ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
في هذه السنة أواخر جمادى الأولى سار صلاح الدين يوسف بن أيوب من مصر إلى ساحل الشام لقصد بلاد الفرنج وجمع معه عساكر كثيرة وجنودًا غزيرة فلم يزالوا يجدون السير حتى
وصلوا عسقلان في الرابع والعشرين منه فنهبوا واسروا وقتلوا واحرقوا وتفرقوا في تلك الأعمال مغيرين.
فلما رأوا أن الفرنج لم يظهر لهم عسكر ولا اجتمع لهم من يحمي البلاد من المسلمين طمعوا وانبسطوا وساروا في الأرض آمنين مطمئنين ووصل صلاح الدين إلى الرملة عازمًا على أن يقصد بعض حصونهم ليحصره فوصل إلى نهر فازدحم الناس للعبور فلم يرعهم إلا والفرنج أشرفت عليهم بأبطالها وطلابها وكان مع صلاح الدين بعض العسكر لأن أكثرهم تفرقوا في طلب الغنيمة فلما رآهم وقف لهم فيمن معه وتقدم بين يديه تقي الدين عمر بن محمد ابن أخي صلاح الدين فباشر القتال بنفسه بين يدي عمه فقتل من أصحابه جماعة وكذلك الفرنج وكان لتقي الدين ولد اسمه أحمد وهو من احسن الشباب أول ما تكاملت لحيته فأمره أبوه بالحملة عليهم فحمل عليهم وقاتلهم وعاد سالمًا قد أثر فيهم أثرًا كثيرًا فأمره بالعودة إليهم ثانية فحمل عليهم فقتل شهيدًا ومضى حميدًا رحمه الله ورضي عنه.
وكان اشد الناس قتالًا ذلك اليوم الفقيه عيسى رحمه الله وتمت الهزيمة على المسلمين وحمل بعض الفرنج على صلاح الدين فقاربه حتى كاد ان يصل إليهن فقتل الفرنجي بين يديه وتكاثر الفرنج عليه ن فمضى منهزمًا يسير قليلًا ويقف ليلحقه العسكر إلى ان دخل الليل فسلك البرية إلى ان مضى في نفر يسير إلى مصر ولقوا في طريقهم مشقة شديدة وقل عيهم القوت والماء
وأما العسكر الذين كانوا دخلوا بلاد الفرنج في الغارة فإن أكثرهم ذهب ما بين قتيل وأسير.
وكان من جملة من اسر الفقيه عيسى الهكاري وهو من أعيان الأسدية وكان جمع العلم والدين والشجاعة واسر أيضًا أخوه الظهير وكانا قد سارا منهزمين فضلا الطريق فأخذا ومعهما جماعة من أصحابهما وبقوا في الأسر سنين فافتدى صلاح الدين الفقيه عيسى بستين ألف دينار جماعة كثيرة من الأسرى.
ووصل صلاح الدين إلى القاهرة نصف جمادى الآخرة ورأيت كتابًا كتبه صلاح الدين بخط يده إلى أخيه شمس الدولة تورانشاه وهو بدمشق يذكر الوقعة وفي أوله: ذكرتك والخط يخطر بيننا وقد نهلت منا المثقفة السمر ويقول فيه: لقد أشرفنا على الهلاك غير مرة وما أنجانا الله سبحانه منه إلا لمر يريده سبحانه: وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر.
ذكر حصر الفرنج مدينة حماة
في هذه السنة في جمادى الأولى حصر الفرنج أيضًا مدينة حماة وسبب ذلك أنه وصل من البحر إلى الساحل الشامي كند كبير من الفرنج من اكبر طواغيتهم فرأى صلاح الدين بمصر قد
عاد منهزمًا فاغتنم خلو البلاد لأن شمس الدولة بن أيوب كان بدمشق ينوب عن صلاح الدين وليس عده كثير من العسكر وكان أيضًا كثير الانهماك في اللذات مائلًا إلى الراحات فجمع ذلك الكند الفرنجي من بالشام من الفرنج وفرق فيهم الأموال وسار إلى مدينة حماة فحصرها وبها صاحبها شهاب الدين محمد الحارمين خال صلاح الدين وهو مريض شديد المرض وكان طائفة من العسكر الصلاحي بالقرب منها فدخلوا إليها وأعانوا من بها.
وقاتل الفرنج على البلد قتالًا شديدًا وهجموا بعض الأيام على طرف منه وكادوا يملكون البلد قهرًا وقسرًا فاجتمع أهل البلد مع العسكر إلى تلك الناحية واشتد القتال وعظم الخطب على الفريقين واستقل المسلمون وحاموا عن الأنفس والأهل والمال فاخرجوا الفرنج من البلد إلى ظاهره ودام القتال ظاهر البلد ليلًا ونهارًا وقويت نفوس المسلمين حين أخرجوهم من البلد وطمعوا فيهمن واكثروا فيهم القتل فرحل الفرنج حينئذ خائبين وكفى الله المسلمين شرهم وساروا إلى حارم فحصروها وكان مقامهم على حماة أربعة أيام ولما رحل الفرنج عن حماة مات صاحبها شهاب الدين الحارمي وكان له ابن من أحسن الشباب مات قبله بثلاثة أيام.
ذكر قتل كمشتكين وحصر الفرنج حارم
في هذه السنة قبض الملك الصالح بن نور الدين على سعد الدين كمشتكين وكان المتولي لمر دولته والحاكم فيها وسبب قبضه انه كان بحلب إنسان من أعيان أهلها يقال له أبو صالح بن العجمي وكان مقدمًا عند نور الدين محمد فلما مات نور الدين تقدم أيضًا في دولة ولده الملك الصالح وصار بمنزلة الوزير الكبير المتمكن لكثرة اتباعه بحلب ولأن كل من كان يحسد كمشتكين انضم إلى صالح وقووا جنانه وكثروا سواده وكان عنده إقدام وجرأة فصار واحد الدولة بحلب ومن يصدر الجماعة عن رأيه وبأمره.
فبينما هو في بعض الأيام بالجامع وثب به الباطنية فقتلوه ومضى شهيدًا وتمكن بعده سعد الدين وقوي حاله فلما قتل أحال الجماعة قتله على سعد الدين وقالوا: هو وضع الباطنية عليه حتى قتلوه وذكروا ذلك للملك الصالح ونسبوه إلى العجز وانه ليس له حكم وأن سعد الدين قد تحكم عليه واحتقره واستصغره وقتل وزيره ولم يزالوا به حتى قبض عليه.
وكانت قلعة حارم لسعد الدين قد اقطعه إياها الملك الصالح فامتنع من بها بعد قبضه وتحصنوا بها فسير سعد الدين غليها تحت الاستظهار ليأمر أصحابه بتسليمها إلى الملك الصالح فأمرهم بذلك فامتنعوا فعذب كمشتكين وأصحابه لا يرونه ولا يرحمونه فمات في العذاب وأصر أصحابه على الامتناع والعصيان.
فلما رأى الفرنج ذلك ساروا إلى حارم من حماة في جمادى الأولى على ما نذكره ظنًا منهم أنهم لا ناصر لهم وان الملك الصالح صبي قليل العسكر وصلاح الدين بمصر فاغنموا هذه الفرصة ونازلوها وأطالوا المقام عليها مدة أربعة أشهر ونصبوا عليها المجانيق والسلالم فلم يزالوا كذلك إلى أن بذل لهم الملك الصالح مالًا وقال لهم: إن صلاح الدين واصل إلى الشام وربما أسلم القلعة ومن بها إليه فأجابوه حينئذ إلى الرحيل عنها فلما رحلوا عنها سير إليها الملك الصالح جيشًا فحصروها وقد بلغ الجهد منهم بحصار الفرنج وصاروا أنهم طلائع وكان قد قتل من أهلها وجرح الكثير فسلموا القلعة إلى الملك الصالح فاستناب بها مملوكًا كان لأبيه اسمه سرخك.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة في المحرم خطب للسلطان طغرل بن أرسلان بن طغرل ابن محمد بن ملكشاه المقيم عند إيلدكز بهمذان وكان أبوه أرسلان قد توفي.
وفيها سابع شوال هبت ببغداد ريح عظيمة فزلزلت الأرض واشتد الأمر على الناس حتى ظنوا أن القيامة قد قامت فبقي ذلك ساعة ثم انجلت وقد وقع كثير من الدور ومات فيها
وفيها رابع ذي القعدة قتل عضد الدين أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة وزير الخليفة وكان قد عزم على الحج فعبر دجلة ليسير وعبر معه أرباب المناصب وهو في موكب عظيم وتقدم إلى أصحابه أن لا يمنعوا عنه أحدًا فلما وصل إلى باب قطفتا لقيه كهل فقال: أنا مظلوم وتقدم ليسمع الوزير كلامه فضربه بسكين في خاصرته فصاح الوزير: قتلني! ووقع من الدابة وسقطت عمامته فغطى رأسه بكمه وضرب الباطني بسيف وعاد إلى الوزير فضربه وأقبل حاجب الباب ابن المعوج لينصر الوزير فضربه الباطني بسكين وقيل بل ضربه رفيق كان للباطني ثم قتل الباطني ورفيقه وكان لهما رفيق ثالث فصاح وبيده سكين وقتل ولم يعمل شيئًا وأحرقوا ثلاثتهم وحمل الوزير إلى دار له هناك وحمل حاجب الباب مجروحًا إلى بيته فمات هو والوزير وحمل الوزير فدفن عند أبيه بمقبرة الرباط عند جامع المنصور.
وكان الوزير قد رأى في المنام أنه معانق عثمان بن عفان وحكى عنه ولده أنه أغتسل قبل خروجه وقالك هذا غسل الإسلام وانا مقتول بلا شك وكان مولده في جمادى الأولى سنة أربع عشرة وخمسمائة وكان أبوه أستاذ دار المقتفي لأمر الله فلما مات ولي هو مكانه فبقي كذلك إلى أن مات الممقتفي فأقره المستنجد على ذلك ورفع قدره فلما ولي المستضيئ استوزره وكان حافظًا للقرآن سمع الحديث وله معروف كثير وكانت دارم مجمعًا للعلماء وختمت اعماله بالشهادة وهو على قصد الحج.
وفيها كانت فتنة ببغداد وسببها أنه حضر قوم من مسلمي المدائن إلى بغداد فشكوا من يهودها وقالوا: انا مسجد نؤذن فيه ونصلي وهم مجاور الكنيسة فقال لنا اليهود: قد آذيتمونا بكثرة الآذان فقال المؤذن: ما نبالي بذلك فاختصموا وكانت فتنة استظهر فيها اليهود فجاء المسلمون يشكون منهم فأمر ابن العطار وهو صاحب المخزن بحبسهم ثم أخرجوا فقصدوا جامع القصر واستغاثوا قبل صلاة الجمعة فخفف الخطيب الخطبة والصلاة فعادوا يستغيثون فأتاهم جماعة من الجند ومنعوهم فلما رأى العامة ما فعل بهم غضبوا نصرة للإسلام فاستغاثوا وقالوا أشياء قبيحة وقلعوا طوابيق الجامع ورجما الجند فهربوا ثم قصد العامة دكاكين المخلطين لأن أكثرهم يهود فنهبوها وأراد حاجب الباب منعهم فرجموه فهرب منهم وانقلب البلد وخربوا الكنيسة التي عند دار البساسيري وأحرقوا التوراة فاختفى اليهود وأمر الخليفة ان تنقض الكنيسة التي بالمدائن وتجعلوا مسجدًا ونصب بالرحبة أخشاب ليصلب عليها قوم من المفسدين فظنها العامة نصبت تخويفًا لهم لأجل ما فعلوا فعلقوا عليها في الليل جرذانًا ميتة وأخرج جماعة من الحبس لصوص فصلبوا عليها.
وفيها في شعبان قبض سيف الدين غازي صاحب الموصل على وزيره جلال الدين علي بن جمال الدين بغير جرم ولا عجز ولا تقصير بل لعجز سيف الدين فإن جلال الدين كان بينه وبين مجاهد الدين قايماز مشاحنة فقال مجاهد الدين لسيف الدين: لا بد من قبض الوزير فقض عليه كارهًا لذلك ثم شفع فيه ابن نيسان رئيس آمد لصهر بينهما فأخرجن وسار إلى آمد فمرض بها وعاد إلى دنيسر فمات سنة أربع وسبعين وعمره سبع وعشرون سنة وحمل إلى مدينة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدفن عند والده في الرباط الذي بناه بها.
وكان رحمه الله من محاسن الدنيا جمع كرمًا وعلمًا ودينًا وعفة وحسن سيرة واستحلفه سيف الدين أنه لا يمضي إلى صلاح الدين لأنه خاف أن يمضي إليه للمودة التي كانت بين جمال الدين وبين نجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه فبلغني أن صلاح الدين طلبه فلم يقصده لليمين.
وفيها اجتمع طائفة من الفرنج وقصدوا أعمال حمص فنهبوها وغنموا وأسروا وسبوا فسار ناصر الدين محمد بن شيركوه صاحب حمص وسبقهم ووقف على طريقهم وكمن لهم فلما وصلوا إليه خرج إليهم هو والكمين ووضعوا السيف فيهم فقتل أكثرهم وأسر جماعة من مقدميهم ومن سلم منهم لم يفلت إلا وهو مثخن بالجراح واسترد منهم جميع ما غنموا فرده على أصحابه.
وفيها في ربيع الآخر توفي صدقة بن الحسين الحداد الذي ذيل تاريخ ابن الزغوني ببغداد وفيها في جمادى الأولى توفي محمد بن أحمد بن عبد الجبار الفقيه الحنفي المعروف بالمشطب ببغداد.
ثم دخلت سنة أربع وسبعين وخمسمائة
ذكر قصد الفرنج مدينة حماة أيضًا
في هذه السنة في ربيع الأول سار جمع كثير من الفرنج بالشام إلى مدينة حماة وكثر جمعهم من الفرسان والرجالة طمعًا في النهب والغارة فشنوا الغارة ونهبوا وخربوا القرى وأحرقوا واسروا وقتلوا فلما سمع العسكر المقيم بحماة ساروا إليهم وهم قليل متوكلين على الله تعالى فالتقوا واقتتلوا وصدق المسلمون القتال فنصرهم الله تعالى وانهزم الفرنج وكثر القتل والأسر فيهم واستردوا منهم ما غنموه من السواد.
وكان صلاح الدين قد عاد من مصر إلى الشام في شوال من السنة المتقدمة وهو نازل بظاهر حمص فحملت الرؤوس والأسرى والأسلاب إليه فأمر بقتل الأسرى فقتلوا.
ذكر عصيان ابن المقدم على صلاح الدين
في هذه السنة عصى شمس الدين محمد بن عبد الملك المقدم على صلاح الدين ببعلبك وكانت له قد سلمها إليه صلاح الدين لما فتحها جزاء له حيث سلم إليه ابن المقدم دمشق على ما سبق ذكره فلم تزل بيده إلى الآن فطلب شمس الدولة بن أيوب أخو صلاح الدين منه بعلبك وألح عليه في طلبها لأن تربيته ومنشأه كان بها وكان يحبها ويختارها على غيرها من البلاد وكان الأكبر فلم يمكن صلاح الدين مخالفته فأمر شمس الدين بتسليمها إلى أخيه ليعوضه عنها فلم يجب إلى ذلك وذكره العهود التي له وما اعتمده معه من تسليم البلاد فلم يصغ إليه ولج عليه في أخذها وسار ابن المقدم إليها واعتصم بها فتوجه إليه صلاح الدين وحصره بها مدة ثم رحل عنها من غير أن يأخذها وترك عليه عسكرا يحصره فلما طال عليه الحصار أرسل إلى صلاح الدين يطلب العوض عنها ليسلمها إليه فعوضه عنها وسلمها فأقطعها صلاح الدين أخاه شمس الدولة.
ذكر الغلاء والوباء العام
في هذه السنة انقطعت الأمطار بالكلية في سائر البلاد الشامية والجزيرة والبلاد العراقية والديار بكرية والموصل وبلاد الجبل وخلاط وغير ذلك واشتد الغلاء وكان عامًا في سائر البلاد فبيعت غرارة الحنطة بدمشق وهي اثنا عشر مكوكًا بالموصلي بعشرين دينارًا صورية عتقًا وكان الشعير بالموصل كل ثلاثة مكاكي بدينار أميري وفي سائر البلاد ما يناسب ذلك.
واستسقى الناس في أقطار الأرض فلم يسقوا وتعذرت الأقوات وأكلت الناس الميتة وما ناسبها ودام كذلك إلى آخر سنة خمس وسبعين ثم تبعه بعد ذلك وباء شديد عام أيضًا كثر فيه الموت وكان مرض الناس شيئًا واحدًا وهو السرسام وكان الناس لا يلحقون يدفنون الموتى إلا أن بعض البلاد كان أشد من البعض.
ثم إن الله تعالى رحم العباد والبلاد والدواب وأرسل الأمطار وأرخص الأسعار.
ومن عجيب ما رأيت أنني قصدت رجلًا من العلماء الصالحين بالجزيرة لأسمع عليه شيئًا من حديث النبي عليه السلام في شهر رمضان سنة خمس وسبعين والناس أشد ما كانوا غلاء وقنوطًا من الأمطار وقد توسط الربيع ولم تجئ قطرة واحدة من المطر فبينا أنا جالس ومعي جماعة ننتظر الشيخ إذ أقبل إنسان تركماني قد أثر عليه الجوع وكأنه قد أخرج من قبر فبكى وشكا الجوع فأرسلت من يشتري له خبزًا فتأخر إحضاره لعدمه وهو يبكي ويتمرغ على الأرض ويشكو الجوع فلم يبقى فينا إلا من بكى رحمة له وللناس ففي الحال تغيمت السماء وجاءت نقط من المطر متفرقة فضج الناس واستغاثوا ثم جاء الخبز فأكل التركماني بعضه
ذكر غارات الفرنج على بلاد المسلمين
في هذه السنة في ذي القعدة اجتمع الفرنج وساروا إلى بلد دمشق مع ملكهم فأغاروا على أعمالها فنهبوها وأسروا وقتلوا وسبوا فأرسل صلاح الدين فرخشاه ولد أخيه في جمع من العسكر إليهم وأمره إذا قاربهم يرسل غليه يخبره على جناح طائر ليسير إليه وتقدم إليه أن يأمر أهل البلاد بالانتزاح من بين يديي الفرنج فسار فرخشاه في عسكره يطلبهم فلم يشعر إلا والفرنج قد خالطوه فاضطر إلى القتال فاقتتلوا اشد قتال رآه الناس وألقى فرخشاه نفسه عليهم وغشي الحرب ولم يكلها إلى سواه فانهزم الفرنج ونصر المسلمون عليهم وقتل من مقدميهم جماعة ومنهم همفري وما أدراك ما همفري به كان يضرب المثل في الشجاعة والرأي في الحرب وكان بلاء صبه الله على المسلمين فأراح الله من شره.
وقتل غيره من أضرابه ولم يبلغ عسكر فرخشاه ألف فارس.
وفيها أيضًا أغار البرنس صاحب أنطاكية ولاذقية على جشير المسلمين بشيزر وأخذه وأغار صاحب طرابلس على جمع كثير من التركمان فاحتجف أموالهم وكان صلاح الدين على بانياس على ما نذكره إن شاء الله تعالى فسير ولد أخيه تقي الدين عمر إلى حماة وابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه إلى مصر وأمرهما بحفظ البلاد
ذكر عدة حوادث ليلة النصف من ربيع الآخر
انكسف القمر نحو نصف الليل الأخير وغاب منكسفًا.
وفيها أيضًا في التاسع والعشرين انكسفت الشمس وقت العصر فغربت منكسفة.
و في هذه السنة في شعبان توفي الحيص بيص الشاعر واسمه سعد ابن محمد بن سعد أبو الفوارس وكان قد سمع الحديث ومدح الخلفاء والسلاطين والأكابر وشعره مشهور فمنه قوله: كلما أوسعت حلمي جاهلًا أوسع فحش له فحش المقال وإذا شاردة فهت بها سبقت مر النعامة والشمال لا تلمني في شقائي بالعلى رغد العيش لربات الحجال سيف عز زانه رونقه فهو بالطبع غني عن سقال وفي المحرم ماتت شهدة بنت احمد بن عمر الإبري الكاتبة وسمعت الحديث من السراج وطراد وغيرهما وعمرت حتى قاربت مائة سنة وسمع عليها خلق كثير الحديث لعلو إسنادها.
ثم دخلت سنة خمس وسبعين وخمسمائة
كان الفرنج قد بنوا حصنًا منيعًا يقارب بانياس عند بيت يعقوب عليه السلام بمكان يعرف بمخاضة الأحزان فلما سمع صلاح الدين بذلك سار من دمشق إلى بانياس وأقام بها وبث الغارات على بلاد الفرنج ثم سار إلى الحصن ليخبره ثم يعود إليه عند اجتماع العساكر فلما نازل الحصن قاتل من به من الفرنج ثم عاد عنه فلما دخلت سنة خمس وسبعين لم يفارق بانياس بل أقام بها وخيله تغير على بلاد العدو.
وأرسل جماعة من عسكره مع جالبي الميرة فلم تشعر إلا والفرنج مع ملكهم قد خرجوا عليهم فأرسلوا إلى صلاح الدين يعرفونه الخبر فسار في العساكر مجدًا حتى وافاهم في القتال فقاتل الفرنج قتالًا شديدًا وحملوا على المسلمين عدة حملات كادوا يزيلونهم عن مواقفهم ثم أنزل الله نصره على المسلمين وهزم المشركين وقتلت منهم مقتلة كثيرة ونجا ملكهم فريدًا وأسر منهم كثير منهم: ابن البيرزان صاحب الرملة ونابلس وهو أعظم الفرنج محلًا بعد الملك وأسروا أيضًا أخا صاحب جبيل وصاحب طبرية ومقدم الداوية ومقدم الاسبارتية وصاحب جنين وغيرهم من مشاهير فرسانهم وطواغيتهم فأما ابن البيرزان فإنه فدى نفسه بمائة ألف وخمسين ألف دينار صورية وإطلاق ألف أسير من المسلمين وكان أكثر العمل في هذا اليوم لعز الدين فرخشاه ابن أخي صلاح الدين وحكي عنه أنه قال: ذكرت في تلك الحال بيتي المتنبي وهما:
ومن هون الدنيا على النفس ساعة وللبيض في هام الكماة صليل فهان الموت في عيني فألقيت نفسي إليه وكان ذلك سبب الظفر ثم عاد صلاح الدين إلى بانياس من موضع المعركة وتجهز للدخول إلى ذلك الحصن ومحاصرته فسار إليه في ربيع الأول وأحاط به وقوى طمعه بالهزيمة المذكورة في فتحه وبث العساكر في بلد الفرنج للإغارة ففعلوا ذلك وجمعوا من الأخشاب والزرجون شيئًا كثيرًا ليجعله متارس للمجانيق فقال له جاولي الأسدي وهو مقدم الأسدية وأكابر الأمراء: الرأي أننا نجربهم بالزحف أول مرة ونذوق قتال من به وننظر الحال معهم فإن استضعفناهم وإلا فنصب المجانيقما يفوت.
فقبل رأيه وأمر فنودي بالزحف إليه والجد في قتاله فزحفوا واشتد القتال وعظم المر فصعد إنسان من العامة بقميص خلق في باشورة الحصن وقاتل على السور لما علاه وتبعه غيره من أضرابه ولحق بهم الجند فملكوا الباشورة فصعد الفرنج حينئذ منها إلى أسوار الحصن ليحموا نفوسهم وحصنهم إلى أن يأتيهم المدد.
وكان الفرنج قد جمعوا في طبرية فألح المسلمون في قتال الحصن خوفًا من وصول الفرنج وإزاحتهم عنه وأدركهم الليل فأمر صلاح الدين بالمبيت بالباشورة إلى الغد ففعلوا فلما كان الغد أصبحوا وقد نقبوا الحصن وعمقوا النقب وأشعلوا النيران فيه وانتظروا سقوط السور فلم يسقط لعرضه فإنه كان تسعة أذرع بالنجاري يكون الذراع ذراعًا ونصفًا فانتظروه يومين ليسقط فلم يسقط فأمر صلاح الدين بإطفاء النار التي في النقب فحمل الماء والقي عليها فطفئت وعاد النقابون فنقبوا وخرقوا السور وألقوا فيه النار فسقط يوم الخميس لست بقين من ربيع الأول ودخل المسلمون الحصن عنوة واسروا كل من فيه وأطلقوا من كان به من أسارى المسلمين وقتل صلاح الدين كثيرًا من أسرى الفرنج وأدخل الباقين إلى دمشق وأقام صلاح الدين بمكانه حتى هدم الحصن وعفى أثره وألحقه بالأرض وكان قد بذل الفرنج ستين ألف دينار مصرية ليهدموه بغير قتال فلم يفعلوا ظنًا منهم أنه إذا بقي بناؤه تمكنوا به من كثير من بلاد الإسلام وأما الفرنج فاجتمعوا بطبرية ليحموا الحصن فلما أتاهم الخبر بأخذه فت في أعضادهم فتفرقوا إلى بلادهم وأكثر الشعراء فيه فمن ذلك قول صديقنا النشو بن نفاذة رحمه الله: هلاك الفرنج أتى عاجلًا وقد آن تكسير صلبانها ولو لم يكن قد دنا حتفها لما عمرت بيت أحزانها وقول علي بن محمد الساعاتي الدمشقي: أتسكن أوطان النبيين عصبة تمين لدى أيمانها وهي تحلف نصحتكم والنصح للدين واجب ذروا بيت يعقوب فقد جاء يوسف في هذه السنة كانت الحرب بين عسكر صلاح الدين يوسف بن أيوب ومقدمه ابن أخيه تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب وبين عسكر الملك قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان صاحب بلاد قونية وأقصرا.
وسببها أن نور الدين محمود بن زنكي بن آقسنقر رحمه الله كان قد أخذ قديمًا من قلج أرسلان حصن رعبان وكان بيد شمس الدين بن المقدم إلى الآن فطمع فيه قلج أرسلان بسبب أن الملك الصالح بحلب بينه وبين صلاح الدين فأرسل إليه من يحصره فاجتمع عليه جمع كثير يقال: كانوا عشرين ألفًا فأرسل إليهم صلاح الدين تقي الدين في ألف فارس فواقعهم وقاتلهم وهزمهم وأصلح حال تلك الولاية وعاد إلى صلاح الدين ولم يحضر معه تخريب حصن الأحزان فكان يفتخر ويقول: هزمت بألف مقاتل عشرين ألفًا.
ذكر وفاة المستضئ بأمر الله وخلافة الناصر لدين الله
في هذه السنة في ثاني ذي القعدة توفي الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد رضي الله عنه وأمه أم ولد أرمنية تدعى غضة وكانت خلافته نحو تسع سنين وسبعة أشهر وكان مولده سنة ست وثلاثين وخمسمائة وكان عادلًا حسن السيرة في الرعية كثير البذل للأموال غير مبالغ في ما جرت العادة في أخذه وكان الناس معه في أمن عام وإحسان شامل وطمأنينة وسكون لم يروا مثله وكان حليمًا قليل المعاقبة على الذنوب محبًا للعفو والصفح عن المذنبين فعاش حميدًا ومات سعيدًا رضي الله عنه فكانت أيامه كما قيل: كأن أيامه من حسن سيرته مواسم الحج والأعياد والجمع ووزر له عضد الدين أبو الفرج بن رئيس الرؤساء إلى أن قتل في ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ولما قتل حكم في الدولة ظهير الدين أبو بكر منصور بن نصر المعروف بابن العطار وكان خيرًا حسن السيرة كثير العطاء وتمكن تمكنًا كثيرًا فلما مات المستضيء شرع ظهير الدين ابن العطار في اخذ البيعة لولده الناصر لدين الله أمير المؤمنين فلما تمت البيعة صار الحاكم في الدولة أستاذ الدار مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب.
وفي سابع ذي القعدة قبض على ابن العطار ظهير الدين ووكل عليه في داره ثم نقل إلى التاج وقيد ووكل به وطلبت ودائعه وأمواله وفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة اخرج ميتًا على رأس حمال سرًا فغمز به بعض الناس فثار به العامة فألقوه على رأس الحمال وكشفوا سوءته وشدوا في ذكره حبلًا وسحبوه في البلد وكانوا يضعون بيده مغرفة يعني أنها قلم وقد غمسوها في العذرة ويقولون: وقع لنا يا مولانا إلى غير هذا من الأفعال الشنيعة ثم خلص من أيديهم ودفن هذا فعلهم به مع حسن سيرته فيهم وكفه عن أموالهم وأعراضهم وسيرت الرسل إلى الآفاق لأخذ البيعة فسير صدر الدين شيخ الشيوخ إلى البهلوان صاحب همذان وأصفهان والري وغيرها فامتنع من البيعة فراجعه صدر الدين واغلظ له في القول حتى أنه قال لعسكره في حضرته: ليس لهذا عليكم طاعة ما لم يبايع أمير المؤمنين بل يجب عليكم أن تخلعوه من الأمارة وتقاتلوه فاضطر إلى المبايعة والخطبة وأرسل إلى رضي الدين القزويني مدرس النظامية إلى الموصل لأخذ البيعة فبايع صاحبها وخطب للخليفة الناصر لدين الله أمير المؤمنين.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة هبت ريح سوداء مظلمة بالديار الجزرية والعراق وغيرها وعمت اكثر البلاد من الظهر إلى أن مضى من الليل ربعه وبقيت الدنيا مظلمة لا يبصر الإنسان صاحبه وكنت حينئذ بالموصل فصلينا الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة على الظن والتخمين وأقبل الناس على التوبة والتضرع والاستغفار وظنوا ان القيامة قد قامت فلما مضى مقدار ربع الليل زال ذاك الظلام والعتمة التي غطت السماء فنظرنا فرأينا النجوم فعلمنا مقدار ما مضى من الليل لأن الظلام لم يزدد بدخول الليل وكان كل من يصل من جهة من الجهات يخبر بمثل ذلك.
وفيها في ذي القعدة نزل شمس الدولة أخو صلاح الدين عن بعلبك وطلب عوضًا عنها الإسكندرية فأجابه صلاح الدين إلى ذلك واقطع بعلبك لعز الدين فرخشاه ابن أخيه فسار إليها وجمع أصحابه وأغار على بلاد الفرنج حتى وصل إلى قلعة صفد وهي مطلة على طبرية فسبى وأسر وغنم وخرب وفعل بالفرنج أفاعيل عظيمة.
وأما شمس الدولة فإنه سار إلى مصر وأقام بالإسكندرية وإذا أراد الله أن يقبض رجلًا بأرض جعل له إليها حاجة فإنه أقام بها إلى أن مات بها.
اوفيها قارب الجامع الذي بناه مجاهد الدين قايماز بظاهر الموصل منجهة باب الجسر الفراغ وأقيمت فيه الصلوات الخمس والجمعة وهو من احسن الجوامع.
وفيها توفي أحمد بن عبد الرحمن الصوفي شيخ رباط الزوزني وسمع الحديث وكان يصوم الدهر وعبد الحق بن عبد الخالق بن يسف سمع الحديث ورواه وهو من بيت الحديث والقاضي عمر بن علي بن الخضر أبو الحسن الدمشقي سمع الحديث ورواه وولي قضاء الحريم وعلي بن أحمد الزيدي سمع الحديث الكثير وله وقف كتب كثيرة ببغداد وكان زاهدًا خيرًا صالحًا ومحمد بن علي بن حمزة أبو علي الأقساسي نقيب العلويين بالكوفة وكان ينشد كثيرًا: رب قوم في خلائقهم عرر قد صيروا غررًا ستر المال القبيح لهم سترى إن زال ما سترا ومحمد بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن سديد الدولة الأنباري كاتب الإنشاء بعد أبيه وأبو الفتوح بصر بن عبد الرحمن الدامغاني الفقيه كان مناظرًا حسن المناظرة كثير العبادة ودفن عند قبر أبي حنيفة.
ثم دخلت سنة ست وسبعين وخمسمائة
ذكر وفاة سيف الدين صاحب الموصل وولاية أخيه عز الدين بعده
في هذه السنة ثالث صفر توفي سيف الدين غازي بن مودود بن زنكي صاحب الموصل وديار الجزيرة وكان مرضه السل وطال به ثم أدركه في آخره سرسام ومات.
ومن عجيب ما يحكى ان الناس خرجوا سنة خمس وسبعين يستسقون لانقطاع الغيث وشدة الغلاء وخرج سيف الدين في موكبه فثار به الناس وقصدوه بالاستغاثة وطلبوا منه ان يأمر بالمنع من بيع الخمر فأجابهم إلى ذلك فدخلوا البلد وقصدوا مساكن الخمارين وخربوا أبوابها ودخلوها ونهبوها وأراقوا ما بها من خمور وكسروا الظروف وعملوا ما لا يحل فاستغاث أصحاب الدور إلى نواب السلطان وخصوا بالشكوى رجلًا من الصالحين يقال له أبو الفرج الدقاق ولم يكن له يد في الذي فعله العامة من النهب وما لا يجوز فعله إنما هو أراق الخمور ونهى العامة على الذي يفعلونه فلم يسمعوا منه فلما شكى الخمارون منه أحضر بالقلعة وضرب على رأسه فسقطت عمامته فلما أطلق لينزل من القلعة نزل مكشوف الرأس فأرادوا تغطيته بعمامته فلم يفعل وقال: والله لا غطيت رأسي حتى ينتقم الله لي ممن ظلمني! فلم يمض غير أيام حتى توفي الدزدار الذي تولى أذاه ثم بعقبه موت سيف الدين واستمر بها إلى أن مات وعمره حينئذ نحو ثلاثين سنة.
وكانت ولايته عشر سنين وثلاثة أشهر وكان حسن الصورة مليح الشباب تام القامة ابيض اللون وكان عاقلًا وقورًا قليل الالتفات إذا ركب وإذا جلس عفيفًا لم يذكر عنه ما ينافي العفة.
وكان غيورًا شديد الغيرة لا يدخل دوره غير الخدم الصغار فإذا كب أحدهم منعه وكان لا يحب سفك الدماء ولا أخذ الأموال على شح فيه وجبن.
ولما اشتد مرضه أراد ان يعهد بالملك لابنه معز الدين سنجر شاه وكان عمره حينئذ اثنتي عشر سنة فخاف على الدولة من ذلك لأن صلاح الدين يوسف بن أيوب كان قد تمكن بالشام وقوي أمره وامتنع أخوه عز الدين مسعود بن مودود من الإذعان لذلك والإجابة إليه فأشار الأمراء الأكابر ومجاهد الدين قايماز بأن يجعل الملك بعده في عز الدين أخيه لما هو عليه من الكبر في السن والشجاعة والعقل وقوة النفس وأن يعطي ابنيه بعض البلاد ويكون مرجعهما إلى هز الدين عمهما والمتولي لأمرهما مجاهد الدين قايماز ففعل ذلك وجعل الملك في أخيه وأعطى جزيرة ابن عمر وقلاعها لولده سنجر شاه وقلعة عقر الحميدية لولده الصغير ناصر الدين كسك.
فلما توفي سيف الدين ملك بعده الموصل والبلاد أخوه عز الدين وكان المدبر للدولة مجاهد الدين وهو الحاكم في الجميع واستقرت الأمور ولم يختلف اثنان.
ذكر مسير صلاح الدين لحرب قلج أرسلان
في هذه السنة سار صلاح الدين يوسف بن أيوب من الشام إلى بلاد قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان وهي ملطية وسيواس وما بينهما وقونية ليحاربه.
وسبب ذلك أن نور الدين محمد بن قرا أرسلان بن داود صاحب حصن كيفا وغيره من ديار بكر كان قد تزوج ابنة قلج أرسلان المذكور وبقيت عنده مدة ثم إنه أحب مغنية فتزوجها ومال إليها وحكمت في بلاده وخزائنه واعرض عن ابنة قلج أرسلان وتركها نسيًا منسيًا فبلغ أباها الخبر فعزم على قصد نور الدين واخذ بلاده فأرسل نور الدين إلى صلاح الدين يستجير به ويسأله كف يد قلج ارسلان عنه فأرسل صلاح الدين إلى قلج أرسلان في المعنى فأعاد الجواب: إنني كنت قد سلمت إلى نور الدين عدة حصون مجاورة بلاده لما تزوج ابنتي فحيث آل الأمر معه إلى ما تعلمهن فأنا أريد أن يعيد إلي ما أخذه مني.
وترددت الرسل بينهما فلم يستقر حال فيها فهادن صلاح الدين الفرنج وسار في عساكره وكان الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود صاحب حلب فيها فتركها ذات اليسار وسار على تل باشر إلى رعبان فأتاه بها نور الدين محمد وأقام عنده فلما سمع قلج أرسلان بقربه منه أرسل إليه أكبر أمير عنده ويقول له: إن هذا الرجل فعل مع ابنتي كذا ولا بد من قصد بلاده وتعريفه محل نفسه فلما وصل الرسول واجتمع بصلاح الدين وأدى الرسالة امتعض صلاح الدين لذلك واغتاظ وقال للرسول: قل لصاحبك والله الذي لا غله إلا هو لئن لم يرجع لأسيرن إلى ملطية وبيني وبينها يومان ولا أنزل عن فرسي إلا في البلد ثم أقصد جميع بلاده وآخذها منه.
فرأى الرسول أمرًا شديدًا فقام من عنده وكان قد رأى العسكر وما هو عليه من القوة والتجمل وكثرة السلاح والدواب وغير ذلك وليس عنده ما يقاربه فعلم أنه إن قصدهم أخذ بلادهم فأرسل إليه من الغد يطلب أن يجتمع به فأحضره فقال له: أريد أن أقول شيئًا من عندي ليس رسالة من عند صاحبي واحب ان تنصفني.
فقال له: قل!! قال: يا مولانا ما هو قبيح بمثلك وأنت من اعظم السلاطين وأكبرهم شأنًا أن تسمع الناس عنك انك صالحت الفرنج وتركت الغزو ومصالح المملكة وأعرضت عن كل ما فيه صلاح لك ولرعيتك وللمسلمين عامة وجمعت العساكر من أطراف البلاد البعيدة والقريبة وسرت وخسرت أنت وعساكرك الأموال الكثيرة من أجل قحبة مغنية ما يكون عذرك عند الله تعالى ثم عند الخليفة وملوك الإسلام والعالم كافة واحسب ان أحدًا ما يواجهك بهذا أما يعلمون أن الأمر هكذا ثم احسب أن قلج ارسلان مات وهذه ابنته أرسلتني إليك تستجير بك وتسألك أن تنصفها من زوجها فإن فعلت فهو الظن بك أن لا تردها.
فقال: والله الحق بيدك وإن الأمر لكما تقولن ولكن هذا الرجل دخل علي وتمسك بي ويقبح بي تركه لكنك أنت اجتمع به واصلح الحال بينكم على ما تحبون وأنا أعينكم عليه وأقبح فعله عنده ووعد من نفسه بكل جميل فاجتمع الرسول بصاحب الحصن وتردد القول بينهم فاستقر أن صاحب الحصن يخرج المغنية من عنده بعد سنة وإن كان لا يفعل ينزل صلاح الدين عن نصرته ويكون هو وقلج أرسلان عليه واصطلحوا على ذلك وعاد صلاح الدين عنه إلى الشام وعاد نور الدين إلى بلاده فلما انقضت المدة أخرج نور الدين المغنية عنه فتوجهت إلى بغداد وأقامت بها إلى أن ماتت.
ذكر قصد صلاح الدين بلد ابن ليون
وفيها قصد صلاح الدين بلد ابن ليون الأرمني بعد فراغه من أمر قلج أرسلان وسبب ذلك أن أبن ليون الأرمني قد استمال قومًا من التركمان وبذل لهم الأمان فأمرهم أن يرعوا مواشيهم في بلاده وهي بلاد حصينة كلها حصون منيعة والدخول إليها صعب لأنها مضائق وجبال وعرة ثم غدر بهم وسبى حريمهم واخذ أموالهم وأسر رجالهم بعد أن قتل منهم من حان أجله.
ونزل صلاح الدين على النهر الأسود وبث الغارات على بلاده فخاف ابن ليون على حصن له على رأس جبلن أن يؤخذ فخربه وأحرقه فسمع صلاح الدين بذلك فأسرع السير إليه فأدركه قبل أن ينقل ما فيه من ذخائر وأقوات فغنمها وانتفع المسلمون بما غنموه فأرسل ابن ليون يبذل إطلاق ما عنده من الأسرى والسبي وإعادة أموالهم على أن يعودوا عن بلاده فأجابه صلاح الدين إلى ذلك واستقر الحال وأطلق الأسرى وأعيدت أموالهم وعاد صلاح الدين عنه في ملك يوسف بن عبد المؤمن مدينة قفصة
ذكر ملك يوسف بن عبد المؤمن مدينة قفصة بعد خلاف صاحبها عليه
في هذه السن ة سار أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن إلى إفريقية وملك قفصة.وكان سبب ذلك أن صاحبها ابن عبد المعز بن المعتز لما رأى دخول الترك إلى إفريقية واستيلائهم على بعضها وانقياد العرب إليهم طمع أيضًا في الاستبداد والانفراد عن يوسف وكان في طاعته فأظهر ما في نفسه وخالفه وأظهر العصيان ووافقه أهل قفصة فقتلوا كل من كان عندهم من الموحدين أصحاب أبي يعقوب وكان ذلك في شوال سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة فأرسل والي بجاية إلى يوسف بن عبد المؤمن يخبره باضطراب أمور البلاد واجتماع كثير من العرب إلى قراقوش التركي الذي دخل إلى إفريقية وقد تقدم
ذكر ذلك وما جرى في قفصة من قتل الموحدين
ومساعدة أهل قفصة صاحبهم على ذلك فشرع في سد الثغور التي يخافها بعد مسيره فلما فرغ من جميع ذلك جهز العسكر وسار نحو إفريقية سنة خمس وسبعين ونزل على مدينة قفصة وحصرها ثلاثة أشهرن وهي بلدة حصينة وأهلها أنجاد وقطع شجرها.
فلما اشتد الأمر على صاحبها وأهلهان خرج منها مستخفيًا لم يعرف به أحد من أهل قفصة ولا من عسكره وسار إلى خيمة يوسف وعرف حاجبه انه قد حضر إلى أمير المؤمنين يوسف فدخل الحاجب واعلم يوسف بوصول صاحب قفصة إلى باب خيمته فعجب منه كيف أقدم على الحضور عنده بغير عهد وأمر بإدخاله عليه فدخل وقبل يده وقال: قد حضرت أطلب عفو أمير المؤمنين عني وعن أهل بلدي وان يفعل ما هو أهله واعتذر فرق له يوسف فعفا عنه وعن أهل البلد وتسلم المدينة أول سنة ست وسبعين وسير على بن المعز صاحبها إلى بلاد المغرب فكان فيه مكرمًا عزيزًا وأقطعه ولاية كبيرة ورتب يوسف لقفصة طائفة من أصحابه الموحدين وحضر مسعود بن زمام أمير العرب عند يوسف أيضًا فعفا عنه وسيره إلى مراكش وسار يوسف إلى المهدية فاتاه بها رسول ملك الفرنج صاحب صقلية يلتمس الصلح منه فهادنه عشر سنين وكانت بلاد إفريقية مجدبة فتعذر على العسكر القوت وعلف الدواب فسار إلى المغرب مسرعًا والله أعلم.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة توفي شمس الدولة تورانشاه بن أيوب أخو صلاح الدين الأكبر بالإسكندرية وكان قد أخذها من أخيه إقطاعًا فأقام بها فتوفي وكان له أكثر بلاد اليمن ونوابه هناك يحملون له الأموال من زبيد وعدن وكل ما بينهما من البلاد والمعاقل وكان أجود الناس وأسخاهم كفًا يخرج كل ما يحمل إليه من أموال اليمن ودخل الإسكندرية وحكمه في بلاد أخيه صلاح الدين وأمواله نافذ ومع هذا فلما مات كان عليه نحم مائتي ألف دينار مصرية دينًا فوفاها أخوه صلاح الدين عنه لما دخل إلى مصر فإنه لما بلغه خبر وفاته سار إلى مصر في شعبان من السنة واستخلف بالشام عز الدين فرخشاه ابن أخيه شاهتشاه وكان عاقلًا حازمًا شجاعًا.
وفيها توفي الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصفهاني بالإسكندرية وكان حافظ الحديث وعالمًا به سافر في طلب الكثير.
وتوفي أيضًا في المحرم علي بن عبد الرحيم المعروف بابن العصار اللغوي ببغداد وسمع الحديث وكان من أصحاب ابن الجواليقي.
ثم دخلت سنة سبع وسبعين وخمسمائة
ذكر غزاة إلى بلد الكرك من الشام
في هذه السنة سار فرخشاه نائب صلاح الدين بدمشق إلى أعمال الكرك ونهبها. وسبب ذلك أن البرنسن صاحب الكر كان من شياطين الفرنج ومردتهم وأشدهم عداوة للمسلمين فتجهز وجمع عسكره ومن أمكنه الجمع وعزم على المسير في البر إلى تيماء ومنها إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم للاستيلاء على تلك النواحي الشريفة فسمع عز الدين فرخشاه ذلك فجمع العساكر الدمشقية وسار إلى بلده ونهبه وخربه وعاد إلى طرف بلادهم وأقام ليمنع البرنس من بلاد الإسلام فامتنع بسببه عن مقصده فلما طال مقام كل واحد منهم في مقابلة الآخر علم البرنس أن المسلمين لا يعودون حتى يفرق جمعه ففرقهم وانقطع طمعه من الحركة فعاد فرخشاه إلى دمشق وكفى الله المؤمنين شر الكفار.
ذكر تلبيس ينبغي أن يحتاط من مثله
كان سيف الدولة مبارك بن كامل بن منقذ الكناني ينوب عن شمس الدولة أخي صلاح الدين باليمن وتحكم في الأموال والبلاد بعد أن فارقها شمس الدولة كما ذكرنا وكان هواه بالشام لأنه وطنه فأرسل إلى شمس الدولة يطلب الإذن له المجيء إليه فأذن له في المجيء فاستناب بزبيد أخاه حطان ابن كامل بن منقذ الكناني وعاد إلى شمس الدولة وكان معه بمصر.
فمات شمس الدولة وبقي مع صلاح الدين فقيل عنه: إنه أخذ أموال اليمن وادخرها وسعى به أعداؤه فلم فلما كان هذه السنة وصلاح الدين بمصر اصطنع سيف الدولة طعامًا وعمل دعوة كبيرة ودعا إليها أعيان الدولة الصلاحية بقرية تسمى العدوية.
وأرسل أصحابه يتجهزون من البلد ويشترون ما يحتاجون إليه من الأطعمة وغيرها فقيل لصلاح الدين أن ابن منقذ يريد الهرب وأصحابه يتزودون له ومتى دخل اليمن أخرجه عن طاعتك فأرسل صلاح الدين فأخذه والناس عنده وحبسه فلما سمع صلاح الدين جلية الحال علم أن الحيلة تمت لأعدائه في قبضه فخفف ما كان عنده عليه وسهل أمره وصانعه على ثمانين ألف دينار مصرية سوى ما لحقها من الحمل لأخوة صلاح الدين وأصحابه وأطلقه وأعاده إلى منزلته وكان أديبًا شاعرًا.
ذكر إرسال صلاح الدين العساكر إلى اليمن
في هذه السنة سير صلاح الدين جماعة من أمرائه منهم صارم الدين قتلغ أبه والي مصر إلى اليمن للاختلاف الواقع بها بين نواب أخيه شمس الدولة وهم عز الدين عثمان بن الزنجيلي والي عدن وحطان بن منقذ والي زبيد وغيرهما فإنهم لما بلغهم وفاة صاحبهم اختلفوا وجرت بين عز الدين عثمان وبين حطان حرب وكل واحد منهما يروم أن يغلب الآخر على ما بيده واشتد الأمر فخاف صلاح الدين أن يطمع أهل البلاد فيها بسبب الاختلاف بين أصحابه وأن يخرجوهم ثم مات قتلغ أبه فعاد حطان إلى إمارة زبيد وأطاعه الناس لجوده وشجاعته.
ذكر وفاة الملك الصالح وملك ابن عمه عز الدين مسعود مدينة حلب
في هذه السنة في رجب توفي الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود صاحب حلب بها وعمره نحو تسع عشرة سنة ولما اشتد مرضه وصف له الأطباء شرب الخمر للتداوي فقال: لا أفعل حتى أستفتي الفقهاء فاستفتى فأفتاه فقيه من مدرسي الحنفية بجواز ذلك فقال له: أرأيت إن قدر الله تعالى بقرب الأجل أيؤخره شرب الخمر فقال له الفقيه: لا فقال: والله لا لقيت الله سبحانه وقد استعملت ما حرمه علي ولم يشربها.
فلما أيس من نفسه أحضر الأمراء وسائر الأجناد ووصاهم بتسليم البلد إلى ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي واستحلفهم على ذلك فقال له بعضهم: إن عماد الدين ابن عمك أيضًا وهو زوج أختك وكان والدك يحبه ويؤثره وهو تولى تربيته وليس له غير سنجار فلو أعطيته البلد لكان أصلحن وعز الدين له من البلاد من نهر الفرات إلى همذان ولا حاجة به إلى بلدك فقال له: إن هذا لم يغب عني ولكن قد علمتم أن صلاح الدين قد تغلب على عامة بلاد الشام سوى ما بيدي ومتى سلمت حلب إلى عماد الدين يعجز عن حفظها وإن ملكها صلاح الدين لم يبق لأهانا معه مقام وإن سلمتها إلى عز الدين أمكنه حفظها بكثرة عساكره وبلاده.
فاستحسنوا قوله وعجبوا من جودة فطنته مع شدة مرضه وصغر سنه.
ثم مات وكان حليمًا كريمًا عفيف اليد والفرج واللسان ملازمًا للدين لا يعرف له شيء مما يتعاطاه الملوك والشباب من شرب خمر أو غيره حسن السيرة في رعيته عادلًا فيهم.
ولما قضى نحبه أرسل الأمراء إلى أتابك عز الدين يستدعونه إلى حلب فسار هو ومجاهد الدين قايماز إلى الفرات وأرسل فأحضر الأمراء عنده من حلب فحضروا وساروا جميعًا إلى حلب ودخلها في العشرين من شعبان وكان صلاح الدين حينئذ بمصر ولولا ذلك لزاحمهم عليها وقاتلهم فلما اجتاز طريقه إلى الفرات كان تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين بمدينة منبج فسار عنها هاربًا إلى حماة وثار أهل حماة ونادوا بشعار عز الدين فأشار عسكر حلب على عز الدين بقصد دمشق وأطمعوه فيها وفي غيرها من بلاد الشام وأعلموه محبة أهلها له ولأهل بيته فلم يفعل وقال: بيننا يمين فلا نغدر به وأقام بحلب عدة شهور ثم سار عنها إلى الرقة.
وأخذ سنجار عوضًا عنها لما وصل عز الدين إلى الرقة جاءته رسل أخيه عماد الدين صاحب سنجار يطلب أن يسلم إليه حلب ويأخذ عنها مدينة سنجار فلم يجبه إلى ذلك ولج عماد الدين وقال: إن سلمتم إلي حلب وإلا سلمت أنا سنجار إلى صلاح الدين فأشار حينئذ جماعة من الأمراء بتسليمها إليه وكان أشدهم في ذلك مجاهد الدين قايماز فلم يمكن عز الدين مخالفته لتمكنه في الدولة وكثرة عساكره وبلاده وإنما حمل مجاهد الدين على ذلك خوفه من عز الدين لأنه عظم في نفسه وكثر معه العسكر.
وكان الأمراء الحلبيون لا يلتفتون إلى مجاهد الدين ولا يسلكون معه من الأدب ما يفعله عساكر الموصل فاستقر الأمر على تسليم حلب إلى عماد الدين واخذ سنجار بدلًا عنها فسار عماد الدين فتسلمها وسلم سنجار إلى أخيه وعاد إلى الموصل.
وكان صلاح الدين بحلب قد وصله خبر ملك عز الدين حلب فعظم عليه الأمر وخاف أن يسير منها إلى دمشق وغيرها ويملك الجميع وأيس من حلب فلما بلغه خبر ملك عماد الدين لها برز من يومه وسار إلى الشام وكان من الوهن على دولة عز الدين ما نذكره إن شاء الله.
كانت قلعة البيرة وهي مطلة على الفرات من أرض الجزيرة لشهاب الدين الآرتقي وهو أبن عم قطب الدين إيلغازي بن ألبي بن تورتاش بن إيلغازي بن ارتق صاحب ماردين وكان في طاعة نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام فمات شهاب الدين وملك القلعة بعده ولده وصار في طاعة عز الدين مسعود صاحب الموصل.
فلما كان هذه السنة أرسل صاحب ماردين إلى عز الدين يطلب منه أن يأذن له في حصر البيرة وأخذها فأذن له في ذلك فسار في عسكره إلى قلعة سميساط وهي له ونزل بها وسير العسكر إلى البيرة فحصرها فلم يظفر منها بطائل إلا أنهم لازموا الحصار فأرسل صاحبها إلى صلاح الدين وقد خرج من ديار مصر على ما نذكره يطلب منه أن ينجده ويرحل العسكر المارديني عنه ويكون هو في خدمته كما كان أبوه في خدمة نور الدين فأجابه إلى ذلك وأرسل رسولًا إلى صاحب ماردين يشفع فيه ويطلب أن يرحل عسكره عنه فلم يقبل شفاعته.
واشتغل صلاح الدين بما نذكره من الفرنج فلما رأى صاحب ماردين طول مقام عسكره على البيرة ولم يبلغوا منها غرضًا أمرهم بالرحيل عنها وعاد إلى ماردين فسار صاحبها إلى صلاح الدين وكان معه حتى عبر معه الفرات على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
في هذه السنة كثرت المنكرات ببغداد فأقام حاجب الباب جماعة لإراقة الخمور وأخذ المفسدات فبينما امرأة منهم في موضع علمت بمجيء أصحاب حاجب الباب فاضطجعت وأظهرت أنها مريضة وارتفع أنينها فرأوها على تلك الحال فتركوها وانصرفوا فاجتهدت بعدهم أن تقوم فلم تقدر وجعلت تصيح: الكرب الكرب إلى أن ماتت.
وهذا من أعجب ما يحكى.
وفيها عاشر ذي الحجة توفي الأمير همام الدين تتر صاحب قلعة تكريت بالمزدلفة كان قد استخلف الأمير عيسى ابن أخي مودود وحج فتوفي ودفن بالمعلى مقبرة مكة.
وفيها في شعبان توفي عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي سعيد أبو البركات النحوي المعروف بابن الأنباري ببغداد وله تصانيف حسنة في النحو وكان فقيهًا صالحًا.
وفيها توفي إبراهيم بن مهران الفقيه الشافعي بجزيرة ابن عمر وكان فاضلًا كثير الورع.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
ذكر مسير صلاح الدين إلى الشام وإغارته على الفرنج
في هذه السنة خامس المحرم سار صلاح الدين عن مصر إلى الشام ومن عجيب ما يحكى من التطير أنه لما برز من القاهرة أقام بخيمته حتى تجتمع العساكر والناس عنده وأعيان دولته والعلماء وأرباب الآداب فمن بين مدع له وسائر معه وكل منهم يقول شيئًا في الوداع والفراق وما هم بصدده من السفر وفي الحاضرين معلم لبعض أولاده فاخرج رأسه من بين الحاضرين وانشد: تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار فانقبض صلاح الدين من بعد انبساطه وتطير وتنكد المجلس على الحاضرين فلم يعد إليها إلى أن مات بعد طول المدة.
ثم سار عن مصر وتبعه من التجار وأهل البلاد ومن كان قصد مصر من الشام بسبب الغلاء بالشام وغيره عالم كثير فلما سار جعل طريقه على أيلة فسمع أن الفرنج قد جمعوا له ليحاربوه ويصدوه عن المسير فلما قارب بلادهم سير الضعفاء والأثقال مع أخيه تاج الملوك بوري إلى دمشق وبقي هو في العساكر المقاتلة لا غير فشن الغارات بأطراف بلادهم وأكثر ذلك ببلد الكرك والشوبك فلم يخرج إليه منهم أحد ولا أقدم على الدنو منه ثم سار فأتى دمشق فوصلها حادي عشر صفر من السنة.
في هذه السنة أيضًا في صفر فتح المسلمون بالشام شقيفًا من الفرنج يعرف بحبس جلدك وهو من أعمال طبرية مطل على السواد.
وسبب فتحه أن الفرنج لما سمعوا بمسير صلاح الدين من مصر إلى الشام جمعوا له وحشدوا الفارس والراجل واجتمعوا بالكرك بالقرب من الطريق لعلهم ينتهزون فرصة أو يظفرون بنصرة وربما عاقوا المسلمين عن المسير بأن يقفوا على بعض المضايق فلما فعلوا ذلك خلت بلادهم من ناحية الشام فسمع فرخشاه الخبر فجمع من عنده من عساكر الشام ثم قصد بلاد الفرنج وأغار عليها ونهب دبورية وما يجاورها من القرى واسر الرجال وقتل فيهم واكثر وسبى النساء وغنم الأموال وفتح منهم الشقيف وكان على المسلمين منه أذى شديد ففرح المسلمون بفتحه فرحًا عظيمًا وأرسل إلى صلاح الدين بالبشارة فلقيه في الطريق ففت ذلك في عضد الفرنج وانكسرت شوكتهم.
ذكر إرسال سيف الإسلام إلى اليمن وتغلبه عليه
في هذه السنة سير صلاح الدين أخاه سيف الإسلام طغدكين إلى بلاد اليمن وأمره بتملكها وقطع الفتن بها وفوض إليه أمرها وكان بها حطان بن منقذ كما ذكرناه قبل وكتب عز الدين عثمان الزنجيلي متولي عدن إلى صلاح الدين يعرفه باختلال البلاد ويشير بإرسال بعض أهله إليها لأن حطان كان قوي عليه فخافه عثمان فجهز صلاح الدين أخاه سيف الإسلام وسيره إلى أهل اليمن فوصل إلى زبيد فخافه حطان ابن منقذ واستشعر منه وتحصن في بعض القلاع فلم يزل به سيف الإسلام يؤمنه ويهدي إليه ويتلطفه حتى نزل إليه فأحسن صحبته واعتمد معه ما لم يكن يتوقعه من الإحسان فلم يثق حطان به وطلب نه دستورًا ليقصد الشام فامتنع في إجابته إظهارًا للرغبة في كونه عنده فلم يزل حطان يراجعه حتى أذن له فأخرج أثقاله وأمواله وأهله وأصحابه وكل ما له وسير الجميع بين يديه.
فلما كان الغد دخل على سيف الإسلام ليودعه قبض عليه واسترجع جميع ماله فأخذه عن أخره لم يسلم منه قليل ولا كثير ثم سجنه في بعض القلاع وكان أخر العهد به فقيل أنه قتله وكان في جملة ما اخذ منه الأموال والذهب والعين في سبعين غلافًا زردية مملوءة عينًا.
وأما عز الدين عثمان الزنجيلي فإنه لما سمع ما جرى على حطان خاف فسار نحو الشام خائفًا يترقب وسير معظم أمواله في البحر فصادفهم مراكب فيها أصحاب سيف الإسلام فخذوا كل ما لعز الدين ولم يبق إلا ما صحبه في الطريق وصفت زبيد وعدن وما معهما من البلاد لسيف الإسلام.
وغيره من بلاد الفرنج لما وصل صلاح الدين إلى دمشق كما ذكرناه أقام أيامًا يريح ويستريح هو وجنده ثم سار إلى بلاد الفرنج في ربيع الأول فقصد طبرية فنزل بالقرب منها وخيم في الأقحوانة من الأردن وجاءت الفرنج بجموعها فنزلت في طبرية فسير صلاح الدين ابن أخيه فرخشاه إلى بيسان فدخلها قهرًا وغنم ما فيها وقتل وسبى وجحف الغور غارة شعواء فعم أهله قتلًا وأسرًا وجاءت العرب فأغارت على جنين واللجون وتلك الولاية حتى قاربوا مرج عكا.
وسار الفرنج من طبرية فنزلوا تحت جبل كوكب فتقدم صلاح الدين إليهم وأرسل العساكر عليهم يرمونهم بالنشاب فلم يبرحوا ولم يتحركوا للقتال فأمر أبني أخيه تقي الدين عمر وعز الدين فرخشاه فحملا على الفرنج فيمن معهما فقاتلوا قتالًا شديدًا ثم إن الفرنج انحازوا على حاميتهم فنزلوا غفربلا فلما رأى صلاح الدين ما قد أثخن فيهم وفي بلادهم عاد عنهم إلى دمشق.
ذكر حصر بيروت ثم إنه سار عن دمشق إلى بيروت
فنهب بلدها وكان قد أمر الأسطول المصري بالمجيء في البحر إليها فساروا ونازلوها وأغاروا عليها وعلى بلدها وسار صلاح الدين فوافاهم ونهب ما لم يصل الأسطول إليه وحصرها عدة أيام.
وكان عازمًا على ملازمتها إلى أن يفتحها فأتاه الخبر وهو عليها أن البحر قد ألقى بطسة للفرنج فيها جمع عظيم منهم إلى دمياط وكانوا قد خرجوا لزيارة البيت المقدس فأسروا من بها إلى أن غرق منهم الكثير فكان عدة الأسرى ألفًا وستمائة وستة وسبعين أسيرًا فضربت بذلك البشائر.
ذكر عبور صلاح الدين الفرات وملكه ديار الجزيرة
في هذه السنة عبر صلاح الدين الفرات إلى الديار الجزرية وملكها. وسبب ذلك أن مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين وهو مقطع حران كان قد أقطعه إياها عز الدين أتابك المدينة والقلعة ثقة به واعتمادًا عليه أرسل إلى صلاح الدين هو يحاصر بيروت يعلمه بها أنه معه محب لدولته ووعده النصرة له إن عبر الفرات ويطمعه في البلاد ويحثه على الوصول إليها فسار صلاح الدين عن بيروت ورسل مظفر الدين تترى إليه يحثه على المجيء فجد صلاح الدين السير مظهرًا أنه يريد حصر حلب سترًا للحال.
فلما قارب الفرات سار إليه مظفر الدين فعبر الفرات واجمع به وعاد معه فقصد البيرة وهي قلعة منيعة على الفرات من الجانب الجزري وكان صاحبها قد سار مع صلاح الدين وفي طاعته وقد ذكرنا سبب ذلك قبل فعبر هو وعسكره الفرات على الجسر الذي عند البيرة.
وكان عز الدين صاحب الموصل ومجاهد الدين لما بلغهما وصول صلاح الدين إلى الشام قد جمعا العسكر وسارا إلى نصيبين ليكونا على أهبة واجتماع لئلا يتعرض صلاح الدين إلى حلب ثم تقدما إلى دارا فنزلا عندها فجاءهما أمر لم يكن في الحساب فلما بلغهما عبور صلاح الدين الفرات عادا إلى الموصل وأرسلا إلى الرها عسكرًا يحميها ويمنعها فلما سمع صلاح الدين ذلك قوي طمعه في البلاد ولما عبر صلاح الدين الفرات كاتب الملوك أصحاب الأطراف ووعدهم وبذل لهم البذول على نصرته فأجابه نور الدين محمد بن قراآرسلان صاحب الحصن إلى ما طلب منه لقاعدة كانت قد استقرت بينهما لما كان نور الدين عنده بالشام فإنه استقر الحال أن صلاح الدين يحصر آمد ويملكها ويسلمها إليه وسار صلاح الدين إلى مدينة الرها فحصرها في جمادى الأولى وقاتلها أشد قتال.
فحدثني بعض من كان بها من الجند انه عد في غلاف رمح أربعة عشر خرقًا وقد خرقته السهام.
ووالى الزحف عليها وكان بها حينئذ مقطعها وهو الأمير فخر الدين مسعود بن الزعفراني فحيث رأى شدة القتال أذعن إلى التسليم وطلب الأمان وسلم البلد وصار في خدمة صلاح الدين فلما ملك المدينة زحف إلى القلعة فسلمها إليه الدزدار الذي بها على مال أخذه فلما ملكها سلمها إلى مظفر الدين مع حران ثم سار عنها على حران إلى الرقة فلما وصل إليها كان بها مقطعها قطب الدين ينال بن حسان المنبجي فسار عنها إلى عز الدين أتابك وملكها صلاح الدين وسار إلى الخابور قرقيسيا وماكسين وعابان فملك جميع ذلك.
فلما استولى على الخابور جميعه سار إلى نصيبين فملك المدينة لوقتها وبقيت القلعة فحصرها عدة أيام فملكها أيضًا وأقام بها ليصلح شانها ثم أقطعها أميرًا كان معه يقال له أبو الهيجاء السمين وسار عنه ومعه نور الدين صاحب الحصن.
وأتاه الخبر أن الفرنج قصدوا دمشق ونهبوا القرى ووصلوا إلى داريا وأرادوا تخريب جامعها فأرسل النائب بدمشق إليهم جماعة من النصارى يقولون لهم: إذا خربتم الجامع جددنا عمارته وخربنا كل بيعة لكم في بلادنا ولا نمكن أحدًا من عمارتها فتركوه ولما وصل الخبر إلى صلاح الدين بذلك أشار عليه من يتعصب لعز الدين بالعود فقال: يخربون قرى ونملك عوضها بلادًا ونعود نعمرها ونقوى على قصد بلادهم ولم يرجع فكان كما قال.
لما ملك صلاح الدين نصيبين جمع أمراءه وأرباب المشورة عنده واستشارهم بأي البلاد يبدأ وأيها يقصد بالموصل أم بسنجار أم بجزيرة ابن عمر فاختلفت آراؤهم فقال له مظفر الدين كوكبري بن زين الدين: لا ينبغي أن يبدأ بغير الموصل فإنها في أيدينا لا مانع لها فإن عز الدين ومجاهد الدين متى سمعا بمسيرنا إليها تركاها وسارا عنها إلى بعض القلاع الجبلية.
ووافقه ناصر الدين محمد ابن عمه شيركوه وكان قد بذل لصلاح الدين مالًا كثيرًا ليقطعه الموصل إذا ملكها وقد أجابه صلاح الدين إلى ذلك فأشار بهذا الرأي لهواه فسار صلاح الدين إلى الموصل وكان عز الدين صاحبها ومجاهد الدين قد جمعا العساكر الكثيرة ما بين فارس وراجل وأظهرا من السلاح وآلات الحصار ما حارت له الأبصار وبذلا الأموال الكثيرة واخرج مجاهد الدين من ماله كثيرًا واصطلى الأمور بنفسه فأحسن تدبيرها وشحنوا ما بقي بأيديهم من البلاد كالجزيرة وسنجار وإربل وغيرها من البلاد بالرجال والسلاح والأموال.
وسار صلاح الدين حتى قارب الموصل وترك عسكره وانفرد هو ومظفر الدين وابن عمه ناصر الدين بن شيركوه ومعهما نفر من أعيان دولته وقربوا من البلد فلما قربه رآه وحققه فرأى ما هاله وملأ صدره وصدور أصحابه فإنه رأى بلدًا عظيمًا كبيرًا ورأى السور والفصيل ملئا من الرجال وليس فيه شرافة غلا وعليها رجل يقاتل سوى من عليه من عامة
البلد المتفرجين فلما رأى ذلك علم انه لا يقدر على أخذه وانه يعود خائبًا فقال لناصر الدين ابن عمه: إذا رجعنا إلى المعسكر فاحمل ما بذلت من المال فنحن معك على القول.
فقال ناصر الدين: قد رجعت عما بذلت من المال فإن هذا البلد لا يرام.
فقال له ولمظفر الدين: غررتماني وأطمعتماني في غير مطمع ولو قصدت غيره قبله لكان أسهل أخذًا بالاسم والهيبة التي حصلت لنا ومتى نازلناه وعدنا منه ينكسر ناموسنا ويفل حدنا وشوكتنا.
ثم رجع إلى معسكره وصبح البلد وكان نزوله عليه في رجب فنازله وضايقه ونزل محاذي باب كندة وانزل صاحب الحصن بباب الجسر وانزل أخاه تاج الملوك عند الباب العمادي وانشب القتال فلم يظفر وخرج غليه يومًا بعض العامة فنالوا منه ولم يمكن عز الدين ومجاهد الدين أحدًا من العسكر أن يخرجوا لقتال بل ألزموا الأسوار ثم عن تقي الدين أشار على عمه صلاح الدين بنصب منجنيق فقال: مثل هذا البلد لا ينصب عليه منجنيق ومتى نصبناه أخذوه ولو خربنا برجًا وبدنة من يقدر على الدخول للبلد وفيه هذا الخلق الكثير فألح تقي الدين وقال: نجربهم به فنصب منجنيقًا فنصب عليه من البلد تسعة مجانيق وخرج جماعة من العامة فأخذوه وجرى عنده قتال كثير فأخذ بعض العامة لألكة من رجليه فيها المسامير الكثيرة ورمى بها أميرًا يقال له جاولي الأسدي مقدم الأسدية وكبيرهم فأصاب صدره فوجد لذلك ألمًا شديدًا وأخذ اللاكة وعاد عن القتال إلى صلاح الدين وقال: قد قاتلنا أهل الموصل بحماقات ما رأينا بعد مثلها وألقى اللاكة وحلف أنه لا يعود يقاتل عليها أنفة حيث ضرب بهذه.
ثم إن صلاح الدين رحل من قرب لبلد ونزل متأخرًا خوفًا من البيات فإنه لقربه كان لا يأمن ذلك وكان سببه أيضًا أن مجاهد الدين اخرج في بعض الليالي جماعة من باب السر الذي للقلعة ومعهم المشاعل فكان أحدهم يخرج من الباب وينزل إلى دجلة مما يلي عين الكبريت ويطفئ المشعل فرأى العسكر الناس يخرجون فلو يشكوا في الكبسة فحملهم ذلك على الرحيل والتأخر ليتعذر البيات على أهل الموصل.
وكان صدر الدين شيخ الشيوخ رحمه الله وقد وصل إليه قبل نزوله على الموصل ومعه بشير الخادم وهم من خواص الخليفة الناصر لدين الله في الصلح فأقاما معه على الموصل وترددت الرسل إلى عز الدين ومجاهد الدين في الصلح فطلب عز الدين إعادة البلاد التي أخذت منهم فأجاب صلاح الدين إلى ذلك بشرط أن تسلم إليه حلب فامتنع عز الدين ومجاهد الدين ثم نزل عن ذلك وأجاب إلى تسليم البلاد بشرط أن يتركوا إنجاد صاحب حلب عليه فلم يجيبوه إلى ذلك أيضًا وقال عز الدين: هو أخي وله العهود والمواثيق ولا يسعني نكثها.
ووصلت أيضًا رسل قزل أرسلان صاحب أذربيجان ورسل شاه أرمن صاحب خلاط في المعنى فلم ينتظم أمر ولا تم صلح فلما رأى صلاح الدين أنه لا ينال من الموصل غرضًا ولا يحصل على غير العناء والتعب وأن من بسنجار من العساكر الموصلية يقطعون طريق من يقصدونه من عساكره وأصحابه سار من الموصل إليها.
ذكر ملكه مدينة سنجار
لما سار صلاح الدين عن الموصل إلى سنجار سير مجاهد الدين إليها عسكرًا قوة لها ونجدة فسمع بهم صلاح الدين فمنعهم من الوصول إليها وأوقع بهم وأخذ سلاحهم ودوابهم وسار إليها ونازلها وكان بها شرف الدين أمير أميران هندوا أخو عز الدين صاحب الموصل في عسكر معه فحصر البلد وضايقه وألح في قتاله فكاتبه بعض أمراء الأكراد الذين به من الزرزارية وخامر معه وأشار بقصده من الناحية التي هو بها ليسلم إليه البلد فطرقه صلاح الدين ليلًا فسلم إليه ناحيته فملك الباشورة لا غير.
فلما سمع شرف الدين الخبر استكان وخضع و طلب الأمان فأمن ولو قاتل على تلك الناحية لأخرج العسكر الصلاحي عنها ولو امتنع بالقلعة لحفظها ومنعها ولكنه عجز فلما طلب الأمان أجابه صلاح الدين إليه فأمنه وملك البلد.
وسار شرف الدين ومن معه إلى الموصل واستقر جميع ما ملكه صلاح الدين بملك سنجار فإنه كان قصد أن يسترده المواصلة إذا فارقه لأنه لم يكن فيه حصن غير الرُّها فلما ملك سنجار صارت على الجميع كالسور واستناب بها سعد الدين بن معين الدين أنز وكان من أكابر الأمراء وأحسنهم صورة ومعنى.