المجلد السادس - ذكر ولاية إبراهيم بن أحمد إفريقية

في هذه السنة توفي محمد بن أحمد بن الأغلب صاحب إفريقية سادس جمادى الأولى وكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وستة عشر يومًا‏.‏

ولما حضره الموت عقد لابنه عقال العهد واستخلف أخاه إبراهيم لئلا ينازعه وأشهد عليه آل الأغلب ومشايخ القيروان وأمره أن يتولى الأمر إلى أن يكبر ولده فلما مات أهل القيروان إبراهيم وسألوه أن يتولى أمرهم لحسن سيرته وعدله فلم يفعل ثم أجاب وانتقل إلى قصر الإمارة وباشر الأمور وقام بها قيامًا مرضيًا‏.‏

وكان عادلا حازمًا في أموره أمن البلاد وقتل أهل البغي والفساد وكان يجلس لعدل في جامع القيروان يوم الخميس والاثنين يسمع شكوى الخصوم وبصبر عليهم ووينصف بينهم‏.‏

وكان القوافل والتجار يسيرون في الطرق آمنين‏.‏

وبنى الحصون والمحارس على سواحل البحر حتى كان يوقد النار من سبتة فيصل الخبر إلى

الإسكندرية في الليلة الواحدة وبني على سوسة سورا وعزم على الحج فرد المظالم وأظهر الزهد والنسك وعلم أنه إن جعل طريقه إلى مكة على مصر منعه صاحبها ابن طولون فتجري بينهما حرب فيقتل المسلمون فجعل طريقه على جزيرة صقلية ليجمع بين الحج والجهاد ويفتح ما بقي من حصونها فاخرج جميع ما أذخره من المال والسلاح وغير ذلك وسار إلى سوسة فدخلها وعليه فرومرقع في زي الزهاد أول سنة تسع وثمانين ومائتين وسار منها في الأسطول إلى صقلية‏.‏

وسار إلى مدينة فملكها سلخ رجب وأظهر العدل وأحسن إلى الرعية وسار إلى طبرمين فاستعد أهلها لقتاله فلما وصل خرجوا إليه والتقوا فقرأ القارئ‏:‏ ‏{‏إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 1‏]‏‏.‏ فقال الأمير اقرأ‏:‏ ‏{‏هذان خصمان اختصموا في ربهم‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 19‏]‏‏.‏ فقرأ فقال‏:‏ اللهم إني أختصم أنا والكفار إليك في هذا اليوم‏!‏ وحمل ومعه أهل البصائر فهزم الكفار وقتلهم المسلمون كيف شاءوا ودخلوا معهم المدينة عنوة فركب بعض من بها من الروم مراكب فهربوا فيها‏.‏

والتجأ بعضهم إلى الحصن وأحاط بهم المسلمون وقاتلوهم فاستنزلوهم قهرا وغمنوا أموالهم وسبوا ذراريهم وذلك لسبع بقين من شعبان وأمر بقتل المقاتلة وبيع السبي والغنيمة‏.‏

ولما اتصل الخبر بفتح طبرمين إلى ملك الروم عظم عليه وبقي سبعة أيام لا يلبس التاج وقال‏:‏ لا يلبس التاج محزون‏.‏

وتحركت الروم وعزموا على المسير إلى صقلية لمنعها من المسلمين فبلغهم أنه سائر إلى القسطنطينية فترك الملك ها عسكرًا عظيما وسير جيشًا كثيرًا إلى صقلية‏.‏

وأما الأمير إبراهيم فإنه لما ملك طبرمين بث السرايا في مدن صقلية التي بيد الروم وبعث سرية إلى ميقش وسرية إلى دمشق فوجدوا أهلها قد أجلوا عنها فغمنوا ما وجدوا بها‏.‏

وبعث طائفة إلى رمطة وطائفة إلى الياج فأذعن القوم جميعًا إلى أداء الجزية فلم يجبهم الرسل منها يطلبون الأمان فلم يجبهم‏.‏

وكان قد ابتدأ به المرض وهوعلة الذرب فنزلت العساكر على المدينة فلم يجدوا في قتالها لغيبة الأمير عنهم فإنه نزل منفردًا لشدة مرضه وامتنع منه النوم وحدث به الفواق وتوفي ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين فاجتمع أهل الري من العسكر أن يولوا أمرهم أبا مضر بن أبي العباس عبد الله ليحفظ العساكر والأموال والخزائن إلى أن يصل إلى ابنه بإفريقية وجعلوا الأمير إبراهيم في تابوت وحملوه إلى إفريقية ودفنوه بالقيروان رحمه الله‏.‏

وكانت ولايته خمسًا وعشرين سنة وكان عاقلا حسن السيرة محبًا لخير والإحسان تصدق بجميع ما يملك ووقف أملاكه جميعها وكان له فطنة عظيمة بإظهار خفايا العملات فمن ذلك أن تاجرًا من أهل القيروان كانت له امرأة جميلة صالحة عفيفة فاتصل خبرها بوزير الأمير إبراهيم فأرسل إليها فلم تجبه فاشتد غرامه بها وشكا حاله إلى عجوز كانت تغشاه وكانت أيضًا لها من الأمير منزلة ومن والدته منزلة كبيرة وهي موصوفة عندهم بالصلاح يتبركون بها ويسألونها الدعاء فقالت للوزير‏:‏ أنا أتلطف بها وأجمع بينكما‏.‏

وراحت إلى بيت المرأة فقرعت الباب وقالت‏:‏ قد أصاب ثوبي نجاسة أريد تطهيرها فخرجت المرأة ولقيتها فرحبت بها وأدخلتها وطهرت ثوبها وقامت العجوز تصلي فعرضت المرأة عليها الطعام فقالت‏:‏ إني صائمة ولا بد من التردد إليك ثم صارت تغشاها ثم قالت لها‏:‏ عندي يتيمة أريد أن أحملها إلى زوجها فإن خفت عليك إعارة حليك أجملها به فعلت‏.‏

وأحضرت جميع حليها وسلمته إياها فأخذته العجوز وانرفت وغابت أياما وجاءت إليها فقالت لها‏:‏ أين الحلى فقالت‏:‏ هوعند الوزير عبرت عليه وهومعي فأخذه مني وقال لا يسلمه إلا إليك فتنازعتا وخرجت العجوز وجاء التاجر زوج المرأة فأخبرته الخبر فحضر دار الأمير إبراهيم وأخبره الخبر فدخل الأمير إلى والدته وسألها عن العجوز فقالت‏:‏ هي تدعولك فأمر بإحضارها ليتبرك بها فأحضرتها والدته فلما رآها أكرمها وأقبل عليها ثم إنه أخذ خاتمًا من إصبعها وجعل يقبله ويعبث به ثم إنه أحضر خصيًا له وقال له‏:‏ انطلق إلى بيت العجوز وقل لابنتها تسلم الحق الذي فيه الحلي وصفته كذا وهوكذا وكذا وهذا الخاتم علامة منها‏.‏

فمضى الخادم وأحضر الحق فقال لعجوز‏:‏ ما هذا فلما رأت الحق سقط في يدها وقتلها ودفنها في الدار وأعطى الحق لصاحبه وأضاف إليه شيئًا آخر وقال له‏:‏ أما الوزير فإن انتقمت منه الآن ينكشف الأمر ولكن سأجعل له ذنبًا آخذه به فتركه مدة يسيرة وجعل له جرمًا آخذه به فقتله‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة استعمل المعتمد على الله الخليفة على أذربيجان محمد بن عمر ابن علي بن مرا الطائي الموصلي فسار إليها وجمع معه جموعًا كثيرة من خوارج وغيرهم وكان على أذربيجان العلاء بن أحمد الأزدي وهو مفلوج فخرج في محفة ليمنع محمد بن عمر فقاتله فانهزم عسكر العلاء وأخذ أسيرا واستولى محمد بن عمر بن علي على قلعة العلاء وأخذ منها ثلاثة آلاف ألف درهم ومات العلاء في يده‏.‏

وفيها استعمل المعتمد على الله على الموصل الخضر بن أحمد بن عمر بن الخطاب التغلبي الموصلي‏.‏

وفيها رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان وأحرق شالوس لممالأة أهلها ليعقوب وأقطع ضياعهم للديالمة‏.‏

وفيها أمر المعتمد بجمع حاج خرسان والري وطبرستان وجرجان وأعلمهم أنه لم يول يعقوب خراسان ولم يكن دخوله خراسان وأسره محمد ابن طاهر بأمره‏.‏

وفيها قتل مساور الشاري يحيى بن جعفر الذي كان يلي خراسان فسار مساور البلخي في طلبه وتبعه أبوأحمد وهوالموفق بن المتوكل فسار من بين أيديهما فلم يدركاه‏.‏

وفيها هرب ابن مروان الجليقي من قرطبة فقصد قلعة الحنش فملكها وامتنع بها فسار إليه محمد صاحب الأندلس فحصره ثلاثة أشهر فضاق به الأمر حتى أكل دوابه فطلب الأمان فأمنه محمد فأمنه محمد فسار إلى مدينة بطليوس‏.‏

وفيها عصى أهل تاكرنا مع أسد بن الحارث بن رافع فغزاهم جيش محمد صاحب الأندلس وقاتلهم فعادوا إلى الطاعة‏.‏

وفيها توفي أبوهاشم داود بن سليمان الجعفري والحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قاضي القضاة وكان موته في رمضان وأبوالحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري صاحب الصحيح وعبد العزيز بن حيان الموصلي وكان كثير الحديث والنضر بن الحسن الفقيه الحنفي وكان من الموصل أيضًا‏.‏

حوادث سنة اثنتين وستين ومائتين

ذكر الحرب بين الموفق والصفار


في هذه السنة في المحرم سار الصفار من فارس إلى الأهواز فلما بلغ المعتمد إقباله أرسل إليه إسماعيل بن إسحاق وبفراج وأطلق من كان في حبسه من أصحاب يعقوب فإنه كان حبسهم لما أخذ يعقوب محمد بن طاهر بن الحسين‏.‏

عاد إسماعيل برسالة من عند يعقوب فجلس أبوأحمد ببغداد وكان قد أخر مسيره إلى الزنج لما بلغه من خبر يعقوب وأحضر التجار وأخبرهم بتولية يعقوب خراسان وجرجان وطبرستان والري وفارس والشرطة ببغداد وكان بمحضر من درهم صاحب يعقوب كان يعقوب قد أرسله يطلب لنفسه ما ذكرنا وأعاده أبوأحمد إلى يعقوب ومعه عمر بن سيما بما أضيف إليه من الولايات‏.‏

فعاد الرسل من عند يعقوب يقولون‏:‏ إنه لا يرضيه ما كتب به دون أن يسير إلى باب المعتمد‏!‏

وارتحل يعقوب من عسكر مكرم وسار إليه أبوالساج وصار معه فأكرمه وأحسن إليه ووصله‏.‏

فلما سمع المعتمد رسالة يعقوب خرج من سامرا ف عساكره وسار إلى بغداد ثم إلى الزعفرانية فنزلها وقدم أخاه الموفق وسار يعقوب من عسكر مكرم إلى واسط فدخلها لست بقين من جمادى الآخرة وارتحل المعتمد من الزعفرانية إلى سبب بني كوما فوافاه هناك مسرور البلخي عائدًا من الوجه الذي كان فيه سار يعقوب من واسط إلى دير العاقول وسير المعتمد أخاه الموفق في العساكر لمحاربة يعقوب فجعل الموفق على ميمنته موسى بن بغا وعلى ميسرته مسرورًا البلخي وقام هوفي القلب‏.‏

والتقيا فحملت ميسرة يعقوب على ميمنة الموفق فهزمتها وقتلت منها جماعة من قوادهم منهم إبراهيم بن سيما وغيره ثم تراجع المنهزمون وكشف أبوأحمد الموفق رأسه وقال‏:‏ أنا الغلام الهاشمي‏!‏ وحمل وحمل معه سائر عسكره على عسكر يعقوب قثبتوا وتحاربوا حربًا شديدة وقتل من أصحاب يعقوب جماعة منهم الحسن الدرهمي وأصابت يعقوب ثلاثة أسهم في حلقه ويديه ولم تزل الحرب إلى آخر وقت العصر ثم وافى با أحمد الموفق الديراني ومحمد بن أوس فاجتمع جميع من بقي في عسكره وقد ظهر من أصحاب يعقوب كراهة للقتال معه إذ رأوا الخليفة يقاتله فحملوا على يعقوب ومن قد ثبت معه للقتال فانهزم أصحاب يعقوب وثبت يعقوب في خاصة أصحابه حتى مضوا وفارقوا موضع الحرب وتبعهم أصحاب الموفق فغمنوا ما في عسكرهم وكان فيه من الدواب والبغال أكثر من عشرة آلاف ومن الأموال ما يكل عن حمله ومن حرب المسك أمر عظيم وتخلص محمد بن طاهر وكان مثقلًا بالحديد وخلع عليه الموفق وولاه الشرطة ببغداد بعد ذلك‏.‏

وسار يعقوب من الهزيمة إلى خوزستان فنزل جند يسابور وراسله العلوي البصري يحثه على الرجوع إلى بغداد ويعده الاسعدة فقال لكاتبه‏:‏ اكتب إليه‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون‏}‏ ‏[‏الكافرون‏:‏ 2‏]‏‏.‏ السورة وسير الكتاب إليه‏.‏

وكانت الوقعة لإحدى عشرة خلت من رجب وكتب المعتمد إلى ابن واصل بتوليته فارس وكان قد سار إليها وجمع جماعة فغلب عليها فسير إليه يعقوب عسكرًا عظيمًا عليهم ابن عزيز ين السري إلى فارس واستولى عليها ورجع المعتمد إلى سامرا‏.‏

وأما أبوأحمد الموفق فإنه سار إلى واسط ليتبع الصفار وأمر أصحابه بالتجهز لذلك فأصابه مرض فعاد إلى بغداد ومعه مسرور وقبض ما لأبي الساج من الضياع والمنازل وأقطعها مسرورًا البلخي وقدم محمد بن طاهر بغداد‏.‏

وفيها نفذ قائد الزنج جيوشه إلى ناحية البطيحة ودست ميسان‏.‏

وكان سبب ذلك أن تلك النواحي لما خلت من العساكر السلطانية بسبب عود مسرور لحرب يعقوب بث الزنج سارياه فيها تنهب وتخرب‏.‏

وأتته الأخبار بخلو البطيحة من جند السلطان فأمر سليمان بن جامع وجماعة من أصحابه بالمسير إلى الحوانيت وسليمان بن موسى بالمسير إلى القادسية‏.‏

وقدم ابن التركي في ثالثين شذاة يريد عسكر الزنج فنهب وأحرق فكتب الخبيث إلى سليمان بن موسى يأمره بمنعه من العبور فأخذ سليمان عليه الطريق فقاتلهم شهرًا حتى تخلص وانحاز إلى سليمان بن جامع من مذكوري البلالية وأنجادهم جمع كثير في خمسين ومائة سميرية وكان مسرور قد وجه قبل مسيره عن واسط إلى المعتمد جماعة من أصحابه إلى سليمان في شذوات فظفر بهم سليمان وهزمهم وأخذ منهم سبع شذوات وقتل من اسر منهم‏.‏

وأشار الباهليون على سليمان أن يتحصن في عقر ما وراء طهثا والأدغال التي فيها وكرهوا خروجه عنهم لموافقته في فعله وخافوا السلطان فسار إليه فنزل بقرية مروان بالجانب الشرقي من نهر طهثأن وجمع إليه رؤساء الباهليين وكتب إلى الخبيث يعلمه بما صنع فكتب إليه يصوب رأيه ويأمره بإنفاذ ما عنده ممنيرة ونعم فأنفذ ذلك إليه‏.‏

وورد على سليمان أن أغرتمش وحشيشًا قد أقبلا في الخيل والرجال والسميريات والذأن يريدون حربه فجزع جزعًا شديدًا فلما أشرفوا عليه ورآهم أخذ جمعًا من أصحابه وسار راجلأن واستدبر أغرتمش وجد أغرتمش في المسير إلى عسكر سليمان وكان سليمان قد أمر الذي استخلفه من جيشه أن لا يظهر منهم أحد لأصحاب أغرتمش وأن يخفوا أنفسهم ما قدروا إلى أن يسمعوا أصوات طبولهم فإذا سمعوها خرجوا عليه‏.‏

وأقبل أغرتمش إليهم فجزع أصحاب سليمان جزعًا عظيما فتفرقوا ونهضت شرذمة منهم فواقعوهم وشغلوهم عن دخول العسكر وعاد سليمان من خلفهم وضرب طبوله وألقوأنفسهم في الماء للعبور إليهم فانهزم أغرتمش وظهر من كان من السودان بطهثا ووضعوا السيوف فيهم وقتل حشيش وانهزم أغرتمش وتبعه الزنوج إلى عسكره فنالوا حاجاتهم منه واخذوا منهم شذوات فيها مال وغيره فعاد أغرتمش فانتزعها من أيديهم فعاد سليمان وقد ظفر وغمن وكتب إلى صاحب الزنج بالخبر وسير إليه رأس حشيش فسيره إلى علي بن أبان وهوبنواحي الأهواز وسير سليمان سرية فظفروا بإحدى عشرة شذاة وقتلوا أصحابها‏.‏

ذكر وقعة للزنج عظيمة انهزموا فيها

وفيها كانت وقعة للزنوج مع أحمد بن ليثويه وكان سبها أن مسرورًا اللبلخي وجه أحمد بن ليثويه إلى كور الأهواز فنزل السوس وكان يعقوب الصفار قد قلد محمد بن عبيد الله بن هزارمرد الكردي كور الأهواز فكاتب محمد قائد الزنج يطعمه في الميل إليه وأوهمه أنه يتولى له كور الأهواز‏.‏

وكان محمد يكاتبه قديمأن وعزم على مداراة الصفار وقائد الزنج حتى يستقيم له الأمر فيهأن فكاتبه صاحب الزنج يجيبه إلى ما طلب على أن يكون علي بن أبان المتولي لليلاد ومحمد بن عبيد الله يخلفه عليهأن فقبل محمد ذلك فوجه إليه علي بن أبان جيشًا كثيرأن وأمدهم محمد بن عبيد الله فساروا نحوالسوس فمنعهم أحمد بن ليثويه ومن معه من جند الخليفة عنهأن وقاتلهم فقتل منهم خلقًا كثيرا وأسر جماعة‏.‏

وسار أحمد حتى نزل جندي سابور وسار علي بن أبان من الأهواز ممدًا محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه فلقيه محمد في جيش كثير من الأكراد والصعاليك ودخل محمد تستر فانتهى إلى أحمد بن ليثويه الخبر بتضافرهما على قتاله فخرج عن جند يسابور إلى السوس‏.‏

وكان محمد قد وعد علي بن أبان أن يخطب لصاحبه قائد الزنج يوم الجمعة على منبر تستر فلما كان يوم الجمعة خطب للمعتمد وللصفار فلما علم علي بن أبان ذلك انصرف إلى الأهواز وهدم قنطرة كانت هناك لئلا تلحقه الخيل فانتهى أصحاب علي إلى عسكر مكرم فنهبوها وكانت داخلة في سلم الخبيث فغدروا بها وساروا إلى الأهواز‏.‏

فلما علم أحمد ذلك أقبل إلى تستر فواقع محمد بن عبيد الله ومن معه فانهزم محمد بن عبيد الله ودخل أحمد تستر وأتت الأخبار علي بن أبان بأن أحمد على قصدك فسار إلى لقائه ومحاربته فالتقيا واقتتل العسكران فاستأمن إلى أحمد جماعة من الأعراب الذين مع علي بن أبان فانهزم باقي أصحاب علي وثبت معه جماعة يسيرة واشتد القتال وترجل علي بن أبان وباشر القتال راجلا فعرفه بعض أصحاب أحمد فأنذر الناس به فلما عرفوه انصرف هاربا وألقى نفسه في المسرقان فأتاه بعض أصحابه بسميرية فركب فيها ونجا مجروحا وقتل من أبطال أصحابه جماعة كثيرة‏.‏

ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستاني

كان أحمد بن عبد اله الخجستاني من خجستان وهي من جبال هراة من أعمال باذغيس وكان من أصحاب محمد بن طاهر فلما استولى يعقوب بن الليث على نيسابور على ما ذكرناه ضم أحمد إليه وإلى أخيه علي بن الليث وكان ينوشركب ثلاثة أخوة‏:‏ إبراهيم وأبوحفص يعمر

وأبوطلحة منصور أبومسلم وكان أسنهم إبراهيم وكان قد أبلى بين يدي يعقوب عند مواقعة الحسن بن زيد بجرجان فقدمه فدخل عليه يومًا نيسابور وهويوم فيه برد شديد فخلع عليه يعقوب وبر سمور كان على كتفه فحسده عليه الخجستاني فقال له‏:‏ إن يعقوب يريد الغدر بك لأنه لا يخلع على أحد من خاصته خلعة إلا غدر به‏.‏

فغم ذلك إبراهيم وقال‏:‏ كيف الحيلة في الخلاص قال‏:‏ الحيلة أن نهرب جميعًا إلى أخيك يعمر فإني خائف عليه أيضًا‏.‏

وكان يعمر قد حاصر أبا داود الناهجوزي ببلخ ومعه نحومن خمسة آلاف رجل فاتفقا على الخروج ليلتهم فسبقه إبراهيم إلى الموعد فانتظره ساعة فلم يره فسار نحوسرخس وذهب الخجستاني إلى يعقوب فأعلمه فأرسله في أثره فلحقوه بسرخس فقتلوه ومال يعقوب إلى الخجستاني‏.‏فلما أراد يعقوب العود إلى سجستان استخلف على نيسابور عزيز بن السري وولى أخاه عمروبن الليث هراة فاستخلف عمروعليها طاهر ابن حفص الباذغيسى وسار يعقوب إلى سجستان سنة إحدى وستين ومائتين وأحب الخجستاني التخلف لما كان يحدث به نفسه فقال لعلي بن الليث‏:‏ إن خويك قد اقتسما خراسان ولي سلك بها من يقوم بشغلك فيجب أن تردني إليها لأقوم بأمورك فاستأذن أخاه يعقوب في ذلك فأذن له فلما حضر أحمد يودع

يعقوب أحسن له القول وردة وخلع عليه فلما ولى عنه قال يعقوب‏:‏ اشهد أن قفاه قفا مستعص وأن هذا آخر عهدنا بطاعته‏.‏

فلما فارقهم جمع نحوًا من مائة رجل فورد بهم بشت نيسابور فحارب عاملها وأخرجه عنها وجباها ثم خرج إلى قومس فقتل ببسطام مقتلة عظيمة وتغلب عليها وذلك سنة وستين ومائتين‏.‏

وسار إلى نيسابور وبها عزيز بن السري فهرب عزيز وأخذ أحمد أثقاله واستولى على نيسابور يدعوإلى الطاهرية وذلك أول سنة اثنتين وستين ومائتين وكتب إلى رافع بن هرثمة يستقدمه فقدم عليه فجعله صاحب جيشه وكتب إلى يعمر بن شركب وهويحاصر بلخ يستقدمه ليتفقا على تلك البلاد فلم يثق إليه لفعله بأخيه وسار يعمر إلى هراة فحارب طاهر بن حفص فقتله واستولى على أعمال طاهر فسار إليه أحمد فكانت بينهما مناوشات‏.‏

وكان أبوطلحة بن شركب غلامًا من أحسن الغلمان وكان عبد الله ابن بلال يميل إليه وهوأحد قواد يعمر فراسل الخجستاني وأعلمه أنه يعمل ضيافة ليعمر وقواده ويدعوهم إليه يومًا ذكره ويأمره بالنهوض إليهم فيه فإنه يساعده وشرط عليه أن يسلم إليه أبا طلحة فأجابه أحمد إلى ذلك فصنع ابن بلال طعامأن ودعا يعمر وأصحابه وكبسهم أحمد وقبض على يعمر وسيره إلى نائبه بنيسابور فقتله واجتمع إلى أبي طلحة جماعة من أصحاب أخيه فقتلوا ابن بلال

وساروا إلى نيسابور وكان بها الحسين بن طاهر أخومحمد بن طاهر قد وردها من أصبهان طمعًا أن يخطب لهم أحمد كما كان يظهره من نفسه فلم يفعل فخطب له أبوطلحة بها وأقام معه فسار إليه الخجستاني من هراة في اثني عشر ألف عنان فأقام على ثلاث مراحل من نيسابور ووجه أخاه العباس إليهأن فخرج إليه أبوطلحة فقاتله فقتل العباس وانهزم أصحابه‏.‏

فلما بلغ خبرهم إلى أحمد عاد إلى هراة ولم يعلمه لأخيه خبرأن فبذل الأموال لمن يأتيه بخبره فلم يقدم أحد على ذلك وأجابه رافع بن هرثمة إليه فاستأمن إلى أبي طلحة فأمنه وقربه ووثق إليه وتحقق رافع خبر العباس فأنهاه إلى أخيه أحمد وأنفذه أبوطلحة إلى بيهق وبست ليجبي أموالها لنفسه وضم إليه قائدين فجبى رافع الأموال وقبض على القائدين وسار إلى الخجستاني إلى قرية من قرى خواف فنزلها وبها حلي بن يحيى الخارجي فنزل ناحية عنه‏.‏

فبلغ الخبر إلى أبي لحة فركب كجدأن فوصل إليهم ليلأن فأوقع بحلي وأصحابه وهويظنه رافعأن وهرب رافع سالمأن وعلم أبوطلحة بحال حلي بعد حرب شديدة فكف عنه وأحسن إليه وإلى أصحابه‏.‏

ثم وجه أبوطلحة جيشًا إلى جرجان وبها ثابت بن الحسن بن زيد ومعه الديلم وكان على جيش أبي طلحة إسحاق الشاري فحاربوا الديلم بجرجان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ثم عصى إسحاق على أبي طلحة فسار إليه أبوطلحة واشتغل في طريقه باللهو والصيد فكبسه إسحاق وقتل أصحابه وانهزم أبوطلحة إلى نيسابور فاستضعفه أهلها فأخرجوه منها فنزل على فرسخ عنها وجمع جمعًا وحاربهم ثم افتعل كتابًا عن أهل نيسابور إلى إسحاق يستقدمونه إليهم ويعدونه المساعدة على أبي طلحة فاغتر إسحاق بذلك وكتب أبوطلحة عن إسحاق كتابًا إلى أهل نيسابور يعدهم أنه يساعدهم على أب يطلحة ويأمرهم بحفظ الدروب وترك مقاربة البلد إلى أن يوافيهم فاغتروا بذلك وظنوه كتابه ففعلوا ما أمرهم‏.‏وسار إسحاق مجدا فلما قارب نيسابور لقيه أبوطلحة فغافصه فطعنه أبوطلحة فألقاه عن فرسه في بئر هناك فلم يعلم له خبر وانهزم أصحابه ودخل بعضهم إلى نيسابور وضيق عليهم أوطلحة فكاتبوا الخجستاني واستقدموه من هراة فأتاهم في يومين وليلتين وورد عليهم ليلا ففتحوا له الأبواب ودخلها وسار عنها أبوطلحة إلى الحسن بن زيد فأمده بجنود فعاد إلى نيسابور فلم يظفر بشي فسار إلى بلخ وحصر أبا داود الناهجوزي واجتمع معه خلق كثير وذلك سنة خمس وقيل ست وستين ومائتين‏.‏

وسار الخجستاني إلى محاربة الحسن بن زيد لمساعدته أبا طلحة فاستعان الحسن بأهل جرجان فأعانوه فحاربهم الخجستاني فهزمهم وأغار عليهم وجباهم أربعة آلاف ألف واتفق أن يعقوب بن الليث توفي سنة خمس وستين أيضًا وولي مكانه أخوه عمرو فعاد إلى سجستان وقصد هراة فعاد الخجستاني من جرجان إلى نيسابور ووافاه عمروبن الليث فاقتتلأن وانهزم عمروورجع إلى هراة وأقام أحمد بنيسابور وكان كيكان وهويحيى بن محمد بن يحيى الذهلي وجماعة من المتطوعة والفقهاء بنيسابور يميلون إلى عمرولتولية السلطان إياه فرأى الخجستاني أن يوقع بينهم ليشتغل بعضهم ببعض وأحضر منهم جماعة من الفقهاء القائلين بمذاهب أهل العراق فأحسن إليهم وقربهم وأكرمهم وأظهروا الخلاف على كيكان ونابذوه‏.‏

وكان كيكان يقول بمذهب أهل المدينة فكفي شرهم وسار إلى هراة فحصر بها عمروبن الليث سنة سبع وستين فلم يظفر بشيء فسار نحوسجستان فحصر في طريقه رمل سي فلم يظفر بشيء منهأن فاحتال حتى استمال رجلًا قطانًا كانت داره إلى جانب السور ووعده أن ينقب من العسكر إلى داره ويخرج أصحابه إلى البلد فاستأمن رجلان إلى البلد من أصحاب الخجستاني وذكرا الخبر لصاحبه فأخذ القطان وأخربت داره وبطل ما كان الخجستاني عزم عليه‏.‏

وكان خليفة الخجستاني بنيساور قد أساء السيرة وقوى العيارين وأهل الفساد فاجتمع الناس إلى كيكان فثار على نائبه وأعانهم عمروبن الليث بجنده فقبضوا على خليفة الخجستاني وأقام أصحاب عمروبنيسابور فبلغ الخبر إلى أحمد فوافى نيسابور فخرج عنها كيكان وغيره فردهم أصحاب أحمد الخجستاني فقتل منهم جماعة وغيب كيكان فلم يظهر إلا بعد مدة ميتأن وقد بنى عليه حائطًا فمات فيه‏.‏

وأقام أحمد بنيسابور تمام سنة سبع وستين ومائتين ثم إن عمرًا أبا طلحة وهويحاصر بلخ يستقدمه إلى هراة فأتاه فأكرمه وأعطاه مالًا عظيمأن ووعده وتركه بخراسان وعاد إلى سجستان فسار أحمد إلى سرخس وبها عامل عمرو فأتاه أبوطلحة فقاتله فانهزم أبوطلحة ومر على وجه وسار أحمد خلفه فلحقه بخلم فحاربه فهزمه أيضأن وسار نحوسجستان وأقام أحمد بطخارستان‏.‏

وكان ناسرار عباس القطان قد أتى طلحة فسار نحونيسابور فأعانه أهلهأن فاخذوا والدة الخجستاني وما كان معها وأقام بنيسابور ولحق به أبوطلحة فمنعه أهل نيسابور من دخولها‏.‏

واتصل الخبر بالخجستاني وهوبطايكان من طخارستان فسار مجدًا نحونيسابور‏.‏

ولما أيس الطاهرية من الخجستاني وكان أحمد بن محمد بن طاهر بخوارزم واليًا عليهأن أنفذ أبا العباس النوفلي في خمسة آلاف رجل ليخرج أحمد من نيسابور فبلغ خبره أحمد فأرسل إليه ينهاه عن سفك الدماء فأخذ النوفلي الرسل فأمر بضربهم وحلق لحاهم وأراد قتلهم فبيمنا

هم يطلبون الجلادين والحجامين ليحلقوا لحاهم أتاهم الخبر بقرب جيش أحمد منهم فاشتغلوأن وتركوا الرسل فهربوا إلى أحمد وأعلموه الخبر فعبأ أصحابه وحملوا على النوفلي حملة رجل واحد فاكثروا فيهم القتل وقبضوا على النوفلي وأحضروه عنده فقال له‏:‏ إن الرسل لتختلف إلى بلاد الكفار فلا تتعرض لهم أفلا استحيت أن تأمر في رسلي بما أمرت فقال النوفلي‏:‏ أخطأت فقال‏:‏ لكني سأصيب في أمرك‏!‏ ثم أمر به فقتل‏.‏

وبلغه أن إبراهيم بن محمد بن طلحة بمروقد جبى أهلها في سنتين خمسة عشر خراجا فسار إليه في أبيورد في يوم وليلة فأخذه من على فراشه وأقام بمرو فجبى خراجها ثم ولاها موسى البلخي ثم وافاها الحسين بن طاهر فأحسن فيهم السيرة ووصل إليه نحوعشرين ألف ألف درهم‏.‏

ذكر قتل الخجستاني

لما كان الخجستاني بطخارستان وافاه خبر أخذ والدته من نيسابور وسار مجدا فلما قارب هراة أتاه غلام لأبي طلحة يعرف بينال ده هزار مستأمنًا فأتاه خبره قبل وصوله وكان للخجستاني غلام اسمه رامجور على خزائنه فقال له كالممازح له‏:‏ إن سيدك ينال ده هزار قد استأمن إلي كما علمت فانظر كيف يكون برك به‏.‏

فحقدها عليه رامجور وخاف أن يقدم ذلك الغلام عليه ويطلب الفرصة ليقتله‏.‏

وكان لأحمد غلام يدعى قتلغ وهوعلى شرابه فسقاه يوما فرأى في الكوز شيئا فأمر به فقلعت إحدى عينيه فتواطأ قتلغ ورامجور على قتله فشرب يومًا بنيسابور عند وصوله من طايكان فسكر ونام فتفرق عنه أصحابه فقتله رامجور وقتلغ وكان قتله في شوال سنة ثمان وستين ومائتين وأخذ رامجور خاتمه فأرسله إلى الإصطبل يأمرهم بإسراج عدة دواب ففعلوا فسير عليها جماعة إلى أبي طلحة وهوبجرجان يعلمه الحال ويأمره بالقدوم ثم أغلق رامجور الباب على أحمد واختفى‏.‏

وبكر القواد إلى باب أحمد فوجدوا باب حجرته مغلقأن فانتظروه ساعة طويلة فرابهم الأمر ففتحوا الباب فرأوه مقتولأن فبحثوا عن الحال وأخبرهم صاحب الاصطبل خبر رامجور في إنفاذ الخاتم فطلبوه فلم يجدوه ثم وجدوه بعد مدة‏.‏

وكان سبب إطلاعهم عليه أن صبيًا من أهل تلك الدار التي هوبها طلب نارا فقيل له‏:‏ ما تعلمون بالنار في اليوم الحار فقيل‏:‏ نتخذ طعامًا للقائد قيل‏:‏ ومن القائد قال‏:‏ رامجور فأنهوا خبره إلى بعض القواد فأخذوه وقتلوه‏.‏

واجتمع أصحاب أحمد بعد قتله على رافع بن هرثمة وسن

ذكر أخبار رافع سنة صمان وستين ومائتين

وكان أحمد بن عبد الله لما عاد من طايكان بعد قتل والدته نصب رمحًا طويلًا في صحن داره وقال‏:‏ يحتاج أهل نيسابور أن يضعوا الدر حتى يغمروا هذا الرمح‏.‏

فخافوا منه واستخفى جمع من الرؤساء والتجار وفزع الناس إلى الدعاء وسألوا أبا عثمان وغيره من أصحاب أبي حفص الزاهد أن يتضرعوا إلى اله تعالى ليفرج عنهم وفعلوا فتداركهم الله برحمته فقتل تلك الليلة وفرج الله عنهم‏.‏وكان أحمد كريما جوادا شجاعا حسن العشرة كثير البر لإخوانه الذين صحبوه قبل إمارته والإحسان إليهم ولم يتغير لهم عما كان يفعله من التواضع والآداب‏.‏

ذكر عدة حوادث

فيها ولي القضاء علي بن محمد بن أبي الشوارب‏

وفيها سار الحسين بن طاهر بن عبد الله بن طاهر إلى الجبل في صفر‏.‏

وفيها مات الصلاني والي الري ووليها كيغلغ‏.‏وفيها نهب ابن زيدويه الطبيب ومات صلح بن علي بن يعقوب بن المنصور وولي إسماعيل بن إسحاق قضاء الجانب الشرقي من بغداد فصار له قضاء الجانبين‏.‏

وفيها تنافر أبوأحمد الموفق وأحمد بن طولون أمير ديار مصر وصار به بينهما وحشة مستحكمة وتطلب الموفق من يتولى الديار المصرية فلم يجد أحدًا لأن ابن طولون كانت خدمه وهداياه متصلة إلى القواد بالعراق وأرباب المناصب فلهذا لم يجد من يتولاهأن فكتب إلى ابن طولون يهدده بالعزل فأجابه جوابًا فيه بعض الغلظة فسير إليه الموفق موسى بن بغا في جيش كثيف فسار إلى الرقة‏.‏

وبلغ الخبر ابن طولون فحصن الديار المصرية وأقام ابن بغا عشرة أشهر بالرقة لم يمكنه المسير لقلة الأموال معه وطالبه الأجناد بالعطاء فلم يكن معه ما يعطيهم فاختلفوا عليه وثاروا بوزيره عبد الله بن سليمان فاستتر واضطر ابن بغا إلى العود إلى العراق وكفى اله أحمد بن طولون شرة فتصدق بأموال كثيرة‏.‏

وفيها قتل محمد بن عتاب وكان سائرًا إلى السيبين وهي في ولايته فقتله الأعراب‏.‏

وفيها قتل القطان صاحب مفلح وكان عاملًا بالموصل فانصرف عنها فقتل بالرقة‏.‏

وفيها عقد لكفتمر علي بن الحسين بن دود على طريق مكة‏.‏

وفيها وقع بين الخياطين والجزارين بمكة قتال يوم التروية حتى خاف الناس أن يبطل الحج ثم تحاجزوا إلى أن يحج الناس وقد قتل منهم سبعة عشر رجلًا وحج بالناس الفضل بن إسحاق بن العباس بن محمد‏.‏

وفيها سير محمد صاحب الأندلس ابنه المنذر في جيش إلى الجليقي وكان بمدينة بطليوس فلا سمع خبرهم فارقها ودخل حصن كركر فحوصر فيه وكثر القتل في أصحابه في شوال‏.‏

وفيها مات عمرو بن شبه المنيري الأخباري وكان مولده سنة ثلاث وسبعين ومائة‏.‏

حوادث سنة ثلاث وستين ومائتين

ذكر وقعة الزنج


لما انهزم علي بن أبان جريحا كما ذكرناه وعاد إلى الأهواز لم يقم بها ومضى إلى عسكر صاحبه يداوي جراحه واستخلف على عسكره بالأهواز فلما برأ جرحه عاد إلى الأهواز ووجه أخاه الخليل بن أبان في جيش كثيف إلى احمد بن ليثويه وكان أحمد بعسكر مكرم فكمن لهم أحمد وخرج إلى قتالهم فالتقى الجمعان واقتتلوا أشد قتال وخرج الكمين على الزنج فانهزموا وتفرقوا وقتلوا ووصل المنهزمون إلى علي بن أبان فوجه مسلحة إلى المسرقان فوجه

ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها

وفيها أقبل يعقوب بن الليث من فارس فلما بلغ النوبندجان انصرف أحمد بن الليث عن تستر فلما بلغ يعقوب جند يسابور ونزلها ارتحل عن تلك الناحية كل من بها من عسكر الخليفة ووجه إلى الأهواز رجلًا من أصحابه يقال له الخضر بن العنبر فلما قاربها خرج عنها علي بن أبان ومن معه من الزنج فنزل نهر السدرة ودخل الخضر الأهواز وجعل أصحابه وأصحاب علي بن أبان بعضهم على بعض ويصيب بعضهم من بعض إلى أن استعد علي بن أبان وسار إلى الأهواز فأوقع بالخضر ومن معه وقعة قتل فيها ن أصحاب الخضر خلقًا كثيرا وأصاب الغنائم الكثيرة وهرب الخضر ومن معه إلى عسكر مكرم‏.‏

وأقام علي بالأهواز ليستخرج ما كان فيها ورجع إلى نهر لاسدرة وسير طائفة إلى دورق وأوقعوا بمن كان هناك من أصحاب يعقوب وأنفذ يعقوب إلى الخضر مددا وأمره بالكف عن قتال الزنج والاقتصار على المقام بالأهواز فلم يجبهم علي إلى ذلك دون نقل طعام كان هناك فأجابه يعقوب إليه فقتله وترك العلف الذي كان بالأهواز وكف بعضهم عن بعض‏.‏

ذكر ملك الروم لؤلؤة

وفيها سلمت الصقالبة لؤلؤة إلى الروم وكان سبب ذلك أن أحمد بن طولون قد أدمن الغزوبطرسوس قبل أن يلي مصر فلما ولي مصر كان يؤثر أن يلي طرسوس ليغزومنها أميرا فكتب إلى أبي أحمد الموفق يطلب ولايتها فلم يجبه إلى ذلك واستعمل عليها محمد بن هارون التغلبي فركب في سفينة في دجلة فألقتها الريح إلى الشاطئ فأخذه أصحاب مساور الشاري فقتلوه واستعمل عوضه محمد بن علي الأرمني وأضيف إليه أنطاكية فوثب به أهل طرسوس فقتلوه فاستعمل عليها أرخوز بن يولغ بن طرخان التركي فسار إليها وكان غرًا جاهلا فأساء السيرة وأخر عن أهل لؤلؤة أرزاقهم وميرتهم فضجوا من ذلك وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكون منه ويقولون‏:‏ إن لم ترسلوا إلينا أرزاقنا وميرتنا وإلا سلمنا القلعة إلى الروم‏.‏

فأعظم ذلك أهل طرسوس وجمعوا من بينهم خمسة عشر ألف دينار ليحملوها إليهم فأخذها أرخوز ليحملها إلى أهل لؤلؤة فأخذها لنفسه‏.‏

فلما أبطأ عليهم المال سلموا القلعة إلى الروم فقامت على أهل طرسوس القيامة لأنها كانت شبحًا في حلق العدو ولم يكن يخرج للروم في بر أوبحر إلا رأوه وأنذروا به واتصل الخبر بالمعتمد فقلدها أحمد بن طولون واستعمل عليها من يقوم بغزوالروم ويحفظ ذلك الثغر‏.‏وفي هذه السنة مات مساور الشاري وكان قد رحل من البوازيج يريد لقاء عسكر قد سار إليه من عند الخليفة فكتب أصحابه إلى محمد بن خرزاد وهوبشهرزور ليولوه أمرهم فامتنع وكان كثير العبادة فبايعوا أيوب ابن حيان الوارقي البجلي فأرسل إليهم محمد بن خرزاد لي

ذكر لهم أنه نظر في أمره فلم يسعه إهمال الأمر لأن مساورًا عهد إليه فقالوا له‏:‏ قد بايعنا هذا الرجل ولا نغدر به فسار إليهم فيمن بايعه فقاتلهم فقتل أيوب بن حيان فبايعوا بعده محمد بن عبد اله بن يحيى الوارقي المعروف بالغلام فقتل أيضا فبايع أصحابه هارون بن عبد الله البجلي فكثر أتباعه وعاد عنه ابن خرزاد واستولى هارون على أعمال الموصل وجبى خراجه‏.‏

وفيها كانت وقعة بين موسى والأعراب فوجه الموفق ابنه أبا العباس المعتضد في جماعة من قواده في طلب الأعراب‏.‏

وفيها وثب الديراني ابن أوس فكبسه ليلا فتفرق عسكره ونهبه ومضى ابن أوس إلى واسط‏.‏

وفيها ظفر أصحاب يعقوب بن الليث بمحمد بن واصل فأسروه‏.‏وفيها مات عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المعتمد سقط بالميدان من صدمة خادم له فسال دماغه من منخريه وأذنه فمات لوقته وصلى عليه الموفق ومشى في جنازته واستوزر من الغد الحسن بن مخلد فقدم موسى بن بغا سامرا فاختفى الحسن واستوزر مكانه سليمان بن وهب ودفعت دار عبيد الله إلى كيغلغ‏.‏

وفيها أخرج أخوشركب الحسين بن طاهر عن نيسابور وغلب عليها وأخذ أهله بإعطائه ثلث أموالهم وسار الحسين إلى مرووبها ابن خوارزم شاه يدعولمحمد بن طاهر‏.‏

وفيها سير محمد صاحب الأندلس ابنه المنذر في جيش كثير وجعل طريقه على ماردة فلما جاز ماردة إلى أرض العدوتبعه تسع مائة فارس من العسكر فخرج عليهم جمع كثر من المشركين قد استظهر فاقتتلوا قتالًا كثيرًا صبروا فيه وقتل من المشركين عدد كثير ثم استظهر ابن الجليقي ومن معه من المشركين على التسعمئة فوضعوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم وأكرمهم الله بالشهادة‏.‏

وفيها ابتدأ إبراهيم أمير إفريقية ببناء مدينة رقادة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن حرب الطائي الموصلي أخوعلي بن حرب توفي بآذنة من بلد الثغر‏.‏

حوادث سنة أربع وستين ومائتين

في هذه السنة أسرت الروم عبد اله بن رشيد بن كاوس‏.


وكان سبب ذلك أنه دخل بلد الروم في أربعة آلاف من الأهل الثغور الشامية فغمن وقتل فلما رحل عن الساندون خرج عليه بطريق سلوقية وبطريق قرة كوكب وخرشنة فأحدقوا بالمسلمين فنزل المسلمون وعرقبوا دوابهم وقاتلوا فقتلوا إلا خمس مائة فإنهم حملوا حملة رجل واحد ونجوا على دوابهم وقتل الروم من قتلوا وأسروا عبد الله بن رشيد بعد شربات أصابته وحمل على ملك الروم‏.‏

ذكر أخبار الزنج

هذه السنة ودخولهم واسط قد ذكرنا سنة اثنتين وستين ومائتين مسير سليمان بن جامع إلى البطائح وما كان منه مع أغرتمش فلما أوقع به كتب إلى صاحبه يستأذنه في المسير إليه ليحدث به عهدا ويصلح أمور منزله فأذن له في ذلك فأشار عليه الحياتي أن يتطرق إلى عسكر تكين البخاري وهوبيزدود فقبل قوله وسار إلى تكين فلما كان على فرسخ منه قال له الحياتي‏:‏ الرأي أن تقيم أنت عاهنا وأمضي أنا في السميريات وأجر القوم إليك فيأتونك وقد تعبوا فتنال منهم حاجتك‏.‏

ففعل سليمان ذلك وجعل بعض أصحابه كمينا ومضى الحياتي إلى تكين فقالته ساعة ثم تطارد لهم فتبعوه فأرسل إلى سليمان يعلمه ذلك وقال لأصحابه وهوبين يدي أصحاب تكين شبه المنهزم ليسمع أصحاب تكين قوله فيطمعوا فيه‏:‏ غررتموني وأهلكتموني وكنت نهيتكم عن الدخول ها هنا فأبيتم ولا أرانا ننجومنه‏.‏

وطمع أصحاب تكين وجدوا في طلبه وجعلوا ينادون‏:‏ بلبل في قفص فما زالوا كذلك حتى جازوا موضع الكمين وقاربوا عسكر سليمان وقد كمن أيضًا خلف جدر هناك فخرج سليمان إليهم في أصحابه فقاتلهم وخرج الكمين من خلفهم وعطف الحياتي على من في النهر فاشتد القتال فانهزم أصحاب تكين من الوجوه كلها وركبهم الزنج يقتلونهم ويسلبونهم أكثر من ثلاثة فراسخ وعادوا عنهم‏.‏

فلما كان الليل عاد الزنج إليهم وهم في معسكرهم فكبسوهم فقالتهم تكين وأصحابه فانكشف سليمان ثم عبأ أصحابه فأمر طائفة أن تأتيهم من جهة ذكرها لهم وطائفة في الماء وأتى هوفي الباقين فقصدوا تكين من جهاته كلها لم يقف من أصحابه أحد وانهزموا وتركوا عسكرهم فغمن الونج ما فيه وعادوا بالغنيمة واستخلف سليمان الحياتي على عسكره وسار إلى صاحبه وكان ذلك سنة ثلاث وستين ومائتين‏.‏

فلا سار سليمان إلى الخبيث خرج الحياتي بالعسكر الذي خلفه سليمان معه إلى مازوران لطلب الميرة فاعترضه جعلان فقاتلهن فانهزم الحياتي وأخذت سفنه وأتته الأخبار أن منجورًا ومحمد بن علي حبيب اليشكري قد بلغا الحجاجية فكتب إلى صاحبه بذلك فسير إليه سليمان فوصل إلى طهثا مجدا وأظهر أنه يريد قصد جعلان وقدم الحياتي وأمره أن يأتي جعلان ويقف بحيث يراه ولا يقاتله‏.‏

ثم سار سليمان نحومحمد بن علي بن حبيب مجدا فأوقع به وقعة عظيمة وغمن غنائم كثيرة وقتل أخًا لمحمد بن علي ورجع وكان ذلك في رجب من هذه السنة أيضًا‏.‏

ثم سار في شعبان إلى قرية حسان وبها قائد يقال له حسن بن خمارتكين فأوقع به فهزمه ونهب القرية واحرقها وعاد‏.‏

ثم سار في شعبان أيضًا إلى مواضع فنهبها وعاد ثم سار في رمضان واظهر أنه يريد جعلان لمازوران فبلغت الأخبار إلى جعلان بذلك فضبط عسكره فتركه سليمان وعدل إليه فأرقع به وهوغار وغمن منه ست شذوات ثم أرسل الحياتي في جماعة لينتهب فصادفهم جعلان فأخذ سفنهم وغمن منهم فأتاه سليمان في البر فهزمه واستنقذ سفنهم وغمن شيئًا آخر وعاد‏.‏

ثم سار سليمان إلى الرصافة في ذي القعدة فأوقع بمطر بن جامع وهوبها فغمن غنائم كثيرة وأحرق الرصافة واستباحها وحمل أعلامًا وانحدر إلى مدينة الخبيث وأقام ليعيد هناك بمنزلة فسار مطر إلى الحجاجية فأوقع بأهلها وأسر جماعة وكان بها قاض لسليمان فأسره مطر وحمله إلى واسط وسار مطر إلى قريب طهثا ورجع فكتب الحياتي إلى سليمان بذلك فسار نحوه فوافاه لليلتين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ثم صرف جعلان ووافى أحمد لن ليثويه بالشديدية‏.‏

ومضى سليمان إلى نهر أبان وبه قائد من قواد أحمد فأوقع به فقتله ثم سار سليمان إلى تكين في خمس شذوات سنة أربع وستين فواقعه تكين بالشديدية‏.‏

وكان أحمد بن ليثويه حينئذ قد سار إلى الكوفة وجنبلاء فظهر تكين على سليمان وأخذ الشذوات بما فيها وكان بها صناديد سليمان وقواده فقتلهم ثم إن أحمد عاد إلى الشديدية وضبط تلك الأعمال حتى وافاه محمد بن المولد وقد ولاه الموفق مدينة واسط فكتب سليمان إلى الخبيث يستمده فأمده بالخليل بن أبان في زهاء ألف وخمسمائة فارس فلما أتاه المدد قصد إلى محاربة محمد بن المولد ودخل سليمان مدينة واسط فقتل فها خلقًا كثيرا ونهب وأحرق وكان بها إلى ابن منكجور البخاري فقاتله يومه إلى العصر ثم قتل وانصرف سليمان عن واسط إلى جنبلاء ليعيث ويخرب فأقام هناك تسعين ليلة وعسكرهم بنهر الأمير‏.‏

وفيها خرج سليمان بن وهب من بغداد إلى سامرا وشيعه الموفق والقواد فلما صار إلى سامرا غضب عليه المعتمد وحبسه وقيده وانتهب داره واستوزر الحسن بن مخلد في ذي القعدة فسار الموفق من بغداد إلى سامرا ومعه عبيد الله بن سليمان بن وهب فلما قرب من سامرا تحول المعتمد إلى الجانب الغربي فعسكر به مغاضبًا للموفق واختلفت الرسل بينه وبين الموفق واتفقا وخلع على الموف ومسرور وكيغلغ وأحمد بن موسى بن بغا وأطلق سليمان بن وهب وعاد إلى الجوسق وهرب الحسن بن مخلد وأحمد ين صالح بن شيرزاد فكتب بقبض أموالهما وقبض أحمد بن أبي الاصبع وهرب القواد الذين كانوا بسامرا مع المعتمد خوفًا من الموفق فوصلووا إلى الموصل وجبوا الخراج‏.‏

ذكر وفاة أماجور وملك ابن طولون الشام وطرسوس وقتل سيما الطويل

وفي هذه السنة توفي أماجور مقطع دمشق وولي ابنه مكانه فتجهز ابن طولون ليسير إلى الشام فيملكه فكتب إلى ابن أماجور له أن الخليفة قد أقطعه الشام والثغور فأجابه بالسمع والطاعة وسار أحمد واستخلف بمصر ابنه العباس فلقيه ابن أماجور بالرملة فأقره عليها وسار إلى دمشق فملكها وأقر أماجور على أقطاعهم وسار إلى حمص فملكها وكذلك حماة وحلب‏.‏

وراسل سيما الطويل بأنطاكية يدعوه إلى طاعته ليقره على ولايته فامتنع فعاوده فلم يطعه فسار إليه أحمد بن طولون فحصره بأنطاكية وكان سيء السيرة مع أهل البلد فكاتبوا أحمد بن طولون ودلوه على عورة البلد فنصب عليه المجانيق وقاتله فملك البلد عنوة والحصن الذي له وركب سيما وقاتل قتالًا شديدًا حتى قتل ولم يعلم به أحد فاجتاز به بعض قواده فرآه قتيلا فحمل رأسه إلى أحمد فساءه قتله‏.‏

ورحل عن أنطاكية إلى طرسوس فدخلها وعزم على المقام بها وملازمة الغزاة فعلا السعر بها وضاقت عنه وعن عساكره فركب أهلها إليه بالمخيم وقالوا له‏:‏ قد ضيقت بلدنا وأغليت أسعارنا فإما أقمت في عدد يسير وإما ارتحلت عنا وأغلظوا له القول وشغبوا عليه فقال أحمد لأصحابه‏:‏ لتنهزموا من الطرسوسيين وترحلوا عنت البلد ليظهر للناس وخاصة العدوا ابن طولون على بعد صيته وكثرة عساكره لم يقدر على أهل طرسوس وانهزم عنهم ليكون أهيب هم في قلب العدووعاد إلى الشام‏.‏

فأتاه خبر ولده العباس وهوالذي استخلفه بمصر أنه قد عصى عليه وأخذ الأموال وسار إلى برقة مشاقًا لأبيه فلم يكترث لذلك ولم ينزعج له وثبت وقضى أشغاله وحفظ أطراف بلاده وترك بحران عسكرا وبالرقة عسكرًا مع غلامه لؤلؤ وكان حران لمحمد بن أتامش وكان

واتصل خبره بأخيه موسى بن أتامش وكان شجاعًا بطلأن فجمع عسكرًا كثيرًا وسار نحوحران وبها عسكر ابن طولون ومقدمهم أحمد ابن جيعويه فلما اتصل به خبر مسير موسى أقلقه ذلك وأزعجه ففطن له رجل من الأعراب يقال له أبوالأغر فقال له‏:‏ أيها الأمير أراك مفكرًا منذ أتاك خبر ابن أتامش وما هذا محله فإنه طياش قلق ولوشاء الأمير أن آتيه به أسيرًا لفعلت‏.‏

فغاظه قوله وقال‏:‏ قد شئت أن تأتي به أسيرًا قال‏:‏ فاضمم إلي عشرين رجلًا أختارهم قال‏:‏ افعل فاختار عشرين رجلًا وسار بهم إلى عسكر موسى فلما قاربهم كمن بعضهم وجعل بينه وبينهم علامة إذا سمعوها ظهروا‏.‏

ثم دخل العسكر في الباقين في زي الأعراب وقارب مضارب موسى وقصد خيلًا مربوطة فأطلقها وصاح هووأصحابه فيها فنفرت وصاح هوومن معه من الأعراب وأصحاب موسى غارون وقد تفرق بعضهم في حوائجهم وانزعج العسكر وركبوا وركب موسى فانهزم أبوالأغر من بين يديه فتبعه حتى أخرجه من العسكر وجاز به الكمين فنادى أبوالأغر بالعلامة التي بينهم فثاروا من النواحي وعطف أبوالأغر على موسى فأسروه فأخذوه وساروا حتى وصلوا إلى ابن جيعويه فعجب الناس من ذلك وحاروا فسيره ابن جيعويه إلى ابن طولون فاعتقله وعاد إلى مصر وكان ذلك في سنة خمسين وستين ومائتين‏.‏

وفي هذه السنة ظهر ببلاد الصين إنسان لا يعرف فجمع جمعًا كثرًا من أهل الفساد والعامة فأهمل الملك أمره استصغارًا لشأنه فقوي وظهر حاله وكثف جمعه وقصده أهل الشر من كل ناحية فأغار على البلاد وأخربهأن ونزل على مدينة خانقوا وحصرهأن وهي حصينة ولها نهر عظيم وبها عالم كثير من المسلمين والنصارى واليهود والمجوس وغيرهم من أهل الصين فلما حصر البلد اجتمعت عساكر الملك وقصدته فهزمهأن وافتتح المدينة عنوة وبذل السيف فقتل منهم ما لا يحصى كثرة‏.‏

ثم سار إلى المدينة التي فيها الملك وأراد حصرهأن فالتقاه ملك الصين ودامت الحرب بينهم نحوسنة ثم انهزم الملك وتبعه الخارجي إلى أن تحصن منه في مدينة من أطراف بلاده واستولى الخارجي على أكثر البلاد والخزائن وعلم أنه لا بقاء له في الملك إذ ليس هومن أهله فأخرب البلاد ونهب الأموال وسفك الدماء‏.‏

فكاتب ملك الصين ملوك الهند يستمدهم فأمدوه بالعساكر فسار إلى الخارجي فالتقوا واقتتلوا نحوسنة أيضا وصبر الفريقان ثم إن الخارجي عدم فقيل إنه قتل ون قيل بل غرق وظفر الملك بأصحابه وعاد إلى مملكته ولقب ملوك الصين يعفور ومعناه ابن السماء تعظيمًا لشأنه وتفرق الملك عليه وتغلبت كل طائفة على طرف من البلاد وصار الصين على ما كن ‏     ‏  ‏   ‏ ‏ ‏