المجلد التاسع - ذكر ملك زنكي قلاع الأكراد الحميدية

‏ في هذه السنة استولى عماد الدين زنكي على جميع قلاع الأكراد الحميدية منها قلاع العقر وقلعة شوش وغيرهما‏.‏

وكان لما ملك الموصل أقر صاحبها الأمير عيسى الحميدي على ولايتها وأعمالها ولم يعترضه على شيء مما هو بيده فلما حصر المسترشد بالله الموصل حضر عيسى هذا عنده وجمع الأكراد عنده فأكثر فلما رحل المسترشد بالله عن الموصل أمر زنكي أن تحصر قلاعهم فحصرت مدة طويلة وقوتلت قتالًا شديدًا إلى أن ملكت هذه السنة فاطمأن إذًا أهل سواد الموصل المجاورون لهؤلاء القوم فإنهم كانوا معهم في ضائقة كبيرة من نهب أموالهم وخراب البلاد‏.‏

ذكر ملك قلاع الهكارية وكواشي

وحكي عن بعض العلماء من الأكراد ممن له معرفة بأحوالهم أن أتابك زنكي لما ملك قلاع الحميدية وأجلاهم عنها خاف أبو الهيجاء بن عبد الله صاحب قلعة أشب والجزيرة ونوشي فأرسل إلى أتابك زنكي من استحلفه له وحمل إليه مالًا وحضر عند زنكي بالموصل فبقي مدة ثم مات فدفن بتل توبة‏.‏

ولما سار عن أشب إلى الموصل أخرج ولده أحمد بن أبي الهيجاء منها خوفًا أن يتغلب عليها وأعطاه قلعة نوشى وأحمد هذا هو والد علي ابن أحمد المعروف بالمشطوب من أكابر أمراء صلاح الدين بن أيوب بالشام‏.‏

ولما أخرجه أبوه من أشب استناب بها كرديًا يقال له باو الأرجي فلما مات أبو الهيجاء سار ولده أحمد بن نوشى إلى أشب ليملكها فمنعه باو وأراد حفظها لولد صغير لأبي الهيجاء اسمه علي فسار زنكي بعسكره فنزل على أشب وملكها‏.‏

وسبب ملكهم أن أهلها نزلوا كلهم إلى القتال فتركهم زنكي حتى قاربوه واستجرهم حتى أبعدوا عن القلعة ثم عطف عليهم فانهزموا فوضع السيف فيهم فأكثر القتل والأسر وملك زنكي القلعة في الحال وأحضر جماعة من مقدمي الأكراد فيهم باو فقتلهم وعاد عنها إلى الموصل ثم سار عنها ففي غيبته أرسل نصير الدين جقر نائب زنكي وخرب أشب وخلى كهيجة ونوشى وقلعة الجلاب وهي قلعة العمادية وأرسل إلى قلعة الشعباني وفرح وكوشر والزعفران وألقى ونيروة وهي حصون المهرانية فحصرها فملك الجميع واستقام أمر الجبل والزوزان وأمنت الرعايا من الأكراد‏.‏

وأما باقي قلاع الهكارية جل صورا وهرور والملاسي ومابرما وبابوخا وباكزا ونيسباس فإن قراجة صاحب العمادية فتحها من مدة طويلة بعد قتل زنكي وقراجة هذا كان أميرًا قد أقطعه زين الدين علي بلد الهكارية بعد قتل زنكي ولم أعلم تاريخ فتح هذه القلاع فلهذا ذكرته هاهنا‏.‏

وحكى غير هذا بعض فضلاء الأكراد وخالف فيه فقال‏:‏ إن زنكي لما فتح قلعة أشب وخربها وبنى قلعة العمادية ولم يبق في الهكارية إلا صاحب جل صورا وصاحب هرور ولم يكن لهما شوكة يخاف منها عاد إلى الموصل فخافه أصحاب القلاع الجبلية فاتفق أن عبد الله بن عيسى بن إبراهيم صاحب الربية وألقى وفرح وغيرها وملكها بعده ولده علي وكانت والدته خديجة بنت الحسن أخت إبراهيم وعيسى وهما من الأمراء مع زنكي وكانا بالموصل فأرسلها ولدها علي إلى أخويها وطلبا له الأمان من زنكي وحلفاه له ففعل ونزل إلى خدمة زنكي وأقره على قلاعه واشتغل زنكي بفتح قلاع الهكارية وكان الشعباني بيد أمير من المهرانية اسمه الحسن بن عمر فأخذه منه وقربه منه لكبره وقلة أعماله‏.‏

وكان نصير الدين جقر يكره عليًا صاحب الربية وغيرها فحسن لزنكي القبض عليه فأذن له في ذلك فقبض عليه ثم ندم زنكي على قبضه فأرسل إلى نصير الدين أن يطلقه فرآه قد مات

قيل إن نصير الدين قتله‏.‏

ثم أرسل العسكر إلى قلعة الربية فنازلوهاا بغتة فملكوها في ساعة وأسروا كل من بها من ولد علي وإخوته وأخواته وكانت والدة علي خديجة غائبة فلم توجد فلما سمع زنكي الخبر بفتح الربية سره وأمر أن تيسر العساكر إلى باقي القلاع التي لعلي فسارت العساكر فحصروها فرأوها منيعة فراسلهم زنكي ووعدهم الإحسان فأجابوه إلى التسليم على شرط أن يطلق كل من في السجن منهم فلم يجبهم إلى ذلك إلا أن يسلموا أيضًا قلعة كواشى فمضت خديجة والدة علي إلى صاحب كواشى واسمه خول وهرون وهو من المهرانية فسألته النزول عن كواشى فأجابها إلى ذلك وتسلم زنكي القلاع وأطلق الأسرى فلم يسمع بمثل هذا فقال ينزل من مثل كواشى لقول امرأة فإما أن يكون أعظم الناس مروءة لا يرد من دخل بيته وإما أن يكون أقل الناس عقلًا واستقامت ولاية الجبال‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة أوقع الدانشمند صاحب ملطية بالفرنج الذين بالشام فقتل كثيرًا منهم وأسر كثيرًا وفيها اصطلح الخليفة وأتابك زنكي وفيها في ربيع الأول عزل شرف الدين أنوشروان بن خالد عن وزارة الخليفة وفيها توفيت أم المسترشد بالله وفيها سير المسترشد بالله عسكرًا إلى وفيها اجتمع جمع من العساكر السنجرية مع الأمير أرغش وحصروا قلعة كردكوه بخراسان وهي للإسماعيلية وضيقوا على أهلها وطال حصرها وعدمت عندهم الأقوات فأصاب أهلها تشنج وكزاز وعجز كثير منهم عن القيام فضلًا عن القتال فلما ظهرت أمارات الفتح رحل الأمير أرغش فقيل إنهم حملوا إليه مالًا كثيرًا وأعلاقًا نفيسة فرحل عنهم‏.‏

وفيها توفي الأمير سليمان بن مهارش العقيلي أمير بني عقيل وولي الإمارة بعده أولاده مع صغر سنهم وطيف بهم في بغداد رعاية لحق جدهم مهارش فإنه هو الذي كان الخليفة القائم بأمر الله عنده في الحديثة لما فعل به البساسيري ما ذكرنا‏.‏

وفيها في المحرم توفي الفقيه أبو علي الحسن بن إبراهيم بن فرهون الشافعي الفارقي ومولده بميافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وتفقه بها على أبي عبد الله الكازروني فلما توفي الكازروني انحدر إلى بغداد وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وأبي نصر الصباغ وولي القضاء بواسط وكان خيرًا فاضلًا لا يواري ولا يحابي أحدًا في الحكم‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن محمد بن أحمد بن الحسن أبو محمد بن أبي بكر الفقيه الشافعي تفقه على أبيه وأفتى وناظر وكان يعظ ويكثر في كلامه من التجانس فمن ذلك قوله‏:‏ أين القدود العالية والخدود الوردية ملئت بها والله العالية والوردية وهما مقبرتان بنهر المعلى ومن

الدمع دمًا يسيل من أجفاني إن عشت مع البكا فما أجفاني سجني شجني وهمني سماني العاذل بالملام قد سماني والذكر لهم يزيد في أشجاني والنوح مع الحمام قد أشجاني ضاقت ببعاد منيتي أعطاني والبين يد الهموم قد أعطاني وفيها توفي ابن أبي الصلت الشاعر ومن شعره يذم ثقيلًا‏:‏ لي صديق عجبت كيف استطاعت هذه الأرض والجبال ثقله أنا أرعاه مكرمًا وبقلبي منه ما ينسف الجبال أقله هو مثل المشيب أكره رؤياه ولكن أصونه وأجله وله أيضًا‏:‏ ساد صغار الناس في عصرنا لا دام من عصر ولا كانا كالدست مهما هم أن ينقضي صار به البيدق فرزانا وفيها توفي محمد بن علي بن عبد الوهاب أبو رشيد الفقيه الشافعي من أهل طبرستان وسمع الحديث أيضًا ورواه وكان زاهدًا عابدًا أقام بجزيرة في البحر سنين منفردًا يعبد الله سبحانه

ذكر وفاة الملك طغرل وملك مسعود بلد الجبل

قد ذكرنا قدوم السلطان مسعود إلى بغداد منهزمًا من أخيه الملك طغرل بن محمد فلما وصل إلى بغداد أكرمه الخليفة وحمل إليه ما يحتاج إليه مثله وأمره بالمسير إلى همذان وجمع العساكر ومنازعة أخيه طغرل في السلطنة والبلاد ومسعود يعد ويدافع الأيام والخليفة يحثه على ذلك ووعده أن يسير معه بنفسه وأمر أن تبرز خيامه إلى باب الخليفة‏.‏

وكان قد اتصل الأمير البقش السلاحي وغيره من الأمراء بالخليفة وطلبوا خدمته فاستخدمهم واتفق معهم‏.‏

واتفق أن إنسانًا أخذ فوجد معه ملطفات من طغرل إلى هؤلاء الأمراء وخاتمه بالإقطاع لهم فلما رأى الخليفة ذلك قبض على أمير منهم اسمه أغلبك ونهب ماله فاستشعر غيره من الأمراء الذين مع الخليفة فهربوا إلى عسكر السلطان مسعود فأرسل الخليفة إلى مسعود في إعادتهم إليه فلم يفعل واحتج بأشياء فعظم ذلك على الخليفة وحدث بينهما وحشة أوجبت تأخره عن المسير معه وأرسل إليه يلزمه بالمسير معه أمرًا جزمًا فبينما الأمر على هذا إذ جاءه الخبر بوفاة أخيه طغرل وكانت وفاته في المحرم من هذه السنة وكان مولده سنة ثلاث وخمسمائة في المحرم وكان خيرًا عاقلًا عادلًا قريبًا إلى الرعية محسنًا إليها وكان قبل موته قد خرج من داره يريد السفر إلى أخيه السلطان مسعود فدعا له الناس فقال‏:‏ ادعو بخيرنا للمسلمين‏.‏

ولما توفي ووصل الخبر إلى مسعود سار من ساعته نحو همذان وأقبلت العساكر جميعها إليه واستوزر شرف الدين أنوشروان بن خالد وكان قد خرج في صحبته هو وأهله ووصل مسعود إلى همذان واستولى عليها وأطاعته البلاد جميعها وأهلها‏.‏

ذكر قتل شمس الملوك وملك أخيه

في هذه السنة رابع عشر ربيع الآخر قتل شمس الملوك إسماعيل بن تاج الملوك بوري بن طغدكين صاحب دمشق وسبب قتله أنه ركب طريقًا شنيعًا من الظلم ومصادرات العمال وغيرهم من أعمال البلد وبالغ في العقوبات لاستخراج الأموال وظهر منه بخل زائد ودناءة نفس بحيث أنه لا يأنف من أخذ الشيء الحقير بالعدوان إلى غير ذلك من الأخلاق الذميمة وكرهه أهله وأصحابه ورعيته‏.‏

ثم ظهر عنه أنه كاتب عماد الدين زنكي يسلم إليه دمشق ويحثه على سرعة الوصول وأخلى المدينة من الذخائر والأموال ونقل الجميع إلى صرخد وتابع الرسل إلى زنكي يحثه على الوصول إليه ويقول له‏:‏ إن أهملت المجيء سلمتها إلى الفرنج فسار زنكي وظهر الخبر بذلك في دمشق فامتعض أصحاب أبيه وجده لذلك وأقلقهم وأنهوا الحال لوالدته فساءها وأشفقت منه ووعدتهم بالراحة من هذا الأمر‏.‏

ثم إنها ارتقبت الفرصة في الخلوة من غلمانه فلما رأته على ذلك أمرت غلمانها بقتله فقتل وأمرت بإلقاءه في موضع من الدار ليشاهده غلمانه وأصحابه فلما رأوه قتيلًا سروا لمصرعه وبالراحة من شره‏.‏

وكان مولده ليلة الخميس سابع جمادى الآخرة سنة ستة وخمسمائة وقيل كان سبب قتله أن والده كان له حاجب اسمه يوسف بن فيروز وكان متمكنًا منه حاكمًا في دولته ثم في دولة شمس الملوك فاتهم بأم شمس الملوك ووصل الخبر إليه بذلك فهم بقتل يوسف فهرب منه إلى تدمر وتحصن بها وأظهر الطاعة لشمس الملوك فأراد قتله أمه فبلغها الخبر فقتلته خوفًا منه والله أعلم‏.‏

ولما قتل ملك بعده أخوه شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري وجلس في منصبه وحلف له الناس كلهم واستقر في الملك والله أعلم‏.‏

في هذه السنة حصر أتابك زنكي دمشق وكان نزوله عليها أول جمادى الأولى وسببه ما ذكرنا من إرسال شمس الملوك صاحبها إليه واستدعاءه ليسلمها إليه فلما وصلت كتبه ورسله بذلك سار إليها فقتل شمس الملوك قبل وصوله ولما عبر الفرات أرسل إليه رسلًا في تقرير قواعد التسليم فرأوا الأمر قد فاته إلا أنهم أكرموا وأحسن إليهم وأعيدوا بأجمل جواب وعرف زنكي قتل شمس الملوك وأن القواعد عندهم مستقرة لشهاب الدين والكلمة متفقة على طاعته فلم يحفل زنكي بهذا الجواب وسار إلى دمشق فنازلها وأجفل أهل السواد إلى دمشق واجتمعوا فيها على محاربته‏.‏

ونزل أولًا شماليها ثم انتقل إلى ميدان الحصار وزحف وقاتل فرأى قوة ظاهرة وشجاعة عظيمة واتفاقًا تامًا على محاربته وقام معين الدين أنز مملوك جده طغدكين في الحادثة بدمشق قيامًا مشهودًا وظهر من معرفته بأمور الحصار والقتال وكفايته ما لم ير وما كان سبب تقدمه واستيلاءه على الأمور بأسرها على ما نذكر إن شاء الله تعالى‏.‏

فبينما هو يحاصرها ووصل رسول الخليفة المسترشد بالله وهو أبو بكر بن بشر الجزري من جزيرة ابن عمر بخلع لأتابك زنكي ويأمره بمصالحة صاحب دمشق الملك ألب أرسلان محمود الذي مع أتابك زنكي فرحل عنها لليلتين بقيتا من جمادى الأولى من السنة المذكورة‏.‏

قد ذكرنا سنة ست وخمسمائة أن الحافظ لدين الله صاحب مصر استوزر ابنه حسنًا وخطب له بولاية العهد فبقي إلى هذه السنة ومات مسمومًا وسبب ذلك أن أباه الحافظ استوزه وكان جريئًا على سفك الدماء وكان في نفس الحافظ على الأمراء الذين أعانوا أبا علي بن الأفضل حقد ويريد الانتقام منهم من غير أن يباشر ذلك بنفسه فأمر ابنه حسنًا بذلك فتغلب على الأمر جميعه واستبد به ولم يبق لأبيه معه حكم وقتل من الأمراء المصريين ومن أعيان البلاد أيضًا حتى إنه قتل في ليلته واحدة أربعين أميرًا‏.‏

فلما رأى أبوه تغلبه عليه أخرج له خادما من من خدم القصر الأكابر فجمع الجموع وحشد من الرجالة خلقًا كثيرا وتقدم إلى البلد فأخرج إليهم حسن جماعة من خواصه وأصحابه فقاتلوهم فانهزم الخادم وقتل من الرجالة الذين معه خلق كثير وعبر الباقون إلى بر الجزيرة فاستكان الحافظ فصبر تحت الحجر‏.‏

ثم إن الباقين من الأمراء المصريين اجتمعوا واتفقوا على قتل حسن وأرسلوا إلى أبيه الحافظ وقالوا له‏:‏ إما أنك تسلم ابنك إلينا لنقتله أو نقتلكما جميعًا فاستدعى ولده إليه واحتاط عليه وأرسل إلى الأمراء بذلك فقالوا‏:‏ لا نرضى إلا بقتله‏.‏

فرأى أنه إن سلمه إليهم طمعوا فيه وليس إلى إبقائه سبيل فأحضر طبيبين كانا له أحدهما مسلم والآخر يهودي فقال لليهودي‏:‏ نريد سمًا نسقيه لهذا الولد ليموت ونخلض من هذه الحادثة‏.‏

فقال‏:‏ أنا لا أعرف غير التقوع وماء الشعير وما شاكل هذا من الأدوية‏.‏

فقال‏:‏ أنا أريد ما أخلص به من هذه المصيبة‏.‏

فقال له‏:‏ لا أعرف شيئًا‏.‏

فأحضر الطبيب المسلم وسأله عن ذلك فصنع له شيئًا فسقاه الولد فمات لوقته فأرسل الحافظ إلى الجند يقول لهم‏:‏ إنه قد مات‏.‏

فقالوا‏:‏ نريد أن ننظر إليه فأحضر بعضهم عنده فرأوه وظنوه قد عمل حيلة فجرحوا أسافل رجليه فلم يجر منها دم فعلموا موته وخرجوا‏.‏

ودفن حسن وأحضر الحافظ الطبيب المسلم وقال له‏:‏ ينبغي أن تخرج من عندنا من القصر وجميع ما لك من الإنعام والجامكية باق عليك وأحضر اليهودي وزاده وقال له‏:‏ أعلم أنك تعرف ما طلبته منك ولكنك عاقل فتقيم في القصر عندنا‏.‏

وكان حسن سيء السيرة ظالمًا جريئًا على سفك الدماء وأخذ الأموال فهجاه الشعراء فمن ذلك ما قال المعتمد بن الأنصاري صاحب الترسل المشهور‏:‏ لم تأت يا حسن بين الورى حسنًا ولم تر الحق في دنيا ولا دين قتل النفوس بلا جرم ولا سبب والجور في أخذ أموال المساكين لقد جمعت بلا علم ولا أدب تيه الملوك وأخلاق المجانين وقيل إن الحافظ لما رأى ابنه تغلب على الملك وضع عليه من سقاه السم فمات والله أعلم‏.‏

ولما مات حسن استوزر الحافظ الأمير تاج الدولة بهرام وكان نصرانيًا فتحكم واستعمل الأرمن على الناس فاستذلوا المسلمين وسيأتي ذكر ذلك سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر مسير المسترشد بالله إلى حرب السلطان مسعود وانهزامه

في هذه السنة كانت الحرب بين الخليفة المسترشد بالله وبين السلطان مسعود في شهر رمضان وسبب ذلك أن السلطان مسعودًا لما سافر من بغداد إلى همذان بعد موت أخيه طغرل وملكها فارقه جماعة من أعيان الأمراء منهم يرنقش بازدار وقزل آخر وسنقر الخمارتكين والي همذان وعبد الرحمن بن طغايرك وغيرهم خائفين منه مستوحش ومعهم عدد كثير وانضاف إليهم دبيس بن صدقة‏.‏

وأرسلوا إلى الخليفة يطلبون منه الأمان ليحضروا خدمته فقيل له‏:‏ إنها مكيدة لأن دبيسًا معهم وساروا نحو خوزستان واتفقوا مع برسق بن برسق فأرسل الخليفة إليهم سديد الدولة ابن الأنباري بتوقيعات إلى الأمراء المذكورين بتطييب نفوسهم والأمر بحضورهم‏.‏

وكان الأمراء المذكورون قد عزموا على قبض دبيس والتقرب إلى الخليفة بحمله إليه فبلغه ذلك

فهرب إلى السلطان مسعود‏.‏

وسار الأمراء إلى بغداد في رجب فأكرمهم الخليفة وحمل إليهم الإقامات والخلع وقطعت خطب السلطان مسعود من بغداد وبرز الخليفة في العشرين من رجب على عزم المسير إلى قتال مسعود وأقام في الشفيعي فعصى عليه بكبه صاحب البصرة فهرب إليها فراسله وبذل له الأمان فلم إليه‏.‏

وتريث الخليفة عن المسير وهؤلاء الأمراء يحسنون له الرحيل ويسهلون عليه الأمر ويضعفون عنده أمر السلطان مسعود فسير مقدمته إلى حلوان فنهبوا البلاد وأفسدوا ولم ينكر عليهم أحد شيئًا ثم سار الخليفة ثامن شعبان ولحق به في الطريق الأمير برسق بن برسق فبلغت عدتهم سبعة آلاف فارس وتخلف بالعراق مع إقبال خادم المسترشد بالله ثلاثة آلاف فارس‏.‏

وكان السلطان مسعود بهمذان في نحو ألف وخمس مائة فارس وكان أكثر اصحاب الأطراف يكاتبون الخليفة ويبذلون له الطاعة فتريث في طريقه فاستصلح السلطان مسعود اكثرهم حتى صاروا في نحو خمسة عشر الف فارس وتسلل جماعة كثيرة من عسكر الخليفة حتى بقي في خمسة آلاف وارسل أتابك زنكي نجدة فلم تلحق‏.‏

وأرسل الملك داود ابن السلطان محمود وهو بأذربيجان إلى الخليفة يشير بالميل إلى الدينور ليحضر بنفسه وعسكره فلم يفعل المسترشد ذلك وسار حتى بلغ دايمرج وعبأ أصحابه

فجعل في الميمنة يرنقش بازدار ونور الدولة سنقرجة وقزل آخر وبرسق بن برسق وجعل في الميسرة جاولي وبرسق شراب سلار وأغلبك الذي كان الخليفة قد قبض عليه وأخرجه من محبسه‏.‏

ولما بلغ السلطان مسعودًا خبرهم سار إليه مجدًا فواقعهم بدايمرج عاشر رمضان وانحازت ميسرة الخليفة مخامرة عليه إلى السلطان مسعود فصارت معه واقتتلت ميمنته وميسرة السلطان قتالًا ضعيفًا ودار به عسكر السلطان وهو ثابت لم يتحرك من مكانه وانهزم عسكره وأخذ هو أسيرًا ومعه جمع كثير من أصحابه منهم الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي وقاضي القضاة وصاحب المخزن ابن طلحة وابن الأنباري والخطباء والفقهاء والشهود وغيرهم وأنزل الخليفة في خيمة وغنموا ما في معسكره وكان كثيرًا فحمل الوزير وقاضي القضاة وابن الأنباري وصاحب المخزن وغيرهم من الأكابر إلى قلعة سرجهان وباعوا الباقين بالثمن الطفيف ولم يقتل في هذه المعركة أحد وهذا من أعجب ما يحكى‏.‏

وعاد السلطان إلى همذان وأمر فنودي‏:‏ من تبعنا إلى همذان من البغداديين قتلناه فرجع الناس كلهم على أقبح حالة لا يعرفون طريقًا وليس معهم ما يحملهم وسير السلطان الأمير بك أبه المحمودي إلى بغداد شحنة فوصلها سلخ رمضان ومعه عبيد فقبضوا جميع أملاك الخليفة

وثار جماعة من عامة بغداد فكسروا المنبر والشباك ومنعوا من الخطبة وخرجوا إلى الأسواق يحثون التراب على رؤوسهم ويبكون ويصيحون وخرج النساء حاسرات في الأسواق يلطمن واقتتل أصحاب الشحنة وعامة بغداد فقتل من العامة ما يزيد على مائة وخمسين قتيلًا وهرب الوالي وحاجب الباب‏.‏

وأما السلطان فإنه سار في شوال من همذان إلى مراغة لقتال الملك داود ابن أخيه محمود وكان قد عصى عليه فنزل على فرسخين من مراغة والمسترشد معه فترددت الرسل بين الخليفة وبين السلطان في الصلح فاستقرت القاعدة على ما نذكره إن شاء الله والله الموفق‏.‏

ذكر قتل المسترشد بالله وخلافة الراشد بالله

لما قبض المسترشد بالله أبو منصور بن الفضل بن المستظهر بالله أبي العباس أحمد على ما ذكرناه أنزله السلطان مسعود في خيمة ووكل به من يحفظه وقام بما يجب من الخدمة وترددت الرسل بينهما في الصلح وتقرير القواعد على مال يؤديه الخليفة وأن لا يعود يجمع العساكر وأن لا يخرج من داره‏.‏

فأجاب السلطان إلى ذلك وأركب الخليفة وحمل الغاشية بين يديه ولم يبق إلا أن يعود إلى بغداد‏.‏

فوصل الخبر أن الأمير قران خوان قد قدم رسولًا من السلطان سنجر فتأخر مسير المسترشد لذلك وخرج الناس والسلطان مسعود إلى لقائه وفارق الخليفة بعض من كان موكلًا به وكانت خيمته منفردة عن العسكر فقصده أربعة وعشرون رجلًا من الباطنية ودخلوا عليه فقتلوه وجرحوه ما يزيد على عشرين جراحة ومثلوا به فجدعوا أنفه وأذنيه وتركوه عريانًا فقتل معه نفر من أصحابه منهم أبو عبد الله بن سكينة وكان قتله يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة على باب مراغة وبقي حتى دفنه أهل مراغة‏.‏

وأما الباطنية فقتل منهم عشرة وقيل‏:‏ بل قتلوا جميعهم والله أعلم‏.‏

وكان عمره لما قتل ثلاثًا وأربعين سنة وثلاثة أشهر وكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يومًا‏.‏

وأمه أم ولد وكان شهمًا شجاعًا كثير الإقدام بعيد الهمة وأخباره المذكورة تدل على ما ذكرناه‏.‏

وكان فصيحًا بليغًا حسن الحظ ولقد رأيت خطه في غاية الجودة ورأيت أجوبته على الرقاع من أحسن ما يكتب وأفصحه‏.‏

ولما قتل المسترشد بالله بويع ولده أبو جعفر المنصور ولقب الراشد بالله وكان المسترشد قد بايع له بولاية العهد في حياته وجددت له البيعة بعد قتله يوم الاثنين السابع والعشرين من ذي القعدة وكتب السلطان مسعود إلى بك أبه الشحنة ببغداد فبايع له وحضر الناس البيعة وحضر بيعته أحد وعشرون رجلًا من أولاد الخلفاء وبايع له الشيخ أبو النجيب ووعظه وبالغ في الموعظة‏.‏

وأما جمال الدولة إقبال فإنه كان ببغداد في طائفة من العسكر فلما جرت هذه الحادثة عبر إلى الجانب الغربي وأصعد إلى تكريت وراسل مجاهد الدين بهروز وحلفه وصعد إليه بالقلعة‏.‏

ذكر مسير السلطان سنجر إلى غزنة


في هذه السنة في ذي القعدة سار السلطان سنجر من خراسان إلى غزنة وسبب ذلك أنه نقل إليه عن صاحبها بهرام شاه أنه تغير عن طاعته وأنه قد مد يده إلى ظلم الرعايا واغتصاب أموالهم‏.‏

وكان السلطان سنجر هو الذي ملك غزنة وقد ذكرناه سنة تسع وخمسمائة فلما سمع هذه الأخبار المزعجة سار إلى غزنة ليأخذها أو يصلحه فلما سلك الطريق وأبعد أدركهم شتاء شديد البرد كثير الثلج وتعذرت عليهم الأقوات والعلوفات فشكا العسكر إلى السلطان ذلك وذكروا له ما هم فيه من الضيق وتعذر ما يحتاجون إليه فلم يجدوا عنده غير التقدم أمامه فلما قارب غزنة أرسل بهرام شاه رسلًا يضرع إلى سنجر ويسأل الصفح عن جرمه والعفو عن ذنبه فأرسل إليه سنجر المقرب جوهرًا الخادم وهو أكبر أميرعنده ومن جملة أقطاعه مدينة الري في جواب رسالته يجيبه عن العفو عنه إن حضر عنده وعاد إلى طاعته فلما وصل إلى بهرام شاه أجابه إلى ما طلب منه من الطاعة وحمل المال والحضور بنفسه في خدمته وأظهر من الطاعة والانقياد لما يحكم به السلطان سنجر شيئًا كثيرًا‏.‏

وعاد المقرب جوهر ومعه بهرام شاه إلى سنجر فسبقه المقرب إلى السلطان سنجر وأعلمه بوصول بهرام شاه وأنه بكرة غد يكون عنده وعاد المقرب إلى بهرام شاه ليجيء بين يديه وركب سنجر من الغد في موكبه لتلقيه وتقدم بهرام شاه ومعه المقرب إلى سنجر فلما عاين موكب سنجر والجتر على رأسه نكص على عقبيه عائدًا فأمسك المقرب عنانه وقبح فعله وخوفه عاقبة ذلك فلم يرجع وولى هاربًا ولم يصدق بنجاته ظنًا منه أن سنجر يأخذه ويملك بلده وتبعه طائفة من أصحابه وخواصه ولم يعرج على غزنة وسار سنجر إلى غزنة فدخلها وملكها واحتوى على ما فيها وجبى أموالها وكتب إلى بهرام شاه كتابًا يلومه على ما فعله ويحلف له أنه ما أراد به سوءًا ولا له في بلده مطمع ولا هو ممن يكدر صنيعته وتعقب حسنته معه بسيئة وإنما قصده لإصلاحه فأعاد بهرام شاه الجواب يعتذر ويتنصل ويقول إن الخوف منعه من الحضور ولا لوم على من خاف مثل السلطان ويضرع في عوده إلى الإحسان فأجابه سنجر إلى إعادة بلده إليه وفارق غزنة عائدًا إلى بلاده فوصل إلى بلخ في شوال سنة ثلاثين وخمسمائة واستقر ملك غزنة لبهرام شاه ورجع إليها مالكًا لها ومستوليًا عليها‏.‏

ذكر قتل دبيس بن صدقة بالتاريخ

في هذه السنة قتل السلطان مسعود دبيس بن صدقة على باب سرادقه بظاهر خونج أمر غلامًا أرمنيًا بقتله فوقف على رأسه وهو ينكت الأرض بإصبعه فضرب رقبته وهو لا يشعر وكان ابنه صدقة بالحلة فاجتمع إليه عسكر أبيه ومماليكه وكثر جمعه واستأمن إليه الأمير قتلغ تكين وأمر السلطان مسعود بك أبه أن يأخذ الحلة فسار بعض عسكره إلى المدائن وأقاموا مدة ينتظرون لحاق بك أبه بهم فلم يسر إليهم جبنًا وعجزًا عن قصد الحلة لكثرة العسكر بها مع صدقة‏.‏

وبقي صدقة بالحلة إلى أن قدم السلطان مسعود إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فقصده وأصلح حاله معه ولزم خدمته‏.‏

ومثل هذه الحادثة تقع كثيرًا وهي قرب موت المتعاديين فإن كان دبيسًا كان يعادي المسترشد بالله ويكره خلافته ولم يكن يعلم أن السلاطين إنما كانوا يبقون عليه ليجعلوه عدة لمقاومة المسترشد فلما زال السبب زال المسبب والله أعلم بذلك‏.‏

في هذه السنة سير يحيى بن العزيز بن حماد صاحب بجاية عسكرًا ليحصروا المهدية وبها صاحبها الحسن بن علي بن تميم بن المعز بن باديس وكان سبب ذلك أن الحسن أحب ميمون بن زياد أمير طائفة كبيرة من العرب وزاده على سائر العرب فحسده العرب فسار أمراؤها إلى يحيى بن العزيز بأولادهم وجعلوهم رهائن عنده وطلبوا منه أن يرسل معهم عسكرًا ليملكوا له المهدية فأجابهم إلى ذلك وهو متباطئ‏.‏

فاتفق أنه وصله كتب من بعض مشايخ المهدية بمثل ذلك فوثق بما أتاه وسير عسكرًا كثيفًا واستعمل عليهم قائدًا كبيرًا من فقهاء أصحابه يقال له مطرف بن حمدون‏.‏

وكان يحيى هذا هو وآباؤه يحسدون أولاد المنصور أبي الحسن هذا فسارت العساكر الفارس والراجل ومعهم من العرب جمع كثير حتى نزلوا على المهدية وحصروها برًا وبحرًا‏.‏

وكان مطرف ظهر التقشف والتورع عن الدماء وقال‏:‏ إنما أتيت الآن لأتسلم البلد بغير قتال فخاف ظنه فبقي أيامًا لا يقاتل ثم إنهم باشروا القتال فظهر أهل المهدية عليهم وأثروا فيهم وتوالى القتال وفي كل ذلك الظفر لأهل البلد وقتل من الخارجين جمادى غفير‏.‏

وجمع مطرف عسكره وزحف برًا وبحرًا لما يئس من التسليم وقاتل أشد قتال فملكت شوانيه شاطيء البحر وقربوا من السور فاشتد الأمر فأمر الحسن بفتح الباب من الشاطيء وخرج أول الناس وحمل هو ومن معه عليهم وقال‏:‏ أنا الحسن‏!‏ فلما سمع من يقاتله دعواه سلموا عليه وانهزموا عنه إجلالًا له ثم أخرج الحسن شوانيه تلك الساعة من الميناء فأخذ من تلك الشواني أربع قطع وهزم الباقي‏.‏

ثم وصلته نجدة من رجار الفرنجي صاحب صقلية في البحر في عشرين قطعة فحصرت شواني صاحب بجاية فأمرهم الحسن بإطلاقها فأطلقوها ثم وصل ميمون بن زياد في جمع كثير من العرب لنصرة الحسن فلما رأى ذلك مطرف وأن النجدات تأتي الحسن في البر والبحر علم أنه لا طاقة له بهم فرحل عن المهدية خائبًا وأقام رجار الفرنجي مظهرًا للحسن أنه مهادنه وموافقه وهو مع ذلك يعمر الشواني ويكثر عددها‏.‏

ذكر استيلاء الفرنج على جزيرة جربة

كانت جزيرة جربة من بلاد إفريقية قد استولت في كثرة عمارتها وخيراتها غير أن أهلها طغوا فلا يدخلون تحت طاعة السلطان ويعرفون بالفساد وقطع الطريق فخرج إليها جمع من الفرنج أهل صقلية في أسطول كثير وجم غفير فيه من مشهوري فرسان الفرنج جماعة فنزلوا بساحتها وأداروا المراكب بجهاتها‏.‏

واجتمع أهلها وقاتلوا قتالًا شديدًا فوقع بين الفريقين حرب شديد فثبت أهل جربة فقتل منهم بشر كثير فانهزموا وملك الفرنج الجزيرة وغنموا أموالها وسبوا نساءها وأطفالها وهلك أكثر رجالها ومن بقي منهم أخذوا لأنفسهم أمانًا من رجار ملك صقلية وافتكوا أسراهم وسبيهم وحريمهم والله أعلم بذلك‏.‏

ذكر ملك الفرنج حصن روطة من بلاد الأندلس

في هذه السنة اصطلح المستنصر بالله بن هود والسليطين الفرنجي صاحب طليطلة من بلاد الأندلس مدة عشر سنين‏.‏

وكان السليطين قد أدمن غزو بلاد المستنصر وقتاله حتى ضعف المستنصر عن مقاومته لقلة جنوده وكثرة الفرنج فرأى أن يصالحه مدة يستريح فيها هو وجنوده ويعتدون للمعاودة فترددت الرسل بينهم فاستقر الصلح على أن يسلم المستنصر إلى السليطين حصن روطة من الأندلس وهو من أمنع الحصون وأعظمها فاستقرت القاعدة واصطلحوا وتسلم منه الفرنج الحصن وفعل المستنصر فعلة لم يفعلها قبله أحد‏.‏

ذكر حصر ابن ردمير مدينة أفراغة وهزيمته وموته

و في هذه السنة حصر ابن ردمير الفرنجي مدينة أفراغة من شرق الأندلس وكان الأمير يوسف بن تاشفين بن علي بن يوسف بمدينة قرطبة فجهز الزبير بن عمرو اللمتوني والي قرطبة ومعه ألفا فارس وسير معه ميرة كثيرة إلى أفراغة‏.‏

وكان يحيى بن غانية الأمير المشهور أمير مرسية وبلنسية من شرق الأندلس ووالي أمرها لأمير المسلمين علي بن يوسف فتجهز في خمس مائة فارس وكان عبد الله بن عياض صاحب مدينة لاردة فتجهز في مائتي فارس فاجتمعوا وحملوا الميرة وساروا حتى أشرفوا على مدينة أفراغة وجعل الزبير الميرة أمامه وابن غانية أمام الميرة وابن عياض أمام غانية وكان شجاعًا بطلًا وكذلك جميع من معه‏.‏

وكان ابن ردمير في اثني عشر ألف فارس فاحتقر جميع الواصلين من المسلمين فقال لأصحابه‏:‏ اخرجوا وخذوا هذه الهدية التي أرسلها المسلمون إليكم وأدركه العجب ونفذ قطعة كبيرة من جيشه‏.‏فلما قربوا من المسلمين حمل عليهم ابن عياض وكسرهم ورد بعضهم على بعض وقتل فيهم والتحم القتال وجاء ابن ردمير بنفسه وعساكره جميعها مدلين بكثرتهم وشجاعتهم فحمل ابن غانية وابن عياض في صدورهم واستحر الأمر بينهم وعظم القتال فكثر القتل في الفرنج وخرج في الحال أهل أفراغة ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم إلى خيام الفرنج فاشتتغل الرجال بقتل من وجدوا في المخيم واشتغل النساء بالنهب فحمل جميع ما في المخيم

وبينما المسلمون والفرنج في القتال إذ وصل إليهم الزبير في عسكره فانهزم ابن ردمير وولى هاربًا واستولى القتل على جميع عسكره فلم يسلم منهم إلا القليل ولحق ابن ردمير بمدينة سرقسطة فلما رأى ما قتل من أصحابه مات مفجوعًا بعد عشرين يومًا من الهزيمة وكان أشد ملوك الفرنج بأسًا وأكثرهم تجردًا لحرب المسلمين وأعظمهم صبرًا كان ينام على طارقته بغير وطاء وقيل له‏:‏ هلا تسريت من بنات أكابر المسلمين اللاتي سبيت فقال‏:‏ الرجل المحارب ينبغي أن يعاشر الرجال لا النساء وأراح الله منه وكفى المسلمين شره‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في شوال زلزت الأرض بالعراق والموصل وبلاد الجبل وغيرها وكانت الزلزلة شديدة وهلك فيها كثير من الناس والله أعلم‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاثين وخمسمائة

الحرب بين عسكر الراشد و عسكر السلطان مسعود

في المحرم من هذه السنة وصل يرنقش الزكوي من عند السلطان مسعود يطالب الخليفة بما كان قد استقر على المسترشد من المال وهو أربعمائة ألف دينار فذكر أنه لا شيء عنده وأن المال جميعه كان مع المسترشد بالله فنهب في الهزيمة المذكورة‏.‏

ثم بلغ الراشد بالله أن يرنقش يريد الهجوم على دار الخلافة وتفتيشها لأخذ المال فجمع العساكر لمنع داره وأمر عليهم كج أبه وأعاد عمارة السور‏.‏

فلما علم يرنقش بذلك اتفق هو و بك أبه شحنة بغداد وهو من أمراء السلطان على أن يهجموا على دار الخليفة يوم الجمعة فبلغ ذلك الراشد بالله فاستعد لمنعهم وركب يرنقش ومعه العسر السلطاني والأمراء البكجية و محمد بن عكر في نحو خمسة آلاف فارس ولقيهم عسكر الخليفة و متقدمهم كج أبه واقتتلوا قتالًا شديدًا وساعد العامة عسكر الخليفة على قتال العسكر السلطاني حتى أخرجهم إلى دار السلطان فلما جنهم الليل ساروا إلى طريق خراسان ثم انحدر بك أبه إلى واسط وسار يرنقش إلى البندنيجين ونهب أهل بغداد دار السلطان‏.‏

ذكر اجتماع أصحاب الأطراف على حرب مسعود ببغداد وخروجهم عن طاعته

في هذه السنة اجتمع كثير من الأمراء وأصحاب الأطراف على الخروج عن طاعة السلطان مسعود فسار الملك داود ابن السلطان محمود في عسكر أذربيجان إلى بغداد فوصلها رابع صفر ونزل بدار السلطان ووصل أتابك عماد الدين زنكي بعده من الموصل ووصل يرنقش بازدار صاحب قزوين وغيرها والبقش الكبير صاحب أصفهان وصدقة بن دبيس صاحب الحلة ومعه عنتر بن أبي العسكر الجاواني يدبره ويتمم نقص صباه وابن برسق وابن الأحمديلي وخرج إليهم من عسكر بغداد كج أبه والطرنطاوي وغيرهما وجعل الملك داود في شحنكية بغداد يرنقش بازدار و قبض الخليفة الراشد بالله على ناصح الدولة أبي عبد الله الحسن بن جهير أستاذ الدار وهو كان السبب في ولايته وعلى جمال الدولة إقبال المسترشدي وكان قد قدم إليه من تكريت وعلى غيرهما من أعيان دولته فتغيرت نيات أصحابه عليه وخافوه‏.‏

فأما جمال الدولة فإن أتابك زنكي شفع فيه شفاعة تحتها إلزام فأطلق وصار إليه ونزل عنده‏.‏

وخرج موكب الخليفة مع وزيره جلال الدين أبي الرضى بن صدقة إلى عماد الدين لتهنئته بالقدوم فأقام الوزير عنده وسأله أن يمنعه من الخليفة فأجابه إلى ذلك وعاد الموكب بغير وزير وأرسل زنكي من حرس دار الوزير من النهب ثم أصلح حاله مع الخليفة وأعاده إلى وزارته‏.‏

وكذلك أيضًا عبر عليه قاضي القضاة الزينبي وسار معه إلى الموصل ثم إن الخليفة جد في عمارة السور فأرسل الملك داود من قلع أبوابه وأخرب قطعة منه فانزعج الناس ببغداد ونقلوا أموالهم إلى دار الخلافة وقطعت خطبة السلطان مسعود وخطب للملك داود وجرت الأيمان بين الخليفة والملك داود وعماد الدين زنكي وأرسل الخليفة إلى أتابك زنكي ثلاثين ألف دينار لينفقها‏.‏

ووصل الملك سلجوقشاه إلى واسط فدخلها وقبض على الأمير بك أبه ونهب ماله وانحدر أتابك زنكي إليه لدفعه عنها واصطلحا وعاد زنكي إلى بغداد وعبر إلى طريق خراسان وحث على جمع العساكر للقاء السلطان مسعود‏.‏

وسار الملك داود نحو خراسان أيضًا فنهب العسكر البلاد وأفسدوا ووصلت الأخبار بمسير السلطان إلى بغداد لقتال الملك وفارق الملك داود وأتابك زنكي فعاد أتابك زنكي إلى بغداد وفارق الملك داود وأظهر له أن يمضي إلى مراغة إذ فارق السلطان مسعود إلى همذان فبرز الراشد بالله إلى ظاهر بغداد أول رمضان وسار إلى طريق خراسان ثم عاد بعد ثلاثة أيام ونزل عند جامع السلطان ثم دخل إلى بغداد خامس رمضان وأرسل إلى داود وسائر الأمراء يأمرهم بالعود إلى بغداد فعادوا ونزلوا في الخيام وعزموا على قتال السلطان مسعود من داخل سور بغداد‏.‏

ووصلت رسل السلطان مسعود يبذل من نفسه الطاعة والموافقة للخليفة والتهديد لمن اجتمع عنده فعرض الخليفة الرسالة عليهم فكلهم رأى قتاله فقال الخليفة‏:‏ وأنا معكم على ذلك‏.‏

ذكر ملك شهاب الدين ملك حمص

في هذه السنة في الثاني والعشرين من ربيع الأول تسلم شهاب الدين محمود صاحب دمشق مدينة حمص وقلعتها‏.‏

وسبب ذلك أن أصحابها أولاد الأمير خيرخان بن قراجا والوالي بها من قبلهم ضجروا من كثرة تعرض عسكر عماد الدين زنكي إليها وإلى أعمالها وتضييقهم على من بها من جندي وعامي فراسلوا شهاب الدين في أن يسلموها إليه ويعطيهم عوضًا عنها تدمر فأجابهم إلى ذلك وسار إليها وتسلمها منهم في التاريخ المذكور وسلم إليهم تدمر وأقطع حمص مملوك جده معين الدين أنر وجعل فيها نائبًا عنه ممن يثق به من أعيان أصحابه وعاد عنها إلى دمشق‏.‏

فلما رأى عسكر زنكي الذين بحلب وحماة خروج حمص عن أيديهم تابعوا الغارات إلى بلدها والنهب له والاستيلاء على كثير منه فجرى بينهم عدة وقائع وأرسل شهاب الدين إلى زنكي في المعنى واستقر الصلح بينهم وكف كل منهم عن صاحبه‏.‏

ذكر الفتنة بدمشق

في هذه السنة وقعت الفتنة بدمشق بين صاحبها والجند‏.‏

وسبب ذلك أن الحاجب يوسف بن فيروز كان أكبر حاجب عند أبيه وجده ثم إنه خاف أخاه شمس الملوك وهرب منه إلى تدمر فلما كانت هذه السنة سأل أن يحضر إلى دمشق وكان يخاف جماعة المماليك لأنه كان أساء إليهم وعاملهم أقبح معاملة فكلهم عليه حنق ولا سيما في الحادثة التي خرج فيها شمس الملوك وقد تقدمت فإنه أشار بقتل جماعه أبرياء وبقتل سونج بن تاج الملوك فصاروا كلهم أعداء مبغضين‏.‏

فلما طلب الآن الحضور إلى دمشق أجيب إلى ذلك فأنكر جماعة الأمراء والمماليك قربه وخافوه أن يفعل بهم مثل فعله الأول فلم يزل يتوصل معهم حتى حلف لهم واستحلفهم وشرط على نفسه أنه لا يتولى من الأمور شيئًا‏.‏

ثم إنه جعل يدخل نفسه في كثير من الأمور فأتفق أعدائه على قتله فبينما هو يسير مع شمس الملوك في الميدان وإلى جانبه أمير اسمه بزاوش يحادثه إذ ضربه بزاوش بالسيف فقتله فحمل ودفن عند تربة والده بالعقيبة ثم إن بزاوش والمماليك خافوا شمس الملوك فلم يدخلوا البلد ونزلوا بظاهره وأرسلوا يطلبون قواعد استطالوا فيها فأجابهم إلى البعض فلم يقبلوا منه ثم ساروا إلى بعلبك وبها شمس الدولة محمد بن تاج الملوك صاحبها فصروا معه فالتحق بهم كثير من التركمان وغيرهم وشرعوا في العيث والفساد واقتضت الحال مراسلتهم وملاطفتهم وإجابتهم إلى ما طلبوا واستقرت الحال على ذلك وحلف كل منهم لصاحبه‏.‏

فعادوا إلى ظاهر وخرج شهاب الدين صاحب دمشق إليهم واجتمع بهم وتجددت الأيمان وصار بزاوش مقدم العسكر وإليه الحل والعقد وذلك في شعبان وزال الخلف ودخلوا البلد والله أعلم‏.‏

ذكر غزاة العسكر الأتابكي لبلاد الأفرنج

في هذه السنة في شعبان اجتمعت عسكر أتابك زنكي صاحب حلب وحماة مع الأمير أسوار نائبه بحلب وقصدوا بلد الفرنج على حين غفلة منهم وقصدوا أعمال اللاذقية بغتة ولم يتمكن أهلها من الانتقال عنها والاحتراز فنهبوا منها ما يزيد عن الوصف وقتلوا وأسروا وفعلوا في بلد الفرنج ما لم يفعله غيرهم‏.‏

وكان الأسرى سبعة آلاف أسير ما بين رجل وامرأة وصبي ومائة ألف رأس من الدواب ما بين فرس وبغل وحمار وبقر وغنم وأما ما سوى ذلك من الأقمشة والعين والحلي فيخرج عن الحد و أخربوا بلد اللاذقية وما جاورها ولم يسلم منها إلا القليل وخرجوا إلى شيزر بما معهم من الغنائم سالمين منتصف رجب فامتلأ الشام من الأسارى والدواب وفرح المسلمون فرحًا عظيمًا ولم يقدر الفرنج على شيء يفعلونه مقابل هذه الحادثة عجزًا ووهنًا‏.‏

ذكر وصول السلطان مسعود إلى العراق

لما بلغ السلطان مسعودًا اجتماع الأمراء والملوك ببغداد على خلافه والخطبة للملك داود ابن أخيه السلطان محمود جمع العساكر وسار إلى بغداد فنزل بالمالكية فسار بعض العسكر حتى شارفوا عسكره وطاردهم وكان في الجماعة زين الدين علي أمير من أمراء أثابك زنكي ثم عادوا ووصل السلطان فنزل على بغداد وحصرها وجميع العساكر فيها‏.‏

وثار العيارون ببغداد وسائر محالها وأفسدوا ونهبوا وقتلوا حتى إنه وصل صاحب لأتابك زنكي ومعه كتب فخرجوا عليه وأخذوها منه وقتلوه فحضر جماعة من أهل المحال عند الأتابك زنكي وأشاروا عليه بنهب المحال الغربية فليس فيها غير عيار ومفسد فامتنع من ذلك ثم أرسل بنهب الحريم الطاهري فأخذ منه من الأموال الشيء الكثير وسبب ذلك أن العيارين كثروا فيه وأخذوا أموال الناس‏.‏

ونهبت العساكر غير الحريم من المحال وحصرهم السلطان نيفًا وخمسين يومًا فلم يظفر بهم فعاد إلى النهروان عازمًا على العود إلى همذان فوصله طرنطاي صاحب واسط ومعه سفن كثيرة فعاد إليها وعبر فيها إلى غربي دجلة وأراد العسكر البغدادي منعه فسبقهم إلى العبور واختلفت كلمتهم فعاد الملك داود إلى بلاده في ذي القعدة وتفرق الأمراء‏.‏

وكان عماد الدين زنكي بالجانب الغربي فعبر إليه الخليفة الراشد بالله وسار معه إلى الموصل في نفر يسير من أصحابه فلما سمع السلطان مسعود بمفارقة الخليفة وزنكي بغداد سار إليها واستقر بها ومنع أصحابه من الأذى والنهب‏.‏

وكان وصوله منتصف ذي القعدة فسكن الناس واطمأنوا بعد الخوف الشديد وأمر فجمع القضاة والشهود والفقهاء وعرض عليهم اليمين التي حلف بها الراشد بالله لمسعود وفيها بخط يده‏:‏ إني متى جندت أو خرجت أو لقيت أحدًا من أصحاب السلطان بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمر فأفتوا بخروجه من الخلافة وقيل غير ذلك وسنذكره في خلافة المقتفي لأمر الله‏.‏

وكان الوزير شرف الدين علي بن طراد وصاحب المخزن كمال الدين بن البقشلامي وابن الأنباري قد حضروا مع السلطان لأنهم كانوا عنده مذ أسرهم مع المسترشد بالله فقدحوا في الراشد ووافقهم على ذلك جميع أصحاب المناصب ببغداد إلا اليسير لأنهم كانوا يخافونه وكان قد قبض بعضهم وصادر بعضًا واتفقوا على ذمه فتقدم السلطان بخلعه وإقامة من يصلح للخلافة فخلع وقطعت خطبته في بغداد في ذي القعدة وسائر البلاد‏.‏

وكانت خلافته أحد عشر شهرًا وأحد عشر يومًا وقتله الباطنيه على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر خلافة المقتفي لأمر الله

لما قطعت خطبة الراشد بالله استشار السلطان جماعة من أعيان بغداد منهم الوزير علي بن طراد وصاحب المخزن وغيرهما فيمن يصلح أن يلي الخلافة‏.‏

فقال الوزير‏:‏ أحد عمومة الراشد وهو رجل صالح‏.‏

قال‏.‏

من هو قال‏:‏ لا أقدر أن أفصح باسمه لئلا يقتل فتقدم إليهم بعمل محضر في خلع الراشد فعملوا محضرًا ذكروا فيه ما ارتكبه من أخذ الأموال وأشياء تقدح في الإمامة ثم كتبوا فتوى‏:‏ ما يقول العلماء فيمن هذه صفته هل يصلح للإمامة أم لا فأفتوا أن من هذه صفته لا يصلح أن يكون إمامًا‏.‏

فلما فرغوا من ذلك أحضروا القاضي أبا طاهر بن الكرخي فشهدوا عنده بذلك فحكم بفسقه وخلعه وحكم بعده غيره ولم يكن قاضي القضاة حاضرًا ليحكم فإنه كان عند أتابك زنكي بالموصل‏.‏ ثم إن شرف الدين الوزيرذكر للسلطان أبا عبد الله الحسين وقيل محمد ابن المستظهر بالله ودينه وعقله وعفته ولين جانبه فحضر السلطان دار الخلافة ومعه الوزير شرف الدين الزينبي وصاحب المخزن ابن البقشلاني وغيرهما وأمر بإحضار الأمير أبي عبد الله بن المستظهر من المكان الذي يسكن فيه فأحضر وأجلس في المثمنة ودخل السلطان إليه والوزير شرف الدين وتحالفا وقرر الوزير القواعد بينهما وخرج السلطان من عنده وحضر الأمراء وأرباب المناصب والقضاة والفقهاء وبايعوا ثامن عشر ذي الحجة ولقب المقتفي لأمر الله‏.‏

قيل سبب اللقب أنه رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يلي الخلافة بستة أيام وهو يقول له‏:‏ إن هذا الأمر يصير إليك فاقتف بي فلقب بذلك‏.‏

ولما استخلف سيرت الكتب الحكيمة بخلافته إلى سائر الأمصار واستوزر شرف الدين علي بن طراد الزينبي فأرسل إلى الموصل وأحضر قاضي القضاة أبا القاسم علي بن الحسين الزينبي عم الوزير وأعاده إلى منصبه وقرر كمال الدين حمزة بن طلحة على منصبه صاحب المخزن وجرت الأمور على أحسن نظام‏.‏

وبلغني أن السلطان مسعودًا أرسل إلى الخليفة المقتفي لأمر الله في تقرير إقطاع يكون لخاصته فكان جوابه‏:‏ إن في الدار ثمانين بغلًا تنقل الماء من دجلة فلينظر السلطان ما يحتاج إليه من يشرب هذا الماء ويقوم به فتقررت القاعدة على أن يجعل له ما كان للمستظهر بالله فأجاب إلى ذلك‏.‏

وقال السلطان لما بلغه قوله‏:‏ لقد جعلنا في الخلافة رجلًا عظيمًا نسأل‏.‏

والمقتفي عم الراشد هو والمسترشد ابنا المستظهر وليا الخلافة وكذلك السفاح والمنصور أخوان وكذلك المهدي والرشيد أخوان وكذلك الواثق والمتوكل أخوان وأما ثلاثة أخوة ولوا الخلافة فلأمين والمأمون والمعتصم أولاد الرشيد والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد والراضي والمتقي والمطيع بنو المقتدر وأما أربعة إخوة ولوها فالوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو وحين استقرت الخلافة للمقتفي أرسل إليه الراشد بالله رسولًا من الموصل مع أتابك زنكي فأما رسول الراشد فلم تسمع رسالته وأما أتابك زنكي فكان كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري فأحضر في الديوان وسمعت رسالته وحكى لي والدي عنه قال‏:‏ لما حضرت الديوان قيل لي‏:‏ تبايع أمير المؤمنين فقلت‏:‏ أمير المؤمنين عندنا في الموصل وله في أعناق الخلق بيعة متقدمة‏.‏

وطال الكلام وعدت إلى منزلي‏.‏

فلما كان الليل جاءتني امرأة عجوز سرًا واجتمعت بي وأبلغتني رسالة عن المقتفي لأمر الله مضمونها عتابي على ما قلته واستنزالي عنه‏.‏

فقلت‏:‏ غدًا أخدم خدمة يظهر أثرها‏.‏

فلما كان الغد أحضرت الديوان وقيل لي في معنى البيعة فقلت‏:‏ أنا رجل فقيه قاض ولا يجوز لي أن أبايع إلا بعد أن يثبت عندي خلع المتقدم‏.‏

فأحضروا الشهود وشهدوا عندي في الديوان بما أوجب خلعه فقلت‏:‏ هذا ثابت لا كلام فيه ولكن لا بد لنا في هذه الدعوة من نصيب لأن أمير المؤمنين قد حصل له خلافة الله في أرضه والسلطان فقد استراح ممن كان يقصده ونحن بأي شيء نعود فرفع الأمر إلى الخليفة فأمر أن يعطى أتابك زنكي صريفين ودرب هرون وحربي ملكًا وهي من خاص الخليفة ويزاد في ألقابه وقال‏:‏ هذه قاعدة لم يسمح بها لأحد من زعماء الأطراف أن يكون لهم نصيب في خاص الخليفة‏.‏

فبايعت وعدت مقضي الحوائج قد حصل لي جملة صالحة من المال والتحف‏.‏

وكانت بيعة وخطب للمقتفي في الموصل في رجب سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ولما عاد كمال الدين بن الشهرزوري سير على يده المحضر الذي عمل بخلع الراشد فحكم به قاضي القضاة الزينبي بالموصل وكان عند أتابك زنكي‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عزل السلطان مسعود وزيره شرف الدين أنو شروان بن خالد وعاد إلى بغداد وأقام بداره معزولًا ووزر بعده كمال الدين أبو البركات ابن سلمة الدركزيني وهو من خراسان‏.‏

وفيها ثار العيارون ببغداد عند اجتماع العساكر بها وقتلوا في البلد ونهبوا الأموال ظاهرًا وكثر الشر فقصد الشحنة شارع دار الرقيق وطلب العيارين فثار عليه أهل المحال الغربية فقاتلهم وأحرق الشارع فاحترق فيه خلق كثير ونقل الناس أموالهم إلى الحريم الطاهري فدخله الشحنة ونهب منه مالًا كثيرًا‏.‏

ثم وقعت فتنة ببغداد بين أهل باب الأزج وبين أهل المأمونية وقتل بينهم جماعة ثم اصطلحوا‏.‏

وفيها ثار قراسنقر في عساكر كثيرة في طلب الملك داود ابن السلطان محمود فأقام السلطان مسعود ببغداد ولم يزل قراسنقر يطلب داود حتى أدركه عند مراغة فالتقيا وتصافا واقتتل العسكران قتالًا عظيمًا فانهزم داود وأقام قراسنقر بأذربيجان وأما داود فإنه قصد خوزستان فاجتمع عليه هناك عساكر كثيرة من التركمان وغيرهم وبلغت عدتهم نحو عشرة آلاف فارس فقصد تستر وحاصرها وكان عمه الملك سلجوقشاه ابن السلطان محمد بواسط فأرسل إلى أخيه السلطان مسعود يستنجده فأمده بالعساكر فسار إلى داود وهو يحاصر تستر فتصافا فانهزم سلجوقشاه‏.‏

وفيها توفي محمد بن حموية أبو عبد الله الجويني وهو من مشايخ الصوفية المشهورين وله كرامات كثيرة ورواية الحديث‏.‏

وتوفي أيضًا محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب العامري الصوفي مصنف شرح الشهاب وأنشد لما حضره الموت‏:‏ ها قد مددت يدي إليك فردها بالفضل لا بشماتة الأعداء وتوفي أيضًا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي الصاعدي راوي صحيح مسلم عن عبد الغافر الفارسي وطريقه اليوم أعلى الطرق وإليه المرحلة من الشرق والغرب وكان فقيهًا

ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

ذكر تفرق العساكر عن السلطان مسعود

في هذه السنة في المحرم أذن السلطان مسعود للعساكر التي عنده ببغداد بالعود إلى بلادهم لما بلغه أن الراشد بالله قد فارق أتابك زنكي من الموصل فإنه كان يتمسك بالعساكر عنده خوفًا أن ينحدر به إلى العراق فيملكه عليه فلما أراد أن يأذن للأمير صدقة بن دبيس صاحب الحلة زوجه أبنته تمسكًا به‏.‏

وقدم على السلطان مسعود جماعة من الأمراء اللذين حاربوه مع الملك داود منهم البقش السلاحي وبرسق ابن برسق صاحب تستر وسنقر الخمارتكين شحنة همذان فرضي عنهم وأمنهم وولي البقش شحنكية بغداد فعسف الناس وظلمهم‏.‏

وكان السلطان مسعود بعد تفرق العساكر عنه قد بقي معه ألف فارس‏.‏

وتزوج الخليفة فاطمة خاتون أخت السلطان مسعود في رجب والصداق مائة ألف دينار وكان الوكيل في قبول النكاح وزير الخليفة علي بن طراد الزينبي والوكيل عن السلطان وزيره الكمال الدركزيني ووثق السلطان حيث صار الخليفة وصدقة بن دبيس بن صدقة صهريه وحيث سار الراشد بالله

ذكر عزل بهرام عن وزارة الحافظ ووزارة رضوان

في هذه السنة في جمادى الأولى هرب تاج الدولة بهرام وزير الحافظ لدين الله العلوي صاحب مصر وكان قد استوزره بعد قتل أبنه حسن سنة تسع وعشرين وخمسمائة وكان نصرانيًا أرمنيًا فتمكن في البلاد واستعمل الأرمن وعزل المسلمين وأساء السرة فيهم وأهانهم هو والأرمن الذين ولاهم وطمعوا فيهم فلم يكن في أهل مصر من أنف ذلك إلا رضوان بن الريحيني فإنه لما ساءه ذلك وأقلقه جمع جمعًا كثيرًا وقصد القاهرة فسمع به بهرام فهرب إلى الصعيد من غير حرب ولا قتال وقصد مدينة أسوان فمنعه واليها من الدخول إليها وقاتله فقتل السودان من الأرمن كثيرًا فلما لم يقدر على الدخول إلى أسوان أرسل إلى الحافظ يطلب الأمان فأمنه فعاد إلى القاهرة فسجن بالقصر فبقي مدة ثم ترهب وخرج من الحبس‏.‏

وأما رضوان فإنه وزر للحافظ ولقب بالملك الأفضل وهو أول وزير للمصريين لقب بالملك ثم فسد ما بينه وبين الحافظ فعمل الحافظ في إخراجه فثار الناس عليه منتصف شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وهرب من داره وتركها بما فيها فنهب الناس منها ما لا يحد ولا يحصى

وأما رضوان فإنه سار يريد الشام يستنجد الأتراك ويستنصرهم فأرسل إليه الحافظ الأمير ابن مصال ليرده بالعهد والأمان أنه لا يؤذيه فرجع إلى القاهرة فحبسه الحافظ عنده في القصر وقيل إنه توجه إلى الشام وهو الصحيح وقصد صرخد فوصل إليها في ذي القعدة ونزل على صاحبها أمين الدولة كمشتكين فأكرمه وعظمه وأقام عنده‏.‏

ثم عاد إلى مصر سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ومعه عسكر فقاتل المصريين عند باب النصر وهزمهم وقتل منهم جماعة كثيرة وأقام ثلاثة أيام فتفرق عنه كثير ممن معه فعزم على العود إلى الشام فأرسل إليه الحافظ الأمير ابن مصال فرده وحبسه عنده في القصر وجمع بينه وبين عياله فأقام في القصر إلى سنة ثلاث وأربعين فنقب الحبس وخرج منه وقد أعدت له خيل فهرب عليها وعبر النيل إلى الجيزة فحشد وجمع المغاربة وغيرهم وعاد إلى القاهرة فقاتل المصريين عند جامع ابن طولون وهزمهم ودخل إلى القاهرة فنزل عند جامع الأقمر فأرسل إليه الحافظ عشرين ألف دينار فقسمها وكثر عليه الناس وطلب زيادة فأرسل إليه عشرين ألف دينار أخرى ففرقها فتفرق الناس عنه وخفوا عنده فإذا الصوت قد وقع وخرج إليه جمع كثير من السودان وضعهم الحافظ عليه فحملوا على غلمانه فقاتلوهم فقام يركب فقدم إليه بعض أصحابه فرسًا ليركبه فلما أراد ركوبه ضرب الرجل رأسه بالسيف فقتله وحمل رأسه إلى الحافظ فأرسله إلى زوجته فوضع في حجرها فألقته وقالت‏:‏ هكذا يكون الرجال ولم يستوزر الحافظ بعده أحدًا وباشر الأمور بنفسه إلى أن مات‏.‏

ذكر فتح المسلمين حصن وادي ابن الأحمر من الفرنج


و في هذه السنة فيرجب سار عسكر دمشق مع مقدمهم الأمير بزاوش إلى طرابلس الشام فاجتمع معه من الغزاة المتطوعة والتركمان أيضًا خلق كثير فلما سمع القمص صاحبها بقربهم من ولايته سار إليهم في جموعه وحشوده فقاتلهم وانهزم الفرنج وعادوا إلى طرابلس على صورة سيئة قد قتل كثير من فرسانهم وشجعانهم فنهب المسلمون من أعمالهم الكثير وحصروا حصن وادي ابن الأحمر فملكوه عنوة ونهبوا ما فيه وقتلوا المقاتلة وسبوا الحريم والذرية وأسروا الرجال فاشتروا أنفسهم بمال جليل وعادوا إلى دمشق سالمين والله أعلم‏.‏

ذكر حصار زنكي مدينة حمص

في هذه السنة في شعبان سار أتابك زنكي إلى مدينة حمص وقدم إليها صلاح الدين محمد الياغيسياني وهو أكبر أمير معه وكان ذا مكر وحيل أ رسله ليتوصل مع من فيها ليسلموها إليه فوصل إليها وفيها معين الدين أنز وهو الوالي عليها والحاكم فيها وهو أيضًا أكبر أمير

بدمشق وحمص أقطاعة كما سبق ذكره فلم ينفذ فيه مكره فوصل حينئذ زنكي إليها وحصرها وعاود مراسلة أنز في التسليم غير مرة تارة بالوعد وتارة بالوعيد واحتج بأنها ملك صاحبه شهاب الدين وأنها أمانة ولا يسلمها إلا عن غلبة فأقام عليها إلى العشرين من شوال ورحل عنها من غير بلوغ غرض إلى بعرين فحصرها وكان منه ومن الفرنج ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر ملك زنكي قلعة بعرين وهزيمة الفرنج

و في هذه السنة من شوال سار أتابك زنكي من الموصل إلى الشام وحصر قلعة بعرين وهي تقارب مدينة حماة وهي من أمنع معاقل الفرنج وأحصنها فلما نزل عليها قاتلها وزحف إليها فجمع الفرنج فارسهم وراجلهم وساروا في قضهم وقضيضهم وملوكهم وقمامصتهم وكنودهم إلى أتابك ليرحلوه عن بعرين فلم يرحل وصبر لهم إلى أن وصلوا إليه فلقيهم وقاتلهم أشد قتال رآه الناس وصبر الفريقان ثم أجلت الوقعة عن هزيمة الفرنج وأخذتهم سيوف المسلمين من كل جانب واحتمى ملوكهم وفرسانهم بحصن بعرين لقربه منهم فحصرهم زنكي فيه ومنع عنهم كل شيء حتى الأخبار فكان من به منهم لا يعلم شيئًا من أخبار بلادهم لشدة ضبط الطرق ثم إن القسوس والرهبان دخلوا بلاد الروم وبلاد الفرنج وما والاها مستنفرين على المسلمين وأعلموهم أن زنكي أخذ قلعة بعرين ومن فيها من الفرنج ملك جميع بلادهم فبأسرع وقت وأن المسلمين ليس لهم همة إلا قصد البيت المقدس فحينئذ اجتمعت النصرانية وساروا على الصعب والذلول وقصدوا الشام وكان منهم ما نذكره‏.‏

وأما زنكي فإنه جد في قتال الفرنج فصبروا وقلت عليهم الذخيرة فإنهم كانوا غير مستعدين ولم يكونوا يعتقدون أن أحدًا يقدم عليهم بل كانوا يتوقعون ملك باقي الشام فلما قلت الذخيرة أكلوا دوابهم وأذعنوا بالتسليم ليؤمنهم ويتركهم يعودون إلى بلادهم فلم يجبهم إلى ذلك فلما سمع باجتماع من بقي من الفرنج ووصول من قرب إليهم أعطى لمن في الحصن الأمان وقرر عليهم خمسين ألف دينار يحملونها إليه فأجابوه إلى ذلك فأطلقهم فخرجوا وسلموا إليه فلما فارقوه بلغهم اجتماع من اجتمع بسببهم فندموا على التسليم حيث لا ينفعهم الندم وكان لا يصلهم شيء من الأخبار البتة فلهذا سلموا‏.‏

وكان زنكي في مدة مقامه عليهم قد فتح المعرة وكفر طاب من الفرنج فكان أهلها وأهل سائر الولايات التي بين حلب وحماة مع أهل بعرين في الخزي لأن الحرب بينهم قائمة على ساق والنهب والقتل لا يزال بينهم فلما ملكها أمن الناس وعمرت البلاد وعظم دخلها وكان فتحًا مبينًا ومن ومن أحسن الأعمال وأعدلها ما عمله زنكي مع أهل المعرة فإن الفرنج لما ملكوا المعرة كانوا قد أخذوا أموالهم وأملاكهم فلما فتحها زنكي الآن حضر من بقي من أهلها ومعهم أعقاب من هلك وطلبوا أملاكهم فطلب منهم كتبها فقالوا‏:‏ إن الفرنج أخذوا كل ما لنا والكتب التي للأملاك فيها‏.‏

فقال‏:‏ اطلبوا دفاتر حلب وكل من عليه خراج على ملك يسلم إليه ففعلوا ذاك وأعاد على الناس أملاكهم وهذا من أحسن الأفعال وأعدلها‏.‏

ذكر خروج ملك الروم من بلاده إلى الشام

قد تقدم أن الفرنج أرسلوا إلى ملك القسطنطينية يستصرخون به ويعرفونه ما فعله زنكي فيهم ويحثونه على لحاق البلاد قبل أن تملك ولا ينفعه حينئذ المجيء فتجهز وسار مجدًا فابتدأ وركب البحر وسار إلى مدينة أنطاليا وهي له على ساحل البحر فأرسى فيها وأقام ينتظر وصول المراكب التي فيها أثقاله وسلاحه فلما وصلت سار عنها إلى مدينة نيقية وحصرها فصالحه أهلها على مال يؤدونه إليه وقيل‏:‏ بل ملكها وسار عنها إلى مدينة أدنة ومدينة المصيصة وهما بيد ابن ليون الأرمني صاحب قلاع الدروب فحصرهما وملكهما‏.‏

ورحل إلى عين زربة فملكها عنوة وملك تل حمدون وحمل أهله إلى جزيرة قبرس وعبر ميناء الإسكندرونة ثم خرج إلى الشام فحصر مدينة أنطاكية في ذي القعدة وضيق على أهلها وبها صاحبها الفرنجي ريمند فترددت الرسل بينهما فتصالحا ورحل عنها إلى بغراص ودخل منها بلد ابن ليون الأرمني فبذل له ابن ليون أموالًا كثيرة ودخل في طاعته والله أعلم‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة وفي الرابع والعشرين من أيار ظهر بالشام سحاب أسود أظلمت له الدنيا وصار الجو كالليل الظلم ثم طلع بعد ذلك سحاب أحمر كأنه نار أضاءت له الدنيا وهبت ريح عاصف ألقت كثيرًا من الشجر وكان أشد ذلك بحوران ودمشق وجاء بعده مطر شديد وبرد كبار وفيها عاد مؤيد الدين أبو الفوارس المسيب بن علي بن الحسين المعروف بابن الصوفي من صرخد إلى دمشق‏.‏

وكان قد أخرج هو وأهله من دمشق إلى صرخد فبقوا فيها إلى الآن وعادوا وولي أبو الفوارس الرئاسة بدمشق وكان محبوبًا عند أهلها وتمكن تمكنًا عظيمًا وكان ذا رئاسة عظيمة ومروءة ظاهرة‏.‏

وفيها كثرت الأمراض ببغداد وكثر الموت فجأة بأصفهان وهمذان‏.‏

وفيها سار أتابك زنكي إلى دقوقا فحصرها وملكها بعد أن قاتل على قلعتها قتالًا شديدًا‏.‏

وفيها توفي أبو سعيد أحمد بن محمد بن ثابت الخجندي رئيس الشافعية بأصفهان وتفقه على والده ودرس بالنظامية بأصفهان‏.‏

وتوفي هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري ومولده يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وهو أخر من روى عن أبي الحسن زوج الحرة‏.‏

وقد روى الخطيب أبو بكر بن ثابت عن زوج الحرة أيضًا وكانت وفاة الخطيب سنة ثلاث وستين وأربعمائة‏.‏  ‏   ‏ ‏ ‏ ‏ ‏  ‏