المجلد العاشر - ذكر استيلاء خوارزم شاه على بلاد الغورية

قد ذكرنا مكاتبة الحسين بن خرميل والي هراة خوارزم شاه ومراسلته في الانتماء إليه والطاعة له ترك طاعة الغورية وخداعه لغياث الدين ومغالطته له بالخطبة له والطاعة انتظارًا لوصول عسكر خوارزم شاه ووصول رسول غياث الدين وابن زياد بالخلع إلى ابن خرميل فلما وصلت الخلع إليه لبسها هو وأصحابه وطالبه رسول غياث الدين بالخطبة فقال‏:‏ فاتفق قرب عسكر خوارزم شاه منهم فلما كان يوم الجمعة قيل له في معنى الخطبة فقال‏:‏ نحن في شغل أهم منها بوصول هذا العدو فطالت المجادلات بينهم في ذلك وهو مصر على الامتناع منها ووصل عسكر خوارزم شاه فلقيهم ابن خرميل وأنزلهم على باب البلد فقالوا له‏:‏ قد أمرنا خوارزم شاه أن لا نخالف لك أمرًا فشكرهم على ذلك وكان يخرج إليهم كل يوم وأقام لهم الوظائف الكثيرة‏.‏

وأتاه الخبر أن خوارزم شاه نزل على بلخ فحاصرها فلقيه صاحبها وقاتله بظاهر البلد فلم ينزل بالقرب منها فنزل على أربعة فراسخ فندم ابن خرميل على طاعة خوارزم شاه وقال لخواصه‏:‏ لقد أخطأنا حيث صرنا مع هذا الرجل فإنني أراه عاجزًا‏.‏

وشرع في إعادة العسكر فقال للأمراء‏:‏ إن خوارزم شاه قد أرسل إلى غياث الدين يقول له‏:‏ إنني على العهد الذي بيننا وأنا أترك ما كان لأبيك بخراسان والمصلحة أن ترجعوا حتى ننظر ما يكون‏.‏

فعادوا وأرسل إليهم الهدايا الكثيرة‏.‏ وكان غياث الدين حيث اتصل به وصول عسكر خوارزم شاه إلى هراة فأخذ إقطاع ابن خرميل وأرسل إلى كرزبان وأخذ كل ما له بها من مال‏.‏ وأولاد ودواب وغير ذلك‏.‏

وأخذ أصحابه في القيود وأتاه كتب من يميل إليه من الغوية يقولون له‏:‏ إن رآك غياث الدين قتلك‏.‏

ولما سمع أهل هراة بما فعل غياث الدين بأهل ابن خرميل وماله عزموا على قبضه والمكاتبة إلى غياث الدين بإنفاذ من يتسلم البلد وكتب القاضي صاعد قاضي هراة وابن زياد إلى غياث الدين بذلك فلما سمع ابن خرميل بما فعله غياث الدين بأهله وبما عزم عليه أهل هراة خاف أن يعاجلوه بالقبض فحضر عند القاضي وأحضر أعيان البلد وألان لهم القول وتقرب إليهم وأظهر طاعة غياث الدين وقال‏:‏ قد رددت عسكر خورازم شاه وأريد أن أرسل رسولًا إلى غياث الدين بطاعتي والذي أوثره منكم أن تكتبوا معه كتابًا بطاعتي‏.‏

فاستحسنوا قوله وكتبوا له بما طلب وسير رسوله إلى فيروزكوه وأمره إذا جنه الليل أن يرجع على طريق نيسابور يلحق عسكر خوارزم شاه ويجد السير فإذا لحقهم ردهم إليه‏.‏

ففعل الرسول ما أمره ولحق العسكر على يومين من هراة فأمرهم بالعود فعادوا فلما كان اليوم الرابع من سير الرسول وصلوا إلى هراة والرسول بين أيديهم فلقيهم ابن خرميل وأدخلهم البلد والطبول تضرب بين أيديهم فلما دخلوا أخذ ابن زياد الفقيه فسلمه وأخرج القاضي صاعدًا من البلد فسار إلى غياث الدين بفيروزكوه وأخرج من عنده من الغورية وكل من يعلم أنه يريدهم و سلم أبواب البلد إلى الخوارزمية‏.‏

وأما غياث الدين فإنه برز عن فيروزكوه نحو هراة وأرسل عسكرًا فأخذوا حشيرًا كان لأهل هراة فخرج الخوارزمية فشنوا الغارة على هراة الروذ وغيرها فأمر غياث الدين عسكره بالتقدم إلى هراة وجعل المقدم عليهم علي بن أبي علي وأقام هو بفيروزكوه لما بلغه أن خوارزم شاه على بلخ فسار العسكر وعلى يزكه الأمير أميران بن قيصر الذي كان صاحب الطالقان وكان منحرفًا عن غياث الدين حيث أخذ منع الطالقان فأرسل إلى ابن خرميل يعرفه أنه على اليزك ويأمره بالمجيء إليه فإنه لا يمنعه وحلف له على ذلك‏.‏

فسار ابن خرميل في عسكره فكبس عسكر غياث الدين فلم يلحقوا يركبون خيولهم حتى خالطوهم فقتلوا فيهم فكف ابن خرميل أصحابه عن الغورية خوفًا أن يهلكوا وغنم أموالهم وأسر إسمعيل الخلجي وأقام بمكانه وأرسل عسكره فشنوا الغارة على البلاد باذغيس وغيرها‏.‏

وعظم الأمر على غياث الدين فعزم على المسير إلى هراة بنفسه فأتاه الخبر أن علاء الدين صاحب باميان قد عاد إلى غزنة على ما نذكره فأقام ينتظر ما يكون منهم من الدز‏.‏

وأما بلخ فإن خوارزم شاه لما بلغه قتل شهاب الدين أخرج من كان عنده من الغوريين الذين كان أسرهم في المصاف على باب خوارزم فخلع عليهم وأحسن إليهم وأعطاهم الأموال وقال‏:‏ إن غياث الدين أخي ولا فرق بيني وبينه فمن أحب منكم المقام عندي فليقم ومن وعهد إلى محمد بن علي بن بشير وهو من أكابر الأمراء الغورية فأحسن إليه وأقطعه استمالة للغورية وجعله سفيرًا بينه وبين صاحب بلخ فسير أخاه علي شاه بين يديه في عسكره إلى بلخ فلما قاربها خرج إليه عماد الدين عمر بن الحسني الغورية أميرها فدفعه عن النزول عليها فنزل على أربعة فراسخ عنها فأرسل إلى أخيه خوارزم شاه يعلمه قوتهم فسار إليها في ذي القعدة من السنة فلما وصل إلى بلخ خرج صاحبها فقاتلهم فلم يقو بهم لكثرتهم فنزلوا فصار يوقع بهم ليلًا فكانوا معه على أقبح صورة فأقام صاحب بلخ محاصرًا وهو ينتظر المداد من أصحابه أولاد بهاء الدين صاحب باميان وكانوا قد اشتغلوا عنه بغزنة على ما نذكره‏.‏

فأقام خوارزم شاه على بلخ أربعين يومًا كل يوم يركب إلى الحرب فيقتل من أصحابه كثير ولا يظفر بشيء فراسل صاحبها عماد الدين مع محمد بن علي بن بشير الغوري في بذل بذله له ليسلم إليه البلد فلم يجبه إلى ذلك وقال‏:‏ لا أسلم البلد إلا إلى أصحابه فعزم على المسير إلى هراة فلما سار أصحابه أولاد بهاء الدين صاحب باميان إلى غزنة المرة الثانية على ما نذكره إن شاء الله تعالى وأسرهم تاج الدين الدز عاد عن ذلك العزم وأرسل محمد بن علي بن بشير إلى عماد الدين نائبه يعرفه حال أصحابه وأسرهم وأنه لم يبق عليه حجة ولا له في التأخر عنه عذر‏.‏

فدخل إليه ولم يزل يخدعه تارة يرغبه وتارة يرهبه حتى أجاب إلى طاعة خوارزم شاه والخطبة له وذكر اسمه على السكة وقال‏:‏ أنا أعلم أنه لا يفي لي فأرسل من يستحلفه على ما أراد فتم الصلح وخرج إلى خوارزم شاه فخلع عليه وأعاده إلى بلده وكان سلخ ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة‏.‏

ثم سار خوارزم شاه إلى كرزبان ليحاصرها وبها علي بن أبي علي وأرسل إلى غياث الدين يقول‏:‏ إن هذه كان قد أقطعها عمك لابن خرميل فتنزل عنها فامتنع وقال بيني وبينكم السيف فأرسل اله خوارزم شاه مع محمد بن علي بن بشير فرغبه وآيسه من نجدة غياث الدين ولم يزل به حتى نزل عنها وسلمها وعاد إلى فيروزكوه فأمر غياث الدين بقتله فشفع فيه الأمراء فتركه وسلم خوارزم شاه كرزبان إلى ابن خرميل‏.‏

ثم أسل إلى عماد الدين صاحب بلخ يطلبه إليه ويقول‏:‏ قد حضر مهم ولا غنى عن حضورك فأنت اليوم من أخص أوليائنا فحضر عنده فقبض عيه وسيره إلى خوارزم ومضى هو إلى بلخ فأخذها واستناب بها جعفرًا التركي‏.‏

ذكر ملك خوارزم شاه ترمذ وتسليمها إلى الخطا

لما أخذ خوارزم شاه مدينة بلخ سار عنها إلى مدينة ترمذ مجدًا وبها ولد عماد الدين كان صاحب بلخ فأرسل إليه محمد بن بشير يقول له‏:‏ إن أباك قد صار من أخص أصحابي وأكابر أمراء دولتي وقد سلم إلى بلخ وإنما ظهر لي منه ما أنكرته فسيرته إلى خوارزم مكرمًا محترمًا وأما أنت فتكون عندي أخًا‏.‏

ووعده وأقطعه الكثير فخدعه محمد بن علي فرأى صاحبها أن خوارزم شاه قد حصره من جانب والخطا قد حصره من جانب آخر وأصحابه قد أسرهم الدز بغزنة فضعف نفسه وأرسل من يستحلف له خوارزم شاه فحلف له وتسلم منه ترمذ وسلمها إلى الخطا فلقد اكتسب بها خوارزم شاه سبة عظيمة وذكرًا قبيحًا في عاجل الأمر ثم ظهر للناس بعد ذلك أنه إنما سلمها إليهم ليتمكن بذلك من ملك خراسان ثم يعود إليهم فيأخذها وغيرها منها لأنه لمتا ملك خراسان وقصد بلاد الخطا وأخذها وأفناهم علم الناس أنه فعل ذلك خديعة ومكرًا غفر الله له‏.‏

ذكر عود أولاد صاحب باميان إلى غزنة

قد ذكرنا قبل وصول الدز التركي إلى غزنة وإخراجه علاء الدين وجلال الدين ولدي بهاء الدين سام صاحب باميان منها بعد أن ملكها وأقام هو في غزنة من عاشر رمضان سنة اثنتين وستمائة إلى خامس ذي القعدة من السنة يحسن السيرة ويعدل في الرعية وأقطع البلاد للأجناد فبعضهم أقام وبعضهم سار إلى غياث الدين بفيروزكوه وبعضهم سار إلى علاء الدين صاحب باميان ولم يخطب لأحد ولا لنفسه وكان يعد الناس بأن رسولي عند مولاي غياث الدين فإذا عاد خطبت ففرح الناس بقوله‏.‏

وكان يفعل ذلك مكرًا وخديعة بهم وبغياث الدين لأنه لو لم يظهر ذلك لفارقه أكثر الأتراك وسائر الرعايا وكان حينئذ يضعف عن مقاومة صاحب باميان في العساكر الكثيرة وأنهم قد عزموا على نهب غزنة واستباحة الأموال والأنفس فخاف الناس خوفًا شديدًا وجهز الدز كثيرًا من عسكره وسيرهم إلى طريقهم فلقوا أوائل العسكر فقتل من الأتراك جماعة و أدركهم العسكر فلم يكن لهم قوة بهم فانهزموا وتبعهم عسكر علاء الدين يقتلون ويأسرون فوصل المنهزمون إلى غزنة فخرج عنها الدز منهزمًا يطلب بلده كرمان فأدركه بعض عسكر باميان نحو ثلاثة آلاف فارس فقاتلهم قتالًا شديدًا فردهم عنه وأحضر من كرمان مالًا كثيرًا وسلاحًا ففرقه في العسكر‏.‏

وأما علاء الدين وأخوه فإنهما تركا غزنة لم يدخلاها وسارا في أثر الدز فسمع بهم فسار عن كرمان فنهب الناس بعضهم بعضًا وملك علاء الدين كرمان وأمنوا أهلها وعزموا على العود إلى غزنة ونهبها فسمع أهلها بذلك فقصدوا القاضي سعيد بن مسعود وشكوا إليه حالهم فمشى إلى وزير علاء الدين المعروف بالصاحب وأخبره بحال الناس فطيب قلوبهم و أخبرهم غيره ممن يثقون به أنهم مجمعون على النهب فاستعدوا وضيقوا أبواب الدروب والشوارع وأعدوا العرادات والأحجار وجاءت التجار من العراق والموصل والشام وغيرها وشكوا إلى أصحاب السلطان فلم يشكهم أحد فقصدوا دار مجد الدين بن الربيع رسول الخليفة واستغاثوا به فسكنهم ووعدهم الشفاعة فيهم وفي أهل البلد فأرسل إلى أمير كبير من الغورية يقال له سليمان بن سيس وكان شيخًا كبيرًا يرجعون إلى قوله يعرفه الحال ويقول له ليكتب إلى علاء الدين وأخيه يتشفع في الناس ففعل وبالغ في الشفاعة وخوفهم من أهل البلد إن أصروا على النهب فأجابوه إلى العفو عن الناس بعد مراجعات كثيرة‏.‏

وكانوا قد وعدوا من معهم من العساكر بنهب غزنة فعوضوهم من الخزانة فسكن الناس وعاد العسكر إلى غزنة أواخر ذي القعدة ومعهم الخزانة التي أخذها الدز من مؤيد الملك لما عاد ومعه شهاب الدين قتيلًا فكانت مع ما أضيف إليها من الثياب والعين تسع مائة حمل ومن جملة ما كان فيها من الثياب الممزج المنسوج بالذهب اثنا عشر ألف ثوب‏.‏

وعزم علاء الدين أن يستوزر مؤيد الملك فسمع أخوه جلال الدين فأحضره وخلع عليه على كراهة منه للخلعة واستوزره فلما سمع علاء الدين بذلك قبض على مؤيد الملك وقيده وحبسه فتغيرت نيات الناس واختلفوا ثم إن علاء الدين وجلال الدين اقتسما الخزانة وجرى بينهما من المشاحنة في القسمة ما لا يجري بين التجار فاستدل بذلك الناس على أنهما لا يستقيم لهما حال لبخلهما واختلافهما وندم الأمراء على ميلهم إليهما وتركهم غياث الدين مع ما ظهر من كرمه وإحسانه‏.‏

ثم إن جلال الدين وعمه عباسًا سارا في بعض العسكر إلى باميان وبقي علاء الدين بغزنة فأساء وزيره عماد الملك السيرة مع الأجناد والرعية ونهبت أموال الأتراك حتى إنهم باعوا أمهات أولادهم وهن يبكين ويصرخن ولا يلتفت إليهن‏.‏

ذكر عود الدز إلى غزنة

لما سار جلال الدين عن غزنة وأقام بها أخوه علاء الدين جمع الدز ومن معه من الأتراك عسكرًًا كثيرًا وعادوا إلى غزنة فوصلوا إلى كلوا فملكوها وقتلوا جماعة من الغورية ووصل المنهزمون منها إلى كرمان فسار الدز إليهم وجعل على مقدمته مملوكًا كبيرًا من مماليك شهاب وكان بكرمان عسكر لعلاء الدين مع أمير يقال له ابن المؤيد ومعه جماعة من الأمراء منهم أبو علي بن سليمان بن سيس وهو وأبوه من أعيان الغورية وكانا مشتغلين باللعب واللهو والشرب لا يفتران عن ذلك فقيل لهما‏:‏ إن عسكر الأتراك قد قربوا منكم فلم يلتفتا إلى ذلك ولا تركا منا كانا عليه فهجم عليهم أي دكز التتر ومن معه من الأتراك فلم يمهلهم يركبون خيولهم فقتلوا عن آخرهم منهم من قتل في المعركة ومنهم من قتل صبرًا ولم ينج إلا من تركه الأتراك عمدًا‏.‏

ولما وصل الدز فرأى أمراء الغورية كلهم قتلى قال‏:‏ كل هؤلاء قاتلونا فقال أي دكز التتر‏:‏ لا بل قتلناهم صبرًا فلامه على ذلك ووبخه وأحضر رأس ابن المؤيد بين يديه فسجد شكرًا لله تعالى وأمر بالمقتولين فغسلوا ودفنوا وكان في جملة القتلى أبو علي بن سليمان بن سيس‏.‏

ووصل الخبر إلى غزنة في العشرين من ذي الحجة من هذه السنة فصلب علاء الدين الذي جاء بالخبر فتغميت السماء وجاء مطر شديد خرب بعض غزنة وجاء بعه برد كبار مثل بيض الدجاج فضج الناس إلى علاء الدين بإنزال المصلوب فأنزله آخر النهار فانكشفت الظلمة وسكن ما كانوا فيه‏.‏

وملك الدز كرمان وأحسن إلى أهلها وكانوا في ضر شديد مع أولئك‏.‏

ولما صح الخبر عند علاء الدين أرسل وزيره الصاحب إلى أخيه جلال الدين في باميان يخبره بحال الدز ويستنجده وكان قد أعد العساكر ليسير إلى بلخ يرحل عنها خوارزم شاه فلما أتاه هذا الخبر ترك بلخ وسار إلى غزنة وكان أكثر عسكره من الغورية قد فارقوه وفارقوا أخاه وقصدوا غياث الدين فلما كان أواخر ذي الحجة وصل الدز إلى غزنة ونزل هو وعسكره بإزاء قلعة غزنة وحصر علاء الدين وجرى بينهم قتال شديد وأمر الدز فنودي في البلد بالأمان وتسكين الناس من أهل البلد والغورية وعسكر باميان وأقام الدز محاصرًا للقلعة فوصل جلال الدين في أربعة آلاف من عسكر باميان وغيرهم فرحل الدز إلى طريقهم وكان مقامه إلى أن سار إليهم أربعين يومًا فلما سار الدز سير علاء الدين من كان عنده من العسكر وأمرهم أن يأتوا الدز من خلفه ويكون أخوه من بين يديه فلا يسلم من عسكره أحد‏.‏

فلما خرجوا من القلعة سار سليمان بن سيس الغوري إلى غياث الدين بفيروزكوه فلما وصل إليه أكرمه وعظمه وجعله أمير داذ فيروزكوه وكان ذلك في صفر سنة ثلاث وستمائة‏.‏

وأما الدز فإنه سار إلى طريق جلال الدين فالتقوا بقرية بلق فاقتتلوا قتالًا صبروا فيه فانهزم جلال الدين وعسكره وأخذ جلال الدين أسيرًا وأتى به إلى الدز فلما رآه ترجل وقبل يده وأمر الاحتياط عليه وعاد إلى غزنة وجلال الدين معه وألف أسير من الباميانية وغنم أصحابه أموالهم‏.‏

ولما عاد إلى غزنة أرسل إلى علاء الدين يقول له ليسلم القلعة إليه وإلا قتل من عنده من الأسرى فلم يسلمها فقتل منهم أربع مائة أسير بإزاء القلعة فلما رأى علاء الدين ذلك أرسل مؤيد الملك يطلب الأمان فأمنه الدز فلما خرج قبض عليه ووكل به وبأخيه من يحفظهما وقبض على وزيره عماد الملك لسوء سيرته وكان هندوخان بن ملكشاه بن خوارزم شاه تكش مع علاء الدين بقلعة غزنة فلما خرج منها قبض عليه أيضًا وكتب إلى غياث الدين بالفتح وأرسل إليه الأعلام وبعض الأسرى‏.‏

ذكر قصد صاحب مراغة وصاحب إربل أذربيخان

في هذه السنة اتفق صاحب مراغة وهو علاء الدين هو ومظفر الدين كوكبري صاحب إربل على قصد أذربيجان وأخذها من صاحبها أبي بكر بن البهلوان لاشتغاله بالشرب ليلًا ونهارًا وتركه النظر في أحوال المملكة وحفظ العساكر والرعايا فسار صاحب إربل إلى مراغة واجتمع هو وصاحبها علاء الدين وتقدما نحو تبريز فلا علم صاحبها أبو بكر أرسل إلى إيدغمش صاحب بلاد الجبل همذان وأصفهان والري وما بينها من البلاد وهو مملوك أبيه البهلوان وهو في طاعة أبي بكر إلا أنه قد غلب على البلاد فلا يلتفت إلى أبي بكر فأرسل إليه أبو بكر يستنجده ويعرفه الحال وكان حينئذ ببلد الإسماعيلية فلما أتاه الخبر سار إليه في العساكر الكثيرة‏.‏

فلما حضر عنده أرسل إلى صاحب إربل يقول له‏:‏ إننا كنا نسمع عنك أنك تحب أهل العلم والخير وتحسن إليهم فكنا نعتقد فيك الخير والدين فلما كان الآن ظهر لنا منك ضد ذلك لقصدك بلاد الإسلام وقتال المسلمين ونهب أموالهم وإثارة الفتنة فإذا كنت كذلك فما لك عقل تجيء إلينا وأنت صاحب قرية ونحن لنا من باب خراسان إلى خلاط وإلى إربل واحسب أنك هزمت هذا أما تعلم أن له مماليك أنا أحدهم ولو أخذ من كل قرية شحنة أو من كل مدينة عشرة رجال لاجتمع له أضعاف عسكر فالمصلحة أنك ترجع إلى بلدك وإنما أقول لك هذا إبقاء عليك‏.‏

ثم سار نحوه عقيب هذه الرسالة فلما سمعها مظفر الدين وبلغه مسير إيدغمش عزم على العود فاجتهد به صاحب مراغة ليقيم بمكانه ويسلم عسكره إليه وقال له‏:‏ إنني قد كاتبني جميع أمرائه ليكونوا معي إذا قصدتهم فلم يقبل مظفر الدين من قوله وعاد إلى بلده وسلك الطريق الشاقة والمضايق الصعبة والعقاب الشاهقة خوفًا من الطلب‏.‏

ثم سار نحوه عقيب هذه الرسالة فلما سمعها مظفر الدين وبلغه مسير إيدغمش عزم على العود فاجتهد به صاحب مراغة ليقيم بمكانه ويسلم عسكره إليه وقال له‏:‏ إنني قد كاتبني جميع أمرائه ليكونوا معي إذا قصدتهم فلم يقبل مظفر الدين من قوله وعاد إلى بلده وسلك الطريق الشاقة والمضايق الصعبة والعقاب الشاهقة خوفًا من الطلب‏.‏

ثم إن أبا بكر وإيدغمش قصد مراغة وحصراها فصالحهما صاحبها على تسليم قلعة من حصونه إلى أبي بكر وهي كانت سبب الاختلاف وأقطعه أبو بكر مدينتي أستوا وأرمية وعاد عنه‏.‏

ذكر الغارة من ابن ليون على أعمال حلب

و في هذه السنة توالت الغارة من ابن ليون الأرمني صاحب الدروب على ولاية حلب فنهب وحرق وأسر وسبى فجمع الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف صاحب حلب عساكره واستنجد غيره من الملوك فجمع كثيرًا من الفارس والراجل وسار عن حلب نحو ابن ليون‏.‏

وكان ابن ليون قد نزل في طرف بلاده مما يلي بلد حلب فليس إليه طريق لأن جميع بلاده لا طريق إليها إلا من جبال وعرة ومضايق صعبة فلا يقدر غيره على الدخول إليها لا سيما من ناحية حلب فإن الطريق منها متعذر جدًا فنزل الظاهر على خمسة فاراسخ من حلب وجعل على مقدمته جماعة من عسكره مع أمير كبير من مماليك أبيه يعرف بميمون القصري ينسب إلى قصر الخلفاء العلويين بمصر لأن أباه منهم أخذه فأنفذ الظاهرة ميرة وسلاحًا إلى حصن له مجاور لبلاد ابن ليون اسمه دربساك وأنفذ إلى ميمون ليرسل طائفة من العسكر الذين عنده إلى طريق هذه الذخيرة ليسيروا معها إلى دربساك ففعل ذلك وسير جماعة كثيرة من عسكره وبقي في قلة فبلغ الخبر إلى ابن ليون فجد فوافاه وهو مخف من العسكر فقاتله واشتد القتال بينهم فأرسل ميمون إلى الظاهر يعرفه وكان بعيدًا عنه فطالت الحرب بينهم وحمى ميمون نفسه وأثقاله على قلة من المسلمين وكثرة من الأرمن فانهزم المسلمون ونال العدو منهم فقتل وأسر وكذلك أيضًا فعل المسلمون بالأرمن من كثرة القتل‏.‏

وظفر الأرمن بأثقال المسلمين فغنموها وساروا بها فصادفهم المسلمون الذين كانوا قد ساروا مع الذخائر إلى دربساك فلم يشعروا بالحال فلم يرعهم إلا العدو وقد خالطهم ووضع السيف فيهم فاقتتلوا أشد قتال ثم انهزم المسلمون أيضًا وعاد الأرمن إلى بلادهم بما غنموا واعتصموا بجبالهم وحصونهم‏.‏

في هذه السنة قصدت الكرج في جموعها ولاية خلاط من أرمينية ونهبوا وقتلوا وأسروا وسبوا أهلها كثيرًا وجاسوا خلال الديار آمنين ولم يخرج إليهم من خلاط من يمنعهم فبقوا متصرفين في النهب والسبي والبلاد شاغرة لا مانع لها لأن صاحبها صبي والمدبر لدولته ليست له تلك الطاعة على الجند‏.‏

فلما اشتد البلاء على الناس تذامروا وحرض بعضهم بعضًا واجتمعت العساكر الإسلامية التي بتلك الولاية جميعها وانضاف إليهم من المتطوعة كثير فساروا جميعهم نحو الكرج وهم خائفون فرأى بعض الصوفية الأخيار الشيخ محمدًا البستي وهو من الصالحين وكان قد مات فقال له الصوفي‏:‏ أراك ها هنا فقال‏:‏ جئت لمساعدة المسلمين على عدوهم‏.‏

فاستيقظ فرحًا بمحل البستي من الإسلام وأتى إلى مدبر العسكر والقيم بأمره وقص عليه رؤياه ففرح بذلك وقوي عزمه على قصد الكرج وسار بالعساكر إليهم فنزل منزلًا‏.‏

فوصلت الأخبار إلى الكرج فعزموا على كبس المسلمين فانتقلوا من موضعهم بالوادي إلى أعلاه فنزلوا فيه ليكبسوا المسلمين إذا أظلم الليل فأتى المسلمين الخبر فقصدوا الكرج وأمسكوا عليهم رأس الوادي وأسفله وهو واد ليس إليه غير هذين الطريقين فلما رأى الكرج ذلك أيقنوا بالهلاك وسقط في أيديهم وطمع المسلمون فيهم وضايقوهم وقاتلوهم فقتلوا منهم كثيرًا

وأسروا مثلهم ولم يفلت من الكرج إلا القليل وكفى الله المسلمين شرهم بعد أن كانوا أشرفوا على الهلاك‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في جمادى الآخرة توفي الأمير طاشتكين مجير الدين أمير الحاج بتستر وكان قد ولاه الخليفة على جميع خوزستان وكان أمير الحاج سنين كثيرة وكان خيرًا صالحًا حسن السيرة كثير العبادة بتشيع‏.‏

ولما مات ولى الخليفة على خوزستان مملوكه سنجر وهو صهر طاشتكين زوج ابنته‏.‏

وفيها قتل سنجر بن مقلد بن سليمان بن مهارش أمير عبادة بالعراق‏.‏

وكان سبب قتله أنه سعى بأبيه مقلد إلى الخليفة الناصر لدين الله فأمر بالتوكيل على أبيه فبقي مدة ثم أطلقه الخليفة ثم إن سنجر قتل أخًا له اسمه‏.‏

فأوغر بهذه الأسباب صدور أهله وإخوته فلما كان هذه السنة في شعبان نزل بأرض المعشوق وركب في بعض الأيام ومعه إخوته وغيرهم من أصحابه فلما انفرد عن أصحابه ضربه أخوه علي بن مقلد بالسيف فسقط إلى الأرض فنزل إخوته إليه فقتلوه‏.‏

وفيها تجهز غياث الدين خسروشاه صاحب مدينة الروم إلى مدينة طرابزون وحصر صاحبها لأنه كان قد خرج عن طاعته فضيق عليه‏.‏

فانقطعت لذلك الطرق من بلاد الروم والروس قفجاق وغيرها برًا وبحرًا ولم يخرج منهم أحد إلى بلاد غياث الدين فدخل بذلك ضرر عظيم على الناس لأنهم كانوا يتجرون معهم ويدخلون بلادهم ويقصدهم التجار من الشام والعراق والموصل والجزيرة وغيرها فاجتمع منهم بمدينة سيواس خلق كثير فحيث لم ينفتح الطريق تأذوا أذى كثيرًا فكان السعيد منهم من عاد إلى رأس ماله‏.‏

وفيها تزوج أبو بكر بن البهلوان صاحب أذربيجان وأران بابنة ملك الكرج وسبب ذلك أن الكرج تابعة الغارات منهم على بلاده لما رأوا من عجزه وانهماكه في الشرب واللعب وما جانسهما وإعراضه عن تدبير الملك وحفظ البلاد فلما رأى هو أيضًا ذلك ولم يكن عنده من عدل إلى الذب عنها بأيره فخطب ابنة ملكهم فتزوجها فكف الكرج عن النهب والإغارة والقتل فكان كما قيل‏:‏ أغمد سيفه وسل أيره‏.‏

وفيها حمل إلى أزبك خروف وجهه صورة آدمي وبدنه بدن خروف وكان هذا من العجائب‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو حامد محمد بن المانداي الوسطي بها‏.‏

وفيها في شوال توفي فخر الدين مبارك شاه بن الحسن المروروذي وكان حسن الشعر بالفارسية والعربية وله منزلة عظيمة عند غياث الدين الكبير صاحب غزنة وهراة وغيرهما وكان له دار ضيافة فيها كتب وشطرنج فالعلماء يطالعون الكتب والجهال يلعبون بالشطرنج‏.‏

وفيها في ذي الحجة توفي أبو الحسن علي بن علي بن سعادة الفارقي الفقيه الشافعي ببغداد وبقي مدة طويلة معيدًا بالنظامية وصار مدرسًا بالمدرسة التي أحدثتها أم الخليفة الناصر لدين الله وكان مع علمه صالحًا طلب للنيابة في القضاء ببغداد فامتنع فألزم بذلك فوليه يسيرًا ثم في بعض الأيام مشى إلى جامع ابن المطلب فنزل ولبس مئزر صوف غليظ وغير ثيابه وأمر الوكلاء وغيرهم بالانصراف عنه وأقام به حتى سكن الطلب عنه وعاد إلى منزله بغير ولاية‏.‏

وفيها وقع الشيخ أبو موسى المكي المقيم بمقصورة جامع السلطان ببغداد من سطح الجامع فمات وكان رجلًا صالحًا كثير العبادة‏.‏

وفيها أيضًا توفي العفيف أبو المكارم عرفة بن علي بن بصلا البندنيجي ببغداد وكان رجلًا صالحًا منقطعًا إلى العبادة رحمه الله‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وستمائة

وعودها إلى ابن أخيه في هذه السنة ملك عباس باميان من علاء الدين وجلال الدين ولدي أخيه بهاء الدين‏.‏

وسبب ذلك أن عسكر باميان لما انهزموا من الدز وعادوا إليها أخبروا أن علاء الدين وجلال الدين أسرا وأن الدز ومن معه غنموا ما في العسكر فأخذ وزير أبيهما المعروف بالصاحب من الأموال كثيرًا ومن الجواهر وغيرها من التحف وأخذ فيلًا وسار إلى خوارزم شاه يستنجده على الدز ليسير معه عسكرًا يستخلص به صاحبيه‏.‏

فلما فارق باميان ورأى عمهما عباس خلو البلد منه ومن ابني أخيه جمع أصحابه وقام في البلد فملكه وصعد إلى القلعة فملكها وأخرج أصحاب ابني أخيه علاء الدين وجلال الدين منها فبلغ الخبر إلى الوزير السائر إلى خوارزم شاه فعاد إلى باميان وجمع الجموع الكثيرة وحصر عباسًا في القلعة وكان مطاعًا في جميع ممالك بهاء الدين وولديه من بعده وأقام عليه محاصرًا إلا أنه لم يكن معه من المال ما يقوم بما يحتاج إليه إنما كان معه ما أخذه ليحمله إلى خوارزم‏.‏

فلما خلص جلال الدين من أسر الدز على ما نذكره سار إلى باميان فوصل إلى أرصف وهي مدينة باميان وجاء إليه وزير أبيه الصاحب واجتمع به وساروا إلى القلاع وراسلوا عباسًا المتغلب عليها ولاطفوه فسلم الجميع إلى جلال الدين وقال‏:‏ إنما حفظتها خوفًا أن يأخذها خوارزم شاه فاستحسن فعله وعاد إلى ملكه‏.‏

ذكر ملك خوارزم شاه الطالقان

لما سلم خوارزم شاه ترمذ إلى الخطا سار عنها إلى ميهنة وأندخوي وكتب إلى سونج أمير أشكار نائب غياث الدين محمود بالطالقان يستميله فعاد الرسول خائبًا لم يجبه سونج إلى ما أراد منه وجمع عسكره وخرج يحارب خوارزم شاه فالتقوا بالقرب من الطالقان‏.‏

فلما تقابل العسكران حمل سونج وحده مجدًا حتى قارب عسكر خوارزم شاه فألقى نفسه إلى الأرض ورمى سلاحه عنه وقبل الأرض وسأل العفو فظن خوارزم شاه أنه سكران فلما علم أنه صاح ذمه وسبه وقال‏:‏ من يثق بهذا وأشباهه‏!‏ ولم يلتفت إليه وأخذ ما بالطالقان من مال وسلاح ودواب وأنفذه إلى غياث الدين مع رسول وحمله رسالة تتضمن التقرب إليه والملاطفة له واستناب بالطالقان بعض أصحابه وسار إلى قلاع كالوين وبيوار فخرج إليه حسام الدين علي بن أبي علي صاحب كالوين وقاتله على رؤوس الجبال فأرسل إليه خوارزم شاه يتهدده إن لم يسلم إليه فقال‏:‏ أما أنا فمملوك وأما هذه الحصون فهي أمانة بيدي ولا أسلمها إلا إلى صاحبها فاستحسن خوارزم شاه منه هذا وأثنى عليه وذم سونج‏.‏

ولما بلغ غياث الدين خبر سونج وتسليمه الطالقان إلى خوارزم شاه عظم عنده وشق عليه فسلاه أصحابه وهونوا الأمر‏.‏

ولما فرغ خوارزم شاه من الطالقان سار إلى هراة فنزل بظاهرها ولم يمكن ابن خرميل أحدًا من الخوارزميين أن يتطرق بالأذى إلى أهلها وإنما كانوا يجتمع منهم الجماعة بعد الجماعة فيقطعون الطريق وهذه عادة الخوارزميين‏.‏

ووصل رسول غياث الدين إلى خوارزم شاه بالهدايا ورأى الناس عجبًا وذلك أن الخوارزميين لا يذكرون غياث الدين الكبير والد غياث الدين هذا ولا يذكرون أيضًا شهاب الدين أخاه وهما حيان إلا بالغوري وصاحب غزنة وكان وزير خوارزم شاه الآن مع عظم شأنه وقلة شأن غياث الدين هذا لا يذكره إلا بمولانا السلطان مع ضعفه وعجزه وقلة بلاده‏.‏

وأما ابن خرميل فإنه سار من هراة في جمع من عسكر خوارزم شاه فنزل على أسفزار في صفر وكان صاحبها قد توجه إلى غياث الدين فحصرها وأرسل من بها يقسم بالله لئن سلموها أن يؤمنهم وإن امتنعوا أقام عليهم إلى أن يأخذهم فإذا أخذهم قهرًا لا يبقى على كبير ولا صغير فخافوا فسلموها في ربيع الأول فأمنهم ولم يتعرض إلى أهلها بسوء فلما أخذها أرسل إلى حرب بن محمد صاحب سجستان يدعوه إلى طاعة خوارزم شاه والخطبة له ببلاده فأجابه إلى ذلك وكان غياث الدين قد راسله قبل ذلك في الخطبة والدخول في طاعته فغالطه ولم يجبه إلى ما طلب‏.‏

ولما كان خوارزم شاه على هراة عاد إليها القاضي صاعد بن الفضل الذي كان ابن خرميل قد أخرجه من هراة في العام الماضي وسار إلى غياث الدين فعاد الآن من عنده فلما وصل قال ابن خرميل لخوارزم شاه‏:‏ إن هذا يميل إلى الغورية ويريد دولتهم ووقع فيه فسجنه خوارزم شاه بقلعة زوزن وولى القضاء بهراة الصفي أبا بكر محمد السرخسي وكان ينوب عن صاعد وابنه في القضاء بهراة‏.‏

ذكر حال غياث الدين مع الدز وأيبك


لما عاد الدز إلى غزنة وأسر علاء الدين وأخاه جلال الدين كما ذكرناه كتب إليه غياث الدين يطالبه بالخطبة له فأجابه جواب مدافع وكان جوابه في هذه المرة أشد منه فيما تقدم فأعاد غياث الدين إليه يقول‏:‏ إما أن تخطب لنا وإما أن تعرفنا ما في نفسك فلما وصل الرسول بهذا أحضر خطيب غزنة وأمره أن يخطب لنفسه بعد الترحم على شهاب الدين فخطب لتاج الدين الدز بغزنة‏.‏

فلما سمع الناس ذلك ساءهم وتغيرت نياتهم ونيات الأتراك الذين معه ولم يروه أهلًا أن يخدموه وإنما كانوا يطيعونه ظنًا منهم أنه ينصر دولة غياث الدين فلما خطب له أرسل إلى غياث الدين يقول له‏:‏ بماذا تشتط علي وتتحكم في هذه الخزانة نحن جمعناها بأسيافنا وهذا الملك قد أخذته وأنت قد اجتمع عندك الذين هم أساس الفتنة وأقطعتهم الإقطاعات ووعدتني بأمور لم تقف عليها فإن أنت أعتقتني خطبت لك وحضرت خدمتك‏.‏

فلما وصل الرسول أجابه غياث الدين إلى عتق الدز بعد الامتناع الشديد والعزم على مصالحة خوارزم شاه على ما يريد وقصد غزنة ومحاربته بها فلما أجابه إلى العتق أشهد عليه به وأشهد عليه أيضًا بعتق قطب الدين أيبك مملوك شهاب الدين ونائبه ببلاد الهند وأرسل إلى كل واحد منهما ألف قباء وألف قلنسوة ومناطق الذهب وسيوفًا كثيرة وجترين ومائة رأس من الخيل وأرسل إلى كل واحد منهما رسولًا فقبل الدز الخلع ورد الجتر وقال‏:‏ نحن عبيد ومماليك والجتر له أصحاب‏.‏

سار رسول أبيك إليه وكان بفرشابور قد ضبط المملكة وحفظ البلاد ومنع المفسدين من الفساد والأذى والناس معه في أمن فلما قرب الرسول منه لقيه على بعد وترجل وقبل حافر الفرس ولبس الخلعة وقال‏:‏ أما الجتر فلا يصلح للمماليك وأما العتق فمقبول وسوف أجاريه بعبودية الأبد‏.‏

وأما خوارزم شاه فإنه أرسل إلى غياث الدين يطلب منه أن يتصاهرا ويطلب منه ابن خرميل صاحب هراة إلى طاعته ويسير معه في العساكر إلى غزنة فإذا ملكها من الدز اقتسموا المال أثلاثًا‏:‏ ثلث لخوارزم شاه وثلث لغياث الدين وثلث للعسكر فأجابه إلى ذلك ولم يبق إلا الصلح فوصل الخبر إلى خوارزم شاه بموت صاحب مازندران فسار عن هراة إلى مرو وسمع الدز بالصلح فجزع لذلك جزعًا عظيمًا ظهر أثره عليه وأرسل إلى غياث الدين‏:‏ ما حملك على هذا فقال‏:‏ حملني عليه عصيانك وخلافك علي‏.‏

فسار الدز إلى نكياباذ فأخذها وإلى بست وتلك الأعمال فملكها وقطع خطبة غياث الدين منها وأرسل إلى صاحب سجستان يأمره بإعادة الترحم على شهاب الدين وقطع خطبة خوارزم شاه وأرسل إلى ابن خرميل صاحب هراة بمثل ذلك وتهددهما بقصد بلادهما فخافهما الناس‏.‏

ثم إن الدز أخرج جلال الدين صاحب باميان من أسره وسير معه خمسة آلاف فارس مع أي دكز التتر مملوك شهاب الدين إلى باميان ليعيدوه إلى ملكه ويزيلوا ابن عمه عنه وزوجه ابنته وسار ومعه أي دكز فلا خلا به وبخه على لبسه خلعة الدز وقال له‏:‏ أنتم ما رضيتم أن تلبسوا خلعة غياث الدين وهو أكبر سنًا منكم وأشرف بيتًا تلبس خلعة هذا المأبون‏!‏ يعين الدز ودعاه إلى العود معه إلى غزنة وأعلمه أن الأتراك كلهم مجمعون على خلاف الدز‏.‏

فلم يجبه إلى ذلك فقال أي دكز‏:‏ فإنني لا أسير معك وعاد إلى كابل وهي إقطاعه فلما وصل أي دكز إلى كابل لقيه رسول من قطب الدين أيبك إلى الدز يقبح له فعله ويأمره بإقامة خطبة غياث الدينم ويخبره أنه قد خطب له في بلاده ويقول له إن لم يخطب له هو أيضًا بغزنة ويعود إلى طاعته وإلا قصده وحاربه‏.‏

فلما علم أي دكز ذلك قويت نفسه على مخالفة الدز وصمم العزم على قصد غزنة ووصل أيضًا رسول أيبك إلى غياث الدين بالهدايا والتحف ويشير عليه بإجابة خوارزم شاه إلى ما طلب الآن وعند الفراغ من أمر غزنة تسهل أمور خوارزم شاه وغيره وأنفذ له ذهبًا عليه اسمه فكتب أي دكز إلى أيبك يعرفه عصيان الدز على غياث الدين وما فعله في البلاد وأنه على عزم مشاققه الدز وهو ينتظر أمره فأعاد أيبك جوابه يأمره بقصد غزنة فإن حصلت له القلعة أقام بها إلى أن يأتيه وأن لم تحصل له القلعة وقصده الدز انحاز إليه أو إلى غياث الدين أو يعود إلى كابل‏.‏

فسار إلى غزنة وكان جلال الدين قد كتب إلى الدز يخبره خبر أي دكز وما عزم عليه فكتب الدز إلى نوابه بقلعة غزنة يأمرهم بالاحتياط منه فوصلها أي دكز أول رجب من السنة وقد حذروه فلم يسلموا إليه القلعة ومنعوه عنها فأمر أصحابه بنهب البلد فنهبوا عدة مواضع منه فتوسط القاضي الحال بأن سلم إليه من الخزانة خمسين ألف دينار ركنية وأخذ له من التجار شيئًا آخر وخطب أي دكز بغزنة لغياث الدين وقطع خطبة الدز ففرح الناس بذلك‏.‏

وكان مؤيد الملك ينوب عن الدز بالقلعة ووصل الخبر إلى الدز بوصول أي دكز إلى غزنة ووصول رسول أيبك إليه ففت في عضده وخطب لغياث الدين في تكياباذ وأسقط اسمه من الخطبة فخطب له ورحل إلى غزنة فلما قاربها رحل أي دكز عنها إلى بلد الغور فأقام في تمران وكتب إلى غياث الدين يخبره بحاله وأنفذ إليه المال الذي أخذه من الخزانة ومن أموال الناس فأرسل إليه خلعًا وأعتقه وخاطبه بملك الأمراء ورد عليه المال الذي كان أخذه من الخزانة وقال له‏:‏ أما مال الخزانة فقد أعدناه إليك لتخرجه وأما أموال التجار وأهل البلد فقد أرسلته مع رسولي ليعاد إلى أربابه لئلا نفتتح دولتنا بالظلم وقد عوضتك عنه ضعفه‏.‏

وأرسل أموال الناس إلى غزنة إلى قاضي غزنة وأمره أن يرد المال المنفذ على أربابه فأنهى القاضي الحال إلى الدز وأشار عليه بالخطبة لغياث الدين وقال‏:‏ أنا أسعى في الوصلة بينكما والصهر والصلح فأمر بذلك فبلغ الخبر إلى غياث الدين فأرسل إلى القاضي ينهاه عن المجيء إليه وقال‏:‏ لا تسأل في عبد أبق قد بان فساده واتضح عناده فأقام بغزنة هو والدز وسير غياث الدين وقد أقطعها لبعض الأمراء فهجموا على صاحبها فنهبوا ماله وأخذوا أولاده فنجا وحده إلى غياث الدين فاقتضى الحال أن سار غياث الدين إلى بست وتلك الولاية فاستردها وأحسن إلى أهلها وأطلق لهم خراج سنة لما نالهم من الدز من الأذى‏.‏

ذكر وفاة صاحب مازندران والخلف بين أولاده

في هذه السنة توفي حسام الدين أردشير صاحب مازندران وخلف ثلاثة أولاد فملك بعده ابنه الأكبر وأخرج أخاه الأوسط من البلاد فقصد جرجان وبها الملك علي شاه بن خوارزم شاه تكش أخو خوارزم شاه محمد وهو ينوب عن أخيه فيها فشكا إليه ما صنع به أخوه من إخراجه من البلاد وطلب منه أن ينجده عليه ويأخذ له البلاد ليكون في طاعته فكتب علي شاه إلى أخيه خوارزم شاه في ذلك فأمر بالمسير معه إلى مازندران وأخذ البلاد له وإقامة الخطبة لخوارزم شاه فيها‏.‏

فساروا عن جرجان فاتفق أن حسام الدين صاحب مازندران مات في ذلك الوقت وملك البلاد بعده أخوه الأصغر واستولى على القلاع والأموال فدخل علي شاه البلاد ومعه صاحب مازندران فنهبوها وخربوها وامتنع منهم الأخ الصغير بالقلاع وأقام بقلعة كور وهي التي فيها الأموال والذخائر وحصروه فيها بعد أن ملكوا أسامة البلاد مثل‏:‏ سارية وآمل وغيرهما من البلاد والحصون وخطب لخوارزم شاه فيها جميعها سوى القلعة التي فيها أخوه الأصغر وهو يراسله ويستميله ويستعطفه وأخوه لا يرد جوابًا ولا ينزل عن صنه‏.‏

ذكر ملك غياث الدين مدينة أنطاكية

في هذه السنة ثالث شعبان ملك غياث الدين كيخسرو صاحب قونية وبلد الروم مدينة أنطاكية بالأمان وهي للروم على ساحل البحر‏.‏

وسبب ذلك أنه كان حصرها قبل هذا التاريخ وأطال المقام عليها وهدم عدة أبراج من سورها ولم يبق إلا فتحها عنوة فأرسل من بها من الروم إلى الفرنج الذين بجزيرة قبرس وهي قريبة منها فاستنجدوهم فوصل إليها جماعة منهم فعند ذلك يئس غياث الدين منها ورحل عنها وترك طائفة من عسكره بالقرب منها بالجبال التي بينها وبين بلاده وأمرهم بقطع الميرة منها‏.‏

فاستمر الحال على ذلك مدة حتى ضاق بأهل البلد واشتد الأمر عليهم فطلبوا من الفرنج الخروج لدفع المسلمين عن مضايقتهم فظن الفرنج أن الروم يريدون إخراجهم من المدينة بهذا السبب فوقع الخلف بينهم فاقتتلوا فأرسل الروم إلى المسلمين وطلبوهم ليسلموا إليهم البلد فوصلوا إليهم واجتمعوا على قتال الفرنج فانهزم الفرنج ودخلوا الحصن فاعتصموا به فأرسل المسلمون يطلبون غياث الدين وهو بمدينة قونية فسار إليهم مجدًا في طائفة من عسكره فوصلها ثاني شعبان وتقرر الحال بينه وبين الروم وتسلم المدينة ثالثة وحصر الحصن الذي فيه الفرنج وتسلمه وقتل كل من كان به من الفرنج‏.‏

ذكر عزل ولد بكتمر صاحب خلاط وملك بلبان

ومسير صاحب ماردين إلى خلاط وعوده و في هذه السنة قبض عسكر خلاط على صاحبها ولد بكتمر وملكها بلبان مملوك شاه أرمن بن سكمان وكتب أهل خلاط إلى ناصر الدين أرتق ابن إيلغازي بن البي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق يستدعونه إليها‏.‏

وسبب ذلك أن ولد بكتمر كان صبيًا جاهلًا فقبض على الأمير شجاع الدين قتلغ مملوك من مماليك شاه أرمن وهو كان أتابكه ومدبر بلاده وكان حسن السيرة مع الجند والرعية فلما قتله اختلفت الكلمة عليه من الجند والعامة واشتغل هو باللهو واللعب وإدمان الشرب فكاتب جماعة من عامة خلاط وجماعة من جند ناصر الدين صاحب ماردين يستدعونه إليهم وإنما كاتبوه دون غيره من الملوك لأن أباه قطب الدين إيلغازي كان ابن أخت شاه أرمن بن سكمان وكان شاه أرمن قد حلف له الناس في حياته لأنه لم يكن له ولد فلما تجددت بعده هذه الحادثة تذاكروا تلك الأيمان وقالوا‏:‏ نستدعيه ونملكه فإنه من أهل بيت شاه أرمن فكاتبوه وطلبوه إليهم‏.‏

ثم إن بعض مماليك شاه أرمن اسمه بلبان وكان قد جاهر ولد بكتمر بالعداوة والعصيان سار من خلاط إلى ملازكرد وملكها واجتمع الأجناد عليه وكثر جمعه وسار إلى خلاط فحصرها واتفق وصول صاحب ماردين إليها وهو يظن أن أحدًا لا يمتنع عليه خلاط قد اتهموني بالميل إليك وهم ينفرون من العرب والرأي أنك ترحل عائدًا مرحلة واحدة وتقيم فإذا تسلمت البلد سلمته إليك لأنني لا يمكنني أن أملكه أنا‏.‏

ففعل صاحب ماردين ذلك فلما أبعد عن خلاط أرسل إليه يقول له‏:‏ تعود إلى بلدك وإلا جئت إليك وأوقعت بك وبمن معك‏.‏

وكان في قلة من الجيش فعاد إلى ماردين‏.‏ وكان الملك الأشرف موسى بن العادل أبي بكر بن أيوب صاحب حران وديار الجزيرة قد أرسل إلى صاحب ماردين لما سمع أنه يريد قصد خلاط يقول له‏:‏ إن سرت إلى خلاط قصدت بلدك وإنما خاف أن يملك خلاط فيقوى عليهم فلما سار إلى خلاط جمع الأشرف العساكر وسار إلى ولاية ماردين فأخذ دخلها وأقام بدنيسر يجبي الأموال إليه فلما فرغ منه عاد إلى حران فكان مثل صاحب ماردين كما قيل‏:‏ خرجت النعامة تطلب قرنين فعادت بلا أذنين‏.‏

وأما بلبان فإنه جمع العسكر وحشد وحصر خلاط وضيق على أهلها وبها ولد بكتمر فجمع من عنده بالبلد من الأجناد والعامة و خرج إليه فالتقوا فانهزم بلبان ومن معه من بين يديه وعاد إلى الذي بيده من البلاد وهو‏:‏ ملازكرد وأرجيش وغيرهما من الحصون وجمع العساكر واستكثر منها وعاود حصار خلاط وضيق على أهلها فاضطرهم إلى خذلان ولد بكتمر لصغره وجهله بالملك واستغاله بلهوه ولعبه ثم قبضوا عليه في القلعة وأرسلوا إلى بلبان وحلفوه على ما أرادوا سلموا إليه البلد وابن بكتمر واستولى على جميع أعمال خلاط وسجن ابن بكتمر في قلعة هناك و استقر ملكه فسبحان من إذا أراد أمرًا هيأ أسبابه بالأمس يقصدها شمس الدين محمد البهلوان وصلاح الدين يوسف بن أيوب فلم يقدر أحدهما عليها والآن يظهر ثم إن نجم الدين أيوب بن العادل صاحب ميافارقين سار نحو ولاية خلاط وكان قد استولى على عدة حصون من أعمالها منها‏:‏ حصن موسى ومدينته فلما قارب خلاط أظهر له بلبان العجز عن مقابلته فطمع وأوغل في القرب فأخذ عليه بلبان الطريق وقاتله فهزمه ولم يفلت من أصحابه إلا القليل وهم جرحى وعاد إلى ميافارقين‏.‏

ذكر ملك الكرج مدينة قرس وموت ملك الكرج

في هذه السنة ملك الكرج حصن قرس من أعمال خلاط وكانوا قد حصروه مدة طويلة وضيقوا على من فيه وأخذوا دخل الولاية عدة سنين وكل من يتولى خلاط لا ينجدهم ولا يسعى في راحة تصل إليهم‏.‏

وكان الوالي بها يواصل رسله في طلب النجدة وإزاحة من عليه من الكرج فلا يجاب له دعاء فلما طال الأمر عليه ورأى أن لا ناصر له صالح الكرج على تسليم القلعة على مال كثير وإقطاع يأخذه منهم وصارت دار شرك بعد أن كانت دار توحيد فإنا لله وإنا إليه راجعون ونسأل الله أن يسهل للإسلام وأهله نصرًا من عنده فإن ملومك زماننا قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم

ثم إن الله تعالى نظر إلى قلة ناصر الإسلام فتولاه هو فأمات ملكة الكرج واختلفوا فيما بينهم وكفى الله شرهم إلى آخر السنة‏.‏

ذكر الحرب بين عسكر الخليفة وصاحب لرستان

في هذه السنة في رمضان سار عسكر الخليفة من خوزستان مع مملوكه سنجر وهو كان المتولي لتلك الأعمال وليها بعد موت طاشتكين أمير الحاج لأنه زوج ابنة طاشتكين إلى جبال لرستان وصاحبها يعرف بأبي طاهر وهي جبال منيعة بني فارس وأصبهان وخوزستان فقاتلوا أهلها وعادوا منهزمين‏.‏

وسبب ذلك أن مملوكًا للخليفة الناصر لدين الله اسمه قشتمر من أكاب مماليكه كان قد فارق الخدمة لتقصير رآه من الوزير نصير الدين العلوي الرازي واجتاز بخوزستان وأخذ منها ما أمكنه ولحق بأبي طاهر صاحب لرستان فأكرمه وعظمه وزوجه ابنته ثم توفي أبو طاهر فقوي أمر قشتمر وأطاعه أهل تلك الولاية‏.‏

فأمر سنجر بجمع العساكر وقصده وقتاله ففعل سنجر ما أمر به وجمع العساكر وسار إليه

فأرسل قشتمر يعتذر ويسأل أن لا يقصد ولا يخرج عن العبودية فلم يقبل عذره فجمع أهل تلك الأعمال ونزل إلى العسكر فلقيهم فهزمهم وأرسل إلى صاحب فارس بن دكلا وشمس الدين إيدغمش صاحب أصبهان وهمذان والري يعرفهما الحال ويقول‏:‏ إنني لا قوة لي بعسكر الخليفة وربما أضيف إليهم عساكر أخرى من بغداد وعادوا إلى حربي وحينئذ لا أقدر بهم وطلب منهما النجدة وخوفهما من عسكر الخليفة إن ملك تلك الجبال فأجاباه إلى ما طلب فقوي جنانه واستمر على حاله‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة قتل صبي صبيًا آخر ببغداد وكانا يتعاشران وعمر كل واحد منهما يقارب عشرين سنة فقال أحدهما للآخر‏:‏ الساعة أضربك بهذه السكين يمازحه بذلك وأهوى نحوه بها فدخلت في جوفه فمات فهرب القاتل ثم أخذ وأمر به ليقتل فلما أرادوا قتله طلب دواة ورقعه بيضاء وكتب فيها من قوله‏:‏ قدمت على الكريم بغير زاد من الأعمال بالقلب السليم وسوء الظن أن تعتد زادًا إذا كان القدوم على كريم وفيها حج برهان الدين صدر جهان محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن مارة البخاري رأس الحنفية ببخارى وهو كان صاحبها على الحقيقة يؤدي الخراج إلى الخطا وينوب عنهم في البلد فلما حج لم تحمد سيرته في الطريق ولم يصنع معروفًا وكان قد أكرم ببغداد عند قدومه من بخارى فلما عاد لم يلتفت إليه لسوء سيرته مع الحاج وسماه الحجاج صدر جهنم‏.‏

وفيها في شوال مات شيخنا أبو الحرم مكي بن ريان بن شبة النحوي المقري بالموصل وكان عارفًا بالنحو واللغة والقراآت لم يكن في زمانه مثله وكان ضريرًا وكان يعرف سوى هذه العلوم من الفقه والحساب وغير ذلك معرفة حسنة وكان من خيار عباد الله وصالحيهم كثير التواضع لا يزال الناس يشتغلون عليه من بكرة إلى الليل‏.‏

وفيها فارق أمير الحاج مظفر الدين سنقر مملوك الخليفة المعروف بوجه السبع الحاج بموضع يقال له المرجوم ومضى في طائفة من أصحابه إلى الشام وسار الحاج ومعهم الجند فوصولا سالمين ووصل هو إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب فأقطعه إقطاعًا كثيرًا بمصر وأقام عنده إلى أن عاد إلى بغداد سنة ثمان وستمائة في جمادى الأولى فإنه لما قبض الوزير أمن على نفسه وأرسل يطلب العود فأجيب إليه فلما وصل أكرمه الخليفة وأقطعه الكوفة‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة توفي أبو الفضل عبد المنعم بن عبد العزيز الإسكندراني المعروف بابن النطروني في مارستان بغداد وكان قد مضى إلى المايورقي في رسالة بإفريقية فحصل له منه عشرة آلاف دينار مغربية فرقها جميعها في بلده على معارفه وأصدقائه وكان فاضلًا خيرًا نعم الرجل رحمه الله وله شعر حسن وكان قيمًا بعلم الأدب وأقام بالموصل مدة واشتغل على الشيخ أبي الحرم واجتمعت به كثيرًا عنده‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وستمائة

ذكر ملك خوارزم شاه ما وراء النهر وما كان بخراسان من الفتن وإصلاحها ‏

في هذه السنة عبر علاء الدين محمد بن خوارزم شاه نهر جيحون لقتال الخطا. وسبب ذلك أن الخطا كانوا قد طالت أيامهم ببلاد تركستان وما وراء النهر وثقلت وطأتهم على أهلها ولهم في كل مدينة نائب يجبوسبب ذلك أن الخطا كانوا قد طالت أيامهم ببلاد تركستان وما وراء النهر وثقلت وطأتهم على أهلها ولهم في كل مدينة نائب يجبي إليهم الأموال وهم يسكنون الخركاهات على عادتهم قبل أن يملكوا وكان مقامهم بنواحي أوزكند وبلاساغون وكاشغر وتلك النواحي فاتفق أن سلطان سمرقند وبخارى ويلقب خان خانان يعني سلطان السلاطين وهو من أولاد الخانية عريق النسب في الإسلام والملك أنف وضجر من تحكم الكفار على المسلمين فارسل إلى خوارزم شاه يقول له‏:‏ إن الله عز وجل قد أوجب عليك بما أعطاك من سعة الملك وكثرة الجنود أن تستنقذ المسلمين وبلادهم من أيدي الكفار وتخلصهم مما يجري عليهم من التحكم في الأموال والأبشار ونحن نتفق معك على محاربة الخطا ونحمل إليك ما نحمله إليهم ونذكر اسمك في الخطبة وعلى السكة فأجابه إلى ذلك وقال‏:‏ أخاف أنكم لا تفون لي‏.فسير إليه صاحب سمرقند وجوه أهل بخار وسمرقند بعد أن حلفوا صاحبهم على الوفاء بما تضمنه وضمنوا عنه الصدق والثبات على ما بذل وجعلوا عنده رهائن فشرع في إصلاح أمر خراسان وتقرير قواعدها فولى أخاه علي شاه طبرستان مضافة إلى جرجان وأمره بالحفظ والاحتياط وولى الأمير كزلك خان وهو من أقارب أمه وأعبان دولته بنيسابور وجعل معه عسكرًا وولى الأمير جلدك مدينة الخام وولى الأمير أمين الدين أبا بكر مدينة زوزن‏.‏

وكان أمين الدين هذا حمالًا ثم صار أكبر الأمراء وهو الذي ملك كرمان على ما نذكره إن شاء الله تعالى وأقر الأمير الحسين على هراة وجعل معه فيها ألف فارس من الخوارزمية وصالح غياث الدين محمودًا على ما بيده من بلاد الغور وكرمسير واستناب في مرو وسرخس وغيرهما من خراسان نوابًا وأمرهم بحسن السياسة والحفظ والاحتياط وجمع عساكره جميعها وسار إلى خوارزم وتجهز منها وعبر جيحون واجتمع بسلطان سمرقند وسمع الخطا فحشدوا وجمعوا وجاؤوا إليه فجرى بينهم وقعات كثيرة ومغاورات فتارة له وتارة عليه‏.‏

ذكر قتل ابن خرميل وحصر هراة

ثم إن ابن خرميل صاحب هراة رأى سوء معاملة عسكر خوارزم شاه للرعية وتعديهم إلى الأموال فقبض عليهم وحبسهم وبعث رسولًا إلى خوارزم شاه يعتذر ويعرفه ما صنعوا فعظم عليه ولم يمكنه محاقته لاشتغاله بقتال الخطا فكتب إليه يستحسن فعله ويأمره بإنفاذ الجند الذين قبض عليهم لحاجتاه إليهم وقال له‏:‏ إنني قد أمرت عز الدين جلدك بن طغرل صاحب الخام أن يكون عندك لما أعلمه من عقله وحسن سيرته وأرسل إلى جلدك يأمره بالمسير إلى هراة وأمر إليه أن يحتال في القبض على حسين بن خرميل ولو أول ساعة يلقاه‏.‏

فسار جلدك في ألفي فارس وكان أبوه طغرل أيام السلطان سنجر واليًا بهراة فهوى إليها بالأشواق يختارها على جميع خراسان فلما قارب هراة أمر ابن خرميل الناس بالخروج لتلقيه وكان للحسين وزير يعرف بخواجه الصاحب وكان كبيًا قد حنكته التجارب فقال لابن خرميل‏:‏ لا تخرج إلى لقائه ودعه يدخل إليك منفردًا فإنني أخاف أن يغدر بك وأن يكون خوارزم شاه أمر بذلك‏.‏

فقال‏:‏ لا يجوز أن يقدم مثل هذا الأمير ولا ألتقيه وأخاف أن يضطغن ذلك علي خوارزم شاه وما أظنه يتجاسر علي‏.‏

فخرج إليه الحسين بن خرميل فلما بصر كل واحد منهما بصاحبه ترجل للالتقاء وكان جلدك قد أمر أصحابه بالقبض عليه فاختلطوا بهما وحالوا بين ابن خرميل وأصحابه وقبضوا عليه فانهزم أصحابه ودخلوا المدينة وأخبروا الوزير بالحال فأمر بإغلاق الباب والطوع إلى الأسوار واستعد للحصار ونزل جلدك على البلد وأرسل إلى الوزير يتهدده إن لم يسلم البلد بقتل ابن خرميل فنادى الوزير بشعار غياث الدين محمود الغوري وقال لجلدك‏:‏ لا أسلم البلد إليك ولا إلى الغادر ابن خرميل وإنما هو لغياث الدين ولأبيه قبله‏.‏

فقدموا ابن خرميل إلى السور فخاطب الوزير وأمره بالتسليم فلم يفعل فقتل ابن خرميل وهذه عاقبة الغدر فقد تقدم من أخباره عند شهاب الدين الغوري ما يدل على غدره وكفرانه الإحسان ممن أحسن إليه‏.‏

فلما قتل ابن خرميل كتب جلدك إلى خوارزم شاه بجلية الحال فأنفذ خوارزم شاه إلى كزلك خان والي نيسابور وإلى أمين الدين أبي بكر صاحب زوزن يأمرهم بالمسير إلى هراة وحصارها وأخذها فسارا في عشرة آلاف فارس فنزلوا على هراة وراسلوا الوزير بالتسليم فلم يلتفت إليهم وقال‏:‏ ليس لكم من المحل ما يسلم إليكم مثل هراة لكن إذا وصل السلطان خوارزم شاه سلمتها إليه‏.‏

فقاتلوه وجدوا في قتاله فلم يقدروا عليه‏.‏

وكان ابن خرميل قد حصن هراة وعمل لها أربعة أسوار محكمة وحفر خندقها وشحنها بالميرة فلما فرغ من كل ما أراد قال‏:‏ بقيت أخاف على هذه المدينة شيئًا واحدًا وهو أن تسكر المياه التي لها أيامًا كثيرة ثم ترسل دفعة واحدة فتخرق أسوارها‏.‏

فلما حصرها هؤلاء سمعوا قول ابن خرميل فسكروا المياه حتى اجتمعت كثيرًا ثم أطلقوها على هراة فأحاطت بها ولم تصل إلى السور لأن أرض المدينة مرتفعة فامتلأ الخندق ماء وصار حولها وحلًا فانتقل العسكر عنهم ولم يمكنهم القتال لبعدهم عن المدينة فأقاموا مدة حتى نشف الماء فكان قول ابن خرميل من أحسن الحيل‏.‏

ونعود إلى قتال خوارزم شاه الخطا وأسره وأما خوارزم شاه فإنه دام القتال بينه وبين الخطا ففي بعض الأيام اقتتلوا واشتد القتال ودام بينهم ثم انهزم المسلمون هزيمة قبيحة وأسر كثير منهم وقتل كثير منهم وكان من جملة الأسرى خوارزم شاه وأسر معه أمير كبير يقال له فلان بن شهاب الدين مسعود أسرهما رجل واحد‏.‏

ووصلت العساكر الإسلامية إلى خوارزم ولم يروا السلطان معهم فأرسلت أخت كزلك خان صاحب نيسابور وهو يحاصر هراة وأعلمته الحال فلما أتاه الخبر سار عن هراة ليلًا إلى نيسابور وأحس به الأمير أمين الدين أبو بكر صاح زوزن فأراد هو ومن عنده من الأمراء منعه مخافة أن يجري بينهم حرب يطمع بسببها أهل هراة فيهم فيخرجون إليهم فيبلغون منهم ما يريدونه فأمسكوا عن معارضته‏.‏

وكان خوارزم شاه قد خرب سور نيسابور لما ملكها من الغورية فشرع كزلك خان يعمره وأدخل إليها الميرة واستكثر من الجند وعزم على الاستيلاء على خراسان إن صح فقد السلطان‏.‏

وبلغ خبر عدم السلطان إلى أخيه علي شاه وهو بطبرستان فدعا إلى نفسه وقطع خطبة أخيه واستعد لطلب السلطنة واختلطت خراسان اختلاطًا عظيمًا‏.‏

وأما السلطان خوارزم شاه فإنه لما أسر قال له ابن شهاب الدين مسعود‏:‏ يجب أن تذع السلطنة في هذه الأيام وتصير خادمًا لعلي أحتال في خلاصك فشرع يخدم ابن مسعود ويقدم له الطعام ويخلعه ثيابه وخفه ويعظمه فقال الرجل الذي أسرهما لابن مسعود‏:‏ أرى هذا الرجل يعظمك فمن أنت فقال‏:‏ أنا فلان وهذا غلامي فقام إليه وأكرمه وقال‏:‏ ولولا أن القوم عرفوا بمكانك عندي لأطلقتك ثم تركته أيامًا فقال له ابن مسعود‏:‏ إني أخاف أن يرجع المنهزمون فلا يراني أهلي معهم فيظنون أني قتلت فيعملون العزاء والمأتم وتضيق صدورهم لذلك ثم يقتسمون مالي فأهلك وأحب أن تقرر علي شيئًا من المال حتى أحمله إليك فقرر عليه مالًا وقال له‏:‏ أريد أن تأمر رجلًا عاقلًا يذهب بكتابي إلى أهلي ويخبرهم بعاقبتي ويحضر معه من يحمل المال‏.‏

ثم قال‏:‏ إن أصحابكم لا يعرفون أهلنا ولكن هذا غلامي أثق به ويصدقه أهلي فأذن له الخطائي بإنفاذه فسيره وأرسل معه الخطائي فرسًا وعدة من الفرسان يحمونه فساروا حتى قاربوا خوارزم وعاد الفرسان عن خوارزم شاه ووصل خوارزم شاه إلى خوارزم فاستبشر به الناس وضربت البشائر وزينوا البلد وأتته الأخبار بما صنع كزلك بنيسابور وبما صنع أخوه علي شاه بطبرستان‏.‏

ذكر ما فعله خوارزم شاه بخراسان

لما وصل خوارزم شاه إلى خوارزم أتته الأخبار بما فعله كزلك خان وأخوه علي شاه وغيرهما فسار إلى خراسان وتبعته العساكر فتقطعت ووصل هو إليها في اليوم السادس ومعه ستة فرسان وبلغ كزلك خان وصوله فأخذ أمواله وعساكره وهرب نحو العراق وبلغ أخاه علي شاه فخافه وسار على طريق قهستان ملتجئًا إلى غياث الدين محمود الغوري صاحب فيروزكوه فتلقاه وأكرمه وأنزله عنده‏.‏

أما خوارزم شاه فإنه دخل نيسابور وأصلح أمرها وجعل فيها نائبًا وسار إلى هراة فنزل عليها مع عسكره الذين يحاصرونه وأحسن إلى أولئك الأمراء ووثق بهم لأنهم صبروا على امتثال أمره في تلك الحال ولم يتغيروا ولم يبلغوا من هراة غرضًا بحسن تدبير ذلك الوزير فأرسل خوارزم شاه إلى الوزير يقول له‏:‏ إنك وعدت عسكري أنك تسلم المدينة إذا حضرت وقد حضرت فسلم‏.‏

فقال‏:‏ لا أفعل لأني أعرف أنكم غدارون لا تبقون على أحد ولا أسلم البلد إلا إلى غياث الدين محمود‏.‏

فغضب خوارزم شاه من ذلك وزحف إليه بعسكره فلم يكن فيه حيلة فاتفق جماعة من أهل هراة وقالوا‏:‏ هلك الناس من الجوع والقلة وقد تعطلت علينا معايشنا وقد مضى سنة وشهر وكان الوزير يعد بتسليم البلد إلى خوارزم شاه إذا وصل إليه وقد حضر خوارزم شاه ولم يسلم ويجب أن نحتال في تسليم البلد والخلاص من هذه الشدة التي نحن فيها‏.‏

فانتهى ذلك إلى الوزير فبعث إليهم جماعة من عسكره وأمرهم بالقبض عليهم فمضى الجند إليهم فثارت فتنة في البلد عظم خطبها فاحتاج الوزير إلى تداركها بنفسه فمضى لذلك فكتب من البلد إلى خوارزم شاه بالخبر وزحف إلى البلد وأهله مختلطون فخربوا برجين من السور ودخلوا البلد فملكوه وقبضوا على الوزير فقتله خوارزم شاه وملك البلد وذلك سنة خمس وستمائة وأصلح حاله وسلمه إلى خاله أمير ملك وهو من أعيان أمرائه فلم يزل بيده حتى هلك خوارزم شاه‏.‏

وأما ابن شهاب الدين مسعود فإنه أقام عند الخطا مديدة فقال له الذي استأسره يومًا‏:‏ إن خوارزم شاه قد عدم فإيش عندك من خبره فقال له‏:‏ أما تعرفه قال‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ هو أسيرك الذي كان عندك‏.‏

فقال‏:‏ لم لم تعرفني حتى كنت أخدمه وأسير بين يديه إلى مملكته قال‏:‏ خفتكم عيه فقال الخطائي‏:‏ سر بنا إليه فسار إليه فأكرمهما وأحسن إليهما وبالغ في ذلك‏.‏

ذكر قتل غياث الدين محمود

لا سلم خوارزم شاه هراة إلى خاله أمير ملك وسار إلى خوارزم أمره أن يقصد غياث الدين محمود بن غياث الدين محمد بن سام الغوري صاحب الغور وفيروزكوه وأن يقبض عليه وعلى أخيه علي شاه بن خوارزم شاه ويأخذ فيروزكوه من غياث الدين‏.‏

فسار أمير ملك إلى فيروزكوه وبلغ ذلك إلى محمود فأرسل يبذل الطاعة ويطلب الأمان فأعطاه ذلك فنزل إليه محمود فقبض عليه أمير ملك وعلى علي شاه أخي خوارزم شاه فسألاه أن يحملهما إلى خوارزم شاه ليرى فيهما رأيه فأرسل إلى خوارزم شاه يعرفه الخبر فأمره بقتلهما فقتلا في يوم واحد واستقامت خراسان كلها لخوارزم شاه وذلك سنة خمس وستمائة أيضًا‏.‏

وغياث الدين هذا هو آخر ملوك الغورية وقد كانت دولتهم من أحسن الدول سيرة وأعدلها وأكثرها جهادًا وكان محمود هذا عادلًا حليمًا كريمًا من أحسن الملوك سيرة وأكرمهم أخلاقًا رحمه الله تعالى‏.‏

ذكر عود خوارزم شاه إلى الخطا

لما استقر أمر خراسان لخوارزم شاه وعبر نهر جيحون جمع له الخطا جمعًا عظيمًا وساروا إليه والمقدم عليهم شيخ دولتهم القائم مقام الملك فيهم المعروف بطاينكوه وكان عمره قد جاوز مائة سنة ولقي حروبًا كثيرة وكان مظفرًا حسن التدبير والعقل واجتمع خوارزم شاه وصاحب سمرقند وتصافوا هم والخطا سنة ست وستمائة فجرت حروب لم يكن مثلها شدة وصبرًا فانهزم الخطا هزيمة منكرة وقتل منه وأسر خلق لا يحصى‏.‏

وكان فيمن أسر طاينكوه مقدمهم وجيء به إلى خوارزم شاه فأكرمه وأجلسه على سريرنه وسيره إلى خوارزم ثم قصد خوارزم شاه إلى بلاد ما وراء النهر فملكها مدينة مدينة وناحية ناحية حتى بلغ إلى مدينة أوزكند وجعل نوابه فيها وعاد إلى خوارزم ومعه سلطان سمرقند وكان من أحسن الناس صورة فكان أهل خوارزم يجتمعون حتى ينظروا إليه فزوجه خوارزم شاه بابنته ورده إلى سمرقند وبعث معه شحنة يكون بسمرقند على ما كان رسم الخطا‏.‏

ذكر غدر صاحب سمرقند بالخوارزميين

لما عاد صاحب سمرقند إليها ومعه شحنة لخوارزم شاه أقام معه نحو سنة فرأى من سوء سيرة الخوارزميين وقبح معاملتهم ما ندم معه على مفارقة الخطا فأرسل إلى ملك الخطا يدعوه إلى سمرقند ليسلمها إليه ويعود إلى طاعته وأمر بقتل كل من في سمرقند من الخوارزمية ممن سكنها قديمًا وحديثًا وأخذ أصحاب خوارزم شاه فكان يجعل الرجل منهم قطعتين ويعلقهم في الأسواق كمنا يعلق القصاب اللحم وأساء غاية الإساءة ومضى إلى القلعة ليقتل زوجته ابنة خوارزم شاه فأغلقت الأبواب ووقفت بجواريها تمنعه وأرسلت إليه تقول‏:‏ أنا امرأة وقتل مثلي قبيح ولم يكن مني إليك ما استوجب به هذا منك ولعل تركي أحمد عاقبة فاتق الله في‏!‏ فتركها وكل بها من يمنعها التصرف في نفسها‏.‏

ووصل الخبر إلى خوارزم شاه فقامت قيامته وغضب غضبًا شديدًا وأمر بقتل كل من بخوارزم من الغرباء فمنعته أمه عن ذلك وقالت‏:‏ إن هذا البلد قد أتاه الناس من أقطار الأرض ولم يرض كلهم بما كان من هذا الرجل فأمر بقتل أهل سمرقند فنهته أمه فانتهى وأمر عساكره بالتجهيز إلى ما وراء النهر وسيرهم أرسالًا كلما تجهز جماعة عبروا جيحون فعبر منهم خلق كثير لا يحصى ثم عبر هو بنفسه في آخرهم ونزل على سمرقند وأنفذ إلى صاحبها يقول له‏:‏ قد فعلت ما لم يفعله مسلم واستحللت من دماء المسلمين ما لا يفعله عاقل لا مسلم ولا كافر وقد عفا الله عما سلف فأخرج من البلاد وامض حيث شئت فقال‏:‏ لا أخرج وافعل ما بدا لك‏.‏

فأمر عساكره بالزحف فأشار عليه بعض من معه بأن يأمر بعض الأمراء إذا فتحوا البلد أن يقصدوا الدرب الذي يسكنه التجار فيمنع من نهبه والتطرق إليهم بسوء فإنهم غرباء وكلهم كارهون لهذا الفعل‏.‏

فأمر بعض الأمراء بذلك وزحف ونصب السلاليم على السور فلم يكن بأسرع من أن أخذوا البلد وأذن لعسكره بالنهب وقتل من يجدونه من أهل سمرقند فنهب البلد وقتل أهله ثلاثة أيام فيقال إنهم قتلوا منهم مائتي ألف إنسان وسلم ذلك الدرب الذي فيه الغرباء فلم يعدم منهم الفرد ولا الآدمي الواحد‏.‏

ثم أمر بالكف عن النب والقتل ثم زحف إلى القلعة فرأى صاحبها ما ملأ قلبه هيبة وخوفًا فأرسل يطلب الأمان فقال‏:‏ لا أمان لك عندي فزحفوا عليها‏.‏

فملكوها وأسروا صاحبها وأحضروه عند خوارزم شاه فقبل الأرض وطلب العفو فلم يعف عنه وأمر بقتله فقتل صبرًا وقتل معه جماعة من أقاربه ولم يترك أحدًا ممن ينسب إلى الخانية ورتب فيها وفي سائر البلاد نوابه ولم يبق أحد معه في البلاد حكم‏.‏