المجلد السادس - ذكر ابتداء أمر القرامطة بالبحرين

وفيها ظهر رجل من القرامطة يعرف بأبي سعيد الجنابي بالبحرين فاجتمع إليه جماعة من

الأعراب والقرامطة وقوي أمره فقتل ما حوله من أهل القرى ثم سار إلى القطيف فقتل ممن بها واظهر أنه يريد البصرة فكتب أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي وكان متولي البصرة إلى المعتضد بذلك فأمره بعمل سورة على البصرة وكان مبلغ الخرج عليه أربعة عشر ألف دينار‏.‏

وكان ابتداء القرامطة بناحية البحرين أن رجلًا يعرف بيحيى بن المهدي قصد القطيف فنزل على رجل يعرف بعلي بن المعلي بن حمدان مولى الزياديين وكان مغاليًا في التشيع فاظهر له يحيى أنه رسول المهدي وكان ذلك سنة إحدى وثمانين ومائتين وذكر أنه خرج إلى شيعته في البلاد يدعوهم إلى أمره وأن ظهوره قد قرب فوجه علي بن المعلي إلى الشيعة من أهل القطيف فجمعهم وأقرأهم الكتاب الذي مع يحيى بن المهدي إليهم من المهدي فأجابوه وأنهم خارجون معه إذا اظهر أمره ووجه إلى سائر قرى البحرين بمثل ذلك فأجابوه‏.‏

وكان فيمن أجابه أبوسعيد الجنابي وكان يبيع للناس الطعام ويحسب لهم بيعهم ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة ثم رجع معه كتاب يزعم أنه من المهدي إلى شيعته فيه‏:‏ قد عرفني رسولي يحيى بن امهدي مسارعتكم إلى أمري فليدفع إليه كل منكم ستة دنانير وثلثين ففعلوا ذلك‏.‏

ثم غاب عنهم وعاد ومعه كتاب فيه‏:‏ أن ادفعوا إلى يحيى خمس أموالكم فدفعوا إليه الخمس وكان يحيى يتردد في قبائل قيس ويورد إليهم كتبًا يزعم أنها من المهدي وأنه ظاهر فكونوا على أهبة‏.‏

وحكى إنسان منهم يقال له إبراهيم الصائغ أنه كان عند أبي سعيد الجنابي وأتاه يحيى فأكلوا طعامأن فلما فرغوا خرج أبوسعيد من بيته وأمر امرأته أن تدخل إلى يحيى وأن لا تمنعه إن أراد فانتهى هذا الخبر إلى الوالي فأخذ يحيى فضربه وحلق رأسه ولحيته وهرب أبوسعيد الجنابي إلى جنابأن وسار يحيى بن المهدي إلى بني كلاب وعقيل والخريس فاجتمعوا معه ومع أبي سعيد فعظم أمر أبي سعيد وكان منه ما يأتي ذكره‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها سار المعتضد من آمد بعد أن ملكها كما ذكرناه إلى الرقة فولى ابنه عليًا المكتفي قنسرين والعواصم والجزيرة وكاتبه النصراين واسمه الحسين بن عمرو فكان ينظر في الأموال فقال الخليع في ذلك‏:‏ حسين ن عمروعدوالقرآن يصنع في العرب ما يصنع يقوم لهيبته المسلمون صفوفًا لفرد إذا يطلع وفيها توفي ابن الإخشيد أمير طرسوس واستخلف أبا ثابت على طرسوس‏.‏

وفيها سار إلى الأنبار جماعة أعراب من بني شيبان وأغاروا على القرى وقتلوا من لحقوا من الناس وأخذوا المواشي فخرج إليهم أحمد بن محمد بن كمشجور متوليها فلم يطقهم فكتب إلى المعتضد بذلك فأمده بجيش فأدركوا الأعراب وقاتلوهم فهزمهم الأعراب وقتلوا فيهم وغرق أكثرهم وتفرقوا وعاث الأعراب في تلك الناحية‏.‏

وبلغ خبر الهزيمة إلى المعتضد فسير جيشًا آخر فرحل الأعراب إلى عين التمر فأفسدوا وعاثوا وذلك في شعبان وشهر رمضان فوجه إليهم عسكرًا آخر إلى عين التمر فسلكوا البرية إلى نواحي الشام فعاد العسكر إلى بغداد ولم يلقهم‏.‏

وفيها استدعى المعتضد راغبًا مولى الموفق من طرسوس فقدم عليه وهوبالرقة فحبسه وأخذ جميع ما كان له فمات بعد أيام من حبسه وكان ذلك في شعبان وقبض على بكنون غلام راغب وأخذ ما له بطرسوس‏.‏وفيها قلد المعتضد ديوان المشرق محمد بن داود بن الجراح وعزل عنه أحمد بن محمد بن الفرات وقلد ديوان المغرب علي بن عيسى بن داود ابن الجراح‏.‏

وفيها توفي أبوجعفر بن إبراهيم الأمناطي المعروف بمربع صاحب يحيى بن معين وكان حافظًا لحديث ومحمد بن يونس الكريمي البصري‏.‏

ذكر قتل أبي ثابت أمير طرسوس وولاية ابن الأعرابي

في هذه السنة اجتمعت الروم وحشدت في ربيع الآخر ووافت باب قلمية من طرسوس فنفر أبوثابت أمير طرسوس بعد كوت ابن الإخشيد وكان استخلفه عند موته فبلغ أبوثابت في نفيره إلى نهر الرجان في طلبهم فاسر أبوثابت وأصيب الناس معه‏.‏

وكان ابن كلوب غازيًا في ردب السلامة فلما عاد جمع مشايخ الثغر ليتراضوا بأمير فأجمعوا رأيهم على ابن الأعرابي فولوه أمرهم وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

ذكر ظفر المعتضد بوصيف ومن معه

في هذه السنة هرب وصيف خادم محمد بن أبي الساج من برذعة إلى ملطية من أعمال مولاه وكتب إلى المعتضد يسأله أن يوليه الثغور فأخذ رسله وقررهم عن سبب مفارقة وصيف مولاه فذكروا له أنه فارقه على مواطأة منهما أنه متى ولي وصيف الثغور سار إليه مولاه وقصدا ديار مصر وتغلبا عليها‏.‏

فسار المعتضد نحوه فنزل العين السوداء وأراد الرحيل في طريق المصيصة فأتته العيون

فأخبروه أن وصيفًا يريد عين زربة فسأل أهل المعرفة بذلك الطريق وسألهم عن أقرب الطرق إلى لقاء وصيف فأخذوه وساروا به نحوه وقدم جمعًا من عسكره بين يديه فلقوا وصيفًا فقاتلوه وأخذوه أسيرا فأحضروه عند المعتضد فحبسه وأمر فنودي في أصحاب وصيف بالأمان وأمر العسكر برد ما نهبوه منهم ففعلوا ذلك‏.‏

وكانت الوقعة لثلاث عشرة بقيت من ذي القعدة فلما فرغ منه رحل إلى المصيصة واحضر رؤساء طرسوس فقبض عليهم لأنهم كاتبوا وصيفا وأمر بإحراق مراكب طرسوس التي كانوا يغزون فيها وجميع آلاتها وكان من جملتها نحومن خمسين مركبًا قديمة قد أنفق عليها من الأموال ما لا يحصى ولا يمكن عمل مثلها فأضر ذلك المسلمين وفت في أعضادهم وأمر الروم أن يغزوا في البحر وكان إحراقها بإشارة دميانة غلام بازمار لشيء كان في نفسه على أهل طرسوس واستعمل على أهل الثغور الحسن بن علي كورة وسار المعتضد إلى أنطاكية وحلب وغيرهمأن وعاد إلى بغداد‏.‏

وفيها توفيت ابنة خمارويه زوج المعتضد‏.‏

ذكر أمر القرامطة وانهزام العباس الغنوي منهم في هذه السنة في ربيع الآخر عظم أمر القرامطة بالبحرين وأغاروا على نواحي هجر وقرب بعضهم من نواحي البصرة فكتب أحمد الواثقي يسأل المدد فسير إليه سميريات فيها ثلاثمائة رجل وأمر المعتضد باختيار رجل ينفذه إلى البصرة وعزل العباس بن عمرواللغوي عن بلاد فارس وأقطعه اليمامة والبحرين وأمره بمحاربة القرامطة وضم إليه زهاء ألفي رجل فسار إلى البصرة واجتمع إليه جمع كثير من المتطوعة والجند والخدم‏.‏

ثم سار إلى أبي سعيد الجنابي فلقوه مساء وتناوشوا القتال وحجز بينهم الليل فلما كان الليل انصرف عن العباس من كان معه من أعراب بني ضبة وكانوا ثلاثمائة إلى البصرة وتبعهم مطوعة البصرة فلما أصبح العباس باكر الحرب فاقتتلوا قتالًا شديدا ثم حمل نجاح غلام أحمد بن عيسى بن الشيخ من ميسرة العباس في مائة رجل على ميمنة أبي سعيد فتوغلوا فيهم فقتلوا عن آخرهم وحمل الجنابي ومن معه على أصحاب العباس فانهزموا وأسر العباس واحتوى الجنابي على ما كان في عسكره فلما كان من الغد أحضر الجنابي الأسرى فقتلهم جميعًا وحرقهم وكانت الوقعة آخر شعبان‏.‏

ثم سار الجنابي إلى هجر بعد الوقعة فدخلها وأمن أهلهأن وانصرف من سلم من المنهزمين وهم قليل نحوالبصرة بغير زاد فخرج إليهم من البصرة نحوأربعمائة رجل على الرواحل ومعهم

الطعام والكسوة والماء فلقوا بها المنهزمين فخرج عليهم بنوأسد وأخذوا الرواحل وما عليهأن وقتلوا من سلم من المعركة فاضطربت البصرة لذلك وعزم أهلها على الانتقال منها فمنعهم الواثقي‏.‏

وبقي العباس عند الجنابي أيامًا ثم أطلقه وقال له‏:‏ امض إلى صاحبك وعرفه ما رأيت وحمله على رواحل فوصل إلى بعض السواحل وركب البحر فوافى الأبلة ثم سار منها إلى بغداد فوصلها في رمضان فدخل على المعتضد فخلع عليه‏.‏

بلغني أن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال‏:‏ عجائب الدنيا ثلاث‏:‏ جيش العباس بن عمرو يؤسر وحده وينجووحده ويقتل جميع جيشه وجيش عمروبن الصفار يؤسر وحده ويسلم جميع جيشه وأنا أنزل في بيتي وتولى ابني أبوالعباس الجسرين ببغداد‏.‏

ولما أطلق أبوسعيد العباس أعطاه درجًا ملصقًا وقال له‏:‏ أوصله إلى المعتضد فإن لي فيه أسرارًا‏.‏

فلما دخل العباس على المعتضد عاتبه المعتضد فأوصل إليه العباس الكتاب فقال‏:‏ والله ليس فيه شيء وإمنا أراد أن يعلمني أني أنفذتك إليه في العدد الكثير فردك فردتً وفتح الكتاب وإذ ليس فيه شيء‏.‏

وفيها في ذي القعدة أوقع بدر غلام الطائي بالقرامطة على غرة منهم فنواحي ميسن

وغيرهما وقتل منهم مقتلة ثم تركهم خوفًا أن تخرب السواد وكانوا فلاحية وطلب رؤساءهم فقتل من ظفر به منهم‏.‏

ذكر أسر عمرو الصفار وملك إسماعيل خراسان

في هذه السنة في ربيع الأول أسر عمروبن الليث الصفار وكان سبب ذلك أن عمرًا أرسل إلى المعتضد برأس رافع بن هرثمة وطلب منه أن يوليه ما وراء النهر فوجه إليه الخلع والواء بذلك وهوبنيسابور فوجه لمحاربة إسماعيل بن أحمد الساماني صاحب ما وراء النهر محمد بن بشير وكان خليفته وحاجبه وأخص أصحابه بخدمته وأكبرهم عنده وغيره من قواده إلى آمل فعبر إليهم إسماعيل جيجون فحاربهم فهزمهم وقتل محمد بن بشير في نحوستة آلاف رجل‏.‏

وبلغ المنهزمون إلى عمرو وهو بنيسابور وعاد إسماعيل إلى بخارى فتجهز عمرولقصد إسماعيل فأشار عليه أصحابه بإنفاذ الجيوش ولا يخاطر بنفسه فلم يقبل منهم وسار عن نيسابور نحوبلخ فأرسل إليه إسماعيل‏:‏ أنك قد وليت دنيا عريضة وأما في يدي ما وراء النهر

وأنا في يغر فاقنع بما في يدك واركني في هذا الثغر‏.‏

فأبى فذكر لعمرووأصحابه شدة العبور بنهر بلخ فقال‏:‏ لوشئت أن أسكره ببذر الأموال واعبره لفعلت‏.‏فسار إسماعيل نحوه وعبر النهر إلى الجانب الغربي وجاء عمروفنزل بلخ وأخذ إسماعيل عليه النواحي لكثرة جمعه وصار عمروكالمحاصر وندم على ما فعل وطلب المحاجزة فأبى إسماعيل عليه فاقتتلوا فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم عمروفولى هاربا ومر بأجمة في طريقه فقيل له‏:‏ إنها أقرب الطرق فقال لعامة من معه‏:‏ امضوا في الطريق الواضح وسار هوفي نفر يسير فدخل الأجمة فوحلت به دابته فلم يكن له في نفسه حيلة ومضى من معه ولم يعرجوا عليه وجاء أصحاب إسماعيل فأخذوه أسيرا فسيره إسماعيل إلى سمرقند‏.‏

ولما وصل الخبر إلى المعتضد ذم عمرًا ومدح إسماعيل ثم إن إسماعيل خبير عمرًا بين مقامه عنده أو إنفاذه إلى المعتضد فاختار المقام عند المعتضد فسيره إليه فوصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين ومائتين فلما وصل ركب على جمل وأدخل بغداد ثم حبس فبقي محبوسًا حتى قتل سنة تسع وثمانين على ما نذكره‏.‏

وأرسل المعتضد إلى إسماعيل بالخلع وولاه ما كان بيد عمرو وخلع على نائبه بالحضرة المعروف بالمرزباني واستولى إسماعيل على خراسان وصارت بيده‏.‏

وكان عمروأعور شديد السمرة عظيم السياسة قد منع أصحابه وقواده أن يضرب أحد منهم غلامًا إلا بأمره أويتولى عقوبة الغلام نائبه أوأحد حجابه وكان يشتري المماليك الصغار ويربيهم ويهبهم لقواده ويجري عليهم الجرايات الحسنة سرا ليطالعوا بأحوال قواده ولا ينكتم عنه من أخبارهم شيء ولم يكونوا يعلمون من ينقل إليه عنهم فكان أحدهم يحذره وهووحده‏.‏

حكي عنه أنه كان له عامل بفارس يقال له أبوحصين فسخط عليه بمرو وألزمه أن يبيع أملاكه ويوصل ثمنها إليه ففعل ذلك ثم طلب منه مائة ألف درهم فإن أداها في ثلاثة أيام وإلا قتله فلم يقدر على شيء منها فأرسل إلى أبي سعيد الكاتب يطلب منه أن يجتمع به فأذن له فاجتمع به وعرفه ضيق يده وسأله أن يضمنه ليخرج من محبسه ويسعى في تحصيل المبلغ المطلوب منه ففعل وأخرجه فلم يفتح عليه بشيء فعاد إلى أبي سعيد الكاتب فبلغ خبره عمرا فقال‏:‏ والله ما أدري من أيهما أعجب من أبي سعيد فيما فعل من بذل مائة ألف درهم أم من أي حصين كيف عاد وقد علم أنه القتل‏!‏ ثم أمر بإطلاق ما عليه ورده إلى منزله‏.‏

وحكي عنه أنه كان يحمل أحمالًا كثيرة من الجرب ولا يعلم أحد ما مراده فاتفق في بعض السنين أنه قصد طائفة من العصاة عليه للإيقاع بهم فسلك طريقًا لا تظن العصاة أنهم يؤتون منه وكان في طريقه واد فأمر بتلك الجرب فملئت ترابًا وحجارا ونضد بعضها إلى بعض وجعلها وحكي أيضًا أن أكفر حجابه كان اسمه محمد بن بشير وكان يخلفه في كثير من أموره العظام فدخل عليه يوما وأخذ يعدد عليه ذنوبه فحلف محمد بالله والطلاق والعتق أنه لا يملك إلا خمسين بدرة وهويحملها إلى الخزانة ولا يجعل له ذنبًا لم يعلمه فقال عمرو‏:‏ ما أعقلك من رجل‏!‏ احملها إلى الخزانة فحملها فرضي عنه وما أقبح هذا من فعل وشره إلى أموال من أذهب عمره في خدمته‏!‏

ذكر قتل محمد بن زيد العلوي


في هذه السنة قتل محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان والديلم‏.‏

وكان سبب قتله أنه لما اتصل به أسر عمروبن الليث الصفار خرج من طبرستان نحوخراسان ظنًا منه أن إسماعيل الساماني لا يتجاوز عمله ولا يقصد خراسان وانه لا دافع له عنها‏.‏

فلما سار إلى جرجان أرسل إليه إسماعيل وقد استولى على خراسان يقول له‏:‏ الزم عملك ولا تتجاوز عمله ولا تقصد خراسان وترك جرجان له فأبى ذلك محمد فندب إليه إسماعيل بن أحمد محمد بن هارون ومحمد هذا كان يخلف رافع بن هرثمة أيام ولايته خراسان فجمع محمد جمعًا كثيرًا من فارس وراجل وسار نحومحمد بن زيد فالتقوا على باب جرجان

فاقتتلوا قتالًا شديدأن فانهزم محمد بن هارون أولًا ثم رجع وقد تفرق أصحاب محمد بن زيد في الطلب فلما رأوه قد رجع إليهم ولوا هاربين وقتل منهم بشر كثير وأصابت ابن زيد ضربات وأسر ابنه زيد وغمن ابن هارون عسكره وما فيه ثم مات محمد بن زيد بعد أيام من جراحاته التي أصابته فدفن على باب جرجان‏.‏

وحمل ابنه زيد بن محمد إلى إسماعيل بن احمد فأكرمه ووسع في الإنزال عليه وأنزله بخارى وسار محمد ين هارون إلى طبرستان‏.‏

وكان محمد بن زيد فاضلأن أديبأن شاعرأن عارفأن حسن السيرة قال أبوعمر الأسترباذي‏:‏ كنت أورد على محمد بن زيد أخبار العباسيين فقلت له‏:‏ إنهم قد لقبوا أنفسهم فإذا ذكرتهم عندك أسميهم أوألقبهم فقال‏:‏ الأمر موسع عليك سمهم ولقبهم بأحسن ألقابهم وأسمائهم وأحبها إليهم‏.‏

وقيل‏:‏ حضر عنده خصمان أحدهما اسمه معاوية والآخر اسمه علي فقال‏:‏ الحكم بينكما ظاهر فقال معاوية‏:‏ إن تحت هذين الاسمين خبرأن قال محمد‏:‏ وما هو قال‏:‏ إن أبي كان من صادقي الشيعة فسماني معاوية لينفي شر النواصب وإن أبا هذا كان ناصبيأن فسماع عليًا خوفًا من العلوية والشيعة فتبسم إليه محمد واحسن إليه وقربه‏.‏

وقيل‏:‏ استأذن عليه جماعة من أضراء الشيعة وقرائهم فقال‏:‏ ادخلوا فإنه لا يحبنا كل كسير وأعور‏.‏

ذكر ولاية أبي العباس صقلية


كان إبراهيم ابن الأمير أحمد أمير إفريقية قد استعمل على صقلية أبا مالك أحمد بن عمر بن عبد الله فاستضعفه فولى بعده ابنه أبا العباس بن إبراهيم ابن أحمد بن الأغلب فوصل إليها غرة شعبان من هذه السنة في مائة وعشرين مركبًا وأربعين حربي وحصر طرابلس‏.‏

واتصل خبره بعسكر المسلمين بمدينة بلرم وهم يقاتلون أهل جرجنت فعادوا إلى بلرم وأرسلوا جماعة من شيوخهم إليه بطاعتهم واعتذروا من قصدهم جرجنت ووصل إليه جماعة من أهل جرجنت وشكوا منهم واخبروه أنهم خالفون عليه وانهم إمنا سيروا مشايخهم خديعة ومكرأن وأنهم لا إيمان لهم ولا عهد وإن شئت أن تعلم مصداق هذا فاطلب إليك منهم فلانًا وفلانًا‏.‏

فأرسل إليهم يطلبهم فامتنعوا من الحضور عنده وخالفوا عليه واظهروا ذلك فاعتقل الشيوخ الواصلين إليه منهم واجتمع أهل بلرم وساروا إليه منتصف شعبان ومقدمهم مسعود الباجي

وأمير السفهاء منهم ركموية وصحبهم ثم أسطول في البحر نحوثلاثين قطعة فهاج البحر على الأسطول فعطب أكثره وعاد الباقي إلى بلرم‏.‏

وأما العسكر الذين في البر فإنهم وصلوا إليه وهوعلى طرابلس فاقتتلوا أشد قتال فقتل من الفريقين جماعة وافترقوا ثم عاودوا القتال في الثاني والعشين فانهزم أهل بلرم وقت العصر وتبعهم أبوالعباس إلى بلرم برًا وبحرًا فعاودوا قتاله عاشر رمضان من بكرة إلى العصر فانهزم أهل البلد ووقع القتل فيهم إلى المغرب واستعمل أبوالعباس على أرباضهأن ونهبت الأموال وهرب كثير من الرجال والنساء إلى طبرمين وهرب ركمويه وأمثاله من رجال الحرب إلى بلاد النصرانية كالقسطنطينية وغيرهأن وملك أبوالعباس المدينة ودخلهأن وأمن أهلهأن وأخذ جماعة من وجوه أهلها فوجههم إلى أبيه بإفريقية‏.‏

ثم رحل إلى طبرمين فقطع كرومها وقاتلهم ثم رحل إلى قطانية فحصرهأن فلم ينل منها غرضأن فرجع إلى المدينة وأقام إلى أد دخلت سنة ثمان وثمانين ومائتين فتجهز للغزو وطاب الزمان وعمر الأسطول وسيره أول ربيع الآخر ونزل على دمنش ونصب عليها المجانيق وأقام أيامًا‏.‏

ثم انصرف إلى مسيني وجاز في الحربية إلى ريو وقد اجتمع بها كثير من الروم فقاتلهم على

باب المدينة وهزمهم وملك المدينة بالسيف في رجب وغمن من الذهب والفضة ما لأحد وشحن المراكب بالدقيق والأمتعة ورجع إلى مسيني وهدم سورهأن ووجد بها مراكب قد وصلت من القسطنطينية فأخذ منها ثلاثين مركبًا ورجع إلى المدينة وأقام إلى سنة تسع وثمانين فأتاه كتاب أبيه إبراهيم يأمره بالعود إلى إفريقية فرجع إليها جريدة في خمس قطع شواني وترك العسكر مع ولديه أبي مضر وأبي معد‏.‏

فلما وصل إلى إفريقية استخلفه أبوه بها وسار هوإلى صقلية مجاهدا عازمًا على الحج بعد الجهاد فوصلها في رجب سنة سبع وثمانين ومائتين وقد ذكرنا خبره سنة إحدى وستين ومائتين‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة جمعت طي من قدرت عليه من الأعراب وخرجوا على قفل الحاج فواقعوهم بالمعدن وقاتلوهم يومين بين الخميس والجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة فانهزم العرب وقتل كثير وسلم الحاج‏.‏

وفيها مات إسحاق بن أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب العدوي عدي ربيعة أمير ديار

وفيها توفيت قطر الندى ابنة خمارويه بن احمد بن طولون صاحب مصر وهي امرأة المعتضد‏.‏

وحج بالناس هذه السنة محمد بن عبد الله بن داود‏.‏

وفيها استعمل المعتضد عيسى النوشري وهوأمير أصبهان على بلاد فارس وأمره بالمسير إليه‏.‏

وفيها توفي فهد بن أحمد فهد الأزدي الموصلي وكان من الأعيان وعلي بن عبد العزيز البغوي توفي صاحب أبي عبيد القاسم ابن سلام بالتشديد‏.‏

حوادث سنة ثمان وثمانين ومائتين

في هذه السنة وقع الوباء بأذربيجان فمات منه خلق كثير إلى أن فقد الناس ما يكفنون به الموتى وكانوا يتركونهم على الطرق غير مكفنين ولا مدفنين‏.‏

وفيها توفي محمد بن أبي الساج بأذربيجان في الوباء الكثير المذكور فاجتمع أصحابه فولوا ابنه ديوداد واعتزلهم عمه يوسف بن أبي الساج مخالفًا لهم فاجتمع إليه نفر يسير فأوقع بابن أخيه ديوداد وهوعسكر أبيه فهزمه وعرض عليه يوسف المقام معه فأبى وسلك طريق الموصل إلى بغداد وكان ذلك في رمضان‏.‏

وفيها في صفر دخل طاهر بن محمد بن عمروبن الليث بلاد فارس في عسكره وأخرجوا عنها عامل الخليفة فكتب الأمير إسماعيل بن أحمد الساماني إلى طاهري ذكر له أن الخليفة المعتضد قد ولاه سجستان وأنه سائر إليها فعاد طاهر لذلك‏.‏

وفيها ولى المعتضد مولاه يدرًا فارس وأمره بالشخوص إليها لما بلغه أن طاهرًا تغلب عليهأن فسار إليها في جيش عظيم في جمادى الآخرة فلما قرب من فارس تنحى عنها من كان بها من أصحاب طاهر فدخلها بدر وجبى خراجهأن وعاد طاهر إلى سجستان كما ذكرناه من مراسلة إسماعيل الساماني إليه بأنه يريد يقصد سجستان‏.‏

وفيها تغلب بعض العلويين على صنعاء فقصده بنويعفر في جمع كثير فقاتلوه فهزموه ونجا هاربًا في نحوخمسين فارسأن وأسروا ابنًا له ودخلها بنويعفر وخطبوا فيها للمعتضد‏.‏

وفيها سير الحسين بن علي كورة صاحبه نزار بن محمد إلى صائفة الروم فغزا وفتح حصونًا كثيرة للروم وعاد ومعه الأسرى ثم إن الروم ساروا في البر والبحر إلى ناحية كيسوم فأخذوا من المسلمين أكثر من خمسة عشر ألفًا وعادوا‏.‏

وفيها قرب أصحاب أبي سعيد الجنابي من البصرة فخاف أهلهأن وهموا بالهرب منهم فمنعهم من ذلك واليهم‏.‏

وفيهأن في ذي الحجة قتل وصيف خادم ابن أبي الساج وصلبت جثته ببغداد وقيل إنه مات

وفيهأن في ربيع الآخر توفي عبيد الله بن سليمان الوزير فعظم موته على المعتضد وجعل ابنه أبا الحسين بن عبيد الله بعد أبيه في الوزارة‏.‏

وفيها توفي إبراهيم وبشر بن موسى الأسدي وهومن الحفاظ للحديث‏.‏

وفيها في صفر توفي ثابت بن قرة بن سنان الصابي الطبيب المشهور ومعاذ بن المثنى‏.‏

حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين

ذكر أخبار القرامطة بالشام


في هذه السنة ظهر بالشام رجل من القرامطة وجمع جموعًا من الأعراب وأتى دمشق وأميرها طغج بن جف من قبل هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون وكانت بينهما وقعات‏.‏وكان ابتداء حال هذا القرمطي أن زكرويه بن مهرويه الذي ذكرنا أنه داعية قرمط هذا لما رأى أن الجيوش من المعتضد متتابعة إلى من بسواد الكوفة من القرامطة فإن القتل قد أبادهم سعي باستغواء من قرب من الكوفة عن الأعراب‏:‏ أسد وطي وغيرهم فلم يجبه منهم أحد فأرسل أولاده إلى كلب بن وبرة فاستعوزهم فلم يجبهم منهم إلا الفخذ المعروف ببني العليص بن ضمضم بن عدي بن خباب ومواليهم خاصة فبايعوا في سنة تسع وثمانين ومائتين بناحية

السماوة ابن زكرويه المسمى بيحيى المكنى أبا القاسم فلقبوه الشيخ وزعم أنه محمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقيل‏:‏ لم يكن لمحمد بن إسماعيل ولد اسمه عبد الله وزعم أن له بالبلاد مائة ألف تابع وأن ناقته التي يركبها مأمورة فإذا تبعوها في مسيرها نصروا وأظهر عضدًا له ناقصة وذكراه ابنه وأتاه جماعة من بني الأصبع وسموا الفاطميين ودانوا بدينه فقصدهم شبل غلام المعتضد من ناحية الرصافة فاغتروه فقتلوه وأحرقوا مسجد الرصافة واعترضوا كل قرية اجتازوا بها حتى بلغوا هارون بن خمارويه التي قوطع عليها طغج بن جف فأكثروا القتل بها والغارة فقاتلهم طغج فهزموه غير مرة‏.‏

ذكر أخبار القرامطة بالعراق

وفيها انتشر القرامطة بسواد الكوفة فوجه المعتضد شبلًا غلام أحمد بن محمد الطائي وظفر بهم وأخذ رئيسًا لهم يعرف بأبي الفوارس فسيره إلى المعتضد فأحضره بين يديه وقال له‏:‏ أخبرني‏!‏ هل تزعمون أن روح الله تعالى وروح أنبيائه تحل في أجسادكم فتعصمكم من الزلل وتوفقكم لصالح العمل فقال له‏:‏ يا هذا إن حلت روح الله فينا فيما يضرك وإن حلت روح فقال‏:‏ ما تقول فيما يخصني قال أقول‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ت وأبوكم العباس حي فهل طالب بالخلافة أم هل بايعه أحد من الصحابة على ذلك ثم مات أبوبكر فاستخلف عمر وهويرى موضع العباس ولم يوص إليه ثم مات عمر وجعلها شورى في ستة أنفس ولم يوص إليه ولا أدخله فيهم فبماذا تستحقون أنتم الخلافة وقد اتفق الصحابة على دفع جدل عنها‏.‏

فأمر به المعتضد فعذب وخلعت عظامه ثم قطعت يداه ورجلاه ثم قتل‏.‏

ذكر وفاة المعتضد

في هذه السنة في ربيع الآخر توفي المعتضد بالله أبوالعباس أحمد بن الموفق بن المتوكل ليلة الاثنين لثمان بقين منه وكان مولده في ذي الحجة من سنة اثنتين وأربعين ومائتين‏.‏

ولما اشتد مرضه اجتمع القواد منهم يونس الخادم وموشكير وغيرهما وقالوا للوزير القاسم بن عبيد الله ليجدد البيعة للمكتفي وقالوا‏:‏ إنا لا نأمن فتنة فقال‏:‏ إن هذا المال لأمير المؤمنين ولولده من بعده وأخاف أن أطلق فيبرأ من علته فينكر علي ذلك‏.‏

فقال‏:‏ إن برئ من مرضه فنحن المحتجون والمناظرون وإن صار الأمر إلى ولده فلا يلومنأن

فأطلق المال وجدد عليه البيعة وأحضر عبد الواحد بن الموفق وأخذ عليه البيعة فوكل به وأحضر ابن المعتز ومضى ابن المؤيد وعبد العزيز بن المعتمد ووكل بهم‏.‏

فلما توفي أحضر يوسف بن يعقوب وأبا حازم وأبا عمر محمد بن يوسف بن يعقوب فتولى غسله محمد بن يوسف وصلى عليه الوزير ودفن ليلًا في دار محمد بن طاهر وجلس الوزير في دار الخلافة للعزاء‏.‏

وجدد البيعة للمكتفي‏.‏

وكانت أم المعتضد واسمها ضرار قد توفيت قبل خلافته وكانت خلافته سبع سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشر يومًا وخلف من الولد الذكور‏:‏ عليًا وهوالمكتفي وجعفرًا وهوالمقتدر وهارون ومن البنات إحدى عشرة بنتا وقيل سبع عشرة ولما حضرته الوفاة أنشد‏:‏ تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا ولا تأمن الدهر إن قد أمتنه فلم يبق لي حالًا ولم يرع لي حقًا قتلت صناديد الرجال ولم أدع عدوًا ولم أمهل على طغيه خلقا وأخلبت دار الملك من كل نازع فشردتهم غربًا ومزقتهم شرقا فلما بلغت النجم عزًا ورفعةً وصارت راقاب الخلق أجمع لي رقا رماني الردى سهمًا فأخمد جمرتي فها أنا ذا في حفرتي عاجلًا ألقي فيا ليت شعري بعد موتي ما ألقى إلى نعم الرحمن أم ناره ألقى

ذكر صفته وسيرته

كان المعتضد اسمر نحيف الجسم معتدل الخلق قد وخطه الشيب وكان شهما شجاعا مقداما وكان ذا عزم وكان فيه شح بلغه خبر وصيف خادم ابن أبي الساج وعليه قباء اصفر فسار من ساعته وظفر بوصيف وعاد فدخل أنطاكية وعليه القباء فقال بعض أهلها‏:‏ الخليفة بغير سواد فقال بعض أصحابه‏:‏ إنه سار فيه ولم ينزعه إلى الآن‏.‏

وكان عفيفًا‏.‏

حكى القاضي إسماعيل بن إسحاق قال‏:‏ دخلت على المعتضد وعلى رأسه أحداث روم صباح الوجوه فأطلت النظر إليهم فلما قمت أمرني بالقعود فجلست فلما تفرق الناس قال‏:‏ يا قاضي والله ما حللت سراويلي على غير حلال قط‏.‏

وكان مهيبًا عند أصحابه يتقون سطوته ويكفون عن الظلم خوفًا منه‏.‏

ذكر خلافة المكتفي بالله

ولما توفي المعتضد كتب الوزير إلى أبي محمد علي بن المعتضد وهوالمكتفي بالله يعرفه بذلك بأخذ البيعة له وكان بالرقة فلما وصله الخبر أخذ البيعة على من عنده من الأجناد ووضع لهم العطاء وسار إلى بغداد ووجه إلى النواحي من ديار ربيعة ومضر ونواحي العرب من يحفظها ودخل بغداد لثمان خلون من جمادى الأولى فلما سار إلى منزله أمر بهدم المطامير التي كان أبوه اتخذها لأهل الجرائم‏.‏

ذكر قتل عمرو بن الليث الصفار

وفي هذا اليوم الذي دخل فيه المكتفي بغداد قتل عمروبن الليث بن الصفار ودفن من الغد‏.‏

وكان المعتضد بعدما امتنع من الكلام أمر صافيًا الخرمي بقتل عمروابن الليث بالإيماء والإشارة ووضع يده على رقبته وعلى عينه بأن اذبح الأعور وكان عمروأعور فلم يفعل ذلك صافي لعلمه بقرب وفاة المعتضد وكره قتل عمرو فلما وصل المكتفي بغداد سأل الوزير عنه فقال هوحي فسر بذلك وأراد الإحسان إليه لأنه كان يكثر من الهدية إليه لما كان بالري فكره الوزير ذلك فبعث إليه من قتله‏.‏

ذكر استيلاء محمد بن هارون على الري

وفي هذه السنة كاتب أهل الري محمد بن هارون الذي كان حارب محمد ابن زيد العلوي وتولى طبرستان لإسماعيل بن أحمد وكان محمد بن هارون قد خلع طاعة إسماعيل فسأله أهل وكان سبب ذلك أن الوالي عليهم كان قد أساء السيرة فيهم فسار محمد بن هارون إليهم فحاربه واليها وهوالدتمش التركي فقتله محمد وقتل ابنين وأخا كيغلغ وهومن قواد الخليفة ودخل محمد بن هارون الري واستولى عليها في رجب‏.‏

ذكر قتل بدر

وفيها قتل بدر غلام المعتضد وكان سبب ذلك أن القاسم الوزير كان قد هم بنقل الخلافة عن ولده المعتضد بعده فقال لبدر في ذلك في حياة المعتضد بعد أن استخلفه واستكتمه فقال بدر‏:‏ ما كنت لأصرفها عن ولد مولاي وولي نعمتي فلم يمكنه مخالفة بدر إذ كان صاحب الجيش وحقدها على بدر فلما مات المعتضد كان بدر بفارس فعقد القاسم البيعة لمكتفي وهوبالرقة‏.‏

وكان المكتفي أيضًا مباعدًا لبدر في حياة أبيه وعمل القاسم في هلاك بدر خوفًا على نفسه أن يذكر ما كان منه للمكتفي فوجه المكتفي محمد بن كشتمر برسائل إلى القواد الذين مع بدر يأمرهم بالمسير إليه ومفارقة بدر ففارقه جماعة منهم العباس بن عمروالغنوي ومحمد بن إسحاق بن كنداج وخاقان المفلحي وغيرهم فاحسن إليهم المكتفي وسار بدر إلى واسط

فوكل المكتفي بداره وقبض على أصحابه وقواده وحبسهم وأمر بمحواسم بدر من التراس والأعلام وسير الحسين بن علي كورة في جيش إلى واسط‏.‏

وأرسل إلى بدر يعرض عليه أي النواحي شاء فأبى ذلك وقال‏:‏ لا بد لي من المسير إلى باب مولاي فوجد القاسم مساغًا للقول وخوف المكتفي عائلته وبلغ بدرًا ما فعل بأهله وأصحابه وأرسل من يأتيه بولده هلال سرا فعلم الوزير بذلك فاحتاط عليه ودعا أبا حازم قاضي الشرقية وأمره بالمسير إلى بدر وتطيب نفسه عن المكتفي وإعطائه الأمان عنه لنفسه وولده وماله فقال أبوحازم‏:‏ أحتاج إلى سماع ذلك من أمير المؤمنين فصرفه ودعا أبا عمر القاضي وأمره بمثل ذلك فأجابه وسار ومعه كتاب الأمان فسار بدر عن واسط نحوبغداد فأرسل إليه الوزير من قتله فلما أيقن بالقتل سأل أن يمهل حتى يصلي ركعتين فصلاهما ثم ضربت عنقه يوم الجمعة لست خلون من شهر رمضان ثم أخذ رأسه وتركت جثته هنالك فوجه عياله من أخذها سرًا وجعلوها في تابوت فلما كان وقت الحج حملوها إلى مكة فدفنوها بها وكان أوصى بذلك وأعتق قبل أن يقتل كل مملوك كان له‏.‏

ورجع أبوعمر إلى داره كئيبًا حزينًا لما كان منه وقال الناس فيه أشعارا وتكلموا فيه ففما قيل فيه‏:‏ عند إعطائه المواثيق والعه د وعقد الأيمان في منشور أين أيمانك التي شهد الل ه على أنها يمين فجو إن كفيك لا تفارق كفي ه إلى ترى عليل السرير يا قليل الحياء يا أكذب الام ة يا شاهدًا شهادة زور ليس هذا فعل القضاة ولا يح سن أمثاله ولاة الجسور أي أمر ركبت في الجمعة الزه راء منه في خير هذي الشهور قد مضى من قتلت في رمضا ن صائمًا بعد سجدة التعفير يا بني يوسف بن يعقوب أضحى أهل بغداد منكم في غرور بدد الله شملكم وأراني ذلكم في حياة هذا الوزير فأعدوا الجواب للحكم العد ل ومن بعد منكر ونكير أنتم كلكم فدىً لأبي حا زم المستقيم كل الأمور

ذكر ولاية أبي العباس إفريقية

العباس عبد الله سنة تسع وثمانين ومائتين وتوفي فيها فلما توفي والده قام بالملك بعده وكان أديبا لبيبا شجاعا أحد الفرسان المذكورين مع علمه بالحرب وتصرفها‏.‏

وكان عاقلا عالما له نظر حسن في الجدل وفي أيامه عظم أمر أبي عبد الله الشيعي فأرسل أخاه الأحول ولم يكن أحول وإمنا لقب بذلك لأنه كان إذا نظر دائمًا ربما كسر جفنه فلقب بالأحول إلى قتال أبي عبد الله الشيعي فلما بلغه حركته إليهم في جموع كثيرة والتقوا عند كموشة فقتل بينهم خلق عظيم وانهزم الأحوال إلا أنه أقام في مقابلة أبي عبد الله‏.‏

وكان أبوالعباس أيام أبيه على خوف شديد منه بسوء أخلاقه واستعمله أبوه على صقلية ففتح فيها مواضع متعددة وقد تقدم ذكر ذلك أيام والده ولما ولي أبوالعباس إفريقية كتب إلى العمال كتابًا يقرأ على العامة يعدهم فيه الإحسان والعدل والرفق والجهاد ففعل ما وعد من نفسه وأحضر من العلماء ليعينوه على أمر الرعية‏.‏

وله شعر فمن ذلك قوله بصقلية وقد شرب دواء‏:‏ شربت الدواء على غربة بعيدًا من الأهل والمنزل وكنت إذا ما شربت الدوا أطيب بالمسك والمندل وقد صار شربي بحار الدما ونقع العجاجة والقسطل واتصل بأبي العباس عن ولده أبي مضر زيادة الله والي صقلية له اعتكافه على اللهو وإدمانه شرب الخمر فعزله وولى محمد بن السرقوسي وحبس ولده فلما كان ليلة الأرعاء آخر شعبان من سنة تسعين ومائتين قتل أبوالعباس قتله ثلاثة نفر من خدمه الصقالبة بوضع من ولده وحملوا رأسه إلى ولده أبي مضر وهوفي الحبس فقتل الخدم وصلبهم وكان هوالذي وضعهم فكانت إمارته سنة اثنين وخمسين يومًا وكان سكناه وقتله رحمه الله بمدينة تونس‏.‏

وكان كثير العدل أحضر جماعة كثيرة عنده ليعينوه على العدل ويعرفوه من أحوال الناس ما يفعل فيه على سبيل الإنصاف وأمر الحاكم في بلده أن يقضي عليه وعلى جميع أهله وخواص أصحابه ففعل ذلك ولما قتل ولي ابنه أبومضر وكان من أمره ما نذكره سنة ست وتسعين ومائتين‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة منتصف رمضان قتل عبد الواحد بن الموفق وكانت والدته إذا سألت عنه قيل لها إنه في دار المكتفي فلما مات المكتفي أيست منه فأقامت عليه مأتمًا‏.‏

وفيها كانت وقعة بين أصحاب إسماعيل بن أحمد وبين ابن جستان الديلمي بطبرستان فانهزم وفيها لحق إسحاق الفرغاني وهومن أصحاب بدر بالبادية واظهر الخلاف على الخليفة المكتفي فحاربه أبوالأغر فهزمه إسحاق وقتل من أصحابه جماعة‏.‏

وفيها سير خاقان المفلحي إلى الري في جيش كثيف ليتولاها‏.‏

وفيها صلى الناس العصر بحمص وبغداد في الصيف ثم هب هواء من ناحية الشمال فبرد الوقت واشتد البرد حتى احتاج الناس إلى النار ولبس الجباب وجعل البرد يزداد حتى جمد الماء‏.‏

وفيها كانت وقعة بين إسماعيل بن أحمد وبين محمد بن هارون بالري فانهزم محمد ولحق بالديلم مستجيرًا بهم ودخل إسماعيل الري‏.‏

وفيها زادت دجلة قدر خمسة عشر ذراعًا‏.‏

وفيها خلع المكتفي على هلال بن بدر وغيره من أصحاب أبيه في جمادى الأولى‏.‏

وفيها هبت ريح عاصف بالبصرة فقلعت كثيرًا من نخلها وخسف بموضع منها هلك فيه ستة آلاف نفس وزلزلت بغداد في رجب عدة مرات فتضرع أهلها في الجامع فكشف عنهم‏.‏

وفيها مات أبوحمزة بن محمد بن إبراهيم الصوفي وهومن أقران سري السقطي‏.‏

ذكر أخبار القرامطة

في هذه السنة في ربيع الآخر سير طغج بن جف جيشًا من دمشق إلى القرمطي عليهم غلام له اسمه بشير فهزمهم القرمطي وقتل بشيرًا‏.‏

وفيها حصر القرمطي دمشق وضيق على أهلها وقتل أصحاب طغج ولم يبق منه إلا القليل واشرف أهلها على الهلكة فاجتمع جماعة من أهل بغداد وانهوا ذلك إلى الخليفة فوعدهم النجدة وأمد المصريون أهل دمشق ببدر وغيره من القواد فقاتلوا الشيخ مقدم القرامطة فقتل على باب دمشق رماه بعض المغاربة بمزراق وزرقه نفاط بالنار فاحترق وقتل منهم خلق كثير‏.‏

وكان هذا القرمطي يزعم أنه إذا أشار بيده إلى جهة من التي فيها محاربوه انهزموا ولما قتل يحيى المعروف بالشيخ وقتل أصحابه اجتمع من بقي منهم على أخيه الحسين وسمى نفسه أحمد وكناه أبا العباس ودعا الناس فأجابه أكثر أهل البوادي وغيرهم فاشتدت شوكته وأظهر شامة في وجه وزعم أنها آيته فسار إلى دمشق فصالحه أهلها على خراج دفعوه إليه وانصرف عنهم‏.‏

ثم سار إلى أطراف حمص فغلب عليها وخطب له على منابرها وتسمي المهدي أمير المؤمنين وأتاه ابن عمه عيسى بن المهدي المسمى عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل فلقبه المدثر وعهد إليه وزعم أنه المدثر الذي في القرآن ولقب غلامًا من أهله المطوق وقلده قتل أسرى المسلمين‏.‏

ولما أطاعه أهل حمص وفتحوا له بابها خوفًا منه سار إلى حماه ومعرة النعمان وغيرهما فقتل أهلها وقتل النساء والصبيان ثم سار إلى بعلبك فقتل عامة أهلها ولم يبق منهم إلا اليسير ثم سار إلى سلمية فمنعه أهلها ثم صالحهم وأعطاهم الأمان ففتحوا له بابها فبدأ بمن فيها من بني هاشم وكانوا جماعة فقتلهم أجمعين ثم قتل البهائم والصبيان بالمكاتب ثم خرج منها وليس بها عين تطرف‏.‏

وسار فيها حولها من القرى يسبي ويقتل ويخيف السبيل فذكر عن متطبب بباب المحول يدعى أبا الحسين قال‏:‏ جاءتني امرأة بعدما أدخل القرمطي صاحب الشامة بغداد وقالت‏:‏ أريد أن تعالج جرحًا في كتفي فقلت‏:‏ ها هنا امرأة تعالج النساء فانتظرتها فقعدت وهي باكية مكروبة فسألتها عن قصتها قالت‏:‏ كان لي ولد طالت غيبته عني فخرجت أطوف عليه البلاد فلم أره فخرجت من الرقة في طلبه فوقعت في عسكر القرمطي أطلبه فرأيته فشكوت إليه حالي وحال أخواته فقال‏:‏ دعيني من هذا أخبريني ما دينك فقلت‏:‏ أما تعرف ما ديني فقال‏:‏ ما كنا فيه باطل والدين ما نحن فيه اليوم فعجبت من ذلك وخرج وتركني ووجه بخبز ولحم فلم أمسه حتى عاد فأصلحه‏.‏

وأتاه رجل من أصحابه فسأله عني هل أحسن من أمر النساء شيئا فقلت‏:‏ نعم فأدخلني دارا فإذا امرأة تطلق فقعدت بين يديها وجعلت أكلمها ولا تكلمني حتى ولدت غلاما فأصلحت من شأنه وتلطفت بها حتى كلمتني فسألتها عن حالها فقالت‏:‏ أنا امرأة هاشمية أخذنا هؤلاء أقوام فذبحوا أبي وأهلي جميعا وأخذني صاحبهم فأقمت عنده خمسة أيام ثم أمر بقتلي فطلبني منه أربعة أنفس من قواده فوهبني لهم وكنت معهم فوالله ما ادري ممن هذا الولد منهم‏.‏

قالت‏:‏ فجاء رجل فقالت لي‏:‏ هنيه فهنيته فأعطاني سبيكة فضة وجاء آخر وآخر أهني كل واحد منهم ويعطيني سبيكة فضة ثم جاء الرابع ومعه جماعة فهنيته فأعطاني ألف درهم وبتنا فلما أصبحنا قلت للمرأة‏:‏ قد وجب حقي عليك فالله الله خلصني‏!‏ قالت‏:‏ ممن أخلصك فأخبرتها خبر ابني فقالت‏:‏ عليك بالرجل الذي جاء آخر القوم فأقمت يومي فلما أمسيت وجاء الرجل قمت له وقبلت يده ورجله ووعدته أنني أعود بعد أن أوصل ما معي إلى بناتي فدعا قومًا من غلمانه وأمرهم بحملي إلى مكن ذكره وقال‏:‏ اتركوها فيه وارجعوا فساروا بين عشرة فراسخ فلحقنا ابني فضربني بالسيف فجرحني ومنعه القوم وساروا بي إلى المكان الذي سماه لهم صاحبهم وتركوني وجئت إلى هاهنا‏.‏

قالت‏:‏ ولما قدم الأمير بالقرامطة وبالأساري رأيت ابني فيهم على جمل عليه برنس وهويبكي فقلت‏:‏ لا خفف الله عنك ولا خلصك‏!‏ ثم إن كتب أهل الشام ومصر وصلت إلى المكتفي يشكون ما يلقون من القرمطي من القتل والسبي وتخريب البلاد فأمر الجند بالتأهب وخرج من بغداد ف برمضان وسار إلى الشام وجعل طريقه على الموصل وقدم بين يديه أبا الأغر في عشرة آلاف رجل فنزل قريبًا من حلب فكبسهم القرمطي صاحب الشامة فقتل منهم خلقًا كثيرا وسلم أبوالأغر فدخل حلب في ألف رجل وكانت هذه الوقعة في رمضان وسار القرمطي إلى باب حلب فحاربه أبوالأغر بمن بقي معه وأهل البلد فرجع عنهم‏.‏

وسار المكتفي حتى نزل الرقة وسير الجيوش إليه وجعل أمرهم إلى محمد بن سليمان الكاتب‏.‏

وفيها في شوال تحارب القرمطي صاحب الشامة وبدر مولى ابن طولون فانهزم القرمطي وقتل من أصحابه خلق كثير ومضى من سلم منهم نحوالبادرية فوجه المكتفي في أثرهم الحسين بن وفيها كبس ابن بانوا أمير البحرين حصنًا للقرامطة فظفر بمن فيه وواقع قرابة أبي سعيد الجنابي فهزمه ابن بانوا وكان مقام هذا القرمطي بالقطيف وهوولي عهد أبي سعيد ثم إنه وجد بعدما انهزم أصحابه قتيلًا فاخذ رأسه وسار ابن بانوا إلى القطيف فافتتحها‏.‏

ذكر أسر محمد بن هارون

وفيها اخذ محمد بن هارون أسيرًا وكان سبب ذلك أن المكتفي أنفذ عهدًا إلى إسماعيل بن أحمد الساماني بولاية الري فسار إليها وبها محمد بن هارون فسار عنها إلى محمد إلى قزوين وزنجاز ثم عاد إلى طبرستان فاستعمل إسماعيل ابن احمد على جرجان بارس الكبير وألزمه بإحضار محمد بن هارون قسرا أوصلحا وكاتبه بارس وضمن له إصلاح حاله مع الأمير إسماعيل فقبل محمد قوله وانصرف عن جستان الديلمي وقصد بخارى فلما بلغ مروقيد بها وذلك في شعبان سنة تسعين ومائتين ثم حمل إلى بخارى فأدخلها على جمل وحبس بها فمات بعد شهرين محبوسًا‏.‏

وكان ابتداء أمره أنه كان خياطا ثم جمع جمعًا من الرعاع وأهل الفساد فقطع الطريق بمفازة سرخس مدة ثم استأمن إلى رافع بن هرثمة وبقي معه إلى أن انهزم عمروالصفار فاستأمن إلى إسماعيل بن أحمد الساماني صاحب ما وراء النهر بعد قتل رافع فسيره إسماعيل إلى قتال محمد بن زيد على ما تقدم ذكره وقد ذكره الخوافي في شعره فقال‏:‏ كان ابن هارون خياطًا له إبر وراية سامها عشرًا بقيراط فانسل في الأرض يبغي الملك في عصب زط ونوب وأكراد وأنباط أنى ينال الثريا كف ملتزق بالترب عن ذروة العلياء هباط صبرًا أميرك إسماعيل منتقم منه ومن كل غدار وخياط رأيت عيرًا سما جهلًا على أسد يا عين ويحك ما أشقاك من شاطي

ذكر عدة حوادث

وفيها في ربيع الآخر خلع على أبي العشائر أحمد بن نصر وولي طرسوس وعزل عنها مظفر بن حاج لشكوى أهل الثغور منه‏.‏

وفيها قوطع طاهر بن محمد بن عمروبن الليث على مال يحمله عن بلاد فارس وعقد له المكتفي عليها‏.‏

وفيها في جمادى الأولى هرب القائد أبوسعيد الخوارزمي الذي استأمن إلى الخليفة وأخذ

نحوطريق الموصل فكتب إلى عبد الله المعروف بغلام نون بتكريت وهويتولى تلك النواحي فعارضه عبد الله واجتمع به فخدعه أبوسعيد وقتله وسار نحوشهرزور واجتمع هووابن الربيع الكردي على عصيان الخليفة‏.‏

وفيها أراد المكتفي البناء بسامرا وخرج إليها ومعه الصناع فقدروا له ما يحتاج وكان مالًا جليلا وطولوا له مدة الفراغ فعظم الوزير ذلك عليه وصرفه إلى بغداد‏.‏

وحج بالناس هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الواحد ين عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس‏.‏

وفيها توفي محمد بن علي بن علوية بن عبد الله الفقيه الشافعي الجرجاني وكان قد تفقه على المزني صاحب الشافعي وتوفي عبد الله بن أحمد بن حنبل في جمادى الآخرة وكان مولده سنة ثلاث عشرة ومائتين‏.‏

حوادث سنة إحدى وتسعين ومائيتن

ذكر أخبار القرامطة وقتل صاحب الشامة

قد ذكرنا مسير المكتفي إلى الرقة وإرساله الجيوش إلى صاحب الشامة وتولية حرب صاحب

الشامة محمد بن سليمان الكاتب فلما كانت هذه السنة أمر محمد بن سليمان بمناهضة صاحب الشامة فسار إليه في عساكر الخليفة حتى لقوه وأصحابه بمكان بينهم وبين حماة اثنا عشر ميلًا لست خلون من المحرم فقدم القرمطي أصحابه إليهم وبقي في جماعة من أصحابه معه مال كان جمعه وسواد عسكره والتحمت الحرب بين أصحاب الخليفة والقرامطة واشتدت وانهزمت القرامطة وقتلوا كل قتلة وأسر من رجالهم بشر كثير وتفرق الباقون في البوادي وتبعهم أصحاب الخليفة‏.‏

فلما رأى صاحب الشامة ما نزل بأصحابه حمل أخًا له يكنى أبا الفضل مالا وأمره أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر بمكان فيسير إليه وركب هووابن عمه المسمى بالمدثر والمطوق صاحبه وغلام له رومي واخذ دليلًا وسار يريد الكوفة عرضًا في البرية فانتهى إلى الدالية من أعمال الفرات وقد نفد ما معهم من الزاد والعلف فوجه بعض أصحابه إلى الدالية المعروفة بابن طوق ليشتري لهم ما يحتاجون إليه فأنكروا رأيه فسألوه عن حاله فكتمه فرفعوه إلى متولي تلك الناحية خليفة أحمد بن محمد بن كشمرد فسأله عن خبره فأعلمه أن صاحب الشامة خلف رابية هناك مع ثلاثة نفر فمضى إليهم وأخذهم وأحضرهم عند ابن كشمرد فوجه بهم إلى المكتفي بالرقة ورجعت الجيوش من الطلب بعد أن قتلوا وأسروا وكان أكثر الأنس أثرًا في

الحرب الحسين بن حمدان وكتب محمد بن سليمان يثني عليه وعلى بني شيبان فإنهم اصطلحوا الحرب وهزموا القرامطة واكثروا القتل فيهم والأسر حتى لم ينج منهم إلا قليل‏.‏

وفي يوم الاثنين لأربع بقين من المحرم أدخل صاحب الشامة الرقة ظاهرًا على فالج وهوالجمل ذوالسنامين وبين يديه المدثر والمطوق وسار المكتفي إلى بغداد ومعه صاحب الشامة وأصحابه وخلف العساكر مع محمد بن سليمان وأدخل القرمطي بغداد على فيل وأصحابه على الجمل ثم أمر المكتفي بحبسهم إلى أن يقدم محمد بن سليمان فقدم بغداد وقد استقصى في طلب القرامطة فظفر بجماعة من أعيانهم ورؤوسهم فأمر المكتفي بقطع أيديهم وأرجلهم وضرب أعناقهم بعد ذلك واخرجوا من الحبس وفعل بهم ذلك وضرب صاحب الشامة مائتي سوط وقطعت يداه وكوي فغشي عليه وأخذوا خشبًا وجعلوا فيه نارا ووضعوه على خواصره فجعل يفتح عينه ويغمضها فلما خافوا موته ضربوا عنقه ورفعوا رأسه على خشبة فكبر الناس لذلك ونصب على الجسر‏.‏

وفيها قدم رجل من بني العليص من وجوه القرامط يسمى إسماعيل ابن النعمان وكان نجا في جماعة لم ينج من رؤسائهم غيره فكاتبه المكتفي وبذل له الأمان فحضر في الأمان هوونيف ومائة وستون نفسا فأمنوا واحسن إليهم ووصلوا بمال وصاروا إلى رحبة مالك بن طوق مع القاسم بن سيما وهي من عمله فأقاموا معه مدة ثم أرادوا الغدر بالقاسم وعزموا على أن يثبوا بالرحبة يوم الفطر عند اشتغال الناس بالصلاة وكان قد صار معهم جماعة كبيرة فعلم بذلك فقتلهم فارتدع من كان بقي من موالي بني العيص وذلوا وألزموا السماوة حتى جاءهم كتاب من الخبيث زكرويه يعلمهم أنه مما أوحي إليه أن صاحب الشامة وأخاه المعروف بالشيخ يقتلان وأن إمامه الذي هوحي يظهر بعدهما ويظفر‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها جاءت أخبار أن حوى وما يليها جاءها سيل فغرق نحومن ثلاثين فرسخا وغرق خلق كثير وغرقت المواشي والغلات وخربت القرى واخرج من الغرقى ألف ومائتا نفس سوى من لم يلحق منهم‏.‏

وفيها خلع المكتفي على محمد بن سليمان كاتب الجيش وعلى جماعة من القواد وأمرهم بالمسير إلى الشام ومصر لأخذ الأعمال من هارون بن خمارويه لما ظهر من عجزه وذهاب رجاله بقتل القرمطي فسار عن بغداد في رجب وهوفي عشرة آلاف رجل وجد في السير‏.‏

وفيها خرجت الترك في خلق كثير لا يحصون إلى ما وراء النهر وكان في عسكرهم سبع مائة قبة تركية ولا يكون إلا للرؤساء منهم فوجه إليهم إسماعيل بن احمد جيشًا كثيرا وتبعهم من المتطوعة خلق كثير فساروا نحوالترك فوصلوا إليهم وهم غارون فكبسهم المسلمون مع الصبح فقتلوا منهم خلقًا عظيمًا لا يحصون وانهزم الباقون واستبيح عسكرهم وعاد المسلمون سالمين غامنين‏.‏

وفيها خرج من الروم عشرة صلبان مع كل صليب عشرة آلاف إلى الثغور فقصد جماعة منهم إلى الحدث فأغاروا وسبوا واحرقوا‏.‏

وفيها سار المعروف بغلام زرافة من طرسوس نحوبالد الروم ففتح مدينة أنطاكية وهي تعادل القسطنطينية فتحها بالسيف عنوة فقتل خمسة آلاف رجل وأسر مثلهم واستنقذ من الأسارى خمسة آلاف وأخذ لهم ستين مركبًا فحمل فيها ما غمن لهم من الأموال والمتاع والرقيق وقدر نصيب كل رجل ألف دينار وهذه المدينة على ساحل البحر فاستبشر المسلمون بذلك‏.‏

وحج بالناس الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس‏.‏

وفيها توفي القاسم بن عبيد الله وزير الخليفة في ذي القعدة وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة وسبعة أشهر واثنين وعشرين يومًا ولما مات قال ابن سيار‏:‏ ومازال في كل يوم يرى أمارة حتف وشيك وحي وما زال يسلح من دبره إلى أن خزي النفس فيما خري وفيها مات أبوعبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد ين عبد الرحمن الماستواي الفقيه بنيسابور ومحمد بن الجزوعي قاضي الموصل ببغداد‏.‏

وفيها توفي أبوالعباس أحمد بن يحيى الشيباني النحوي وكان عالمًا بنحوالكوفيين وكان موته ببغداد‏.‏

حوادث سنة اثنتين وتسعين ومائتين

ذكر استيلاء المكتفي على الشام ومصر وانقراض ملك الطولونية


وفي المحرم منها سار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون‏.‏

وسبب ذلك أن محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي وعاد عن محاربة القرامطة واستقصى محمد في طلبهم فلما بلغ ما أراد عزم على العود إلى العراق فأتاه كتاب بدر الحمامي غلام ابن طولون وكتاب فائق وهما بدمشق يدعوانه إلى قصد البلاد بالعساكر بساعداه على أخذها فلما عاد إلى بغداد أنهى ذلك إلى المكتفي فأمره بالعود وسير معه الجنود والأموال ووجه المكتفي دميانة غلام بازمار وأمره بركوب البحر إلى مصر ودخول النيل وقطع المواد عن مصر ففعل وضيق عليهم‏.‏

وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجوش في البر حتى دنا من مصر وكاتب من بها من القواد وكان أول من خرج إليه بدر الحمامي وكان رئيسهم فكسرهم ذلك وتتابعه المستأمنة من قواد المصريين فلما رأى ذلك هارون في بعض الأيام عصبية فاقتتلوا فخرج هارون يسكنهم فرماه بعض المغاربة بمرزاق معه فقتله فلما قتل قام عمه شيبان بالأمر من بعده وبذل المال للجند فأطلقوه وقاتلوا معه فأتتهم كتب بدر يدعوهم إلى الأمان فأجابوه إلى ذلك‏.‏

فلما علم محمد ين سليمان الخبر سار إلى مصر فأرسل إليه شيبان يطلب الأمان فأجابه فخرج إليه ليلًا ولم يعلم به أحد من الجند فلما أصبحوا قصدوا داره ولم يجدوه فبقوا حيارى ولما وصل محمد مصر دخلها واستولى على دور طولون وأموالهم وأخذهم جميعا وهم بضعة عشر رجلا فقيدهم وحبسهم واستقصى أموالهم وكان ذلك في صفر وكتب بالفتح إلى المكتفي فأمره بإشخاص آل طولون وأسبابهم من مصر والشام إلى بغداد ولا يترك منهم أحد أن ثم ظهر بمصر إنسان يعرف بالخلنجي وهومن قوادهم وكان تخلف عن محمد بن سليمان فاستمال جماعة وخالف على السلطان وكثر جمعه وعجز النوشري عنه فسار إلى الإسكندرية ودخل إبراهيم الخلنجي مصر وكتب النوشري إلى المكتفي بالخبر فسير إليه الجنود مع فاتك مولى المعتضد وبدر الحمامي فساروا في شوال نحو مصر‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها أخذ بالبصرة رجل ذكروا أنه أراد الخروج وأخذ معه ولده وتسعة وثلاثون رجلا وحملوا إلى بغداد فكانوا يبكون ويستغيثون ويحلفون أنهم برآء فأمر بهم المكتفي فحبسوا‏.‏

وفيها أغار أندرونقس الرومي على مرعش ونواحيها فنفر أهل المصيصة وأهل طرسوس فأصيب أبوالرجال بن أبي بكار في جماعة من المسلمين فعزل الخليفة أبا العشائر عن الثغور واستعمل عليهم رستم بن بردوا‏.‏

وفيها كان الفداء على ي رستم فكان جملة من فودي به من المسلمين ألف نفس ومائتي نفس‏.‏

وحج بالناس الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن عباس بن محمد‏.‏

وفيها في العشرين من أيار طلع كوكب له ذنب عظيم جدًا في برج الجوزاء‏.‏

وفيها وقع الحريق ببغداد بباب الطاق من الجانب الشرقي إلى طرق الصفارين فاحترق ألف دكان مملوءة متاعًا للتجار‏.‏

وفيها توفي أبومسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي ويقال الكشي‏.‏

وفيها توفي القاضي عبد الحميد بن عبد العزيز أبوحازم قاضي المعتضد بالله ببغداد وكان من أفاضل القضاة‏.‏ ‏     ‏  ‏   ‏ ‏ ‏