المجلد التاسع - ذكر ملك عماد الدين زنكي مدينة حلب

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

في هذه السنة أول المحرم ملك عماد الدين زنكي بن آقسنقر مدينة حلب وقلعتها ونحن نذكر كيف كان سبب ملكها فنقول‏:‏ قد ذكرنا ملك البرسقي لمدينة حلب وقلعتها سنة ثماني عشرة واستخلافه بها ابنه مسعودًا ولما قتل البرسقي سار مسعود عنها إلى الموصل وملكها واستناب بحلب أميرًا اسمه قومان ثم إنه ولى عليها أميرًا اسه قتلغ أبه وسيره بتوقيع إلى قومان بتسليمها فقال‏:‏ بيني وبين عز الدين علامة لم أرها ولا أسلم إلا بها وكانت العلامة بينهما صورة غزال وكان مسعود بن البرسقي حسن التصوير فعاد قتلغ أبه إلى مسعود وهو يحاصر الرحبة فوجده قد مات فعاد إلى حلب مسرعًا‏.‏

وعرف الناس موته فسلم الرئيس فضائل بن بديع البلد وأطاعه المقدمون به واستنزلوا قومان من القلعة بعد أن صح عنده وفاة صاحبه مسعود وأعطوه ألف دينار فتسلم قتلغ القلعة في الرابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين فظهر منه بعد أيام جور شديد وظلم عظيم ومد يده إلى أموال الناس لا سيما التركات فإنه أخذها وتقرب إليه الأشرار فنفرت قلوب الناس منه‏.‏

وكان بالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن أرتق الذي كان قديمًا صاحبها فأطاعه أهلها وقاموا ليلة الثلاثاء ثاني شوال فقبضوا على كل من كان بالبلد من أصحاب قتلغ أبه وكان أكثرهم يشربون في البلد صبخة العيد وزحفوا إلى القلعة فتحصن قتلغ أبه فيها بمن معه فحصروه ووصل إلى حلب حسان صاحب منبج وحسن صاحب بزاعة لإصلاح الأمر فلم ينصلح‏.‏

وسمع الفرنج بذلك فتقدم جوسلين بعسكره إلى المدينة فصونع بمال فعاد عنها ثم وصل بعده صاحب أنطاكية في جمع من الفرنج فخندق الحلبيون حول القلعة فمنع الداخل والخارج إليها من ظاهر البلد وأشرف الناس على الخطر العظيم إلى منتصف ذي الحجة من السنة‏.‏

وكان عماد الدين قد ملك الموصل والجزيرة فسير إلى حلب الأمير سنقرجة دراز والأمير حسن قراقوش وهما من أكابر أمراء البرسقي وقد صاروا معه في عسكر قوي ومعه التوقيع من السلطان بالموصل والجزيرة والشام فاستقر الأمر أن يسير بدر الدولة بن عبد الجبار وقتلغ أبه إلى الموصل إلى عماد الدين فسارا إليه وأقام حسن قراقوش بحلب واليًا عليها ولاية مستعارة فلما وصل بدر الدولة وقتلغ أبه إلى عماد الدين أصلح بينهما ولم يرد واحدًا منهما إلى حلب وسير حاجبه صلاح الدين محمدًا الياغيسياني إليها في عسكر فصعد القلعة ورتب الأمور وجعل فيها واليًا‏.‏

وسار عماد الدين زنكي إلى الشام في جيوشه وعساكره فملك في طريقه مدينة منبج وبزاعة وخرج أهل حلب إليه فالتقوه واستبشروا بقدومه ودخل البلد واستولى عليه ورتب أموره وأقطع أعماله الأجناد والأمراء فلما فرغ من الذي أراده قبض على قتلغ أبه وسلمه إلى ابن بديع فكحله بداره بحلب فمات قتلغ أبه واستوحش ابن بديع فهرب إلى قلعة جعبر واستجار وجعل عماد الدين في رئاسة حلب أبا الحسن علي بن عبد الرزاق ولولا أن الله تعالى من على المسلمين بملك أتابك ببلاد الشام لملكها الفرنج لأنهم كانوا يحصرون بعض البلاد الشامية وإذا علم ظهير الدين طغتكين بذلك جمع عساكره وقصد بلادهم وحصرها وأغار عليها فيضطر الفرنج إلى الرحيل لدفعه عن بلادهم فقدر الله تعالى أنه تو في هذه السنة فخلا لهم الشام من جميع جهاته من رجل يقوم بنصرة أهله فلطف الله بالمسلمين بولاية عماد الدين ففعل الفرنج ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر قدوم السلطان سنجر إلى الري

في هذه السنة خرج السلطان سنجر من خراسان إلى الري في جيش كثير‏.‏

وكان سبب ذلك‏:‏ أن دبيس بن صدقة لما وصل إليه هو والملك طغرل على ما ذكرناه لم يزل يطمعه في العراق ويسهل عليه قصده ويلقي في نفسه أن المسترشد بالله والسلطان محمود متفقان على الامتناع منه ولم يزل به حتى أجابه إلى المسير إلى العراق فلما ساروا وصل إلى الري وكان السلطان محمود بهمذان فأرسل إليه السلطان سنجر يستدعيه إليه لينظر هل هو على طاعته أم قد تغير على ما زعم دبيس فلما جاءه الرسول بادر إلى المسير إلى عمه فلما وصل إليه أمر العسكر جميعه بلقائه وأجلسه معه على التخت وبالغ في إكرامه وأقام عنده إلى منتصف ذي الحجة ثم عاد السلطان سنجر إلى خراسان وسلم دبيسًا إلى السلطان محمود ووصاه بإكرامه وإعادته إلى بلده ورجع محمود إلى همذان ودبيس معه ثم سارا إلى العراق فلما قاربا بغداد خرج الوزير إلى لقائه وكان قدومه تاسع المحرم سنة ثلاث وعشرين‏.‏

وكان الوزير أبو القاسم الأنساباذي قد قبض السلطان محمود عليه فلما اجتمع بالسلطان سنجر أمر بإطلاقه فأطلقه وقرره سنجر في وزارته ابنته التي زوجها بالسلطان محمود فلما وصل معه إلى بغداد أعاده محمود إلى وزارته في الرابع والعشرين من المحرم وهي وزارته الثانية‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ثامن صفر توفي أتابك طغتكين صاحب دمشق وهو مملوك الملك تتش بن ألب أرسلان وكان عاقلًا خيرًا كثير الغزوات والجهاد للفرنج حسن السيرة في رعيته مؤثرًا للعدل فيهم وكان لقبه ظهير الدين ولما توفي ملك بعده ابنه تاج الملوك بوري وهو أكبر أولاده بوصية من والده بالملك وأقر وزير أبيه أبو علي طاهر بن سعد المزدقاني على وزارته‏.‏

وفيها مستهل رجب توفي الوزير جلال الدين أبو علي بن صدقة وزير الخليفة وكان حسن السيرة جميل الطريقة متواضعًا محبًا لأهل العلم مكرمًا لهم وله شعر حسن فمنه في مدح المسترشد بالله‏:‏ وجدت الورى كالماء طعمًا ورقة وأن أمير المؤمنين زلاله وصورت معنى العقل شخصًا مصورًا وأن أمير المؤمنين مثاله ولولا طريق الدين والشرع والتقى لقلت من الإعظام جل جلاله وأقيم في النيابة بعده شرف الدين علي بن طراد الزينبي ثم جعل وزيرًا وخلع عليه آخر شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث وعشرين ولم يزِر للخلفاء من بني العباس هاشمي غيره‏.‏

وفيها هبت ريح شديدة اسودت لها الآفاق وجاءت بتراب أحمر يشبه الرمل وظهر في السماء أعمدة كأنها نار فخاف الناس وعدلوا إلى الدعاء والاستغفار فانكشف عنهم ما يخافونه‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

ذكر قدوم السلطان محمود إلى بغداد

في هذه السنة في المحرم قدم السلطان محمود بغداد بعد عوده من عند عمه السلطان سنجر ومعه دبيس بن صدقة ليصلح حاله مع الخليفة المسترشد بالله فتأخر دبيس عن السلطان ثم دخل بغداد ونزل بدار السلطان واسترضى عنه الخليفة فامتنع الخليفة من الإجابة إلى أن يولي دبيس شيئًا من البلاد وبذل مائة ألف دينار لذلك‏.‏

وعلم أتابك زنكي أن السلطان يريد أن يولي دبيس الموصل فبذل مائة ألف دينار وحضر بنفسه إلى خدمة السلطان فلم يشعر السلطان به إلا وهو عند الستر وحمل معه الهدايا الجليلة فأقام عند السلطان ثلاثة أيام وخلع عليه وأعاده إلى الموصل‏.‏

وخرج السلطان يتصيد فعمل له شيخ المزرفة دعوة عظيمة امتار منها جميع عسكر السلطان وأدخله إلى حمام في داره وجعل فيه عوض الماء ماء الورد فأقام السلطان إلى رابع جمادى الآخرة وسار عنها إلى همذان وجعل بهزور على شحنكية بغداد وسلمت إليه الحلة أيضًا‏.‏

ذكر ما فعله دبيس بالعراق وعود السلطان إلى بغداد

لما رحل السلطان إلى همذان ماتت زوجته وهي ابنة السلطان سنجر وهي التي كانت تعنى بأمر دبيس وتدافع عنه فلما ماتت انحل أمر دبيس‏.‏

ثم إن السلطان مرض مرضًا شديدًا فأخذ دبيس ابنًا له صغيرًا وقصد العراق فلما سمع المسترشد بالله بذلك جند الأجناد وحشد وكان بهروز بالحلة فهرب منها فدخلها دبيس في شهر رمضان فلما سمع السلطان الخبر عن دبيس أحضر الأميرين قزل والأحمديلي وقال‏:‏ أنتما ضمنتما دبيسًا مني وأريده منكما‏.‏

فسار الأحمديلي إلى العراق إلى دبيس ليكف شره عن البلاد ويحضره إلى السلطان فلما سمع دبيس الخبر أرسل إلى الخليفة يستعطفه ويقول‏:‏ إن رضيت عني فأنا أرد أضعاف ما أخذت وأكون العبد المملوك فتردد الرسل ودبيس يجمع الأموال والرجال فاجتمع معه عشرة آلاف فارس وكان قد وصل في ثلاثمائة فارس ووصل الأحمديلي بغداد في شوال وسار في أثر دبيس‏.‏

ثم إن السلطان سار إلى العراق فلما سمع دبيس بذلك أرسل إليه هدايا جليلة المقدار وبذل ثلاثمائة حصان منعلة بالذهب ومائتي ألف دينار ليرضى عنه السلطان والخليفة فلم يجبه إلى ذلك ووصل السلطان إلى بغداد في ذي القعدة فلقيه الوزير الزينبي وأرباب المناصب فلما تيقن دبيس وصوله رحل إلى البرية وقصد البصرة وأخذ منها أموالًا كثيرة وما للخليفة والسلطان هناك من الدخل فسير السلطان إثره عشرة آلاف فارس ففارق البصرة ودخل البرية‏.‏

ذكر قتل الإسماعيلية بدمشق


قد ذكرنا فيما تقدم قتل إبراهيم الأسداباذي ببغداد وهرب ابن أخته بهرام إلى الشام وملكه قلعة بانياس ومسيره إليها ولما فارق دمشق أقام له بها خليفة يدعو الناس إلى مذهبه فكثروا وانتشروا وملك هو عدة حصون من الجبال منها القدموس وغيره وكان بوادي التيم من أعمال بعلبك وأصحاب مذاهب مختلفة من النصيرية والدرزية والمجوس وغيرهم وأميرهم اسمه الضحاك فسار إليهم بهرام سنة اثنتين وعشرين وحصرهم وقاتلهم فخرج إليه الضحاك في ألف رجل وكبس عسكر بهرام فوضع السيف فيهم وقتل منهم مقتلة كثيرة وقتل بهرام وانهزم من سلم وعادوا إلى بانياس على أقبح صورة‏.‏

وكان بهرام قد استخلف في بانياس رجلًا من أعيان أصحابه اسمه إسماعيل فقام مقامه وجمع شمل من عاد إليه منهم وبث دعاته في البلاد وعاضده المزدقاني أيضًا وقوى نفسه على ما عنده من الامتعاض بهذه الحادثة والهم بسببها‏.‏

ثم إن المزدقاني أقام بدمشق عوض بهرام إنسانًا اسمه أبو الوفاء فقوي أمره وعلا شأنه وكثر أتباعه وقام بدمشق فصار المستولي على من بها من المسلمين وحكمه أكثر من حكم صاحبها تاج الملوك‏.‏

ثم إن المزدقاني راسل الفرنج ليسلم إليهم مدينة دمشق ويسلموا إليه مدينة صور واستقر الأمر بينهم على ذلك وتقرر بينهم الميعاد يوم جمعة ذكروه وقرر المزدقاني مع الإسماعيلية أن يحتاطوا ذلك اليوم بأبواب الجامع فلا يمكنوا أحدًا من الخروج منه ليجيء الفرنج ويملكوا البلاد‏.‏

فبلغ الخبر تاج الملوك صاحب دمشق فاستدعى المزدقاني إليه فحضر وخلا معه فقتله تاج الملوك وعلق رأسه على باب القلعة ونادى في البلد بقتل الباطنية فقتل منهم ستة آلاف نفس وكان ذلك منتصف رمضان من السنة وكفى الله المسلمين شرهم ورد على الكافرين كيدهم‏.‏

ولما تمت هذه الحادثة بدمشق على الإسماعيلية خاف إسماعيل والي بانياس أن يثور به وبمن معه الناس فيهلكوا فراسل الفرنج وبذل لهم تسليم بانياس إليهم والانتقال إلى بلادهم فأجابوه فسلم القلعة إليهم وانتقل هو ومن معه من أصحابه إلى بلادهم ولقوا شدة وذلة وهوانًا وتوفي إسماعيل أوائل سنة أربع وعشرين وكفى الله المؤمنين شرهم‏.‏

ذكر حصر الفرنج دمشق وانهزامهم

لما بلغ الفرنج قتل المزدقاني والإسماعيلية بدمشق عظم عليهم ذلك وتأسفوا على دمشق حيث لم يتم لهم ملكها وعمتهم المصيبة فاجتمعوا كلهم‏:‏ صاحب القدس وصاحب أنطاكية وصاحب طرابلس وغيرهم من الفرنج وقمامصتهم ومن وصل إليهم في البحر للتجارة والزيارة فاجتمعوا في خلق عظيم نحو ألفي فارس وأما الراجل فلا يحصى وساروا إلى دمشق ليحصروها‏.‏

ولما سمع تاج الملوك بذلك جمع العرب والتركمان فاجتمع معهم ثمانية آلاف فارس ووصل الفرنج في ذي الحجة فنازلوا البلد وأرسلوا إلى أعمال دمشق لجمع الميرة والإغارة على البلاد فلما سمع تاج الملوك أن جمعًا كثيرًا قد ساروا إلى حوران لنهبه وإحضاره الميرة سير أميرًا من أمرائه يعرف بشمس الخواص في جمع من المسلمين إليهم وكان خروجهم في ليلة شاتية كثيرة المطر ولقوا الفرنج من الغد فواقعوهم واقتتلوا وصبر بعضهم لبعض فظفر بهم المسلمون وقتلوهم فلم يفلت منهم غير مقدمهم ومعه أربعون رجلًا وأخذوا ما معهم وهي عشرة آلاف دابة موقَرة وثلاثمائة أسير وعادوا إلى دمشق لم يمسسهم قرح‏.‏

فلما علم من عليها من الفرنج ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب فرحلوا عنها شبه المنهزمين وأحرقوا ما تعذر عليهم حمله من سلاح وميرة وغير ذلك وتبعهم المسلمون والمطر شديد والبرد عظيم يقتلون كل من تخلف منهم فكثر القتلى منهم وكان نزولهم ورحيلهم في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

ذكر ملك عماد الدين زنكي مدينة حماة

وسبب ذلك‏:‏ أنه عبر الفرات إلى الشام وأظهر أنه يريد جهاد الفرنج وأرسل إلى تاج الملوك بوري بن طغتكين صاحب دمشق يستنجده ويطلب منه المعونة على جهادهم فأجاب إلى المراد وأرسل من أخذ له العهود والمواثيق فلما وصلت التوثقة جرد عسكرًا من دمشق مع جماعة من الأمراء وأرسل إلى ابنه سونج وهو بمدينة حماة يأمره بالنزول إلى العسكر والمسير معهم إلى زنكي ففعل ذلك فساروا جميعهم فوصلوا إليه فأكرمهم وأحسن لقاءهم وتركهم أيامًا‏.‏

ثم إنه غدر بهم فقبض على سونج ولد تاج الملوك وعلى جماعة الأمراء المقدمين ونهب خيامهم وما فيها من الكراع واعتقلهم بحلب وهرب من سواهم وسار من يومه إلى حماة فوصل إليها وهي خالية من الجند الحماة الذابين فملكها واستولى عليها ورحل عنها إلى حمص وكان صاحبها قرجان بن قراجة معه في عسكره وهو الذي أشار عليه بالغدر بولد تاج الملوك فقبض عليه ونزل على حمص وحصرها وطلب من قرجان صاحبها أن يأمر نوابه وولده الذين فيها بتسليمها فأرسل إليهم بالتسليم فلم يقبلوا منه ولا التفتوا إلى قوله فأقام عليها محاصرًا لها ومقاتلًا لمن فيها مدة طويلة فلم يقدر على ملكها فرحل عنها عائدًا إلى الموصل واستصحب معه سونج بن تاج الملوك ومن معه من الأمراء الدمشقيين‏.‏

وترددت الرسل في إطلاقهم بينه وبين تاج الملوك واستقر الأمر على خمسين ألف دينار فأجاب تاج الملوك إلى ذلك ولم ينتظم بينهم أمر‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ملك بيمند صاحب أنطاكية حصن القدموس من المسلمين‏.‏

و في هذه السنة أيضًا وثب الإسماعيلية على عبد اللطيف بن الخجندي رئيس الشافعية بأصبهان فقتلوه وكان ذا رئاسة عظيمة وتحكم كثير‏.‏

و في هذه السنة توفي الإمام أبو الفتح أسعد بن أبي نصر الميهني الفقيه الشافعي مدرس النظامية ببغداد وله طريقة مشهورة في الخلاف وتفقه على أبي المظفر السمعاني وكان له قبول عظيم عند الخليفة والسلطان وسائر الناس‏.‏

وفيها توفي حمزة بن هبة الله بن محمد بن الحسن الشريف العلوي الحسني النيسابوري سمع الحديث الكثير ورواه ومولده سنة تسع وعشرين وأربعمائة وجمع مع شرف النسب شرف النفس والتقوى وكان زيدي المذهب‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وعشرين وخمسمائة

من محمد خان وملك محمود بن محمد خان المذكور

في هذه السنة في ربيع الأول ملك السلطان سنجر مدينة سمرقند‏.‏

وسبب ذلك‏:‏ أنه كان قد رتب فيها لما ملكها أولًا أرسلان خان محمد بن سليمان بن بغراجان داود فأصابه فالج فاستناب ابنًا له يعرف بنصرخان وكان شهمًا شجاعًا وكان بسمرقند إنسان علوي فقيه مدرس إليه الحل والعقد والحكم في البلد فاتفق هو ورئيس البلد على قتل نصر خان فقتلاه ليلًا وكان أبوه محمد خان غائبًا فعظم عليه واشتد وكان له ابن آخر غائب في بلاد تركستان‏.‏

فأرسل إليه واستدعاه فلما قارب سمرقند خرج العلوي ورئيس البلد إلى استقباله فقتل العلوي في الحال وقبض على الرئيس‏.‏

وكان والده أرسلان خان قد أرسل إلى السلطان سنجر رسولًا يستدعيه ظنًا منه أن ابنه لا يتم أمره مع العلوي والرئيس فتجهز سنجر وسار يريد سمرقند فلما ظفر ابن أرسلان خان بهما ندم على استدعاء السلطان سنجر فأرسل إليه يعرفه أنه قد ظفر بالعلوي والرئيس وأنه وابنه على الطاعة ويسأله العود إلى خراسان فغضب سنجر من ذلك وأقام أيامًا فبينما هو في الصيد إذ رأى اثني عشر رجلًا في السلاح التام فقبض عليهم وعاقبهم فأقروا أن محمد خان أرسلهم ليقتلوه فقتلهم ثم سار إلى سمرقند فملكها عنوة ونهب بعضها ومنع من الباقي وتحصن منه محمد خان ببعض تلك الحصون فاستنزله السلطان سنجر بأمان بعد مدة فلما نزل إليه أكرمه وأرسله إلى ابنته زوجة السلطان سنجر فبقي عندها إلى أن توفي‏.‏

وأقام سنجر بسمرقند مدة حتى أخذ المال والسلاح والخزائن وسلم البلد إلى الأمير حسن تكين وعاد إلى خراسان فلم يلبث حسن تكين أن مات فملك سنجر بعده عليها محمود بن محمد خان بن سليمان بن داود المقدم ذكره وقيل إن السبب غير ما ذكرناه وسيرد ذكره سنة ست وثلاثين للحاجة إلى ذكره هناك‏.‏

ذكر فتح عماد الدين حصن الأثارب وهزيمة الفرنج

لما فرغ عماد الدين زنكي من أمر البلاد الشامية حلب وأعمالها وما ملكه وقرر قواعده عاد إلى الموصل وديار الجزيرة ليستريح عسكره ثم أمرهم بالتجهز للغزاة فتجهزوا وأعدوا واستعدوا وعاد إلى الشام وقصد حلب فقوي عزمه على قصد حصن الأثارب ومحاصرته لشدة ضرره على المسلمين‏.‏

وهذا الحصن بينه وبين حلب نحو ثلاثة فراسخ بينها وبين أنطاكية وكان من به من الفرنج يقاسمون حلب على جميع أعمالها الغربية حتى على رحى لأهل حلب بظاهر باب الجنان بينها وبين البلد عرض الطريق وكان أهل البلد معهم في ضر شديد وضيق كل يوم قد أغاروا عليهم ونهبوا أموالهم‏.‏

فلما رأى الشهيد هذه الحال صمم العزم على حصر هذا الحصن فسار إليه ونازله‏.‏

فلما علم الفرنج بذلك جمعوا فارسهم وراجلهم وعلموا أن هذه وقعة لها ما بعدها فحشدوا وجمعوا ولم يتركوا من طاقتهم شيئًا إلا استنفدوه فلما فرغوا من أمرهم ساروا نحوه فاستشار أصحابه فيما يفعل وكل أشار بالعود عن الحصن فإن لقاء الفرنج في بلادهم خطر لا يدرى على أي شيء تكون العاقبة‏.‏

فقال لهم‏:‏ إن الفرنج متى رأونا قد عدنا من أيديهم طمعوا وساروا في أثرنا وخربوا بلادنا ولا بد من لقائهم على كل حال‏.‏

ثم ترك الحصن وتقدم إليهم فالتقوا واصطفوا للقتال وصبر كل فريق لخصمه واشتد الأمر بينهم ثم إن الله تعالى أنزل نصره على المسلمين فظفروا وانهزم الفرنج أقبح هزيمة ووقع كثير من فرسانهم في الأسر وقتل منهم خلق كثير وتقدم عماد الدين إلى عسكره بالإنجاز وقال‏:‏ هذا أول مصاف عملناه معهم فلنذقهم من بأسنا ما يبقى رعبه في قلوبهم ففعلوا ما أمرهم ولقد اجتزت بتلك الأرض سنة أربع وثمانين وخمسمائة ليلًا فقيل لي‏:‏ إن كثيرًا من العظام باق إلى ذلك الوقت‏.‏

فلما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا إلى الحصن فتسلموه عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وأخربه عماد الدين وجعله دكًا وبقي إلى الآن خرابًا ثم سار منه إلى قلعة حارم وهي بالقرب من أنطاكية فحصرها وهي أيضًا للفرنج فبذل له أهلها نصف دخل بلد حارم وهادنوه فأجابهم إلى ذلك وعاد عنهم وقد استدار المسلمون بتلك الأعمال وضعفت قوى الكافرين وعلموا أن البلاد قد جاءها ما لم يكن لهم في حساب وصار قصاراهم حفظ ما بأيديهم بعد أن كانوا قد طمعوا في ملك الجميع‏.‏

ذكر ملك عماد الدين مدينة سرجي

لما فرغ من أمر الأثارب وتلك النواحي عاد إلى ديار الجزيرة وكان قد بلغه عن حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي صاحب ماردين وابن عمه ركن الدولة داود بن سقمان صاحب حصن كيفا قوارص فعاد إليهم وحصر مدينة سرجي وهي بين ماردين ونصيبين فاجتمع حسام الدين وركن الدولة وصاحب آمد وغيرهم وجمعوا خلقًا كثيرًا من التركمان بلغت عدتهم فحكى لي ولدي وقال‏:‏ لما انهزم ركن الدولة داود قصد بلد جزيرة ابن عمر ونهبه فبلغ الخبر إلى عماد الدين فسار نحو الجزيرة وأراد دخول بلد داود ثم عاد عنه لضيق مسالكه وخشونة الجبال التي في الطريق وسار إلى دارا فملكها وهي من القلاع في تلك الأعمال‏.‏

ذكر وفاة الآمر وخلافة الحافظ العلوي

في هذه السنة ثاني ذي القعدة قتل الآمر بأحكام الله أبو علي بن المستعلي العلوي صاحب مصر خرج إلى متنزه له فلما عاد وثب عليه الباطنية فقتلوه لأنه كان سيء السيرة في رعيته وكانت ولايته تسعًا وعشرين سنة وخمسة أشهر وعمره أربعًا وثلاثين سنة وهو العاشر من ولد المهدي عبيد الله الذي ظهر بسجلماسة وبنى المهدية بإفريقية وهو أيضًا العاشر من الخلفاء العلويين من أولاد المهدي أيضًا‏.‏

ولما قتل لم يكن له ولده بعده فولي بعده ابن عمه الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم بن المستنصر بالله ولم يبايع بالخلافة وإنما بويع له لينظر في الأمر نيابة حتى يكشف عن حمل إن كان للآمر فتكون الخلافة فيه ويكون هو نائبًا عنه‏.‏

ومولد الحافظ بعسقلان لأن أباه خرج من مصر إليها في الشدة فأقام بها فولد ابنه عبد المجيد هناك ولما ولي استوزر أبا علي أحمد بن الأفضل بن بدر الجمالي واستبد بالأمر وتغلب على الحافظ وحجر عليه وأودعه في خزانة ولا يدخل إليه إلا من يريده أبو علي وبقي الحافظ له اسم لا معنى تحته ونقل أبو علي كل ما في القصر إلى داره من الأموال وغيرها ولم يزل الأمر كذلك إلى أن قتل أبو علي سنة ست وعشرين فاستقامت أمور الحافظ وحكم في دولته وتمكن من ولايته وبلاده‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة توفيت الخاتون ابنة السلطان سنجر وهي زوجة السلطان محمود‏.‏

وفيها قتل بيمند الفرنجي صاحب أنطاكية‏.‏

وفيها توفي نصير الدين محمود بن مؤيد الملك بن نظام الملك في شعبان ببغداد ووقع الحريق في داره بعد وفاته وفي حظائر الحطب والسوق التتشي فذهب من الناس أموال كثيرة‏.‏

وفيها وزر الرئيس أبو الذواد المفرج بن الحسن بن الصوفي لصاحب دمشق تاج الملوك‏.‏

وفيها كان الرصد بالدار السلطانية شرقي بغداد تولاه البديع الاصطرلابي ولم يتم‏.‏

وفيها ظهر ببغداد عقارب طيارة ذوات شوكتين فنال الناس منها خوف شديد وأذى عظيم‏.‏

وفيها في ذي الحجة خرج الملك مسعود بن محمد من خراسان وكان عند عمه السلطان سنجر ووصل إلى ساوة ووقع الإرجاف أن عزمه على مخالفة أخيه السلطان محمود قوي وأن عمه سنجر أمره بذلك فاستشعر السلطان محمود وسار عن بغداد إلى همذان فلما وصل إلى كرمانشاهان وصل إليه أخوه الملك مسعود وخدمه ولم يظهر للإرجاف أثر فأقطعه السلطان مدينة كنجة وأعمالها وسيره إليها‏.‏

وفيها كانت زلزلة عظيمة في ربيع الأول بالعراق وبلد الجبل والموصل والجزيرة فخربت كثيرًا‏.‏

وفيها ملك السلطان محمود قلعة ألموت‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن عثمان بن محمد أبو إسحاق الغزي من أهل غزة مدينة بفلسطين من الشام ومولده سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وهو من الشعراء المجيدين فمن قوله من قصيدة يصف فيها الأتراك‏:‏ في فتية من جيوش الترك ما تركت للرعد كراتهم صوتًا ولا صيتا قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكةً حسنًا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا وله في الزهد‏:‏ ما مضى فات والمؤمل غيبٌ ولك الساعة التي أنت فيها وفيها توفي الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد الدباس ابو عبد الله النحوي الشاعر المعروف بالبارع أخو أبي الكرم بن فاخر النحوي لأمه ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة وله شعر مليح فمنه قوله‏:‏ ردي علي الكرى ثم اهجري سكني فقد قنعت بطيف منك في الوسن لا تحسبي النوم قد أوشحت أطلبه إلا رجاء خيال منك يؤنسني تركتني والهوى فردًا أغالبه ونام ليلك عن هم يؤرقني وهي طويلة‏.‏

وفيها توفي هبة الله بن القاسم بن محمد بن عطا بن محمد أبو سعد المهرواني النيسابوري ومولده سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وكان محدثًا حافظًا صالحًا‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة

ذكر أسر دبيس بن صدقة

في هذه السنة في شعبان أسر تاج الملوك بوري بن طغتكين صاحب دمشق الأمير دبيس بن صدقة صاحب الحلة وسلمه إلى أتابك الشهيد زنكي بن آقسنقر‏.‏

وسبب ذلك‏:‏ أنه لما فارق البصرة على ما ذكرناه جاءه قاصد من الشام من صرخد يستدعيه إليها لأن صاحبها كان خصيًا فتو في هذه السنة وخلف جارية سرية له فاستولت على القلعة وما فيها وعلمت أنها لا يتم لها ذلك إلا بأن تتصل برجل له قوة ونجدة فوصف لها دبيس بن صدقة وكثرة عشيرته وذكر لها حاله وما هو عليه بالعراق فأرسلت تدعوه إلى صرخد لتتزوج به وتسلم القلعة وما فيها من مال وغيره إليه‏.‏

فأخذ الأدلاء معه وسار من أرض العراق إلى الشام فضل به الأدلاء بنواحي دمشق فنزل بناس من كلب كانوا شرقي الغوطة فأخذوه وحملوه إلى تاج الملوك صاحب دمشق فحبسه عنده‏.‏

وسمع أتابك عماد الدين زنكي الخبر وكان دبيس يقع فيه وينال منه فأرسل إلى تاج الملوك يطلب منه دبيسًا ليسلمه إليه ويطلق ولده ومن معه من الأمراء المأسورين وإن امتنع من تسليمه سار إلى دمشق وحصرها وخربها ونهب بلدها فأجاب تاج الملوك إلى ذلك وأرسل أتابك سونج بن تاج الملوك والأمراء الذين معه وأرسل تاج الملوك دبيسًا فأيقن دبيس بالهلاك ففعل زنكي معه خلاف ما ظن وأحسن إليه وحمل له الأقوات والسلاح والدواب وسائر ولما سمع المسترشد بالله بقبضه بدمشق أرسل سديد الدولة بن الأنباري وأبا بكر بن بشر الجزري من جزيرة ابن عمر إلى تاج الملوك يطلب منه أن يسلم دبيسًا إليه لما كان متحققًا به من عداوة الخليفة فسمع سديد الدولة ابن الأنباري بتسليمه إلى عماد الدين وهو في الطريق فسار إلى دمشق ولم يرجع وذم أتابك زنكي بدمشق واستخف به وبلغ الخبر عماد الدين فأرسل إلى طريقه من يأخذه إذا عاد فلما رجع من دمشق قبضوا عليه وعلى ابن بشر وحملوهما إليه فأما ابن بشر فأهانه وجرى في حقه مكروه وأما ابن الأنباري فسجنه‏.‏

ثم إن المسترشد بالله شفع فيه فأطلق ولم يزل دبيس مع زنكي حتى انحدر معه إلى العراق على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر وفاة السلطان محمود وملك ابنه داود

في هذه السنة في شوال توفي السلطان محمود ابن السلطان محمد بهمذان وكان قبل مرضه قد خاف وزيره أبو القاسم الأنساباذي من جماعة من الأمراء وأعيان الدولة منهم‏:‏ عزيز الدين أبو نصر أحمد بن حامد المستوفي والأمير أنوشتكين المعروف بشيركير وولده عمر وهو أمير

حاجب السلطان وغيرهم فأما عزيز الدين فأرسله مقبوضًا عليه إلى مجاهد الدين بهروز بتكريت ثم قتل بها وأما شيركير وولده فقتلا في جمادى الآخرة‏.‏

ثم إن السلطان مرض وتوفي في شوال وأقعد ولده الملك داود في السلطنة باتفاق من الوزير أبي القاسم وأتابكه آقسنقر الأحمديلي وخطب له في جميع بلاد الجبل وأذربيجان ووقعت الفتنة بهمذان وسائر بلاد الجبل ثم سكنت فلما اطمأن الناس وسكنوا سار الوزير بأمواله إلى الري فأمن فيها حيث هي للسلطان سنجر‏.‏

وكان عمر السلطان محمود لما توفي نحو سبع وعشرين سنة وكانت ولايته للسلطنة اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرين يومًا وكان حليمًا كريمًا عاقلًا يسمع ما يكره ولا يعاقب عليه مع القدرة قليل الطمع في أموال الرعايا عفيفًا عنها كافًا لأصحابه عن التطرق إلى شيء منها‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ثار الباطنية بتاج الملوك بوري بن طغتكين صاحب دمشق فجرحوه جرحين فبرأ أحدهما وتنسر الآخر وبقي فيه ألمه إلا أنه يجلس للناس ويركب معهم على ضعف فيه‏.‏

وفيها توفي الأمير أبو الحسن بن المستظهر بالله أخو المسترشد بالله في رجب‏.‏

وفيها في شوال توفي الحسن بن سليمان بن عبد الله أبو علي الفقيه الشافعي الواعظ مدرس النظامية ببغداد وأصله من الزوزان‏.‏

والخطيب أبو نصر أحمد بن عبد القاهر المعروف بابن الطوسي خطيب الموصل توفي في ربيع الأول‏.‏

وحماد بن مسلم الدباس الرحبي الزاهد المشهور صاحب الكرامات وسمع الحديث وله أصحاب وتلامذة كثيرون ساروا ورأيت الشيخ أبا الفرج بن الجوزي قد ذمه وثلبه ولهذا الشيخ أسوة بغيره من الصالحين فإن ابن الجوزي قد صنف كتابًا سماه تلبيس إبليس لم يبق فيه على أحد من سادة المسلمين وصالحيهم‏.‏

وهبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني الكاتب ومولده سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة سمع أبا علي بن المهذب وأبا طالب بن غيلان وغيرهما وهو راوي مسند أحمد بن حنبل والغيلانيات وغيرهما‏.‏

ومحمد بن الحسن بن علي بن الحسن أبو غالب الماوردي ولد سنة خمسين وأربعمائة بالبصرة وسمع الحديث الكثير وروى سنن أبي داود السجستاني وكان صالحًا‏.‏

ذكر قتل أبي علي وزير الحافظ ووزارة يانس وموته

في هذه السنة في المحرم قتل الأفضل أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي صاحب مصر‏.‏

وسبب قتله‏:‏ أنه كان قد حجر على الحافظ ومنعه أن يحكم في شيء من الأمور قليل أو جليل وأخذ ما في قصر الخلافة إلى داره وأسقط من الدعاء

ذكر إسماعيل الذي هو جدهم وإليه تنسب الإسماعيلية

وهو ابن جعفر بن محمد الصادق وأسقط من الأذان حي على خير العمل ولم يخطب للحافظ وأمر الخطباء أن يخطبوا له بألقاب كتبها لهم وهي‏:‏ السيد الأفضل الأجل سيد مماليك أرباب الدول والمحامي عن حوزة الدين وناشر جناح العدل على المسلمين الأقربين والأبعدين ناصر إمام الحق في حالتي غيبته وحضوره والقائم بنصرته بماضي سيفه وصائب رأيه وتدبيره أمين الله على عباده وهادي القضاة إلى اتباع شرع الحق واعتماده ومرشد دعاة المؤمنين بواضح بيانه وإرشاده مولى النعم ورافع الجور عن الأمم ومالك فضيلتي السيف والقلم أبو علي أحمد بن السيد الأجل الأفضل شاهنشاه أمير الجيوش‏.‏

وكان إمامي المذهب يكثر ذم الآمر والتناقص به فنفرت منه شيعة العلويين ومماليكهم وكرهوه وعزموا على قتله فخرج في العشرين من المحرم من هذه السنة إلى الميدان يلعب بالكرة مع أصحابه فكمن له جماعة منهم مملوك فرنجي كان للحافظ فخرجوا عليه فحمل الفرنجي عليه فطعنه فقتله وحزوا رأسه وخرج الحافظ من الخزانة التي كان فيها ونهب الناس دار أبي علي وأخذ منها ما لا يحصى وركب الناس والحافظ إلى داره فأخذ ما بقي فيها وحمله إلى القصر‏.‏

وبويع يومئذ الحافظ بالخلافة وكان قد بويع له بولاية العهد وأن يكون كافلًا لحمل إن كان للآمر فلما بويع بالخلافة استوزر أبا الفتح يانس الحافظي في ذلك اليوم بعينه ولقب أمير الجيوش وكان عظيم الهيبة بعيد الغور كثير الشر فخافه الحافظ على نفسه وتخيل منه أنس فاحتاط ولم يأكل عنده شيئًا ولا شرب فاحتال عليه الحافظ بأن وضع له فراشه في بيت الطهارة ماء مسمومًا فاغتسل به فوقع الدود في سفله وقيل له‏:‏ متى قمت من مكانك هلكت فكان يعالج بأن يجعل اللحم الطري في المحل فيعلق به الدود فيخرج ويجعل عوضه فقارب الشفاء فقيل للحافظ‏:‏ إنه قد صلح وإن تحرك هلك فركب إليه الحافظ كأنه يعوده فقام له ومشى إلى بين يديه وقعد الحافظ عنده ثم خرج من عنده فتوفي من ليلته وكان موته في السادس والعشرين

ولما مات يانس استوزر الحافظ ابنه حسنًا وخطبه له بولاية العهد وسيرد ذكر قتله سنة تسع وعشرين‏.‏ وإنما ذكرت ألقاب أبي علي تعجبًا منها ومن حماقة ذلك الرجل فإن وزير صاحب مصر وحدها إذا كان هكذا فينبغي أن يكون وزير السلاطين السلجوقية كنظام الملك وغيره يدعون الربوبية على أن تربة مصر هكذا تولد ألا ترى إلى فرعون يقول‏:‏ ‏"‏ أنا ربكم الأعلى ‏"‏ وإلى أشياء أخر لا نطيل ذكرها‏.‏

ذكر حال السلطان مسعود والملكين سلجوقشاه وداود

واستقرار السلطنة بالعراق لمسعود لما توفي السلطان محمود ابن السلطان محمد وخطب ببلاد الجبل وأذربيجان لولده الملك داود على ما ذكرناه سار الملك داود من همذان في ذي القعدة من سنة خمس وعشرين إلى زنجان فأتاه الخبر أن عمه السلطان مسعودًا قد سار من جرجان ووصل إلى تبريز واستولى عليها فسار الملك داود إليه وحصره بها وجرى بينهما قتال إلى سلخ المحرم سنة ست وعشرين ثم اصطلحا‏.‏

وتأخر الملك داود مرحلة وخرج السلطان مسعود من تبريز واجتمع عليه العساكر وسار إلى همذان وأرسل يطلب الخطبة ببغداد وكانت رسل الملك داود قد تقدمت في طلب الخطبة فأجاب المسترشد بالله أن الحكم في الخطبة إلى السلطان سنجر من أراد خطب له وأرسل إلى السلطان سنجر أن لا يأذن لأحد في الخطبة فإن الخطبة ينبغي أن تكون له وحده فوقع ذلك منه موقعًا حسنًا‏.‏

ثم إن السلطان مسعودًا كاتب عماد الدين زنكي صاحب الموصل وغيرها يستنجده ويطلب مساعدته فوعده النصر فقويت بذلك نفس مسعود على طلب السلطنة‏.‏

ثم إن الملك سلجوقشاه ابن السلطان محمد سار أتابكه قراجة الساقي صابح فارس وخوزستان في عسكر كثير إلى بغداد فوصل إليها قبل وصول السلطان مسعود ونزل في دار السلطان وأكرمه الخليفة واستحلفه لنفسه‏.‏

ثم وصل رسول السلطان مسعود يطلب الخطبة ويتهدد إن منعها فلم يجب إلى ما طلبه فسار حتى نزل عباسية الخالص وبرز عسكر الخليفة وعسكر سلجوقشاه وقراجة الساقي نحو مسعود إلى أن يفرغ من حرب أتابك عماد الدين زنكي وسار يومًا وليلة إلى المعشوق وواقع عماد الدين زنكي فهزمه وأسر كثيرًا من أصحابه وسار زنكي منهزمًا إلى تكريت فعبر فيها

دجلة وكان الدزدار بها حينئذ نجم الدين أيوب فأقام له المعابر فلما عبر أمن الطلب وسار إلى بلاده لإصلاح حاله وحال رجاله وهذا الفعل من نجم الدين أيوب كان سببًا لاتصاله به والمصير في جملته حتى آل بهم الأمر إلى ملك مصر والشام وغيرهما على ما نذكره‏.‏

وأما السلطان مسعود فإنه سار من العباسية إلى الملكية ووقعت الطلائع بعضها على بعض ثم لم تزل المناوشة تجري بينه وبين أخيه سلجوقشاه يومين‏.‏

وأرسل سلجوقشاه إلى قراجة يستحثه على المبادرة فعاد سريعًا وعبر دجلة إلى الجانب الشرقي فلما علم السلطان مسعود بانهزام عماد الدين زنكي رجع إلى ورائه وأرسل إلى الخليفة يعرفه وصول السلطان سنجر إلى الري وأنه عازم على قصد الخليفة وغيره وإن رأيتم أن نتفق على قتاله ودفعه عن العراق ويكون العراق لوكيل الخليفة فأنا موافق على ذلك‏.‏

فأعاد الخليفة الجواب يستوقفه‏.‏

وترددت الرسل في الصلح فاصطلحوا على أن يكون العراق لوكيل الخليفة وتكون السلطنة لمسعود ويكون سلجوقشاه ولي عهده وتحالفوا على ذلك وعاد السلطان مسعود إلى بغداد فنزل بدار السلطان ونزل سلجوقشاه في دار الشحنكية وكان اجتماعهم في جمادى الأولى‏.‏

لما توفي السلطان محمود سار السلطان سنجر إلى بلاد الجبال ومعه الملك طغرل ابن السلطان محمد وكان عنده قد لازمه فوصل إلى الري ثم سار منها إلى همذان فوصل الخبر إلى الخليفة المسترشد بالله والسلطان مسعود بوصوله إلى همذان فاستقرت القاعدة بينهما على قتاله وأن يكون الخليفة معهم وتجهز الخليفة فتقدم قراجة الساقي والسلطان مسعود وسلجوقشاه نحو السلطان سنجر وتأخر المسترشد بالله عن المسير معهم فأرسل إلى قراجة وألزمه وقال‏:‏ إن الذي تخاف من سنجر آجلًا أنا أفعله عاجلًا‏.‏

فبرز حينئذ وسار على تريث وتوقف إلى أن بلغ إلى خانقين وأقام بها‏.‏

وقطعت خطبة سنجر من العراق جميعه ووصلت الأخبار بوصول عماد الدين زنكي ودبيس بن صدقة إلى قريب بغداد فأما دبيس فإنه ذكر أن السلطان سنجر أقطعه الحلة وأرسل إلى المسترشد بالله يضرع ويسأل الرضا عنه فامتنع من إجابته إلى ذلك‏.‏

وأما عماد الدين زنكي فإنه ذكر أن السلطان سنجر قد أعطاه شحنكية بغداد فعاد المسترشد بالله إلى بغداد وأمر أهلها بالاستعداد للمدافعة عنها وجند أجنادًا جعلهم معهم‏.‏

ثم إن السلطان مسعودًا وصل إلى دادمرج فلقيهم طلائع السلطان سنجر في خلق كثير فتأخر السلطان مسعود إلى كرمانشاهان ونزل السلطان سنجر في أسداباذ في مائة ألف فارس فسار مسعود وأخوه سلجوقشاه إلى جبلين يقال لهما‏:‏ كاو وماهي فنزلا بينهما ونزل السلطان سنجر وكنكور فلما سمع بانحرافهم أسرع في طلبهم فرجعوا إلى ورائهم مسيرة أربعة أيام في يوم وليلة فالتقى العسكران بعولان عند الدينور وكان مسعود يدافع الحرب انتظارًا لقدوم المسترشد فلما نازله السلطان سنجر لم يجدا من المصاف وجعل سنجر على ميمنته طغرل ابن أخيه محمد وقماج وأمير أميران وعلى ميسرته خوارزمشاه أتسز بن محمد مع جمع من الأمراء وجعل مسعود على ميمنته قراجة الساقي والأمير قزل وعلى ميسرته يرنقش بازدار ويوسف جاووش وغيرهما وكان قزل قد واطأ سنجر على الانهزام‏.‏

ووقعت الحرب وقامت على ساق وكان يومًا مشهودًا فحمل قراجة الساقي على القلب وفيه السلطان سنجر في عشرة آلاف فارس من شجعان العسكر وبين يديه الفيلة فلما حمل قراجة على القلب رجع الملك طغرل وخوارزمشاه إلى وراء ظهره فصار قراجة في الوسط فقاتل إلى أن جرح عدة جراحات وقتل كثير من أصحابه وأخذ هو أسيرًا وبه جراحات كثيرة فلما رأى السلطان مسعود ذلك انهزم وسلم من المعركة وقتل يوسف جاووش وحسنين أزبك وهما من أكابر الأمراء وكانت الوقعة ثامن رجب من هذه السنة‏.‏

فلما تمت الهزيمة على مسعود نزل سنجر وأحضر قراجة فلما حضر قراجة سبه وقال له‏:‏ يا مفسد أي شيء كنت ترجو بقتالي قال‏:‏ كنت أرجو أن أقتلك وأقيم سلطانًا أحكم عليه‏.‏

فقتله صبرًا وأرسل إلى السلطان مسعود يستدعيه فحضر عنده وكان قد بلغ خونج فلما رآه قبله وأكرمه وعاتبه على العصيان عليه ومخالفته وأعاده إلى كنجة وأجلس الملك طغرل ابن أخيه محمد في السلطنة وخطب له في جميع البلاد وجعل في وزارته أبا القاسم الأنساباذي وزير السلطان محمود وعاد إلى خراسان فوصل إلى نيسابور في العشرين من رمضان سنة ست وعشرين‏.‏

وأما المسترشد بالله فكان منه ما نذكره‏.‏

ذكر مسير عماد الدين إلى بغداد

لما سار المسترشد بالله من بغداد وبلغه انهزام السلطان مسعود عزم على العود إلى بغداد فأتاه الخبر بوصول عماد الدين زنكي إلى بغداد ومعه دبيس بن صدقة وكان السلطان سنجر قد كاتبهما وأمرهما بقصد العراق والاستيلاء عليه فلما علم الخليفة بذلك أسرع العود إليها وعبر إلى الجانب الغربي وسار فنزل بالعباسية ونزل عماد الدين بالمنارية من دجيل والتقيا بحصن البرامكة في السابع والعشرين من رجب فابتدأ زنكي فحمل على ميمنة الخليفة وبها جمال الدولة إقبال فانهزموا منه وحمل نظر الخادم من ميسرة الخليفة على ميمنة عماد الدين ودبيس وحمل الخليفة بنفسه واشتد القتال فانهزم دبيس وأراد عماد الدين الصبر فرأى الناس قد تفرقوا عنه فانهزم أيضًا وقتل من العسكر جماعة وأسر جماعة وبات الخليفة هناك ليلته وعاد من الغد إلى بغداد‏.‏

ذكر حال دبيس بعد الهزيمة

وفيها عاد دبيس بعد انهزامه المذكور يلوذ ببلاد الحلة وتلك النواحي وجمع جمعًا وكانت تلك الولاية بيد إقبال المسترشدي فأمد بعسكر من بغداد فالتقى هو ودبيس فانهزم دبيس واختفى في أجمة هناك وبقي ثلاثة أيام لم يطعم شيئًا ولم يقدر على التخلص منها حتى أخرجه حمّاس على ظهره‏.‏

ثم جمع جمعًا وقصد واسط وانضم إليه عسكرها وبختيار وشاق وابن أبي الجبر ولم يزل فيها إلى أن دخلت سنة سبع وعشرين فنفذ إليهم يرنقش بازدار وأقبال الخادم المسترشدي في عسكر فاقتتلوا في الماء والبر فانهزم الواسطيون ودبيس وأسر بختيار وشاق وغيره من الأمراء‏.‏

في هذه السنة في رجب توفي تاج الملوك بوري بن طغتكين صاحب دمشق‏.‏

وسبب موته أن الجرح الذي كان به من الباطنية وقد ذكرناه اشتد عليه الآن وأضعفه وأسقط قوته فتوفي في الحادي والعشرين من رجب ووصى بالملك بعده لولده شمس الملوك إسماعيل ووصى بمدينة بعلبك وأعمالها لولده شمس الدولة محمد‏.‏

وكان بوري كثير الجهاد شجاعًا مقدمًا سد مسد أبيه وفاق عليه وكان ممدحًا أكثر الشعراء مدائحه لا سيما ابن الخياط وملك بعده ابنه شمس الملوك وقام بتدبير الأمر بني يديه الحاجب يوسف بن فيروز شحنة دمشق وهو حاجب أبيه واعتمد عليه وابتدأ أمره بالرفق بالرعية والإحسان إليهم فكثر الدعاء له والقصاد عليه‏.‏

ذكر ملك شمس الملوك حصن اللبوة وحصن رأس وحصره بعلبك

في هذه السنة ملك شمس الملوك إسماعيل صاحب دمشق حصن اللبوة حصن راس‏.‏

وسبب ذلك‏:‏ أنهما كانا لأبيه تاج الملوك وفي كل واحد منهما مستحفظ يحفظه فلما ملك شمس الملوك بلغه أن أخاه شمس الدولة محمدًا صاحب بعلبك قد راسلهما واستمالهما إليه فسلما الحصنين إليه وجعل فيهما من الجند ما يكفيهما فلم يظهر بذلك أثر بل راسل أخاه بلطف يقبح هذه الحال ويطلب أن يعيدهما إليه فلم يفعل فأغضى على ذلك وتجهز من غير أن يعلم أحدًا‏.‏

وسار هو وعسكره آخر ذي القعدة فطلب جهة الشمال ثم عاد مغربًا فلم يشعر من بحصن اللبوة إلا وقد نزل عليهم وزحف لوقته فلم يتمكنوا من نصب منجنيق ولا غيره فطلبوا الأمان فبذله لهم وتسلم الحصن من يومه وسار من آخر النهار إلى حصن راس فبغتهم وجرى الأمر فيه على تلك القضية وتسلمه وجعل فيهما من يحفظهما‏.‏

ثم رحل إلى بعلبك وحصرها وفيها أخوه شمس الدولة محمد وقد استعد وجمع في الحصن ما يحتاج إليه من رجال وذخائر فحصرهم شمس الملوك وزحف في الفارس والراجل وقاتله أهل البلد على السور ثم زحف عدة مرات فملك البلد بعد قتال شديد وقتلى كثيرة وبقي الحصن فقاتله وفيه أخوه ونصب المجانيق ولازم القتال فلما رأى أخوه شمس الدولة شدة الأمر أرسل يبذل الطاعة ويسأل أن يقر على ما بيده وجعله أبوه باسمه فأجابه إلى مطلوبه وأقر عليه بعلبك وأعمالها وتحالفوا وعاد شمس الملوك إلى دمشق وقد استقامت له الأمور‏.‏

في هذه السنة في رمضان كانت الحرب بين الملك طغرل وبين أخيه الملك داود بن محمود وكان سببها‏:‏ أن السلطان سنجر أجلس الملك طغرل في السلطنة كما ذكرناه وعاد إلى خراسان لأنه بلغه أن صاحب ما وراء النهر أحمد خان قد عصى عليه فبادر إلى العود لتلافي ذلك الخرق فلما عاد إلى خراسان عصى الملك داود على عمه طغرل وخالفه وجمع العساكر بأذربيجان وبلاد كنجة وسار إلى همذان فنزل مستهل رمضان عند قرية يقال لها وهان بقرب همذان‏.‏

وخرج إليه طغرل وعبأ كل واحد منهما أصحابه ميمنة وميسرة وكان على ميمنة السلطان طغرل ابن برسق وعلى ميسرته قزل وعلى مقدمته قراسنقر وكان على ميمنة داود يرنقش الزكوي ولم يقاتل فلما رأى التركمان ذلك نهبوا خيمه وبركه جميعه ووقع الخلف في عسكر داود فلما رأى أتابكه آقسنقر الأحمديلي ذلك ولى هربًا وتبعه الناس في الهزيمة وقبض طغرل على يرنقش الزكوي وعلى جماعة من الأمراء‏.‏

وأما الملك داود فإنه لما انهزم بقي متحيزًا إلى أوائل ذي القعدة فقدم بغداد ومعه أتابكه آقسنقر الأحمديلي فأكرمه الخليفة وأنزله بدار السلطان وكان الملك مسعود بكنجة فلما سمع بانهزام الملك داود توجه نحو بغداد على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

في هذه السنة قبض المسترشد بالله على وزيره شرف الدين علي بن طراد الزينبي واستوزر أنوشروان بن خالد بعد أن امتنع وسأل الإقالة‏.‏

و في هذه السنة قتل أحمد بن حامد بن محمد أبو نصر مستوفي السلطان محمود الملقب بالعزيز بقلعة تكريت وقد تقدم سبب ذلك سنة خمس وعشرين‏.‏

وفي المحرم منها قتل محمد بن محمد بن الحسين أبو الحسين بن أبي يعلى بن الفراء الحنبلي مولده في شعبان سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وسمع الحديث من الخطيب أبي بكر وابن الحسين بن المهتدي وغيرهما وتفقه قتله أصحابه غيلة وأخذوا ماله‏.‏

وفي جمادى الأولى توفي أحمد بن عبيد الله بن كادش أبو العز العكبري وكان محدثًا مكثرًا‏.‏

وتوفي فيها أبو الفضل عبد الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء وكان أديبًا وله شعر حسن فمنه ما كتبه إلى جلال الدين بن صدقة الوزير‏:‏ أمولانا جلال الدين يا من أذكره بخدمتي القديمة ألم تك قد عزمت على اصطناعي فماذا صدقة عن تلك العزيمة

ثم دخلت سنة سبع وعشرين وخمسمائة

في هذه السنة في صفر ملك شمس الملوك صاحب دمشق حصن بانياس من الفرنج‏.‏

وسبب ذلك‏:‏ أن الفرنج استضعفوه وطمعوا فيه وعزموا على نقض الهدنة التي بينهم فتعرضوا إلى أموال جماعة من تجار دمشق بمدينة بيروت وأخذوها فشكا التجار إلى شمس الملوك فراسل في إعادة ما أخذوه وكرر القول فيه فلم يردوا شيئًا فحملته الأنفة من هذه الحالة والغيظ على أن جمع عسكره وتأهب ولا يعلم أحد أين يريد‏.‏

ثم سار وسبق خبره أواخر المحرم من هذه السنة ونزل على بانياس أول صفر وقاتلها لساعته وزحف إليها زحفًا متتابعًا وكانوا غير متأهبين وليس فيها من المقاتلة من يقوم بها وقرب من سور المدينة وترجل بنفسه وتبعه الناس من الفارس والراجل ووصلوا إلى السور فنقبوه ودخلوا البلد عنوة والتجأ من كان من جند الفرنج إلى الحصن وتحصنوا به فقتل من البلد كثير من الفرنج وأسر كثير ونهبت الأموال وقاتل القلعة قتالًا شديدًا ليلًا ونهارًا فملكها رابع صفر بالأمان وعاد إلى دمشق فوصلها سادسه‏.‏

وأما الفرنج فإنهم لما سمعوا نزوله على بانياس شرعوا يجمعون عسكرًا يسيرون به إليه فأتاهم خبر فتحها فبطل ما كانوا فيه‏.‏

في هذه السنة في صفر سار ملك الفرنج صاحب البيت المقدس في خيالته ورجالته إلى أطراف أعمال حلب فتوجه إليه الأمير أسوار النائب بحلب في من عنده من العسكر وانضاف إليه كثير من التركمان فاقتتلوا عند قنسرين فقتل من الطائفتين جماعة كثيرة وانهزم المسلمون إلى حلب وتردد ملك الفرنج في أعمال حلب فعاد أسوار وخرج إليه فيمن معه من العسكر فوقع على طائفة منهم فأوقع بهم وأكثر القتل فيهم والأسر فعاد من سلم منهزمًا إلى بلادهم وانجبر ذلك المصاب بهذا الظفر ودخل أسوار حلب ومعه الأسرى ورؤوس القتلى وكان يومًا مشهودًا‏.‏

ثم إن طائفة من الفرنج من الرها قصدوا أعمال حلب للغارة عليها فسمع بهم أسوار فخرج إليهم هو والأمير حسان البعلبكي فأوقعوا بهم وقتلوهم عن آخرهم في بلد الشمال وأسروا من لم يقتل ورجعوا إلى حلب سالمين‏.‏

ذكر عود السلطان مسعود إلى السلطنة وانهزام الملك طغرل

قد تقدم ذكر انهزام السلطان مسعود من عمه السلطان سنجر وعوده إلى كنجة وولاية الملك طغرل السلطنة وأنه تحارب هو والملك داود ابن أخيه محمود وانهزام داود ودخوله بغداد فلما بلغ السلطان مسعودًا انهزام داود وقصده بغداد سار هو إلى بغداد أيضًا فلما قاربها لقيه داود وترجل له وخدمه ودخلا بغداد‏.‏

ونزل مسعود بدار السلطنة في صفر من هذه السنة وخاطب في الخطبة له فأجيب إلى ذلك وخطب له ولداود بعده وخلع عليهما ودخلا إلى الخليفة فأكرمهما ووقع الاتفاق على مسير مسعود وداود إلى أذربيجان وأن يرسل الخليفة معهما عسكرًا فساروا فلما وصلوا إلى مراغة حمل آقسنقر الأحمديلي مالًا كثيرًا وإقامة عظيمة وملك مسعود سائر بلاد أذربيجان وانهزم من بها من الأمراء مثل آقسنقر وغيره من بين يديه وتحصن منه كثير منهم بمدينة أردبيل فقصدهم وحصرهم بها وقتل منهم مقتلة عظيمة وانهزم الباقون‏.‏

ثم سار بعد ذلك إلى همذان لمحاربة أخيه الملك طغرل فلما سمع طغرل بقربه برز إلى لقائه فاقتتلوا إلى الظهر ثم انهزم طغرل وقصد الري واستولى السلطان مسعود على همذان في شعبان ولما استقر مسعود بهمذان قُتل آقسنقر الأحمديلي قتله الباطنية فقيل إن السلطان مسعودًا وضع عليه من قتله‏.‏

ثم إن طغرل لما بلغ قم عاد إلى أصبهان ودخلها وأراد التحصن بها فسار إليه أخوه مسعود ليحاصره بها فرأى طغرل أن أهل أصبهان لا يطاوعونه على الحصار فرحل عنهم إلى بلاد فارس واستولى مسعود على أصبهان وفرح أهلها به وسار من أصبهان نحو فاسر يقتص أثر أخيه طغرل فوصل إلى موضع بقرب البيضاء فاستأمن إليه أمير من أمراء أخيه معه أربعمائة فارس فأمنه فخاف طغرل من عسكره أن ينحازوا إلى أخيه فانهزم من بين يديه وقصد الري في رمضان وقتل وزيره أبو القاسم الأنساباذي في الطريق في شوال قتله غلمان الأمير شيركير الذي سعى في قتله كما تقدم ذكره‏.‏

وسار السلطان مسعود يتبعه فلحقه بموضع يقال له ذكراور فوقع بينهما المصاف هناك فلما اشتبكت الحرب انهزم الملك طغرل فوقع عسكره في أرض قد نضب عنها الماء وهي وحل فأسر منهم جماعة من الأمراء منهم‏:‏ الحاجب تنكر وابن بغرا فأطلقهم السلطان مسعود ولم يقتل في هذا المصاف إلا نفر يسير ورجع السلطان مسعود إلى همذان‏.‏

ذكر حصر المسترشد بالله الموصل

في هذه السنة حصر المسترشد بالله مدينة الموصل في العشرين من شهر رمضان وسبب ذلك ما تقدم من قصد الشهيد زنكي بغداد على ما ذكرناه قبل‏.‏

فلما كان الآن قصد جماعة من واشتغل السلاطين السلجوقية بالخلف الواقع بينهم فأرسل الخليفة الشيخ بهاء الدين أبا الفتوح الأسفراييني الواعظ إلى عماد الدين زنكي برسالة فيها خشونة وزادها أبو الفتوح زيادة ثقة بقوة الخليفة وناموس الخلافة فقبض عليه عماد الدين زنكي وأهانه ولقيه بما يكره فأرسل المسترشد بالله إلى السلطان مسعود يعرفه الحال الذي جرى من زنكي ويعلمه أنه على قصد الموصل وحصرها وتمادت الأيام إلى شعبان فسار عن بغداد في النصف منه في ثلاثين ألف مقاتل‏.‏

فلما قارب الموصل فارقها أتابك زنكي في بعض عسكره وترك الباقي بها مع نائبه نصير الدين جقر دزدارها والحاكم في دولته وأمرهم بحفظها ونازلها الخليفة وقاتلها وضيق على من بها وأما عماد الدين فإنه سار إلى سنجار وكان يركب كل ليلة ويقطع الميرة عن العسكر ومتى ظفر بأحد من العسكر أخذه ونكل به‏.‏

وضاقت الأمور بالعسكر أيضًا وتواطأ جماعة من الجصاصين بالموصل على تسليم البلد فسعي بهم فأخذوا وصلبوا‏.‏

وبقي الحصار على الموصل نحو ثلاثة أشهر ولم يظفر منها بشيء ولا بلغه عمن بها وهن ولا قلة ميرة وقوت فرحل عنها عائدًا إلى بغداد فقيل إن نظر الخادم وصل إليه من عسكر السلطان وأبلغه عن السلطان مسعود ما أوجب مسيره وعوده إلى بغداد وقيل بل بلغه أن السلطان

مسعودًا عزم على قصد العراق فعاد بالجملة وأنه رحل عنها منحدرًا في شبارة في دجلة فوصل إلى بغداد يوم عرفة‏.‏

ذكر ملك شمس الملوك مدينة حماة

و في هذه السنة أيضًا في شوال ملك شمس الملوك إسماعيل بن تاج الملوك صاحب دمشق مدينة حماة وقلعتها وهي لأتابك زنكي بن آقسنقر أخذها من تاج الملوك كما ذكرناه‏.‏

ولما ملك شمس الملوك قلعة بانياس أقام بدمشق إلى شهر رمضان من هذه السنة وسار منها إلى حماة في العشر الأخير منه‏.‏

وسبب طمعه أنه بلغه أن المسترشد بالله يريد أن يحصر الموصل فطمع وكان الوالي بحماة قد سمع الخبر فتحصن واستكثر من الرجال والذخائر ولم يبق أحد من أصحاب شمس الملوك إلا وأشار عليه بترك قصدها لقوة صاحبها فلم يسمع منهم وسار إليها وحصر المدينة وقاتل من بها يوم العيد وزحف إليها من وقته فتحصنوا منه وقاتلوه فعاد عنهم ذلك اليوم‏.‏

فلما كان الغد بكر إليهم وزحف إلى البلد من جوانبه فملكه قهرًا وعنوة وطلب من به الأمان فأمنهم وحصر القلعة ولم تكن في الحصانة والعلو على ما هي عليه اليوم فإن تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين قطع جبلها وعملها هكذا في سنين كثيرة فلما حصرها عجز الوالي بها عن حفظها فسلمها إليه فاستولى عليها وعلى ما بها من ذخائر وسلاح وغير ذلك وسار منها إلى قلعة شيزر وبها صاحبها من بني منقذ فحصرها ونهب بلدها فراسله صاحبها وصانعه بمال حمله إليه فعاد عنه إلى دمشق فوصل إليها في ذي القعدة من السنة المذكورة‏.‏

ذكر هزيمة صاحب طرابلس الفرنجي

و في هذه السنة عبر إلى الشام جمع كثير من التركمان من بلاد الجزيرة وأغاروا على بلاد طرابلس وغنموا وقتلوا كثيرًا فخرج القمص صاحب طرابلس في جموعه فانزاح التركمان من بين يديه فتبعهم فعادوا إليه وقاتلوه فهزموه وأكثروا القتل في عسكره ومضى هو ومن سلم معه إلى قلعة بعرين فتحصنوا فيها وامتنعوا على التركمان فحصرهم التركمان فيها‏.‏

فلما طال الحصار عليهم نزل صاحب طرابلس ومعه عشرون فارسًا من أعيان أصحابه سرًا فنجوا وساروا إلى طرابلس وترك الباقين في بعرين يحفظونها فلما وصل إلى طرابلس كاتب جميع الفرنج فاجتمع عنده منهم خلق كثير وتوجه بهم نحو التركمان ليرحلهم عن بعرين فلما سمع التركمان بذلك قصدوهم والتقوهم وقتل بينهم خلق كثير وأشرف الفرنج على الهزيمة فحملوا نفوسهم ورجعوا

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة اشترى الإسماعيلية بالشام حصن القدموس من صاحبه ابن عمرون وصعدوا إليه وقاموا بحرب من يجاورهم من المسلمين والفرنج وكانوا كلهم يكرهون مجاورتهم‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة أغار الأمير أسوار مقدم عسكر زنكي بحلب على ولاية تل باشر فغنم الكثير فخرج إليه الفرنج في جمع كثير فقاتلوه فظفر بهم وأكثر القتل فيهم وكان عدة القتلى نحو ألف قتيل وعاد سالمًا‏.‏

وفيها تاسع ربيع الآخر وثب على شمس الملوك صاحب دمشق بعض مماليك جده طغدكين فضربه بسيف فلم يعمل فيه شيئًا وتكاثر عليه مماليك شمس الملوك فأخذوه وقرر ما الذي حمله على ما فعل فقال‏:‏ أردت إراحة المسلمين من شرك وظلمك ولم يزل يضرب حتى أقر على جماعة أنهم وضعوه على ذلك فقتلهم شمس الملوك من غير تحقيق وقتل معهم أخاه سونج فعظم ذلك على الناس ونفروا عنه‏.‏

وفيها توفي الشيخ أبو الوفاء الفارسي وكان له جنازة مشهودة حضرها أعيان بغداد‏.‏

وفيها في رجب توفي القاضي أبو العباس أحمد بن سلامة بن عبد الله ابن مخلد المعروف بابن

الرطبي الفقيه الشافعي قاضي الكرخ وتفقه على أبي إسحاق وأبي نصر بن الصباغ وسمع الحديث ورواه وكان قريبًا من الخليفة يؤدب أولاده‏.‏

وتوفي أبو الحسين علي بن عبد الله بن نصر المعروف بابن الزاغوني الفقيه الحنبلي الواعظ وكان ذا فنون توفي في المحرم‏.‏

وتوفي علي بن يعلى بن عوض بن القاسم الهروي العلوي كان واعظًا وله بخراسان قبول كثير وسمع الحديث الكثير ومحمد بن أحمد بن علي أبو عبد الله العثماني الديباجي وهو من أولاد محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان‏.‏

وكان محمد يلقب بالديباج لحسنه وأصله من مكة وهو من أهل نابلس وكان مغاليًا في مذهب الأشعري وكان يعظ‏.‏

توفي في صفر‏.‏

وفيها توفي أبو فليتة أمير مكة وولي الإمارة بعده ابنه القاسم‏.‏

وفيها توفي العزيز بن هبة الله بن علي الشريف العلوي الحسيني فجأة بنيسابور‏.‏

وكان جده نقيب النقباء بخراسان‏.‏

وعرض على العزيز هذا نقابة العلويين بنيسابور فامتنع وعرض عليه وزارة السلطان فامتنع ولزم الانقطاع والاشتغال بأمر آخرته‏.‏

وفيها توفي قاضي قضاة خراسان أبو سعيد محمد بن أحمد بن صاعد وكان خيرًا صالحًا‏.‏

ذكر ملك شمس الملوك شقيف تيرون ونهبه بلد الفرنج

في هذه السنة في المحرم سار شمس الملوك إسماعيل من دمشق إلى شقيف تيرون وهو في الجبل المطل على بيروت وصيدا وكان بيد الضحاك بن جندل رئيس وادي التيم قد تغلب عليه وامتنع به فتحاماه المسلمون والفرنج يحتمي على كل طائفة بالأخرى فسار شمس الملوك إليه

في هذه السنة وأخذه منه في المحرم وعظم أخذه على الفرنج لأن الضحاك كان لا يتعرض لشيء من بلادهم المجاورة له فخافوا شمس الملوك فشرعوا في جمع عساكرهم فلما اجتمعت ساروا إلى بلد حوران فخربوا أمهات البلد ونهبوا ما أمكنهم نهبه نهبة عظيمة‏.‏

وكان شمس الملوك لما رآهم يجمعون جمع هو أيضًا وحشد وحضر عنده جمع كثير من التركمان وغيرهم فنزل بإزاء الفرنج وجرت بينهم مناوشة عدة أيام ثم إن شمس الملوك نهض ببعض عسكره وجعل الباقي قبالة الفرنج وهم لا يشعرون وقصد بلادهم طبرية والناصرة وعكا وما يجاورها من البلاد فنهب وخرب وأحرق وأهلك أكثر البلاد وسبى النساء والذرية وامتلأت أيدي من معه من الغنائم واتصل الخبر بالفرنج فانزعجوا ورحلوا في الحال لا يلوي أخ وأما شمس الملوك فإنه عاد إلى عسكره على غير الطريق الذي سلكه الفرنج فوصل سالمًا ووصل الفرنج إلى بلادهم ورأوها خرابًا ففت في أعضادهم وتفرقوا وراسلوا في تجديد الهدنة فتم ذلك في ذي القعدة للسنة‏.‏

ذكر عود الملك طغرل إلى الجبل وانهزام الملك مسعود

في هذه السنة عاد الملك طغرل بن محمد بن ملكشاه ملك بلاد الجبل جميعها وأجلى عنها أخاه السلطان مسعودًا‏.‏

وسبب ذلك أن مسعودًا لما عاد من حرب أخيه بلغه عصيان داود ابن أخيه السلطان محمود بأذربيجان فسار إليه وحصره بقلعة روئين دز وكان قد تحصن بها واشتغل بحصره فجمع الملك طغرل العساكر ومال إليه بعض الأمراء الذين مع السلطان مسعود ولم يزل يفتح البلاد فكثرت عساكره وقصد مسعودًا فلما قارب قزوين سار مسعود نحوه فلما تراءى العسكران فارق مسعودًا من أمرائه من كان قد استماله طغرل فبقي في قلة من العسكر فولى منهزمًا أواخر رمضان‏.‏

وأرسل المسترشد بالله في القدوم إلى بغداد فأذن له وكان نائبه بأصفهان البقش السلاحي ومعه الملك سلجوقشاه فلما سمع بانهزام مسعود قصد بغداد أيضًا فنزل سلجوقشاه بدار السلطان فأكرمه الخليفة وأنفذ إليه عشرة آلاف دينار ثم قصد مسعود بغداد وأكثر أصحابه ركاب جمال لعدم ما يركبونه ولقي في طريقه شدة فأرسل إليه الخليفة الدواب والخيام والآلات وغيرها من الأموال والثياب فدخل الدار السلطانية ببغداد منتصف شوال وأقام طغرل بهمذان‏.‏

ذكر حصر أتابك زنكي آمد والحرب بينه وبين داود وملك زنكي قلعة صور

في هذه السنة اجتمع أتابك زنكي صاحب الموصل وتمرتاش صاحب ماردين وقصدا مدينة آمد فحصراها فأرسل صاحبها إلى داود بن سقمان بن أرتق صاحب حصن كيفا يستنجده فجمع من أمكنه جمعه وسار نحو آمد ليرحلهما عنها فالتقوا على باب آمد وتصافوا في جمادى الآخرة فانهزم داود وعاد مفلولًا وقتل جماعة من عسكره‏.‏

وأقام زنكي وتمرتاش على آمد محاصرين لها وقطعا الشجر وشعثا البلد وعادا عنها من غير بلوغ غرض فقصد زنكي قلعة الصور من ديار بكر وحصرها وضايقها فملكها في رجب من هذه السنة واتصل به ضياء الدين أبو سعيد بن الكفرتوثي فاستوزره زنكي وكان حسن الطريقة عظيم الرئاسة والكفاية محبًا للخير وأهله‏.‏ ‏   ‏ ‏ ‏ ‏ ‏  ‏