في هذه السنة كان بين هارون الخارجي وين محمد بن خرزاد وهومن الخوارج أيضًا وقعة ببعدرى من أعمال الموصل.
وسبب ذلك أنا قد ذكرنا سنة ثلاث وستين ومائتين الحرب الحادثة بين هارون ومحمد بعد موت مساور فلما كان إلى جمع محمد بن خرزاد أصحابه وسار إلى هارون محاربًا له فنزل واسط وهي محلة بالقرب من الموصل وكان يركب البقر لئلا يفر من القتال ويلبس الصوف الغليظ ويرفع ثيابه وكان كثير العبادة والنسك ويجلس على الأرض ليس بينها وبينه حائل.
فلما نزل واسط خرج إليه وجوه أهل الموصل وكان هارون بمعلثايا يجمع لحرب محمد فلما سمع بنزول محمد عند الموصل سار إليه ورحل ابن خرزاد نحوه فالتقوا بالقرب من قرية شمرخ واقتتلوا قتالًا شديدًا كان فيه مبارزة وحملات كثيرة فانهزم هارون وقتل من أصحابه نحومائتي رجل منهم جماعة من الفرسان المشهورين ومضى هارون منهزما فعبر دجلة إلى العرب قاصدًا بني تغلب فنصروه واجتمعوا إليه ورجع ابن خرزاد من حيث أقبل وعاد هارون إلى الحديثة فاجتمع عليه خلق كثير وكاتب أصحاب ابن خرزاد واستمالهم فأتاه منهم الكثير ولم يبق مع ابن خرزاد إلا عشيرته من الشمردلية وهم من أهل شهرزور وإمنا فارقه أصحابه لأنه كان خشن العيش وهوببلد شهرزور وهوبلد كثير الأعداء من الأكراد وغيرهم.
وكان هارون ببلد الموصل قد صلح حاله وحال أصحابه فلما رأى أصحاب ابن خرزاد ذلك مالوا إليه وقصدوه وواقع ابن خرزاد بنواحي شهرزور الأكراد الجلالية وغيرهم فقتل وتفرد هارون بالرئاسة على الخوارج وقوي وكثر أتباعه وغلبوا على القرى والرساتيق وجعلوا على دجلة من يأخذ الزكاة من الأموال المنحدرة والمصعدة وبثوا نوابهم في الرساتيق يأخذون الأعشار من الغلات.
في هذه السنة ابتدر ابن حفصون بالأندلس بالخلاف على محمد بن عبد الرحمن صاحب الأندلس بناحية رية فخرج إليه جيش من تلك الناحية مع عاملها فقاتله فانهزم صاحب الأندلس وقوي أمر عمر بن حفصون وشاع ذكره وأتاه من يريد الشر والفساد فسير محمد صاحب الأندلس عاملًا آخر في جيش فصالحه عمر فطلب الهامل كل من كان له أثر في مساعدة عمر فأهلكه وفيهم من أبعده فاستقامت تلك الناحية.
وفيها كانت زلزلة عظيمة بالشام ومصر وبلاد الجزيرة وإفريقية والأندلس وكان قبلها هدة عظيمة قوية.
وفيها ولي جزيرة صقلية الحسن بن العباس فبث السرايا إلى كل ناحية وخرج إلى قطانية فأفسد زرعها وزرع طبرمين وقطع أشجارها وسار إلى بقارة فأفسد زرعها وانصرف إلى بلرم وأخرجت الروم سرايا فأصابوا من المسلمين كثيرا وذلك أيام الحسن بن العباس.
وفيها حبس السلطان محمد بن عبد الله بن طاهر وعدة من أهل بيته بعد ظفر الخجستاني بعمر بن الليث وكان عمرواتهمه بمكاتبة الخجستاني والحسين بن طاهر حيث كان يذكر أنه على منابر خراسان.
وفيها كانت بين كيغلغ التركي وبين أصحاب أحمد بن عبد العزيز ابن أبي دلف حرب انهزم فيها أصحاب أحمد وسار كيغلغ إلى همذان فوافاه أحمد بن عبد العزيز فيمن اجتمع إليه من أصحابه فانهزم كيغلغ وانحاز إلى الصيمرة.
وفيها في ربيع الآخر أم حبيب بنت الرشيد.
وفيها كانت وقعة بين إسحاق بن كنداجيق وإسحاق بن أيوب وعيسى ابن الشيخ وأبي المغر وحمدان بن حمدون ومن اجتمع إليهم من ربيعة وتغلب وبكر واليمن فهزمهم ابن كنداجيق إلى نصيبين وتبعهم إلى آمد وخلف على آمد من حصر عيسى فكانت بينهم وقعات عند آمد.
وفيها دخل الخجستاني نيسابور وانهزم عمروبن الليث وأصحابه فأساء السيرة في أهلهأن وهدم دور معاذ بن مسلم وضرب من قدر عليه منهم وترك ذكر محمد بن طاهر ودعا للمعتمد ولنفسه.
وفيها في شوال كانت لأصحاب أبي الساج وقعة بالهيصم العجلي قتلوا فيها مقدمته وغمنوا عسكره.
وفيها أقبل بن عبد اله الخجستاني يريد العراق فبلغ سمنان وتحصن منه أهل الري فرجع إلى خراسان.
وفيها رجع حلق ثير من الحجاج من طريق مكة لشدة الحر ومضى خلق كثير فمات منهم عالم عظيم من الحر والعطش وذاك كله في البيداء وأوقعت فزارة فيها بالتجار فأخذ فيما قيل سبع مائة حمل بز.
وفيها نفي الطباع من سامرا وفيها ضرب الخجستاني لنفسه دنانير ودراهم.
وحج بالناس هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي.
وفيها توفي محمد بن حماد بن بكر بن حماد أبوبكر المقرئ صاحب خلف بن هشام في ربيع الآخر ببغداد.
حوادث سنة ثمان وستين ومائتين
ذكر أخبار الزنج
في هذه السنة في المحرم خرج إلى الموفق من قواد الخبيث جعفر بن إبراهيم المعروف بالسحان وكان من ثقات الخبيث فاتاع لذلك وخلع عليه الموفق وأحسن إليه وحمله في سميرية إلى إزاء قصر الخبيث فكلم الناس من أصحابه وأخبرهم أنهم في غرور وأعلمهم بما وقف عليه من كذب الخبيث وفجوره فاستأمن في ذلك اليوم خلق كثير من قواد الزنج وغيرهم فاحسن إليهم ثم أقام الموفق لا يحارب ليريح أصحابه إلى شهر ربيع الآخر فلما انتصف ربيع الآخر قصد الموفق إلى مدينة الخبيث وفرق قواده على جهاتها وجعل مع كل طائفة منهم من النقابين جماعة لهدم السور وتدم إلى جميعهم أن لا يزيدوا على هدم السور ولا يدخلوا المدينة وتقدم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم السور وينقبه فتقدموا إلى المدينة من جهاتها وقابلوها فوصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة.
ودخل أصحاب الموفق من جميع تلك الثلم وجاء أصحاب الخبيث يحاربونهم فهزمهم أصحاب الموفق وتبعوهم حتى أوغلوا في طلبهم فاختلفت بهم طرق المدينة فبلغوا أبعد من الموضع الذي وصلوا إليه في المرة الأولى وأحرقوا وأسروا وتراجع الزنج عليهم وخرج الكمناء من مواضع يعرفونها ويجهلها الآخرون فتحيروا ودافعوا عن أنفسهم وتراجعوا نحودجلة بعد أن قتل منهم جماعة وأخذ الزنج أسلابهم.
ورجع الموفق إلى مدينته وأمر بجمعهم فلامهم على مخالفة أمره والإفساد عليه من رأيه وتدبيره وأمر بإحصاء من فقد وأقر ما كان لهم من رزق على أولادهم وأهليهم فحسن ذلك عندهم وزاد في صحة نياتهم.
وفي هذه السنة أوقع أبوالعباس أحمد بن الموفق وهوالمعتضد بالله بقوم من الأعراب كانوا يحملون الميرة إلى عسكر الخبيث فقتل منهم جماعة وأسر الباقين وغمن ما كان معهم وأرسل إلى البصرة من أقام بها لأجل قطع الميرة.
وسير الموفق رشيقا مولى أبي العباس فأوقع بقوم من بني تميم كانوا يجلبون الميرة إلى الخبيث فقتل أكثرهم وأسر جماعة منهم فحمل الأسرى والرؤوس إلى الموفقية فأمر بهم الموفق فوقفوا بإزاء عسكر الزنج وكان فيهم رجل يسفر بين صاحب الزنج والأعراب بجلب الميرة فقطعت يده ورجله وألقي في عسكر الخبيث وأمر بضرب أعناق الأسارى وانقطعت الميرة بذلك عن الخبيث بالكلية فأضر بهم الحصار وأضعف أبدانهم فكان يسال الأسير والمستأمن عن عهده بالخبز فيقول: عهدي ه منذ زمان طويل.
فلما وصلوا إلى هذا الحال رأى الموفق أن يتابع عليهم الحرب ليزيدهم ضرًا وجهدا فكثر المستأمنون في هذا الوقت وخرج كثير من أصحاب الخبيث فتفرقوا في القرى والأنهار البعيدة في طلب القوت فبلغ ذلك الموفق فأمر جماعة من قواد غلمانه السودان بقصد تلك المواضع ودعوة من بها إليه فمن أبى قتلوه فقتلوا نهم خلقًا كثيرًا وأتاه أكثر منهم.
فلما كثر المستأمنون عند الموفق عرضهم فمن كان ذا قوة وجلد أحسن إليه وخلطهم بغلمانه ومن كان منهم ضعيفا أوشيخا أوجريحًا قد أزمنته الجراحة كساه وأعطاه دراهم وأمر به أن يحمل إلى عسكر الخبيث فيلقى هناك ويؤمر بذكر ما رأى من إحسان الموفق إلى من صار إليه وأن ذلك رأيه فيهم فتهيأ له بذلك ما أراد من استمالة أصحاب الخبيث.
وجعل الموفق وابنه أبوالعباس يلازمان قتال الخبيث تارة هذا وتارة هذا وجرح أبوالعباس ثم برأ.
وكان من جملة من قتل من أعيان قواد الخبيث: بهبود بن عبد الوهاب وكان كثير الخروج في السميريات وكان ينصب عليها أعلامًا تشبه أعلام الموفق فإذا رأى من يستضعفه أخذه وأخذ من ذلك مالًا جزيلا فواقعه في بعض خرجاته أبوالعباس فأفلت بعد أن أشفى على الهلاك ثم إنه خرج مرة أخرى فرأى سميرية فيها بعض أصحاب أبي العباس فقصدها طامعًا في أخذهأن فحاربه أهلهأن فطعنه غلام من غلمان أبي العباس في بطنه فسقط في الماء فأخذه أصحابه فحملوه إلى عسكر الخبيث فمات قبل وصوله فأراح الله المسلمين من شره.
وكان قتله من أعظم الفتوح وعظمت الفجيعة على الخبيث وأصحابه واشتد جزعهم عليه وبلغ الخبر الموفق بقتله فأحضر ذلك الغلام فوصله وكساه وطوقه وزاد في أرزاقه وفعل بكل من كان معه في تلك السميرية نحوذلك ثم ظفر الموفق بالدوابني وكان ممايلًا لصاحب الزنج.
لما قتل أحمد بن عبد الله الخجستاني على ما ذكرناه وكان قتله هذه السنة اتفق أصحابه على رافع بن هرثمة فولوه أمرهم.
وكان رافع هذا من أصحاب محمد بن طاهر بن عبد اله بن طاهر فلما استولى يعقوب بن الليث على نيسابور وأزال الطاهرية صار رافع في جملته فلما عاد يعقوب إلى سجستان صحبه رافع وكان طويل الحية كريه الوجه قليل الطلاقة فدخل يومًا على يعقوب فلما خرج من عنده قال: أنا لا أميل إلى هذا الرجل فليلحق بما شاء من البلاد فقيل له ذلك ففارقه وعاد إلى منزله بتامين وهي من باذغيس وأقام به إلى أن استقدمه الخجستاني على ما ذكرناه وجعله صاحب جيشه.
فلما قتل الخجستاني اجتمع الجيش عليه وهوبهراة فأمروه كما ذكرناه وسار رافع من هراة إلى نيسابور وكان أبوطلحة بن شركب قد وردها من جرجان فحصره فيها رافع وقطع الميرة عنه وعن نيسابور فاشتد الغلاء بها ففارقها أبوطلحة ودخلها رافع فأقام بها وذلك سنة تسع وستين ومائتين فسار أبوطلحة إلى مرو وولى محمد بن مهتدي هراة وخطب لمحمد ابن طاهر بمرووهراة فقصده عمروبن الليث فحاربه فهزمه واستخلف عمروبمرومحمد بن سهل بن هاشم وعاد عنها وخرج شركب إلى بيكند واستعان بإسماعيل بن أحمد الساماني فأمده بعسكره فعاد إلى مرو فأخرج عنها محمد بن سهل وأغار على أهل البلد وخطب لعمروبن الليث وذلك في شعبان سنة إحدى وسبعين.
وقلد الموفق تلك السنة أعمال خراسان محمد بن طاهر وكان ببغداد فاستخلف محمد على أعماله رافع بن هرثمة ما خلا ما وراء النهر فإنه أقر عليه نصر بن أحمد ووردت كتب الموفق إلى خراسان بذلك وبعزل عمروبن الليث ولعنه فسار رافع إلى هراة وبها محمد بن مهتدي خليفة أبي طلحة شركب فقتله يوسف بن معبد وأقام بهراة فلما وافاه رافع استأمن إله يوسف فأمنه وعفا عنه فاستعمل على هراة مهدي بن محسن فاستمد رافع إسماعيل بن أحمد فسار إليه بنفسه في أربعة آلاف فارس واستقدم رافع أيضًا علي بن الحسين المروروذي فقدم عليه فساروا بأجمعهم إلى شركب وهوبمرو فحاربوه فهزموه وعاد إسماعيل إلى محازل وذلك سنة اثنتين وسبعين ومائتين فسار شركب إلى هراة فطابقه مهدي وخالف رافعا فقصدهما رافع فهزمهما.
وأما شركب فإنه لحق بعمروبن الليث وأما مهدي فإنه اختفى في سرب فدل عليه رافع فأخذه وقال له: تبًا لك يا قليل الوفاء! ثم عفا عنه وخلى سبيله وسار رافع إلى خوارزم سنة اثنتين وسبعين فجبى أموالها ورجع إلى نيسابور.
في هذه السنة سير محمد بن عبد الرحمن صاحب الأندلس جيشًا مع ابنه المنذر إلى المخالفين عليه فقصد مدينة سرقسطة فأهلك زرعها وخرب بلدها وافتتح حصن روطة فأخذ منه عبد الواحد الروطي وهومن أشجع أهل زمانه وتقدم إلى دير تروجة وبلد محمد بن مركب بن موسى فهتكا بالغارة وقصد مدينة لاردة وقرطاجنة فكان فيها إسماعيل بن موسى فحاربه فأذعن إسماعيل بالطاعة وترك الخلاف وأعطى رهائنه على ذلك وقصد مدينة أنقرة وهي للمشركين فافتتح هنالك حصونًا وعاد.
وفيها أوقع إبراهيم بن أحمد بن الأغلب بأهل بلد الزاب وكان قد حضر وجوههم عنده فأحسن إليهم ووصلهم وكساهم وحملهم ثم قتل أكثرهم حتى الأطفال وحملهم على العجل إلى حفرة فألقاهم فيها.
وفيها سارت سرية بصقلية مقدمها رجل يعرف بأبي الثور فلقيهم جيش الروم فأصيب المسلمون كلهم غير سبعة نفر وعزل الحسن بن العباس عن صقلية ووليها محمد بن الفضل فبث السرايا في كل ناحية من صقلية وخرج هوفي حشد وجمع عظيم فسار إلى مدينة قطانية فأهلك زرعها ثم رحل إلى أصحاب الشلندية فقاتلهم فأصاب فيهم فأكثر القتل ثم رحل إلى طبرمين فافسد زرعها ثم رحل فلقي عساكر الروم فاقتتلوا فانهزم الروم وقتل أكثرهم فكانت عدة ثم سار المسلمون إلى قلعة كان الروم بنوها عن قريب وسموها مدينة الملك فملكها المسلمون عنوة وقتلوا مقاتليها وسبوا من فيها.
ذكر عدة حوادث
فيها سار عمروبن الليث إلى فارس لحرب عاملها محمد بن الليث عليها فهزمه عمرو واستباح عسكره ونجا محمد ودخل عمرواصطخر فنهبها وأصحابه ووجه في طلب محمد فظفر به وأخذه أسيرا ثم سار إلى شيراز فأقام بها.
وفيها زلزلت بغداد في ربيع الأول ووقع بها أربع صواعق.
وفيها زحف العباس بن أحمد بن طولون لحرب أبيه فخرج إليه أبوه إلى الاسكندرية فظفر به ورده إلى مصر فرجع معه إليها وقد تقدم خبره سابقًا.
وفيها أوقع أخوشركب بالخجستاني وأخذ أمه.
وفيها وثب ابن شبث بن الحسين فأسر عمر بن سيما عامل حلوان.
وفيها انصرف أحمد بن أبي الأصبع من عند عمروبن الليث وكان عمروقد أنفذه إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فقدم معه بمال فأرسل عمروإلى الموفق من المال ثلاثمائة ألف دينار وخمسين مناص مسكا وخمسين منًا عنبرا ومائتي من عود وثلثمائة ثوب وشي وآنية ذهب وفضة ودواب وغلمانًا بقيمة مائتي ألف دينار.
وفها ولي كيغلغ الخليل بن رمال حلوان فنالهم بالمكاره بسبب عمر ابن سيما وأخذهم بجزيرة ابن شبث وضمنوا له خلاص عمر وإصلاح ابن شبث.
وفيها كانت وقعة بين أذكوتكين بن أساتكين وبين أحمد بن عبد العزيز ابن أبي دلف فهزمه أذكوتكين وغلبه على قم.
وفيها وجه عمروبن الليث قائدًا بأمر أبي احمد إلى محمد بن عبيد الله الكردي فأسره القائد وحمله إليه.
وفيها في ذي القعدة خرج بالشام رجل من ولد عبد الملك بن صالح الهاشمي يقال له بكار بين سلمية وحلب وحمص فدعا لأبي أحمد فحاربه ابن عباس الكلابي فانهزم الكلابي فوجه إليه لؤلؤ صاحب ابن طولون قائدًا يقال له يوذر في عسكر فرجع وليس معه كبير أمر.
وفيها اظهر لؤلؤ الخلاف على مولاه أحمد بن طولون.
وفيها قتل أحمد بن عبد الله الخجستاني في ذي الحجة قتله غلام له.
وفيها قتل أصحاب أبي الساج محمد بن علي بن حبيب اليشكري بالقرية بناحية واسط
وفيها حارب محمد بن كيجور علي بن الحسين كفتمر فأسر ككفتمر ثم أطلقه وذلك في ذي الحجة.
وفيها سار أبوالمغيرة المخزومي إلى مكة وعاملها هارون بن محمد الهاشمي فجمع هارون جمعًا احتمى بهم فسار المخزومي إلى مشاش فغور ماءها وإلى جدة فنهب الطعام وأحرق بيوت أهلها فصار الخبز بمكة: أوقيتان بدرهم.
وفيها خرج ملك الروم المعروف بابن الصقلبية فنازل ملطية فأعانهم أهل مرعش والحدث فانهزم ملك الروم.
وغزا الصائفة من ناحية الثغور الشامية الفرغاني عامل ابن طولون فقتل من الروم بضعة عشر ألفًا وغمن الناس فبلغ السهم أربعين دينارًا.
وحج بالناس فيها هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمي وابن أبي الساج على الأحداث والطريق.
وفيها مات محمد بن عبد الله بين عبد الحكم والبصري الفقيه المالكي وكان قد صحب الشافعي وأخذ عنه العلم.
ذكر أخبار الزنج
وفي هذه السنة رمي الموفق بسهم في صدره وكان سبب ذلك أن بهبود لما هلك طمع العلوي في ما له من الأموال وكان قد صح عنده أن ملكه قد حوى مائتي ألف دينار وجوهرا وفضه فطلب ذلك واخذ أهله وأصحابه فضربهم وهدم أبنيته طمعًا في المال فلم يجد شيئا فكان فعله مما أفسد قلوب أصحابه عليه ودعاهم إلى الهرب منه فأمر الموفق بالنداء بالأمان في أصحاب بهبود فسارعوا إليه فألحقهم في العطاء بمن تقدم.
ورأى الموفق ما كان يتعذر عليه من العبور إلى الزنج في الأوقات التي تهب فيها الرياح لتحرك الأمواج فعزم على أن يوسع لنفسه ولأصحابه موضعًا في الجانب الغربي فأمر بقطع النخل وإصلاح المكان وأن يعمل له الخنادق والسور ليأمن البيات وجعل حماية العمالين فيه نوبًا على قواده.
فعلم صاحب الزنج وأصحابه أن الموفق إذا جاورهم قرب على من يريد اللحاق به المسافة مع ما يدخل قلوب أصحابه من الخوف وانتقاض تدبيره عليه فاهتموا بمنع الموفق من ذلك وبذل الجهد فيه وقاتلوا أشد قتال فاتفق أن الريح عصفت في بعض تلك الأيام وقائد من القواد هناك فانتهز الخبيث الفرصة في إنفاذ هذا القائد وانقطاع المدد عنه فسير إليه جميع أصحابه فقاتلوه فهزموه وقتلوا كثيرًا من أصحابه ولم تجد الشذوات التي لأصحاب الموفق سبيلًا إلى القرب منهم خوفًامن الزنج أن تلقيها على الحجارة فتنكسر فغلب الزنج عليهم وأكثروا القتل والأسر ومن سلم منهم ألقى نفسه في الشذوات وعبروا إلى الموفقية فعظم ذلك على الناس.
ونظر الموفق فرأى أن نزلوه بالجانب الغربي لا يأمن عليه حيلة الزنج وصاحبهم وانتهاز فرصة لكثرة الأدغال وصعوبة المسالك وأن الزنج أعرق بتلك المضايق وأجرأ عليها من أصحابه فترك ذلك وجعل قصده إلى هدم سور الفاسق وتوسعة الطريق والمسالك فأمر بهدم السور من ناحية النهر المعروف بمنكي وباشر الحرب بنفسه واشتد القتال وكثر القتل والجراح من الجانبين ودام ذلك أيامًا عدة.
وكان أصحاب الموفق لا يستطيعون الولوج لقنطرتين كانتا في نهر منكي كان الزنج يعبرون عليهما وقت القتال فيأتون أصحاب الموفق من وراء ظهورهم فينالون منهم فعمل الحيلة في إزالتهما فأمر أصحابه بقصدهما عند اشتغال الزنج وغفلتهم عن حراستهما وأمرهم أن يعدوا الفؤوس والمناشير وما يحتاجون إليه من الآلات فقصدوا القنطرة الأولى نصف النهار فأتاهم الزنج لمنعهم فاقتتلوا فانهزم الزنج وكان مقدمهم أبوالندى فأصابه سهم في صدره فقتله وقطع وألح الموفق على الخبيث بالحرب وهدم أصحابه من السور ما أمكنهم ودخلوا المدينة وقاتلوا فيها وانتهوا إلى داري ابن سمعان وسليمان بن جامع فهدموهما ونهبوا ما فيهما وانتهوا إلى سويقة للخبيث سماها الميمونة فهدمت وأخربت وهدموا دار الحياتي وانتهبوا ما كان فيها من خزائن الفاسق وتقدموا إلى الجامع ليهدموه فاشتدت محاماة الزنج عنه فلم يصل إليه أصحاب الموفق لأنه كان قد خلص مع الخبيث نخبة أصحابه وأرباب البصائر فكان أحدهم يقتل أويجرح فيجذبه الذي إلى جنبه ويقف مكانه.
فلما رأى الموفق ذلك أمر أبا العباس بقصد الجامع مع أحد أركانه بشجعان أصحابه وأضاف إليهم الفعلة للهدم ونصب السلاليم فعل ذلك وقاتل عليه أشد قتال فوصلوا إليه فهدموه فاخذ منبره فأتي به الموفق ثم عاد الموفق لهدم السور فأكثر منه وأخذ أصحابه دواوين الخبيث وبعض خزائنه فظهر للموفق أمارات الفتح فإنهم لعلى ذلك إذ وصل سهم إلى الموفق فأصابه في صدره رماه به رومي كان مع صاحب الزنج اسمه قرطاس وذلك لخمس بقين من جمادى الأولى فستر الموفق ذلك وعاد إلى مدينته وبات ثم عاد إلى الحرب على ما به من ألم الجراح ليشتد بذلك قلوب أصحابه فزاد ف علته وعظم أمرها حتى خيف عليه.
واضطرب العسكر والرعية وخافوا فخرج من مدينته جماعة وأتاه الخبر وهوفي هذه الحال بحادث في سلطانه فأشار عليه أصحابه وثقاته بأن يعود إلى بغداد ويخلف من يقوم مقامه فأبى ذلك وخاف أن يستقيم من حال الخبيث ما فسد واحتجب عن الناس مدة ثم برأ من علته وظهر لهم ونهض لحرب الخبيث وكان ظهوره في شعبان من هذه السنة.
ذكر إحراق قصر صاحب الزنج
لما صح الموفق من جراحه عاد إلى ما كان عليه من محاربة العلوي وكان قد أعاد بناء بعض الثلم في السور فأمر الموفق بهدم ذلك وهدم ما يتصل به.
وركب في بعض العشايا وكان القتال ذلك اليوم متصلًا مما يلي نهر منكي والزنج مجتمعون فيه قد شغلوا بتلك الجهة وظنوا أنهم لا يأتون إلا منها فأتى الموفق ومعه الفعلة وقرب من نهر منكي وقاتلهم فلما اشتدت الحرب أمر الذين بالشذوات بالمسير إلى أسفل نهر أبي الخصيب وهوفارغ من المقاتلة والرجالة فقدم أصحاب الموفق وأخرجوا الفعلة فهدموا السور من تلك الناحية وصعد المقاتلة فقتلوا في النهر مقتلة عظيمة وانتهوا إلى قصور من قصور الزنج فأحرقوها وانتهبوا ما فيها واستنقذوا عددًا كثيرًا من النساء اللواتي كن فيها وغمنوا منها.
وانصرف الموفق عند غروب الشمس بالظفر والسلامة وبكر إلى حربهم وهدم السور فأسرع الهدم حتى اتصل بدار الكلابي وهي متصلة بدار الخبيث فلما أعيت الخبيث الحبل أشار عليه علي بن أبان بإجراء الماء على السباخ وأن يحفر خنادق في مواضع عدة يمنعهم عن دخول المدينة ففعل ذلك فرأى الموفق أن يجعل قصده لطم الخنادق والأنهار والمواضع المغورة فدام ذلك فحامى عنه الخبثاء ودامت الحرب ووصل إلى الفريقين من القتل والجراح أمر عظيم وذلك لتقارب ما بين الفريقين.
فلما رأى شدة الأمر من هذه الناحية قصد لإحراق دار الخبيث والهجوم عليها من دجلة فكان يعوق عن ذلك كثرة ما أعد الخبيث لها من المقاتلة والحماة عن داره فكانت الشذا إذا قربت من قصره رميت من فوق القصر بالسهام والحجارة من المنجنيق والمقالع وأذيب الرصاص وأفرغ عليهم فتعذر إحراقها لذلك فأمر الموفق أن تسقف الشذا بالأخشاب ويعمل عليها الجبس ويطلى بالأدوية التي تمنع النار من إحراقها ففرغ منها ورتب فيها أنجاد أحابه ومن النفاطين جمعًا كثيرًا.
واستأمن إلى الموفق محمد بن سمعان كاتب الخبيث وكان أوثق أصحابه في نفسه وكان سبب اسئمانه أن الخبيث أطلعه إلى انه عازم على الخلاص وحده بغير أهل ولا مال فلما رأى ذلك من عزمه أرسل يطلب الأمان فأمنه الموفق وأحسن إليه وقيل: كان سبب خروجه أنه كان كارهًا لصحبة الخبيث مطلعًا على كفره وسوء باطنه ولم يمكنه التخلص منه إلى الآن ففارقه وكان خروجه عاشر شعبان.
فلما كان الغد بكر الموفق إلى محاربة الخبثاء فأمر أبا العباس بقصد دار محمد الكرنابي وهي بإزاء دار الخبيث وإحراقها وما يليها من منازل قواد الزنج ليشغلهم بذلك عن حماية دار الخبيث وأمر المرتبين في الشذا المطلية بقصد دار الخبيث وإحراقهأن ففعلوا ذلك وألصقوا شذواتهم بسور قصره وحاربهم الفجرة أشد حرب ونضحوهم بالنيران فلم تعمل شيئأن واحرق من القصر الرواشين والأبنية الخارجة وعملت النار فيهأن وسلم الذين كانوا في الشذا مما كان الخبثاء يرسلونه عليهم بالظلال التي كانت في الشذا وكان ذلك سببًا لتمكينهم من قصره.
وأمر الموفق الذين في الشذا بالرجوع فرجعوا فأخرج من كان فيها ورتب غيرهم وانتظر إقبال المد وعلوه فلما أقبل عادت الشذا إلى قصره وأحرقوا بيوتًا منه كانت تشرع على دجلة فأضرمت النار فيها واتصلت وقويت فأعجلت الخبيث ومن كان معه عن التوقف على شيء مما كان له من الأموال والذخائر وغير ذلك فخرج هاربا وتركه كله.
وعلا غلمان الموفق قصره مع أصحابهم فانتهبوا ما لم تأت النار عليه من الذهب والفضة والحلي وغير ذلك واستنقذوا جماعة ن النساء اللواتي كان الخبيث يأنس بهن ممن كان استرقهن ودخلوا دوره ودور ابنه انكلاي فاحرقوها جميعا وفرح الناس بذلك وتحاربوا هم وأصحاب الخبيث على باب قصره فكثر القتل في أصحابه والجراح والأسر وفعل أبوالعباس في دار الكرنابي من النهب والهدم والإحراق مثل ذلك وقطع أبوالعباس يومئذ سلسلة عظيمة كان الخبيث قطع بها نهر أبي الخصيب ليمنع الشذا من دخوله فحازها أبوالعباس وأخذها معه.
وعاد الموفق بالناس مع المغرب مظفرا وأصيب الفاسق في ماله ونفسه وولده ومن كان عنده من نساء المسلمين مثل الذي أصاب المسلمين منه من الذعر والجلاء وتشتت الشمل والمصيبة وجرح ابنه انكلاي في بطنه جراحة أشفى منها على الهلاك.
ذكر غرق نصير
وفي يوم الأحد لعشر بقين من شعبان غرق أبوحمزة نصير وهوصاحب الشذوات.
وكان سبب غرقه أن الموفق بكر إلى القتال وأمر نصيرًا بقصد قنطرة كان الخبيث عملها في نهر أبي الخصيب دون الجسرين اللذين كان اتخذهما على النهر وفرق أصحابه من الجهات فعجل نصير فدخل نهر أبي الخصيب في أول المد في عدة من شذواته فحملها الماء فألصقها بالقنطرة ودخلت عدة من شذوات الموفق مع غلمانه ممن لم يأمرهم بالدخول فصكت شذوات
ورأى الزنج ذلك فاجتمعوا على جانبي النهر وألقى الملاحون أنفسهم في الماء خوفًا من الزنج ودخل الزنج الشذوات فقتلوا بعض المقاتلة وغرق أكثرهم وصابرهم نصير حتى خاف الأسر فقذف نفسه في الماء فغرق وأقام الموفق يومه يحاربهم وينهبهم ويحرق منازلهم ولم يزل يومه مستعليًا عليهم.
وكان سليمان بن جامع ذلك اليوم من أشد الناس قتالًا لأصحاب الموفق وثبت مكانه حتى خرج عليه كمين للموفق فانهزم أصحابه وجرح سليمان جراحة في ساقه وسقط لوجهه في موضع كان فيه حريق وفيه بعض الجمر فاحترق بعض جسده وحمله أصحابه بعد أن كاد يؤسر وانصرف الموفق سالمًا ظافرًا وأصاب الموفق المفاصل فبقي به شهر شعبان وشهر رمضان وأيامًا من شوال وأمسك عن حرب الزنج ثم برأ وتماثل فأمر بإعداد آلة الحرب.
ذكر إحراق قنطرة العلوي صاحب الزنج
ولما اشتغل الموفق بعلته أعاد الخبيث القنطرة التي غرق عندها نصير وزاد فيها واحكمها ونصب دونها أدقال ساج وألبسها الحديد وسكر أمام ذلك سكرًا من حجارة ليضيق المدخل على الشذا وتحتد جربة الماء في النهر فندب الموفق أصحابه وسير طائفة في شرقي نهر أبي
الخصيب وطائفة غربيه وأرسل معهما النجارين والفعلة لقطع القنطرة وما جعل أمامها وأمر بسفن مملوءة من القصب أن يصب عليها النفط وتدخل النهر ويلقى فيها النار ليحترق الجسر وفرق جنده على الخبثاء ليمنعوهم عن معاونة من عند القنطرة.
فسار الناس إلى ما أمرهم به عاشر شوال وتقدمت الطائفتان إلى الجسر فلقيهما انكلاي ابن الخبيث وعلي بن أبان وسليمان بن جامع واشتبكت الحرب ودامت وحامى أولئك عن القنطرة لعلمهم بما عليهم في قطعها من المضرة وأن الوصول إلى الجسرين العظيمين اللذين يأتي ذكرهما بسهل.
ودامت الحرب على القنطرة إلى العصر ثم إن غلمان الموفق أزالوا الخبثاء عنها وقطعها النجارون ونقضوها وما كان عمل من الأدقال الساج وكان قطعها قد تعذر عليهم فادخلوا تلك السفن التي فيها القصب والنفط وأضرموها نارا فوافت القنطرة فاحرقوها فوصل النجارون بذلك إلى ما أرادوا وأمكن أصحاب الشذا دخول النهر فدخلوا وقتلوا الزنج حتى أجلوهم عن مواقفهم إلى الجسر الأول الذي يتلوهذه القنطرة وقتل من الزنج خلق كثير واستأمن بشر كثير ووصل أصحاب الموفق إلى الجسر المغرب فكره أن يدركهم الليل فأمرهم بالرجوع فرجعوا وكتب إلى البلدان أن يقرأ على المنابر أن يؤتى المحسن على قدر إحسانه ليزدادوا جدًا في حرب عدوه وأخرب من الغد برجين من حجارة كانوا عملوهما ليمنعوا الشذا من الخروج منه إذا دخلته فلما أخربهما سهل له ما أراد من دخول النهر والخروج منه.
ذكر انتقال صاحب الزنج إلى الجانب الشرقي وإحراق سوقه
لما أحرقت دوره ومساكن أصحابه ونهبت أموالهم وانتقوا إلى الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب وجمع عياله حوله ونقل أسواقه إليه فضعف أمره بذلك ضعفًا شديدًا ظهر للناس فامتنعوا من جلب الميرة إليه فانقطعت عنه كل مادة وبلغ الرطل من خبز البر عشرة دراهم فأكلوا الشعير وأصناف الحبوب.
ثم لم يزل الأمر بهم إلى أن كان أحدهم يأكل صاحبه إذا انفرد به والقوي يأكل الضعيف ثم أكلوا أولادهم.
ورأى الموفق أن يخرب الجانب الشرقي كما اخرب الغربي فأمر أصحابه بقصد دار الهمداني ومعهم الفعلة وكان هذا الوضع محصنًا بجمع كثير وعليه عرادات ومنجنيقات وقسي فاشتبكت الحرب وكثرت القتلى فانتصر أصحاب الموفق عليهم وقتلوهم وهزموهم وانتهوا
إلى الدار فتعذر عليهم الصعود إليها لعلوسورهأن فلم تبلغه السلاليم الطوال فرمى بعض غلمان الموفق بكلاليب كانت معهم فعلقوها في أعلام الخبيث وجذبوهأن فتساقطت الأعلام منكوسة فلم يشك المقاتلة عن الدار في أن أصحاب الموفق قد ملكوها فانهزموا لا يلوي أحد منهم على صاحبه فأخذها أصحاب الموفق وصعد النفاطون وأحرقوها وأم كان عليها من المجانيق والعرادات ونهبوا ما كان فيها من المتاع والأثاث وأحرقوا ما كان حولها من الدور واستنقذوا ما كان فيها من النساء وكن عالمًا كثيرًا من المسلمات فحملن إلى الموفقية وأمر الموفق بالإحسان إليهن.
واستأمن يومئذ من أصحاب الخبيث وخاصته الذين يلون خدمته جماعة كثيرة فأمنهم الموفق وأحسن إليهم ودلت جماعة من المستأمنة الموفق على سوق عظيمة كانت للخبيث متصلة بالجسر الأول تسمى المباركة وأعلموه إن أحرقها لم يبق لهم سوى غيرها وخرج عنهم تجارهم الذين كان بهم قوامهم فعزم الموفق على إحراقها وأمر أصحابه بقصد السوق من جانبيها فقصدوها وأقبلت الزنج إليهم فتحاربوا أشد حرب تكون واتصلت أصحاب الموفق إلى طرف من أطراف السوق وألقوا فيه النار فاحترق واتصلت النار.
وكان الناس يقتتلون والنار محيطة بهم واتصلت النار بظلال السوق فاحترقت وسقطت على المقاتلة واحترق بعضهم فكانت هذه حالهم إلى مغيب الشمس ثم تحاجزوا ورجع أصحاب الموفق إلى عسكرهم وانتقل تجار السوق إلى أعلى المدينة وكانوا قد نقلوا معظم أمتعتهم وأموالهم من هذه السوق خوفًا من مثل هذه.
ثم إن الخبيث فعل بالجانب الشرقي من حفر الخنادق وتغوير الطرق مثل ما كان فعل بالجانب الغربي بعد هذه الرقعة واحتفر خندقًا عريضًا حصن به منازل أصحابه التي على النهر الغربي فرأى الموفق أن يخرب باقي السور إلى النهر الغربي فعل ذلك بعد حرب طويلة في مدة بعيدة.
وكان للخبيث في الجانب الغربي جمع من الزنج قد تحصنوا بالسور وهومنيع وهم أشجع أصحابه فكانوا يحامون عنه وكانوا يخرجون على أصحاب الموفق عند محاربتهم على حرى كور وما يليه.
وأمر الموفق أن يقصد هذا الموضع ويخرب سوره ويخرج من فيه فأمر أبا العباس والقواد بالتأهب لذلك وتقدم إليهم وأمر بالشذا أن تقرب من السور ونشبت الحرب ودامت إلى بعد الظهر وهدم مواضع وأحرق ما كان عليه من العرادات وتحاجز الفريقان وهما على السواء سوى هدم السور وإحراق عرادات كانت عليه فنال الفريقين من الجراح أمر عظيم.
وعاد الموفق فوصل أهل البلاد والمجروحين على قدر بلائهم وهكذا كان عمله ف محاربته وأقام الموفق بعد هذه الوقعة أياما ثم رأى معاودة هذا الموضع لما رأى من صحانته وشجاعة من فيه وأنه لا يقدر على ما بينه وبين حرى كور إلا بعد إزالة هؤلاء فأعد الآلات ورتب أصحابه وقصده وقاتل من فيه وأدخلت الشذوات النهر واشتدت الحرب ودامت.
وأمد الخبيث أصحابه بالمهلبي وسليمان بن جامع في جيشهما فحملوا على أصحاب الموفق حتى ألحقوهم بسفنهم وقتلوا منهم جماعة فرجع الموفق ولم يبلغ منهم ما أراد وتبين له أنه كان ينبغي أن يقاتلهم من عدة وجوه لتخف وطأتهم على من يقصد هذا الموضع ففعل ذلك وفرق أصحابه على جهات أصحاب الخبيث وسار هوإلى جهة النهر الغربي وقاتل من فيه.
وطمع الزنج بما تقدم من تلك الوقعة فصدقهم أصحاب الموفق القتال فهزموهم فولوا منهزمين وتركوا حصنهم في أيدي أصحاب الموفق فهدموه وغمنوا ما فيه وأسروا وقتلوا خلقًا لا يحصى وخلصوا من هذا الحصن خلقًا كثيرًا من النساء والصبيان ورجع الموفق إلى عسكره بما أراد.
ذكر استيلاء الموفق على مدينة صاحب الزنج الغربية
لم اهدم الموفق دور الخبيث أمر بإصلاح المسالك لتتسع على المقاتلة الطريق للحرب ثم رأى قلع الجسر الأول الذي على نهر أبي الخصيب لما في ذلك من منع معاوية بعضهم بعضا وأمر بسفينة كبيرة أن تملأ قصبًا ويجعل فيه النفط ويوضع في وسطها دقل طويل يمنعها من مجاوزة الجسر إذا التصقت به ثم أرسلها عند غفلة الزنج وقوة المد فوافت الجسر وعلم بها الزنج فأتوها وطموها بالحجارة والتراب ونزل بعضهم في الماء فنقبها فغرقت وكان قد احترق من الجسر شيء يسير فأطفأها الزنج.
فعند ذلك اهتم الموفق بالجسر فندب أصحابه وأعد النفاطين والفعلة والفؤوس وأمرهم بقصده من غربي وشرقيه وركب الموفق في أصحابه وقصد فوهة نهر أبى الخصيب وذلك منتصف شوال سنة تسع وستين فسبق الطائفة التي في غرب النهر فهزم الموكلين على الجسر وهما سليمان بن جامع وانكلاي ولد الخبيث وأحرقوه.
وأتى بعد ذلك الطائفة الأخرى ففعلوا بالجانب الشرقي مثل ذلك وأحرقوا الجسر وتجاوزوه إلى جانب حظيرة كانت تعمل فيها سميريات الخبيث وآلاته واحترق ذلك عن آخره إلا شيئًا يسيرًا من الشذوات والسميريات كانت في النهر وقصدوا سجنًا للخبيث فقاتلهم الزنج عليه ساعة من النهار ثم غلبهم أصحاب الموفق عليه فأطلقوا من فيه وأحرقوا كل ما مروا به إلى
دار مصلح وهومن قدماء أصحابه فدخلوها فنهبوها وما فيها وسبوا نساءه وولده واستنقذوا خلقًا كثيرا وعاد الموفق وأصحابه سالمين.
وانحاز الخبيث وأصحابه من هذا الجانب إلى الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب واستولى الموفق على الجانب الغربي غير طريق يسير على الجسر الثاني فاصلحوا الطرق فزاد ذلك في رعب الخبيث وأصحابه فاجتمع كثير من أصحابه وقواده وأصحابه الذين كان يرى أنهم لا يفارقونه على طلب الأمان فبذل لهم فخرجوا أرسالا فأحسن الموفق إليهم وألحقهم بأمثالهم.
ثم إن الموفق أحب أن يتمرن أصحابه بسلوك النهر ليحرق الجسر الثاني فكان يأمرهم بإدخال الشذا فيه وإحراق ما على جانبه من المنازل فهرب إليه بعض الأيام قائد للزنج ومعه قاض كان لهم ومنبر ففت ذلك في أعضاد الخبثاء ثم إن الخبيث وكل بالجسر الثاني من يحفظه وشحنه بالرجال فأمر الموفق بعض أصحابه بإحراق ما عند الجسر من سفن ففعلوا حتى أحرقوها فزاد ذلك في احتياط الخبيث وفي حراسته للجسر لئلا يحرق ويستولي الموفق على الجانب الغربي فيهلك.
وكان قد تخلف من أصحابه جمع في منازلهم المقاربة للجسر الثاني وكان أصحاب الموفق
يأتونهم ويقفون على الطريق الخفية فلما عرفوا ذلك عزموا على إحراق الجسر الثاني فأمر الموفق ابنه أبا العباس والقواد بالتجهز لذلك وأمرهم أن يأتوا من عدة جهات ليوافوا الجسر وأعد معهم الفؤوس والنفط والآلات ودخل هوفي النهر بالشذوات ومعه أنجاد غلمانه ومعهم الآلات أيضا واشتبكت الحرب في الجانبين جميعًا بين الفريقين واشتد القتال.
وكان في الجانب الغربي بإزاء أبي العباس ومن معه انكلاي ابن الخبيث وسليمان بن جامع وفي الجانب الشرقي بإزاء راشد مولى الموفق ومن معه الخبيث والمهلبي في باقي الجيش فدامت الحرب مقدار ثلاث ساعات ثم انهزم الخبثاء لا يلوون على شيء وأخذت السيوف منهم ودخل أصحاب الشذا النهر ودنوا من الجسر فقاتلوا من يحميه بالسهام وأضرموا نارًا.
وكان من المنهزمين سليمان وانكلاي وكانا قد أثخنا بالجراح فوافيا الجسر والنار فيه فحالت بينهما وبين العبور وألقيا أنفسهما في النهر ومن معهما فغرق منهم خلق كثير وأفلت انكلاي وسليمان بعد أن أشفيا على الهلاك وقطع الجسر وأحرق وتفرق الجيش في مدينة الخبيث في الجانبين فأحرقوا من دورهم وقصورهم وأسواقهم شيئًا كثيرا واستنقذوا من النساء والصبيان ما لا يحصى ودخلوا الدار التي كان الخبيث سكنها بعد إحراق قصره وأحرقوها ونهبوا ما كان فيها مما كان سلم معه وهرب الخبيث ولم يقف ذلك اليوم على مواضع أمواله.
واستنقذ في هذا اليوم نسوة من العلويات كن محبسات في موضع قريب من داره التي كان يسكنها فأحسن الموفق إليهن وحملهن وفتح سجنًا كان له واخرج منه خلقًا كثيرًا ممن كان يحارب الخبيث ففك الموفق عنهم الحديد واخرج ذلك اليوم كل ما كان في نهر أبي الخصيب من شذا ومراكب بحرية وسفن صغار وكبار وحراقات وغير ذلك من أصناف السفن إلى دجلة فأباحها الموفق أصحابه مع ما فيها من السلب وكانت له قيمة عظيمة.
وأرسل انلكلاي ابن الخبيث يطلب الأمان وسأل أشياء فأجابه الموفق إليها فعلم أبوه بذلك فعذله وورده عما عزم عليه فعاد إلى الحرب ومباشرة القتال.
ووجه سليمان بن موسى الشعراني وهوأحد رؤساء الخبيث يطلب الأمان فلم يجبه الموفق إلى ذلك لما كان قد تقدم منه من سفك الدماء والفساد فاتصل به أن جماعة من رؤساء أصحاب الخبيث قد استوحشوا المنعة فأجابه إلى الأمان فأرسل الشذا إلى موضع ذكره فخرج هووأخوه وأهله وجماعة من قواده فأرسل الخبيث من يمنعهم عن ذلك فقاتلهم ووصل إلى الموفق فزاد في الإحسان إليه وخلع عليه وعلى من معه وأمر بإظهاره لأصحاب الخبيث ليزدادوا ثقة فلم يبرح من مكانه حتى استأمن جماعة من قواد الزنج منهم شبل بن سالم فأجابه الموفق وأرسل إليه شذوات فركب فيها هووعياله وولده وجماعة من قواده فلقيهم قوم من الزنج فقاتلهم ونجا ووصل إلى الموفق فأحسن إليه ووصله بصلة جليلة وهومن قدماء أصحاب الخبيث فعظم ذلك عليه وعلى أوليائه لما رأوا من رغبة رؤسائهم في الأمان.
ولما رأى الموفق مناصحة شبل وجودة فهمه أمره أن يكفيه بعض الأمور فسار ليلًا في جمع من الزنج ولم يخالطهم غيرهم إلى عسكر الخبيث يعرف مكانهم وأوقع بهم وأسر منهم وقتل وعاد فأحسن إليه الموفق وإلى أصحابه.
وصار الزنج بعد هذه الوقعة لا ينامون الليل ولا يزالون يتحارسون للرعب الذي دخلهم وأقام الموفق ينفذ السرايا إلى الخبيث ويكيده ويحول بينه وبين القوت وأصحاب الموفق يتدربون في سلوك تلك المضايق التي في أرضه ويوسعونها.
ذكر استيلاء الموفق على مدينة الخبيث الشرقية
لما علم الموفق أن أصحابه قد تمرنوا على سلوك تلك الأرض وعرفوها صمم العزم على العبور إلى محاربة الخبيث من الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب فجلس مجلسًا عاما وأحضر قواد المستأمنة وفرسانهم فوقفوا بحيث يسمعون كلامه ثم كلمهم فعرفهم ما كانوا عليه من الضلالة والجهل وانتهاك المحارم ومعصية الله عز وجل وأن ذلك قد أحل له دمائهم وأنه غفر لهم زلتهم ووصلهم وأن ذلك يوجب عليهم حقه وطاعته وأنهم لن يرضوا ربهم وسلطانهم بأكثر من الجد في مجاهدة الخبيث وأنهم ليعرفون مسالك العسكر ومضايق مدينته ومعاقلها التي أعدها فهم أولى أن يجتهدوا في الولوج على الخبيث والوغول إلى حصونه حتى يمكنهم الله منه فإذا فعلوا ذلك فلهم الإحسان والمزيد ومن قصر منهم فقد أسقط منزلته وحاله.
فارتفعت أصواتهم بالدعاء له والاعتراف بإحسانه وبما هم عليه من المناصحة والطاعة وأنهم يبذلون دماءهم في كل ما يقربهم منه وسألوه أن يفردهم ناحية ليظهر من نكايتهم في العدوما يعرف به إخلاصهم وطاعتهم فأجابهم إلى ذلك وأثنى عليهم ووعدهم وكتب في جمع السفن والمعابر من دجلة والبطيحة ونواحيها ليضيفها إلى ما في عسكره إذ كان ما عنده يقصر عن الجيش لكثرته وأحصى ما في الشذا والسميريات وأنواع السفن فكانوا زهاء عشرة آلاف ملاح ممن يجري عليه الرزق من بيت المال مشاهرة سوى سفن أهل العسكر التي يحمل فيها الميرة ويركبها الناس في حوائجهم وسوى ما كان لكل قائد من السميريات والحربيات والزواريق.
فلما تكاملت السفن تقدم إلى ابنه أبي العباس وقواده بقصد مدينة الخبيث الشرقية من جهاتهأن فسير ابنه أبا العباس إلى ناحية دار المهلبي أسفل العسكر وكان قد شحنها بالرجال والمقاتلين وأمر جميع أصحابه بقصد دار الخبيث وإحراقهأن فإن عجزوا عنها اجتمعوا على دار المهلبي وسار هوفي الشذأن وهي مائة وخمسون قطعة فيها أنجاد غلمانه وانتخب من الفرسان والرجالة عشرة آلاف وأمرهم أن يسيروا على جانبي النهر معه إذا سار وأن يقفوا معه إذا وقف ليتصرفوا بأمره.
وبكر الموفق لقتال الفاسقين يوم الثلاثاء لثمان خلون من ذي القعدة سنة تسع وستين ومائتين وكانوا قد تقدموا إليهم يوم الاثنين وواقعوهم وتقدم كل طائفة إلى الجهة التي أمرهم بها فلقيهم الزنج واشتدت الحرب وكثر القتل والجراح في الفريقين وحامى الفسقة عن الذي اقتصروا عليه من مدينتهم واستماتوا وصبروا فنصر الله أصحاب الموفق فانهزم الزنج وقتل منهم خلق كثير وأسر من أنجادهم وشجعانهم جمع كثير فأمر الموفق فضربت أعناق الأسرى في المعركة وقصد بجمعه الدار التي يسكنها الخبيث وكان قد لجأ إليها وجمع أبطال أصحابه للمدافعة عنها فلم يغنوا عنها شيئا وانهزموا عنها وأسلموها ودخلها أصحاب الموفق وفيها بقايا ما كان سلم للخبيث من ماله وولده وأثاثه فنهبوا ذلك أجمع وأخذوا حرمه وأولاده وكانوا عشرين ما بين صبية وصبي وسار الخبيث هاربًا نحودار المهلبي لا يلوي على أهل وال مال وأحرقت داره وأتي الموفق بأهل الخبيث وأولاده فسيرهم إلى بغداد.
وكان أصحاب أبي العباس قد قصدوا دار المهلبي وقد لجأ إليها خلق كثير من المنهزمين فغلبوهم عليها واشتغلوا بنهبها وأخذوا ما فيها من حرم المسلمين وأولادهم وجعل من ظفر منهم بشيء حمله إلى سفينته فعلوا في الدار ونواحيها فلما رآهم الزنج كذلك رجعوا إليهم فقتلوا فيهم مقتلة يسيرة.
وكان جماعة من غلمان الموفق الذي قصدوا دار الخبيث تشغلوا بحمل الغنائم إلى السفن أيضا فأطمع ذلك الزنج فيهم فأكبوا عليهم فكشفوهم واتبعوا آثارهم وثبت جماعة من أبطال الموفق فردوا الزنج حتى تراجع الناس إلى مواقفهم ودامت الحرب إلى العصر فأمر الموفق غلمانه بصدق الحملة عليهم ففعلوا فانهزم الخبيث وأصحابه وأخذتهم السيوف حتى انتهوا إلى داره أيضا فرأى الموفق عند ذلك أن يصرف أصحابه إلى إحسانهم فردهم وقد غمنوا واستنقذوا جمعًا من النساء المأسورات كن يخرجن ذلك اليوم أرسالًا فيحملن إلى الموفقية.
وكان أبوالعباس قد أرسل في ذلك اليوم قائدأن فأحرق ثم بيادر كانت ذخيرة للخبيث وكان ذلك مما أضعف به الخبيث وأصحابه ثم وصل إلى الموفق كتاب لؤلؤ غلام ابن طولون في القدوم عليه فأمره بذلك وأخر القتال إلى أن يحضر.
وفيها خالف لؤلؤ أحمد بن طولون صاحب مصر على مولاه أحمد بن طولون وفي يده حمص وقنسرين وحلب وديار مصر من الجزيرة وسار إلى بالس فنهبهأن وكاتب الموفق في المسير إليه واشترط شروطأن فأجابه أبوأحمد إليهأن وكان بالرقة فسار إلى الموفق فنزل قرقيسيأن وبها ابن صفوان العقيلي فحاربه وأخذها منه وسلمها إلى أحمد بن مالك ابن طوق وسار إلى الموفق فوصل إليه وهويقاتل الخبيث العلوي.
ذكر مسير المعتمد إلى الشام وعوده من الطريق
وفيها سار المعتمد نحو مصر وكان سبب ذلك أنه لم يكن له من الخلافة غير اسمها ولا ينفذ له توقيع لا في قليل ولا في كثير وكان الحكم كله لموفق والأموال تجبى إليه فضجر المعتمد من ذلك وأنف منه فكتب إلى أحمد بن طولون يشكوإليه حاله سرًا من أخيه الموفق فأشار عليه أحمد باللحاق به بمصر ووعده النصرة وسير عسكرًا إلى الرقة ينتظر وصول المعتمد إليهم فاغتمن المعتمد غيبة الموفق عنه فسار في جمادى الأولى ومعه جماعة من القواد فأقام بالكحيل يتصيد.
فلما سار إلى عمل إسحاق بن كنداجيق وكان عامل الموصل وعامة الجزيرة وثب ابن كنداجيق بمن مع المعتمد من القواد فقبضهم وهم نيزك وأحمد بن خاقان وخطارمش فقيدهم وأخذ أموالهم ودوابهم وكان قد كتب إليه صاعد بن مخلد وزير الموفق عن الموفق وكان سبب وصوله إلى قبضهم انه أظهر أنه معهم في طاعة المعتمد إذ هوالخليفة ولقيهم لما صاروا إلى عمله وسار معهم عدة مراحل فلما قارب عمل ابن طولون ارتحل الأتباع والغلمان الذين مع المعتمد وقواد ولم يترك ابن كنداجيق أصحابه يرحلون ثم خلا بالقواد عند المعتمد وقال لهم: إنكم قاربتم عمل ابن طولون والأمر أمره وتصيرون من جنده وتحت يده أفترضون بذلك وقد علمتم أنه كواحد منكم وجرت بينهم في ذلك مناظرة حتى تعالى النهار ولم يرحل المعتمد ومن معه فقال ابن كنداجيق: قوموا بنا نتناظر في غير حضرة أمير المؤمنين فأخذ بأيديهم إلى خيمته لأن مضاربهم كانت قد سارت فلما دخلوا خيمته قبض عليهم وقيدهم وأخذ سائر من مع المعتمد من القواد فقيدهم فلما فرغ من أمورهم مضى إلى المعتمد فعذله في مسيره من دار ملكه وملك آبائه وفراق أخيه الموفق إلى الحال التي هوبها من حرب من يريد قتله وقتل أهل بيته وزوال ملكهم ثم حمله والذين كانوا معه حتى أدخلهم سامرا.
وفيها كانت وقعة بمكة بين جيش لأحمد بن طولون وبين عسكر الموفق في ذي القعدة.
وكان سببها أن أحمد بن طولون سير جيشًا مع قائدين إلى مكة فوصلوا إليها وجمعوا الحناطين والجزارين وفرقوا فيهم مالًا وكان عامل مكة هارون بن محمد إذ ذاك ببستان ابن عامر قد فارقها خوفًا منهم فوافى مكة جعفر الناعمودي في ذي الحجة في عسكر وتلقاه هارون بن محمد في جماعة فقوي بهم جعفر والتقوا هم وأصحاب ابن طولون فاقتتلوا وأعان أهل خراسان جعفرا فقتل من أصحاب ابن طولون مائتي رجل وانهزم الباقون وسلبوا وأخذت أموالهم واخذ جعفر من القائدين نحومائتي ألف دينار وأمن المصريين والجزارين والحناطين وقرئ كتاب المسجد الجامع بلعن ابن طولون وسلم الناس وأموال التجار.
ذكر عدة حوادث
في المحرم من هذه السنة قطع الأعراب الطريق على قافلة من الحاج بين ثور وسميراء فسلبوهم وساقوا نحوًا من خمسة آلاف بعير بأحمالها وأناسًا كثيرًا.
وفيها انخسف القمر وغاب منخسفا وانكسفت الشمس فيه أيضًا آخر النهار وغابت منكسفة فاجتمع في المحرم كسوفان.
وفيها وفي صفر وثبت العامة ببغداد بإبراهيم الخليجي فانتهبوا داره وكان سبب ذلك أن غلامًا له رمى امرأة بسهم فقتلها فاستعدى السلطان عليه فامتنع ورمى غلمانه الناس فقتلوا جماعة وجرحوا فثارت بهم العامة فقتلوا فيهم رجلين من أصحاب السلطان ونهبوا منزله ودواببه وخرج هاربا فجمع محمد بن عبيد اله بن عبد الله بن طاهر وكان نائب أبيه دواب إبراهيم وما أخذ له فرده عليه.
وفيها وجه إلى أبي الساج جيش انصرف من مكة فسيره إلى جدة فأخذ للمخزومي مركبين فيهما مال وسلاح.
وفيها وثب خلف صاحب أحمد بن طولون بالثغور الشامية وعامله عليها بازمار الخادم مولى مفلح بن خاقان فحبسه فوثب به جماعة فاستنقذوا بازمار وهرب خلف وتركوا الدعاء لابن طولون فسار إليهم ابن طولون ونزل أذنة فاعتصم أهل طرسوس بها ومعهم بازمار فرجع عنهم ابن طولون إلى حمص ثم إلى دمشق فأقام بها.
وفيها قام رافع هرثمة بما كان الخجستاني غلب غليه من مدن خراسان فاجتبى عدة من كور خراسان خراجها لبضع عشرة سنة فأفقر أهلها وأخربها.
وفيها كانت وقعة بين الحسنيين والحسينيين بالحجاز والجعفريين فقتل من الجعفريين ثمانية نفر
وفيهأن في جمادى الآخرة عقد هارون بن الموفق لابن أبي الساج على الأنبار وطريق الفرات والرحبة وولى محمد بن احمد الكوفة وسوادهأن فلقي محمد الهيصم العجلي فانهزم الهيصم.
وفيها توفي عيسى بن الشيخ بن الشليل الشيباني ويده أرمينية وديار بكر.
وفيها لعن المعتمد أحمد بن طولون في دار العامة بلعنه على المنابر وولى إسحاق بن كنداجيق على أعمال ابن طولون وفوض إليه من باب الشماسية إلى إفريقية وولى شرطة الخاصة.
وكان سبب هذا اللعن أن ابن طولون قطع خطبة الموفق وأسقط اسمه من الطرز فتقدم الموفق إلى المعتمد بلعنه ففعل مكرها لأن هوى المعتمد كان مع ابن طولون.
وفيها كانت وقعة بين ابن أبي الساج والأعراب فهزموه ثم بيتهم فقتل منهم وأسر ووجه بالرؤوس والأسرى إلى بغداد.
وفيها في شوال دخل ابن أبي الساج رحبة مالك بن طوق بعد أن قاتله أهلها فغلبهم وقتلهم وهرب أحمد بن مالك بن طوق إلى الشام ثم سار ابن أبي الساج إلى قرقيسيا فدخلها.
وحج بالناس هارون بن محمد ابن إسحاق الهاشمي.
وفيها خرج محمد بن الفضل أمير صقلية في عسكر إلى ناحية رمطة وبلغ العسكر إلى قطانية فقتل كثيرًا من الروم وسبى وغمن ثم انصرف إلى بلرم في ذي الحجة.
وفيها توفي أحمد بن مخالد مولى المعتصم وهومن دعاة المعتزلة وأخذ الكلام عن جعفر بن مبشر.
وفيها توفي سليمان بن حفص بن أبي عصفور الإفريقي وكان معتزليًا يقول بخلق القرآن وأراد أهل القيروان فسلم لذلك وصحب بشرًا المريسي وأب الهذيل وغيرهما من المعتزلة.
حوادث سنة سبعين ومائتين
ذكر قتل الخبيث صاحب الزنج
قد ذكرنا من حرب الزنج وعود الموفق عنهم مؤيدًا بالظفر فلما عاد من قتالهم إلى مدينة الموفقية عزم على مناجزة الخبثاء فأتاه كتاب لؤلؤ غلام ابن طولون يستأذنه في المسير إليه فأذن له وترك القتال ينتظره ليحضر القتال فوصل إليه ثالث المحرم من هذه السنة في جيش عظيم فأكرمه الموفق وأنزله وخلع عليه وعلى أصحابه ووصلهم واحسن إليهم وأمر لهم بالأرزاق على قدر مراتبهم وأضعف ما كان لهم ثم تقدم إلى لؤلؤ بالتأهب لحرب الخبثاء.
وكان الخبيث لما غلب على نهر أبي الخصيب وقطعت القناطر والجسور التي عليه أحدث سكرًا في النهر وجانبيه وجعل في وسط النهر بابًا ضيقًا لتحتد جرية الماء فيه فتمتنع الشذا من دخوله في الجزر ويتعذر خروجها منه في المد فرأى الموفق أن جريه لا يتهيأ إلا بقلع هذا السكر فحاول ذلك فاشتدت محاماة الخبثاء عليه وجعلوا يزيدون كل يوم فيه وهومتوسط دورهم والمروية تسهل عليهم وتعظم على من أراد قلعه فشرع في محاربتهم بفريق بعد فريق من أصحاب لؤلؤ ليتمرنوا على قتالهم ويقفوا على المسالك والطرق في مدينتهم فأمر لؤلؤًا أن يحضر في جماعة من أصحابه للحرب على هذا السكر ففعل فرأى الموفق من شجاعة لؤلؤ وإقدامه وشجاعة أصحابه ما سره فأمر لؤلؤًا بصرفهم إشفاقًا عليهم ووصلهم الموفق وأحسن إليهم.
وألح على هذا السكر وكان يحارب المحامين عليه وأصحابه وأصحاب لؤلؤ وغيرهم والفعلة يعملون في قلعة ويحارب الخبيث وأصحابه في عدة وجوه فيحرق مساكنهم ويقتل مقاتليهم واستأمن إليه الجماعة وكان قد بقي لخبيث وأصحابه بقية من أرضين بناحية النهر الغربي لهم فيها مزارع وحصون وقنطرتان وبه جماعة يحفظونه فسار إليهم أبوالعباس وفرق أصحابه من جهاتهم وجعل كمينأن ثم أوقع بهم فانهزموأن فكلما قصدوا جهة خرج عليهم من يقاتلهم فيهأن فقتلوا عن آخرهم لم يسلم منهم إلا الشريد فأخذوا من أسلحتهم ما أثقلهم حمله وقطع القنطرتين ولم يزل الموفق يقاتلهم على سكرهم حتى تهيأ له فيه ما أحبه في خرقه.
فلما فرغ منه عزم على لقاء الخبيث فأمر بإصلاح السفن والآلات للماء والظهر وتقدم إلى أبي العباس ابنه أن يأتي الخبيث من ناحية دار المهلبي وفرق العساكر من جميع جهاته وأضاف المستأمنة إلى شبل وأمره بالجد في قتال الخبيث وأمر الناس أن لا يزحف أحد حتى يحرك علمًا أسود كان نصبه على دار الكرماني وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت.
وكان عبوره يوم الاثنين لثلاث بقين من المحرم فعجل بعض الناس وزحف نحوهم فلقيه الزنج فقتلوه منهم وردوهم إلى مواقفهم ولم يعلم سائر العسكر بذلك لكثرتهم وبعد المسافة فيما بين بعضهم وبعض وأمر الموفق بتحريك العلم الأسود والنفخ في البوق فزحف الناس في البر والماء يتلوبعضهم بعضا فلقيهم الزنج وقد حشدوا واجترأوا بما تهيأ لهم على من كان يسرع إليهم فلقيهم الجيش بنيات صادقة وبصائر نافذة واشتد القتال وقتل من الفريقين جمع كثير فانهزم أصحاب الخبيث وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون واختلط بهم ذلك اليوم أصحاب الموفق فقتل منهم ما لا يحصى عددا وغرق منهم مثل ذلك وحوى الموفق المدينة بأسرها فغمنها أصحابه واستنقذوا من كان بقي من الأسرى من الرجال والنساء والصبيان وظفروا بجميع عيال علي بن أبان المهلبي وبأخويه: الخليل ومحمد وأولادهما وعبر بهم إلى المدينة الموفقية.
ومضى الخبيث في أصحابه ومعه ابنه انكلاي وسليمان بن جامع وقواد من الزنج وغيرهم هاربين عامدين إلى موضع كان الخبيث قد أعده ملجأ إذا غلب على مدينته وذلك المكان على النهر المعروف بالسفياني وكان أصحاب الموفق قد اشتغلوا بالنهب والإحراق وتقدم الموفق في الشذا نحونهر السفياني ومعه لؤلؤ وأصحابه فظن أصحاب الموفق أنه رجع إلى مدينتهم الموفقية فانصرفوا إلى سفنهم بما قد حووا وانتهى الموفق ومن معه إلى عسكر الخبيث وهم منهزمون واتبعهم لؤلؤ في أصحابه حتى عبر السفياني فاقتحم لؤلؤ بفرسه وابتعه أصحابه حتى انتهى إلى النهر المعروف بالفربري فوصل إليه لؤلؤ وأصحابه فأوقعوا به وبمن معه فهزمهم حتى عبر نهر السفياني ولؤلؤ في أثرهم فاعتصموا بجبل وراءه وانفرد لؤلؤ وأصحابه بأتباعهم إلى هذا المكان في آخر النهار فأمر الموفق بالانصراف فعاد مشكورًا محمودًا لفعله فحمله الموفق معه وجدد له من البر والكرامة ورفعة المنزلة ما كان مستحقًا له ورجع الموفق فلم ير أحدًا من أصحابه بمدينة الزنج فرجع إلى مدينته واستبشر الناس بالفتح وهزيمة الزنج وصاحبهم.
وكان الموفق قد غضب على أصحابه بمخالفتهم أمره وتركهم الوقوف حيث أمرهم فجمعهم جميعا ووبخهم على ذلك وأغلظ لهم فاعتذروا بما ظنوه من انصرافه وانهم لم يعلموا بمسيره
ولوعلموا ذلك لأسرعوا نحوه ثم تعاقدوا وتحالفوا بمكانهم على أن لا ينصرف منهم أحد إذا توجهوا نحوالخبيث حتى يظفروا به فإن أعياهم أقاموا بمكانه حتى يحكم الله بينهم وبينه.
وسألوا الموفق أن يرد السفن التي يعبرون فيها إلى الخبيث لينقطع الناس عن الرجوع فشكرهم وأثنى عليهم وأمرهم بالتأهب.
وأقام الموفق بعد ذلك إلى الجمعة يصلح ما يحتاج الناس إليه وأمر الناس عشية الجمعة بالمسير إلى حرب الخبثاء بكرة السبت وطاف عليهم هوبنفسه يعرف كل قائد مركزه والمكان الذي يقصده وغدا الموفق يوم السبت لليلتين خلتا من صفر فعبر بالناس وأمر برد السفن فردت وسار يقدمهم إلى المكان الذي قدر أن يلقاهم فيه.
وكان الخبيث وأصحابه قد رجعوا إلى مدينتهم بعد انصراف الجيش عنهم وأملوا أن تتطاول بهم الأيام وتندفع عنهم المناجزة فوجد الموفق المتسرعين من فرسان غلمانه والرجالة قد سبقوا الجيش فأوقعوا بالخبيث وأصحابه وقعة هزموهم بها وتفرقوا لا يلوي بعضهم على بعض وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم وانقطع الخبيث في جماعة من حماة أصحابه وفيهم المهلبي وفارقه ابنه انكلاي وسليمان بن جامع فقصد كل فريق منهم جمعًا كثيفًا من الجيش.
وكان أبوالعباس قد تقدم فلقي المنهزمين في الموضع المعروف بعسكر ريحان فوضع أصحابه فيهم السلاح ولقيهم طائفة أخرى فأوقعوا بهم أيضا وقتلوا منهم جماعة وأسروا سليمان بن جامع فأتوا به الموفق من غير عهد ولا عقد فاستبشر الناس بأسره وكثر التكبير وأيقنوا بالفتح إذ كان أكثر أصحاب الخبيث غناء عنه وأسر من بعده إبراهيم بن جعفر الهمداني وكان أحد أمراء جيوشه فأمر الموفق بالاستيثاق منهم وجعلهم في شذاة لأبي العباس.ثم إن الزنج الذين انفردوا مع الخبيث حملوا على الناس حملة أزالوهم عن مواقفهم فقتروا فأحس الموفق بفتورهم فجد في طلب الخبيث وأمعن فتبعه أصحابه وانتهى الموفق إلى آخر نهر أبي الخصيب فلقيه البشير بقتل الخبيث وأتاه بشير آخر ومعه كف ذكراها كفه فقوي الخبر عنده ثم أتاه غلام من أصحاب لؤلؤ يركض ومعه رأس الخبيث فأدناه منه وعرضه على جماعة من المستأمنة فعرفوه فخر لله ساجدا وسجد معه الناس وأمر الموفق برفع رأسه على قناة فتأمله الناس فعرفوه وكثر الضجيج بالتحميد.
وكان مع الخبيث لما أحيط به المهلبي وحده فولى عنه هاربا وقصد نهر الأمير فألقى نفسه فيه يريد النجاة وكان انكلاي قد فارق أباه قبل ذلك وسار نحوالديناري.
ورجع الموفق ورأس الخبيث بين يديه وسليمان معه وأصحابه إلى مدينته وأتاه من الزنج عالم
كبير يطلبون الأمان فأمنهم وانتهى إليه خبر انكلاي والمهلبي ومكانهما ومن معهما من مقدمي الزنج فبث الموفق أصحابه في طلبهم وأمرهم بالتضييق عليهم فلما أيقنوا أن لا ملجأ أعطوا بأيديهم فظفر بهم وبمن معهم وكانوا زهاء خمسة آلاف فأمر بالاستيثاق من المهلبي وانكلاي وكان ممن هرب قرطاس الرومي الذي رمى الموفق بالسهم في صدره فانتهى إلى رامهرمز فعرفه رجل فدل عليه عامل البلد فأخذه وسيره إلى الموفق فقتله أبوالعباس.
وفيها استأمن درمويه الزنجي إلى أبي أحمد وكان درمويه من أنجاد الزنج وأبطالهم وكان الخبيث قد وجهه قبل هلاكه بمدة إلى موضع كثير الشجر والأدغال والآجام متصل بالبطيخة وكان هوومن معه يقطعون هنالك على السابلة في زواريق خفاف فإذا طلبوا دخلوا الأنهار الصغار الضيقة واعتصموا بالأدغال وإذا تعذر عليهم مسلك لضيقه حملوا سفنهم ولجأوا إلى الأمكنة الوسيعة ويعبرون على قرى البطيحة ويقطعون الطريق فظفر بجماعة من عسكر الموفق معهم نساء قد عادوا إلى منازلهم فقتل الرجال وأخذ النساء فسألهن عن الخبر فأخبرهن بقتل الخبيث وأسر أصحابه وقواده ومصير كثير منهم إلى الموفق بالأمان وإحسانه إليهم فسقط في يده ولم ير لنفسه ملجأ إلا طلب الأمان والصفح عن جرمه فأرسل يطلب الأمان فأجابه الموفق إليه فخرج وجميع من معه حتى وافى عسكر الموفق فأحسن إليهم وأمنهم.
فلما اطمأن درمويه أظهر ما كان في يده من الأموال والأمتعة وردها إلى أربابها ظاهرا فعلم بذلك حسن نيته فازداد إحسان الموفق إليه وأمر أن يكتب إلى أمصار المسلمين بالنداء في أهل النواحي التي دخلها الزنج بالرجوع إلى أوطانهم فسار الناس إلى ذلك وأقام الموفق بالمدينة الموفقية ليأمن الناس بمقامه وولى البصرة والأبلة وكور دجلة رجلًا من قواده قد حمد مذهبه وعلم حسن سيرته يقال له العباس بن تركس وأمره بالمقام بالبصرة وولى قضاء البصرة والأبلة وكور دجلة محمد بن حماد.
وقدم ابنه أبا العباس إلى بغداد ومعه راس الخبيث ليراه الناس فبلغها لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة.
وكان خروج صاحب الزنج يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين وكانت أيامه أربع عشرة سنة وأربعة اشهر وستة أيام وقيل في أمر الموفق وأصحاب الزنج أشعار كثيرة فمن ذلك قول يحيى بن محمد الأسلمي: أقول وقد جاء البشير بوقعة أعزت من الإسلام ما كان واهيا جزى الله خير الناس للناس بعدما أبيح حماهم خير ما كان جازيا وتجديد ملك قد وهى بعد عزه واخذ يثارات تبين الأعاديا ورد عمارات أزيلت وأخربت ليرجع فيء قد تخرم وافيا وترجع أمصار أبيحت وأحرقت مرارًا فقد أمست قواءً عوافيا ويشفي صدور المسلمينبوقعة يقر بها منها العيون البواكيا ويتلى كتاب الله في كل مسجد ويلقى دعاء الطالبيين خاسيا فأعرض عن جناته ونعيمه وعن لذة الدنيا وأصبح عاريا وهي قصيدة طويلة وقال غيره في هذا المعنى أيضًا شعرًا كثيرًا وقد انقضى أمر الزنج.