المجلد السابع - ذكر مسير الراضي وبجكم إلى الموصل

ثم دخلت سنة سبع وعشرين وثلاثمائة

في هذه السنة في المحرم سار الراضي بالله وبجكم إلى الموصل وديار ربيعة‏.‏

وسبب ذلك أن ناصر الدولة بن حمدان أخر المال الذي عليه من ضمان البلاد التي بيده فاغتاظ الراضي منه لسبب ذلك فسار هو وبجكم إلى الموصل ومعهما قاضي القضاة أبو الحسين عمر بن محمد فلما بلغوا تكريت أقام الراضي بها وسار بجكم فلقيه ناصر الدولة بالكحيل على ستة فراسخ من الموصل فاقتتلوا واشتد القتال فانهزم أصحاب ناصر الدولة وساروا إلى نصيبين وتبعهم بجكم ولم ينزل بالموصل‏.‏

فلما بلغ نصيبين سار ابن حمدان إلى آمد وكتب بجكم إلى الراضي بالفتح فسار من تكريت في الماء يريد الموصل وكان مع الراضي جماعة من القرامطة فانصرفوا عنه إلى بغداد قبل وصول كتاب بجكم وكان ابن رائق يكاتبهم فلما بلغوا بغداد ظهر ابن رائق من استتاره واستولى على بغداد ولم يعرض لدار الخليفة‏.‏

وبلغ الخبر إلى الراضي فأصعد من الماء إلى البر سار إلى الموصل وكتب إلى بجكم بذلك فعاد عن نصيبين فلما بلغ خبر عوده إلى ناصر الدولة سار من آمد إلى نصيبين فاستولى عليها وعلى ديار ربيعة فقلق بجكم لذلك وتسلل أصحابه إلى بغداد فاحتاج أن يحفظ أصحابه وقال‏:‏ قد حصل الخليفة وأمير الأمراء على قصبة الموصل حسب‏.‏

وأنفذ ابن حمدان قبل أن يتصل به خبر ابن رائق يطلب الصلح ويعجل خمسمائة ألف درهم ففرح بجكم بذلك وأنهاه إلى الراضي فأجاب إليه واستقر الصلح بينهم وانحدر الراضي وبجكم إلى بغداد‏.‏

وكان قد راسلهم ابن رائق مع أبي جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد يلتمس الصلح فسار إليهم إلى الموصل وأدى الرسالة إلى بجكم فأكرمه بجكم وأنزله معه وأحسن إليه وقدمه إلى الراضي فأبلغه الرسالة أيضًا فأجابه الراضي وبجكم إلى ما طلب وأرسل في جواب رسالته قاضي القضاة أبا الحسين عمر بن محمد وقلده طريق الفرات وديار مضر‏:‏ حران والرها وما جاورها وجند قنسرين والعواصم فأجاب ابن رائق أيضًا إلى هذه القاعدة وسار عن بغداد إلى ولايته ودخل الراضي وبجكم بغداد تاسع ربيع الآخر‏.‏

ذكر وزارة البريدي للخليفة

في هذه السنة مات الوزير أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات بالرملة وقد ذكرنا سبب مسيره إلى الشام فكانت وزارته سنة وثمانية أشهر وخمسة وعشرين يومًا ولما سار إلى الشام استناب بالحضرة عبد الله بن علي النقري‏.‏

وكان بجكم قد قبض على وزيره علي بن خلف بن طباب فاستوزر أبا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد فسعى أبو جعفر في الصلح بين بجكم والبريدي فتم ذلك ثم ضمن البريدي أعمال واسط بستمائة ألف دينار كل سنة ثم شرع ابن شيرزاد أيضًا بعد موت أبي الفتح الوزير بالرملة في تقليد أبي عبدالله البريدي الوزارة فأرسل إليه الراضي في ذلك فأجاب إليه في رجب واستناب بالحضرة عبدالله بن علي النقري أيضًا كما كان يخلف أبا الفتح‏.‏

ذكر مخالفة بالبا على الخليفة

كان بجكم قد استناب بعض قواد الأتراك ويعرف ببالبا على الأنبار فكاتبه يطلب أن يقلد أعمال طريق الفرات بأسرها ليكون في وجه ابن رائق وهو بالشام فقلده بجكم ذلك فسار إلى الرحبة وكاتب ابن رائق وخالف على بجكم والراضي وأقام الدعوة لابن رائق وعظم أمره‏.‏

فبلغ الخبر إلى بجكم فسير طائفة من عسكره وأمرهم بالجد وأن يطووا المنازل ويسبقوا خبرهم ويكبسوا بالرحبة ففعلوا ذلك فوصلوا إلى الرحبة في خمسة أيام ودخلوها على حين غفلة من بالبا وهو يأكل الطعام فلما بلغه الخبر اختفى عند إنسان حائك ثم ظفروا به فأخذوه وأدخلوه بغداد على جمل ثم حبس فكان آخر العهد به‏.‏

ذكر ولاية أبي علي بن محتاج خراسان

في هذه السنة استعمل الأمير السعيد نصر بن أحمد على خراسان وجيوشها أبا علي أحمد بن أبي بكر محمد بن المظفر بن محتاج وعزل أباه واستقدمه إلى بخارى‏.‏

وسبب ذلك أن أبا بكر مرض مرضًا شديدًا طال به فأنفذ السعيد فأحضر ابنه أبا علي من الصغانيان واستعمله مكان أبيه وسيره إلى نيسابور وكتب إلى أبيه يستدعيه إليه فسار عن نيسابور فلقيه ولده على ثلاث مراحل من نيسابور فعرفه ما يحتاج إلى معرفته وسار أبو بكر إلى بخارى مريضًا ودخل ولده أبو علي نيسابور أميرًا في شهر رمضان من هذه السنة‏.‏

وكان أبو علي عاقلًا شجاعًا حازمًا فأقام بها ثلاثة أشهر يستعد للمسير إلى جرجان وطبرستان وسنذكر ذلك سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة‏.‏

ذكر غلبة وشمكير على أصبهان وألموت

وفيها أرسل وشمكير بن زيار أخو مرداويج جيشًا كثيفًا من الري إلى أصبهان وبها أبو علي الحسن بن بويه وهو ركن الدولة فأزالوه عنها واستولوا عليها وخطبوا فيها لوشمكير ثم سار ركن الدولة إلى بلاد فارس فنزل بظاهر إصطخر وسار وشمكير إلى قلعة ألموت فملكها وعاد عنها وسيرد من أخبارهما سنة ثمان وعشرين ما تقف عليه‏.‏

و في هذه السنة عصى أمية بن إسحاق بمدينة شنترين على عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس‏.‏

وسبب ذلك أنه كان له أخ اسمه أحمد وكان وزيرًا لعبد الرحمن فقتله عبد الرحمن وكان أمية بشنترين فلما بلغه ذلك عصى فيها والتجأ إلى ردمير ملك الجلالقة ودله على عورات المسلمين ثم خرج أمية في بعض الأيام يتصيد فمنعه أصحابه من دخول البلد فسار إلى ردمير فاستوزره‏.‏

وغزا عبد الرحمن بلاد الجلالقة فالتقى هو وردمير هذه السنة فانهزمت الجلالقة وقتل منهم خلق كثير وحصرهم عبد الرحمن‏.‏

ثم إن الجلالقة خرجوا عليه وظفروا به وبالمسلمين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأراد اتباعهم فمنعه أمية وخوفه المسلمين ورغبه في الخزائن والغنيمة‏.‏

وعاد عبد الرحمن بعد هذه الوقعة فجهز الجيوش إلى بلاد الجلالقة فألحوا عليهم بالغارات وقتلوا منهم أضعاف ما قتلوا من المسلمين ثم إن أمية استأمن إلى عبد الرحمن فأكرمه‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها مات عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي صاحب الجرح والتعديل وعثمان بن الخطاب بن عبدالله أبو الدنيا المعروف بالأشج الذي يقال إنه لقي علي بن أبي طالب عليه السلام وقيل إنهم كانوا يسمونه ويكنونه أبا الحسن آخر أيامه وله صحيفة تروى عنه ولا تصح وقد رواها كثير من المحدثين مع علم منهم بضعفها‏.‏

وفيها توفي محمد بن جعفر بن محمد بن سهل أبو بكر الخرائطي صاحب تصانيف المشهورة كاعتلال القلوب وغيره بمدينة يافا‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

ذكر استيلاء أبي علي على جرجان


في هذه السنة في المحرم سار أبو علي بن محتاج في جيش خراسان من نيسابور إلى جرجان وكان بجرجان ما كان بن كالي قد خلع طاعة الأمير نصر بن أحمد فوجدهم أبو علي قد غوروا المياه فعدل عن الطريق إلى غيره فلم يشعروا به حتى نزل على فرسخ من جرجان فحصر ما كان بها وضيق عليه وقطع الميرة عن البلد فاستأمن إليه كثير من أصحاب ما كان وضاق الحال بمن بقي بجرجان حتى صار الرجل يقتصر كل يوم على حفنة سمسم أو كيلة من كسب

واستمد ما كان من وشمكير وهو بالري فأمده بقائد من قواده يقال له شيرح بن النعمان فلما وصل إلى جرجان ورأى الحال شرع في الصلح بين أبي علي وبين ما كان بن كالي ليجعل له طريقًا ينجو فيه ففعل أبو علي ذلك وهرب ما كان إلى طبرستان واستولى أبو علي على جرجان في أواخر سنة ثمان وعشرين واستخلف عليها إبراهيم بن سيمجور الدواتي بعد أن أصلح حالها وأقام بها إلى المحرم سنة تسع وعشرين وثلاثمائة فسار إلى الري على ما نذكره‏.‏

ذكر مسير ركن الدولة إلى واسط

في هذه السنة سار ركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه إلى واسط‏.‏

وكان سبب ذلك أن أبا عبدالله البريدي أنفذ جيشًا إلى السوس وقتل قائدًا من الديلم فتحصن أبو جعفر الصيمري بقلعة السوس وكان على خراجها‏.‏

وكان معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه بالأهواز فخاف أن يسير إليه البريدي من البصرة فكتب إلى أخيه ركن الدولة وهو بباب إصطخر قد عاد من أصبهان على ما ذكرناه فلما أتاه كتاب أخيه سار إليه مجدًا يطوي المنازل حتى وصل إلى السوسن ثم سار إلى واسط ليستولي عليها إذ كان قد خرج عن أصبهان وليس له ملك ليستقل به فنزل بالجانب الشرقي وكان

ثم سار الراضي وبجكم من بغداد نحو واسط لحربه فخاف أن يكثر الجمع عليه ويستأمن رجاله فيهلك لأنه كان له سنة لم ينفق فيهم مالًا فعاد من واسط إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز‏.‏

ذكر ملك ركن الدولة أصبهان

وفيها عاد ركن الدولة فاستولى على أصبهان سار من رامهرمز فاستولى عليها وأخرج عنها أصحاب وشمكير وقتل منهم واستأسر بضعة عشر قائدًا‏.‏

وكان سبب ذلك أن وشمكير كان قد أنفذ عسكره إلى ما كان نجدةً له على ما ذكرناه فخلت بلاد وشمكير من العساكر وسار ركن الدولة إلى أصبهان وبها نفر يسير من العساكر فهزمهم واستولى عليها وكاتب هو وأخوه عماد الدولة أبا علي بن محتاج يحرضانه على ما كان ووشمكير ويعدانه المساعدة عليهما فصار بينهم بذلك مودة‏.‏

ذكر مسير بجكم نحو بلاد الجبل

في هذه السنة سار بجكم من بغداد نحو بلاد الجبل ثم عاد عنها‏.‏

وكان سبب ذلك أنه صالح هذه السنة أبا عبدالله البريدي وصاهره وتزوج ابنته فأرسل إليه البريدي يشير عليه بأن يسير إلى بلاد الجبل لفتحها والاستيلاء عليها ويعرفه أنه إذا سار إلى الجبل سار هو إلى الأهواز واستنقذها من يد ابن بويه فاتفقا على ذلك وأنفذ إليه بجكم خمسمائة رجل من أصحابه معونة له وأنفذ إليه صاحبه أبا زكرياء السوسي يحثه على الحركة ويكون عنده إلى أن يرحل عن واسط إلى الأهواز‏.‏

وسار بجكم إلى حلوان وصار أبو زكرياء السوسي يحث ابن البريدي على المسير إلى السوس والأهواز وهو يدافع الأوقات وكان عازمًا على قصد بغداد إذ أبعد عنها بجكم ليستولي عليها وهو يقدم رجلًا ويؤخر أخرى وينتظر به الدوائر من هزيمة أو قتل‏.‏

وأقام أبو زكرياء عنده نحو شهر يحثه على المسير وهو يغالطه فعلم أبو زكرياء مقصوده فكتب إلى بجكم بذلك فلحقه الخبر وهو سائر فركب الجمازات وعاد إلى بغداد وخلف عسكره وراءه‏.‏

ووصل الخبر إلى البريدي بدخول بجكم إلى بغداد فسقط في يده ثم أتته الأخبار بأن بجكم قد سار نحوه‏.‏

ذكر استيلاء بجكم على واسط

لما عاد بجكم إلى بغداد تجهز للانحدار إلى واسط وحفظ الطرق لئلا يصل خبره إلى البريدي فيتحرز وانحدر هو في الماء في العشرين من ذي القعدة وسير عسكره في البر وأسقط اسم البريدي من الوزارة وجعل مكانه أبا القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد وكانت وزارة البريدي سنة واحدة وأربعة أشهر وأربعة عشر يومًا وقبض على ابن شيرزاد لأنه هو كان سبب وصلته بالبريدي وأخذ منه مائة وخمسين ألف دينار‏.‏

فمن عجيب الاتفاق أن بجكم كان له كاتب على أمر داره وحاشيته وهو معه في السفينة عند انحداره إلى واسط فجاء طائر فسقط على صدر السفينة فأخذ وأحضر عند بجكم فوجد على ذنبه كتابًا ففتحه وإذا هو من هذا الكاتب إلى أخ له مع البريدي يخبره بخبر بجكم وما هو عازم عليه فألقي الكتاب إليه فاعترف به إذ لم يمكنه جحده لأنه بخطه فأمر بقتله فقتل وألقاه في الماء‏.‏

ولما بلغ خبر بجكم إلى البريدي سار عن واسط إلى البصرة ولم يقم بها فلما وصل إليها بجكم لم يجد بها أحدًا فاستولى عليها وكان بجكم قد خلف عسكرًا ببلد الجبل فقصدهم الديلم والجيل فانهزموا وعادوا إلى بغداد‏.‏

ذكر استيلاء ابن رائق على الشام

في هذه السنة استولى ابن رائق على الشام وقد ذكرنا مسيره فيما تقدم فلما دخل الشام قصد مدينة حمص فملكها ثم سار منها إلى دمشق وبها بدر بن عبدالله الإخشيدي المعروف ببدير واليًا عليها للإخشيد فأخرجه ابن رائق منها وملكها وسار منها إلى الرملة فملكها‏.‏

وسار إلى عريش مصر يريد الديار المصرية فلقيه الإخشيد محمد بن طغج وحاربه فانهزم الإخشيد فاشتغل أصحاب ابن رائق بالنهب ونزلوا في خيم أصحاب الإخشيد فخرج عليهم كمين للإخشيد فأوقع بهم وهزمهم وفرقهم ونجا ابن رائق في سبعين رجلًا ووصل إلى دمشق على أقبح صورة‏.‏

فسير إليه الإخشيد أخاه أبا نصر بن طغج في جيش كثيف فلما سمع بهم ابن رائق سار إليهم من دمشق فالتقوا باللجون رابع ذي الحجة فانهزم عسكر أبي نصر وقتل هو فأخذه ابن رائق وكفنه وحمله إلى أخيه الإخشيد وهو بمصر وأنفذ معه ابنه مزاحم بن محمد ابن رائق وكتب إلى الإخشيد كتابًا يعزيه عن أخيه ويعتذر مما جرى ويحلف أنه ما أراد قتله وأنه قد أنفذ ابنه ليفديه به إن أحب ذلك فتلقى الإخشيد مزاحمًا بالجميل وخلع عليه ورده إلى أبيه واصطلحا على أن تكون الرملة وما وراءها إلى مصر للإخشيد وباقي الشام لمحمد بن رائق ويحمل إليه الإخشيد عن الرملة كل سنة مائة ألف وأربعين ألف دينار‏.‏

في هذه السنة قتل طريف السبكري‏.‏

وفيها عزل بجكم وزيره أبا جعفر بن شيرزاد لما ذكرناه وصادره على مائة وخمسين ألف دينار واستوزر بعده أبا عبدالله الكوفي‏.‏

وفيها توفي محمد بن يعقوب وقتل محمد بن علي أبو جعفر الكليني وهو من أئمة الإمامية وعلمائهم‏.‏

الكليني بالياء المعجمة باثنتين من تحت ثم بالنون وهو ممال‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب المقرئ البغدادي المعروف بابن شنبوذ في صفر‏.‏

وفيها توفي أبو محمد جعفر المرتعش وهو من أعيان مشايخ الصوفية وهو نيسابوري سكن بغداد وقاضي القضاة عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف وكان قد ولي القضاء بعد أبيه‏.‏

وفيها توفي أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن محمد بن بشار المعروف بابن الأنباري وهو مصنف كتاب الوقف والابتداء‏.‏

وفيها في حادي عشر شوال مات الوزير أبو علي بن مقلة في الحبس‏.‏

وفيها لليلتين بقيتا من شوال توفي الوزير أبو العباس الخصيبي بسكتة لحقته بينه وبين ابن مقلة سبعة عشر يومًا‏.‏

وفيها مات أبو عبدالله القمي وزير ركن الدولة بن بويه فاستوزر بعده أبا الفضل بن العميد فتمكن منه فنال ما لم ينله أحد من وزراء بني بويه وسيرد من أخباره ما يعلم به محله‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وعشرين وثلاثمائة

ذكر موت الراضي بالله


في هذه السنة مات الراضي بالله أبو العباس أحمد بن المقتدر منتصف ربيع الأول وكانت خلافته ست سنين وعشرين أشهر وعشرة أيام وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة وشهورًا وكانت علته الاستسقاء وكان أديبًا شاعرًا فمن شعره‏:‏ يصفرّ وجهي إذا تأمّله طرفي ويحمرّ وجهه خجلا حتّى كأنّ الذي بوجنته من دم جسمي إليه قد نقلا وله أيضًا يرثي أباه المقتدر‏:‏ ولو أنّ حيًّا كان قبرًا لميّتٍ لصيّرت أحشائي لأعظمه قبرا ولو أنّ عمري كان طوع مشيئتي وساعدني التقدير قاسمته العمرا بنفس ثرىً ضاجعت في تربه البلى لقد ضمّ منك الغيث والليث والبدرا كلّ صفوٍ إلى كدر كلّ أمنٍ إلى حذر ومصير الشباب لل موت فيه أو الكبر درّ درّ المشيب من واعظ ينذر البشر أيّها الآمل الذي تاه في لجّة الغرر أين من كان قبلها درس العين والأثر سيردّ المعاد من عمره كلّه خطر ربّ إنّي ذخرت عن دك أرجوك مدّخر إنّني مؤمن بما بيّ ن الوحي في السّور واعترافي بترك نف عي وإيثاري الضّرر ربّ فاغفر لي الخطي ئة يا خير من غفر وكان الراضي أيضًا سمحًا يحبّ محادثة الأدباء والفضلاء والجلوس معهم‏.‏

ولّما مات أحضر بجكم ندماءه وجلساءه وطمع أن ينتفع بهم فلم يفهم منهم ما ينتفع به وكان منهم سنان بن ثابت الصابي الطبيب فأحضره وشكا إليه غلبة القوة الغضبية عليه وهو كاره وكان الراضي أسمر أعين خفيف العارضين وأمه أم ولد اسمها ظلوم وختم الخلفاء في أمور عدة فمنها‏:‏ أنه آخر خليفة له شعر يدون وآخر خليفة خطب كثيرًا على منبر وإن كان غيره قد خطب نادرًا لا اعتبار به وكان آخر خليفة جالس الجلساء ووصل إليه الندماء وآخر خليفة كانت له نفقته وجوائزه وعطاياه وجراياته وخزائنه ومطابخه ومجالسه وخدمه وحجابه وأموره على ترتيب الخلفاء المتقدمين‏.‏

ذكر خلافة المتقي لله

لّما مات الراضي بالله بقي الأمر في الخلافة موقوفًا انتظارًا لقدوم أبي عبد الله الكوفي كاتب بجكم من واسط وكان بجكم بها‏.‏

واحتيط على دار الخلافة فورد كتاب بجكم مع الكوفي يأمر فيه بأن يجتمع مع أبي القاسم سليمان بن الحسن وزير الراضي كل من تقلد الوزارة وأصحاب الدواوين والعلويون والقضاة والعباسيون ووجوه البلد ويشاورهم الكوفي فيمن ينصب للخلافة ممن يرتضي مذهبه وطريقته فجمعهم الكوفي واستشارهم فذكر بعضهم إبراهيم بن المقتدر وتفرقوا على هذا فلما كان الغد اتفق الناس عليه فأحضر في دار الخلافة وبويع له في العشرين من ربيع الأول وعرضت وكان بجكم بعد موت الراضي وقبل استخلاف المتقي قد أرسل إلى دار الخلافة فأخذ فرشًا وآلات كان يستحسنها وجعل سلامة الطولوني حاجبه وأقر سليمان على وزارته وليس من الوزارة إلا اسمها وإنما التدبير كله إلى الكوفي كاتب بجكم‏.‏

ذكر قتل ماكان بن كالي واستيلاء أبي علي بن محتاج على الري

قد ذكرنا مسير أبي علي بن محمد بن المظفر بن محتاج إلى جرجان وإخراج ما كان عنها فلما سار عنها ما كان قصد طبرستان وأقام بها وأقام أبو علي بجرجان يصلح أمرها ثم استخلف عليها إبراهيم بن سيمجور الدواتي وسار نحو الري في المحرم من هذه السنة فوصلها في ربيع الأول وبها وشمكير بن زيار أخو مرداويج‏.‏

وكان عماد الدولة وركن الدولة ابنا بويه يكاتبان أبا علي ويحثانه على قصد وشمكير ويعدانه المساعدة وكان قصدهما أن تؤخذ الري من وشمكير فإذا أخذها أبو علي لا يمكنه المقام بها لسعة ولايته بخراسان فيغلبان عليها‏.‏

وبلغ أمر اتفاقهم إلى وشمكير‏.‏

وكاتب ما كان بن كالي يستخدمه ويعرفه الحال فسار ما كان بن كالي من طبرستان إلى الري وسار أبو علي وأتاه عسكر ركن الدولة بن بويه فاجتمعوا معه بإسحاقاباذ والتقوا هم ووشمكير ووقف ما كان بن كالي في القلب وباشر الحرب بنفسه وعبأ أبو علي أصحابه كراديس وأمر من بإزاء القلب أن يلحوا عليهم في القتال ثم يتطاردوا لهم ويستجروهم ثم وصى من بأزاء الميمنة والميسرة أن يناوشوهم مناوشة بمقدار ما يشغلونهم عن مساعدة من في القلب ولا يناجزوهم ففعلوا ذلك‏.‏

وألح أصحابه على قلب وشمكير بالحر ثم تطاردوا لهم فطمع فيهم ما كان ومن معه فتبعوهم وفارقوا مواقفهم فحينئذ أمر أبو علي الكراديس التي بإزاء الميمنة والميسرة أن يتقدم بعضهم ويأتي من في قلب وشمكير من ورائهم ففعلوا ذلك فلما رأى أبو علي أصحابه قد أقبلوا من وراء ما كان ومن معه من أصحابه أمر المتطاردين بالعود والحملة على ما كان وأصحابه وكانت نفوسهم قد قويت بأصحابهم فرجعوا وحملوا على أولئك وأخذهم السيف من بين أيديهم ومن خلفهم فولوا منهزمين‏.‏

فلما رأى ما كان ذلك ترجل وأبلى بلاء حسنًا وظهرت منه شجاعة لم ير الناس مثلها فأتاه سهم غرب فوقع في جبينه فنفذ في الخوذة والرأس حتى طلع من قفاه وسقط ميتًا وهرب وشمكير ومن سلم معه إلى طبرستان فأقم بها واستولى أبو علي على الري وأنفذ رأ ما كان إلى بخارى والسهم فيه ولم يحمل إلى بغداد حتى قتل بجكم لأن بجكم كان من أصحابه وجلس للعزاء لما قتل فلما قتل بجكم حمل الرأس من بخارى إلى بغداد فيه وفي الخوذة وأنفذ أبو علي الأسرى إلى بخارى أيضًا وكانوا بها حتى دخل وشمكير في طاعة آل سامان وسار إلى خراسان فاستوهبهم فأطلقوا له على ما نذكره سنة ثلاثين‏.‏

ذكر قتل بجكم

وفي هذه السنة قتل بجكم‏.‏ وكان سبب قتله أن أبا عبدالله البريدي أنفذ جيشًا من البصرة إلى مذار فأنفذ بجكم جيشًا إليهم عليهم توزون فاقتتلوا قتالًا شديدًا كان أولًا على توزون فكتب إلى بجكم يطلب أن يلحق به فسار بجكم إليهم من واسط منتصف رجب فلقيه كتاب توزون بأنه ظفر بهم وهزمهم فأراد الرجوع إلى واسط فأشار عليه بعض أصحابه بأن يتصيد فقبل منه وتصيد حتى بلغ نهر جور فسمع أن هناك أكرادًا لهم مال وثروة فشرهت نفسه إلى أخذه فقصدهم في قلة من أصحابه بغير جنة تقية فهرب الأكراد من بين يديه ورمى هو أحدهم فلم يصه فرمى آخر فأخطأه أيضًا وكان لا يخيب سهمه فأتاه غلام من الأكراد من خلفه وطعنه في خاصرته وهو لا يعرفه فقتله وذلك لأربع بقين من رجب واختلف عسكره فمضى الديلم خاصة نحو وكان البريدي قد عزم على الهرب من البصرة هو وإخوته وكان بجكم قد راسل أهل البصرة وطيب قلوبهم فمالوا إليه فأتى البريديين الفرج من حيث لم يحتسبوا وعاد أتراك بجكم إلى واسط وكان تكينك محبوسًا بها حبسه بجكم وأخرجوه من محبسه فسار بهم إلى بغداد وأظهروا طاعة المتقي لله‏.‏

وصار أبو الحسين أحمد بن ميمون يدبر الأمور واستولى المتقي على دار بجكم فأخذ ماله منها وكان قد دفن فيها مالًا كثيرًا وكذلك أيضًا في الصحراء لأنه خاف أن ينكب فلا يصل إلى ماله في داره‏.‏

وكان مبلغ ما أخذ من ماله ودفائنه ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار وكانت مدة إمارة بجكم سنتين وثمانية أشهر وتسعة أيام‏.‏

ذكر إصعاد البريديين إلى بغداد

لما قتل بجكم اجتمعت الديلم على بلسواز بن مالك بن مسافر فقتله الأتراك فانحدر الديلم إلى أبي عبدالله البريدي وكانوا منتخبين ليس فيهم حشو فقوي بهم وعظمت شوكته فأصعده من البصرة إلى واسط في شعبان فأرسل المتقي لله إليهم يأمرهم أن لا يصعدوا فقالوا‏:‏ نحن محتاجون إلى مال فإن أنفذ لنا منه شيء لم نصعد فأنفذ إليهم مائة ألف وخمسين ألف دينار فقال الأتراك للمتقي‏:‏ نحن نقاتل بني البريدي فأطلق لنا مالًا وانصب لنا مقدمًا فأنفق فيهم مالًا وفي أجناد بغداد القدماء أربعمائة ألف دينار من المال الذي أخذ لبجكم وجعل عليهم سلامة الطولوني وبرزوا مع المتقي لله إلى نهر ديالي يوم الجمعة لثمان بقين من شعبان‏.‏

وسار البريدي من واسط إلى بغداد ولم يقف على ما استقر معه فلما قرب من بغداد اختلف الأتراك البجكمية واستأمن بعضهم إلى البريدي وبعضهم سار إلى الموصل واستتر سلامة الطولوني وأبو عبدالله الكوفي ولم يحصل الخليفة إلا على إخراج المال وهم أرباب النعم والأموال بالانتقال من بغداد خوفًا من البريدي وظلمه وتهوره‏.‏

ودخل أبو عبدالله البريدي بغداد ثاني عشر رمضان ونزل بالشفيعي ولقيه الوزير أبو الحسين والقضاة والكتاب وأعيان الناس وكان معه من أنواع السفن ما لا يحصى كثرةً فأنفذ إليه المتقي يهنيه بسلامته وأنفذ إليه طعامًا وغيره عدة ليال وكان يخاطب بالوزير وكذلك أبو الحسين بن ميمون وزير الخليفة أيضًا ثم عزل أبو الحسين وكانت مدة وزارة أبي الحسين ثلاثة وثلاثين يومًا ثم قبض أبو عبدالله البريدي على أبي الحسين وسيره إلى البصرة وحبسه بها إلى أن مات في صفر سنة ثلاثين وثلاثمائة من حمى حادة‏.‏

ثم أنفذ البريدي إلى المتقي يطل خمسمائة ألف دينار ليفرقها في الجند فامتنع عليه فأرسل إليه يتهدده ويذكره ما جرى على المعتز والمستعين والمهتدي وترددت الرسل فأنفذ إليه تمام خمسمائة ألف دينار ولم يلق البريدي المتقي لله مدة مقامه ببغداد‏.‏

ذكر عود البريدي إلى واسط

كان البريدي يأمر الجند بطلب الأموال من الخليفة فلما أنفذ الخليفة إليه المال المذكور انصرفت أطماع الجند عن الخليفة إلى البردي وعادت مكيدته عليه فشغب الجند عليه وكان الديلم قد قدموا على أنفسهم كورتكين الديلمي وقدم الأتراك على أنفسهم تكينك التركي غلام بجكم وثار الديلم إلى دار البريدي فأحرقوا دار أخيه أبي الحسين التي كان ينزلها ونفروا عن البريدي وانضاف تكينك إليهم وصارت أيديهم واحدة واتفقوا على قصد البريدي ونهب ما عنده من الأموال فساروا إلى النجمي ووافقهم العامة فقطع البريدي الجسر ووقعت الحرب في الماء ووثب العامة بالجانب الغربي على أصحاب البريدي فهرب هو وأخوه وابنه أبو القاسم وأصحابه وانحدروا في الماء إلى واسط ونهبت داره في النجمي ودور قواده وكان هربه سلخ رمضان وكانت مدة مقامه أربعة وعشرين يومًا‏.‏

لما هرب البريدي استولى كورتكين على الأمور ببغداد ودخل إلى المتقي لله فقلده إمارة الأمراء وخلع عليه واستدعى المتقي علي بن عيسى وأخاه عبد الرحمن بن عيسى فأمر عبد الرحمن فدبر الأمر من غير تسمية بوزارة ثم إن كورتكين قبض تكينك التركي خامس شوال وغرقه وتفرد بالأمر ثم أن العامة اجتمعوا يوم الجمعة سادس شوال وتظلموا من الديلم ونزولهم في دورهم فلم ينكر ذلك فمنعت العامة الخطيب من الصلاة واقتتلوا هم والديلم فقتل من الفريقين جماعة‏.‏

ذكر عود ابن رائق إلى بغداد

في هذه السنة عاد أبو بكر محمد بن رائق من الشام إلى بغداد وصار أمير الأمراء‏.‏

وكان سبب ذلك أن الأتراك البجكمية لما ساروا إلى الموصل لم يروا عند ابن حمدان ما يريدون فساروا نحو الشام إلى ابن رائق وكان فيهم من القواد توزون وخجخج ونوشتكين وصيغون فلما وصلوا إليه أطمعوه في العود إلى العراق ثم وصلت إليه كتب المتقي يستدعيه فسار من دمشق في العشرين من رمضان واستخلف على الشام أبا الحسن أحمد بن علي بن مقاتل فلما وصل إلى الموصل تنحى عن طريقه ناصر الدولة بن حمدان فتراسلا واتفقا على أن يتصالحا وحمل ابن حمدان إليه مائة ألف دينار وسار ابن رائق إلى بغداد فقبض كورتكين على القراريطي الوزير واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي في ذي القعدة وكانت وزارة القراريطي ثلاثة وأربعين يومًا وبلغ خبر ابن رائق إلى أبي عبدالله البريدي فسير إخوته إلى واسط فدخلوها وأخرجوا الديلم عنها وخطبوا له بواسط وخرج كورتكين عن بغداد إلى عكبرا ووصل إليه ابن رائق فوقعت الحرب بينهم واتصلت عدة أيام‏.‏

فلما كان ليلة الخميس لتسع بقين من ذي الحجة سار ابن رائق ليلًا من عكبرا هو وجيشه فأصبح ببغداد فدخلها من الجانب الغربي هو وجميع جيشه ونزل في النجمي وعبر من الغد إلى الخليفة فلقيه وركب المتقي لله معه في دجلة ثم عاد ووصل هذا اليوم بعد الظهر كورتكين مع جميع جيشه من الجانب الشرقي وكانوا يستهزئون بأصحاب ابن رائق ويقولون‏:‏ أين نزلت هذه القافلة الواصلة من الشام ونزلوا بالجانب الشرقي‏.‏

ولما دخل كورتكين بغداد أيس ابن رائق من ولايتها فأمر بحمل أثقاله والعود إلى الشام فرفع الناس أثقالهم ثم إنه عزم أن يناوشهم شيئًا من قتال قبل مسيره فأمر طائفة من عسكره أن يعبروا دجلة ويأتوا الأتراك من ورائهم ثم إنه ركب في سميرية وركب معه عدة من أصحابه في عشرين سميرية ووقفوا يرمون الأتراك بالنشاب‏.‏

وصل أصحابه وصاحوا من خلفهم واجتمعت العامة مع أصحاب ابن رائق يضجون فظن كورتكين أن العسكر قد جاءه من خلفه ومن بين يديه فانهزم هو وأصحابه واختفى هو ورجمهم العامة بالآجر وغيره‏.‏

وقوي أمر ابن رائق وأخذ من استأمن إليه من الديلم فقتلهم عن آخرهم وكانوا نحو أربعمائة فلم يسلم منهم غير رجل واحد اختفى بين القتلى وحمل معهم في الجواليق وألقي في دجلة فسلم وعاش بعد ذلك دهرًا وقتل الأسرى من قواد الديلم وكانوا بضعة عشر رجلًا وخلع المتقي على ابن رائق وجعله أمير الأمراء وأمر أبا جعفر الكرخي بلزوم بيته وكانت وزارته ثلاثة وثلاثين يومًا واستولى أحمد الكوفي على الأمر فدبره ثم ظفر ابن رائق بكورتكين فحبس بدار الخليفة‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة كان بالعراق غلاء شديد فاستسقى الناس في ربيع الأول فسقوا مطرًا قليلًا لم يجر منه ميزاب ثم اشتد الغلاء والوباء وكثر الموت حتى كان يدفن الجماعة في القبر الواحد ولا يغسلون ولا يصلى عليهم ورخص العقار ببغداد والأثاث حتى بيع ما ثمنه دينار بدرهم‏.‏

وانقضى تشرين الأول وتشرين الثاني والكانونان وشباط ولم يجيء غير المطرة التي عند الاستسقاء ثم جاء المطر في آذار ونيسان‏.‏

وفيها في شوال استوزر المتقي لله أبا إسحاق محمد بن أحمد الإسكافي المعروف بالقراريطي بعد عود بني البريدي من بغداد وجعل بدرًا الخرشني حاجبه فبقي وزيرًا إلى الخامس والعشرين من ذي القعدة فقبض عليه كورتكين وكانت وزارته ثلاثة وأربعين يومًا واستوزر بعده أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي فبقي وزيرًا إلى الثامن والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة فعزله ابن رائق لما استولى على الأمور ببغداد فكانت وزارته اثنين وثلاثين يومًا ودبر الأمور أبو عبدالله الكوفي كاتب ابن رائق من غير تسمية بوزارة‏.‏

وفيها عاد الحجاج إلى العراق ولم يصلوا إلى المدينة بل سلكوا الجادة بسبب طالبي ظهر بتلك الناحية وقوي أمره‏.‏

وفيها كثرت الحميات ووجع المفاصل في الناس ومن عجل الفصاد بريء وإلا طال مرضه‏.‏

وفي أيام الراضي توفي أبو بشر أخو متى بن يونس الحكيم الفيلسوف وله تصانيف في شرح كتب أرسطاطاليس‏.‏

وفيها في ذي الحجة مات بختيشوع بن يحيى الطبيب‏.‏

وفيها مات محمد بن عبدالله البلغمي وزير السعيد نصر بن أحمد صاحب خراسان وكان من عقلاء الرجال وكان نصر قد صرفه عن وزارته سنة ست وعشرين وثلاثمائة وجعل مكانه محمد بن محمد الجيهاني‏.‏

وفيها توفي أبو كر محمد بن المظفر بن محتاج ودفن بالصغانيان وأبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري رئيس الحنابلة توفي مستترًا ودفن في تربة نصر القشوري وكان عمره ستًا وسبعين سنة‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاثين وثلاثمائة

ذكر وزارة البريدي


في هذه السنة وزر أبو عبدالله البريدي للمتقي لله‏.‏

وكان سبب ذلك أن ابن رائق استوحش من البريدي لأنه أخر حمل المال وانحدر إلى واسط عاشر المحرم فهرب بنو البريدي إلى البصرة وسعى لهم أبو عبدالله الكوفي حتى عادوا وضمنوا بقايا واسط بمائة وتسعين ألف دينار وضمنوها كل سنة بستمائة ألف دينار‏.‏

وعاد ابن رائق إلى بغداد فشغب الجند عليه ثاني ربيع الآخر وفيهم توزون وغيره من القواد ورحلوا في العشر الآخر من ربيع الآخر إلى أبي عبدالله البريدي بواسط فلما وصلوا إليه قوي بهم فاحتاج ابن رائق إلى مداراته فكاتب أبا عبدالله البريدي بالوزارة وأنفذ له الخلع واستخلف أبا عبدالله بن شيرزاد ثم وردت الأخبار إلى بغداد بعزم البريدي على الإصعاد إلى بغداد فأزال ابن رائق اسم الوزارة عنه وأعاد أبا إسحاق القراريطي ولعن بني البريدي على المنابر بجانبي بغداد‏.‏

ذكر استيلاء البريدي على بغداد وإصعاد المتقي إلى الموصل

وسير أبو عبدالله البريدي أخاه أبا الحسين إلى بغداد في جميع الجيش من الأتراك والديلم وعزم ابن رائق على أن يتحصن بدار الخليفة فأصلح سورها ونصب عليه العرادات والمنجنيقات وعلى دجلة وانهض العامة وجند بعضهم فثاروا في بغداد وأحرقوا ونهبوا وأخذوا الناس ليلًا ونهارًا‏.‏

وخرج المتقي لله وابن رائق إلى نهر ديالي منتصف جمادى الآخرة ووافاهم أبو الحسين عنده في الماء والبر واقتتل الناس وكانت العامة على شاطئ دجلة في الجانبين يقاتلون من في الماء من أصحاب البريدي وانهزم أهل بغداد واستولى أصحاب البريدي على دار الخليفة ودخلوا إليها في الماء وذلك لتسع بقين من جمادى الآخرة وهرب المتقي وابنه الأمير أبو منصور في نحو عشرين فارسًا ولحق بهما ابن رائق في جيشه فساروا جميعًا نحو الموصل واستتر الوزير القراريطي وكانت مدة وزارته الثانية أربعين يومًا وإمارة ابن رائق ستة أشهر وقتل أصحاب البريدي من وجدوا في دار الخليفة من الحاشية ونهبوها ونهبوا دور الحرم‏.‏

وكثر النهب في بغداد ليلًا ونهارًا وأخذوا كورتكين من حبسه وأنفذه أبو الحسين إلى أخيه بواسط فكان آخر العهد به ولم يتعرضوا للقاهر بالله ونزل أبو الحسين بدار مؤنس التي يسكنها ابن رائق وعظم النهب فأقام أبو الحسين توزون على الشرطة بشرقي بغداد وجعل نوشتكين على شركة الجانب الغربي فسكن الناس شيئًا يسيرًا وأخذ أبو الحسين البريدي رهائن القواد الذين مع توزون وغيره وأخذ نساءهم وأولادهم فسيرهم إلى أخيه أبي عبدالله بواسط‏.‏

ذكر ما فعله البريدي ببغداد

لما استولى على بغداد أخذ أصحابه في النهب والسلب وأخذ الدواب وجعلوا طلبها طريقًا إلى غيرها من الأثاث وكبست الدور وأخرج أهلها منها ونزلت وعظم الأمر وجعل على كر من الحنطة والشعير وأصناف الحبوب خمسة دنانير وغلت الأسعار فبيع كر الحنطة بثلاثمائة وستة عشر دينارًا والخبز الخشكوار رطلين بقيراطين صحيح أميري وحبط أهل الذمة وأخذ القوي بالضعيف وورد من الكوفة وسوادها خمسمائة كر من الحنطة والشعير فأخذه جميعه وادعى أنه للعامل بتلك الناحية‏.‏

ووقعت الفتن بين الناس فمن ذلك أنه كان معه طائفة من القرامطة فجرى بينهم وبين الأتراك حرب قتل فيها جماعة وانهزم القرامطة وفارقوا بغداد ووقعت حرب بين الديلم والعامة قتل فيها جماعة من حد نهر طابق إلى القنطرة الجديدة‏.‏

وفي آخر شعبان زاد البلاء على الناس فكبسوا منازلهم ليلًا ونهارًا واستتر أكثر العمال لعظيم ما طولبوا به مما ليس في السواد وافترق الناس فخرج الناس وأصحاب السلطان إلى قرب من بغداد فحصدوا ما استحصدوا من الحنطة والشعير وحملوه بسنبله إلى منازلهم وكان مع ذلك ينهب ويعسف أهل العراق ويظلمهم ظلمًا لم يسمع بمثله قط والله المستعان‏.‏

وإنما ذكرنا هذا الفصل ليعلم الظلمة أن أخبارهم تنقل وتبقى على وجه الدهر فربما تركوا الظلم لهذا أن لم يتركوه لله سبحانه وتعالى‏.‏

وولاية ابن حمدان إمرة الأمراء كان المتقي لله قد أنفذ إلى ناصر الدولة بن حمدان يستمده على البريديين فأرسل أخاه سيف الدولة علي بن عبدالله بن حمدان نجدةً له في جيش كثيف فلقي المتقي وابن رائق بتكريت قد انهزما فخدم سيف الدولة للمتقي خدمة عظيمة وسار معه إلى الموصل ففارقها ناصر الدولة إلى الجانب الشرقي وتوجه نحو معلثايا وترددت الرسل بينه وبين ابن رائق حتى تعاهدا واتفقا فحضر ناصر الدولة ونزل على دجلة بالجانب الشرقي فعبر إليه الأمير أبو منصور بن المتقي وابن رائق يسلمان عليه فنثر الدنانير والدراهم على ولد المتقي فلما أرادوا الانصراف من عنده ركب ابن المتقي وأراد ابن رائق الركوب فقال له ناصر الدولة‏:‏ تقيم اليوم عندي لنتحدث فيما نفعله فاعتذر ابن رائق بابن المتقي فألح عليه ابن حمدان فاستراب به وجذب كمه من يده فقطعه وأراد الركوب فشب به الفرس فسقط فصاح به ابن حمدان بأصحابه‏:‏ أقتلوه‏!‏ فقتلوه وألقوه في دجلة‏.‏

وأرسل ابن حمدان إلى المتقي يقول‏:‏ إنه علم أن ابن رائق أراد أن يغتاله ففعل به ما فعل فرد عليه المتقي ردًا جميلًا وأمره بالمسير إليه فسار ابن حمدان إلى المتقي لله فخلع عليه ولقبه ناصر الدولة وجعله أمير الأمراء وذلك مستهل شعبان وخلع على أخيه أبي الحسين علي ولقبه سيف الدولة‏.‏

وكان قتل ابن رائق يوم الاثنين لتسع بقين من رجب ولما قتل ابن رائق سار الإخشيد من مصر إلى دمشق وكان بها محمد بن يزداد خليفة ابن رائق فاستأمن إلى الإخشيد وسلم إليه دمشق فأقره عليها ثم نقله عنها إلى مصر وجعله على شرطتها ويقال إن لابن رائق شعرًا منه‏:‏ يصفّر وجهي إذا تأمّله طرفي ويحمرّ وجهه خجلا حتّى كأنّ الذي بوجنته من دم قلبي إليه قد نقلا وقد قيل إنها للراضي بالله وقد تقدم‏.‏

ذكر عود المتقي إلى بغداد وهرب البريدي عنها

لما استولى أبو الحسين البريدي على بغداد وأساء السيرة كما ذكرناه نفرت عنه قلوب الناس العامة والأجناد فلما قتل ابن رائق سارع الجند إلى الهرب من البريدي فهرب خجخج إلى المتقي وكان قد استعمله البريدي على الراذانات وما يليها ثم تحالف توزون ونوشتكين والأتراك على كبس أبي الحسين البريدي فغدر نوشتكين فأعلم البريدي الخبر فاحتاط وأحضر الديلم عنده وقصده توزون فحاربه الديلم وعلم توزون غدر نوشتكين به فعاد ومعه جملة وافرة من الأتراك وسار نحو الموصل خامس رمضان فقوي بهم ابن حمدان وعزم على الانحدار إلى بغداد وتجهز وانحدر هو والمتقي واستعمل على أعمال الخراج والضياع بديار مضر وهي الرها وحران والرقة أبا الحسن علي بن طياب وسيره من الموصل‏.‏

وكان على ديار مضر أبو الحسين أحمد بن علي بن مقاتل خليفة لابن رائق فاقتتلوا فقتل أبو الحسين بن مقاتل واستولى ابن طياب عليها فلما قارب المتقي لله وناصر الدولة بن حمدان بغداد هرب أبو الحسين منها إلى واسط واضطرت العامة ببغداد ونهب الناس بعضهم بعضًا وكان مقام أبي الحسين ببغداد ثلاثة أشهر وعشرين يومًا ودخل المتقي لله إلى بغداد ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة واستوزر المتقي أبا إسحاق القراريطي وقلد توزون شرطة جانبي بغداد وذلك في شوال‏.‏

ذكر الحرب بين ابن حمدان والبريدي

لما هرب أبو الحسين البريدي إلى واسط ووصل بنو حمدان والمتقي إلى بغداد خرج بنو حمدان عن بغداد نحو واسط وكان أبو الحسين قد سار من واسط إليهم ببغداد فأقام ناصر الدولة بالمدائن وسير أخاه سيف الدولة وابن عمه أبا عبدالله الحسين بن سعيد بن حمدان في الجيش إلى قتال أبي الحسين فالتقوا تحت المدائن بفرسخين واقتتلوا عدة أيام آخرها رابع ذي الحجة وكان توزون وخجخج والأتراك مع ابن حمدان فانهزم سيف الدولة ومن معه إلى المدائن وبها ناصر الدولة فردهم وأضاف إليهم من كان عنده من الجيش فعاودوا القتال فانهزم أبو الحسين البريدي وأسر جماعة من أعيان أصحابه وقتل جماعة وعاد أبو الحسين البريدي منهزمًا إلى واسط ولم يقدر سيف الدولة على اتباعه إليها لما في أصحابه من الوهن والجراح‏.‏

وكان المتقي قد سير أهله من بغداد إلى سر من رأى فأعادهم وكان أعيان الناس قد هربوا من بغداد فلما انهزم البريدي عادوا إليها وعاد ناصر الدولة بن حمدان إلى بغداد فدخلها ثالث عشر ذي الحجة وبين يديه الأسرى على الجمال ولما استراح سيف الدولة وأصحابه انحدروا من موضع المعركة إلى واسط فرأوا البريديين قد انحدروا إلى البصرة فأقام بواسط ومعه الجيش وسنذكر من أخباره سنة إحدى وثلاثين‏.‏

ولما عاد ناصر الدولة إلى بغداد نظر في العيار فرآه ناقصًا فأمر بإصلاح الدنانير فضرب دنانير سماها الإبريزية عيارها خير من غيرها فكان الدينار بعشرة دراهم فبيع هذا الدينار

ذكر استيلاء الديلم على أذربيجان

كانت أذربيجان بيد ديسم بن إبراهيم الكردي وكان قد صحب يوسف ابن أبي الساج وخدم وتقدم حتى استولى على أذربيجان وكان يقول بمذهب الشراة هو وأبوه وكان أبوه من أصحاب هارون الشاري فلما قتل هارون هرب إلى أذربيجان وتزوج ابنة رئيس من أكرادها فولدت له ديسم فانضم إلى أبي الساج فارتفع وكبر شأنه وتقدم إلى أن ملك أذربيجان بعد يوسف بن أبي الساج وكان معظم جيوشه الأكراد إلا نفرًا يسيرًا من الديلم من عسكر وشمكير أقاموا عنده حين صحبوه إلى أذربيجان‏.‏

ثم إن الأكراد تقووا وتحكموا عليه وتغلبوا على بعض قلاعه وأطراف بلاده فرأى أن يستظهر عليهم بالديلم فاستكثر ذلك منهم وكان فيهم صعلوك بن محمد بن مسافر وعلي بن الفضل وغيرهما فأكرمهم ديسم وأحسن إليهم وانتزع من الأكراد ما تغلبوا عليه من بلاده وقبض على جماعة من رؤسائهم‏.‏

وكان وزيره أبا القاسم علي بن جعفر وهو من أهل أذربيجان فسعى به أعداؤه فأخافه ديسم فهرب إلى الطرم إلى محمد بن مسافر فلما وصل إليه رأى ابنيه وهسوذان والمرزبان قد استوحشا منه واستوليا على بعض قلاعه وكان سبب وحشتهما سوء معاملته معهما ومع غيرهما ثم إنهما قبضا على أبيهما محمد بن مسافر وأخذا أمواله وذخائره وبقي في حصن آخر وحيدًا فريدًا بغير مال ولا عدة فرأى علي بن جعفر الحال فتقرب إلى المرزبان وخدمه وأطمعه في أذربيجان وضمن له تحصيل أموال كثيرة يعرف هو وجوهها فقلده وزارته‏.‏

وكان يجمعهما مع الذي ذكرنا أنهما كانا من الشيعة فإن علي بن جعفر كان من دعاة الباطنية والمرزبان مشهور بذلك وكان ديسم كما ذكرنا يذهب إلى مذهب الخوارج في بغض علي عليه السلام فنفر عنه من عنده من الديلم وابتدأ علي بن جعفر فكاتب من يعلم أنه يستوحش من ديسم يستميله إلى أن أجابه أكثر أصحابه وفسدت قلوبهم على ديسم وخاصة الديلم وسار المرزبان إلى أذربيجان وسار ديسم إليه فلما التقيا للحرب عاد الديلم إلى المرزبان وتبعهم كثير من الأكراد مستأمنين فحمل المرزبان على ديسم فهرب في طائفة يسيرة من أصحابه إلى أرمينية واعتصم بحاجيق بن الديراني لمودة بينهما فأكرمه واستانف ديسم يؤلف الأكراد وكان أصحابه يشيرون عليه بإبعاد الديلم لمخالفتهم أياه في الجنس والمذهب فعصاهم وملك المرزبان أذربيجان واستقام أمره إلى أن فسد ما بينه وبين وزيره علي ابن جعفر‏.‏

وكان سبب الوحشة بينهما أن عليًا أساء السيرة مع أصحاب المرزبان فتضافروا عليه فأحس بذلك فاحتال على المرزبان فأطمعه في أموال كثيرة يأخذها له من بلد تبريز فضم إليه جندًا من الديلم وسيرهم إليها فاستمال أهل البلد فعرفهم أن المرزبان إنما سيره إليهم ليأخذ أموالهم وحسن لهم قتل من عندهم من الديلم ومكاتبة ديسم ليقدم عليهم فأجابوه إلى ذلك‏.‏

وكاتب ديسم ووثب أهل البلد بالديلم فقتلوهم وسار ديسم فيمن اجتمع إليه من العسكر إلى تبريز وكان المرزبان قد ساء إلى من استأمن إليه من الأكراد فلما سمعوا بديسم أنه يريد تبريز ساروا إليه فلما اتصل ذلك بالمرزبان ندم على إيحاش علي بن جعفر ثم جمع عسكره وسار إلى تبريز فتحارب هو وديسم بظاهر تبريز فانهزم ديسم والأكراد وعادوا فتحصنوا بتبريز وحصرهم المرزبان وأخذ في إصلاح علي بن جعفر ومراسلته وبذل له الأيمان على ما يريده فأجابه علي‏:‏ إنني لا أريد من جميع ما بذلته إلى السلامة وترك العمل فأجابه إلى ذلك وحلف له‏.‏

واشتد الحصار على ديسم فسار من تبريز إلى أردبيل وخرج علي ابن جعفر إلى المرزبان فساروا إلى أردبيل وترك المرزبان على تبريز من يحصرها وحصر هو ديسم بأردبيل فلما طال الحصار عليه طلب الصلح وراسل المرزبان في ذلك فأجابه إليه فاصطلحا وتسلم المرزبان أردبيل فأكرم ديسم وعظمه ووفى له بما حلف له عليه ثم إن ديسم خاف على نفسه من المرزبان فطلب منه أن يسيره إلى قلعته بالطرم فيكون فيها هو وأهله ويقنع بما يتحصل له منها ولا يكلفه شيئًا آخر ففعل المرزبان ذلك وأقام ديسم بقلعته هو وأهله‏.‏

ذكر استيلاء أبي علي بن محتاج على بلد الجبل وطاعة وشمكير للسامانية

قد ذكرنا سنة تسع وعشرين مسير أبي علي بن محتاج صاحب جيوش خراسان للسامانية إلى الري وأخذها من وشمكير ومسير وشمكير إلى طبرستان وأقام أبو علي بالري بعد ملكها تلك الشتوة وسير العساكر إلى بلد الجبل فافتتحها واستولى على زنكان وأبهر وقزوين وقم وكرج وهمذان ونهاوند والدينور إلى حدود حلوان ورتب فيها العمال وجبى أموالها‏.‏

وكان الحسن بن الفيرزان بسارية فقصده وشمكير وحصره فسار إلى أبي علي واستنجده وأقام وشمكير متحصنًا بسارية فسار إليه أبو علي ومعه الحسن وحصراه بها سنة ثلاثين وضيق عليه وألح عليه بالقتال كل يوم وهم في شتاء شاتٍ كثير المطر فسأل وشمكير المواعدة فصالحه أبو علي وأخذ رهائنه على لزوم طاعة الأمير نصر بن أحمد الساماني ورحل عنه إلى جرجان في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة فأتاه موت الأمير نصر بن أحمد فسار عنها إلى خراسان‏.‏

كان الحسن بن الفيرزان عم ما كان بن كالي وكان قريبًا منه في الشجاعة فلما قتل ما كان راسله وشمكير ليدخل في طاعته فلم يفعل وكان بمدينة سارية وصار يسب وشمكير وينسبه إلى المواطأة على قتل ما كان فقصده وشمكير فسار الحسن من سارية إلى أبي علي صاحب جيوش خراسان فسار معه أبو علي من الري فحصر وشمكير بسارية وأقام يحاصره إلى سنة إحدى وثلاثين واصطلحا‏.‏

وعاد أبو علي إلى خراسان وأخذ ابنًا لوشمكير اسمه سالار رهينة وصحبه الحسن بن الفيرزان وهو كاره للصلح فبلغه وفاة السعيد نصر بن أحمد صاحب خراسان فلما سمع الحسن ذلك عزم على الفتك بأبي علي فثار به وبعسكره فسلم أبو علي ونهب الحسن سواده وأخذ ابن وشمكير وعاد إلى جرجان فملكها وملك الدامغان وسمنان ولما وصل أبو علي إلى نيسابور رأى إبراهيم بن سيمجور الدواتي قد امتنع عليه بها وخالفه فترددت الرسل بينهم فاصطلحوا‏.‏

ذكر ملك وشمكير الري

لما انصرف أبو علي إلى خراسان وجرى عليه من الحسن ما ذكرناه وعاد إلى جرجان سار وشمكير من طبرستان إلى الري فملكها واستولى عليها وراسله الحسن بن الفيرزان يستميله ورد عليه ابنه سالار الذي كان عند أي علي رهينة وقصد أن يتقوى به على الخراسانية أن عادوا إليه فألان له وشمكير الجواب ولم يصرح بما يخالف قاعدته مع أبي علي‏.‏

ذكر استيلاء ركن الدولة على الري

لما سمع ركن الدولة وأخوه عماد الدولة ابنا بويه بملك وشمكير الري طمعا فيه لأن وشمكير كان قد ضعف وقلت رجاله وماله بتلك الحادثة مع أبي علي فسار ركن الدولة الحسن بن بويه إلى الري واقتتل هو وشمكير فانهزم وشمكير واستأمن كثير من رجاله إلى ركن الدولة فسار وشمكير إلى طبرستان فقصده الحسن بن الفيرزان فاستأمن إليه كثير من عسكره أيضًا فانهزم وشمكير إلى خراسان‏.‏

ثم إن الحسن بن الفيرزان راسل ركن الدولة وواصله فتزوج ركن الدولة بنتًا للحسن فولدت له ولده فخر الدولة عليًا‏.‏

وكان ينبغي أن نذكر هذه الحوادث بعد وفاة السعيد نصر بن أحمد وإنما ذكرناها هاهنا ليتلو بعضها بعضًا‏.‏

في هذه السنة صرف بدر الخرشني عن حجبة الخليفة وجعل مكانه سلامة الطولوني‏.‏

وفيها ظهر كوكب في المحرم بذنب عظيم في أول برج القوس وآخر برج العقرب بين الغرب والشمال وكان رأسه في المغرب وذنبه في المشرق وكان عظيمًا منتشر الذنب وبقي ظاهرًا ثلاثة عشر يومًا وسار في القوس والجدي ثم اضمحل‏.‏

وفيها اشتد الغلاء لا سيما بالعراق وبيع الخبز أربعة أرطال بقيراطين صحيح أميري وأكل الضعفاء الميتة وكثر الوباء والموت جدًا‏.‏

وفيها في ربيع الآخر وصل الروم إلى قرب حلب ونهبوا وخربوا البلاد وسبوا نحو خمسة عشر ألف إنسان‏.‏

وفيها دخل الثملي من ناحية طرسوس إلى بلاد الروم فقتل وسبى وغنم وعاد سالمًا وقد أسر عدة من بطارقتهم المشهورين‏.‏

وفيها في ذي القعدة قلد المتقي لله بدرًا الخرشني طريق الفرات فسار إلى الإخشيد مستأمنًا فقلده بلدة دمشق فلما كان بعد مدة حم ومات بها‏.‏

وفيها في جمادي الآخرة ولد أبو منصور بويه بن ركن الدولة بن بويه وهو مؤيد الدولة‏.‏

وفيها توفي أبو بكر محمد بن عبدالله المعروف بالصيرفي الفقيه الشافعي وله تصانيف في أصول وفيها توفي القاضي أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل المحاملي الفقيه الشافعي وهو من المكثرين في الحديث وكان مولده سنة خمس وثلاثين ومائتين وكان على قضاء الكوفة وفارس فاستعفى من القضاء وألح في ذلك فأجيب إليه‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري المتكلم صاحب المذهب المشهور وكان مولده سنة ستين ومائتين وهو من ولد أبي موسى الأشعري‏.‏

وفيها مات محمد بن محمد الجيهاني وزير السعيد نصر بن أحمد تحت الهدم‏.‏

وفيها توفي محمد بن يوسف بن النضر الهروي الفقيه الشافعي وكان مولده سنة تسع وعشرين ومائتين وأخذ عن الربيع بن سليمان صاحب الشافعي وتعلم منه‏.‏