المجلد الثامن - ذكر فتوح إبراهيم صاحب غزنة في بلاد الهند

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة

في هذه السنة غزا الملك إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند فحصر قلعة أجود وهي على مائة وعشرين فرسخًا من لهاوور وهي قلعة حصينة في غاية الحصانة كبيرة تحوي عشرة آلاف رجل من المقاتلة فقاتلوه وصبروا تحت الحصر وزحف إليهم غير مرة فرأوا من شدة حربه ما ملأ قلوبهم خوفًا ورعبًا فسلموا القلعة إليه في الحادي والعشرين من صفر هذه السنة‏.‏

وكان في نواحي الهند قلعة يقال لها قلعة روبال على رأس جبل شاهق وتحتها غياض أشبة وخلفها البحر وليس عليها قتال إلا من مكان ضيق وهو مملوء بالفيلة المقاتلة وبها من رجال الحرب ألوف كثيرة فتابع عليهم الوقائع وألح عليهم بالقتال بجميع أنواع الحرب وملك القلعة واستنزلهم منها‏.‏

وفي موضع يقال له دره نوره أقوام من أولاد الخراسانيين الذين جعل أجدادهم فيها أفراسياب التركي من قديم الزمان ولم يتعرض إليهم أحد من الملوك فسار إليهم إبراهيم ودعاهم إلى الإسلام أولًا فامتنعوا من إجابته وقاتلوه فظفر بهم وأكثر القتل فيهم وتفرق من سلم في البلاد وسبى واسترق من النسوان والصبيان مائة ألف‏.‏

وفي هذه القلعة حوض للماء يكون قطره نحو نصف فرسخ لا يدرك قعره يشرب منه أهل القلعة ما عندهم من دابة ولا يظهر فيه نقص‏.‏

وفي بلاد الهند موضع يقال له وره وهو بر بين خليجين فقصده الملك إبراهيم فوصل إليه في جمادى الأولى وفي طريقه عقبات كثيرة وفيها أشجار ملتفة فأقام هناك ثلاثة أشهر ولقي الناس من الشتاء شدة ولم يفارق الغزوة حتى أنزل الله نصره على أوليائه وذله على أعدائه وعاد إلى غزنة سالمًا مظفرًا‏.‏

هذه الغزوات لم أعرف تاريخها وأما الأولى فكانت هذه السنة فلهذا أوردتها متتابعة في هذه السنة‏.‏

في هذه السنة ملك شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي صاحب الموصل مدينة حلب‏.‏

وسبب ذلك أن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان حصرها مرة بعد أخرى فاشتد الحصار بأهلها وكان شرف الدولة يواصلهم بالغلات وغيرها‏.‏

ثم إن تتش حصرها هذه السنة وأقام عليها أيامًا ورحل عنها وملك بزاعة والبيرة وأحرق ربض عزاز وعاد إلى دمشق‏.‏

فلما رحل عنها تاج الدولة استدعى أهلها شرف الدولة ليسلموها إليه فلما قاربها امتنعوا من ذلك وكان مقدمهم يعرف بابن الحتيتي العباسي فاتفق أن ولده خرج يتصيد بضيعة له فأسره أحد التركمان وهو صاحب حصن بنواحي حلب وأرسله إلى شرف الدولة فقرر معه أن يسلم البلد إليه إذا أطلقه فأجاب إلى ذلك فأطلقه فعاد إلى حلب واجتمع بأبيه وعرفه ما استقر فأذعن إلى تسليم البلد ونادى بشعار شرف الدولة وسلم البلد إليه فدخله سنة ثلاث وسبعين وحصر القلعة واستنزل منها سابقًا ووثابًا ابني محمود بن مرداس فلما ملك البلد أرسل ولده وهو ابن عمة السلطان إلى السلطان يخبره بملك البلد وأنفذ معه شهادة فيها خطوط المعدلين بحلب بضمانها وسأل أن يقرر عليه الضمان فأجابه السلطان إلى ما طلب وأقطع ابن عمته مدينة بالس‏.‏

في أول هذه السنة سار السلطان ملكشاه إلى بلاد كرمان فلما سمع صاحبها سلطانشاه بن قاورت بك وهو ابن عم السلطان بوصوله إليه خرج إلى طريقه ولقيه وحمل له الهدايا الكثيرة وخدمه وبالغ في الخدمة فأقره السلطان على البلاد وأحسن إليه وعاد عنه في المحرم سنة ثلاث وسبعين إلى أصبهان‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ولد للخليفة المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين ولد سماه موسى وكناه أبا جعفر وزينت بغداد سبعة أيام‏.‏

وفيها وصل السلطان ملكشاه إلى خوزستان متصيدًا فوصل معه خمارتكين وكوهرائين وكانا يسعيان في قتل ابن علان اليهودي ضامن البصرة وكان ملتجئًا إلى نظام الملك وكان بين نظام الملك وبين خمارتكين الشرابي وكوهرائين عداوة فسعيا باليهودي لذلك فأمر السلطان بتغريقه فغرق وانقطع نظام الملك عن الركوب ثلاثة أيام وأغلق بابه ثم أشير عليه بالركوب فركب وعمل للسلطان دعوة عظيمة قدم له فيها أشياء كثيرة وعاتبه على فعله فاعتذر إليه‏.‏

وكان أمر اليهودي قد عظم إلى حد أن زوجته توفيت فمشى خلف جنازتها كل من في البصرة إلا القاضي وكان له نعمة عظيمة وأموال كثيرة فأخذ السلطان منه مائة ألف دينار وضمن خمارتكين البصرة كل سنة بمائة ألف دينار ومائة فرس‏.‏

وفيها زادت الفرات تسع أذرع فخربت بعض دواليب هيت وخربت فوهة نهر عيسى وزادت تامرًا نيفًا وثلاثين ذراعًا وعلا على قنطرتي طراستان وخانقين الكسرويتين فقطعهما‏.‏

وفيها في ذي الحجة توفي نصر بن مروان صاحب ديار بكر وملك بعده ابنه منصور ودبر دولته ابن الأنباري‏.‏

وفيها توفي أبو منصور محمد بن عبد العزيز العكبري ومولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وهو من المحدثين المعروفين وكان صدوقًا ومحمد بن هبة الله بن الحسن بن منصور أبو بكر بن أبي القاسم الطبري اللالكائي وولد سنة تسع وأربعمائة وحدث عن هلال الحفار وغيره وتوفي في جمادى الأولى‏.‏

وفيها توفي أبو الفتيان محمد بن سلطان بن حيوس الشاعر المشهور وحدث عن جده لأمه القاضي أبي نصر محمد بن هارون بن الجندي‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة

وأخذها منه في هذه السنة في شعبان سار السلطان ملكشاه إلى الري وعرض العسكر فأسقط منهم سبعة آلاف رجل لم يرض حالهم فمضوا إلى أخيه تكش وهو ببوشنج فقوي بهم وأظهر العصيان على أخيه ملكشاه واستولى على مرو الروذ ومرو الشاهجان وترمذ وغيرها وسار إلى نيسابور طامعًا في ملك خراسان‏.‏

وقيل إن نظام الملك قال للسلطان لما أمر بإسقاطهم‏:‏ إن هؤلاء ليس فيهم كاتب ولا تاجر ولا خياط ولا من له صنعة غير الجندية فإذا أسقطوا لا نأمن أن يقيموا منهم رجلًا ويقولوا هذا السلطان فيكون لنا منهم شغل ويخرج عن أيدينا أضعاف ما لهم من الجاري إلى أن نظفر بهم‏.‏

فلم يقبل السلطان قوله فلما مضوا إلى أخيه وأظهر العصيان ندم على مخالفة وزيره حيث لم ينفع الندم‏.‏

واتصل خبره بالسلطان ملكشاه فسار مجدًا إلى خراسان فوصل إلى نيسابور قبل أن يستولي تكش عليها فلما سمع تكش بقربه منها سار عنها وتحصن بترمذ وقصده السلطان فحصره بها وكان تكش قد أسر جماعة من أصحاب السلطان فأطلقهم واستقر الصلح بينهما ونزل

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة تسلم مؤيد الملك بن نظام الملك تكريت من صاحبها المهرباط‏.‏

وفيها توفي أبو علي بن شبل الشاعر المشهور ومن شعره في الزهد‏:‏ أهم بترك الذنب ثم يردني طموح شباب بالغرام موكل فمن لي إذا أخرت ذا اليوم توبة بأن المنايا لي إلى الشيب تمهل أأعجز ضعفًا عن أدا حق خالقي وأحمل وزرًا فوق ما يتحمل وفيها أيضًا توفي العميد أبو منصور بالبصرة‏.‏

وفيها توفي عبد السلام بن أحمد بن محمد أبو الفتح الصوفي من أهل فارس سافر الكثير وسمع الحديث بالعراق والشام ومصر وأصبهان وغيرها وكانت وفاته بفارس ويوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن أبو الهيثم التفكري الزنجاني ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة وسمع من أبي نعيم الحافظ وغيره وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وأدرك أبا الطيب الطبري وكان من العلماء العاملين المشتغلين بالعبادة‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وسبعين وأربعمائة

في هذه السنة أرسل الخليفة الوزير فخر الدولة أبا نصر بن جهير إلى السلطان يخطب ابنته لنفسه فسار فخر الدولة إلى أصبهان إلى السلطان يخطب ابنته فأمر نظام الملك أن يمضي معه إلى خاتون زوجة السلطان في المعنى فمضيا إليها فخاطباها فقالت إن ملك غزنة وملوك الخانية بما وراء النهر طلبوها وخطبوها لأولادهم وبذولوا أربع مائة دينار فإن حمل الخليفة هذا المال فهو أحق منهم‏.‏

فعرفتها أرسلان خاتون التي كانت زوجت القائم بأمر الله ما يحصل لها من الشرف والفخر بالاتصال بالخليفة وأن هؤلاء كلهم عبيده وخدمه ومثل الخليفة لا يطلب منه المال فأجابت إلى ذلك وشرطت أن يكون الحمل المعجل خمسين ألف دينار وأنه لا يبقي له سرية ولا زوجة غيرها فأجيبت إلى ذلك فأعطى السلطان يده وعاد فخر الدولة إلى بغداد‏.‏

ذكر وفاة نور الدولة بن مزيد وإمارة ولده منصور

في هذه السنة في شوال توفي نور الدولة أبو الأغر دبيس بن علي بن مزيد الأسدي بمطيراباذ وكان عمره ثمانين سنة وإمارته سبعًا وخمسين سنة وما زال ممدحًا في كل زمان مذكورًا بالتفضل والإحسان ورثاه الشعراء فأكثروا وولي بعده ما كان إليه ابنه أبو كامل منصور ولقبه

بهاء الدولة فأحسن السيرة واعتمد الجميل وسار إلى السلطان ملكشاه في ذي القعدة واستقر له الأمر وعاد في صفر سنة خمس وسبعين وخلع الخليفة أيضًا عليه‏.‏

ذكر محاصرة تميم بن المعز مدينة قابس

في هذه السنة حصر الأمير تميم بن المعز بن باديس صاحب إفريقية مدينة قابس حصارًا شديدًا وضيق على أهلها وعاث عساكره في بساتينها المعروفة بالغابة فأفسدوها‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة سار تتش بعد عود شرف الدولة عن دمشق وقصد الساحل الشامي فافتتح أنطرطوس وبعضًا من الحصون وعاد إلى دمشق‏.‏

وفيها ملك شرف الدولة صاحب الموصل مدينة حران وأخذها من بني وثاب النميريين وصالحه صاحب الرها ونقش السكة باسمه‏.‏

وفيها سد ظفر القائمي بثق نهر عيسى وكان خرابًا منذ ثلاث وعشرين سنة وسد مرارًا وتخرب إلى أن سده ظفر‏.‏

وفيها أرسل السلطان إلى بغداد ليخرج الوزير أبو شجاع الذي وزر للخليفة بعد بني جهير فأرسله الخليفة إلى نظام الملك وسير معه رسولًا وكتب معه إلى نظام الملك كتابًا بخطه يأمره بالرضا عن أبي شجاع فرضي عنه وأعاده إلى بغداد‏.‏وفيها مات ابن السلطان ملكشاه واسمه داود فجزع عليه جزعًا شديدًا وحزن حزنًا عظيمًا ومنع من أخذه وغسله حتى تغيرت رائحته وأراد قتل نفسه مرات فمنعه خواصه ولما دفن لم يطق المقام فخرج يتصيد وأمر بالنياحة عليه في البلد ففعل ذلك عدة أيام وجلس له وزير الخليفة في العزاء ببغداد‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن أحمد بن رضوان أبو القاسم وهو من أعيان أهل بغداد وكان مرضه شقيقة وبقي ثلاث سنين في بيت مظلم لا يقدر يسمع صوتًا ولا يبصر ضوءًا‏.‏

وفيها في ذي الحجة توفي أبو محمد بن أبي عثمان المحدث وكان صالحًا يقريء القرآن بمسجده بنهر القلائين‏.‏

وتوفي علي بن أحمد بن علي بو القاسم البسري البندار ومولده سنة ست وثمانين وثلاثمائة سمع المخلص وغيره وكان ثقة صالحًا‏.‏

وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عقيل بن حبش القرشي النحوي‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وسبعين وأربعمائة

في هذه السنة في رجب توفي جمال الملك منصور بن نظام الملك وورد الخبر بوفاته إلى بغداد في شعبان فجلس أخوه مؤيد الملك للعزاء وحضر فخر الدولة بن جهير وابنه عميد الملك معزيين وأرسل الخليفة إليه في اليوم الثالث فأقامه من العزاء‏.‏

وكان سبب موته أن مسخرة كان للسلطان ملكشاه يعرف بجعفرك يحاكي نظام الملك ويذكره في خلواته مع السلطان فبلغ ذلك جمال الملك وكان يتولى مدينة بلخ وأعمالها فسار من وقته يطوي المراحل إلى والده والسلطان وهما بأصبهان فاستقبله أخواه فخر الملك ومؤيد الملك فأغلظ لهما القول في إغضائهما على ما بلغه عن جعفرك فلما وصل إلى حضرة السلطان في هذا الجمع‏!‏ فلما خرج من عند السلطان أمر بالقبض على جعفرك وأمر بإخراج لسانه من قفاه وقطعه فمات‏.‏

ثم سار مع السلطان وأبيه إلى خراسان وأقاموا بنيسابور مدة ثم أرادوا العود إلى أصبهان وتقدمهم نظام الملك فأحضر السلطان عميد خراسان وقال له‏:‏ أيما أحب لك رأسك أم رأس جمال الملك فقال‏:‏ بل رأسي‏.‏

فقال‏:‏ لئن لم تعمل في قتله لأقتلنك‏.‏

فاجتمع بخادم يختص بخدمة جمال الملك وقال له سرًا‏:‏ الأولى أن تحفظوا نعمتكم ومناصبكم وتدبر في قتل جمال الملك فإن الس يريد أن يأخذه ويقتله ولأن تقتلوه أنتم سرًا أصلح لكم من أن يقتله الس ظاهرًا‏.‏

فظن الخادم أن ذلك صحيح فجعل له سمًا في كوز فقاع فطلب جمال الملك فقاعًا فأعطاه الخادم ذلك الكوز فشربه فمات فلما علم الس بموته سار مجدًا حتى لحق نظام الملك فأعلمه بموت ابنه وعزاه وقال‏:‏ أنا ابنك وأنت أولى من صبر واحتسب‏.‏

ذكر الفتنة ببغداد بين الشافعية والحنابلة


ورد إلى بغداد هذه السنة الشريف أبو القاسم البكري المغربي الواعظ وكان أشعري المذهب وكان قد قصد نظام الملك فأحبه ومال إليه وسيره إلى بغداد وأجرى عليه الجراية الوافرة فوعظ بالمدرسة النظامية وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم ويقول‏:‏ ‏{‏وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 102‏]‏‏.‏ والله ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا‏.‏

ثم إنه قصد يومًا دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني بنهر القلائين فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة وكثر جمعه فكبس دور بني الفراء وأخذ كتبهم وأخذ منها كتاب الصفات لأبي يعلى فكان يقرأ بين يديه وهو جالس على الكرسي للوعظ فيشنع به عليهم وجرى له معهم خصومات وفتن‏.‏

ولقب البكري من الديوان بعلم السنة ومات ببغداد ودفن عند قبر أبي الحسن الأشعري‏.‏

في هذه السنة في ذي الحجة أوصل الخليفة المقتدي بأمر الله الشيخ أبا إسحاق الشيرازي إلى حضرته وحمله رسالة إلى الس ملكشاه ونظام الملك تتضمن الشكوى من العميد أبي الفتح بن أبي الليث عميد العراق وأمره أن ينهي ما يجري على البلاد من النظار‏.‏

فسار فكان كلما وصل إلى مدينة من بلاد العجم يخرج أهلها إليه بنسائهم وأولادهم يتمسحون بركابه ويأخذون تراب بغلته للبركة‏.‏

وكان في صحبته جماعة من أعيان بغداد منهم الإمام أبو بكر الشاشي وغيره‏.‏

ولما وصل إلى ساوة خرج جميع أهلها وسأله فقهاؤها كل منهم أن يدخل بيته فلم يفعل ولقيه أصحاب الصناعات ومعهم ما ينثرونه على محفته فخرج الخبازون ينثرون الخبز وهو ينهاهم فلم ينتهوا وكذلك أصحاب الفاكهة والحلواء وغيرهم وخرج إليه الأساكفة وقد عملوا مداسات لطافًا تصلح لأرجل الأطفال ونثروها فكانت تسقط على رؤوس الناس فكان الشيخ يتعجب ويذكر ذلك لأصحابه بعد رجوعه ويقول‏:‏ ما كان حظكم من ذلك النثار فقال له بعضهم‏:‏ ما كان حظ سيدنا منه‏.‏

فقال‏:‏ أما أنا فغطيت بالمحفة وهو يضحك‏.‏

فأكرمه الس ونظام الملك‏.‏

وجرى بينه وبين إمام الحرمين أبي المعالي الجويني مناظرة بحضرة نظام الملك وأجيب إلى جميع ما التمسه ولما عاد أهين العميد وكسر عما كان يعتمده ورفعت يده عن ولما وصل الشيخ إلى بسطام خرج إليه السهلكي شيخ الصوفية بها وهو شيخ كبير فلما سمع الشيخ أبو إسحاق بوصوله خرج إليه ماشيًا فلما رآه السهلكي ألقى نفسه من دابة كان عليها وقبل يد الشيخ أبي إسحاق فقبل أبو إسحاق رجله وأقعده موضعه وجلس أبو إسحاق بين يديه وأظهر كل واحد منهما من تعظيم صاحبه كثيرًا وأعطاه شيئًا من حنطة ذكر أنها من عهد أبي يزيد البسطامي ففرح بها أبو إسحاق‏.‏

ذكر حصر شرف الدولة دمشق وعوده عنها

في هذه السنة جمع تاج الدولة تتش جمعًا كثيرًا وسار عن بغداد وقصد بلاد الروم‏:‏ أنطاكية وما جاورها فسمع شرف الدولة صاحب حلب الخبر فخافه فجمع أيضًا العرب من عقيل والأكراد وغيرهم فاجتمع معه جمع كثير فراسل الخليفة بمصر يطلب منه إرسال نجدة إليه ليحصر دمشق فوعده ذلك فسار إليها‏.‏

فلما سمع تتش الخبر عاد إلى دمشق فوصلها أول المحرم سنة ست وسبعين سنة ووصل شرف الدولة أواخر المحرم وحصر المدينة وقاتله أهلها‏.‏

وفي بعض الأيام خرج إليه عسكر دمشق وقاتلوه وحمل على عسكره حملة صادقة فانكشفوا وتضعضعوا وانهزمت العرب وثبت شرف الدولة وأشرف على الأسر وتراجع إليه أصحابه فلما رأى شرف الدولة ذلك ورأى أيضًا أن مصر لم يصل إليه منها عسكر وأتاه عن بلاده الخبر أن أهل حران عصوا عليه رحل عن دمشق إلى بلاده وأظهر أنه يريد البلاد بفلسطين فرحل أولًا إلى مرج الصفر فارتاع أهل دمشق وتتش واضطربوا ثم إنه رحل من مرج الصفر مشرقًا في البرية وجد في مسيره فهلك من المواشي الكثير مع عسكره ومن الدواب شيء كثير وانقطع خلق كثير‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة قدم مؤيد الملك بن نظام الملك إلى بغداد من أصبهان فخرج عميد الدولة بن جهير إلى لقائه ونزل بالمدرسة النظامية وضرب على بابه الطبول أوقات الصلوات الثلاث فأعطي مالًا جليلًا حتى قطعه وأرسل الطبول إلى تكريت‏.‏

وفيها توفي أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة الأصبهاني في جمادى الآخرة بأصبهان وكان حافظًا فاضلًا والأمير أبو نصر علي بن الوزير أبي القاسم هبة الله بن علي بن جعفر بن ماكولا مصنف كتاب الإكمال ومولده سنة عشرين وأربعمائة وكان فاضلًا حافظًا

ثم دخلت سنة ست وسبعين وأربعمائة

ذكر عزل ابن جهير


عن وزارة الخليفة ومسير والده فخر الدولة إلى ديار بكر

في هذه السنة في صفر عزل عميد الدولة بن جهير عن وزارة الخليفة ووصل يوم عزل رسول من السلطان ونظام الملك إلى الخليفة يطلبان أن يرسل إليهما بنو جهير فأذن لهما في ذلك وساروا بجميع أهلهم ونسائهم إلى السلطان فصادفوا منه ومن نظام الملك الإكرام والاحترام وعقد السلطان على فخر الدولة بن جهير ديار بكر وخلع عليه وأعطاه الكوسات وسير معه العساكر وأمره أن يقصدها ويأخذها من بني مروان وأن يخطب لنفسه ويذكر اسمه على السكة فسار إليها‏.‏

ولما فارق بنو جهير بغداد رتب في الديوان أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء وكان قبل ذلك على أبنية الدار وغيرها‏.‏

ذكر عصيان أهل حران على شرف الدولة وفتحها

في هذه السنة عصى أهل حران على شرف الدولة مسلم بن قريش وأطاعوا قاضيهم ابن حلبة وأرادوا هم وابن عطير النميري تسليم البلد إلى جبنق أمير التركمان وكان شرف الدولة على دمشق يحاصر تاج الدولة تتش بها فبلغه الخبر فعاد إلى حران وصالح ابن ملاعب صاحب حمص وأعطاه سلمية ورفنية وبادر بالمسير إلى حران فحصرها ورماها بالمنجنيق فخرب من سورها بدنة وفتح البلد في جمادى الأولى وأخذ القاضي ومعه ابنان له فصلبهم على السور‏.‏

ذكر وزارة أبي شجاع محمد بن الحسين للخليفة

في هذه السنة عزل الخليفة أبا الفتح ابن رئيس الرؤساء من النيابة في الديوان واستوزر أبا شجاع محمد بن الحسين وخلع عليه خلع الوزراة في شعبان ولقيه ظهير الدين ومدحه الشعراء فأكثروا فحسن مدحه وهنأه أبو المظفر محمد بن العباس الآبيوردي بالقصيدة المشهورة التي أولها‏:‏ ها إنها مقل الظباء العين فتكت بسر فؤادي المكنون ومنها‏:‏

ذكر قتل أبي المحاسن بن أبي الرضا

في هذه السنة في شوال قتل سيد الرؤساء أبو المحاسن بن كمال الملك أبي الرضا وكان قد قرب من السلطان ملكشاه قربًا عظيمًا كوان أبوه يكتب الطغراء فقال أبو المحاسن للسلطان‏:‏ سلم إلي نظام الملك وأصحابه وأنا أسلم إليك منهم ألف ألف دينار فإنهم يأكلون الأموال ويقتطعون الأعمال وعظم عنده ذخائرهم‏.‏

فبلغ ذلك نظام الملك فعمل سماطًا عظيمًا وأقام عليه مماليكه وهم ألوف من الأتراك وأقام خيلهم وسلاحهم على حيالهم فلما حضر السلطان قال له‏:‏ إنني قد خدمتك وخدمت أباك وجدك ولي حق خدمة وقد بلغك أخذي لعشر أموالك وصدق هذا أنا آخذه وأصرفه إلى هؤلاء الغلمان الذين جمعتهم لك وأصرفه أيضًا إلى الصدقات والصلات والوقوف التي أعظم ذكرها وشكرها وأجرها لك وأموالي وجميع ما أملكه بين يديك وأنا أقنع بمرقعة وزاوية‏.‏

فأمر السلطان بالقبض على أبي المحاسن وأن تسمل عيناه وأنفذه إلى قلعة ساوة‏.‏

وسمع أبوه كمال الملك الخبر فاستجار بدار نظام الملك فسلم وبذل مائتي ألف دينار وعزل عن الطغراء ورتب مكانه مؤيد الملك بن نظام الملك‏.‏

في هذه السنة جع مالك بن علوي الصخري العرب فأكثر وسار إلى المهدية فحصرها فقام الأمير تميم بن المعز قيامًا تامًا ورحله عنها ولم يظفر منها بشيء فسار مالك منها إلى القيروان فحصرها وملكها فجرد إليه تميم العساكر العظيمة فحصروه بها فلما رأى مالك أنه لا طاقة له بتميم خرج عنها وتركها فاستولى عليها عسكر تميم وعادت إلى ملكه كما كانت‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عم الرخص جميع البلاد فبلغ كر الحنطة الجيدة ببغداد عشرة دنانير‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة توفي الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وأكثر الشعراء مراثيه فمنهم أبو الحسن الخباز والبندنيجي وغيرهما وكان رحمة الله عليه واحد عصره علمًا وزهدًا وعبادة وسخاء وصلي عليه في جامع القصر وجلس أصحابه للعزاء في المدرسة النظامية ثلاثة أيام ولم يتخلف أحد عن العزاء‏.‏

وكان مؤيد الملك بن نظام الملك ببغداد فرتب في التدريس أبا سعد عبد الرحمن بن المأمون المتولي فلما بلغ ذلك نظام الملك أنكره وقال‏:‏ كان يجب أن تغلق المدرسة بعد الشيخ أبي إسحاق سنة وصلي عليه بباب الفردوس وهذا لم يفعل على غيره وصلى عليه الخليفة

المقتدي بأمر الله وتقدم في الصلاة عليه أبو الفتح ابن رئيس الرؤساء وهو ينوب في الوزارة ثم صلي عليه بجامع القصر ودفن بباب أبرز‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وسبعين وأربعمائة

ذكر الحرب بين فخر الدولة بن جهير وابن مروان وشرف الدولة

قد تقدم ذكر مسير فخر الدولة بن جهير في العساكر السلطانية إلى ديار بكر فلما كانت هذه السنة سير السلطان إليه أيضًا جيشًا فيهم الأمير أرتق ابن اكسب وأمرهم بمساعدته‏.‏

وكان ابن مروان قد مضى إلى شرف الدولة وسأله نصرته على أن يسلم إليه آمد وحلف كل واحد لصاحبه وكل منهما يرى أن صاحبه كاذب لما كان بينهما من العداوة المستحكمة واجتمعا على حرب فخر الدولة وسارا إلى آمد وقد نزل فخر الدولة بنواحيها فلما رأى فخر الدولة اجتماعهما مال إلى الصلح وقال‏:‏ لا أوثر أن يحل بالعرب بلاء على يدي‏.‏

فعرف التركمان ما عزم عليه فركبوا ليلًا وأتوا إلى العرب وأحاطوا بهم في ربيع الأول والتحم القتال واشتد فانهزمت العرب ولم يحضر هذه الوقعة الوزير فخر الدولة ولا أرتق وغنم التركمان حلل العرب ودوابهم وانهزم شرف الدولة وحمى نفسه حتى وصل إلى فصيل آمد وحصره فلما رأى شرف الدولة أنه محصور خاف على نفسه فراسل الأمير أرتق وبذل له مالًا وسأله أن يمن عليه بنفسه ويمكنه من الخروج من آمد وكان هو على حفظ الطرق والحصار‏.‏

فلما سمع أرتق ما بذل له شرف الدولة أذن له في الخروج فخرج منها في الحادي والعشرين من ربيع الأول وقصد الرقة وأرسل إلى أرتق بما كان وعده به وسار ابن جهير إلى ميافارقين ومعه من الأمراء الأمير بهاء الدولة منصور بن مزيد وابنه سيف الدولة صدقة ففارقوه وعادوا إلى العراق وسار فخر الدولة إلى خلاط‏.‏

ولما استولى العسكر السلطاني على حلل العرب وغنموا أموالهم وسبوا حريمهم بذل سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد الأموال وافتك أسرى بني عقيل ونساءهم وأولادهم وجهزهم جميعهم وردهم إلى بلادهم ففعل أمرًا عظيمًا وأسدى مكرمة شريفة ومدحه الشعراء في ذلك فأكثروا فمنهم محمد بن خليفة السنبسي يذكر ذلك في قصيدة‏:‏ كما أحرزت شكر بني عقيل بآمد يوم كظهم الحذار غداة رمتهم الأتراك طرًا بشهب في حوافلها ازورار فما جبنوا ولكن فاض بحر عظيم لا تقاومه البحار فحين تنازلوا تحت المنايا وفيهن الرزية والدمار ولولا أنت لم ينفك منهم أسير حين أعلقه الإسار في أبيات كثيرة و ذكرها أيضًا البندنيجي فأحسن ولولا خوف التطويل لذكرت أبياته‏.‏

ذكر استيلاء عميد الدولة على الموصل

لما بلغ السلطان أن شرف الدولة انهزم وحصر بآمد لم يشك في أسره فخلع على عميد الدولة بن جهير وسيره في جيش كثيف إلى الموصل وكاتب أمراء التركمان بطاعته وسير معه من الأمراء آقسنقر قسيم الدولة جد ملوكنا أصحاب الموصل وهو الذي أقطعه السلطان بعد ذلك حلب‏.‏ وكان الأمير أرتق قد قصد السلطان فعاد صحبة عميد الدولة من الطريق‏.‏

فسار عميد الدولة حتى وصل إلى الموصل فأرسل إلى أهلها يشير عليهم بطاعة السلطان وترك عصيانه ففتحوا له البلد وسلموه إليه وسار السلطان بنفسه وعساكره إلى بلاد شرف الدولة ليملكها فأتاه الخبر بخروج أخيه تكش بخراسان على ما نذكره‏.‏

ورأى شرف الدولة قد خلص من الحصر فأرسل مؤيد الملك بن نظام الملك إلى شرف الدولة وهو مقابل الرحبة فأعطاه العهود والمواثيق وأحضره عند السلطان وهو بالبوازيج فخلع عليه آخر رجب وكانت أمواله قد ذهبت فاقترض ما خدم به وحمل للسلطان خيلًا رائقة من جملتها فرسه بشار وهو فرسه المشهور الذي نجا عليه من المعركة ومن آمد أيضًا وكان سابقًا لا يجارى فأمر السلطان بأن يسابق به الخيل فجاء سابقًا فقام السلطان قائمًا لما تداخله من العجب‏.‏

وأرسل الخليفة النقيب طرادًا الزينبي في لقاء شرف الدولة فلقيه بالموصل فزاد أمر شرف الدولة قوة وصالحه السلطان وأقره على بلاده وعاد إلى خراسان لحرب أخيه‏.‏

ذكر عصيان تكش على السلطان ملكشاه

قد تقدم ذكره و ذكر مصالحته للسلطان فلما كان الآن ورأى بعد السلطان عنه عاود العصيان وكان أصحابه يؤثرون الاختلاط فحسنوا له مفارقة طاعة أخيه فأجابهم وسار معهم فملك مرو الروذ وغيرها إلى قلعة تقارب سرخس وهي لمسعود ابن الأمير ياخز وقد حصنها جهده فحصروه بها ولم يبق غير أخذها منه‏.‏

فاتفق أبو الفتوح الطوسي صاحب نظام الملك وهو بنيسابور وعميد خراسان وهو أبو علي على أن يكتب أبو الفتوح ملطفًا إلى مسعود بن ياخز وكان خط أبي الفتوح أشبه شيء بخط نظام الملك يقول فيه‏:‏ كتبت هذه الرقعة من الري يوم كذا ونحن سائرون من الغد نحوك فاحفظ القلعة ونحن نكبس العدو في ليلة كذا‏.‏

واستدعيا فيجًا يثقون به وأعطياه دنانير صالحة وقالا‏:‏ سر نحو مسعود فإذا وصلت إلى المكان الفلاني فأقم به ونم وأخف هذا الملطف في بعض حيطانه فستأخذك طلائع تكش فلا تعترف لهم حتى يضربوك فإذا فعلوا ذلك وبالغوا فأخرجه لهم وقل إنك فارقت السلطان بالري ولك منا الحباء والكرامة‏.‏

ففعل ذلك وجرى الأمر على ما وصفا وأحضر بين يدي تكش وضرب وعرض على القتل فأظهر الملطف وسلمه إليهم وأخبرهم أنه فارق السلطان ونظام الملك بالري في العساكر وهو سائر فلما وقفوا على الملطف وسمعوا كلام الرجل وساروا من وقتهم وتركوا خيامهم ودوابهم والقدور على النار فلم يصبروا على ما فيها وعادوا إلى قلعة ونج‏.‏

وكان هذا من الفرج العجيب‏.‏

فنزل مسعود وأخذ ما في المعسكر وورد السلطان إلى خراسان بعد ثلاثة أشهر ولولا هذا الفعل لنهب تكش إلى باب الري‏.‏

ولما وصل السلطان قصد تكش وأخذه وكان قد حلف له بالأيمان أنه لا يؤذيه ولا يناله منه مكروه فأفتاه بعض من حضر بأن يجعل الأمر إلى ولده أحمد ففعل ذلك فأمر أحمد بكحله فكحل وسجن‏.‏

في هذه السنة سار سليمان بن قتلمش صاحب قونية وأقصروا وأعمالها من بلاد الروم إلى الشم فملك مدينة أنطاكية من أرض الشام وكانت بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة‏.‏

وسبب ملك سليمان المدينة أن صاحبها الفردوس الرومي كان قد سار عنها إلى بلاد الروم ورتب بها شحنة وكان الفردوس مسيئًا إلى أهلها وإلى جنده أيضًا حتى إنه حبس ابنه فاتفق ابنة والشحنة على تسليم البلد إلى سليمان بن قتلمش وكاتبوه يستدعونه فركب البحر في ثلاثمائة فارس وكثير من الرجالة وخرج منه وسار في جبال وعرة ومضايق شديدة حتى وصل إليها للموعد فنصب السلاليم باتفاق من الشحنة ومن معه وصعد السور واجتمع بالشحنة وأخذ البلد في شعبان فقاتله أهل البلد فهزمهم مرة بعد أخرى وقتل كثيرًا من أهلها ثم عفا عنهم وتسلم القلعة المعروفة بالقسيان وأخذ من الأموال ما يجاوز الإحصاء وأحسن إلى الرعية وعدل فيهم وأمرهم بعمارة ما خرب ومنع أصحابه من النزول في دورهم ومخالطتهم‏.‏

ولما ملك سليمان أنطاكية أرسل إلى السلطان ملكشاه يبشره بذلك وينسب هذا الفتح إليه لأنه من أهله وممن يتولى طاعته فأظهر ملكشاه البشارة به وهنأه الناس فممن قال فيه الآبيوردي من قصيدة مطلعها‏:‏ وفتحت أنطاكية الروم التي نشرت معاقلها على الإسكندر وطئت مناكبها جيادك فانثنت تلقي أجنتها بنات الأصفر وهي طويلة‏.‏

ذكر قتل شرف الدولة وملك أخيه إبراهيم

قد تقدم ذكر ملك سليمان بن قتلمش مدينة أنطاكية فلما أرسل إليه شرف الدولة مسلم بن قريش يطلب منه ما كان يحمله إليه الفردوس من المال ويخوفه معصية السلطان فأجابه‏:‏ أما طاعة السلطان فهي شعاري ودثاري والخطبة له والسكة في بلادي وقد كاتبته بما فتح الله على يدي بسعادته من هذا البلد وأعمال الكفار‏.‏

وأما المال الذي كان يحمله صاحب أنطاكية قبلي فهو كان كافرًا وكان يحمل جزية رأسه وأصحابه وأنا بحمد الله مؤمن ولا أحمل شيئًا‏.‏

فنهب شرف الدولة بلد أنطاكية فنهب سليمان أيضًا بلد حلب فلقيه أهل السواد يشكون إليه نهب عسكره فقال‏:‏ أنا كنت أشد كراهية لما يجري ولكن صاحبكم أحوجني إلى ما فعلت ولم تجر عادتي بنهب ثم إن شرف الدولة جمع الجموع من العرب والتركمان وكان ممن معه جبق أمير التركمان في أصحابه وسار إلى أنطاكية ليحصرها‏.‏

فلما سمع سليمان الخبر جمع عساكره وسار إليه فالتقيا في الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة في طرف من أعمال أنطاكية واقتتلوا فمال تركمان جبق إلى سليمان فانهزمت العرب تبعهم شرف الدولة منهزمًا فقتل بعد أن صبر وقتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلب وكان قتله يوم الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين و ذكرته هاهنا لتتبع الحادثة بعضها بعضًا‏.‏

وكان أحول وكان قد ملك من السندية التي على نهر عيسى إلى منبج من الشام وما والاها من البلاد وكان في يده ديار ربيعة ومضر من أرض الجزيرة والموصل وحلب وما كان لأبيه وعمه قرواش وكان عادلًا حسن السيرة والأمن في بلاده عام والرخص شامل وكان يسوس بلاده سياسة عظيمة بحيث يسير الراكب والراكبان فلا يخافان شيئًا‏.‏

وكان له في كل بلد وقرية عامل وقاض وصاحب خبر بحيث لا يتعدى أحد على أحد‏.‏

ولما قتل قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس فأخرجوه وملكوه أمرهم وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة بحيث أنه لم يمكنه المشي والحركة لما أخرج ولما قتل شرف الدولة سار سليمان بن قتلمش إلى حلب فحصرها مستهل ربيع الأول سنة ثمان وسبعين فأقام

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في صفر انقض كوكب من المشرق إلى المغرب كان حجمه كالقمر وضوءه كضوئه وسار مدى بعيدًا على مهل وتؤدة في نحو ساعة ولم يكن له شبيه من الكواكب‏.‏

وفيها ولد السلطان سنجر بن ملكشاه في الخامس والعشرين من رجب بمدينة سنجار من أرض الجزيرة مقارب الموصل بينهما يومان عند نزول السلطان بها وسماه أحمد وإنما قيل له سنجر باسم المدينة التي ولد فيها وأمه أم ولد‏.‏

و في هذه السنة في جمادى الأولى توفي الشيخ أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ الفقيه الشافعي صاحب الشامل والكامل وكفاية المسائل وغيرها من التصانيف بعد أن أضر عدة سنين وكان مولده سنة أربعمائة والقاضي أبو عبد الله الحسين بن علي البغداذي المعروف بابن البقال وهو من شيوخ أصحاب الشافعي وكان إليه القضاء بباب الأزج وحج لما انقطع الحج على سبيل التجريد وإسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم أبو القاسم الإسماعيلي الجرجاني ومولده سنة أربع وأربعمائة وكان إمامًا فقيهًا شافعيًا محدثًا أدبيًا وداره مجمع العلماء‏.‏

ذكر استيلاء الفرنج على مدينة طليطلة

في هذه السنة استولى الفرنج لعنهم الله على مدينة طليطلة من بلاد الأندلس وأخذوها من المسلمين وهي من أكبر البلاد وأحصنها‏.‏

وسبب ذلك أن الأذفونش ملك الفرنج بالأندلس كان قد قوي شأنه وعظم ملكه وكثرت عساكره مذ تفرقت بلاد الأندلس وصار كل بلد بيد ملك فصاروا مثل ملوك الطوائف فحينئذ طمع الفرنج فيهم وأخذوا كثيرًا من ثغورهم‏.‏

وكان قد خدم قبل ذلك صاحبها القادر بالله بن المأمون بن يحيى بن ذي النون وعرف من أين يؤتى البلد وكيف الطريق إلى ملكه‏.‏

فلما كان الآن جمع الأذفونش عساكره وسار إلى مدينة طليطلة فحصرها سبع سنين وأخذها من القادر فازداد قوة إلى قوته‏.‏

وكان المعتمد على الله أبو عبد الله محمد بن عباد أعظم ملوك الأندلس من المسلمين وكان يملك أكثر البلاد مثل‏:‏ قرطبة وإشبيلية وكان يؤدي إلى الأذفونش ضريبة كل سنة‏.‏

فلما ملك الأذفونش طليطلة أرسل إليه المعتمد الضريبة على عادته فردها عليه ولم يقبلها منه فأرسل إليه يتهدده ويتوعده أنه يسير إلى مدينة قرطبة ويتملكها إلا أن يسلم إليه جميع الحصون التي في الجبل ويبقي السهل للمسلمين وكان الرسول في جمع كثير كانوا خمسمائة فارس فأنزله محمد بن عباد وفرق أصحابه على قواد عسكره ثم أمر كل من عنده منهم رجل أن يقتله وأحضر الرسول وصفعه حتى خرجت عيناه وسلم من الجماعة ثلاثة نفر فعادوا إلى الأذفونش فأخبروه الخبر وكان متوجهًا إلى قرطبة ليحاصرها فلما بلغه الخبر عاد إلى طليطلة ليجمع آلات الحصار ورحل المعتمد إلى إشبيلية‏.‏

ذكر استيلاء ابن جهير على آمد

في المحرم من هذه السنة ملك ابن جهير مدينة آمد‏.‏

وسبب ذلك أن فخر الدولة بن جهير كان قد أنفذ إليها ولده زعيم الرؤساء أبا القاسم ومعه جناح الدولة المعروف بالمقدم السالار وأرادوا قلع كرومها وبساتينها ولم يطمع مع ذلك في فتحها لحصانتها فعم أهلها الجوع وتعذرت الأقوات وكادوا يهلكون وهم صابرون على الحصار غير مكترثين له‏.‏

فاتفق أن بعض الجند نزل من السور لحاجة لهم وتركوا أسلحتهم مكانها فصعد إلى ذلك المكان عدد من العامة تقدمهم رجلمن السواد يعرف بأبي الحسن فلبس السلاح ووقف على ذلك المكان ونادى بشعار السلطان وفعل من معه كفعله وطلبوا زعيم الرؤساء فأتاهم وملك البلد واتفق أهل المدينة على نهب بيوت النصارى لما كانوا يلقون من نواب بني مروان من الجور والحكم وكان أكثرهم نصارى فانتقموا منهم‏.‏

ذكر ملكه أيضًا ميافارقين

و في هذه السنة أيضًا في سادس جمادى الآخرة ملك فخر الدولة ميافارقين وكان مقيمًا على حصارها فوصل إليه سعد الدولة كوهرائين في عسكره نجدة له فجد في القتال فسقط من سورها قطعة فلما رأى أهلها ذلك نادوا بشعار ملكشاه وسلموا البلد إلى فخر الدولة وأخذ جميع ما استولى عليه من أموال بني مروان وأنفذه إلى السلطان مع ابنه زعيم الرؤساء فانحدر هو وكوهرائين إلى بغداد وسار زعيم الرؤساء منها إلى أصبهان فوصلها في شوال وأوصل ما معه إلى السلطان‏.‏

ذكر ملك جزيرة ابن عمر

في هذه السنة أرسل فخر الدولة جيشًا إلى جزيرة ابن عمر وهي لبني مروان أيضًا فحصروها فثار أهل بيت من أهلها يقال لهم بنو وهبان وهم من أعيان أهلها وقصدوا بابًا للبلد صغيرًا يقال له باب البويبة لا يسلكه إلا الرجالة لأنه يصعد إليه من ظاهر البلد بدرج فكسروه وأدخلوا العسكر فملكه وانقرضت دولة بني مروان فسبحان من لا يزول ملكه‏.‏

وهؤلاء بنو وهبان إلى يومنا هذا كلما جاء إلى الجزيرة من يحصرها يخرجون من البلد ولم يبق منهم من له شوكة ولا منزلة يفعل بها شيئًا وإنما بتلك الحركة يؤخذون إلى الآن‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في ربيع الأول صار أمير الجيوش في عساكر مصر إلى الشام فحصر دمشق وبها صاحبها تاج الدولة تتش فضيق عليه وقاتله فلم يظفر منها بشيء فرحل عنها عائدًا إلى مصر‏.‏

وفيها كانت الفتنة بين أهل الكرخ وسائر المحال من بغداد وأحرقوا من نهر الدجاج درب الآجر وما قاربه وأرسل الوزير أبو شجاع جماعة من الجند ونهاهم عن سفك الدماء تحرجًا من الإثم فلم يمكنهم تلافي الخطب فعظم‏.‏

وفيها كانت زلزلة شديدة بخوزستان وفارس وكان أشدها بأرجان فسقطت الدور وهلك تحتها خلق كثير‏.‏

وفيها في ربيع الأول هاجت ريح عظيمة سوداء بعد العشاء وكثر الرعد والبرق وسقط على الأرض رمل أحمر وتراب كثير وكانت النيران تضطرم في أطراف السماء وكان أكثرها بالعراق وبلاد الموصل فألقت النخيل والأشجار وسقط معها صواعق في كثير من البلاد حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت ثم انجلى ذلك نصف الليل‏.‏

وفيها في ربيع الآخر توفي إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني ومولده سنة سبع عشرة وأربعمائة وهو الإمام المشهور في الفقه والأصولين وغيرهما من العلوم وسمع الحديث من أبي محمد الجوهري وغيره‏.‏

وفيها في ذي الحجة توفي محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد أبو علي المتكلم كان أحد رؤساء المعتزلة وأئمتهم ولزم بيته خمسين سنة لم يقدر على أن يخرج منه من عامة بغداد وأخذ الكلام عن أبي الحسين البصري وعبد الجبار الهمذاني القاضي ومن جملة تلاميذه ابن برهان وهو أكبر منه‏.‏

و في هذه السنة توفي القاضي أبو الحسن هبة الله بن محمد بن السيبي قاضي الحريم بنهر معلى ومولده سنة أربع وتسعين وثلاثمائة وكان يذاكر الإمام المقتدي بأمر الله وولي ابنه أبو الفرج عبد الوهاب بين يدي قاضي القضاة ابن الدامغاني‏.‏

وفيها في جمادى الأولى توفي أبو العز بن صدقة وزير شرف الدولة ببغداد وكان قد قبض عليه شرف الدولة وسجنه بالرحبة فهرب منها إلى بغداد فمات بعد وصوله إلى مأمنه بأربعة أشهرر وكان كريمًا متواضعًا لم تغيره الولاية عن إخوانه‏.‏

وفيها في رجب توفي قاضي القضاة أبو عبد الله بن الدامغاني ومولده سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ودخل بغداد سنة تسع عشرة وأربعمائة وكان قد صحب القاضي أبا العلاء بن صاعد وحضر ببغداد مجلس أبي الحسين القدوري وولي قضاء القضاة بعده القاضي أبو بكر بن المظفر بن بكران الشامي وهو من أكبر أصحاب القاضي أبي الطيب الطبري‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن مأمون بن علي أبو سعد المتولي مدرس النظامية وهو من أصحاب القاضي حسين المروروذي وتمم كتاب الإبانة‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وسبعين وأربعمائة

ذكر قتل سليمان بن قتلمش

لما قتل سليمان بن قتلمش شرف الدولة مسلم بن قريش على ما ذكرناه أرسل إلى ابن الحتيتي العباسي مقدم أهل حلب يطلب منه تسليمها إليه فأنفذ إليه واستمهله إلى أن يكابت السلطان ملكشاه وأرسل ابن الحتيتي إلى تتش صاحب دمشق يعده أن يسلم إليه حلب فسار تتش طالبًا لحلب فعلم سليمان بذلك فسار نحوه مجدًا فوصل إلى تتش وقت السحر على غير تعبئة فلم يعلم به حتى قرب منه فعبأ أصحابه‏.‏

وكان الأمير أرتق بن أكسب مع تتش وكان منصورًا لم يشهد حربًا إلا وكان الظفر له وقد ذكرنا فيما تقدم حضوره مع ابن جهير على آمد وإطلاقه شرف الدولة من آمد فلما فعل ذلك خاف أن ينهي ابن جهير ذلك إلى السلطان ففارق خدمته ولحق بتاج الدولة تتش فأقطعه البيت المقدس وحضر معه هذه الحرب فأبلى فيها بلاء حسنًا وحرض العرب على القتال فانهزم أصحاب سليمان وثبت وهو في القلب فلما رأى انهزام عساكره أخرج سكينًا معه فقتل نفسه وقيل بل قتل في المعركة واستولى تتش على عسكره‏.‏

وكان سليمان بن قتلمش في السنة الماضية في صفر قد أنفذ جثة شرف الدولة إلى حلب على بغل ملفوفة في إزار وطلب من أهلها أن يسلموها إليه‏.‏

و في هذه السنة في صفر أرسل تتش جثة سليمان في إزار ليسلموها إليه فأجابه ابن الحتيتي أنه يكاتب السلطان ومهما أمره فعل فحصر تتش البلد وأقام عليه وضيق على أهله‏.‏

وكان ابن الحتيتي قد سلم كل برج من أبراجها إلى رجل من أعيان البلد ليحفظه وسلم برجًا فيها إلى إنسان يعرف بابن الرعوي‏.‏

ثم إن ابن الحتيتي أوحشه بكلام أغلظ له فيه وكان هذا الرجل شديد القوة ورأى ما الناس فيه من الشدة فدعاه ذلك إلى أن أرسل إلى تتش يستدعيه وواعده ليلة يرفع الرجال إلى السورفي الحبال فأتى تتش للميعاد الذي ذكره فأصعد الرجال في الحبال والسلاليم وملك تتش المدينة واستجار ابن الحتيتي بالأمير أرتق فشفع فيه وأما القلعة فكان بها سالم بن مالك بن بدران وهو ابن عم شرف الدولة مسلم بن قريش فأقام تتش يحصر القلعة سبعة عشر يومًا فبلغه الخبر بوصول مقدمة أخيه السلطان ملكشاه فرحل عنها‏.‏

ذكر ملك السلطان حلب وغيرها

كان ابن الحتيتي قد كاتب السلطان ملكشاه يستدعيه ليسلم إليه حلب لما خاف تاج الدولة تتش فسار إليه من أصبهان في جمادى الآخرة وجعل على مقدمته الأمير برسق وبوزان وغيرهما من الأمراء وجعل طريقه على الموصل فوصلها في رجب وسار منها فلما وصل إلى حران سلمها إليه ابن الشاطر فأقطعها السلطان لمحمد بن شرف الدولة وسار إلى الرها وهي بيد الروم فحصرها وملكها وكانوا قد اشتروها من ابن عطير وتقدم ذكر ذلك وسار إلى قلعة جعبر فحصرها يومًا وليلة وملكها وقتل من بها من بني قشير وأخذ جعبر من صاحبها وهو شيخ أعمى وولدين له وكانت الأذية بهم عظيمة يقطعون الطرق ويلجأون إليها‏.‏

ثم عبر الفرات إلى مدينة حلب فملك في طريقه مدينة منبج فلما قارب حلب رحل عنها أخوه تتش وكان قد ملك المدينة كما ذكرناه وسار عنها يسلك البرية ومعه الأمير أرتق فأشار بكبس عسكر السلطان وقال‏:‏ إنهم قد وصلوا وبهم وبدوابهم من التعب ما ليس عندهم معه امتناع ولو فعل لظفر بهم‏.‏

فقال تتش‏:‏ لا أكسر جاه أخي الذي أنا مستظل بظله فإنه يعود بالوهن علي أولًا‏.‏

وسار إلى دمشق ولما وصل السلطان إلى حلب تسلم المدينة وسلم إليه سالم بن مالك القلعة على أن يعوضه عنها قلعة جعبر وكان سالم قد امتنع بها أولًا فأمر السلطان أن يرمى إليه رشقًا واحدًا بالسهام فرمى الجيش فكادت الشمس تحتجب لكثرة السهام فصانع عنها بقلعة جعبر وسلمها وسلم السلطان إليه قلعة جعبر فبقيت بيده وبيد أولاده إلى أن أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وأرسل إليه الأمير نصر بن علي بن منقذ الكناني صاحب شيزر فدخل في طاعته وسلم ولما ملك السلطان حلب سلمها إلى قسيم الدولة آقسنقر فعمرها وأحسن السيرة فيها‏.‏

وأما ابن الحتيتي فإنه كان واثقًا بإحسان السلطان ونظام الملك إليه لأنه استدعاهما فلما ملك السلطان البلد طلب أهله أن يعفيهم من ابن الحتيتي فأجابهم إلى ذلك واستصحبه معه وأرسله إلى ديار بكر فافتقر وتوفي بها على حال شديدة من الفقر وقتل ولده بأنطاكية قتله الفرنج لما ملكوها‏.‏

ذكر وفاة بهاء الدولة منصور بن مزيد وولاية ابنه صدقة

في هذه السنة في ربيع الأول توفي بهاء الدولة أبو كامل منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي صاحب الحلة والنيل وغيرهما مما يجاورها ولما سمع نظام الملك خبر وفاته قال‏:‏ مات أجل صاحب عمامة وكان فاضلًا قرأ على علي بن برهان فبرع بذكائه في الذي استفاد منه وله شعر حسن فمنه‏:‏ فإن أنا لم أحمل عظيمًا ولم أقد لهامًا ولم أصبر على فعل معظم ولم أجر الجاني وأمنع حوزه غداة أنادي للفخار وأنتمي فإن كان أودى خدننا ونديمنا أبو مالك فالنائبات تنوب فكل ابن أنثى لا محالة ميت وفي كل حي للمنون نصيب ولو رد حزن أو بكاء لهالك بكيناه ما هبت صبًا وجنوب ولما توفي أرسل الخليفة إلى ولده سيف الدولة صدقة نقيب العلويين أبا الغنائم يعزيه وسار سيف الدولة إلى السلطان ملكشاه فخلع عليه وولاه ما كان لأبيه وأكثر الشعراء مراثي بهاء الدولة‏.‏