المجلد الثامن - ذكر ملك يمين الدولة قصدار

ثم دخلت سنة اثنتين وأربعمائة

في هذه السنة استولى يمين الدولة على قصدار وملكها‏.‏

وسبب ذلك أن ملكها كان قد صالحه على قطيعة يؤديها إليه ثم قطعها اغترارًا بحصانة بلده وكثرة المضايق في الطريق واحتمى بايلك الخان وكان يمين الدولة يريد قصدها فيتقي ناحية ايلك الخان‏.‏

فلما فسد ذات بينهما صمم العزم وقصدها وتجهز وأظهر أنه يريد هراة فسار من غزنة في جمادى الأولى فلما استقل على الطريق سار نحو قصدار فسبق خبره وقطع تلك المضايق والجبل فلم يشعر صاحبها إلا وعسكر يمين الدولة قد أحاط به ليلًا فطلب الأمان فأجابه وأخذ منه المال الذي كان قد اجتمع عنده وأقره على ولايته وعاد‏.‏

ذكر أسر صالح بن مرداس

في هذه السنة كانت وقعة بين أبي نصر بن لؤلؤ صاحب حلب وبين صالح بن مرداس وكان ابن لؤلؤ من موالي سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان فقوي على ولد سعد الدولة وأخذ البلد منه وخطب للحاكم صاحب مصر ولقبه الحاكم مرتضى الدولة‏.‏

ثم فسد ما بينه وبين الحاكم فطمع فيه ابن مرداس وبنو كلاب وكانوا يطالبونه بالصلات والخلع‏.‏

ثم إنهم اجتمعوا هذه السنة في خمسمائة فارس ودخلوا مدينة حلب فأمر ابن لؤلؤ بإغلاق الأبواب والقبض عليهم فقبض على مائة وعشرين رجلًا منهم صالح بن مرداس وحبسهم وقتل مائتين وأطلق من لم يفكر به‏.‏

وكان صالح قد تزوج بابنة عم له يسمى جابرًا وكانت جميلة فوصفت لابن لؤلؤ فخطبها إلى إخوتها وكانوا في حبسه فذكروا له أن صالحًا قد تزوجها فلم يقبل منهم وتزوجها ثم أطلقهم وبقي صالح بن مرداس في الحبس فتوصل حتى صعد من السور وألقى نفسه من أعلى القلعة إلى تلها واختفى في مسيل ماء‏.‏

ووقع الخبر بهربه فأرسل ابن لؤلؤ الخيل في طلبه فعادوا ولم يظفروا به‏.‏

فلما سكن عنه الطلب سار بقيده ولبنة حديد في رجليه حتى وصل قريبة تعرف بالياسرية فرأى ناسًا من العرب فعرفوه وحملوه إلى أهله بمرج دابق فجمع ألفي فارس فقصد حلب وحاصرها اثنين وثلاثين يومًا فخرج إليه ابن لؤلؤ فقاتله فهزمهم صالح وأسر ابن لؤلؤ وقيده بقيده الذي كان في رجله ولبنته‏.‏

وكان لابن لؤلؤ أخٌ فنجا وحفظ مدينة حلب‏.‏

ثم إن ابن لؤلؤ بذل لابن مرداس مالًا على أن يطلقه فلما استقر الحال بينهما أخذ رهائنه وأطلقه فقالت أم صالح لابنها‏:‏ قد أعطاك الله ما لا كنت تؤمله فإن رأيت أن تتم صنيعك بإطلاق الرهائن فهو المصلحة فإنه إن أراد الغدر بك لا يمنعه من عندك فأطلقهم فلما دخلوا البلد حمل ابن لؤلؤ إليه أكثر مما استقر وكان قد تقرر عليه مائتا ألف دينار ومائة ثوب وإطلاق كل أسير عنده من بني كلاب‏.‏

فلما انفصل الحال ورحل صالح أراد ابن لؤلؤ قبض غلامه فتح وكان دزدار القلعة لأنه اتهمه بالممالأة على الهزيمة وكان خلاف ظنه فأطلع على ذلك غلامًا له اسمه سرور وأراد أن يجعله مكان فتح فأعلم سرور بعض أصدقائه ويعرف بابن غانم‏.‏

وسبب إعلامه أنه حضر عنده وكان يخاف ابن لؤلؤ لكثرة ماله فشكا إلى سرور ذلك فقال له‏:‏ سيكون أمر تأمن معه فسأله فكتمه فلم يزل يخدعه حتى أعلمه الخبر‏.‏

وكان بين ابن غانم وبين فتح مودة فصعد إليه بالقلعة متنكرًا فأعلمه الخبر وأشار عليه بمكاتبة الحاكم صاحب مصر وأمر ابن لؤلؤ أخاه أبا الجيش بالصعود إلى القلعة بحجة افتقاد الخزائن فإذا صار فيها قبض على فتح وأرسل إلى فتح يعلمه أنه يريد افتقاد الخزائن ويأمره بفتح الأبواب‏.‏

فقال فتح‏:‏ إنني قد شربت اليوم دواء وأسأل تأخير الصعود في هذا اليوم فإنني لا أثق في فتح الأبواب لغيري وقال للرسول‏:‏ إذا لقيته فاردده‏.‏

فلما علم ابن لؤلؤ الحال أرسل والدته إلى فتح ليعلم سبب ذلك فلما صعدت إليه أكرمها وأظهر لها الطاعة فعادت وأشارت على أبنها بترك محاقته ففعل وأرسل إليه يطلب جوهرًا كان له بالقلعة فغالطه فتح ولم يرسله فسكت على مضض لعلمه أن المحاقة لا تفيد لحصانة القلعة وأشارت والدة ابن لؤلؤ عليه بأن يتمارض ويظهر شدة المرض ويستدعي الفتح لينزل إليه ليجعله وصيًا فإذا حضر قبضه‏.‏

ففعل ذلك فلم ينزل الفتح واعتذر وكاتب الحاكم وأظهر طاعته وخطب له وأظهر العصيان على أستاذه وأخذ من الحاكم صيدا وبيروت وكل ما في حلب من الأموال‏.‏

وخرج ابن لؤلؤ من حلب إلى إنطاكية وبها الروم فأقام عندهم‏.‏

وكان صالح بن مرداس قد مالأ الفتح على ذلك فلما عاد عن حلب استصحب معه والدة ابن لؤلؤ ونساءه وتركهن بمنبج وتسلم حلب نواب الحاكم وتنقلت بأيديهم حتى صارت بيد إنسان من الحمدانية يعرف بعزيز الملك فقدمه الحاكم واصطنعه وولاه حلب فلما قتل الحاكم وولي الظاهر عصى عليه فوضعت ست الملك أخت الحاكم فراشًا على قتله فقتله‏.‏

وكان للمصريين بالشام نائب يعرف بأنوشتكين البربري وبيده دمشق والرملة وعسقلان وغيرها فاجتمع حسان أمير بني طي وصالح بن مرداس أمير بني كلاب وسنان بن عليان وتحالفوا واتفقوا على أن يكون من حلب إلى عانة لصالح ومن الرملة إلى مصر لحسان ودمشق لسنان فسار حسان إلى الرملة فحصرها وبها أنوشتكين فسار عنها إلى عسقلان واستولى عليها حسان ونهبها وقتل أهلها وذلك سنة أربع عشرة وأربعمائة أيام الظاهر لإعزاز دين الله خليفة مصر‏.‏

وقصد صالح حلب وبها إنسان يعرف بابن ثعبان يتولى أمرها للمصريين وبالقلعة خادم يعرف بموصوف فأما أهل البلد فسلموه إلى صالح لإحسانه إليهم ولسوء سيرة المصريين معهم وصعد ابن ثعبان إلى القلعة فحصره صالح بالقلعة فغار الماء الذي بها فلم يبق لهم ما يشربون فسلم الجند القلعة إليه وذلك سنة أربع عشرة وملك من بعلبك إلى عانة وأقام بحلب ست سنين‏.‏

فلما كان سنة عشرين وأربعمائة جهز الظاهر صاحب مصر جيشًا وسيرهم إلى الشام لقتال صالح وحسان وكان مقدم العسكر أنوشتكين البربري فاجتمع صالح وحسان على قتاله فاقتتلوا بالأقحوانة على الأردن عند طبرية فقتل صالح وولده الأصغر وأنفذ رأساهما إلى مصر ونجا ولده أبو كامل نصر بن صالح فجاء إلى حلب وملكها وكان لقبه شبل الدولة‏.‏

فلما علمت الروم بإنطاكية الحال تجهزوا إلى حلب في عالم كثير فخرج أهلها فحاربوهم فهزموهم ونهبوا أموالهم وعادوا إلى إنطاكية وبقي شبل الدولة مالكًا لحلب إلى سنة تسع وعشرين وأربعمائة فأرسل إليه الدزبري العساكر المصرية وصاحب مصر حينئذ المستنصر بالله فلقيهم عند حماة فقتل في شعبان وملك الدزبري حلب في رمضان سنة تسع وعشرين وملك الشام جميعه وعظم أمره وكثر ماله وأرسل يستدعي الجند الأتراك من البلاد فبلغ المصريين عنه أنه عازم على العصيان فتقدموا إلى أهل دمشق بالخروج عن طاعته ففعلوا فسار عنها نحو حلب في ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وتوفي بعد ذلك بشهر واحد‏.‏

وكان أبو علوان ثمال بن صالح بن مرداس الملقب بمعز الدولة بالرحبة فلما بلغه موت الدزبري جاء إلى حلب فملكها تسليمًا من أهلها وحاصر امرأة الدزبري وأصحابه بالقلعة أحد عشر شهرًا وملكها في صفر سنة أربع وثلاثين فبقي فيها إلى سنة أربعين‏.‏

فأنفذ المصريون إلى محاربته أبا عبدالله بن ناصر الدولة بن حمدان فخرج أهل حلب إلى حربه فهزمهم واختنق منهم بالباب جماعة ثم إنه رحل عن حلب وعاد إلى مصر وأصابهم سيل ذهب بكثير من دوابهم وأثقالهم‏.‏

فأنفذ المصريون إلى قتال معز الدولة خادمًا يعرف برفق فخرج إليه في أهل حلب فقاتلوه فانهزم المصريون وأسر رفق ومات عندهم وكان أسره سنة إحدى وأربعين في ربيع ثم إن معز الدولة بعد ذلك أرسل الهدايا إلى المصريين وأصلح أمره معهم ونزل لهم عن حلب فأنفذوا إليها أبا علي الحسن بن علي بن ملهم ولقبوه مكين الدولة فتسلمها من ثمال في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وسار ثمال إلى مصر في ذي الحجة وسار أخوه أبو ذؤابة عطية بن صالح إلى الرحبة وأقام ابن ملهم بحلب فجرى بين بعض السودان وأحداث حلب حرب‏.‏

وسمع ابن ملهم أن بعض أهل حلب قد كاتب محمود بن شبل الدولة نصر ابن صالح يستدعونه ليسلموا البلد إليه فقبض على جماعة منهم وكان منهم رجل يعرف بكامل بن نباتة فخاف فجلس يبكي وكان يقول لكل من سأله عن بكائه‏:‏ إن أصحابنا الذين أخذوا قد قتلوا وأخاف على الباقين‏.‏

فاجتمع أهل البلد واشتدوا وراسلوا محمودًا وهو عنهم مسيرة يومٍ يستدعونه وحصروا ابن ملهم وجاء محمود وحصره معهم في جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين‏.‏

ووصلت الأخبار إلى مصر فسيروا ناصر الدولة أبا علي بن ناصر الدولة ابن حمدان في عسكرٍ بعد اثنين وثلاثين يومًا من دخول محمود حلب فلما قارب البلد خرج محمود عن حلب إلى البرية واختفى الأحداث جميعهم وكان عطية بن صالح نازلًا بقرب البلد وقد كره فعل محمود ابن أخيه فقبض ابن ملهم على مائة وخمسين من الأحداث ونهب وسط البلد وأخذ أموال الناس‏.‏

وأما ناصر الدولة فلم يمكن أصحابه من دخول البلد ونهبه وسار في طلب محمود فالتقيا بالغنيدق في رجب فانهزم أصحاب ابن حمدان وثبت هو فجرح وحمل إلى محمود أسيرًا فأخذه وسار إلى حلب فملكها وملك القلعة في شعبان سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة وأطلق ابن حمدان فسار هو وابن ملهم إلى مصر فجهز المصريون معز الدولة ثمال بن صالح إلى ابن أخيه فحصره في حلب في ذي الحجة من السنة فاستنجد محمود خاله منيع بن شبيب بن وثاب النميري صاحب حران فجاء إليه فلما بلغ ثمالًا مجيئه سار عن حلب إلى البرية في المحرم سنة ثلاث وخمسين وعاد منيع إلى حران فعاد ثمال إلى حلب وخرج إليه محمود ابن أخيه فاقتتلوا وقاتل محمود قتالًا شديدًا ثم انهزم محمود فمضى إلى أخواله بني نمير بحران وتسلم ثمال حلب في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وخرج إلى الروم فغزاهم ثم توفي بحلب في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وكان كريمًا حليمًا وأوصى بحلب لأخيه عطية بن صالح فملكها‏.‏

ونزل به قوم من التركمان مع ابن خان التركماني فقوي بهم فأشار أصحابه بقتلهم فأمر أهل البلد بذلك فقتلوا منهم جماعة ونجا الباقون فقصدوا محمودًا بحران واجتمعوا معه على حصار حلب فحصرها وملكها في رمضان سنة أربع وخمسين‏.‏

وقصد عمه عطية الرقة فملكها ولم يزل بها حتى أخذها منه شرف الدولة مسلم بن قريش وأرسل محمود التركمان مع أميرهم ابن خان إلى ارتاح فحصرها وأخذها من الروم سنة ستين وسار محمود إلى طرابلس فحصرها وأخذ من أهلها مالًا وعاد وأرسله محمود في رسالة إلى السلطان ألب أرسلان ومات محمود في حلب سنة ثمان وستين في ذي الحجة ووصى بها بعده لابنه مشيب فلم ينفذ أصحابه وصيته لصغره وسلموا البلد إلى ولده الأكبر واسمه نصر وجده لأمه الملك العزيز ابن الملك جلال الدولة ابن بويه وتزوجها عند دخولهم مصر لما ملك طغرلبك العراق‏.‏

وكان نصر يدمن شرب الخمر فحمله السكر على أن خرج إلى التركمان الذين ملكوا أباه البلد وهم بالحاضر يوم الفطر فلقوه وقبلوا الأرض بين يديه فسبهم وأراد قتلهم فرماه أحدهم بنشابة فقتله وملك أخوه سابق وهو الذي كان أبوه أوصى له بحلب فلما صعد القلعة استدعى أحمد شاه مقدم التركمان وخلع عليه وأحسن إليه وبقي فيها إلى سنة اثنتين وسبعين فقصده تتش بن ألب أرسلان فحصره بحلب أربعة أشهر ونصفًا ثم رحل عنه ونازله شرف الدولة فأخذ البلد منه على ما نذكره إن شاء الله تعالى فهذه جميع أخبار بني مرداس أتيت بها متتابعة لئلا تجهل إذا تفرقت‏.‏

لما فتح الملك فخر الدولة دير العاقول أتاه سلطان وعلوان ورجب أولاد ثمال الخفاجي ومعهم أعيان عشائرهم وضمنوا حماية سقي الفرات ودفع عقيل عنها وساروا معه إلى بغداد فأكرمهم وخلع عليهم وأمرهم بالمسير مع ذي السعادتين الحسن بن منصور إلى الأنبار فساروا فلما صاروا بنواحي الأنبار أفسدوا وعاثوا فقبض ذو السعادتين على نفر منهم ثم أطلقهم واستحلفهم على الطاعة والكف عن الأذى فأشار كاتب نصرانيٌ من أهل دقوقا على سلطان بن ثمال بالقبض على ذي السعادتين وأن يظهر أن عقيلًا قد أغاروا فإذا خرج عسكر ذي السعادتين انفرد به فأخذه‏.‏

فوصل إلى ذي السعادتين الخبر‏.‏

ثم إن سلطانًا أرسل إليه يقول له إن عقيلًا قد قاربوا الأنبار ويطلب منه إنفاذ العسكر فقال ذو السعادتين‏:‏ أنا أركب وآخذ العساكر ثم دافعه إلى أن فات وقت السير فانتقض على سلطان ما دبره فأرسل يقول‏:‏ قد أخذت جماعة من عقيل ثم إن ذا السعادتين صنع طعامًا كثيرًا وحضر عنده سلطان وكاتبه النصراني وجماعة من أعيان خفاجة فأمر أصحابه بقتل كثير منهم وقبض على سلطان وكاتبه وجماعته ونهب بيوتهم وما فيها وحبس سلطانًا ومن معه ببغداد حتى شفع فيهم أبو الحسن بن مزيد وبذل مالًا عنهم فأطلقوا‏.‏

وذكر ابن نباتة وغيره هذه الحادثة‏.

في هذه السنة كتب ببغداد محضر يتضمن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر وكتب فيه المرتضى وأخوه الرضي وابن البطحاوي العلوي وابن الأزرق الموسوي والزكي أبو يعلى عمر بن محمد ومن القضاة والعلماء ابن الأكفاني وابن الخرزي وأبو العباس الأبيوردي وأبو حامد الأسفراييني والكشفلي والقدوري والصيمري وأبو عبدالله بن البيضاوي وأبو الفضل النسوي وأبو عبدالله بن النعمان فقيه الشيعة وغيرهم وقد ذكرنا الاختلاف فيهم عند ابتداء دولتهم سنة ست وتسعين ومائتين‏.‏

ذكر أخذ بني خفاجة الحجاج

في هذه السنة سارت خفاجة إلى واقصة ونزحوا ماء البرمكي والريان وألقوا فيهما الحنظل ووصل الحجاج من مكة إلى العقبة فلقيهم خفاجة ومنعوهم الماء ثم قاتلوهم فلم يكن فيهم امتناع فأكثروا القتل وأخذوا الأموال ولم يسلم من الحاج إلا اليسير فبلغ الخبر فخر الملك الوزير ببغداد فسير العساكر في أثرهم وكتب إلى أبي الحسن علي بن مزيد يأمره بطلب العرب والأخذ منهم بثأر الحاج والانتقام فسار خلفهم فلحقهم وقد قاربوا البصرة فأوقعوا بهم فقتل منهم وأسر جمعًا كثيرًا وأخذ من أموال الحاج ما رآه وكان الباقي قد أخذه العرب وتفرقوا

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة توفي أبو الحسن بن اللبان الفرضي في ربيع الأول وتوفي في شهر رمضان عثمان بن عيسى أبو عمرو الباقلاني العابد وكان مجاب الدعوة رحمة الله عليه‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وأربعمائة

ذكر قتل قابوس


في هذه السنة قتل شمس المعالي قابوس بن وشمكير‏.‏

وكان سبب قتله أنه كان مع كثرة فضائله ومناقبه عظيم السياسة شديد الأخذ قليل العفو يقتل على الذنب اليسير فضجر أصحابه منه واستطالوا أيامه واتفقوا على خلعه والقبض عليه‏.‏

وكان حينئذ غائبًا عن جرجان فخفي عليه الأمر فلم يشعر ذات ليلة إلا وقد أحاط العسكر بباب القلعة التي كان بها وانتهبوا أمواله ودوابه وأرادوا استنزاله من الحصن فقاتلهم هو ومن معه من خواصه وأصحابه فعادوا ولم يظفروا به ودخلوا جرجان واستولوا عليها وعصوا عليه بها وبعثوا إلى ابنه منوجهر وهو بطبرستان يعرفونه الحال ويستدعونه ليولوه أمرهم فأسرع

السير نحوهم خوفًا من خروج الأمر عنه فالتقوا واتفقوا على طاعته إن هو خلع أباه فأجابهم إلى ذلك على كرهٍ‏.‏

وكان أبوه شمس المعالي قد سار نحو بسطام عند حدوث هذه الفتنة لينظر فيما تسفر عنه فأخذوا منوجهر معهم عازمين على قصد والده وإزعاجه من مكانه فسار معهم مضطرًا فلما وصل إلى أبيه أذن له وحده دون غيره فدخل عليه وعنده جمع من أصحابه المحامين عنه فلما دخل عليه تشاكيا ما هما فيه وعرض عليه منوجهر أن يكون بين يديه في قتال أولئك القوم ودفعهم وإن ذهبت نفسه‏.‏

فرأى شمس المعالي ضد ذلك وسهل عليه حيث صار الملك إلى ولده فسلم إليه خاتم الملك ووصاه بما يفعله واتفقا على أن ينتقل هو إلى قلعة جناشك يتفرغ للعبادة إلى أن يأتيه اليقين وينفرد منوجهر بتدبير الملك‏.‏

وسار إلى القلعة المذكورة مع من اختاره لخدمته وسار منوجهر إلى جرجان وتولى الملك وضبطه ودارى أولئك الأجناد وهم نافرون خائفون من شمس المعالي ما دام حيًا فما زالوا يحتالون ويجيلون الرأي حتى دخلوا إلى منوجهر وخوفوه من أبيه مثل ما جرى لهلال بن بدر مع أبيه وقالوا له‏:‏ مهما كان والدك في الحياة لا نأمن نحن ولا أنت واستأذنوه في قتله فلم يرد عليهم جوابًا فمضوا إليه إلى الدار التي هو فيها وقد دخل إلى الطهارة متخففًا فأخذوا ما عنده من كسوة وكان الزمان شتاء وكان يستغيث‏:‏ أعطوني ولو جل دابة‏!‏ فلم يفعلوا فمات من شدة البرد وجلس ولده للعزاء ولقب القادر بالله منوجهر فلك المعالي‏.‏

ثم إن منوجهر راسل يمين الدولة ودخل في طاعته وخطب له على منابر بلاده وخطب إليه أن يزوجه بعض بناته ففعل فقوي جنانه وشرع في التدبير على أولئك الذين قتلوا أباه فأبادهم بالقتل والتشريد‏.‏

وكان قابوس غزير الأدب وافر العلم له رسائل وشعر حسن وكان عالمًا بالنجوم وغيرها من العلوم فمن شعره‏:‏ قل للذي بصروف الدهر عيّرنا هل عاند الدهر إلا من له خطر أما ترى البحر يطفو فوقه جيفٌ وتستقرّ بأقصى قعره الدّرر فإن تكن نشبت أيدي الخطوب بنا ومسّنا من توالي صرفها ضرر ففي السماء نجومٌ غير ذي عدد وليس يكسف إلاّ الشمس والقمر

ذكر موت ايلك الخان وولاية أخيه طغان خان

في هذه السنة توفي ايلك الخان وهو يتجهز للعود إلى خراسان ليأخذ بثأره من يمين الدولة وكاتب قدرخان وطغان خان ليساعداه على ذلك‏.‏

فلما توفي ولي بعده أخوه طغان فراسل يمين الدولة وصالحه وقال له‏:‏ المصلحة للإسلام والمسلمين أن تشتغل أنت بغزو الهند وأشتغل أنا بغزو الترك وأن يترك بعضنا بعضًا فوافق ذلك هواه فأجابه إليه وزال الخلاف واشتغلا بغزو الكفار‏.‏

وكان ايلك الخان خيرًا عادلًا حسن السيرة محبًا للدين وأهله معظمًا للعلم وأهله محسنًا إليهم‏.‏

ذكر وفاة بهاء الدولة وملك سلطان الدولة

في هذه السنة خامس جمادى الآخرة توفي بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة بن بويه وهو الملك حينئذ بالعراق وكان مرضه تتابع الصرع مثل مرض أبيه وكان موته بأرجان وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن عند أبيه عضد الدولة وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وتسعة أشهر ونصفًا وملكه أربعًا وعشرين سنة‏.‏

ولما توفي ولي الملك بعده ابنه سلطان الدولة أبو شجاع وسار من أرجان إلى شيراز وولى

ذكر ولاية سليمان الأندلس الدولة الثانية

في هذه السنة ملك سليمان بن الحاكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر الأموي ولقب المستعين وهذه غير ولايته منتصف شوال على ما ذكرناه سنة أربعمائة وبايعه الناس وخرج أهل قرطبة إليه يسلمون عليه فأنشد متمثلًا‏:‏ إذا ما رأوني طالعًا من ثنيّةٍ يقولون من هذا وقد عرفوني يقولون لي أهلًا وسهلًا ومرحبًا ولو ظفروا بي ساعةً قتلوني وكان سليمان أديبًا شاعرًا بليغًا وأريق في أيامه دماء كثيرة لا تحد وقد تقدم ذكر ذلك سنة أربعمائة وكان البربر هم الحاكمين في دولته لا يقدر على خلافهم لأنهم كانوا عامة جنده وهم الذين قاموا معه حتى ملكوه وقد تقدم ذكر ذلك‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة خلع سلطان الدولة على أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي وهو أول من تقدم من أهل بيته‏.‏

وفيها تقلد الرضي الموسوي صاحب الديوان المشهور نقابة العلويين ببغداد وخلع عليه سواد وفيها توفي أبو بكر الخوارزمي واسمه محمد بن موسى الفقيه الحنفي وأبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي نقيب الكوفة وكان يسير الحاج عشر سنين وأبو عبدالله الحسن بن حامد بن علي بن مروان الفقيه الحنبلي وله تصانيف في الفقه والقاضي أبو بكر محمد بن الطيب المتكلم الأشعري‏:‏ وكان مالكي المذهب رثاه بعضهم فقال‏:‏ انظر إلى جبلٍ تمشي الرجال به وانظر إلى القبر ما يحوي من الصّلف وانظر إلى صارم الإسلام منغمدًا وانظر إلى درّة الإسلام في الصّدف وفيها قتل أبو الوليد عبدالله بن محمد المعروف بابن الفرضي الأندلسي‏:‏ بقرطبة قتله البربر‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وأربعمائة

ذكر فتح يمين الدولة ناردين


في هذه السنة سار يمين الدولة إلى الهند في جمع عظيم وحشد كثير وقصد واسطة البلاد من الهند فسار شهرين حتى قارب مقصده ورتب أصحابه وعساكره فسمع عظيم الهند به فجمع من عنده من قواده وأصحابه وبرز إلى جبل هناك صعب المرتقى ضيق المسلك فاحتمى به وطاول المسلمين وكتب إلى الهنود يستدعيهم من كل ناحية فاجتمع عليه منهم كل من يحمل سلاحًا فلما تكاملت عدته نزل من الجبل وتصاف هو والمسلمون واشتد القتال وعظم الأمر‏.‏

ثم إن الله تعالى منح المسلمين أكتافهم فهزموهم وأكثروا القتل فيهم وغنموا ما معهم من مالٍ وفيل وسلاح وغير ذلك‏.‏

ووجد في بيت بد عظيم حجرًا منقورًا دلت كتابته على أنه مبني منذ أربعين ألف سنة فعجب الناس لقلة عقولهم‏.‏

فلما فرغ من غزوته عاد إلى غزنة وأرسل إلى القادر بالله يطلب منه منشورًا وعهدًا بخراسان وما بيده من الممالك فكتب له ذلك ولقب نظام الدين‏.‏

ذكر ما فعله خفاجة دفعة أخرى

في هذه السنة جاء سلطان بن ثمال واستشفع بأبي الحسن بن مزيد إلى فخر الملك ليرضى عنه فأجابه إلى ذلك فأخذ عليه العهود بلزوم ما يحمد أمره فلما خرج وصلت الأخبار بأنهم نهبوا سواد الكوفة وقتلوا طائفة من الجند وأتى أهل الكوفة مستغيثين فسير فخر الملك إليهم عسكرًا وكتب إلى ابن مزيد وغيره بمحاربتهم فسار إليهم وأوقع بهم بنهر الرمان وأسر محمد

وهب على المنهزمين من بنى خفاجة ريح شديدة حارة فقتلت منهم نحو خمسمائة رجل وأفلت منهم جماعة ممن كانوا أسروا من الحجاج وكانوا يرعون إبلهم وغنمهم فعادوا إلى بغداد فوجد بعضهم نساءهم قد تزوجن وولدن واقتسمت تركاتهم‏.‏

ذكر استيلاء طاهر بن هلال على شهرزور

قد ذكرنا حال شهرزور وأن بدر بن حسنويه سلمها إلى عميد الجيوش فجعل فيها نوابه‏.‏

فلما كان الآن سار طاهر بن هلال بن بدر إلى شهرزور وقاتل من بها من عسكر فخر الملك وأخذها منهم في رجب‏.‏

فلما سمع الوزير الخبر أرسل إلى طاهر يعاتبه ويأمره بإطلاق من أسر من أصحابه ففعل ولم تزل شهرزور بيد طاهر إلى أن قتله أبو الشوك وأخذها منه وجعلها لأخيه مهلهل‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة سار أبو الحسن علي بن مزيد الأسدي إلى أبي الشوك على عزم محاربته فاصطلحا من غير حرب وتزوج ابنه أبو الأغر دبيس بن علي بأخت أبي الشوك‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو الحسن علي بن سعيد الإصطخري وهو شيخ من شيوخ المعتزلة

ثم دخلت سنة خمس وأربعمائة

ذكر غزوة تانيشر

قد ذكر ليمين الدولة أن بناحية تانيشر فيلة من جنس فيلة الصيلمان الموصوفة في الحرب وأن صاحبها غالٍ في الكفر والطغيان والعناد للمسلمين فعزم على غزوه في عقر داره وأن يذيقه شربة من كأس قتاله فسار في الجنود والعساكر والمتطوعة فلقي في طريقه أودية بعيدة القعر وعرة المسالك وقفارًا فسيحة الأقطار والأطراف بعيدة الأكناف والماء بها قليل فلقوا شدة وقاسوا مشقة إلى أن قطعوها‏.‏

فلما قاربوا مقصدهم لقوا نهرًا شديد الجرية صعب المخاضة وقد وقف صاحب تلك البلاد على طرفه يمنع من عبوره ومعه عساكره وفيلته التي كان يدل بها‏.‏

فأمر يمين الدولة شجعان عسكره بعبور النهر وإشغال الكافر بالقتال ليتمكن باقي العسكر من العبور ففعلوا ذلك وقاتلوا الهنود وشغلوهم عن حفظ النهر حتى عبر سائر العسكر في المخاضات وقاتلوهم من جميع جهاتهم إلى آخر النهار فانهزم الهند وظفر المسلمون وغنموا ما معهم من أموال وفيلة وعادوا إلى غزنة موفرين ظافرين‏.‏

في هذه السنة قتل بدر بن حسنويه أمير الجبل‏.‏

وكان سبب قتله أنه سار إلى الحسين بن مسعود الكردي ليملك عليه بلاده فحصره بحصن كوسحد فضجر أصحاب بدر منه لهجوم الشتاء فعزموا على قتله فأتاه بعض خواصه وعرفه ذلك فقال‏:‏ فمن هم الكلاب حتى يفعلوا ذلك‏!‏ وأبعدهم فعاد إليه فلم يأذن له فقال من وراء الخركاة‏:‏ الذي أعلمتك قد قوي العزم عليه فلم يلتفت إليه‏.‏

وخرج فجلس على تل فثاروا به فقتله طائفة منهم تسمى الجورقان ونهبوا عسكره وتركوه وساروا‏.‏

فنزل الحسين بن مسعود فرآه ملقىً على الأرض فأمر بتجهيزه وحمله إلى مشهد علي عليه السلام ليدفن فيه ففعل ذلك‏.‏

وكان عادلًا كثير الصدقة والمعروف كبير النفس عظيم الهمة‏.‏

ولما قتل هرب الجورقان إلى شمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة بن بويه فدخلوا في طاعته‏.‏

وكان طاهر بن هلال بن بدر هاربًا من جده بنواحي شهرزور فلما عرف بقتله بادر يطلب ملكه فوقع بينه وبين شمس الدولة حرب فأسر طاهر وحبس وأخذ ما كان قد جمعه بعد أن ملك نائبًا من أبيه هلال وكان عظيمًا وحمله إلى همذان وسار اللرية والشاذنجان إلى أبي الشوك فدخلوا في طاعته‏.‏

وحين قتل كان ابنه هلال محبوسًا عند الملك سلطان الدولة كما ذكرنا فلما قتل بدر استولى شمس الدولة بن فخر الدولة بن بويه على بعض بلاده فلما علم سلطان الدولة بذلك أطلق هلالًا وجهزه وسيره ومعه العساكر ليستعيد ما ملكه شمس الدولة من بلاده‏.‏

فسار إلى شمس الدولة فالتقيا في ذي القعدة واقتتل العسكران فانهزم أصحاب هلال وأسر هو فقتل أيضًا وعادت العساكر التي كانت معه إلى بغداد على أسوأ حال‏.‏

وكان ممن أسر معه أبو المظفر أنوشتكين الأعرابي وكان في مملكة بدر سابور خواست والدينور وبروجرد ونهاوند وأسداباذ وقطعة من أعمال الأهواز وما بين ذلك من القلاع والولايات‏.‏

ذكر الحرب بين علي بن مزيد وبين بني دبيس

في هذه السنة في المحرم كانت الحرب بين أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي وبين مضر ونبهان وحسان وطراد بني دبيس‏.‏

وسببها أنهم كانوا قد قتلوا أبا الغنائم بن مزيد أخا أبي الحسن في حرب بينهم وقد تقدم ذكرها وحالت الأيام بينه وبين الأخذ بثأره فلما كان الآن تجهز لقصدهم وجمع العرب والشاذنجان والجوانية وغيرهما من الأكراد وسار إليهم فلما قرب منهم خرجت زوجته ابنة دبيس وقصدت أخاها مضر بن دبيس ليلًا وقالت له‏:‏ قد أتاكم ابن مزيد فيما لا قبل لكم به وهو يقنع منكم بإبعاد نبهان قاتل أخيه فأبعدوه وقد تفرقت هذه العساكر‏.‏

فأجابها أخوها مضر إلى ذلك وامتنع أخوه حسان‏.‏

فلما سمع ابن مزيد بما فعلته زوجته أنكره وأراد طلاقها فقالت له‏:‏ خفت أن أكون في هذه الحرب بين فقد أخٍ حميم أو زوج كريم ففعلت ما فعلت رجاء الصلاح فزال ما عنده منها وتقدم إليهم وتقدموا إليه بالحلل والبيوت فالتقوا واقتتلوا واشتد القتال لما بين الفريقين من الدخول فظفر ابن مزيد بهم وهزمهم وقتل حسان ونبهان ابني دبيس واستولى على البيوت والأموال ولحق من سلم من الهزيمة بالحويزة‏.‏

ولما ظفر بهم رأى عندهم مكاتبات فخر الملك يأمرهم بالجد في أمره ويعدهم النصرة فعاتبه على ذلك وحصل بينهما نفرة ودعت فخر الملك الضرورة إلى تقليد ابن مزيد الجزيرة الدبيسية واستثنى مواضع منها‏:‏ الطيب وقرقوب وغيرهما وبقي أبو الحسن هناك إلى جمادى الأولى‏.‏

ثم إن مضر بن دبيس جمع جمعًا وكبس أبا الحسن ليلًا فهرب في نفر يسير واستولى مضر على حلله وأمواله وكل ماله ولحق أبو الحسن ببلد النيل منهزمًا‏.‏

وعوده عنها لما ملك شمس الدولة بن فخر الدولة ولاية بدر بن حسنويه وأخذ ما في قلاعه من الأموال عظم شأنه واتسع ملكه فسار إلى الري وبها أخوه مجد الدولة فرحل عن الري ومعه والدته إلى دنباوند وخرجت عساكر الري إلى شمس الدولة مذعنة بالطاعة ودخل الري وملكها وخرج منها يطلب أخاه ووالدته فشغب الجند عليه وزاد خطبهم وطالبوه مطالبات اتسع الخرق بها فعاد إلى همذان وأرسل إلى أخيه ووالدته يأمرهما بالعود إلى الري فعادا‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في شعبان توفي أبو الحسن أحمد بن علي البتي الكاتب الشاعر ومن شعره في تكةً‏:‏ لم لا أتيه ومضجعي بين الرّوادف والخصور وإذا نسجت فإنّني بين الترائب والنّحور ولقد نشأت صغيرةً فأكفّ ربّات الخدور وله نوادر كثيرة منها أنه شرب قفاعًا في دار فخر الملك فلم يستطبه فجلس مفكرًا فقال له الفقاعي‏:‏ في أي شيء تفكر فقال‏:‏ في دقة صنعتك كيف أمكنك الخراء في هذه الكيزان الضيقة كلها‏.‏

وفي رمضان منها قتل القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الفقيه وكان من أئمة أصحاب الشافعي وكان قاضي الدينور قتله طائفة من عامتها خوفًا منه‏.‏

وتوفي أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن نباتة السعدي الشاعر والقاضي أبو محمد بن الأكفاني قاضي بغداد وولي بعده قضاء القضاة أبو الحسن بن أبي الشوارب البصري‏.‏

وتوفي أبو أحمد عبد السلام بن الحسن البصري الأديب وأبو القاسم هبة الله بن عيسى كاتب مهذب الدولة بالبطيحة وهو من الكتاب المفلقين ومكاتباته مشهورة وكان ممدحًا وممن مدحه ابن الحجاج‏.‏

وتوفي أيضًا عبدالله بن محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس أبو سعيد الإدريسي الاستراباذي الحافظ نزيل سمرقند وهو مصنف تاريخ سمرقند‏.‏

وتوفي أيضًا الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله النيسابوري صاحب التصانيف الحسنة المشهورة وأبو الحسن بن عياض وكان يلقب الناصر وكان يتولى الأهواز وقام ولده بنكير مقامه وأبو عي الحسين بن الحسين بن حمكان الهمذاني الفقيه الشافعي وكان إمامًا عالمًا‏.‏

ذكر الفتنة بين باديس وعمه حماد

في هذه السنة ظهر الاختلاف بين الأمير باديس صاحب إفريقية وعمه حماد حتى آل الأمر بينهما إلى الحرب التي لا بقيا بعدها‏.‏

وسبب ذلك أن باديس أبلغ عن عمه حماد قوارص وأمورًا أنكرها فاغضى عليها حتى كثر ذلك عليه‏!‏ وكان لباديس ولد اسمه المنصور أراد أن يقدمه ويجعله ولي عهده فأرسل إلى عمه حماد يقول له بأن يسلم بعض ما بيده من الأعمال التي أقطعه إلى نائب ابنه المنصور وهي مدينة تيجس وقصر الإفريقي وقسطنطينة وسير إلى تسليم ذلك هاشم بن جعفر وهو من كبار قوادهم وسير معه عمه إبراهيم ليمنع أخاه حمادًا من أمر إن أراده‏.‏

فسار إلى أن قاربا حمادًا ففارق إبراهيم هاشمًا وتقدم إلى أخيه حماد فلما وصل إليه حسن له الخلاف على باديس ووافقه على ذلك وخلعا الطاعة وأظهرا العصيان وجمعا الجموع الكثيرة فكانوا ثلاثين ألف مقاتل‏.‏

فبلغ ذلك باديس فجمع عساكره وسار إليهما ورحل حماد وأخوه إبراهيم إلى هاشم بن جعفر والعسكر الذين معه وهو بقلعة شقنبارية فكان بينهم حرب انهزم فيها‏:‏ ابن جعفر ولجأ إلى باجة وغنم حماد ماله وعدده فرحل باديس إلى مكان يسمى قبر الشهيد فأتاه جمع كثير من عسكر عمه حماد ووصلت كتب حماد وإبراهيم إلى باديس أنهما ما فارقا الجماعة ولا خرجا عن الطاعة فكذبهما ما ظهر من أفعالهما من سفك الدماء وقتل الأطفال وإحراق الزروع والمساكن وسبي النساء‏.‏

ووصل حماد إلى باجة فطلب أهلها منه الأمان فأمنهم واطمأنوا إلى عهده فدخلها يقتل وينهب ويحرق ويأخذ الأموال‏.‏

وتقدم باديس إليه بعساكره فلما كان في صفر سنة ست وأربعمائة وصل حماد إلى مدينة أشير وهي له وفيها نائبه واسمه خلف الحميري فمنعه خلف من دخولها وصار في طاعة باديس فسقط في يد حماد فإنها هي كانت معولة لحصانتها وقوتها‏.‏

ووصل باديس إلى مدينة المسيلة ولقيه أهلها وفرحوا به وسير جيشًا إلى المدينة التي أحدثها حماد فخربوها إلا أنهم لم يأخذوا مال أحمد وهرب إلى باديس جماعة كثيرة من جند القلعة التي له وفيها أخوه إبراهيم فأخذ إبراهيم أبناءهم وذبحهم على صدور أمهاتهم فقيل إنه ذبح بيده منهم ستين طفلًا فلما فرغ من الأطفال قتل الأمهات‏.‏

وتقارب باديس وحماد والتقوا مستهل جمادى الأولى واقتتلوا أشد قتال وأعظمه ووطن أصحاب باديس أنفسهم على الصبر أو الموت لما كان حماد يفعله لمن يظفر به واختلط الناس بعضهم ببعض وكثر القتل ثم انهزم حماد وعسكره لا يلوي على شيء وغنم عسكر باديس أثقاله وأمواله وفي جملة ما غنم منه عشرة آلاف درقة مختارة لمط ولولا اشتغال العسكر بالنهب لأخذ حماد أسيرًا‏.‏

وسار حتى وصل إلى قلعته تاسع جمادى الأولى وجاء إلى مدينة دكمة فتجنى على أهلها فوضع السيف فيهم فقتل ثلاثمائة رجل‏.‏

فخرج إليه فقيه منها وقال له‏:‏ يا حماد إذا لقيت الجيوش انهزمت وإذا قاومتك الجموع فررت وإنما قدرتك وسلطانك على أسير لا قدرة له عليك فقتله وحمل جميع ما في المدينة من طعام وملح وذخيرة إلى القلعة التي له‏.‏

وسار باديس خلفه وعزم على المقام بناحيته وأمر بالبناء وبذل الأموال لرجاله فاشتد ذلك على حماد وأنكر رجاله وضعفت نفسه وتفرق عنه أصحابه‏.‏

ثم مات ورو بن سعيد الزناتي المتغلب على ناحية طرابلس واختلفت كلمة زناتة فمالت فرقة مع أخيه خزرون وفرقة مع ابن ورو فاشتد ذلك أيضًا على حماد وكان يطمع أن زناتة تغلب على بعض البلاد فيضطر باديس إلى الحركة إليهم‏.‏

لما كان يوم الثلاثاء سلخ ذي القعدة سنة ست وأربعمائة أمر باديس بعرض العساكر فرأى ما سره وركب آخر النهار ونزل معه جماعة من أصحابه ففارقوه إلى خيامهم فلما كان نصف الليل توفي‏.‏

وخرج الخادم في الوقت إلى حبيب بن أبي سعيد وباديس بن أبي حمامة وأيوب بن يطوفت وهم أكبر قواده فأعلمهم بوفاته‏.‏

وكان بين حبيب وباديس بن حمادة عداوة فخرج حبيب مسرعًا إلى باديس وخرج باديس إليه أيضًا فالتقيا في الطريق فقال كل واحد منهما لصاحبه‏:‏ قد عرفت الذي بيننا والأولى أن نتفق على إصلاح هذا الخلل فإذا انقضى رجعنا إلى المنافسة‏.‏

فاجتمعا مع أيوب وقالوا‏:‏ إن العدو قريب منا وصاحبنا بعيد عنا ومتى لم نقدم رأسًا نرجع إليه في أمورنا لم نأمن العدو ونحن نعلم ميل صنهاجة إلى المعز وغيرهم إلى كرامت بن المنصور أخي باديس فاجتمعوا على تولية كرامت ظاهرًا فإذا وصلوا إلى موضع الأمن ولوا المعز بن باديس وينقطع الشر‏.‏

فأحضروا كرامت وبايعوه وولوه في الحال وأصبحوا وليس عند أحد من العسكر خبر من ذلك وعزموا أن يقولوا للناس بكرة إن باديس قد شرب دواء فلما أصبحوا أغلق أهل مدينة المحمدية‏.‏

أبوابها وكأنما نودي فيهم بموت باديس فشاع الخبر وخاف الناس خوفًا عظيمًا واضطربوا لموته وأظهروا ولاية كرامت فلما رأى ذلك عبيد باديس ومن معهم أنكروه فخلا حبيب بأكابرهم وعرفهم الحال فسكنوا‏.‏

ومضى كرامت إلى مدينة أشير ليجمع صنهاجة وتلكاتة وغيرهم وأعطوهم من الخزائن مائة ألف دينار‏.‏

وأما المعز فإنه كان عمره ثماني سنين وستة أشهر وأيامًا تقريبًا لأن مولده كان في جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ولما وصل إليه الخبر بموت أبيه أجلسه من عنده للعزاء ثم ركب في الموكب وبايعه الناس فكان يركب كل يوم ويطعم الناس كل يوم بين يديه‏.‏

وأما العساكر فإنهم رحلوا من مدينة المحمدية إلى المعز وجعلوا باديس في تابوت بين يدي العسكر والطبول والبنود على رأسه والعساكر تتبعه ميمنة وميسرة وكان وصولهم إلى المنصورية رابع المحرم سنة سبع وأربعمائة ووصلوا إلى المهدية والمعز بها ثمان المحرم فركب المعز ووقف حبيب يعلمه بهم ويذكر له أسماءهم ويعرفه بقوادهم وأكابرهم فرحل المعز من المهدية فوصل إلى المنصورية منتصف المحرم‏.‏

وهذا المعز أول من حمل الناس بإفريقية على مذهب مالك وكان الأغلب عليهم مذهب أبي حنيفة‏.‏

وأما كرامت فإنه لما وصل إلى مدينة أشير اجتمع عليه قبائل صنهاجة وغيرهم فأتاه حماد في ألف وخمسمائة فارس فتقدم إليه كرامت بسبعة آلاف مقاتل فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا فرجع بعض أصحاب كرامت إلى بيت المال فانتهبوه وهربوا فتمت الهزيمة عليه وعلى أصحابه ووصل إلى مدينة أشير فأشار عليه قاضيها وأعيان أهلها بالمقام ومنع حماد عنها ففعل ونازلهم حماد وطلب كرامت ليجتمع به فخرج إليه فأعطاه مالًا وأذن له في المسير إلى المعز وقتل حماد من أهل أشير كثيرًا حيث أشاروا على كرامت بحفظ البلد ومنع حماد منه ووصل كرامت إلى المعز في المحرم هذه السنة فأكرمه وأحسن إليه‏.‏

وفي آخر ذي الحجة سير الحاكم الخلع من مصر إلى المعز ولقبه شرف الدولة ولم يذكر ما كان منه إلى الشيعة من القتل والإحراق وسار المعز إلى حماد لثمان بقين من صفر سنة ثمان وأربعمائة بالعساكر لمنعه عن البلاد فإنه كان يحاصر باغاية وغيرها فلما قاربه رحل عن باغاية والتقوا آخر ربيع الأول فاقتتلوا فما كان إلا ساعة حتى انهزم حماد وأصحابه ووضع أصحاب المعز فيهم السيف وغنموا ما لهم من عدد ومال وغير ذلك فنادى المعز‏:‏ من أتى برأس فله أربعة دنانير فأتي بشيء كثير وأسر إبراهيم أخو حماد ونجا حماد وقد أصابته جراحة وتفرق عنه أصحابه ورجع المعز وورد رسول من حماد إليه يعتذر ويقر بالخطأ واستعمل المعز على جميع العرب المجاورة لإبراهيم عمه كرامت فعاد جواب حماد أنه إذا وصله كتاب أخيه إبراهيم بالعلامات التي بينهم أنه قد أخذ له عهد المعز بعث ولده القائد أو حضر هو بنفسه‏.‏

فحضر إبراهيم وأخذ العهود على المعز وأرسل إليه يعرفه ذلك ويشكر المعز على إحسانه إليه ووصل المعز إلى قصره آخر جمادى الأولى ولما وصل أطلق عمه إبراهيم وخلع عليه وأعطاه الأموال والدواب وجميع ما يحتاج إليه فلما سمع حماد ذلك أرسل ولده القائد إلى المعز وكان وصوله للنصف من شعبان فأكرمه وأعطاه شيئًا كثيرًا وأقطعه المسيلة وطبنة وغيرهما وعاد إلى أبيه في شهر رمضان ورضي الصلح وحلف عليه واستقرت الأمور بينهما وتصاهرا وزوج المعز أخته بعبدالله بن حماد فازدادوا اتفاقًا وأمنًا‏.‏

وكان بإفريقية والغرب غلاء بسبب الجراد واختلاف الملوك ولما استقر الصلح والاتفاق سير المعز الجيوش إلى القبائل من البربر وغيرهم فإن الحروب بينهم كانت بسبب الاختلاف كثيرة والدماء مسفوكة فلما رأوا عساكر السلطان رجعوا إلى السكون وترك الحرب ومن أبى قوتل فقتل المفسدون وأصلح ما بين القبائل‏.‏

ووصل من جزيرة الأندلس زاوي بن زيري بن مناد عم أبي المعز وأهله وولده وحشمه وكان قد أقام بالأندلس مدة طويلة وقد ذكرنا سبب دخوله الأندلس وملك بالأندلس غرناطة وقاسى حروبًا كثيرة ووصل معه من الأموال والعدد والجواهر شيء كثير لا يحد فأكرمهم المعز وحمل لهم شيئًا عظيمًا وإقامات زائدة وأقاموا عنده‏.‏

كان ينبغي أن يكتب وفاة باديس وما بعده سنة سبع وأربعمائة وإنما أتبعنا بعض أخبارهم بعضًا

ذكر غزوة محمود إلى الهند

في هذه السنة غزا محمود بن سبكتكين الهند على عادته فضل أدلاؤه الطريق ووقع هو وعسكره في مياه فاضت من البحر فغرق كثير ممن معه وخاض الماء بنفسه أيامًا حتى تخلص وعاد إلى خراسان‏.‏

ذكر قتل فخر الملك ووزارة ابن سهلان

وفيها قبض سلطان الدولة على نائبه بالعراق ووزيره فخر الملك أبي غالب وقتل سلخ ربيع الأول وكان عمره اثنتين وخمسين سنة وأحد عشر شهرًا وكان نظره بالعراق خمس سنين وأربعة شهور واثني عشر يومًا وكان كافيًا حسن الولاية والآثار ووجد له ألف ألف دينار عينًا سوى ما نهب وسوى الأعراض وكان قبضه بالأهواز ولما مات نقل إلى مشهد أمير المؤمنين علي قيل‏:‏ كان ابن علمكار وهو من كبار قوادهم قد قتل إنسانًا ببغداد فكانت زوجته تكتب إلى فخر الملك أبي غالب تتظلم منه ولا يلتفت إليها فلقيته يومًا وقالت له‏:‏ تلك الرقاع التي كنت أكتبها إليك صرت أكتبها إلى الله تعالى‏.‏

فلم يمض على ذلك غير قليل حتى قبض هو وابن علمكار فقال له فخر الملك‏:‏ قد برز جواب رقاع تلك المرأة‏.‏

ولما قبض فخر الملك استوزر سلطان الدولة أبا محمد الحسن بن سهلان فلقب عميد أصحابه الجيوش وكان مولده برامهرمز في شعبان سنة إحدى وستين وثلاثمائة‏.‏

ذكر قتل طاهر بن هلال بن بدر

في هذه السنة أطلق شمس الدولة بن فخر الدولة بن بويه طاهر بن هلال بن بدر واستحلفه على الطاعة له واجتمع معه طوائف فقوي بهم وحارب أبا الشوك فهزمه وقتل سعدي أخو أبي الشوك ثم انهزم أبو الشوك منه مرةً ثانيةً ومضى منهزمًا إلى حلوان وبذل له أبو الحسن بن مزيد الأسدي المعاونة فلم يكن فيه معاودة الحرب‏.‏

وأقام طاهر بالنهروان وصالح أبا الشوك وتزوج أخته فلما أمنه طاهر وثب عليه أبو الشوك فقتله بثأر أخيه سعدي وحمله أصحابه فدفنوه بمشهد باب التبن‏.‏

فيها توفي الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر أبو الحسن صاحب الديوان المشهور وشهد جنازته الناس كافة ولم يشهدها أخوه لأنه لم يستطع أن ينظر إلى جنازته فأقام بالمشهد إلى أن أعاده الوزير فخر الملك إلى داره ورثاه كثير من الشعراء منهم أخوه المرتضى فقال‏:‏ يا للرجال لفجعةٍ جذمت يدي ووددتها ذهبت لعيّ براسي ما زلت آبى وردها حتّى أتت فحسوتها في بعض ما أنا حاسي ومطلتها زمنًا فلمّا صمّمت لم يثنها مطلي وطول مكاسي لا تنكروا من فيض دمعي عبرةً فالدمع خير مساعدٍ ومؤاس واهًا لعمرك من قصيرٍ طاهرٍ ولربّ عمرٍ طال بالأرجاس وفيها توفي أبو طالب أحمد بن بكر العبدي النحوي مصنف شرح الإيضاح وأبو أحمد عبد السلام بن أبي مسلم الفرضي والإمام أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الأسفراييني إمام أصحاب الشافعي وكان يحضر دراسته أربعمائة متفقه وكان يدرس بمسجد عبدالله بن المبارك بقطيعة الفقهاء وكان عمره إحدى وستين سنة وأشهرًا‏.‏

وفيها توفي أبو جعفر أستاذ هرمز بن الحسن والد عميد الجيوش بشيراز وكان عمره مائة وما زلت أبكي في الديار تأسّفًا لبين خليلٍ أو فراق حبيب فلما عرفت الرّبع لا شكّ أنّه هو الرّبع فاضت مقلتي بغروب وجرّبت دهري ناسيًا فوجدته أخا غيرٍ لا تنقضي وخطوب وعاشرت أبناء الزمان فلم أجد من الناس خدانًا حافظًا لمغيب ولم يبق منهم حافظٌ لذمامه ولا ناصرٌ يرعى جوار قريب وفيها توفي الشار أبو نصر الذي كان صاحب غرشستان من خراسان في قبض يمين الدولة وقد ذكرنا سبب ذلك‏.‏

وفيها في صفر قلد الشريف المرتضى أبو القاسم أخو الرضي نقابة العلويين والحج والمظالم بعد موت أخيه الرضي‏.‏

وفيها وقعت فتنة ببغداد بين أهل الكرخ وبين أهل باب الشعير ونهبوا القلائين فأنكر فخر الملك على أهل الكرخ ومنعوا من النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح‏.‏

وفيها وقع بالبصرة وما جاورها وباء شديد في بلاد العراق وكثير من البلاد‏.‏

وفيها في حزيران جاء مطر شديد في بلاد العراق وكثير من البلاد‏.‏

ذكر قتل خوارزمشاه وملك يمين الدولة خوارزم وتسليمها إلى التونتاش

في هذه السنة قتل خوارزمشاه أبو العباس مأمون بن مأمون وملك يمين الدولة خوارزم‏.‏

وسبب ذلك أن أبا العباس كان قد ملك خوارزم والجرجانية كما ذكرناه وخطب إلى يمين الدولة فزوجه أخته‏.‏

ثم إن يمين الدولة أرسل إليه يطلب أن يخطب له على منابر بلاده فأجابه إلى ذلك وأحضر أمراء دولته واستشارهم في ذلك فأظهروا الامتناع ونهوه عنه وتهددوه بالقتل إن فعله فعاد الرسول وحكى ليمين الدولة ما شاهده‏.‏

ثم إن الأمراء خافوه حيث ردوا أمره فقتلوه غيلة ولم يعلم قاتله وأجلسوا مكانه أحد أولاده وعملوا أن يمين الدولة يسوءه ذلك وربما طالبهم بثأره فتعاهدوا على مقاتلته ومقارعته‏.‏

واتصل الخبر بيمين الدولة فجمع العساكر وسار نحوهم فلما قاربهم جمعهم صاحب جيشهم ويعرف بالبتكين البخاري وأمرهم بالخروج إلى لقاء مقدمة يمين الدولة والإيقاع بمن فيها من الأجناد فساروا معه وقاتلوا مقدمة يمين الدولة واشتد القتال بينهم‏.‏

واتصل الخبر بيمين الدولة فتقدم نحوهم في سائر جيوشه‏.‏

فلحقهم وهم في الحرب فثبت الخوارزمية إلى أن انتصف النهار وأحسنوا القتال ثم إنهم انهزموا وركبهم أصحاب يمين الدولة يقتلون ويأسرون ولم يسلم إلا القليل‏.‏

ثم إن البتكين ركب سفينة لينجو فيها فجرى بينه وبين من معه منافرة فقاموا عليه وأوثقوه وردوا السفينة إلى ناحية يمين الدولة وسلموه إليه فأخذه وسائر القواد المأسورين معه وصلبهم عند قبر أبي العباس خوارزمشاه وأخذ الباقين من الأسرى فسيرهم إلى غزنة فوجًا بعد فوج فلما اجتمعوا بها أفرج عنهم وأجرى لهم الأرزاق وسيرهم إلى أطراف بلاده من أرض الهند يحمونها من الأعداء ويحفظونها من أهل الفساد وأخذ خوارزم واستناب بها حاجبه التونتاش‏.‏ ‏ ‏