النهب فيلحق بنا! فقيل إنه عبر إلى الجزيرة من العامة أكثر من مائة ألف نفس وأتاهم الجند في السلاح فهرب ابن أوس إلى منزله فتبعه الناس فتحاربوا نصف نهار حربًا شديدة وجرح ابن أوس وانهزم هووأصحابه وتبعه الناس حتى أخرجوهم من باب الشماسية وانتهبوا منزله وجميع ما كان فيه فقيل: كان قيمة ذلك ألفي ألف درهم وأخذوا له من الأمتعة ما لا حد عليه ونهب أهل بغداد منازل الصعاليك من أصحابه.
فأرسل سليمان بن عبد الله إلى ابن أوس يأمره بالمسير إلى خراسان ويعلمه أنه لا طريق له إلى العود إلى بغداد فرحل إلى النهروان فنهب وأفسد ثم أتى بابكيال التركي كتب إليه ولاة طريق خراسان في ذي القعدة وكان مساور بن عبد الحميد قد استخلف رجلًا اسمه موسى بالدسكرة ونواحيها في ثلاثمائة رجل وإليه ما بين حلوان والسوس على طريق خراسان وبطن جوخى.
وفيها أمر المهتدي بإخراج القيان والمغنين من سامرا ونفاهم عنها وأمر أيضًا بقتل السباع التي كانت بدار السلطان وطرد الكلاب ورد المظالم وجلس للعامة ولما ولي كانت الدينا كلها بالفتن منسوخة.
في هذه السنة سار مفلح إلى طبرستان فحارب الحسن بن زيد العلوي فانهزم الحسن ولحق بالديلم ودخل مفلح البلد وأحرق منازل الحسن وسار إلى الديلم في طلبه ثم عاد عن طبرستان بعد أن دخلها وهزم الحسن ابن زيد العلوي وعاد موسى بن بغا من الري.
وسبب ذلك أن قبيحة أم المعتز لما رأت اضطراب الأتراك كتبت إلى موسى تسأله القدوم عليهم وأملت أن يصل قبل أن يفرط في ولدها فارط فعزم موسى على الانصراف وكتب إلى مفلح يأمره بالانصراف عن طبرستان إليه بالري فورد كتابه إلى مفلح وهوقد توجه إلى أرض الديلم في طلب الحسن بن زيد العلوي فلما أتاه الكتاب رجع فأتاه من كان هرب من الحسن من أهل طبرستان ورجوا العود إلى بيوتهم وقالوا له: ما سبب عودك فأخبرهم بكتاب الأمير إليه بعزم عليه ولم يتهيأ لموسى المسير عن الري حتى أتاه خبر المعتز والبيعة للمعتدي فبايعوا المهتدي.
ثم إن الموالي الذين مع موسى بلغهم ما أخذ صالح بن وصيف من أموال الكتاب وأسلاب المعتز فحسدوا المقيمين بسامرا فدعوا موسى بن بغا بالانصراف وقدم عليهم مفلح وهوبالري فسار نحو سامرا فكتب إليه المهتدي يأمره بالعود إلى الري ولزوم ذلك الثغر فلم يفعل فأرسل إليه رجلين من بني هاشم يعرفانه ضيق الأموال عنده ويحذرانه غلبة العلويين على ما يجعله
وكان صالح بن وصيف يعظم على المهتدي انصرافه وينسبه إلى المعصية والخلاف ويتبرأ إلى المهتدي من فعله ولما أتى الرسل موسى ضج الموالي وكادوا أن يثبتوا بالرسل ورد موسى الجواب يعتذر بتخلف من معه عن الرجوع إلى قوله دون ورود باب أمير المؤمنين ويحتج بما عاين الرسل وأنه إن تخلف عنهم قتلوه وسير مع الرسل جماعة من أصحابه فقدموا سامرا سنة ست وخمسين ومائتين.
ذكر استيلاء مساور على الموصل
لما انهزم عسكر الموصل من مساور الخارجي كما ذكرناه قوي أمره وكثر أتباعه فسار من موضعه وقصد الموصل فنزل بظاهرها عند الدير الأعلى فاستتر أمير البلد منه وهوعبد الله بن سليمان لضعفه عن مقاتلته ولم يدفعه أهل الموصل لميلهم إلى الخلاف فوجه مساور جمعًا إلى دار عبد الله أمير البلد فأحرقها ودخل مساور الموصل بغير حرب فلم يعرض لأحد.
وحضرت الجمعة فدخل المسجد الجامع وحضر الناس أومن حضر منهم فصعد المنبر وخطب عليه فقال في خطبته: اللهم أصلحنا وأصلح ولاتنا! ولما دخل في الصلاة جعل إبهاميه في أذنيه ثم كبر ست تكبيرات ثم قرأ بعد ذلك ولما خطب جعل على درج المنبر من أصحابه
من يحرسه بالسيوف وكذلك في الصلاة لأنه خاف من أهل الموصل ثم فارق الموصل ولم يقدم على المقام بها لكثرة أهلها وسار إلى الحديثة لأنه كان اتخذها دار هجرته.
ذكر أول خروج صاحب الزنج
وفي شوال خرج في فرات البصرة رجل وزعم أنه علي بن محمد بن أمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وجمع الزنج الذين كانوا سيكنون السباخ وعبر دجلة فنزل الديناري.
قال أبوجعفر: وكان اسمه فيما ذكر علي بن محمد بن عبد الرحيم ونسبه في عبد القيس وأمه ابنة علي بن رحيب بن محمد بن حكيم من بني أسد بن خزيمة من قرى الري وكن يقول: جدي محمد بن حكيم من أهل الكوفة أحد الخارجين على هشام بن عبد الملك مع زيد بن علي بن الحسين فلما قتل زيد هرب فلحق بالري فجاء إلى قرية ورزنين وأقام بها.
وإن أبا أبيه عبد الرحيم رجل من عبد القيس كان مولده بالطالقان وقدم العراق واشترى جارية سندية وأولدها محمدًا أباه وكان متصلًا قبل بجماعة من حشاية المنتصر منهم غامن الشطرنجي وسعيد الصغير وكان معاشه منهم ومن أصحاب السلطان وكان يمدحهم ويستميحهم بشعره
ثم إنه شخص من سامرا سنة تسع وأربعين ومائتين إلى البحرين فادعى بها أنه علي بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ودعا الناس بهجر إلى طاعته فاتبعه جماعة كثيرة من أهلها ومن غيرهم فجرى بين الطائفتين عصبية قتل فيها جماعة.
وكان أهل البحرين قد أحلوه بمحل نبي وجبى الخراج ونفذ فيهم حكمه وقاتلوا أصحاب السلطان بسببه فوتر منهم جماعة فتنكروا به فانتقل عنهم إلى الإحساء ونزل على قوم من بني سعد بن تميم يقال لهم: بنوالشماس وأقام فيهم وفي صحبته جماعة من البحرين منهم: يحيى ابن محمد الأزرق البحراني وسليمان بن جامع وهوقائد جيشه.
وكان ينتقل بالبادية فذكر عنه أنه قال: أوتيت في تلك الأيام بالبادية آيات من آيات إمامتي ظاهرة للناس منها أني لقنت سورًا من القرآن فجرى بها لساني في ساعة وحفظتها في دفعة واحدة منها: سبحان والكهف وصاد ومنها أني فكرت في الموضع الذي أقصده حيث أتيت في البلاد فأظلتني غمامة وخوطبت منها فقيل لي: اقصد البصرة.
وقيل عنه إنه قال لأهل البادية: إنه يحيا به عمر العلوي أبوالحسن المقتول بناحية الكوفة فخدع أهلها فأتاه منهم جماعة كثيرة فزحف بهم إلى الردم من البحرين كانت بينهم وقعة عظيمة فلما تفرقت عنه سار فنزل البصرة في بني ضبيعة فاتبعه منهم جماعة كبيرة منهم: علي بن أبان المهلبي وكان قدومه البصرة سنة أربع وخمسين ومائتين ومحمد بن رجاء الحضاري عاملها ووافق ذلك فتنة أهل البصرة بالبلالية والسعدية.
وطمع في إحدى الطائفتين أن تميل إليه فأرسل إليهم يدعوهم فلم يجبه أحد من أهل البلد وطلبه ابن رجاء فهرب فحبس جماعة ممن كانوا يميلون إليه منهم: ابنه وزوجته وابنة له وجارية حامل منه.
وسار يريد بغداد ومعه من أصحابه محمد بن سلم ويحيى بن محمد وسليمان بن جامع ومرقس القريعي فلما صار بالبطيحة نذر بهم رجل كان يلي أمرها اسمه عمير بن عمار فحملهم إلى محمد بن أبي عون عامل واسط فخلص منه هووأصحابه فدخل بغداد فأقام بها حولا فانتسب إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن زسد فزعم بها أنه ظهر له آيات عرف بها ما في ضمائر أصحابه وما يفعل كل واحد منهم فاستمال جماعة من أهل بغداد منهم: جعفر بن محمد الصوحاني من ولد يزيد بن صوحان ومحمد بن القاسم ومشرق ورقيق غلامًا يحيى بن عبد الرحمن فسمى مشرقًا حمزة وكناه أبا أحمد وسمى رقيقًا جعفرا وكناه أبا الفضل.
وعزل محمد بن رجاء عن البصرة فوثب رؤساء والسعدية فأخرجوا من في الحبوس فخلص أهله فيهم فلما بلغه خلاص أهله رجع إلى البصرة وكان رجوعه في رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين ومعه علي بن أبان ويحيى بن محمد وسليمان ومشرق ورقيق فوافوا البصرة فنزل بقصر القرشي على نهر يعرف بعمود ابن المنجم وأظهر أنه وكيل لولد الواثق في بيع السباخ فأقام هنالك.
وذكر ريحان أحد غلمان السورجيين وهوأول من صحبه منهم أنه قال: كنت موكلًا بغلمان مولاي أنقل لهم الدقيق فأخذني أصحابه فساروا بي إليه وأرموني أن أسلم عليه بالإمرة ففعلت فسألني عن الموضع الذي جئت منه فأخبرته وسألني عن أخبار البصرة فقلت: لا علم لي وسألني عن غلمان السورجيين وعن أحوالهم وما يجري لهم فأعلمته فدعاني إلى ما هوعليه فأجبته فقال: احتل فيمن قدرت عليه من الغلمان وأقبل بهم إلي ووعدني أن يقودني على من آتيه به واستحلفني أن لا أعلم أحدًا بموضعه وأن أرجع إليه وخلى سبيلي.
وعدت إليه من الغداة وقد أتاه جماعة من غلمان الدباشين فكتب في حريرة: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} [التوبة: 111]. وجعلها في رأس مردي وما زال يدعو غلمان أهل البصرة ويقبلون إليه للخلاص من الرق والتعب فاجتمع عنده منهم خلق كثير فخطبهم ووعدهم أن يقودهم ويملكهم الأموال وحلف لهم بالإيمان أن لا يغدر بهم ولا يخذلهم ولا يدع شيئًا من الإحسان إلا أتى به إليهم فأتاه مواليهم وبذلوا له على كل عبد خمسة دنانير ليسلم إليه عبده بطح أصحابهم وأمر كل من عنده من العبيد فضربوا مواليهم أووكيلهم كل سيد خمسمائة سوط ثم أطلقهم فمضوا نحوالبصرة.
ثم ركب في سفن هناك فعبر دجيلًا إلى نهر ميمون فأقام هناك ولم يزل هذا دأبه يتجمع إليه السودان إلى يوم الفطر فخطبهم وصلى بهم وذكرهم ما كانوا فيه من الشقاء وسوء الحال وأن الله تعالى أبعدهم من ذلك وأنه يريد أن يرفع أقدارهم ويملكهم العبيد والأموال.
فلما كان بعد يومين رأى أصحابه الحميري فقاتلوه حتى أخرجوه من دجلة واستأمن إلى صاحب الزنج رجل من رؤساء الزنج يكنى بأبي صالح ويعرف بالقصير في ثلاثمائة من الزنج فلما كثروا جعل القواد فيهم منهم وقال لهم: كل من أتى منكم برجل فهومضموم إليه.
وكان ابن أبي عون قد نقل من واسط إلى ولاية الأبلة وكور دجلة وسار قائد الزنج إلى المحمدية فلما نزلها وافاه أصحاب ابن أبي عون فصاح الزنج: السلاح وقاموا وكان فيهم فتح الحجام فقام واخذ طبقًا كان بين يديه فلقيه رجل من لاسورجيين يقال له بلبل فلما رآه فتح حمل عليه وحذفه بالطبق الذي بيده فرمى سلاحه وولى هاربا وانهزم صحابه وكانوا أربعة آلاف وقتل منهم جماعة ومات بعضهم عطشا وأسر منهم وأمر بضرب أعناقهم.
ثم سار إلى القادسية فنهبها أصحابه بأمره وما زال يتردد إلى أنهار البصرة فوجد بعض السودان دارًا لبعض بني هاشم وفيها سلاح بالسيب فانتهبوه فصار معهم ما يقاتلون به فأتاه وهوبالسيب جماعة من أهل البصرة يقاتلونه فوجه يحيى بن محمد في خمسمائة رجل فلقوا البصريين فانهزم البصريون منهم وأخذوا سلاحهم ثم قاتل طائفة أخرى عند قرية تعرف بقرية اليهود فهزمهم أيضا وأثبت أصحابه في الصحراء.
ثم أسرى إلى الجعفرية فوضع في أهلها السيف فقتل أكثرهم وأتى منهم بأسرى فأطلقهم ولقي جيشًا كبيرًا للبصريين مع رئيس اسمه عقيل فهزمهم وقتل منهم خلقًا كثيرا وكان معهم سفن فهبت عليها ريح فألقتها إلى الشط فنزل الزنج وقتلوا من وجدوا فيها وغمنوا ما فيها وكان مع الرئيس سفن فركبها ونجا فأنفذ صاحب الزنج فأخذها ونهب ما فيها ثم نهب القرية المعروفة بالمهلبية وأحرقها وأفسد في الأرض وعاث.
ثم ليه قائد من قواد الأتراك يقال له: أبوهلال في أربعة آلاف مقاتل على نهر الريان فاقتتلوا وحمل السودان عليه حملة صادقة فقتلوا صاحب علمه فانهزم هووأصحابه وتبعهم السودان فقتلوا من أصحاب أبي هلال أكثر من ألف وخمس مائة رجل وأخذوا منهم أسرى فأمر بقتلهم.
ثم إنه أتاه من أخبره أن الزينبي قد أعد له الخيول والمتطوعة والبلالية والسعدية وهم خلق كثير وقد أعدوا الحبال من يأخذونه من السودان والمقدم عليهم أبومنصور وهوأحد موالي الهاشميين فأرسل علي ابن أبان في مائة أسود ليأتيه بخبرهم فلقي طائفة منهم فهزمهم وصار من معهم من العبيد إلى علي بن أبان.
وأرسل طائفة أخرى من أصحابه فأتوا إلى موضع فيه ألف وتسع مائة سفينة ومعها من يحفظها فلما أرادوا الزنج هربوا عنها فأخذ الزنج السفن وأتوا بها إلى صاحبهم فلما أتوه قعد على نشز من الأرض.
وكان في السفن قوم حجاج أرادوا أن يسلكوا طريق البصرة فناظرهم فصدقوه على قوله وقالوا له: لوكان معنا فضل نفقة لأقمنا معك فأطلقهم وأرسل طليعة تأتيه بخبر ذلك العسكر فأتاه خبرهم أنهم قد أتوه في خلق كثير فأمر محمد بن سالم وعلي بن أبان أن يقعدا لهم بالنخل وقعد هوعلى جبل مشرف فلم يلبث أن طلعت الأعلام والرجال فأمر الزنج فكبروا وحملوا عليهم وحملت الخيول فتراجع الزنج حتى بلغوا الجبل الذي هوعليه ثم حملوا فثبتوا لهم وقتل من الزنج فتح الحجام وصدق الزنج الحملة فأخذوهم بين أيديهم وخرج محمد بن سالم وعلي بن أبان وحملوا عليهم فقتلوا منهم وانهزم الناس وذهبوا كل وذهب وتبعهم السودان إلى نهر بيان فوقعوا في الوحل فقتلهم السودان وغرق كثير منهم.
وأتى الخبر إلى الزنوج بأن لهم كمينًا فساروا إليه فإذا الكمين في أكثر من ألف من المغاربة فقاتلهم قتالاَ شديدا ثم حمل السودان عليهم فقتلوهم أجمعين واخذوا سلاحهم.
ثم وجه أصحابه فرأوا مائتي سفينة فيها دقيق فأخذوه ومتاعًا فنهبوه ونهب المعلي بن أيوب ثم سار فرأى مسلحة الزينبي فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم أجمعين فكانوا مائتين ثم سار فنهب قرية ميزران ورأى فيها جمعًا من الزنج ففرقهم على قواده ثم سار فلقيه ستمائة فارس مع سليمان ابن أخي الزينبي ولم يقاتله فأرسل من ينهب فأتوه بغمن وبقر فذبحوا وأكلوا وفرق أصحابه في انتهاب ما هناك.
ثم إن صاحب الزنج سار يريد البصرة حتى إذا قابل النهر المعروف بالرياحي أتاه قوم من السودان فأعلموه أنهم رأوا في الرياحي بارقة فلم يلبث إلا يسيرًا حتى نادى السودان: السلاح السلاح وأمر علي بن أبان بالعبور إليهم فعبر في ثلاثمائة رجل وقال له: إن احتجت إلى مدد فاستمدني فلما مضى علي صاح الزنج: السلاح السلاح لحركة رأوها في جهة أخرى فوجه محمد بن سالم فرأى جمعا فقاتلهم من وقت الظهر إلى آخر وقت العصر ثم حمل الزنوج حملة صادقة فهزموهم وقتلوا من أهل البصرة والأعراب زهاء خمس مائة ورجعوا إلى صاحبهم.
ثم أقبل علي بن أبان في أصحابه وقد هزموا من بإزائهم وقتلوا منهم ومعه رأس ابن أبي الليث البلالي القواريري من أعيان البلالية ثم سار من الغد عن ذلك المكان ونهى أصحابه عن دخول البصرة فتسرع بعضهم فلقيهم أهل البصرة في جمع عظيم وانتهى الخبر إليه فوجه محمد بن سالم وعلي بن أبان ومشرقا وخلقًا كثيرا وجاء هويسايرهم فلقوا البصريين فأرسل إلى أصحابه ليتأخر عن المكان الذي هم فيه فتراجعوا فأكب عليهم أهل البصرة فانهزموا وذلك عند العصر ووقع الزنوج في نهر كبير ونهر شيطان وقتل منهم جماعة وغرق جماعة وتفرق الباقون وتخلف صاحبهم عنهم وبقي في نفر يسير فنجاه الله تعالى.
ثم لقيهم وهم متحيرون لفقده وسأل عن أصحابه فإذا ليس معه إلا خمس مائة رجل فأمر بالنفخ في البوق الذي يجتمعون لصوته فلم يأته أحد وكان أهل البصرة قد انتهبوا السفن التي كانت للزنوج وبها متاعهم فلما أصبح رأى أصحابه في ألف رجل وأرسل محمد بن سالم إلى أهل البصرة يعظهم ويعلمهم ما الذي دعاه إلى الخروج فقتلوه.
فلما كان يوم الاثنين لأربع خلون من ذي القعدة جمع أهل البصرة وحشدوا لما رأوا من ظهورهم عليه وانتدب لذلك رجل يعرف بحماز لاساجي وكان من غزاة البحر وله علم في ركوب السفن فجمع المتطوعة ورماة الأهداف وأهل المسجد الجامع ومن خف معه من البلالية والسعدية ومن أحب النظر من غيرهم وشحن ثلاثة مراكب وشذوات مقابلة وجعلوا يزدحمون ومضى جمهور الناس رجالة منهم من معه سلاح ومنهم نظارة فدخلت المراكب في المد والرجالة على شاطئ النهر.
فلما علم صاحب الزنج بذلك وجه طائفة من أصحابه مع زريق الأصبهاني في شرقي النهر كمينا وطائفة مع شبل وحسين الحمامي في غريبة كمينا وأمر علي بن أبان أن يلقى أهل البصرة وأن يستتر هوومن معه يتراسهم ولا يقاتل حتى تظهر أصحابه وتقدم إلى الكمينين إذ جاوزهم أهل البصرة أن يخرجوا ويصيحوا بالناس وبقي هوفي نفر يسير من أصحابه وقد هاله ما رأى من كثرة الجمع فسار أصحابه إليهم وظهر الكمينان من جانبي النهر ومن وراء السفن والرجالة فضربوا من ولى من الرجالة والنظارة فغرقت طائفة وقتلت طائفة وهرب الباقون إلى الشط فأدركهم السيف فمن ثبت ومن ألقى نفسه في الماء غرق فهلك أكثر ذلك الجمع فلم ينج إلى الشريد وكثر المفقودون من أهل البصرة وعلا العويل من نسائهم وهذا يوم البيداء الذي أعظمه الناس.
وكان فيمن قتل جماعة من بني هاشم وغيرهم في خلق كثير لا يحصى وجمعت للخبيث الرؤوس فأتاه جماعة من أولياء المقتولين فأعطاهم ما عرفوا وجمع الرؤوس التي لم تطلب وجعلها في خزينة فأطلقها فوافت البصرة فجاء الناس واخذوا كل ما عرفوه منها وقوي بعد وكتب الناس إلى الخليفة بخبر ما كان فوجه إليهم جعلان التركي مددا وأمر أبا الأحوص الباهلي بالمسير إلى الأبلة واليا وأمده بقائد من الأتراك يقال له جريح وأما الخبيث صاحب الزنج فإنه انصرف بأصحابه إلى سبخة من آخر النهار وهي سبخة أبي قرة وبث أصحابه يمينًا وشمالًا للغارة والنهب فهذا ما كان منه في هذه السنة.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة كانت وقعة بين عسكر الخليفة وبين مساور الشاري فانهزم عسكر الخليفة.
وفيها مات المعلى بن أيوب.
وفيها ولي سليمان بن عبد الله بن طاهر بغداد والسواد في ربيع الأول وكان قدومه من خراسان فيه أيضا فسار إلى المعتز فخلع عليه وسار إلى بغداد فقال ابن الرومي: من عذيري من الخلائق ضلوا في سليمان عن سواء السبيل عوضوه بعد الهزيمة بغداد كاقد أتى بفتح جليل من يخوض الردى إذا كان من ف ر أثابوه بالجزاء الجميل يعني هزيمة سليمان من الحسن بن زيد العلوي.
وفيها أخذ صالح بن وصيف أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وأبا نوح عيسى بن إبراهيم فقيدهم وطالبهم بالأموال.
وكان سببه أن الأتراك طلبوا أرزاقهم فقال صالح للمعتز: هؤلاء يطلبون أرزاقهم وليس في بيت المال شيء وقد ذهب هؤلاء الكتاب بالأموال وكان أحمد وزير المعتز والحسين وزير أم المعتز وقال له أحمد بن إسرائيل: يا عاصي ابن العاصي فتراجعا الكلام فسقط صالح مغشيًا عليه فرش على وجهه الماء.
وبلغ ذلك أصحابه وهم بالباب فصاحوا صيحة واحدة واخترطوا سيوفهم ودخلوا على المعتز فدخل وتركهم وأخذ صالح أحمد بن إسرائيل وابن مخلد وعيسى فأثقلهم بالحديد وحملهم إلى داره فقال المعتز لصالح: قبل أن يحملهم: هب لي أحمد فإنه كاتبي فلم يفعل ثم ضربهم واخذ خطوطهم بمال جزيل قسط عليهم ولم يحصل منهم شيء وقام جعفر بن حمود بالأمر والنهي.
وفيها في رجب ظهر عيسى بن جعفر وعلي بن زيد الحسنيان بالكوفة فقتلا بها عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى.
وفيها في ذي القعدة حبس الحسن بن محمد بن أبي الشوارب القاضي وولي عبد الرحمن بن
نائل قضاء سامرا في ذي الحجة وحج بالناس علي بن الحسين بن العباس بن محمد بن علي بن عبد اله بن العباس.
وفيها ظهر بمصر إنسان علوي
ذكر أنه أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن طباطبا
وكان ظهوره بين الرقة والإسكندرية وسار إلى الصعيد وكثر أتباعه وادعى الخلافة فسير إليه أحمد بن طولون جيشا فقاتلوه وانهزم أصحابه عنه وثبت هوفقتل وحمل رأسه إلى مصر.
وفيها توجه خفاجة بن سفيان أمير صقلية في رجب وولي بعده ابنه ممد وتقدم ذكر ذلك سنة سبع وأربعين ومائتين ولما ولي محمد سير عمه عبد الله بن سفيان إلى سرقوسة فأهلك زرعها وعاد.
وفيها توفي أبوأحمد عمر بن شمر بن حمدويه الهروي اللغوي وكان إمامًا في الأشعار وروى عن ابن الأعرابي والرياشي وغيرهما.
وفيها توفي محمد بن كرام بن عراف بن خزانة بن البراء صاحب المقالة المشهورة في التشبيه وكان موته بالشام وهومن سجستان.
وفيها توفي الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قاضي مكة وكان سقط من سطح فمكث يومين ومات وكان عمره أربعًا وثمانين سنة وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي صاحب المسند توفي في ذي الحجة وعمره خمس وسبعون سنة وأبوعمران عمروبن بحر الجاحظ وهومن متكلمي المعتزلة وعلي بن المثنى بن يحيى بن عيسى الموصلي والد أبي يعلي صاحب المسند.
وفيها توفي محمد سحنون الفقيه المالكي القيرواني بها.
حوادث سنة ست وخمسين ومائتين
ذكر وصول موسى بن بغا إلى سامرا واختفاء صالح
وفيها في قاني عشر المحرم دخل موسى بن بغا إلى سامرا وقد عبأ أصحابه واختفى صالح بن وصيف وسار موسى إلى الجوسق والمهتدي جالس للمظالم فأعلم بمكان موسى فأمسك ساعة عن الإذن له ثم أذن له ولمن معه فدخلوا فتناظروا وأقاموا المهتدي من مجلسه وحملوه على دابة من دواب الشاكرية وانتهبوا ما كان في الجوسق وأدخلوا المهتدي دار ياجور.
وكان سبب أخذه أن بعضهم قال: إمنا سبب هذه المطاولة حيلة عليكم حتى يكسبكم صالح بجيشه فخافوا من ذلك فأخذوه فلما أخذوه قال لموسى بن بغا: اتق الله ويحك فإنك قد ركبت أمرًا عظيمًا فقال له موسى: وتربة المتوكل ما نريد إلا خيرًا ولوأراد به خيرًا لقال وتربة المعتصم والواثق ثم أخذوا عليه العهود أن لا يمايل صالحا ولا يضمر لهم إلا مثل ما يظهر ثم جددوا له البيعة ثم أصبحوا وأرسلوا إلى صالح ليحضر ويطالبوه بدماء الكتاب والأموال التي للمعتز وأسلابه فوعدهم فلما كان الليل رأى أن أصحابه قد تفرقوا ولم يبق إلا بعضهم فهرب واختفى.
ذكر قتل صالح بن وصيف
وفيها قتل صالح بن وصيف لثمان بقين من صفر وكان سبه أن المهتدي لما كان لثلاث بقين من المحرم أظهر كتابًا زعم أن امرأة دفعته إلى سيما الشرابي وقالت: إن فيه نصيحة وإن منزلها بمكان كذا فإن طلبوني فأنا فيه.
وطلبت المرأة فلم توجد وقيل إنه لم يدر من ألقى الكتاب.
ودعا المهتدي القواد وسليمان بن وه فأراهم الكتاب فزعم سليمان أنه خط صالح فقرأه على القواد فإذا أنه مستخف بسارما وإمنا استتر طلبًا للسلامة وإبقاء الموالي وطلبًا لانقطاع الفتن وذكر ما صار إليه من أموال الكتاب وأم المعتز وجهة خروجها ويدل فيه على قوة نفسه فلما فرغوا من قراءته وصله المهتدي بالحث على الصلح والاتفاق والنهي عن التباغض والتباين فاتهمه الأتراك بأنه يعرف مكان صالح ويميل إليه وطال الكلام بينهم في ذلك.
فلما كان الغد اجتمعوا بدار موسى من بغا داخل الجوسق واتفقوا على خلع المهتدي فقال لهم بابكيال: إنكم قتلتم ابن المتوكل وهوحسن الوجه سخي الكف فاضل النفس وتريدون قتل هذا وهومسلم يصوم ولا يشرب النبيذ من غير ذنب! والله لئن قتلتم هذا لأحقن بخراسان لأشيع أمركم هناك.
فاتصل الخبر بالمهتدي فتحول من مجلسه متقلدًا سيفا وقد لبس ثيابًا نظافًا وتطيب ثم أمر بإدخالهم عليه فدخلوا فقال لهم: بلغني ما أنتم عليه ولست كمن تقدمني مثل المستعين أمر بإدخالهم عليه فدخلوا فقال لهم: بلغني ما أنتم عليه ولست كمن تقدمني مثل المستعين والمعتز والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت إلى أخي بولدي وهذا سيفي والله لأضربن بهخ ما استمسك قائمة بيدي والله لئن سقط منس شعرة ليهلكن وليذهبن أكثركم.
كم هذا الخلاف على الخلفاء والإقدام والجرأة على اله! سواء عليكم من قصد الإبقاء عليكم ومن كان إذا بلغه هذا منكم دعا بالنبيذ فشربه مسرورًا بمكروهكم حتى تعلموا أنه وصل إلى شيء من دنياكم أما إنكم لتعلمون أن بعض المتصلين بكم أيسر من جماعة من أهلي وولدي سوأة لكم يقولون: إني أعلم بمكان صالح وهل هوإلا رجل من الموالي فكيف الإقامة معه إذا ساء رأيكم فيه وإذا أبرمتم الصلح فيه كان ذلك ما أنفذه لجميعكم وإن أبيتم فشأنكم واطلبوا صالحأن وأما أنا فما أعلم مكانه.
قالوا: فاحلف لنا على ذلك! قال: أما اليمين فنعم ولكنها تكون بحضرة بني هاشم والقضاة غدًا إذا صليت الجمعة ثم قال لبابكيال ولمحمد بن بغا: قد حضرتما ما عمله صالح في أموال الكتاب وأم المعتز فإن أخذ منه شيئًا فقد أخذتما مثله.
فأحفظهما ذلك ثم أرادوا خلعه وإمنا منعهم خوف الاضطراب وقلة الأموال فأتاهم مال من فارس عشرة آلاف ألف درهم وخمس مائة ألف درهم فلما كان سلخ المحرم اتشر الخبر في العامة أن القوم قد اتفقوا على خلع المهتدي والفتك به وأنهم قد أهقوه وكتبوا الرقاع ورموها في الطريق والمساجد مكتوب فيها: يا معشر المسلمين ادعوا الله لخليفتكم العدل الرضا المضاهي لعمر بن الخطاب أن ينصره على عدوه ويكفيه مؤونة ظالمه وتتم النعمة عليه وعلى هذه الأمة ببقائه فإن الأتراك قد أخذوه بأن يخلع نفسه وهويعذب منذ أيام وصلى الله على محمد.
فلما كان يوم الأربعاء لأربع خلون من صفر تحرك الموالي بالكرخ والدور وبعثوا إلى المهتدي وسألوه أن يرسل إليهم بعض إخوته ليحملوه رسالة فوجه إليهم أخاه أبا القاسم عبد الله فذكروا له أنهم سامعون مطيعون وأنهم بلغهم أن موسى وبابكيال وجماعة معهما يريدونه على الخلع وأنهم يبذلون دماءهم دون ذلك وما هم دون ذلك وشكوا تأخر أرزاقهم وما صار من الأقطاع والزيادات والرسوم إلى قوادهم التي قد أجحفت بالخراج والضياع وما قد اخذوا النساء والدخلاء فكتبوا بذلك كتابا فحمله إلى المهتدي وكتب جوابه بخطه: قد فهمت كتابكم وسرني ما ذكرتم من طاعتكم فأحسن الله جزاءكم وأما ما ذكرتم من خلتكم وحاجتكم فعزيز علي ذلك ولوددت والله أن صلاحكم يهيأ بأن لا آكل ولا اشرب ولا أطعم ولدي إلا القوت ولا أكسوه إلا ستر العورة وأنتم تعلمون ما صار إلي من الأموال وأما ما ذكرتم من الإقطاعات وغيرها فأنا أنظر في ذلك وأصرفه إلى محبتكم إن شاء الله تعالى.
فقرأوا الكتاب وكتبوا بعد الدعاء يسألون أن يرد الأمور في الخاص والعام إلى أمير المؤمنين لا يعترض عليه معترض وأن يرد رسومهم إلى ما كانت عليه أيام المستعين وهو أن يكون على كل تسعة عريف وعلى كل خمسين خليفة وعلى كل مائة قائد وأن يسقط النساء والزيادات ولا يدخل مولى في ماله ولا غيره وأن يوضع لهم العطاء كل شهرين وأن تبطل الإقطاعات وذكروا أنهم سائرون إلى بابه ليقضي حوائجهم وإن بلغهم أن أحدًا اعترض عليه أخذوا رأسه وإن سقط من رأس أمير المؤمنين شعرة قتلوا بها موسى بن بغا وبابكيال وياجور وغيرهم.
وأرسلوا الكتاب مع أبي القاسم وتحولوا إلى سامرا فاضطرب القواد جدًا وقد كان المهتدي قعد للمظالم وعنده الفقهاء والقضاة وقام القواد في مراتبهم فدخل أبوالقاسم إليه بالكتاب فقرأه للقواد قراءة ظاهرة وفيهم موسى وكتب جوابه بخطه فأجابهم إلى ما سألوا ودفعه إلى أبي القاسم فقال أبوالقاسم لموسى بن بغا وبابكيال ومحمد بن بغا: وجهوا معي رسلًا يعتذرون إليهم عنكم فوجهوا معه رسلا فوصلوا إلى الأتراك وهم زهاء ألف فارس وثلاثة آلاف راجل وذلك لخمس خلون من صفر فأوصل الكتاب وقال: إن أمير المؤمنين قد أجابكم إلى ما سألتم وقال لهم: هؤلاء رسل القواد إليكم ويعتذرون من شيء إن كان بلغكم عنهم وهم يقولون إمنا أنتم إخوة وأنتم منا وغلينا واعتذر عنهم.
فكتبوا إلى المهتدي يطلبون خمسة توقيعات توقيعًا بخط الزيادات وتوقيعًا برد الإقطاعات وتوقيعًا بإخراج الموالي البرانيين من الخاصة إلى البرانيين وتوقيعًا برد الرسوم إلى ما كانت عليه أيام المستعين وتوقيعًا برد البلاجي ثم يجعل أمير المؤمنين الجيش إلى أحد إخوته أوغيرهم ممن يرى ليرفع إليه أمورهم ولا يكون رجلًا من الموالي وأن يحاسب صالح بن وصيف وموسى بن بغا عما عندهما من الأموال ويجعل لهم العطاء كل شهرين لا يرضيهم إلا ذلك ودفعوا الكتاب إلى أبي القاسم وكتبوا كتابًا آخر إلى القواد موسى وغيره ذكروا فيه أنهم كتبوا إلى أمير المؤمنين بما كتبوا وأنه لا يمنعهم شيئًا مما طلبوا إلا أن يعترضوا عليه وأنهم إن فعلوا ذلك لم يوافقوهم وأن أمير المؤمنين إن شاكه شوكة وأخذ من رأسه شعرة وأخذوا رؤوسهم جميعا ولا يقنعهم إلا أن يظهر صالح ويجتمع هووموسى ابن بغا حتى ينظر أين الأموال.
فلما قرأ المهتدي التوقيعات الخمسة على ما سألوا وسيرها إليهم مع أبي القاسم وقت المغرب وكتب إليهم بإجابتهم إلى ما طلبوا وكتب إليهم موسى بن بغا كذلك وأذن في ظهور صالح و
ذكراه أخوه وابن عمه وانه ما أراد ما يكرهون فلما قرأوا الكتابين قالوا: قد أمسينا وغدًا نعرفكم رأينا فافترقوا.
فلما كان الغد ركب موسى من دار الخليفة ومعه من عسكره ألف وخمس مائة رجل فوقف على طريقهم وأتاهم أبوالقاسم فلم يعقل منهم جوابًا إلا كل طائفة يقولون شيئا فلما طال الكلام انصرف أبوالقاسم فاجتاز بموسى بن بغا وهوفي أصحابه فانصرف معه.
ثم أمر المعتدي محمد بن بغا أن يسير إليهم مع أخيه أبي القاسم فسار في خمس مائة فارس ورجع موسى إلى مكانه بكرة وتقدم أبوالقاسم ومحمد بن بغا فواعدهم عن المهتدي وأعطياهم توقيعًا فيه أمان صالح بن وصيف موكدًا غاية التوكيد فطلبوا أن يكون موسى في مرتبة بغا الكبير وصالح في مرتبة أبيه ويكون الجيش في يد من هوفي يده وأن يظهر صالح ابن وصيف ويوضع لهم العطاء ثم اختلفوا فقال قوم: قد رضينا وقال قوم: لم نرض فانصرف أبوالقاسم فلما كان الغد ركب بنووصيف في جماعة معهم وتنادوا: السلاح ونهبوا دواب العامة وعسكروا بسامرا وتعلقوا بأبي القاسم وقالوا: نريد صالحًا! وبلغ ذلك المهتدي فقال لموسى: يطلبون صالحًا مني كأني أنا أخفيته إن كان عندهم فينبغي لهم أن يظهروه.
ثم ركب موسى ومن معه من القواد فاجتمع الناس إليه فبلغ عسكره أربعة آلاف فارس وعسكروا وتفرق الأتراك ومن معهم ولم يكن لكرخيين ولا للدوريين في هذا اليوم حركة وجد موسى ومن معه في طلب ابن وصيف واتهموا جماعة به فلم يكن عندهم ثم إن غلامًا دخل دارًا وطلب ماء لشربه فسمع قائلًا يقول: أيها الأمير تنح فإن غلامًا يطلب ماء فسمع الغلام الكلام فجاء إلى عيار فأخبره فاخذ معه ثلاثة نفر وجاء إلى صالح وبيده مرآة ومشط وهويسرح لحيته فأخذه فتضرع إليه فقال: لا يمكنني تركك ولكني أمر بك على ديار أهلك وقوادك وأصحابك فإن اعترضك منهم اثنان أطلقتك.
فأخرج حافيًا ليس على رأسه شيء والعامة تعدوخلفه وهوعلى برذون بأكاف فأتوا به نحوالجوسق فضربه بعض أصحاب موسى على عاتقه ثم قتلوه وأخذوا رأسه وتركوا جثته ووافوا به دار المهتدي قبل المغرب فقالوا له في ذلك فقال: واروه ثم حمل رأسه وطيف به على قناة ونودي عليه: هذا جزاء من قتل مولاه.
ولما قتل أنزل رأس بغا الصغير وسلم إلى أهله ليدفنوه لما قتل صالح قال السلولي لموسى بن بغا: ونلت وترك من فرعون حين طغى وحيث إذ جئت يا موسى على قدر ثلاثة كلهم باغ أخوحسد برميك بالظلم والعدوان عن وتر وصيف في الكرخ ممثول به وبغا بالجسر محترق بالنار والشرر وصالح بن وصيف بعد منعفر بالحير جثته والروح في سقر ذكر اختلاف الخوارج على مساور في هذه السنة خالف إنسان من الخوارج اسمه عبيدة من بني زهير العمروي على مساور.
وسبب ذلك أنه خالفه في توبة المخطئ فقال مساور: نقبل توبته وقال عبيدة: لا نقبل فجمع عبيدة جمعًا كثيرًا وسار إلى مساور وتقدم إليه مساور من الحديثة فالتقوا بنواحي جهينة بالقرب من الموصل في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين واقتتلوا أشد قتال فترجل من عنده ومعه جماعة من أصحابه وعرقبوا دوابهم فقتل عبيدة وانهزم جمعه فقتل أكثرهم واستولى مساور على كثير من العراق ومنع الأموال عن الخليفة فضاقت على الجند أرزاقهم فاضطرهم ذلك إلى أن سار إليه موسى بن بغا وبابكيال وغيرهما في عسكر عظيم فوصلوا إلى السن فأقاموا به ثم عادوا إلى سامرا لما نذكره من خلع المهتدي.
فلما ولي المعتمد الخلافة سير مفلحًا إلى قتال مساور في عسكر كبير حسن العدة فلما قارب الحديثة فارقها مساور وقصد جبلين يقال لأحدهما زيني وللآخر عامر وهما بالقرب من الحديثة فتبعه مفلح فعطف عليه مساور وهوفي أربعة آلاف فارس فاقتتل هوومفلح.
وكان مساور قد انصرف عن حرب عبيدة وقد جمع كثيرًا من أصحابه فلقوا مفلحًا بجبل زيني فلم يصل مفلح منه إلى ما يريده فصعد رأس الجبل فاحتمى به ونزل مفلح في أصل الجبل وجرى بينهما وقعات كثيرة ثم أصبحوا يوما وطلبوا مساورا فلم يجدوه وكان قد نزل ليلًا من غير الوجه الذي فيه مفلخ لما أيس من الظفر لضعف أصحابه من الجراح فحيث لم يره مفلح سار إلى الموصل فسار إلى ديار ربيعة سنجار ونصيبين والخابور فنظر في أمرها ثم عاد إلى الموصل فاحسن السيرة في أهلها ورجع عنها في رجب متأهبًا للقاء مساور.
فلما قارب الحديثة فارقها مساور وكان قد عاد إليها عند غيبة مفلح فتبعه مفلح فكان مساور يرحل عن المنزل فينزله مفلح فلما طال الأمر على مفلح وتوغل في الجبال والشعاب والمضايق وراء مساور ولحق الجيش الذي معه مشقة ونصب عاد عنه فتبعه مساور يقفو أثره ويأخذ كل من ينقطع عن ساقه العسكر فرجع إليه طائفة منهم فقاتلوه ثم عادوا ولحقوا مفلحا ووصلوا الحديثة فأقام بها مفلح أياما وانحدر أول شهر رمضان إلى سامرا فاستولى حينئذ مساور على البلاد وجبى خراجها وقويت شوكته واشتد أمره.
ذكر خلع المهتدي وموته
في رجب الخامس عشر منه خلع المهتدي وتوفي لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه.
وكان السبب في ذلك أن أهل الكرخ والدور من الأتراك الذين تقدم ذكرهم تحركوا في أول رجب لطلب أرزاقهم فوجه المهتدي إليهم أخاه أبا القاسم وكيغلغ وغيرهما فسكنوهم فرجعوا وبلغ أبا نصر محمد بن بغا أن المهتدي قال للأتراك: إن الأموال عند محمد وموسى ابني بغا فهرب إلى أخيه وهوبالسن مقابل مساور الشاري فكتب المهتدي إليه أربعة كتب يعطيه الأمان فرجع هووأخوه حيسون فحبسهما ومعهما كيغلغ وطولب أبونصر محمد بن بغا بالأموال فقبض من وكيله خمسة عشر ألف دينار وقتل لثلاث خلون من رجب ورمي به من بئر فأنتن فأخرجوه إلى منزله وصلى عليه الحسن بن المأمون.
وكتب المهتدي إلى موسى بن بغا لما حبس أخاه أن يسلم العسكر إلى بابكيال ويرجع إليه وكتب إلى بابكيال أن يتسلم العسكر ويقوم بحرب مساور الشاري وقتل موسى بن بغا ومفلح فسار بابكيال بالكتاب إلى موسى فقرأه عليه وقال: لست أفرح بهذا فإنه تدبير علينا جميعنا فما ترى فقال موسى: أرى أن تسير إلى سامرا وتخبره أنك في طاعته ونصرته علي وعلى مفلح فهويطمئن إليك ثم تدبر في قتله.
فأقبل إلى سامرا فوصلها ومعه ياركوج وأسارتكين وسيما الطويل وغيرهم فدخلوا دار الخلافة لاثنتي عشرة مضت من رجب فحبس بابكيال وصرف الباقين فاجتمع أصحاب بابكيال وغيرهم من الأتراك وقالوا: لم حبس قائدنا ولم قتل أبونصر بن بغا وكان عند المهتدي صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور فشاوره فيه فقال له: إنه لم يبلغ أحد من آبائك ما بلغته من الشجاعة وقد كان أبومسلم أعظم شأنًا عند أهل خراسان من هذا عند أصحابه وقد كان فيهم من يعبده فما كان إلا طرح رأسه حتى سكتوا فلوفعلت مثل ذلك سكنوا.
فركب المهتدي وقد جمع له جميع المغاربة والفراغنة فصير في الميمنة مسرورًا البلخي وفي الميسرة ياركوج ووقف هوفي القلب مع أسارتكين وطبايغوا وغيرهما من القواد فأمر بقتل بابكيال وألقى رأسه إليهم عتاب بن عتاب فحملوا على عتاب فقتلوه وعطفت ميمنة المهتدي
وميسرته بمن فيها من الأتراك فصاروا مع إخوانهم الأتراك فانهزم الباقون عن المهتدي وقتل جماعة من الفريقين فقيل: قتل سبع مائة وثمانون رجلا وقيل: قتل من الأتراك نحوأربعة آلاف وقيل: ألفان وقيل: ألف.
وقتل من أصحاب المهتدي خلق كثير وولى منهزما وبيده السيف وهوينادي: يا معشر المسلمين! أنا أمير المؤمنين قاتلوا عن خليفتكم! فلم يجبه أحد من العامة إلى ذلك فسار إلى باب السجن فأطلق من فيه وهويظن أنهم يعينونه فهربوا ولم يعنه أحد فسار إلى دار احمد بن جميل صاحب الشرطة فدخلها وهم في أثره فدخلوا عليه وأخرجوه وساروا به إلى الجوسق على بغل فحبس عند أحمد بن خاقان وقبل المهتدي يده فيما قيل مرارًا عديدة وجرى بينهم وبينه وهومحبوس كلام كثير أرادوه فيه على الخلع فأبى واستسلم للقتل فقالوا: إنه كتب بخطة رقعة لموسى بن بغا وبابكيال وجماعة من القواد أنه لا يغدر بهم ولا يغتالهم ولا يفتك بهم ولا يهم بذلك وانه متى فعل ذلك فهم في حل من بيعته والأمر إليهم يقعدون من شاءوا.
فاستحلوا بذلك تقضي أمره فداسوا خصيتيه وصفقوه فمات وأشهدوا على موته أنه سليم به أثر ودفن بمقبرة المنتصر.
وقيل: كان سبب خلعه وموته أن أهل الكرخ والدور اجتمعوا وطلبوا أن يدخلوا إلى المهتدي ويكلموه حاجاتهم فدخلوا الدار وفيها أبونصر محمد بن بغا وغيره من القواد فخرج أبونصر منها ودخل أهل الكرخ والدور وشكوا حالهم إلى المهتدي وهم في أربعة آلاف وطلبوا منه أن يعزل منهم أمراءهم وأن يصير الأمر إلى أخوته وأن يأخذ القواد وكتابهم بالمال الذي صار إليهم فوعدهم بإجابتهم إلى ما سألوه فأقاموا يومهم في الدار فحمل المهتدي إليهم ما يأكلون.
وسار محمد بن بغا إلى المحمدية وأصبحوا من الغد يطلبون ما سألوه فقيل لهم: إن هذا أمر صعب وإخراج الأمر عن يد هؤلاء القواد ليس بسهل فكيف إذا جمع إليه مطالبتهم بالأموال فانظروا في أموركم فإن كنتم تصبرون على هذا الأمر إلى أن نبلغ غايته وإلا فأمير المؤمنين يحسن لكم النظر فأبوا إلا ما سألوه فدعوا إلى أيمان البيعة على أن يقيموا على هذا القول وأن يقاتلوا من قاتلهم وينصحوا أمير المؤمنين فأجابوا إلى ذلك فأخذت عليهم أيمان البيعة.
ثم كتبوا إلى أبي نصر عن أنفسهم وعن المهتدي ينكرون خروجه عن الدار بغير سبب وأنهم إمنا قصدوا ليشكوا حالهم ولما رأوا الدار فارغة أقاموا فيها فرجع فحضر عند المهتدي فقبل رجله ويده ووقف فسأله عن الأموال وما يقوله الأتراك فقال: وما أنا والأموال قال: وهل هي إلا عندك وعند أخيك وأصحابكما ثم أخذوا بيد محمد وحبسوه وكتبوا إلى موسى بن بغا ومفلح بالانصراف إلى سامرا وتسليم العسكر إلى قواد ذكروهم وكتبوا إلى الأتراك الصغار في تسلم العسكر منهما وكروا ما جرى لهم وقالوا: إن أجاب موسى ومفلح إلى ما أمرا به من الإقبال إلى سامرا وتسليم العسكر وإلا فشدوهما وثاقا واحملوهما إلى الباب.
وأجرى المهتدي على من أخذت عليه البيعة كل رجل درهمين فلما وصلت الكتب إلى عسكر موسى أخذها موسى وقرئت عليه وعلى الناس وأخذوا عليهم البيعة بالنصرة لهم وساروا نحو سامرا فنزلوا عند قنطرة الرقيق لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب وخرج المهتدي وعرض الناس.
وعاد من يومه وأصبح الناس من الغد وقد دخل من أصحاب موسى زهاء ألف فارس منهم كوبكين وغيره وعاد وخرج المهتدي فصف أصحابه وفيهم من أتى من أصحاب موسى وترددت الرسل بينهم وبين موسى يريد أن يولي ناحية ينصرف إليها وأصحاب المهتدي يريدون أن تجيء إليهم ليناظرهم على الأموال فلم يتفقوا على شيء.
وانصرف عن موسى خلق كثير من أصحابه فعدل هوومفلح يريدان طريق خراسان وأقبل بابكيال وجماعة من القواد فوصلوا إلى المهتدي فسلموا وأمرهم بالانصراف وحبس بابكيال وقتله ولم يتحرك أحد ولا تغير شيء إلا تغيرًا يسيرأن وكان ذلك يوم السبت.
فلما كان الأحد أنكر الأتراك مساواة الفراغنة لهم في الدار ودخولهم معهم ورفع أن الفراغنة
إمنا تم لهم ما بعدم رؤساء الأتراك فخرجوا من الدار بأجمعهم وبقيت الدار على الفراغنة والمغاربة فأنكر الأتراك ذلك وأضافوا إليه طلب بابكيال فقال المهتدي للفراغنة والمغاربة ما جرى من الأتراك وقال لهم: إن كنتم تظنون فيكم قوة فما أكره قربكم وإلا أرضيناهم من قبل تفاقم الأمر! فذكروا أنهم يقومون به فخرج بهم المهتدي وهم في ستة آلاف منهم من الأتراك نحوألف وهم أصحاب صالح بن وصيف وكان الأتراك في عشرة آلاف فلما التقوا انهزم أصحاب صالح وخرج عليهم كمين للأتراك فانهزم أصحاب المهتدي وذكر نحوما تقدم إلا أنه قال إنهم لما رأوا المهتدي بدار أحمد بن جميل قاتلهم فأخرجوه وكان به أثر طعنة فلما رأى الجراح ألقى بيده إليهم وأرادوه على الخلع فأبى أن يجيبهم فمات يوم الأربعاء وأظهروه لناس يوم الخميس وصلى عليه جعفر بن عبد الواحد.وكانوا قد خلعوا أصابع يديه ورجليه من كعبيه وفعلوا به غير شيء حتى مات وطلبوا محمد بن بغا فوجدوه ميتا فكسروا على قبره ألف سيف.
وكانت مدة خلافة المهتدي أحد عشر شهرًا وخمس عشرة ليلة وكان عمره ثمانيًا وثلاثين سنة وكان واسع الجبهة أسمر رقيقا أشهل جهم الوجه عريض البطن عريض المنكبين قصيرا وطويل اللحية ومولده بالقاطول.
كان المهتدي بالله من احسن الخلفاء مذهبا وأجملهم طريقة وأظهرهم ورعا وأكثرهم قال عبد اله بن إبراهيم الإسكافي: جلس المهتدي للمظالم فاستعداه رجل على ابن له فأمر بإحضاره فأحضر وأقامه إلى جانب خصمه ليحكم بينهما فقال الرجل للمهتدي: والله يا أمير المؤمنين ما أنت إلا كما قيل: حكمتموه فقضى بينكم أبلج مثل القمر الزاهر لا يقبلا الرشوة في حكمه ولا يبالي غبن الخاسر فقال المهتدي: أما أنت أيها الرجل فأحسن اله مقالتك وأما أنا فما جلست حتى قرأت: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47]. الآية قال: فما رأيت باكيًا أكثر من ذلك اليوم.
قال أبوالعباس بن هاشم بن القاسم الهاشمي: كنت عند المهتدي بعض عشايا شهر رمضان فقمت لأنصرف فأمرني بالجلوس فجلست حتى صلى المهتدي بنا المغرب وأمر بالطعام فاحضر واحضر طبق خلاف عليه رغيفان وفي إناء ملح وفي آخر زيت وفي آخر خل فدعاني إلى الأكل وأكلت مقتصرًا ظنًا مني أنه يحضر طعامًا جيدا فلما رأى أكلي كذلك قال: أما كنت صائمًا قلت: بلى.
قال: أفلست تريد الصوم غدًا قلت: وكيف لا وهوشهر رمضان فقال: كل واستوف عشاءك فليس ها هنا غير ما ترى.
فعجبت من قوله وقلت: ولم يا أمير المؤمنين قد أسبغ اله عليك النعمة ووسع رزقهّ فقال: إن الأمر على ما وصفت والحمد لله ولكني فكرت في انه من بني أمية عمر بن عبد العزيز فعزت لبني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله وأخذت نفسي بما رأيت.
قال إبراهيم بن مخلد بن محمد بن عرفة عن بعض الهاشميين: إن المهتدي وجدوا له سفطًا فيه جبة صوف وكساء وبرنس كان يلبسه بالليل ويصلي فيه ويقول: أما يستحي بنوالعباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز وكان قد اطرح الملاهي وحرم الغناء والشراب ومنع أصحاب السلطان عن الظلم رحمه الله تعالى ورضي عنه.
ذكر خلافة المعتمد على الله
لما أخذ المهتدي بالله وحبس أحضر أبوالعباس أحمد بن المتوكل وهوالمعروف بابن قتيان وكان محبوسًا بالجوسق فبايعه الناس فبايعه الأتراك وكتبوا بذلك إلى موسى بن بغا وهوبخانقين فحضر إلى سامرا فبايعه ولقب المعتمد على الله ثم إن المهتدى مات ثاني يوم بيعة المعتمد وسكن الناس واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان.
في هذه السنة سير جعلان لحرب صاحب الزنج بالبصرة فلما وصل إلى البصرة نزل بمكان بينه وبين صاحب الزنج فرسخ وخندق عليه وإلى أصحابه وأقام ستة اشهر في خندقه وجعل يوجه الزينبي وبني هاشم ومن خف لحربهم هذا اليوم الذي تواعدهم جعلان للقائه فلم يكن بينهم إلا الرمي بالحجارة والنشاب ولا يجد جعلان إلى لقائه سبيلا لضيق المكان عن مجال الخيل وكان أكثر أصحاب جعلان خيالة.
فلما طال مقامه في خندقه أرسل صاحب الزنج أصحابه إلى مسالك الخندق فبيتوا جعلان وقتلوا من أصحابه جماعة وخاف الباقون خوفًا شديدًا.
وكان الزينبي قد جمع البلالية والسعدية ووجه بهم من مكانين وقاتلوا الخبيث فظفر بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة فترك جعلان خندقه وانصرف إلى البصرة وظهر عجزه للسلطان فصرفه عن حرب الزنج وأمر سعيدًا الحاجب بمحاربتهم.
وتحول صاحب الزنج بعد ذلك من السبخة التي كان فيها ونزل بنهر أبي الخصيب وأخذ أربعة وعشرين مركبًا من مراكب البرح وأخذوا منها أموالًا كثيرة لا تحصى وقتل من فيها ونهبها أصحابه ثلاثة أيام وأخذه لنفسه بعد ذلك من النهب.
وفيها دخل الزنج الأبلة فقتلوا فيها خلقًا كثيرًا وأحرقوها.
وكان سبب ذلك أن جعلان لما تنحى عن خندقه إلى البصرة ألح شنًا صاحب الزنج بالغارات على الأبلة وجعلت سراياه تضرب إلى ناحية نهر معقل ولم يزل يحارب إلى يوم الأربعاء لخمس بقين من رجب فافتتحها وقتل أبوالأحوص وعبيد الله بن حميد بن الطوسي وأضرمها نارا وكانت مبنية بالساج فأسرعت النار فيها وقتل من أهلها خلق كثير وحووا الأموال العظيمة وكان ما أحرقت النار أكثر من الذي نهب.
ذكر أخذ الزنج عبادان
وفيها أرسل أهل عبادان إلى صاحب الزنج فسلموا إليه حصنهم.
وكان الذي حملهم على ذلك أنه لما فعل بأهل الأبلة ما فعل خاف أهل عبادان على أنفسهم وأهليهم وأموالهم فكتبوا إليه يطلبون الأمان على أن يسلموا إليه البلد فأمنهم وسلموه إليه فأنفذ أصحابه إليهم وأخذوا ما فيه من العبيد والسلاح ففرقه في أصحابه.
ذكر أخذهم الأهواز
ولما فرغ العلوي البصري من الأبلة وعبادان طمع في الأهواز فاستنهض أصحابه نحوجبى فلم
يلبث أهلها وهربوا منهم فدخلها الزنج وقتلوا من رأوا بهأن وأحرقوا ونهبوأن وأخربوا ما وراءها إلى الأهواز فلما بلغوا الأهواز هرب من فيها من الجند ومن أهلها ولم يبق إلا القليل فدخلوها وأخربوها وكان بها إبراهيم بن المدبر متولي الخراج فأخذوه أسيرًا بعد أن جرح ونهب جميع ماله وذلك لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان فلما فعل ذلك بالأهواز وعبادان والأبلة خافه أهل البصرة وانتقل كثير من أهلها في البلدان.
ذكر عزل عيسى بن الشيخ عن الشام وولايته أرمينية
لما استولى ابن الشيخ على دمشق وقطع الحمل عن بغداد اتفق أن ابن المدبر حمل مالًا من مصر إلى بغداد مقدار سبعمائة ألف دينار فأخذها عيسى بن الشيخ.
فأرسل من بغداد إليه حسين الخادم يطالبه بالمال فذكر أنه أخرجه على الجند فأعطاه حسين عهده على أرمينية ليقيم الدعوة للمعتمد وكان قد امتنع من ذلك فأخذ العهد وأقام الدعوة للمعتمد ولبس السواد ظنًا منه أن الشام تكون بيده.
فأنفذ المعتمد أماجور وقلده دمشق وأعمالها فسار إليها في ألف رجل فلما قرب منها أنهض عيسى إليه ولده منصورًا في عشرين ألف مقاتل فلما التقوا انهزم عسكر منصور وقتل
ذكر ابن الصوفي العلوي وخروجه بمصر
وفيها ظهر بصعيد مصر إنسان علوي وذكر أنه إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن بن أبي طالب عليه السلام ويعرف بابن الصوفي وملك مدينة أسنا ونهبها وعم شره البلاد.
فسير إليه أحمد بن طولون جيشا فهزمه العلوي وأسر المقدم على الجيش فقطع يديه ورجليه وصلبه فسير إليه ابن طولون جيشًا آخر فالتقوا بنواحي إخميم فاقتتلوا قتالًا شديدا فانهزم العلوي وقتل كثير من رجاله وسار هو حتى دخل الواحات وسيرد ذكره سنة تسع وخمسين ومائتين إن شاء الله تعالى.
ذكر ظهور علي بن زيد على الكوفة وخروجه
عنها في هذه السنة ظهر علي بن يزيد العلوي بالكوفة واستولى عليها وأزال عنها نائب الخليفة واستقر بها.
فسير إليه الشاه بن ميكال في جيش كثيف فالتقوا واقتتلوا فانهزم الشاه وقتل جماعة كثيرة من أصحابه ونجا الشاه.
ثم وجه المعتمد إلى محاربته كيجور التركي وأمره أن يدعوه إلى الطاعة ويبذل له الأمان فسار كيجور فنزل بشاهي وأرسل إلى علي بن زيد يدعوه إلى الطاعة وبذل له الأمان فطلب علي أمورًا لم يجبه إليها كيجور فتنحى علي بن زيد عن الكوفة إلى القادسية فعسكر بها ودخل كيجور إلى الكوفة ثالث شوال من السنة ومضى علي بن زيد إلى خفان ودخل بلاد بني أسد وكان قد صاهرهم وأقام هناك ثم سار إلى حنبلاء.
وبلغ كيجور خبره فأسرى إليه من الكوفة سلخ ذي الحجة من السنة فواقعه فانهزم علي بن زيد وطلبه كيجور ففاته وقتل نفرًا من أصحابه وأسر آخرين وعاد كيجور إلى الكوفة فلما استقامت أمورها عاد إلى سر من رأى أمر الخليفة فوجه إليه الخليفة نفرًا من القواد فقتلوه بعكبرا في ربيع الأول سنة سبع وخمسين ومائتين.
ذكر عدة حوادث
وفيها تقدم سعيد بن صالح الحاجب لحرب صاحب الزنج من قبل السلطان.
وفيها تحارب مساور الخارجي وأصحاب موسى بن بغا بناحية خانقين وكان مساور في جمع كثير وكان أصحاب موسى بن بغا نحومائتين فالتقوا بمساور وقتلوا من أصحابه جماعة كثيرة.
وفيها وثب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي وهومن أهل فارس ورجل من أكرادها يقال له أحمد بن الليث بالحارث بن سيما عامل فارس فحارباه وقتلاه وغلب محمد بن واصل على فارس.
وفيها وجه مفلح لحرب مساور.
وفيها غلب الحسن بن زيد الطالبي على الري في رمضان فسار موسى ابن بغا إلى الري في شوال وشيعه المعتمد.
وفيها توفي الإمام أبوعبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي صاحب المسند الصحيح وكان مولده سنة أربع وتسعين ومائة.
حوادث سنة سبع وخمسين ومائتين
ذكر عود أبي أحمد الموفق من مكة إلى سر من رأى
لما اشتد أمر الزنج وعظم شرهم وأفسدوا في البلاد أرسل المعتمد على الله إلى أخيه أبي أحمد الموفق فأحضره من مكة فلما حضر عقد له على الكوفة وطريق مكة والحرمين واليمن ثم عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس وأمر أن يعقد لياركوج على البصرة وكور دجلة والبحرين واليمامة مكان سعيد ابن صالح فاستعمل ياركوج منصور بن جعفر الخياط على البصرة وكور دجلة إلى ما يلي الأهواز.
ذكر انهزام الزنج من سعيد الحاجب
وفيها في رجب أوقع سعيد الحاجب بجماعة من الزنج فهزمهم واستنقذ ما معهم من النساء والنهب وجرح سعيد عدة جراحات.
وبلغه الخبر بمع آخر منهم فسار إليهم فلقيهم فهزمهم أيضا واستنقذ ما معهم فكانت المرأة من تلك الناحية تأخذ الزنجي فتأتي به عسكر سعيد فلا يمتنع عليها.
وعسكر سعيد بهطة ثم عبر إلى غرب دجلة فأوقع بصاحب الزنج عدة وقعات ثم عاد إلى معسكره بهطة فأقام إلى باقي رجب وعامة شعيان.
ذكر خلاص ابن المدبر من الزنج
وفيها تخلص إبراهيم بن محمد بن المدبر من حبس الزنج وكان سبب خلاصه أنه كان محبوسًا في بيت يحيى بن محمد البحراني ووكل به رجلين منزلهما ملاصق المنزل الذي فيه إبراهيم فضمن لهما مالا ورغبهما فعملا سربًا إلى البيت الذي فيه إبراهيم فخرج هووابن أخ له يقال
ذكر انهزام سعيد من الزنج وولاية منصور بن جعفر البصرة
وفيها أوقع العلوي صاحب الزنج بسعيد وكان سير إليه جيشا فأوقعوا به ليلا وأصابوا مقتلة من أصحاب سعيد فقتلوا خلقًا كثيرا وأحرقوا عسكره فضعف هوومن معه فأمر بالمسير إلى باب الخليفة.
ونزل بفراج بالبصرة فسار سعيد عن البصرة وأقام بها بفراج يحمي أهلها فرد السلطان أمرها إلى منصور بن جعفر الخياط بعد سعيد الحاجب وكان منصور يبذرق السفن ويحميها وسيرها إلى البصرة فضاقت الميرة على الزنج فجمع منصور الذا فأكثر منها وسار نحوصاحب الزنج فكمن له صاحب الزنج فلما أقبل خرجوا عليه فقتلوا في أصحابه مقتلة عظيمة وغرق منهم خلق كثير وحملوا من رؤوس أصحابه إلى البحراني ومن معه من الزنوج بنهر معقل.
ذكر انهزام جيش الزنج بالأهواز
وفيها أرسل صاحب الزنج جيشًا مع علي بن أبان لقطع قنطرة أربك فلقيهم إبراهيم بن سيما
ثم إن إبراهيم سار قاصدًا نهر جي فأمر كاتبه شاهين بن بسطام بالمسير على طريق آخر ليوافيه بنهر جي بعد الوقعة مع علي بن أبان وكان علي بن أبان قد سار من الوقعة فنزل بالخيزرانية فأتاه رجل فأخبره بإقبال شاهين إليه فسار نحوه فاتقيا وقت العصر بموضع بين جي ونهر موسى واقتتلوا قتالًا شديدا ثم صدمهم الزنج صدمة صادقة فهزموهم وقتلوا شاهين وابن عم له وقتل معه خلق كثير.
فلما فرغ الزنج منهم أتاهم الخبر بقرب إبراهيم بن سيما منهم فسار علي نحوه فوافاه وقت العشاء الآخرة فأوقع بإبراهيم دفعة أخرى شديدة قتل فيها جمعًا كثيرًا.
قال علي بن أبان: وكان أصحابي قد تفرقوا بعد الوقعة مع شاهين ولم يشهد معي حرب إبراهيم غير خمسين رجلا وانصرف علي إلى جي.
ذكر أخذ الزنج البصرة وتخريبها
لما سار سعيد عن البصرة ضم السلطان عمله إلى المنصور بن جعفر الخياط وكان منه ما ذكرنا ولم يعد منصور لقتاله واقتصر على تخفير القيروانات والسفن فامتنع أهل البصرة فعظم ذلك على العلوي فتقدم إلى علي بن أبان بالخيزرانية ليشغل منصورًا عن تسيير القيروانات فكان بنواحي جي والخيزرانية وشغل منصورأن فعاد أهل البصرة إلى الضيق وألح أصحاب الخبيث عليهم بالحرب صباحًا ومساءً.
فلما كان في شوال أزمع لخبيث على جمع أصحابه لدخول البصرة والجد في إخرابها لضعف أهلها وتفرقهم وخراب ما حولهم من القرى ثم أمر محمد ن يزيد الدارمي وهوأحد من صحبه بالبحرين أن يخرج إلى الأعراب ليجمعهم فأتاه منهم خلق كثير فأناخوا بالقندل ووجه إليهم العلوي سليمان بن موسى الشعراني وأمرهم بتطرق البصرة والإيقاع بها ليتمرن الأعراب على ذلك ثم أنهض علي بن أبان وضم إليه طائفة من الأعراب وأمره بإتيان البصرة من ناحية بني سعيد وأمر يحيى بن محمد البحراني بإتيانها مما يلي نهر عدي وضم إليه سائر الأعراب.
فكان أول من واقع أهل البصرة علي بن أبان وبفراج يومئذ بالبصرة في جماعة من الجند فأقام يقاتلهم يومين ومال الناس نحوه.
وأقبل يحيى بن محمد فيمن معه نحوالجسر فدخل علي بن أبان وقت صلاة الجمعة لثلاث عشرة بقيت من شوال فأقام يقتل ويحرق يوم الجمعة وليلة السبت ويوم السبت وغادي يحيى البصرة يوم الأحد فتلقاه بفراج وبرية في جمع فردوه فرجع يومه ذلك.
ثم غاداهم اليوم الآخر فدخل وقد تفرق الجند وهرب برية وانحاز بفراج ومن معه ولقيه
إبراهيم بن يحيى المهلبي فاستأمنه لأهل البصرة فأمنهم فنادى منادي إبراهيم: من أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم فحضر أهل البصرة قاطبة حتى ملأوا الرحاب فلما رأى اجتماعهم انتهز الفرصة لئلا يتفرقوا فغدر بهم وأمر أصحابه بقتلهم فكان السيف يعمل فيهم وأصواتهم مرتفعة بالشهادة فقتل ذلك الجمع كله ولم يسلم إلا النادر منهم ثم انصرف يومه ذلك إلى الحربية.
ودخل علي بن أبان الجامع فأحرقه وأحرقت البصرة في عدة مواضع منها المربد وزهران وغيرهما واتسع الحريق من الجبل إلى الجبل وعظم الخطب وعمها القتل والنهب والإحراق وقتلوا كل من رأوا بها فمن كان من أهل اليسار أخذوا ماله وقتلوه ومن كان فقيرًا قتلوه لوقته وبقوا كذلك عدة أيام.
ثم أمر يحيى أن ينادي بالأمان ليظهروا فلم يظهر أحد ثم انتهى الخبر إلى الخبيث فصرف علي بن أبان عنها وأقر يحيى عليها لموافقته هواه في كثرة القتل وصرف عليًا لإبقائه على أهلها فهرب الناس على وجوههم وصرف الخبيث جيشه عن البصرة.
فلما أخبر البصرة إلى يحيى بن زيد وذلك لمصير جماعة من العلويين إليه وكان فيهم علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد وجماعة من نسائهم فترك الانتساب إلى عيسى بن زيد
وانتسب إلى يحيى بن زيد قال القاسم بن الحسن النوفلي: كذب إن يحيى لم يعقب غير بنت ماتت وهي ترضع.
ذكر مسير المولد لحرب الزنج
وفيها في ذي القعدة أمر المعتمد أحمد المولد بالمسير إلى البصرة لحرب الزنج فسار فنزل الأبلة وجاء برية فنزل البصرة واجتمع إليه من أهلها خلق كثير فسير العلوي إلى حرب المولد يحيى بن محمد فسار غليه فقاتله عشرة أيام ثم وطن المولد نفسه على المقام فكتب العلوي إلى يحيى يأمره بتبييت المولد ووجه إليه الشذا مع أبي الليث الأصفهاني فبيته ونهض المولد فقاتله تلك الليلة ومن الغد إلى العصر ثم انهزم عنه.
ودخل الزنج عسكره فغمنوا ما فيه فاتبعه إلى الجامدة فأوقع بأهلها ونهب تلك القرى جيمعها وسفك ما قدر عليه من الدماء ثم رجع إلى نهر معقل.
ذكر قصد يعقوب فارس وملكه بلخ وغيرها
وفي هذه السنة سار يعقوب بن الليث إلى فارس فأرسل إليه المعتمد ينكر ذلك عليه فكتب إليه الموفق بولاية بخ وطخارستان وسجستان والسند فقبل ذلك وعاد وسار إلى بلخ وطخارستان فلما وصل إلى بلخ نزل بظاهرها وخرب نوشاد وهي أبنية كان بناها داود بن العباس ابن ماجور خارج بلخ.
ثم سار يعقوب من بلخ إلى كابل واستولى عليها وقبض على زنبيل وأرسل رسولًا إلى الخليفة ومعه هدية جليلة المقدار وفيها أصنام أخذها من كابل وتلك البلاد وسار إلى بست فأقام بها سنة.
وسبب إقامته أنه أراد الرحيل فرأى بعض قواده قد حمل بعض أثقاله فغضب وقال: أترحلون قبلي وأقام سنة ثم رجع إلى سجستان ثم عاد إلى هراة وحاصر مدينة كروخ حتى أخذها ثم سار إلى بوشنج وقبض على الحسين بن طاهر بن الحسين الكبير وأنفذ إليه محمد بن طاهر ابن عبد الله فسأله إطلاقه وهم عم أبيه الحسين بن طاهر فلم يفعل وبقي في يده.
ذكر ملك الحسن بن زيد العلوي جرجان
وفي هذه السنة قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان جرجان واستولى عليها وكان محمد بن طاهر أمير خراسان لما بلغه ذلك من عزم الحسن على قصد جرجان قد جهز العساكر فأنفق عليها أموالًا كثيرة وسيرها إلى جرجان لحفظها فلما قصدها الحسن لم يقوموا له وضعف حينئذ محمد بن طاهر وانتقض عليه كثير من الأعمال التي كان يجيء خراجها إليه فلم يبق في يده إلا بعض خراسان وأكثر ذلك مفتون بالمتغلبين في نواحيها والشراة الذين يعيثون في عمله فلا يمكنه دفعهم فكان ذلك سبب تغلب يعقوب الصفار على خراسان كما نذكره سنة تسع وستين ومائتين إن شاء الله تعالى.
ذكر عدة حوادث
وفيها أخذ أحمد المولد سعد بن أحمد بن سعد الباهلي وكان قد تغلب على البطائح وأفسد الطريق وحمل إلى سامرا فضرب سبع مائة سوط فمات وصلب ميتًا.
وحج بالناس الفضل بن إسحاق بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن محمد بن علي.
وفيها وثب بسيل المعروف بالصقلبي وإمنا قيل له الصقلبي وهومن بيت المملكة لأن أمه صقلبية على ميخائيل بن توفيل ملك الروم فقتله وكان ملك ميخائيل أربعًا وعشرين سنة وملك بسيل الروم.
وفيها أقطع المعتمد مصر وأعمالها لياركوج التركي فأقر عليها أحمد بن طولون.
وفيها فارق عبد العزيز بن أبي دلف الري من غير خوف وأخلاها فأرسل إليها الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان القاسم بن علي بن القاسم بن علي العلوي المعروف بدليس فغلب عليها فأساء السية في أهلها جدا وقلعوا أبواب المدينة وكانت من حديد وسيرها إلى الحسن بن زيد وبقي كذلك نحوثلاث سنين.
وفيها خرج علي بن مساور الخارجي وخارجي آخر اسمه طوق من بني زهير فاجتمع إليه أربعة آلاف فسار إلى أذرمة فحاربه أهلها فظفر بهم فدخلها بالسيف وأخذ جارية بكرًا بجعلها فيئا وافتضها في المسجد فجمع عليه الحسن بن أيوب بن أحمد العلوي جمعًا كثيرا فحاربه فقتله وقطع رأسه وأنفذه إلى سامرا.
وفيها قتل محمد بن خفاجة أمير صقلية قتله خدمه نهارا وكتموا قتله فلم يعرف إلا من الغد وكان الخدم الذين قتلوه قد هربوا فطلبوا فأخذوا وقتل بعضهم ولما قتل استعمل محمد بن أحمد بن الأغلب على صقلية أحمد بن يعقوب بن المضاء بن سلمة فلم تطل أيامه ومات سنة ثمان وخمسين ومائتين.
وفيها توفي الحسن بن عمر العبدي وكان مولده سنة خمسين ومائة بسر من رأى.
وفيها توفي أبوالفضل العباس بن الفرج الرياشي اللغوي من كبارهم وروى عن الأصمعي وغيره.