المجلد الثامن - ذكر الحرب بين علاء الدولة وأصبهبذ

ثم دخلت سنة ثماني عشرة وأربعمائة

في هذه السنة في ربيع الأول كانت حرب شديدة بين علاء الدولة بن كاكويه وبين الأصبهبذ ومن معه‏.‏

وكان سببها ما ذكرناه من خروج علي بن عمران عن طاعة علاء الدولة‏.‏

فلما فارقه اشتد خوفه من علاء الدولة فكاتب أصبهبذ صاحب طبرستان وكان مقيمًا بالري مع ولكين بن وندرين وحثه على قصد بلاد الجبل وكاتب أيضًا منوجهر بن قابوس بن وشمكير واستمده وأوهم الجميع أن البلاد في يده لا دافع له عنها‏.‏

وكان أصبهبذ معاديًا لعلاء الدولة فسار هو وولكين إلى همذان فملكاها وملكا أعمال الجبل وأجليا عنها عمال علاء الدولة وأتاهم عسكر منوجهر وعلي بن عمران فازدادوا قوة وساروا كلهم إلى أصبهان فتحصن علاء الدولة بها وأخرج الأموال فحصروه وجرى بينهم قتال استظهر فيه علاء الدولة وقصده كثير من ذلك العسكر وهو يبذل لمن يجيء إليه المال الجزيل ويحسن إليهم فأقاموا أربعة أيام وضاقت عليهم الميرة فعادوا عنها‏.‏

وتبعهم علاء الدولة واستمال الجوزقان فمال إليه بعضهم وتبعهم إلى نهاوند فالتقوا عندها واقتتلوا قتالًا كثر فيه القتلى والأسرى فظفر علاء الدولة وقتل ابنين لولكين في المعركة وأسر الأصبهبذ وابنان له ووزيره ومضى ولكين في نفر يسير إلى جرجان‏.‏

وقصد علي بن عمران قلعة كنكور فتحصن بها فسار إليه علاء الدولة فحصره بها وبقي أصبهبذ محبوسًا عند علاء الدولة إلى أن توفي في رجب سنة تسع عشرة وأربعمائة‏.‏

ثم إن ولكين بن وندرين سار بعد خلاصه من الوقعة إلى منوجهر بن قابوس وأطعمه في الري وملكها وهون عليه أمر البلاد لا سيما مع اشتغال علاء الدولة بمحاصرة علي بن عمران وانضاف إلى ذلك أن ولد ولكين كان صهر علاء الدولة على ابنته وقد أقطعه علاء الدولة مدينة قم فعصى عليه وصار مع أبيه وأرسل إليه يحثه على قصد البلاد فسار إليها ومعه عساكره وعساكر منوجهر حتى نزلوا على الري وقاتلوا مجد الدولة بن بويه ومن معه وجرى بين الفريقين وقائع استظهر فيها أهل الري‏.‏

فلما رأى علاء الدولة ذلك صالح علي بن عمران‏.‏

فلما بلغ ولكين الصلح بين علاء الدولة وعلي بن عمران رحل عن الري من غير بلوغ غرض فتوجه علاء الدولة إلى الري وراسل منوجهر ووبخه وتهدده وأظهر قصد بلاده فسمع أن علي بن عمران قد كاتب منوجهر وأطمعه ووعده النصرة وحثه على العود إلى الري فعاد علاء الدولة عن قصد بلاد منوجهر وتجهز لقصد علي بن عمران فأرسل ابن عمران إلى منوجهر يستمده فسير إليه ستمائة فارس وراجل مع قائد من قواده وتحصن ابن عمران وجمع عنده الذخائر بكنكور وقصده علاء الدولة وحصره وضيق عليه ففني ما عنده فأرسل يطلب الصلح فاشترط علاء الدولة أن يسلم قلعة كنكور والذين قتلوا أبا جعفر ابن عمه والقائد الذي سيره إليه منوجهر فأجابه إلى ذلك وسيرهم إليه فقتل قتلة ابن عمه وسجن القائد وتسلم القلعة وأقطع عليًا عوضًا عنها مدنية الدينور وأرسل منوجهر إلى علاء الدولة فصالحه فأطلق صاحبه‏.‏

ذكر عصيان البطيحة على أبي كاليجار

في هذه السنة عصى أهل البطيحة على الملك أبي كاليجار ومقدمهم أبو عبد الله الحسين بن بكر الشرابي الذي كان قديمًا صاحب البطيحة وقد تقدم خبره‏.‏

وكان سبب هذا الخلاف أن الملك أبا كاليجار سير وزيره أبا محمد بن بابشاذ إلى البطيحة فعسف الناس وأخذ أموالهم وأمر الشرابي فوضع على كل دار بالصليق قسطًا وكان في صحبته ففعل ذلك فتفرقوا في البلاد وفارقوا أوطانهم فعزم من بقي على أن يستدعوا من يتقدم عليهم في العصيان على أبي كاليجار وقتل الشرابي وكانوا ينسبون كل ما يجري عليهم إلى الشرابي‏.‏

فعلم الشرابي بذلك فحضر عندهم واعتذر إليهم وبذل من نفسه مساعدتهم على ما يريدونه فرضوا به وحلفوا له وحلف لهم وأمرهم بكتمان الحال‏.‏

وعاد إلى الوزير فأشار عليه بإرسال أصحابه إلى جهات ذكرها ليحصلوا الأموال فقبل منه ثم أشار عليه بإحدار سفنه إلى مكان ذكره ليصلح ما فسد منها ففعل‏.‏

فلما تم له ذلك وثب هو وأهل البطيحة عليه وأخرجوه من عندهم وكان عندهم جماعة من عسكر جلال الدولة في الحبس فأخرجوهم واستعانوا بهم واتفقوا معهم وفتحوا السواقي وعادوا إلى ما كانوا عليه أيام مهذب الدولة وقاتلوا كل من قصدهم وامتنعوا فتم لهم ذلك‏.‏

ثم قصده ابن المعبراني فاستولى على البطيحة وفارقها الشرابي إلى دبيس بن مزيد فأقام عنده مكرمًا‏.‏

ذكر صلح أبي كاليجار مع عمه

في هذه السنة استقر الصلح بين أبي كاليجار وبين عمه أبي الفوارس صاحب كرمان وكان أبو كاليجار قد سار إلى كرمان لقتال عمه وأخذ كرمان منه فاحتمى منه بالجبال وحمي الحر على أبي كاليجار وعسكره فكثرت الأمراض فتراسلا في الصلح فاصطلحا على أن تكون كرمان لأبي الفوارس وبلاد فارس لأبي كاليجار ويحمل إلى عمه كل سنة عشرين ألف دينار‏.‏

ولما عاد أبو كاليجار إلى الأهواز جعل أمور دولته إلى العادل بن مافنة فأجابه بعد امتناع وكان مولد العادل بكازرون سنة ستين وثلاثمائة وشرط العادل أن لا يعارض في الذي يفعله

ذكر الخطبة لجلال الدولة ببغداد وإصعاده إليها

في هذه السنة في جمادى الأولى خطب للملك جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة ببغداد وأصعد إليها من البصرة فدخلها ثالث شهر رمضان‏.‏

وكان سبب ذلك أن الأتراك لما رأوا أن البلاد تخرب وأن العامة والعرب والأكراد قد طمعوا وأنهم ليس عندهم سلطان يجمع كلمتهم قصدوا دار الخلافة وأرسلوا يعتذرون إلى الخليفة من انفرادهم بالخطبة لجلال الدولة أولًا ثم برده ثانيًا وبالخطبة لأبي كاليجار ويشكرون الخليفة حيث لم يخالفهم في شيء من ذلك وقالوا‏:‏ إن أمير المؤمنين صاحب الأمر ونحن العبيد وقد أخطأنا ونسأل العفو وليس عندنا الآن من يجمع كلمتنا ونسأل أن ترسل إلى جلال الدولة ليصعد إلى بغداد ويملك الأمر ويجمع الكلمة ويخطب له فيها ويسألون أن يحلفه الرسول السائر لإحضاره لهم‏.‏

فأجابهم الخليفة إلى ما سألوا وراسله هو وقواد الجند في الإصعاد واليمين للخليفة والأتراك فحلف لهم وأصعد إلى بغداد وانحدر الأتراك إليه فلقوه في الطريق وأرسل الخليفة إليه القاضي أبا جعفر السمناني فأعاد تجديد العهد عليه للخليفة والأتراك ففعل‏.‏

ولما وصل إلى بغداد نزل النجمي فركب الخليفة في الطيار وانحدر يلتقيه فلما رآه جلال الدولة قبل الأرض بين يديه وركب في زبزبه ووقف قائمًا فأمره الخليفة بالجلوس فخدم وجلس ودخل إلى دار المملكة بعد أن مضى إلى مشهد موسى بن جعفر فزار وقصد الدار فدخلها وأمر بضرب الطبل أوقات الصلوات الخمس فراسله الخليفة في منعه فقطعه غضبًا حتى أذن له في إعادته ففعل‏.‏

وأرسل جلال الدولة مؤيد الملك أبا علي الرخجي إلى الأثير عنبر الخادم وهو عند قرواش وقد ذكرنا ذلك يعرفه اعتضاده به واعتماده عليه ومحبته له ويعتذر إليه عن الأتراك فعذرهم وقال‏:‏ هم أولاد وإخوة‏.‏

ذكر وفاة أبي القاسم بن المغربي وأبي الخطاب

أما أبو القاسم بن المغربي فتو في هذه السنة بميافارقين وكان عمره ستًا وأربعين سنة ولما أحس بالموت كتب كتبًا عن نفسه إلى كل من يعرفه من الأمراء والرؤساء الذين بينه وبين الكوفة ويعرفهم أن حظية له توفيت وأنه قد سير تابوتها إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام وخاطبهم في المراعاة لمن في صحبته‏.‏

وكان قصده أن لا يتعرض أحد لتابوته بمنع وينطوي خبره‏.‏

فلما توفي سار به أصحابه كما أمرهم وأوصلوا الكتب فلم يعرض أحد إليه فدفن بالمشهد ولم يعلم به أحد إلا بعد دفنه‏.‏

ولأبي القاسم شعر حسن فمنه هذه الأبيات‏:‏ وما ظبية أدماء تحنو على طلًا ترى الإنس وحشًا وهي تأنس بالوحش غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعه فلم تلف شيئًا من قوائمه الحمش فطافت بذاك القاع ولهى فصادفت سباع الفلا ينهشنه أيما نهش بأوجع مني يوم ظلت أنامل تودعني بالدر من شبك النقش وأجمالهم تحدى وقد خيل الهوى كأن مطاياهم على ناظري تمشي وأعجب ما في الأمر أن عشت بعدهم على أنهم ما خلفوا لي من بطش وأما أبو الخطاب حمزة بن إبراهيم فإنه مات بكرخ سامرا مفلوجًا غريبًا قد زال عنه أمره وجاهه وكان مولده سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ورثاه المرتضى وكان سبب اتصاله ببهاء الدولة معرفة النجوم وبلغ منه منزلة لم يبلغها أمثاله فكان الوزراء يخدمونه وحمل إليه فخر الملك مائة ألف دينار فاستقلها وصار أمره إلى ما صار من الضيق والفقر والغربة‏.‏

في هذه السنة سقط في العراق جميعه برد كبار يكون في الواحدة رطل أو رطلان وأصغر كالبيضة فأهلك الغلات ولم يصح منها إلا القليل‏.‏

وفيها آخر تشرين الثاني هبت ريح باردة بالعراق جمد منها الماء والخل وبطل دوران الدواليب على دجلة‏.‏

وفيها انقطع الحج من خراسان والعراق‏.‏

وفيها نقضت الدار المعزية وكان معز الدولة بن بويه بناها وعظمها وغرم عليها ألف ألف دينار وأول من شرع في تخريبها بهاء الدولة فإنه لما عمر داره بسوق الثلاثاء نقل إليها من أنقاضها وأخذ سقفًا منها وأراد أن ينقله إلى شيراز فلم يتم ذلك فبذل فيه من يحك ذهبه ثمانية آلاف دينار ونقضت الآن وبيع أنقاضها‏.‏

وفيها توفي هبة الله بن الحسن بن منصور أبا القاسم اللالكائي الرازي سمع الحديث الكثير وتفقه على أبي حامد الأسفراييني وصنف كتبًا وأبو القاسم طباطبا الشريف العلوي وله شعر جيد فمنه أن صديقًا له كتب إليه رقعة على ظهرها هذه الأبيات‏:‏ وقرأت الذي كتبت وما زال نجيي ومؤنسي وسميري وغدا الفأل بامتزاج السطور حاكمًا بامتزاج ما في الضمير وتبركت باجتماع الكلامين رجاء اجتماعنا في سرور وتفاءلت بالظهور على الواشي فصارت إجابتي في الصدور

ثم دخلت سنة تسع عشرة وأربعمائة

ذكر الحرب بين بدران ونصر الدولة

في هذه السنة في جمادى الأولى سار بدران بن المقلد العقيلي في جمع من العرب إلى نصيبين وحصرها وكانت لنصر الدولة بن مروان فخرج إليه عسكر نصر الدولة الذين بها وقاتلوه فهزمهم واستظهر عليهم وقتل جماعة من أهل نصيبين والعسكر فسير نصر الدولة عسكرًا آخر نجدة لمن بنصيبين فأرسل إليهم بدران عسكرًا فلقوهم فقاتلوهم وهزموهم وقتلوا أكثرهم‏.‏

فأزعج ذلك ابن مروان وأقلقه فسير عسكرًا آخر ثلاثة آلاف فارس فدخلوا نصيبين واجتمعوا بمن فيها وخرجوا إلى بدران فاقتتلوا فانهزم بدران ومن معه بعد قتال شديد وقت الظهر وتبعهم عسكر ابن مروان‏.‏

ثم عطف عليهم بدران وأصحابه فلم يثبتوا له فأكثر فيهم القتل والأسر وغنم الأموال فعاد عسكر ابن مروان مفلولين فدخلوا نصيبين فاجتمعوا بها واقتتلوا مرة أخرى وكانوا على السواء

ذكر شغب الأتراك ببغداد على جلال الدولة

في هذه السنة ثار الأتراك ببغداد على جلال الدولة وشغبوا وطالبوا الوزير أبا علي بن ماكولا بما لهم من العلوفة والادرار ونهبوا داره ودور كتاب الملك وحواشيه حتى المغنين والمخنثين ونهبوا صياغات أخرجها جلال الدولة لتضرب دنانير ودراهم وتفرق فيهم وحصروا جلال الدولة في داره ومنعوه الطعام والماء حتى شرب أهله ماء البئر وأكلوا ثمرة البستان‏.‏

فسألهم أن يمكنوه من الانحدار فاستأجروا له ولأهله وأثقاله سفنًا فجعل بين الدار والسفن سرداقًا لتجتاز حرمه فيه لئلا يراهم العامة والأجناد فقصد بعض الأتراك السرادق فظن جلال الدولة أنهم يريدون الحرم فصاح بهم يقول لهم‏:‏ بلغ أمركم إلى الحرم‏!‏ وتقدم إليهم وبيده طبر فصاح صغار الغلمان والعامة‏:‏ جلال الدولة يا منصور ونزل أحدهم عن فرسه وأركبه إياه وقبلوا الأرض بين يديه‏.‏

فلما رأى قواد الأتراك ذلك هربوا إلى خيامهم بالرملة وخافوا على نفوسهم وكان في الخزانة سلاح كثير فأعطاه جلال الدولة أصاغر الغلمان وجعلهم عنده ثم أرسل إلى الخليفة ليصلح الأمر مع أولئك القواد فأرسل إليهم الخليفة القادر بالله فأصلح بينهم وبين جلال الدولة وحلفوا فقبلوا الأرض بين يديه ورجعوا إلى منازلهم فلم يمض غير أيام حتى عادوا إلى الشغب فباع جلال الدولة فرشه وثيابه وخيمه وفرق ثمنه فيهم حتى سكنوا‏.‏

ذكر الاختلاف بين الديلم والأتراك بالبصرة

في هذه السنة ولي النفيس أبو الفتح محمد بن أردشير البصرة استعمله عليها جلال الدولة فلما وصل إلى المشان منحدرًا إليها وقع بينه وبين الديلم الذين بالمشان وقعة فاستظهر عليهم وقتل منهم‏.‏

وكانت الفتن بالبصرة بين الأتراك والديلم وبها الملك العزيز أبو منصور ابن جلال الدولة فقوي الأتراك بها فأخرجوا الديلم فمضوا إلى الأبلة وصاروا مع بختيار بن علي فسار إليهم الملك العزيز بالأبلة ليعيدهم ويصلح بينهم وبين الأتراك فكاشفوه وحملوا عليه ونادوا بشعار أبي كاليجار فعاد منهزمًا في الماء إلى البصرة ونهب بختيار نهر الدير والأبلة وغيرهما من السواد وأعانه الديلم ونهب الأتراك أيضًا وارتكبوا المحظور ونهبوا دار بنت الأوحد بن مكرم زوجة جلال الدولة‏.‏

ذكر استيلاء أبي كاليجار على البصرة


لما بلغ الملك أبا كاليجار ما كان بالبصرة سير جيشًا إلى بختيار وأمره أن يقصد البصرة فيأخذها‏.‏

فساروا إليها وبها الملك العزيز جلال الدولة فقاتلهم ليمنعهم فلم يكن له بهم قوة فانهزم منهم وفارق البصرة وكاد يهلك هو ومن معه عطشًا فمن الله عليهم بمطر جود فشربوا منه وأصعدوا إلى واسط‏.‏

وملك عسكر أبي كاليجار البصرة ونهب الديلم أسواقها وسلم منها البعض بمال بذلوه لمن يحميهم وتتبعوا أموال أصحاب جلال الدولة من الأتراك وغيرهم‏.‏

فلما بلغ جلال الدولة الخبر أراد الانحدار إلى واسط فلم يوافقه الجند وطلبوا منه مالًا يفرق فيهم فلم يكن عنده فمد يده في مصادرات الناس وأخذ أموالهم لا سيما أرباب الأموال فصادر جماعة‏.‏

ذكر وفاة صاحب كرمان واستيلاء أبي كاليجار عليها

في هذه السنة في ذي القعدة توفي قوام الدولة أبو الفوارس بن بهاء الدولة صاحب كرمان وكان قد تجهز لقصد بلاد فارس وجمع عسكرًا كثيرًا فأدركه أجله‏.‏

فلما توفي نادى أصحابه بشعار الملك أبي كاليجار وأرسلوا إليه يطلبونه إليهم فسار مجدًا وملك البلاد بغير حرب ولا قتال وأمن الناس معه وكانوا يكرهون عمه أبا الفوارس لظلمه وسوء سيرته وكان إذا شرب ضرب أصحابه وضرب وزيره يومًا مائتي مقرعة وحلفه بالطلاق أنه لا يتأوه ولا يخبر بذلك أحدًا فقيل إنهم سموه فمات‏.‏

ذكر استيلاء منصور بن الحسين على الجزيرة الدبيسية

كان منصور بن الحسين الأسدي قد ملك الجزيرة الدبيسية وهي تجاور خوزستان ونادى بشعار جلال الدولة وأخرج صاحبها طراد بن دبيس الأسدي سنة ثماني عشرة وأربعمائة فمات طراد عن قريب فلما مات طراد سار ابنه أبو الحسين علي إلى بغداد يسأل أن يرسل جلال الدولة معه عسكرًا إلى بلده ليخرج منصورًا منه ويسلمه إليه وكان منصور قد قطع خطبة جلال الدولة وخطب للملك أبي كاليجار فسير معه جلال الدولة طائفة من الأتراك فلما وصلوا إلى واسط لم يقف علي بن طراد حتى تجتمع معه طائفة من عسكر واسط وسار عجلًا‏.‏

واتفق أن أبا صالح كوركير كان قد هرب من جلال الدولة وهو يريد اللحاق بأبي كاليجار فسمع هذا الخبر فقال لمن معه‏:‏ المصلحة أننا نعين منصورًا ولا نمكن عسكر جلال الدولة من إخراجه ونتخذ بهذا الفعل يدًا عند أبي كاليجار‏.‏

فأجابوه إلى ذلك فسار إلى منصور واجتمع معه والتقوا هم وعسكر جلال الدولة الذين مع علي بن طراد ببسبروذ فاقتتلوا فانهزم عسكر جلال الدولة وقتل علي بن طراد وجماعة كثيرة من الأتراك وهلك كثير من المنهزمين بالعطش واستقر ملك منصور بها‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة سار الدزبري وعساكر مصر إلى الشام فأوقعوا بصالح بن مرداس وابن الجراح الطائي فهزمهما وقتل صالحًا وابنه الأصغر وملك جميع الشام وقيل سنة عشرين‏.‏

وفيها توفيت أم مجد الدولة بن فخر الدولة بن بويه وهي التي تدبر المملكة وترتب الأمور‏.‏

وفيها عزل الحسن بن علي بن جعفر أبو علي بن ماكولا من وزارة جلال الدولة وولي الوزراة بعده أبو طاهر المحسن بن طاهر ثم عزل بعد أربعين يومًا وولي بعده أبو سعد بن عبد الرحيم‏.‏

وفيها توفي قسطنطين ملك الروم وانتقل الملك إلى بنت له وقام بتدبير الملك والجيوش زوجها وهو ابن خالها‏.‏

وفيها توفي الوزير أبو القاسم جعفر بن محمد بن فسانجس بأربق‏.‏

وفيها عدمت الأرطاب بالعراق للبرد الذي تقدم في السنة قبلها وكان يحمل من الأماكن البعيدة الشيء اليسير منه‏.‏

وفيها انقطع الحج من العراق فمضى بعض حجاج خراسان إلى كرمان وركبوا في البحر إلى جدة وحجوا‏.‏

وتوفي في هذه السنة محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد أبو الحسن التاجر وهو آخر من حدث عن إسماعيل بن محمد الصفار ومحمد بن عمرو الرزاز وعمر بن الحسن الشيباني وكان له مال كثير فسافر إلى مصر خوف المصادرة فأقام بها سنة ثم عاد إلى بغداد فأخذ ماله في التقسيط على الكرخ الذي ذكرناه سنة ثماني عشرة وأربعمائة فافتقر فلما مات لم يوجد له كفن فأرسل له القادر بالله ما يكفن فيه‏.‏

ثم دخلت سنة عشرين وأربعمائة

ذكر ملك يمين الدولة الري وبلد الجبل

في هذه السنة سار يمين الدولة محمود بن سبكتكين نحو الري فانصرف منوجهر بن قابوس من وكان مجد الدولة بن فخر الدولة بن بويه صاحب الري قد كاتبه يشكو إليه جنده وكان متشاغلًا بالنساء ومطالعة الكتب ونسخها وكانت والدته تدبر مملكته فلما توفيت طمع جنده فيه واختلت أحواله فحين وصلت كتبه إلى محمود سير إليه جيشًا وجعل مقدمهم حاجبه وأمره أن يقبض على مجد الدولة‏.‏

فلما وصل العسكر إلى الري ركب مجد الدولة يلتقيهم فقبضوا عليه وعلى أبي دلف ولده‏.‏

فلما انتهى الخبر إلى يمين الدولة بالقبض عليه سار إلى الري فوصلها في ربيع الآخر ودخلها وأخذ من الأموال ألف ألف دينار ومن الجواهر ما قيمته خمسمائة ألف دينار ومن الثياب ستة آلاف ثوب ومن الآلات وغيرها ما لا يحصى وأحضر مجد الدولة وقال له‏:‏ أما قرأت شاهنامه وهو تاريخ الفرس وتاريخ الطبري وهو تاريخ المسلمين قال‏:‏ بلى‏!‏ قال‏:‏ ما حالك حال من قرأها أما لعبت بالشطرنج قال‏:‏ بلى‏!‏ قال‏:‏ فهل رأيت شاهًا يدخل على شاه قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فما حملك على أن سلمت نفسك إلى من هو أقوى منك ثم سيره إلى خراسان مقبوضًا ثم ملك قزوين وقلاعها ومدينة ساوة وآبة ويافت وقبض على صاحبها ولكين بن وندرين وسيره إلى خراسان‏.‏

ولما ملك محمود الري كتب إلى الخليفة القادر بالله يذكر أنه وجد لمجد الدولة من النساء الحرائر ما يزيد على خمسين امرأة ولدن له نيفًا وثلاثين ولدًا ولما سئل عن ذلك قال‏:‏ هذه عادة سلفي‏.‏

وصلب من أصحابه الباطنية خلقًا كثيرًا ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة ومذاهب الإعتزال والنجوم وأخذ من الكتب ما سوى ذلك مائة حمل‏.‏

وتحصن منه منوجهر بن قابوس بن وشمكير بجبال حصينة وعرة المسالك فلم يشعر إلا وقد أطل عليه يمين الدولة فهرب منه إلى غياض حصينة وبذلك خمسمائة ألف دينار ليصلحه فأجابه إلى ذلك فأرسل المال إليه فسار عنه إلى نيسابور‏.‏

ثم توفي منوجهر عقيب ذلك وولي ابنه أنوشروان فأقره محمود على ولايته وقرر عليه خمسمائة ألف دينار أخرى وخطب لمحمود في أكثر بلاد الجبل إلى حدود أرمينية وافتتح ابنه مسعود زنجان وأبهر وخطب له علاء الدولة بأصبهان وعاد محمود إلى خراسان واستخلف بالري ابنه مسعودًا فقصد أصبهان وملكها من علاء الدولة وعاد عنها واستخلف بها بعض أصحابه فثار به أهلها فقتلوه فعاد إليهم فقتل منهم مقتلة عظيمة نحو خمسة آلاف قتيل وسار إلى الري فأقام بها‏.‏

ذكر ما فعله السالار إبراهيم بن المرزبان بعد عود يمين الدولة عن الري

هذا السالار هو إبراهيم بن المرزبان بن إسماعيل بن وهسوذان بن محمد ابن مسافر الديلمي وكان له من بلاد سرجهان وزنجان وأبهر وشهرزور وغيرها وهي ما استولى عليها بعد وفاة فخر الدولة بن بويه‏.‏

فلما ملك يمين الدولة محمود بن سبكتكين الري سير المرزبان بن الحسن بن خراميل وهو من أولاد ملوك الديلم وكان قد التجأ إلى يمين الدولة فسيره إلى بلاد السالار إبراهيم ليملكها فقصدها واستمال الديلم فمال إليه بعضهم‏.‏

واتفق عود يمين الدولة إلى خراسان فسار السالار إبراهيم إلى قزوين وبها عسكر يمين الدولة فقاتلهم فأكثر القتل فيهم وهرب الباقون وأعانه أهل البلد وسار السالار أيضًا إلى مكان بقرب سرجهان تطيف به الأنهار والجبال فتحصن به‏.‏

فسمع مسعود بن يمين الدولة وهو بالري بما فعل فسار مجدًا إلى السالار فجرى بينهما وقائع كان الاستظهار فيها للسالار‏.‏

ثم إن مسعودًا راسل طائفة من جند السالار واستمالهم وأعطاهم الأموال فمالوا إليه ودلوه على عورة السالار وحملوا طائفة من عسكره في طريق غامضة حتى جعلوه من ورائهم وكبسوا السالار أول رمضان وقاتله مسعود من بين يديه وأولئك من خلفه فاضطرب السالار ومن معه وانهزموا وطلب كل إنسان منهم مهربًا واختفى السالار في مكان فدلت عليه امرأة سوادية فأخذه مسعود وحمله إلى سرجهان وبها ولده فطلب منه أن يسلمها فلم يفعل فعاد عنها وتسلم باقي قلاعه وبلاده وأخذ أمواله وقرر على ابنه المقيم بسرجهان مالًا وعلى كل من جاوره من مقدمي الأكراد وعاد إلى الري‏.‏

ذكر ملك أبي كاليجار مدينة واسط ومسير جلال الدولة إلى الأهواز

ونهبها وعود واسط إليه في هذه السنة صعد الملك أبو كاليجار إلى مدينة واسط فملكها وكان ابتداء ذلك أن نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد صاحب الحلة والنيل ولم تكن الحلة بنيت ذلك الوقت وخطب لأبي كاليجار في أعماله‏.‏

وسببه أن أبا حسان المقلد بن أبي الأغر الحسن بن مزيد كان بينه وبين نور الدولة عداوة فاجتمع هو ومنيع أمير بني خفاجة وأرسلا إلى بغداد يبذلان مالًا يتجهز به العسكر لقتال نور الدولة فاشتد الأمر على نور الدولة فخطب لأبي كاليجار وراسله يطمعه في البلاد‏.‏

ثم اتفق أنه ملك البصرة على ما ذكرناه فقوي طمعه فسار من الأهواز إلى واسط وبها الملك العزيز بن جلال الدولة ومعه جمع من الأتراك ففارقها العزيز وقصد النعمانية ففجر عليه نور الدولة البثوق من بلده فهلك كثير من أثقالهم وغرق جماعة منهم وخطب في البطيحة وأرسل أبو كاليجار إلى قرواش صاحب الموصل وعنده الأثير عنبر يطلب منه أن ينحدر إلى العراق ليبقى جلال الدولة بين الفريقين فانحدر إلى الكحيل فمات به الأثير عنبر ولم ينحدر معه قرواش وجمع جلال الدولة عساكره واستنجد أبا الشوك وغيره وانحدر إلى واسط ولم يكن بين العسكرين قتال وتتابعت الأمطار حتى هلكوا‏.‏

واشتد الأمر على جلال الدولة لفقره وقلة الأموال وغيرها عنده فاستشار أصحابه فيما يفعل فأشاروا أن يقصدوا الأهواز وينهبها ويأخذ ما بها من أموال أبي كاليجار وعسكره‏.‏

فسمع أبو كاليجار ذلك فاستشار أيضًا أصحابه فقال بعضهم‏:‏ ما عدل جلال الدولة عن القتال إلا لضعف فيه والرأي أن تسير إلى العراق فتأخذ من أموالهم ببغداد أضعاف ما يأخذون منا فاتفقوا على ذلك فأتاهم جاسوس من أبي الشوك يخبر بمجيء عساكر محمود بن سبكتكين إلى طخر وأنهم يريدون العراق ويشير بالصلح واجتماع الكلمة على دفعهم عن البلاد‏.‏فأنفذ أبو كاليجار الكتاب إلى جلال الدولة وقد سار إلى الأهواز وأقام ينتظر الجواب ظنًا منه أن جلال الدولة يعود بالكتاب فلم يلتفت جلال الدولة ومضى إلى الأهواز فنهبها وأخذ من دار الإمارة مائتي ألف دينار وأخذوا ما لا يحصى ودخل الأكراد والأعراب وغيرهم إلى البلد فأهلكوا الناس بالنهب والسبي وأخذت والدة أبي كاليجار وابنته وأم ولده وزوجته فماتت

ولما سمع أبو كاليجار الخبر سار ليلقى جلال الدولة فتخلف عنه دبيس ابن مزيد خوفًا على أهله وحلله من خفاجة والتقى أبو كاليجار وجلال الدولة آخر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين فاقتتلوا ثلاثة أيام وانهزم أبو كاليجار وقتل من أصحابه ألفا رجل ووصل إلى الأهواز بأسوأ حال فأتاه العادل بن مافنة بمال فحسنت حاله‏.‏

وأما جلال الدولة فإنه عاد واستولى على واسط وجعل ابنه العزيز بها وأصعد إلى بغداد ومدحه المرتضى ومهيار وغيرهما وهنأوه بالظفر‏.‏

ذكر حال دبيس بن مزيد بعد الهزيمة

لما عاد دبيس بن مزيد الأسدي وفارق أبا كاليجار وصل إلى بلده وكان قد خالف عليه قوم من بني عمه ونزلوا الجامعين وأتاهم وقاتلهم فظفر بهم وأسر منهم جماعة منهم شبيب وسرايا ووهب بنو حماد بن مزيد وأبو عبد الله الحسن بن أبي الغنائم بن مزيد وحملهم إلى الجوسق‏.‏

ثم إن المقلد بن أبي الأغر بن مزيد وغيره اجتمعوا معهم عسكر من جلال الدولة وقصدوا دبيسًا وقاتلوه فانهزم منهم وأسر من بني عمه خمسة عشر رجلًا فنزل المعتقلون بالجوسق وهم شبيب وأصحابه إلى حلله فحرسوها وسار دبيس منهزمًا إلى السندية إلى نجدة الدولة أبي منصور كامل بن قراد فاستصحبه إلى أبي سنان غريب بن مقن حتى أصلح أمره مع جلال الدولة وعسكره وتكفل به وضمن عنه عشرة آلاف دينار سابورية إذا أعيد إلى ولايته فأجيب إلى ذلك وخلع عليه‏.‏

فعرف المقلد الحال ومعه جمع من خفاجة فنهبوا مطيراباذ والنيل وسورا أقبح نهب واستاقوا مواشيها وأحرقوا منازلها وعبر المقلد دجلة إلى أبي الشوك وأقام عنده إلى أن أحكم أمره‏.‏

ذكر عصيان زناتة ومحاربتهم بإفريقية

في هذه السنة تجمعت زناتة وعاودت الخلاف على المعز بإفريقية فبلغ ذلك المعز فجمع عساكره وسار إليهم بنفسه فالتقوا بموضع يعرف بحمديس الصابون ووقعت الحرب بين الطائفتين واشتد القتال فانهزمت زناتة وقتل منهم عدد كثير أسر مثلهم وعاد المعز ظافرًا غانمًا‏.‏

ذكر ما فعله يمين الدولة وولده بعده بالغز

في هذه السنة أوقع يمين الدولة بالأتراك الغزية وفرقهم في بلاده لأنهم كانوا قد أفسدوا فيها وهؤلاء كانوا أصحاب أرسلان بن سلجوقي التركي وكانوا بمفازة بخارى فلما عبر يمين الدولة النهر إلى بخارى هرب علي تكين صاحبها منه على ما نذكره‏.‏

وحضر أرسلان بن سلجوق عند يمين الدولة فقبض عليه وسجنه ببلاد الهند وأسرى إلى خركاهاته فقتل كثيرًا من أصحابه وسلم منهم خلق كثير فهربوا منه ولحقوا بخراسان فأفسدوا فيها ونهبوا هذه السنة فأرسل إليهم جيشًا فسبوهم وأجلوهم عن خراسان فسار منهم أهل ألفي خركاة فلحقوا بأصبهان فكتب يمين الدولة إلى علاء الدولة بإنفاذهم أو إنفاذ رؤوسهم فأمر نائبه أن يعمل طعامًا ويدعوهم إليه ويقتلهم فأرسل إليهم وأعلمهم أنه يريد إثبات أسمائهم ليستخدمهم وكمن الديلم في البساتين فحضر جمع كثير منهم فلقيهم مملوك تركي لعلاء الدولة فأعلمهم الحال فعادوا فأراد نائب علاء الدولة أن يمنعهم من العود فلم يقبلوا منه فحمل ديلمي من قواد الديلم على إنسان منهم فرماه التركي بسهم فقتله‏.‏

ووقع الصوت بذلك فخرجت الديلم وانضاف إليهم أهل البلد فجرى بينهم حرب فهزموهم فقلع الترك خركاهاتهم وساروا ولم يجتازوا على قرية إلا نهبوها إلى أن وصلوا إلى وهسوذان بأذربيجان فراعاهم وتفقدهم‏.‏

وبقي بخراسان أكثر ممن قصد أصبهان فأتوا جبل بلجان وهو الذي عنده خوارزم القديمة فنزل كثير منهم من الجبل إلى البلاد فنهبوا وأخربوا وقتلوا فجرد محمود بن سبكتكين إليهم أرسلان الجاذب أمير طوس فسار إليهم ولم يزل يتبعهم نحو سنتين في جموع كثيرة من العساكر فاضطر محمود إلى قصد خراسان بسببهم فسار يطلبهم من نيسابور إلى دهستان فساروا إلى جرجان ثم عاد عنهم وجعل ابنه مسعودًا بالري على ما ذكرناه فاستخدم بعضهم وقدمهم يغمر‏.‏

فلما مات محمود بن سبكتكين سار مسعود ابنه إلى خراسان وهم معه فلما ملك غزنة سألوه فيمن بقي منهم بجبل بلجان فأذن لهم في العود على شرط الطاعة والاستقامة‏.‏

ثم إن مسعودًا قصد بلاد الهند عند عصيان أحمد ينالتكين فعاودوا الفساد فسير تاش فراش في عسكر كثير إلى الري لأخذها من علاء الدولة فلما بلغ نيسابور ورأى سوء فعلهم دعا مقدميهم وقتل نيفًا وخمسين رجلًا فيهم يغمر فلم ينتهوا وساروا إلى الري‏.‏

وبلغ مسعودًا ما هم عليه من الشر والفساد فأخذ حللهم وسيرها إلى الهند وقطع أيدي كثير منهم وأرجلهم وصلبهم‏.‏

هذه أخبار عشيرة أرسلان بن سلجوق وأما أخبار طغرلبك وداود وأخيهما بيغو فإنهم كانوا بما وراء النهر وكان من أمرهم ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى لأنهم صاروا ملوكًا تجيء أخبارهم على السنين‏.‏

ولما وقع تاش فراش حاجب السلطان مسعود بالغز ساروا إلى الري يزعمون أنهم يريدون أذربيجان واللحاق بمن مضى منهم أولًا هناك ويسمون العراقية وكان اسم أمراء هذه الطائفة كوكتاش وبوقا وقزل ويغمر وناصغلي فوصلوا إلى الدامغان فخرج إليهم عسكرها وأهل البلد ليمنعوهم عنه فلم يقدروا فصعدوا الجبل وتحصنوا به ودخل الغز البلد ونهبوه وانتقلوا إلى سمنان ففعلوا فيها مثل ذلك ودخلوا خوار الري ففعلوا مثله ونهبوا إسحاق آباذ وما يجاورها من القرى وساروا إلى مشكويه من أعمال الري فنهبوها‏.‏

وتجهز أبو سهل الحمدوني وتاش فراش وكاتبا الملك مسعودًا وصاحب جرجان وطبرستان بالحال وطلبا النجدة وأخذ تاش ثلاثة آلاف فارس وما عنده من الفيلة والسلاح وسار إلى الغز ليواقعهم وبلغهم خبره فتركوا نساءهم وأموالهم وما غنموا من خراسان وهذه البلاد المذكورة وساروا جريدة فالتقوا فركب تاش الفيل ووقعت الحرب بين الفريقين فكانت أولًا لتاش ثم إن الغز أسروا مقدم الأكراد الذين مع تاش وأرادوا قتله فقال لهم‏:‏ استبقوني حتى آمر الأكراد الذين مع تاش بترك قتالهم فتركوه وعاهدوه على إطلاقه فأرسل إلى الأكراد يقول وحملت الغز وكانوا خمسة آلاف على تاش فراش وعسكره فانهزم الأكراد وثبت تاش وأصحابه فقتل الغز الفيل الذي تحته فسقط فقتلوه وقطعوه أخذًا بثأر من قتل منهم وقتل معه عدد كثير من الخراسانية وأكابر القواد وغنموا بقية الفيلة وأثقال العسكر وساروا إلى الري فاقتتلوا هم وأبو سهل الحمدوني ومن معه من الجند وأهل البلد فصعد هو ومن معه قلعة طبرك ودخل الغز البلد ونهبوا عدة محال نهبًا اجتاحوا به الأموال ثم اقتتلوا هم وأبو سهل فأسر منهم ابن أخت ليغمر أمير الغز وقائدًا كبيرًا من قوادهم فبذلوا فيهما إعادة ما أخذوا من عسكر تاش وإطلاق الأسرى وحمل ثلاثين ألف دينار فقال‏:‏ لا أفعل إلا بأمر السلطان‏.‏

وخرج الغز عن البلد ووصل عسكر من جرجان فلما قربوا من الري سار إليهم الغز فكبسوهم وأسروا مقدمهم وأسروا معه ألفي رجل وانهزم الباقون وعادوا وكان هذا سنة سبع وعشرين وأربعمائة‏.‏

ذكر وصول علاء الدولة إلى الري


واتفاقه مع الغز وعودهم إلى الخلاف عليه لما فارق الغز الري إلى أذربيجان علم علاء الدولة ذلك فسار إليها ودخلها وهو يظهر طاعة

السلطان مسعود بن سبكتكين فأرسل إلى أبي سهل الحمدوني يطلب منه أن يقرر الذي عليه بمال يؤديه فامتنع من إجابته مخافة علاء الدولة فأرسل إلى الغز يستدعيهم ليعطيهم الأقطاع ويتقوى بهم على الحمدوني فعاد منهم نحو ألف وخمسمائة مقدمهم قزل وسار الباقون إلى أذربيجان‏.‏

فلما وصل الغز إلى علاء الدولة أحسن إليهم وتمسك بهم وأقاموا عنده ثم ظهر على بعض القواد الخراسانية الذين عنده أنه دعا الغز إلى موافقته على الخروج عليه والعصيان فأرسل إليه علاء الدولة وأحضره وقبض عليه وسجنه في قلعة طبرك فاستوحش الغز لذلك ونفروا فاجتهد علاء الدولة في تسكينهم فلم يفعلوا وعاودوا الفساد والنهب وقطع الطريق وعاد علاء الدولة فراسل أبا سهل الحمدوني وهو بطبرستان وقرر معه أمر الري ليكون في طاعة مسعود فأجابه إلى ذلك وسار إلى نيسابور وبقي علاء الدولة بالري‏.‏

ذكر ما كان من الغز الذين بأذربيجان


قد ذكرنا أن طائفة من الغز وصلوا إلى أذربيجان فأكرمهم وهسوذان وصاهرهم رجاء نصرهم وكف شرهم‏.‏

وكان أسماء مقدميهم‏:‏ بوقا وكوكتاش ومنصور ودانا وكان ما أمله بعيدًا فإنهم لم يتركوا الشر والفساد والقتل والنهب وساروا إلى مراغة فدخلوها سنة تسع وعشرين وأحرقوا جامعها وقتلوا من عوامها مقتلة كثيرة ومن الأكراد الهذبانية كذلك وعظم الأمر واشتد البلاء‏.‏

فلما رأى الأكراد ما حل بهم وبأهل البلاد شرعوا في الصلح والإتفاق على دفع شرهم فاصطلح أبو الهيجاء بن ربيب الدولة ووهسوذان صاحب أذربيجان واتفقت كلمتهما واجتمع معهما أهل تلك البلاد فانتصفوا من الغز‏.‏

فلما رأوا اجتماع أهل البلاد على حربهم انصرفوا عن أذربيجان وتعذر عليهم المقام بها ثم إنهم افترقوا فسار طائفة إلى الذين على الري ومقدمهم بوقا وسار طائفة منهم مقدمهم منصور وكوكتاش إلى همذان فحصروها وبها أبو كاليجار بن علاء الدولة بن كاكويه فاتفق هو وأهل البلاد على قتالهم ودفعهم عن أنفسهم وبلدهم فقتل بين الفريقين جماعة كثيرة وطال مقامهم على همذان فلما رأى أبو كاليجار بن علاء الدولة ذلك وضعفه عن مقاومتهم راسل كوكتاش وصالحه وصاهره‏.‏

وأما الذين قصدوا الري فإنهم حصروها وبها علاء الدولة بن كاكويه واجتمع معهم فناخسرو بن مجد الدولة وكامرو الديلمي صاحب ساوة فكثر جمعهم واشتدت شوكتهم‏.‏

فلما رأى علاء الدولة أنهم كلما جاء أمرهم ازدادوا قوة وضعف هو خاف على نفسه وفارق البلد في رجب ليلًا ومضى هاربًا إلى أصبهان وأجفل أهل البلد وتمزقوا وعدلوا عن القتال إلى الاحتيال للهرب وغاداهم الغز من الغد للقتال فلم يثبتوا لهم ودخلوا البلد ونهبوا نهبًا فاحشًا وسبوا النساء وبقوا كذلك خمسة أيام حتى لجأ الحرم إلى الجامع وتفرق الناس في كل مذهب ومهرب وكان السعيد من نجل بنفسه‏.‏

وكانت هذه الوقعة بعد التي تقدمتها مستأصلة حتى قيل إن بعض الجمع لم يكن بالجامع إلا خمسون نفسًا‏.‏

ولما فارق علاء الدولة الري تبعه جمع من الغز فلم يدركوه فعدلوا إلى كرج فنهبوها وفعلوا فيها الأفاعيل القبيحة‏.‏

ومضى طائفة منهم ومقدمهم ناصغلي إلى قزوين فقاتلهم أهلها ثم صالحوهم على سبعة آلاف دينار وصاروا في طاعته‏.‏

وكان بأرمية طائفة منهم فساروا إلى بلد الأرمن فأوقعوا بهم وأثخنوا فيهم وأكثروا القتل وغنموا وسبوا وعادوا إلى أرمية وأعمال أبي الهيجاء الهذباني فقاتلهم أكرادها لما أنكروه من سوء مجاورتهم فقتل خلق كثير ونهب الغز سواد البلاد هناك وقتلوا من الأكراد كثيرًا‏.‏

ذكر ملك الغز همذان

قد ذكرنا حصار الغز همذان وصلحهم مع صاحبها أبي كاليجار بن علاء الدولة بن كاكويه فلما كان الآن وملك الغز الري عاودوا حصار همذان وساروا إليها من الري ما عدا قزل وجماعته واجتمعوا مع من بها من الغز‏.‏

فلما سمع أبو كاليجار بهم علم أنه لا قدوة له عليهم فسار عنها ومعه وجوه التجار وأعيان البلد وتحصن بكنكور‏.‏

ودخل الغز همذان سنة ثلاثين وأربعمائة واجتمع عليها من مقدميهم‏:‏ كوكتاش وبوقا وقزل ومعهم فناخسرو بن مجد الدولة بن بويه في عدة كثيرة من الديلم فلما دخلوها نهبوها نهبًا منكرًا لم يفعلوه بغيرها من البلاد غيظًا منهم وحنقًا عليهم حيث قاتلوهم أولًا وأخذوا الحرم وضربت سراياهم إلى أسداباذ وقرى الدينور واستباحوا تلك النواحي وكان الديلم أشدهم‏.‏

فخرج إليهم أبو الفتح بن أبي الشوك صاحب الدينور فواقعهم واستظهر عليهم وأسر منهم جماعة فراسله أمراؤهم في إطلاقهم فامتنع إلا على صلح وعهود فأجابوه وصالحوه فأطلقهم‏.‏

ثم إن الغز بهمذان راسلوا أبا كاليجار بن علاء الدولة وصالحوه وطلبوا إليه أن ينزل إليهم ليدبر أمرهم ويصدرون عن رأيه وأرسلوا إليه زوجته التي تزوجها منهم فنزل إليهم فلما صار معهم وثبوا عليه فانهزم ونهبوا ماله وما كان معه من دواب وغيرها‏.‏

فسمع أبوه فخرج من أصبهان إلى أعماله بالجبل ليشاهدها فوقع بطائفة كثيرة من الغز فظفر بهم وقتل منهم فأكثر

ذكر قتل الغز بمدينة تبريز وفراقهم أذربيجان إلى الهكارية

في سنة اثنتين وثلاثين قتل وهسوذان بن مهلان جمعًا كثيرًا من الغز بمدينة تبريز‏.‏

وكان سبب ذلك أنه دعا جمعًا كثيرًا منهم إلى طعام صنعه لهم فلما طعموا وشربوا قبض على ثلاثين رجلًا منهم من مقدميهم فضعف الباقون فأكثر فيهم القتل فاجتمع الغز المقيمون بأرمية وساروا نحو بلاد الهكارية من أعمال الموصل فقاتلهم أكرادها وقاتلوهم قتالًا عظيمًا فانهزم الأكراد وملك الغز حللهم وأموالهم ونساءهم وأولادهم وتعلق الأكراد بالجبال والمضايق وسار الغز في أثرهم فواقعوهم فظفر بهم الأكراد فقتلوا منهم ألفًا وخمسمائة رجل وأسروا جمعًا فيه سبعة من أمرائهم ومائة نفس من وجوههم وغنموا سلاحهم ودوابهم وما معهم من غنيمة استردوها وسلك الغز طريق الجبال فتمزقوا وتفرقوا‏.‏

وسمع ابن ربيب الدولة الخبر فسير في آثراهم من يفني باقيهم ثم توفي أمير الغز المقيم بالري وخرج إبراهيم ينال أخو السلطان طغرلبك إلى الري فلما سمع به الغز المقيمون بها أجفلوا من بين يديه وفارقوا بلاد الجبل خوفًا منه وقصدوا ديار بكر والموصل في سنة ثلاث وثلاثين‏.‏

في سنة ثلاث وثلاثين فارق الغز أذربيجان‏

وسبب ذلك أن إبراهيم ينال وهو أخو طغرلبك سار إلى الري فلما سمع الغز الذين بها خبره أجفلوا من بين يديه وفارقوا بلاد الجبل خوفًا وقصدوا أذربيجان ولم يمكنهم المقام بها لما فعلوا بأهلها ولأن إبراهيم ينال وراءهم وكانوا يخافونه لأنهم كانوا له ولأخويه طغرلبك وداود رعية فأخذوا بعض الأكراد وعرفهم الطريق فأخذ بهم في جبال وعرة على الزوزان وخرجوا إلى جزيرة ابن عمر فسار بوقا وناصغلي وغيرهما إلى ديار بكر ونهبوا قردى وبازبدى والحسنية وفيشابور وبقي منصور ابن غرغلي بالجزيرة من الجانب الشرقي‏.‏

فراسله سليمان بن نصر الدولة بن مروان المقيم بالجزيرة في المصالحة والمقام بأعمال الجزيرة إلى أن ينكشف الشتاء ويسير مع باقي الغز إلى الشام فتصالحا وتحالفا وأضمر سليمان الغدر به فعمل له طعامًا احتفل فيه ودعاه فلما دخل الجزيرة قبض عليه وحبسه وانصرف أصحابه متفرقين في كل جهة‏.‏

فلما علم بذلك قرواش سير جيشًا كثيفًا إليهم واجتمع معهم الأكراد البشنوية أصحاب فنك وعسكر نصر الدولة فتبعوا الغز فلحقوهم وقاتلوهم فبذل الغز جميع ما غنموه على أن يؤمنوهم فلم يفعلوا فقاتلوا قتال من لا يخاف الموت فجرحوا من العرب كثيرًا وافترقوا‏.‏

وكان بعض الغز قد قصد نصيبين وسنجار للغارة فعادوا إلى الجزيرة وحصروها وتوجهت العرب إلى العراق ليشتوا به فأخربت الغز ديار بكر ونهبوا وقتلوا فأخذ نصر الدولة منصورًا أمير الغز من ابنه سليمان وراسل الغز وبذل لهم مالًا وإطلاق منصور ليفارقوا عمله فأجابوه فأطلق منصورًا وأرسل بعض المال فغدروا وزادوا في الشر وسار بعضهم إلى نصيبين وسنجار والخابور فنهبوا وعادوا وسار بعضهم إلى جهينة وأعمال الفرج فنهبوها فدخل قرواش الموصل خوفًا منهم‏.‏

ذكر ملك الغز مدينة الموصل

لما خرجوا من أذربيجان إلى جزيرة ابن عمر وهي من أعمال نصر الدولة ابن مروان سار بعضهم إلى ديار بكر مع أمرائهم المذكورين وسار الباقون إلى البقعاء ونزلوا برقعيد فأرسل إليهم قرواش صاحب الموصل من ينظر فيهم ويغير عليهم‏.‏

فلما رأوا ذلك تقدموا إلى الموصل فأرسل إليهم يستعطفهم ويلين لهم وبذلك لهم ثلاثة آلاف دينار فلم يقبلوا فأعاد مراسلتهم ثانية فطلبوا خمسة عشر ألف دينار فالتزمها وأحضر أهل البلد وأعلمهم الحال‏.‏

فبينما هو بجمع المال وصل الغز إلى الموصل ونزلوا بالحصباء فخرج إليهم قرواش وأجناده والعامة فقاتلوهم عامة نهارهم وأدركهم الليل فافترقوا فلما كان الغد عادوا إلى القتال فانهزمت العرب وأهل البلد وهرب قرواش في سفينة نزلها من داره وخرج من جميع ماله إلا الشيء اليسير ودخل الغز البلد فنهبوا كثيرًا منه ونهبوا جميع ما لقرواش من مال وجوهر وحلي وثياب وأثاث ونجا قرواش في السفينة ومعه نفر فوصل إلى السن وأقام بها وأرسل إلى الملك جلال الدولة يعرفه الحال ويطلب النجدة وأرسل إلى دبيس بن مزيد وغيره من أمراء العرب والأكراد يستمدهم ويشكو ما نزل به‏.‏

وعمل الغز بأهل الموصل الأعمال الشنيعة من الفتك وهتك الحريم ونهب المال وسلم عدة محال منها سكة أبي نجيح والجصاصة وجارسوك وشاطيء نهر وباب القصابين على مال ضمنوه فكفوا عنهم‏.‏

ذكر وثوب أهل الموصل بالغز وما كان بينهم

قد ذكرنا ملك الغز الموصل فلما استقروا فيها قسطوا على أهلها عشرين ألف دينار وأخذوها ثم تتبعوا الناس وأخذوا كثيرًا من أموالهم بحجة أموال العرب ثم قسطوا أربعة آلاف دينار أخرى فحضر جماعة من الغر عند ابن فرغان الموصلي وطالبوا إنسانًا بحضرته وأساءوا الأدب والقول‏.‏

وجرى بين بعض الغز وبعض المواصلة مشاجرة فجرحه الغزي وقطع شعره وكان للموصلي والدة سليطة فلطخت وجهها بالدم وأخذت الشعر بيدها وصاحت‏:‏ المستغاث بالله وبالمسلمين قد قتل لي ابن وهذا دمه وابنة وهذا شعرها‏!‏ وطافت في الأسواق فثار الناس وجاؤوا إلى ابن فرغان فقتلوا من عنده من الغز وقتلوا من ظفروا به منهم ثم حصروهم في دار فقاتلوا من بسطحها فنقب الناس عليهم الدار وقتلوهم جميعهم غير سبعة أنفس منهم أبو علي ومنصور فخرج منصور إلى الحصباء ولحق به من سلم منهم‏.‏

وكان كوكتاش قد فارق الموصل في جمع كثير فأرسلوا إليه يعلمونه الحال فعاد إليهم ودخل البلد عنوة في الخامس والعشرين من رجب سنة خمس وثلاثين ووضعوا السيف في أهله وأسروا كثيرًا ونهبوا الأموال وأقاموا على ذلك اثني عشر يومًا يقتلون وينهبون وسلمت سكة أبي نجيح فإن أهلها أحسنوا إلى الأمير منصور فرعى لهم ذلك والتجأ من سلم إليها وبقي القتلى في الطريق فأنتنوا لعدم من يواريهم ثم طرحوا بعد ذلك كل جماعة في حفيرة‏.‏

وكانوا يخطبون للخليفة ثم لطغرلبك‏.‏

ولما طال مقامهم بهذه البلاد وجرى منهم ما ذكرناه كتب الملك جلال الدولة بن بويه إلى طغرلبك يعرفه ما يجري منهم وكتب إلى نصر الدولة بن مروان يشكو منهم فكتب إلى نصر الدولة يقول له‏:‏ بلغني أن عبيدنا قصدوا بلادك وأنك صانعتهم بمال بذلته لهم وأنت صاحب ثغر ينبغي أن تعطي ما تستعين به على قتال الكفار ويعده أنه يرسل إليهم يرحلهم من بلده‏.‏

وكانوا يقصدون بلاد الأرمن وينهبون ويسبون حتى إن الجارية الحسناء بلغت قيمتها خمسة دنانير وأما الغلمان فلا يرادون‏.‏

فأما كتاب طغرلبك إلى جلال الدولة فيعتذر بأن هؤلاء التركمان كانوا لنا عبيدًا وخدمًا ورعايا وتبعًا يمتثلون الأمر ويخدمون الباب ولما نهضنا لتدبير خطب آل محمود بن سبكتكين وانتدبنا لكفاية أمر خوارزم انحازوا إلى الري فعاثوا فيها وأفسدوا فزحفنا بجنودنا من خراسان إليهم مقدرين أنهم يلجأون إلى الأمان ويلوذون بالعفو والغفران فملكتهم الهيبة وزحزحتهم الحشمة ولا بد من أن نردهم إلى راياتنا خاضعين ونذيقهم من بأسنا جزاء المتمردين قربوا أم بعدوا أغاروا أم أنجدوا‏.‏

ذكر ظفر قرواش صاحب الموصل بالغز

قد ذكرنا انحدار قرواش إلى السن ومراسلته سائر أصحاب الأطراف في طلب النجدة منهم فأما الملك جلال الدولة فلم ينجده لزوال طاعته عن جنده االأتراك وأما دبيس بن مزيد فسار إليه واجتمعت عليه عقيل كافة وأتته أمداد أبي الشوك وابن ورام وغيرهما فلم يدركوا الوقعة فإن قرواشًا لما اجتمعت عقيل ودبيس عنده سار إلى الموصل‏.‏

وبلغ الخبر إلى الغز فتأخروا إلى تلعفر وبومارية وتلك النواحي وراسلوا الغز الذين كانوا بديار بكر ومقدمهم ناصغلي وبوقا وطلبوا منهم المساعدة على العرب فساروا إليهم‏.‏

وسمع قرواش بوصولهم فلم يعلم أصحابه لئلا يفشلوا ويجبنوا وسار حتى نزل على العجاج وسارت الغز فنزلوا برأس الأيل من الفرج وبينهما نحو فرسخين وقد طمع الغز في العرب فتقدموا حتى شارفوا حلل العرب ووقعت الحرب في العشرين من شهر رمضان من أول النهار فاستظهرت الغز وانهزمت العرب حتى صار القتال عند حللهم ونساؤهم يشاهدون القتال فلم يزل الظفر للغز إلى الظهر ثم أنزل الله نصره على العرب وانهزمت الغز وأخذهم السيف وتفرقوا وكثر القتل فيهم فقتل ثلاثة من مقدميهم وملك العرب حلل الغز وخركاهاتهم وغنموا أموالهم فعمتهم الغنيمة وأدركهم الليل فحجز بينهم‏.‏

وسير قرواش رؤوس كثير من القتلى في سفينة إلى بغداد فلما قاربتها أخذها الأتراك ودفنوها ولم يتركوها تصل أنفة وحمية للجنس وكفى الله أهل الموصل شرهم وتبعهم قرواش إلى نصيبين وعاد عنهم فقصدوا ديار بكر فنهبوها ثم مالوا على الأرمن والروم فنهبوهم ثم قصدوا بلاد أذربيجان وكتب قرواش إلى الأطراف يبشر بالظفر بهم وكتب إلى ابن ربيب الدولة صاحب أرمية يذكر له أنه قتل منهم ثلاثة آلاف رجل فقال للرسول‏:‏ هذا عجيب‏!‏ فإن القوم لما اجتازوا ببلادي أقمت على قنطرة لا بد لهم من عبورها من عدهم فكانوا نيفًا وثلاثين ألفًا مع لفيفهم فلما عادوا بعد هزيمتهم لم يبلغوا خمسة آلاف رجل فإما أن يكونوا قتلوا أو هلكوا‏.‏ومدح الشعراء قرواشًا بهذا الفتح وممن مدحه ابن شبل بقصيدة منها‏:‏ بأبي الذي أرست نزار بيتها في شامخ من عزه المتخير وهي طويلة‏.‏

هذه أخبار الغز العراقيين وإنما أوردناها لأن دولتهم لم تطل حتى نذكر حوادثها في السنين وإنما كانت سحابة صيف تقشعت عن قريب‏.‏

وأما السلجوقية فنحن

ذكر حوادثهم في السنين

ونذكر ابتداء أمرهم سنة اثنتين وثلاثين إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر عدة حوادث

و في هذه السنة سير الظاهر جيشًا من مصر مقدمهم أنوشتكين الزبري فقتل صالح بن مرداس

وفيها سقط في البلاد برد عظيم وكان أكثره بالعراق وارتفعت بعده ريح شديدة سوداء فقلعت كثيرًا من الأشجار بالعراق فقلعت شجرًا كبارًا من الزيتون من شرقي النهراون وألقته على بعد من غربيها وقلعت نخلة من أصلها وحملتها إلى دار بينها وبين موضع هذه الشجرة ثلاث دور وقلعت سقف مسجد الجامع ببعض القرى‏.‏

وفيها في ذي القعدة تولى عبد الله بن ماكولا قضاء القضاة‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي عن نيف وتسعين سنة وأخذ النحو عن أبي علي الفارسي وأبي سعيد السيرافي وكان فكهًا كثير الدعابة فمن ذلك أنه كان يومًا على شاطيء دجلة ببغداد والملك جلال الدولة والمرتضى والرضي كلاهما في سميرية ومعهما عثمان بن جني النحوي فناداه الربعي‏:‏ أيها الملك ما أنت صادق في تشيعك لعلي بن أبي طالب يكون عثمان إلى جانبك وعلي يعني نفسه هاهنا‏!‏ فأمر بالسميرية فقربت إلى الشاطيء وحمله معه‏.‏

وقيل إن هذا القول كان للشريف الرضي وأخيه المرتضى ومعهما عثمان ابن جني فقال‏:‏ ما أعجب أحوال الشريفين‏!‏ يكون عثمان معهما وعلي يمشي على الشط‏.‏

وفيها أيضًا توفي أبو المسك عنبر الملقب بالأثير وكان قد أصعد إلى الموصل مغاضبًا لجلال الدولة فلقيه قرواش وأهله وقبلوا الأرض بين يديه فأقام عندهم وكان خصيًا لبهاء الدولة بن بويه وكان قد بلغ مبلغًا عظيمًا لم يخل أمير ولا وزير في دولة بني بويه من تقبيل يده والأرض بين يديه وكان قد استقر بينه وبين قرواش وأبي كاليجار قاعدة أن يصعد أبو كاليجار من واسط وينحدر الأثير وقرواش من الموصل لقصد جلال الدولة وكان الأثير قد انحدر من الموصل فلما وصل مشهد الكحيل توفي فيه‏.‏

وفيها انقطع كوكب عظيم في رجب أضاءت منه الأرض وسمع له صوت عظيم كالرعد وتقطع أربع قطع وانقض بعده بليلتين كوكب آخر دونه وانقض بعدهما كوكب أكبر منهما وأكثر ضوءًا‏.‏

وفيها كانت ببغداد فتنًا قوي فيها أمر العيارين واللصوص فكانوا يأخذون العملات ظاهرًا‏.‏

وفيها قطعت الجمعة من جامع براثا وسببها أنه كان يخطب فيها إنسان يقول في خطبته‏:‏ بعد الصلاة على النبي وعلى أخيه أمير المؤمنين على بن أبي طالب مكلم الجمجمة ومحييها البشري الإلهي مكلم الفتية أهل الكهف إلى غير ذلك من الغلو المبتدع فأقام الخليفة خطيبًا فرجمه العامة فانقطعت الصلاة فيه فاجتمع جماعة من أعيان الكرخ مع المرتضى واعتذروا إلى الخليفة بأن سفهاء لا يعرفون فعلوا ذلك وسألوا إعادة الخطبة فأجيبوا إلى ما طلبوا وأعيدت وفيها توفي ابن أبي الهبيش الزاهد المقيم بالكوفة وهو من أرباب الطبقات الغالية في الزهد وقبره يزار إلى الآن وقد زرته‏.‏

وفيها توفي منوجهر بن قابوس بن وشمكير وملك ابنه أنوشروان‏.‏