المجلد العاشر - ذكر مسير مظفر الدين صاحب إربل إلى الموصل وعوده عنها

في هذه السنة في جمادى الآخرة سار مظفر الدين بن زين الدين صاحب إربل إلى أعمال الموصل قاصدًا إليها‏.‏

وكان السبب في ذلك أنه استقرت القاعدة بينه وبين جلال الدين بن خوارزم شاه وبين الملك المعظم صاحب دمشق وبين صاحب آمد وبين ناصر الدين صاحب ماردين ليقصدوا البلاد التي بيد الأشرف ويتغلبوا عليها ويكون لكل منهم نصيب ذكره واستقرت القواعد بينهم على ذلك فبادر فظفر الدين إلى الموصل‏.‏

وأما جلال الدين فإنه سار من تفليس يريد خلاط فأتاه الخبر أن نائبه ببلاد كرمان واسمه بلاق حاجب قد عصى عليه على ما نذكره فلما أتاه الخبر بذلك ترك خلاط ولم يقصدها إلا أن عسكره نهب بعض بلدها وخرب كثيرًا منه وسار مجدًا إلى كرمان فانفسخ جميع ما كانوا عزموا عليه إلا أن مظفر الدين سار من إربل ونزل على جانب الزابن ولم يمكنه العبور إلى بلد الموصل‏.‏

وكان بدر الدين قد أرسل من الموصل إلى الأشرف وهو بالرقة يستنجده ويطلب منه أن يحضر بنفسه الموصل ليدفع مظفر الدين فسار منها إلى حران ومن حران إلى دنيسر فخرب بلد ماردين وأهله تخريبًا ونهبًا‏.‏

وأما المعظم صاحب دمشق فإنه قصد بلاد حمص وحماة وأرسل إلى أخيه الأشرف يقول‏:‏ إن رحلت عن ماردين وحلب وأنا عن حمص وحماة وأرسلت إلى مظفر الدين ليرجع عن بلد الموصل فرحل الأشرف عن ماردين وعاد كل منهم إلى بلده وخربت أعمال الموصل وأعمال ماردين بهذه الحركة فإنها كانت قد أجحف بها تتابع الغلاء وطول مدته وجلاء أكثر أهلها فأتتها هذه الحادثة فازدادت خرابًا على خراب‏.‏

ذكر عصيان كرمان على جلال الدين

في هذه السنة في جمادى الآخرة وصل الخبر إلى جلال الدين أن نائبه بكرمان وهو أمير كبير اسمه بلاق حاجب قد عصى عليه وطمع في البلاد أن يتملكها ويستبد بها لبعد جلال الين عنها واشتغاله بما ذكرناه من الكرج وغيرهم وأنه أرسل إلى التتر يعرفهم قوة جلال الدين وملكه كثيرًا من البلاد وإن أخذ الباقي عظمت مملكته وكثرت عساكره وأخذ ما بأيديكم من البلاد‏.‏

فلما سمع جلال الدين ذلك كان قد سار يريد خلاط فتركها وسار إلى كرمان يطوي المراحل وأرسل بين يديه رسولًا إلى صاحب كرمان ومعه الخلع ليطمئن ويأتيه وهو غير محتاط ولا مستعد للامتناع منه فلما وصل الرسول علم أن ذلك مكيدة عليه لما يعرفه من عادته فأخذ ما يعز عليه وصعد إلى قلعة منيعة فتحصن بها وجعل من يثق به من أصحابه في الحصون يمتنعون بها وأسل إلى جلال الدين يقول‏:‏ إنني أنا العبد والمملوك ولما سمعت بمسيرك إلى هذه البلاد أخليتها لك لأنها بلادك ولو علمت أنك تبقي علي لحضرت بابك ولكني أخاف هذا جميعه والرسول يحلف له أن جلال الدين بتفليس وهو لا يلتفت إلى قوله فعاد الرسول فعلم جلال الدين أنه لا يمكنه أخذ ما بيده من الحصون لأنه يحتاج أن يحصرها مدة طويلة فوقف بالقرب من أصفهان وأرسل إليه الخلع وأقره على ولايته‏.‏

فبينما الرسل تتردد إذ وصل رسول من وزير جلال الدين إليه من تفليس يعرفه أن عسكر الملك الأشرف الذي بخلاط قد هزموا بعض عسكره وأوقعوا بهم ويحثه على العود إلى تفليس فعاد إليهم مسرعًا‏.‏

ذكر الحب بين عسكر الأشرف وعسكر جلال الدين

لما سار جلال الدين إلى كرمان ترك بمدينة تفليس عسكرًا مع وزيره شرف الملك فقلت عليهم الميرة فساروا إلى أعمال أرزن الروم فوصلوا إليها ونهبوها وسبوا النساء وأخذوا من الغنائم شيئًا كثيرًا لا يحصى وعادوا فكان طريقهم على أطراف ولاية خلاط فسمع النائب عن الأشرف بخلاط وهو الحاجب حسام الدين علي الموصل فجمع العسكر وسار إليهم فأوقع بهم واستنقذ ما معهم من الغنائم وغنم كثيرًا مما معهم وعاد هو وعساكره سالمين‏.‏

فلما فعل ذلك خاف وزير جلال الدين منهم فأرسل إلى صاحبه بكرمان يعرفه الحال ويحثه على العود إليه ويخوفه عاقبة التواني والإهمال فرجع فكان ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر وفاة الخليفة الظاهر بأمر الله

في هذه السنة في الرابع عشر من رجب توفي الإمام الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله وقد تقدم نسبه عند وفاة أبيه ـ ـ رضي الله عنه ـما ـ فكانت خلافته تسعة أشهر وأربعة وعشرين يومًا وكان نعم الخليفة جمع الخشوع مع الخضوع لربه والعدل والإحسان إلى رعيته وقد تقدم عند ذكر ولايته الخلافة من أفعاله ما فيه كفاية ولم يزل كل يوم يزداد من الخير والإحسان إلى الرعية فـ ـ رضي الله عنه ـ وأرضاه وأحسن منقلبه ومثواه فلقد جدد من العدل ما كان دارسًا وأذكر من الإحسان ما كان منسيًا‏.‏

وكان قبل وفاته أخرج توقيعًا إلى الوزير بخطه ليقرأه على أرباب الدولة وقال الرسول‏:‏ أمير المؤمنين يقول‏:‏ ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم أو نفذ مناك ثم لا يبين له أثر بل أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال فقرأوه فإذا في أوله بعد البسملة‏:‏ اعلموا أنه ليس إمهالنا إهمالًا ولا إغضاؤنا إغفالًا ولكن لنبلوكم أيكم أحسن عملًا وقد عفونا لكم ما سلف من إخراب البلاد وتشريد الرعايا وتقبيح السمعة وإظهار الباطل الجلي في صورة الحق الخفي حيلة ومكيدة وتسمية الاستئصال والاجتياح استيفاء واستدراكًا لأغراض انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسل وأنياب أسد مهيب تتفقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد وأنتم أمناؤه وثقاته فتميلون رأيه إلى هواكم وتمرجون باطلكم بحقه فيطيعكم وأنتم له عاصون ويوافقكم وأنتم له مخالفون والآن قد بدل الله سبحانه بخوفكم أمنًا وبفقركم غنى وبباطلكم حقًا ورزقكم سلطانًا يقيل العثرة ويقبل المعذرة ولا يؤاخذ إلا من أصر ولا ينتقم إلا ممن استمر يأمركم بالعدل وهو يريده منكم وينهاكم عن الجور وهو يكرهه لكم يخاف الله تعالى فيخوفكم مكره ويرجوا الله تعالى ويرغبكم في طاعته فإن سلكتم مسالك خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه وإلا هلكتم والسلام‏.‏

ولما توفي وجدوا في بيت في داره ألوف رقاع كلها مختومة لم يفتحها فقيل له ليفتحها فقال‏:‏ لا حاجة لنا فيها كلها سعايات‏.‏

ولم أزل علم الله سبحانه مذ ولي الخلافة أخاف عليه قصر المدة لخبث الزمان وفساد أهله وأقول لكثير من أصدقائنا‏:‏ وما أخوفني أن تقصر مدة خلافته لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته فكان كذلك‏.‏

ذكر خلافة ابنه المستنصر بالله


لما توفي الظاهر بأمر الله بويع بالخلافة ابنه الأكبر أبو جعفر المنصور ولقب المستنصر بالله وسلك في الخير والإحسان إلى الناس سيرة أبيه ـ رضي الله عنه ـ وأمر فنودي ببغداد بإفاضة العدل وإن من كان له حاجة أو مظلمة يطالع بها تقضى حاجته وتكشف مظلمته‏.‏

فلما كان أول جمعة أتت على خلافته أراد أن يصلي الجمعة في المقصورة التي كان يصلي فيها الخلفاء فقيل له إن المطبق الذي يسلك يه إليها خراب لا يمكن سلوكه فركب فرسًا وسار إلى الجامع جامع القصر ظاهرًا يراه الناس بقميص أبيض وعمامة بيضاء بسكاكين حرير ولم يترك أحدًا يمشي معه بل أمر كل من أراد أن يمشي معه من أصحابه بالصلاة في الموضع الذي كان يصلي فيه وسار هو ومعه خادمان وركابدار لا غير وكذلك الجمعة الثانية حتى أصلح له المطبق‏.‏

وكان السعر قد تحرك بعد وفاة الظاهر بأمر الله ـ رضي الله عنه ـ فبلغت الكارة ثمانية عشر قيراطًا فأمر أن تباع الغلات التي له كل كارة بثلاثة عشر قيراطًا فرخصت الأسعار واستقامت الأمور‏.‏

ذكر الحرب بين كيقباذ وصاحب آمد


في هذه السنة في شعبان سار علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو ابن قلج أرسلان ملك بلاد الروم إلى بلاد المللك المسعود صاحب آمد وملك عدة من حصونه‏.‏

وسبب ذلك ما ذكرناه من اتفاق صاحب آمد مع جلال الدين بن خوارزم شاه والملك المعظم صاحب دمشق وغيرهما على خلاف الأشرف فلما رأى الأشرف ذلك أرسل إلى كيقباذ ملك الروم وكانا متفقين يطلب منه أن يقصد بلد صاحب آمد ويحاربه وكان الأشرف حينئذ على ماردين فسار ملك الروم إلى ملطية وهي له فنزل عندها وسير العساكر إلى ولاية صاحب آمد ففتحوا حصن منصور وحصن سمكاراد وغيرهما فلما رآى صاحب آمد ذلك راسل الأشرف وعاد إلى موافقته فأرسل الأشرف إلى كيقباذ يعرفه ذلك ويقول له ليعيد إلى صاحب آمد ما أخذ منه فلم يفعل وقال‏:‏ لم أكن نائبًا للأشرف يأمرني وينهاني‏.‏

فاتفق أن الأشرف سار إلى دمشق ليصلح أخاه الملك المعظم وأمر العساكر التي له بديار الجزيرة بمساعدة صاحب آمد إن أصر ملك الروم على قصده فسارت عساكر الأشرف إلى صاحب آمد وقد جمع عسكره ومن ببلاده ممن يصلح للحرب وسار إلى عسكر ملك الروم وهم يحاصرون قلعة الكختا بعد الهزيمة وهي من أمنع الحصون والمعاقل فلما ملكوها عادوا إلى صاحبها‏.‏

ذكر حصر جلال الدين مدينتي آني وقرس

في هذه السنة في رمضان عاد جلال الدين من كرمان كما ذكرناه إلى تفليس وسار منها إلى مدينة آني وهي للكرج وبها إيواني مقدم عساكر الكرج فيمن بقي معه من أعيان الكرج فحصره وسير طائفة من العسكر إلى مدينة قرس وهي للكرج أيضًا وكلاهما من أحصن البلاد وأمنعها فنازلهما وحصرهما وقاتل من بهما ونصب عليهما المجانيق وجد في القتال عليهما وحفظهما الكرج وبالغوا في الحفظ والاحتياط لخوفهم منه أن يفعل بهم ما فعل بأشياعهم من قبل بمدينة تفليس وأقام عليهما إلى أن مضى بعض شوال ثم ترك العسكر عليهم يحصرونهم وعاد إلى تفليس‏.‏

وسار من تفليس مجدًا إلى بلاد ابخار وبقايا الكرج فأوقع بمن فيها فنهب وقتل وسبى وخرب البلاد وأحرقها وغنم عساكره ما فيها وعاد منها إلى تفليس‏.‏

ذكر حصر جلال الدين خلاط

قد ذكرنا أن جلال الدين عاد من مدينة آني إلى تفليس ودخل بلاد ابخاز وكان رحيله مكيدة لأنه بلغه أن النائب عن الملك الأشرف وهو الحاجب حسام الدين علي بمدينة خلاط قد احتاط واهتم بالأمر وحفظ البلد لقربه منه فعاد إلى تفليس ليطمئن أهل خلاط ويتكروا الاحتياط والاستظهار ثم يقصدهم بغتة فكانت غيبته ببلاد ابخاز عشرة أيام وعاد وسار مجدًا يطوي المراحل على عادته فلو لم يكن عنده من يراسل نواب الأشرف بالأخبار لفجأهم على حين غفلة منهم وإنما كان عنده بعض ثقاته يعرفهم أخباره وكتب إليهم فوصل الخبر إليهم قبل وصوله بيومين‏.‏

ووصل جلال الدين فنازل مدينة ملازكرد يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة ثم رحل عنها فنازل مدينة خلاط يوم الاثنين خامس عشر ذي القعدة فلم ينزل حتى زحف إليها وقاتل أهلها قتالًا شديدًا فوصل عسكره سور البلد وقتل بينهم قتل كثيرة ثم زحف إليها مرة ثانية وقاتل أهل البلد قتالًا عظيمًا فعظمت نكاية العسكر في أهل خلاط ووصلوا إلى سور البلد ودخلوا الربض الذي له ومدوا أيديهم في النهب وسبي الحريم‏.‏

فلما رأى أهل خلاط ذلك تذامروا وحرض بعضهم بعضًا فعادوا إلى العسكر فقاتلوهم فأخرجوهم من البلد وقتل بينهم خلق كثير وأسر العسكر الخوارزمي من أمراء خلاط جماعة وقتل منهم كثير وترجل الحاجب علي ووقف في نحر العدو وأبلى بلاء عظيمًا‏.‏

ثم إن جلال الدين استراح عدة أيام وعاود الزحف مثل أول يوم فقاتلوه حتى أبعدوا عسكره عن البلد‏.‏

وكان أهل خلاط مجدين في القتال حريصين على المنع عن أنفسهم لما رأوا من سوء سيرة الخوارزميين ونهبهم البلاد وما فيهم من الفساد فهم يقاتلون قتال من يمنع عن نفسه وحريمه وماله ثم أقام عليها إلى أن اشتد البرد ونزل شيء من الثلج فرحل عنها يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة من السنة وكان سبب رحيله مع خوف الثلج ما بلغه عن التركمان الإيوانية من الفساد ببلاده‏.‏

ذكر إيقاع جلال الدين بالتركمان الإيوانية

كان التركمان الإيوانية قد تغلبوا على مدينة أسنة وأرمية من نواحي أذربيجان وأخذوا الخراج من أهل خوي ليكفوا عنهم واغتروا باشتغال جلال الدين بالكرج وبعدهم بخلاط وازداد طمعهم وانبسطوا بأذربيجان ينهبون ويقطعون الطريق والأخبار تأتي إلى خوارزم شاه جلال الدين بن خوارزم شاه وهو يتغافل عنهم لاشتغاله بما هو المهم عنده وبلغ من طمعهم أنهم قطعوا الطريق بالقرب من تبريز وأخذوا من تجار أهلها شيئًا كثيرًا ومن جملة ذلك أنهم اشتروا غنمًا من أرزن الروم وقصدوا بها تبريز فلقيهم الإيوانية قبل وصولهم إلى تبريز فأخذوا جميع ما معهم ومن جملته عشرون ألف رأس غنم‏.‏

فلما اشتد ذلك على الناس وعظم الشر أرسلت زوجة جلال الدين ابنة السلطان طغرل ونوابه في البلاد إليه يستغيثون ويعرفونه أن البلاد قد خربها الإيوانية ولئن لم يلحقها وإلا هلكت فاتفق هذا إلى خوف الثلج فرحل عن خلاط وجد السير إلى الإيوانية وهم آمنون مطمئنون لعلمهم أن خوارزم شاه على خلاط وظنوا أنه لا يفارقها فلولا هذا الاعتقاد لصعدوا إلى جبال لهم منيعة شاقة لا يرتقى إليها إلا بمشقة وعناء فإنهم كانوا إذا خافوا صعدوا إليها وامتنعوا بها فلم يرعهم إلا والعساكر الجلالية قد أحاطت بهم وأخذهم السيف من كل جانب فأكثروا القتل فيهم والنهب والسبي واسترقوا الحريم والأولاد وأخذوا من عندهم ما لا يدخل تحت الحصر فرأوا كثيرًا من الأمتعة التي أخذوها من التجار بحالها في الشذوات هذا سوى ما كانوا قد حلوه وفصلوه فلما فرغ عاد إلى تبريز‏.‏

ذكر الصلح بين المعظم والأشراف نبتدئ

بذكر سبب الاختلاف فنقول‏:‏ لما توفي الملك العادل أبو بكر ابن أيوب اتفق أولاده الملوك بعده اتفاقًا حسنًا وهم‏:‏ الملك الكامل محمد صاحب مصر والملك المعظم عيسى صاحب دمشق والملك الأشرف موسى وهو صاحب ديار الجزيرة وخلط واجتمعت كلمتهم على دفع الفرنج عن الديار المصرية‏.‏

ولما رحل الكامل عن دمياط لما كان الفرنج يحصرونها صادفه أخوه المعظم من الغد وقويت نفسه وثبت قدمه ولولا ذلك لكان الأمر عظيمًا وقد ذكرنا ذلك مفصلًا ثم إنه عاد من مصر وسار إلى أخيه الأشرف ببلاد الجزيرة مرتين يستنجده على الفرنج ويحثه على مساعدة أخيهما الكامل ولم يزل به حتى أخذه وسار إلى مصر وأزالوا الفرنج ويحثه على مساعدة أخيهما الكامل ولم يزل به حتى أخذه وسار إلى مصر وأزالوا الفرنج عن الديار المصرية كما ذكرناه قبل فكان اتفاقهم على الفرنج سببًا لحفظ بلاد الإسلام وسر الناس أجمعون بذلك‏.‏

فلما فارق الفرنج مصر وعاد كل من الملوك أولاد العادل إلى بلده بقوا كذلك يسيرًا ثم سار الأشرف إلى أخيه الكامل بمصر فاجتاز بأخيه المعظم بدمشق فلم يستصحبه معه وأطال المقام بمصر فلا شك أن المعظم ساءه ذلك‏.‏

ثم إن المعظم سار إلى مدينة حماة وحصرها فأرسل إليه أخو من مصر ورحلاه عنها كارهًا فازداد نفورًا وقيل‏:‏ إنه نقل إليه عنهما أنهما اتفقا عليه والله أعلم بذلك‏.‏

ثم انضاف إلى ذلك أن الخليفة الناصر لدين الله ـ رضي الله عنه ـ كان قد استوحش من الكامل لما فعله ولده صاحب اليمن من الاستهانة بأمير الحاج العراقي فأعرض عنه وعن أخيه الأشرف لاتفاقهما وقاطعهما وراسل مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي صاحب إربل يعلمه بانحرافه عن الأشرف واستماله واتفقا على مراسلة المعظم وتعظيم الأمر عليه فمال إليهما

ثم اتفق ظهور جلال الدين وكثرة ملكه فاشتد الأمر على الأشرف بمجاورة جلال الدين خوارزم شاه ولاية خلاط ولأن المعظم بدمشق يمنع عنه عساكر مصر أن تصل إليه وكذلك عساكر حلب وغيرها من الشام فرأى الأشرف أن يسير إلى أخيه المعظم بدمشق فسار إليه في شوال واستماله وأصلحه فلما سمع الكامل بذلك عظم عليه ثم إنها راسلاه أعلماه بنزول جلال الدين على خلاط وعظما الأمر عليه وأعلماه أن هذه الحال تقتضي الاتفاق لعمارة البيت العادلي وانقضت السنة والأشرف بدمشق والناس عل مواضعهم ينتظرون خروج الشتاء ما يكون من الخوارزميين وسنذكر ما يكون سنة أربع وعشرين وستمائة إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر الفتنة بين الفرنج والأرمن

في هذه السنة جمع البرنس الفرنجي صاحب أنطاكية جموعًا كثيرة وقصد الأرمن الذين في الدروب بلاد ابن ليون فكان بينهم حرب شديد‏.‏

وسبب ذلك أن ابن ليون الأرمني صاحب الدروب توفي قبل ولم يخلف ولدًا ذكرًا إنما خلف بنتًا فملكها الأرمن عليهم ثم علموا أن الملك لا يقوم بامرأة فزوجوها من ولد البرنس فتزوجها وانتقل إلى بلدهم واستقر في الملك نحو سنة ثم ندموا على ذلك وخافوا أن يستولي الفرنج على بلادهم فثاروا بابن البرنس فقبضوا عليه وسجنوه فأرسل أبوه يطلب أن يطلق ويعاد في الملك فلم يفعلوا فأرسل إلى بابا ملك الفرنج برومية الكبرى يستأذنه في قصد بلادهم وملك رومية هذا أمره عند الفرنج لا يخالف فمنعه عنهم وقال‏:‏ إنهم أهل ملتنا ولا يجوز قصد بلادهم فخالفه وأرسل إلى علاء الدين كيقباذ ملك قونية وملطية وما بينهما من بلاد المسلمين وصالحه ووافقه على قصد بلاد ابن ليون والاتفاق على قصدها فاتفقا على ذلك وجمع البرنس عساكره ليسير إلى بلاد الأرمن فخالف عليه الداوية والاسبتارية وهما جمرة الفرنج فقالوا‏:‏ إن ملك رومية نهانا عن ذلك إلا أنه أطاعه غيرهم فدخل أطراف بلاد الأرمن وهي مضايق وجبال وعرة فلم يتمكن من فعل ما يريد‏.‏وأما كيكاوس فإنه قصد بلاد الأمن من جهته وهي أسهل من جهة الشام فدخلها سنة اثنتين وعشرين وستمائة فنهبها وأحرقها وحصر عدة حصون ففتح أربعة حصون وأدركه الشتاء فعاد عنها‏.‏

فلما سمع بابا ملك الفرنج برومية أرسل إلى الفرنج بالشام يعلمهم أنه قد حرم البرنس فكان الداوية والاسبتارية وكثير من الفرسان لا يحضرون معه ولا يسمعون قوله وكان أهل بلاده وهي أنطاكية وطرابلس إذا جاءهم عيد يخرج من عندهم فإذا فرغوا من عيدهم دخل البلد‏.‏

ثم إنه أرسل إلى ملك رومية يشكو من الأرمن وأنهم لم يطلقوا ولده ويستأذنه في أن يدخل بلادهم ويحاربهم إن لم يطلقوا ابنه فأرسل إلى الأرمن يأمرهم بإطلاق ابنه وإعادته إلى الملك فإن فعلوا وإلا فقد أذن له في قصد بلادهم فلما بلغتهم الرسالة لم يطلقوا ولده فجمع البرنس وقصد بلاد الأرمن فأسل الأرمن إلى الأتابك شهاب الدين بحلب يستنجدونه ويخوفونه من البرنس وقصد بلاد الأرمن فأرسل الأرمن إلى الأتابك شهاب الدين بحلب يستنجدونه ويخفونه من البرنس إن استولى على بلادهم لأنها تجاور أعمال حلب فأمدهم بجند وسلاح‏.‏

فلما سمع البرنس ذلك صمم العزم على قصد بلادهم فسار إليهم وحاربهم فلم يحصل على غرض فعاد عنهم‏.‏

حدثني بهذا رجل من عقلاء النصارى ممن دخل تلك البلاد وعرف حالها وسألت غيره فعرف البعض وأنكر البعض‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة انخسف القمر مرتين‏:‏ أولاهما ليلة رابع عشر صفر وفيها كانت أعجوبة بالقرب من الموصل حامة تعرف بعين القيارة شديدة الحرارة تسميها الناس عين ميمون ويخرج مع الماء قليل من القار فكان الناس يسبحون فيها دائمًا في الربيع والخريف لأنها تنفع من الأمراض الباردة كالفالج وغيره نفعًا عظيمًا فكان من يسبح فيها يجد الكرب الشديد من حرارة الماء ففي هذه السنة برد الماء فيها حتى كان السابح فيها يجد البر فتركوها وانتقلوا إلى غيرها‏.‏

وفيها كثيرت الذئاب والخنازير والحيات فقتل كثير فقد بلغني أن ذئبًا دخل الموصل فقتل فيها وحدثني صديق لنا له بستان بظاهر الموصل أنه قتل فيه في سنة اثنتين وعشرين وستمائة جميع الصيف حيتين وقتل هذه السنة إلى أول حزيران سبع حيات لكثرتها‏.‏

وفيها انقطع المطر بالموصل وأكثر البلاد الجزرية من خامس شباط إلى ثاني عشر نيسان ولم يجر شيء يعتد به لكنه سقط اليسير منه في بعض القرى فجاءت الغلات قليلة ثم خرج الجراد الكثير فازداد الناس أذى وكانت الأسعار قد صلحت شيئًا فعاد لكثرة الجراد فغلت ونزل أيضًا في أكثر القرى برد كبير أهلك زروع أهلها وأفسدها واختلفت أقاويل الناس في أكبره كان وزن بردة مائتي درهم وقيل رطل وقيل غير ذلك إلا أنه أهلك كثيرًا من الحيوان وانقضت هذه السنة والغلاء باق وأشده بالموصل‏.‏

وفيها اصطاد صديق لنا أرنبًا فرآه وله أنثيان وذكر وفرج أنثى فلما شقوا بطنها رأوا فيها حريفين سمعت هذا منه ومن جماعة كانوا معه وقالوا‏:‏ ما زلنا نسمع أن الأرنب يكون سنة ذكرًا وسنة أنثى ولا نصدق ذلك فلما رأينا هذا علمنا أنه قد حمل وهو أنثى وانقضت السنة فصار ذكرًا فإن كان كذلك وإلا فيكون في الأرانب كالخنثى في بني آدم يكون لأحدهم فرج الرجل وفرج الأنثى كما أن الأرنب تحيض كما تحيض النساء فإني كنت بالجزيرة ولنا جار له بنت اسمها صفية فبقيت كذلك نحو خمس عشرة سنة وإذا قد طلع لها ذكر رجل ونبتت لحيته فكان له فرج امرأة وذكر رجل‏.‏

وفيها ذبح إنسان عندنا رأس غنم فوجد لحمه مرًا شديد المرارة حتى رأسه وأكارعه ومعلاقه وجميع أجزائه وهذا ما لم يسمع بمثله‏.‏

وفيها يوم الأربعاء الخامس والعشرين من ذي القعدة ضحوة النهار زلزلت الأرض بالموصل وكثير من البلاد العربية والعجمية وكان أكثرها بشهرزور فإنها خرب أكثرها ولا سيما القلعة فإنها أجحفت بها وخرب من تلك الناحية ست قلاع وبقيت الزلزلة تتردد فيها نيفًا ثلاثين يومًا ثم كشفها الله عنهم وأما القرى بتلك الناحية فخرب أكثرها‏.‏

وفيها في رجب توفي القاضي الحاج أبو المظفر بن عبد القاهر بن الحسن بن علي بن القاسم الشهرزوري قاضي الموصل بها وكان قد أضر قبل وفاته بنحو سنتين وكان عالمًا بالقضاء عفيفًا نزهًا ذا رئاسة كبيرة وله صلات دارة للمقيم والوارد رحمه الله فلقد كان من محاسن

ثم دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة

ذكر دخول الكرج مدينة تفليس وإحراقه

في هذه السنة في بيع الأول وصل الكرج مدينة تفليس ولم يكن بها من العسكر الإسلامي من يقوم بحمايته أن وسبب ذلك أن جلال الدين لما عاد من خلاط كما ذكرنا قبل وأوقع بالإيوانية فرق عساكره إلى المواضع الحارة الكثيرة المرعى ليشتوا بها وكان عسكره قد أساؤوا السيرة في رعية تفليس وهم مسلمون وعسفوهم فكاتبوا الكرج يستدعونهم إليهم ليملكوهم البلد فاغتنم الكرج ذلك لميل أهل البلد إليهم وخلوه من العسكر فاجتمعوا وكانوا بمدينتي قرس وآني وغيرهما من الحصون وساروا إلى تفليس وكانت خالية كما ذكرناه ولأن جلال الدين استضعف الكرج الكثرة من قتل منهم ولم يظن فيهم حركة فملكوا البلد ووضعوا السيف فيمن بقي من أهله وعلموا أنهم لا يقدرون على حفظ البلد من جلال الدين فأحرقوه جميعه‏.‏

وأما جلال الدين فإنه لما بلغه الخبر سار فيمن عنده من العساكر ليدركهم فلم ير منهم أحدًا كانوا قد فارقوا تفليس لما أحرقوها‏.‏

ذكر نهب جلال الدين بلد الإسماعيلية

في هذه السنة قتل الإسماعيلية أميرًا كبيرًا من أمراء جلال الدين وكان قد أقطعه جلال الدين مدينة كنجة وأعمالها وكان نعم الأمير كثير الخير حسن السيرة ينكر على جلال الدين ما يفعله عسكره من النهب وغيره من الشر‏.‏

فلما قتل ذلك الأمير عظم قتله على جلال الدين واشتد عليه فسار في عساكره إلى بلاد الإسماعيلية من حدود الموت إلى كردكوه بخراسان فخرب الجميع وقتل أهلها ونهب الأموال وسبى الحريم واسترق الأولاد وقتل الرجال وعمل بهم الأعمال العظيمة وانتقم منهم وكانوا قد عظم شرهم وازداد ضرهم وطمعوا مذ خرج التتر إلى بلاد الإسلام إلى الآن فكف عاديتهم وقمعهم ولقاهم الله ما عملوا بالمسلمين‏.‏

ذكر الحب بين جلال الدين والتتر

لما فرغ جلال الدين من الإسماعيلية بلغه الخبر أن طائفة من التتر عظيمة قد بلغوا إلى دامغان‏.‏

بالقرب من الري عازمين على قصد بلاد الإسلام فسار إليهم وحاربهم واشتد القتال بينهم فانهزموا منه فأوسعهم قتلًا وتبع المنهزمين عدة أيام يقتل ويأسر فبينما هو كذلك قد أقام بنواحي الري خوفًا من جمع آخر للتتر إذ أتاه الخبر بأن كثيرًا منهم واصلون إليه فأقام ينتظرهم

ذكر دخول العساكر الأشرفية إلى أذربيجان وملك بعضها

في هذه السنة في شعبان سار الحاجب علي حسام الدين وهو النائب عن الملك الأشرف بخلاط والمقدم على عساكرها إلى بلاد أذربيجان فيمن عنده من العساكر‏.‏

وسبب ذلك أن سيرة جلال الدين كانت جائرة وعساكره طامعة في الرعايا وكانت زوجته ابنة السلطان طغرل السلجوقي وهي التي كانت زوجة أوزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان فتزوجها جلال الدين كما ذكرناه قبل وكانت مع أوزبك تحكم في البلاد جميعها ليس له ولا لغيره معها حكم‏.‏

فلما تزوجها جلال الدين أهملها ولم يلتفت إليها فخافته مع ما حرمته من الحكم والأمر والنهي فأسلت هي وأهل خوي إلى حسام الدين الحاجب يستدعونه ليسلموا البلاد فسار ودخل البلاد بلاد أذربيجان فملك مدينة خوي وما يجاورها من الحصون التي بيد امرأة جلال الدين وملك مرند وكاتبه أهل مدينة نقجوان فمضى إليهم فسلموها إليه وقويت شوكتهم بتلك البلاد ولو داموا لملكوها جميعها وإنما عادوا إلى خلاط واستصحبوا معهم زوجة جلال الدين ابنة السلطان طغرل إلى خلاط وسنذكر باقي خبرهم سنة خمس وعشرين إن شاء الله تعالى‏.‏ وملك ولده في هذه السنة توفي الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل يوم الجمعة سلخ ذي القعدة وكان مرضه دوسنطاريا وكان ملكه لمدينة دمشق من حين وفاة والده الملك العادل عشر سنين وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا‏.‏

وكان عالمًا بعدة علوم فاضلًا فيها منها الفقه على مذهب أبي حنيفة فإنه كان قد اشتغل به كثيرًا وصار من المتيزين فيه ومنها علم النحو فإنه اشتغل به أيضًا اشتغالًا زائدًا وصار فيه فاضلًا وكذلك اللغة وغيرها وكان قد أمر أن يجمع له كتاب في اللغة جامع كبير فيه كتاب الصحاح للجوهري ويضاف إليه ما فات الصحاح من التهذيب للأرموي والجمهرة لابن دريد وغيرهما وكذلك أيضًا أمر بأن يرتب مسند أحمد بن حنبل على الأبواب ويرد كل حديث إلى الباب الذي يقتضيه معناه مثاله‏:‏ أن يجمع أحاديث الطهارة وكذلك يفعل في الصلاة وغيرها من الرقائق والتفسير والغزوات فيكون كتابًا جامعًا‏.‏

وكان قد سمع المسند من بعض أصحاب ابن الحصين ونفق العلم في سوقه وقصده العلماء من الآفاق فأكرمهم وأجرى عليهم الجرايات الوافرة وقربهم وكان يجالسهم ويستفيد منهم ويفيدهم وكان يرجع إلى علم وصبر على سماع ما يكره لم يسمع أحد ممن يصحبه منه كلمة تسوءه‏.‏

وكان حسن الاعتقاد يقول كثيرًا‏:‏ إن اعتقادي في الأصول ما سطره أبو جعفر الطحاوي ووصى عند موته بأن يكفن في البياض ولا يجعل في أكفانه ثوب فيه ذهب وأن يدفن في لحد ولا يبنى عليه بناء بل يكون قبره في الصحراء تحت السماء ويقول في مرضه‏:‏ لي عند الله تعالى في أمر دمياط ما أرجو أن يرحمني به‏.‏

ولما توفي ولي بعده ابنه داود ويلقب الملك الناصر وكان عمره قد قارب عشرين سنة‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة دام الغلاء في ديار الجزيرة ودامت الأسعار تزيد قليلًا وتنقص قليلًا وانقطع المطر جميع شباط وعشرة أيام من آذار فازداد الغلاء فبلغت الحنطة كل مكوكين بدينار وقيراطين بالموصل والشعير كل ثلاثة مكاكيك بالموصلي بدينار وقيراطين أيضًا وكل شيء بهذا السنة في الغلاء‏.‏

وفيها في الربيع قل لحم الغنم بالموصل وغلا سعره حتى بيع كل رطل لحم بالبغدادي بحبتين وحكى لي من يتولى بيع الغنم بالموصل أنهم باعوا خروفًا واحدًا لا غير وفي بعضها خمسة أرؤس وفي بعضها ستة وأقل وأكثر وهذا ما لم يسمع بمثله ولا رأيناه في جميع أعمارنا ولا حكي لنا مثله لأن الربيع مظنة رخص اللحم بها لأن التركمان والأكراد والكيلكان ينتقلون من الأمكنة التي شتوا بها إلى الزوزان فيبيعون الغنم رخيصًا‏.‏

وكان اللحم كل سنة في هذا الفصل كل ستة أرطال وسبعة بقيراط صار هذه السنة الرطل بحبتين‏.‏

وفيها عاشر آذار وهو العشرون من ربيع الأول سقط الثلج بالموصل مرتين وهذا غريب جدًا لم يسمع بمثله فأهلك الأزهار التي خرجت كزهر اللوز والمشمش والإجاص والسفرجل وغيرها ووصلت الأخبار من العراق جميعه مثل ذلك فهلكت به أزهارها والثمار وهذا أعجب من حال ديار الجزيرة والشام فإنه أشد حرًا من جميعها‏.‏

وفيها ظفر جمع من التركمان كانوا بأطراف أعمال حلب بفارس مشهور من الفرنج الدواية بأنطاكية فقتلوه فعلم الداوية بذلك فساروا وكبسوا التركمان فقتلوا منهم وأسروا وغنموا من أموالهم فبلغ إلى أتابك شهاب الدين المتولي لأمور حل فراسل الفرنج وتهددهم بقصد بلادهم واتفق أن عسكر حلب قتلوا فارسين كبيرين من الداوية أيضًا فأذعنوا بالصلح وردوا إلى وفيها في رجب اجتمع طائفة كثيرة من ديار بكر وأرادوا الإغارة على جزيرة ابن عمر وكان صاحب الجزيرة قد قتل فلما قصدوا بلد الجزيرة اجتمع أهل قرية كبيرة من بلد الجزيرة اسمها سلكون ولقوهم من ضحوة النهار إلى العصر وطال القتال بينهم ثم حمل أهل القرية على الأكراد فهزموهم وقتوا فيهم وخرجوا ونهبوا ما معهم وعادوا سالمين‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وعشرين وستمائة

ذكر الخلف بين جلال الدين وأخيه

في هذه السنة خاف غياث الدين بن خوارزم شاه وهو أخو جلال الدين من أبيه أخاه وخافه معه جماعة من الأمراء واستشعروا منه وأرادوا الخلاص منه فلم يتمكنوا من ذلك إلى أن خرجت التتر واشتغل بهم جلال الدين فهرب غياث الدين ومن معه وقصدوا خوزستان وهي من بلاد الخليفة وأرادوا الدخول في طاعة الخليفة فلم يمكنهم النائب بها من الدخول إلى البلد مخافة أن تكون هذه مكيدة فبقي هناك فلما طال عليه الأمر فارق خوزستان وقصد بلاد الإسماعيلية فوصل إليهم واحتمى بهم واستجار بهم‏.‏

وكان جلال الدين قد فرغ من أمر التتر وعاد إلى تبريز فأتاه الخبر وهو بالميدان يلعب بالكرة أن أخاه قد قصد أصفها فألقى الجوكان من يده وسار مجدًا فسمع أن أخاه قد قصد الإسماعيلية ملتجئًا إليهم ولم يقصد أصفهان فعاد إلى بلاد الإسماعيلية لينهب بلادهم إن لم يسلموا إليه أخاه وأرسل يطلبه من مقدم الإسماعيلية فأعاد الجواب يقول‏:‏ إن أخاك قد قصدنا وهو سلطان ابن سلطان ولا يجوز لنا أن نسلمه لكن نحن نتركه عندنا ولا نكنه أن يأخذ شيئًا من بلادك ونسألك أن تشفعني فيه والضمان علينا بما قلنا ومتى كان منه ما تكره في بلادك فبلادنا حينئذ بين يديك تفعل فيها ما تختار‏.‏

فأجابهم إلى ذلك واستحلفهم على الوفاء بذلك وعاد عنهم وقصد خلاط على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر الحرب بين جلال الدين والتتر

في هذه السنة عاود التتر الخروج إلى الري وجرى بينهم وبين جلال الدين حروب كثيرة اختلف الناس علينا في عددها كان أكثرها عليه وفي الأخير كان الظفر له‏.‏

وكانت أول حرب بينهم عجائب غريبة وكان هؤلاء التتر قد سخط ملكهم جنكزخان على مقدمهم وأبعده عنه وأخرجه من بلاده فقصد خراسان فرآها خرابًا فقصد الري ليتغلب على تلك النواحي والبلاد فلقيه بها جلال الدين فاقتتلوا أشد قتال ثم انهزم جلال الدين وعاد ثم انهزم وقصد أصفهان وأقام بنيها وبين الري وجمع عساكره ومن في طاعته فكان فيمن أتاه صاحب بلاد فارس وهو ابن أتابك سعد ملك بعد وفاة أبيه كما ذكرناه وعاد جلال الدين إلى التتر فلقيهم‏.‏

فبينما هم مصطفون كل طائفة مقابل الأخرى انعزل غياث الدين أخو جلال الدين فيمن وافقه من الأمراء على مفارقة جلال الدين واعتزلوا وقصدوا جهة ساروا إليها فلما رآهم التتر قد فارقوا العسكر ظنوهم يريدون أن يأتوهم من وراء ظهورهم ويقاتلوهم من جهتين فانهزم التتر لهذا الظن وتبعهم صاحب بلاد فارس‏.‏

وأما جلال الدين فإنه لما رأى مفارقة أخيه إياه ومن معه من الأمراء ظن أن التتر قد رجعوا خديعة ليستدرجوه فعاد منهزمًا ولم يجسر أن يدخل أصفهان لئلا يحصره التتر فمضى إلى سميرم‏.‏

وأما صاحب فارس فلما أبعد في أثر التتر ولم ير جلال الدين ولا عسكره معه خاف التتر فعاد عنهم‏.‏

وأما التتر فلما لم يروا في آثارهم أحدًا يطلبهم وقفوا ثم عادوا إلى أصفهان فلم يجدوا في طريقهم من يمنعهم فوصلوا إلى أصفهان فحصروها وأهلها يظنون أن جلال الدين قد عدم فبينما هم كذلك والتتر يحصرونهم إذ وصل قاصد من جلال الدين إليهم يعرفهم سلامته ويقول‏:‏ إني أدور حتى يجتمع إلي من سلم من العسكر وأقصدكم ونتفق أنا وأنتم على إزعاج التتر وترحيلهم عنكم‏.‏

فأرسلوا إليه يستدعونه إليهم ويعدونه النصرة والخروج معه إلى عدوه وفيهم شجاعة عظيمة فسار إليهم واجتمع بها وخرج أهل أصفهان معه فقاتلوا التتر فانهزم التتر أقبح هزيمة وتبعهم جلال الدين إلى الري يقتل ويأسر فلما أبعدوا عن الري أقام بها وأرسل إليه ابن جنكزخان يقول‏:‏ إن هؤلاء ليسوا من أصحابنا إنما نحن أبعدناهم عنا فلما أمن جانب جنكزخان أمن وعاد إلى أذربيجان‏.‏

ذكر خروج الفرنج إلى الشام وعمارة صيدا

و في هذه السنة خرج كثير من الفرنج من بلادهم التي هي في الغرب من صقلية وما وراءها من البلاد إلى بلادهم التي بالشام‏:‏ عكا وصور وغيرهما من ساحل الشام فكثر جمعهم وكان قد خرج قبل هؤلاء جمع آخر أيضًا إلا أنهم لم تمكنهم الحركة والشروع في أمر الحب لأجل أن ملكهم الذي هو المقدم عليهم هو ملك الألمان ولقبه أنبرور قيل‏:‏ معناه ملك الأمراء ولأن المعظم كان حيًا وكان شهمًا شجاعًا مقدامًا فلما توفي المعظم كما ذكرناه وولي بعده ابنه وملك دمشق طمع الفرنج وظهروا من عكا وصور وبيروت إلى مدينة صيدا وكانت مناصفة بينهم وبين المسلمين وسورها خراب فعمروها واستولوا عليها‏.‏

وإنما تم لهم ذلك بسبب تخريب الحصون القريبة منها تبنين وهونين وغيرهما‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك قبل مستقصى فعظمت شوكة الفرنج وقوي طمعهم واستولى في طريقه على جزيرة قبرس وملكها وسار منها إلى عكا فارتاع المسلمون لذلك والله تعالى يخذله وينصر المسلمين بمحمد وآله ثم إن ملكهم أنبرور وصل إلى الشام‏.‏

ذكر ملك كيقباذ أرزنكان

و في هذه السنة ملك علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان وهو صاحب قونية وأقصرا وملطية وغيرها من بلاد الروم أرزنكان‏.‏

وسبب ملكه إياها أن صاحبها بهرام شاه كان قد طال ملكه لها وجاوز ستين سنة توفي ولم يزل في طاعة قلج أرسلان وأولاده بعده فلما توفي ملك بعده ولده علاء الدين داود شاه فأرسل إليه كيقباذ يطلب منه عسكرًا ليسير معه إلى مدينة أرزن الروم ليحصرها ويكون هو مع العسكر ففعل ذلك وسار في عسكره إليه فلما وصل قبض عليه وأخذ مدينة أرزنكان منه وله حصن من أمنع الحصون اسمه كماخ وفيه مستحفظ لداود شاه فأرسل إليه ملك الروم يحصره فلم يقدر العسكر على القرب منه لعلوه وارتفاعه وامتناعه فتهدد داود شاه إن لم يسلم كماخ فأرسل إلى نائبه في التسليم فسلم القلعة إلى كيقباذ‏.‏

وأراد كيقباذ المسير إلى أرزن الروم ليأخذها وبها صاحبها ابن عمه طغرل شاه بن قلج أرسلان فلما سمع صاحبها بذلك أرسل إلى الأمير حسام الدين علي النائب عن الملك الأشرف بخلاط يستنجده وأظهر طاعة الأشرف فسار حسام الدين فيمن عنده من العساكر وكان قد جمعها من الشام وديار الجزيرة خوفًا من ملك الروم خافوا أنه إذا ملك أرزن الروم يتعدى ويقصد خلاط فسار الحاجب حسام الدين إلى الروم ومنع عنها‏.‏

ولما سمع كيقباذ بوصول العساكر إليها لم يقدم على قصدها فسار من أرزنكان إلى بلاده وكان قد أتاه الخبر أن الروم الكفار المجاورين لبلاده قد ملكوا منه حصنًا يسمى صنوب وهو من أحصن القلاع مطل على البحر السياه بحر الخزر فلما وصل إلى بلاده سير العسكر إليه وحصره برًا وبحرًا فاستعاده من الروم وسار إلى أنطاكية ليشتي بها على عادته‏.‏

في هذه السنة في شوال سار الملك الكامل محمد ابن الملك العادل صاحب مصر إلى الشام فوصل إلى البيت المقدس حرسه الله تعالى وجعله دار الإسلام أبدًا ثم سار عنه وتولى بمدينة نابلس وشحن على تلك البلاد جميعها وكانت من أعمال دمشق فلما سمع الأشرف يستنجده ويطلبه ليحضر عنده بدمشق فسار إليه جريدة فدخل دمشق‏.‏

فلما سمع الكامل بذلك لم يتقدم لعلمه أن البلد منيع وقد صار به من يمنعه ويحميه وأرسل إليه الملك الأشرف يستعطفه ويعرفه أنه ما جاء إلى دمشق إلا طاعة له وموافقة لأغراضه والاتفاق معه على منع الفرنج عن البلاد فأعاد الكامل الجواب يقول‏:‏ إنني ما جئت إلى هذه البلاد إلا بسبب الفرنج فإنهم لم يكن في البلاد من يمنعهم عما يريدونه وقد عمروا صيدا وبعض قيسارية ولم يمنعوا وأنت تعلم أن عمنا السلطان صلاح الدين فتح البيت المقدس فصار لنا بذلك الجميل على تقضي الأعصار وممر الأيام فإن أخذه الفرنج حصل لنا من سوء الذكر وقبح الأحدوثة ما ينقض ذلك الذكر الجميل الذي ادخره عمنا وأي وجه يبقى لنا عند الناس وعند الله تعالى ثم إنهم ما يقنعون حينئذ بمن أخذوه ويتعدون إلى غيره وحيث قد حضرت أنت فأنا أعود إلى مصر واحفظ أنت البلاد ولست بالذي يقال عني إني قاتلت أخي وحصرته حاشا لله وتأخر عن نابلس نحو الديار المصرية ونزل تل العجول فخاف الأشرف والناس قاطبة بالشام وعلموا أنه إن عاد استولى الفرنج على البيت المقدس وغيره مما يجاوره لا مانع دونه فترددت الرسل وسار الأشرف بنفسه إلى الكامل أخيه فحضر عنده وكان وصلوه ليلة عيد الأضحى ومنعه من العود إلى مصر فأقام بمكانها‏.‏

ذكر نهب جلال الدين بلاد أرمينة

في هذه السنة وصل جلال الدين خوارزم شاه إلى بلاد خلاط وتعدى خلاط إلى صحراء موش وجبل جور ونهب الجميع وسبى الحريم واسترق الأولاد وقتل الرجال وخرب القرى وعاد إلى بلاده‏.‏

ولما وصل الخبر إلى البلاد الجزرية‏:‏ حران وسروج وغيرهما أنه قد جاز خلاط إلى جور وأنه قد قرب منهم خاف أهل البلاد أن يجيء إليهم لأن الزمان كان شتاء وظنوا أنه يقصد الجزيرة ليشتي بها لأن البرد بها ليس بالشديد وعزموا على الانتقال من بلادهم إلى الشام ووصل بعض أهل سروج إلى منبج من أرض الشام فأتاهم الخبر أنه قد نهب البلاد وعاد فأقاموا وكان سبب عوده أن الثلج سقط ببلاد خلاط كثيرًا لم يعهد مثله فأسرع العود‏.‏

في هذه السنة رخصت الأسعار بديار الجزيرة جميعها وجاءت الغلات التي لهم من الحنطة والشعير جيدًا إلا أن الرخص لم يبلغ الأول الذي كان قبل الغلاء إنما صارت الحنطة كل خمسة مكاكيك بدينار والشعير كل سبعة عشر مكوكًا بالموصلي بدينار‏.‏

ثم دخلت سنة ست وعشرين وستمائة

ذكر تسليم البيت المقدس إلى الفرنج

في هذه السنة أول ربيع الآخر تسلم الفرنج لعنهم الله البيت المقدس صلحًا أعاده الله إلى الإسلام سريعًا‏.‏

وسبب ذلك ما ذكرناه سنة خمس وعشرين وستمائة من خروج الأنبرور ملك الفرنج في البحر من داخل بلاد الفرنج إلى ساحل الشام وكانت عساكره قد سبقته و نزلوا بالساحل وأفسدوا فيما يجاورهم من بلاد المسلمين ومضى إليهم وهم بمدينة صور طائفة من المسلمين يسكنون الجبال المجاورة لمدينة صور وأطاعوهم وصاروا معهم وقوي طمع الفرنج بموت الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق‏.‏

ولما وصل الأنبرور إلى الساحل نزل بمدينة عكا وكان الملك الكامل رحمه الله تعالى ابن الملك العادل صاحب مصر قد خرج من الديار المصرية يريد الشام بعد وفاة أخيه المعظم وهو نازل بتل العجول يريد أن يملك دمشق من الناصر داود ابن أخيه المعظم وهو صاحبها يومئذ وكان داود لما سمع بقصد عمه الملك الكامل له قد أرسل إلى عمه الملك الأشرف صاحب البلاد الجزرية يستنجده ويطلب منه المساعدة على دفع عمه عنه فسار إلى دمشق وترددت الرسل بينه وبين أخيه الملك الكامل في الصلح فاصطلحا واتفقا وسار الملك الأشرف إلى الملك الكامل واجتمع به‏.‏

فلما اجتمعا ترددت الرسل بينهما وبين الأنبرور ملك الفرنج دفعات كثيرة فاستقرت القاعدة على أن يسلموا إليه البيت المقدس ومعه مواضع يسيرة من بلاده ويكون باقي البلاد مثل الخليل ونابلس والغور وملطية وغير ذلك بيد المسلمين ولا يسلم إلى الفرنج إلا البيت المقدس والمواضع التي استقرت معه‏.‏

وكان سور البيت المقدس خرابًا ق خربه الملك المعظم وقد ذكرنا ذلك وتسلم الفرنج البيت المقدس واستعظم المسلمون ذلك وأكبروه ووجدوا له من الوهن والتألم ما لا يمكن وصفه يسر الله فتحه وعوده إلى المسلمين بمنه وكرمه آمين‏.‏

و في هذه السنة يوم الاثنين ثاني شعبان ملك الملك الأشرف ابن الملك العادل مدينة دمشق من ابن أخيه صلاح الدين داود بن المعظم‏.‏

وسبب ذلك ما ذكرناه أن صاحب دمشق لما خاف من عمه الملك الكامل أرسل إلى عمه الأشرف يستنجده ويستعين به على دفع الكامل عنه فسار إليه من البلاد الجزرية ودخل دمشق وفرح به صاحبها وأهل البلد وكانوا قد احتاطوا وهم يتجهزون للحصار فأمر بإزالة ذلك وترك ما عزموا عليه من الاحتياط وحلف لصاحبها على المساعدة والحفظ له ولبلاده عليه وراسل الملك الكامل واصلحا وظن صاحب دمشق أنه معهما في الصلح‏.‏

وسار الأشرف إلى أخيه الكامل واجتمعا في ذي الحجة من سنة خمس وعشرين يوم العيد وسار صاحب دمشق إلى بيسان وأقام بها وعاد الملك الأشرف من عند أخيه واجتمع هو وصاحب دمشق ولم يكن الأشرف في كثرة من العسكر فبينما هما جالسان في خيمة لهما إذ قد دخل عز الدين أيبك مملوك المعظم الذي كان صاحب دمشق وهو أكبر أمير مع ولده فقال لصاحبه داود‏:‏ قم اخرج وإلا قبضت الساعة فأخرجه ولم يمكن الأشرف منعه لأن أيبك كان قد أركب العسكر الذي لهم جميعه وكانوا أكثر من الذين مع الأشرف فخرج داود وسار هو وعسكره إلى دمشق‏.‏

وكان سبب ذلك أن أيبك قيل له‏:‏ إن الأشرف يريد القبض على صاحبه وأخذ دمشق منه ففعل ذلك فلما عادوا وصلت العساكر من الكامل إلى الأشرف وسار فنازل دمشق وحصرها وأقام محاصرًا لها إلى أن وصل إليه الملك الكامل فحينئذ اشتد الحصار وعظم الخطب على أهل البلد وبلغت القلوب الحناجر‏.‏

وكان من أشد الأمور على صاحبها أن المال عنده قليل لأن أمواله بالكرك ولوثوقه بعمه الأشرف لم يحضر منها شيئًا فاحتاج إلى أن باع حلى نسائه وملبوسهن وضاقت الأمور عليه فخرج إلى عمه الكامل وبذل له تسليم دمشق وقلعة الشوبك على أن يكون له الكرك والغور وبيسان ونابلس وأن يبقي على أيبك قلعة صرخد وأعمالها‏.‏

وتسلم الكامل دمشق وجعل نائبه بالقلعة إلى أن سلم إليه أخوه الأشرف حران والرها والرقة وسروج ورأس عين من الجزيرة فلما تسلم ذلك سلم قلعة دمشق إلى أخيه الأشرف فدخلها وأقام بها وسار الكامل إلى الديار الجزرية فأقام بها إلى أن استدعى أخاه الأشرف بسبب حصر جلال الدين ابن خوارزم شاه مدينة خلاط فلما حضر عنده بالرقة عاد الكامل إلى ديار مصر وأما الأشرف فكان منه ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

و في هذه السنة أرسل الملك الأشرف مملوكه عز الدين أيبك وهو أمير كبير في دولته إلى مدينة خلاط وأمره بالقبض على الحاجب حسام الدين علي بن حماد وهو المتولي لبلاد خلاط والحاكم فيها من قبل الأشرف‏.‏

ولم نعلم شيئًا يوجب القبض عليه لأنه كان مشفقًا عليه ناصحًا له حافظًا لبلاده وحسن السيرة مع الرعية ولقد وقف هذه المدة الطويلة في وجه خوارزم شاه جلال الدين وحفظ خلاط حفظًا يعجز غيره عنه وكان مهتمًا بحفظ بلاده وذابًا عنها وقد تقدم من ذكر قصده بلاد جلال الدين والاستيلاء على بعضها ما يدل على همة عالية وشجاعة تامة وصار لصاحبه به منزلة عظيمة فإن الناس يقولون‏:‏ بعض غلمان الملك الأشرف يقاوم خوارزم شاه‏.‏

وكان رحمه الله كثير الخير والإحسان لا يمكن أحدًا من ظلم وعمل كثيرًا من أعمال البر من الخانات في الطرق والمساجد في البلاد وبنى بخلاط بيمارستانًا وجامعًا وعمل كثيرًا من الطرق وأصلحها كان يشق سلوكها‏.‏

فلما وصل أيبك إلى خلاط قبض عليه ثم قتله غيلة لأنه كان عدوه ولما قتل ظهر أثر كفايته فإن جلال الدين حصر خلاط بعد قبضه وملكها على ما نذكه إن شاء الله ولم يمهل الله أيبك بل انتقم منه سريعًا فإن جلال الدين أخذ أيبك أسيرًا لما ملك خلاط مع غيره من الأمراء فلما وكان سبب قتله أن مملوكًا للحاجب علي كان قد هرب إلى جلال الدين فلما أسر أيبك طلبه ذلك المملومك من جلال الدين ليقتله بصاحبه الحاجب علي فسلمه إليه فقتله وبلغني أن الملك الأشرف رأى في المنام كأن الحاجب عليًا قد دخل إلى مجلس فيه أيبك فأخذ منديلًا وجعله في رقبة أيبك وأخذه وخرج فأصبح الملك الأشرف وقال‏:‏ قد مات أيبك فإني رأيت في المنام كذا وكذا‏.‏

ذكر ملك الكامل مدينة حماة


وفي هذه السنة أواخر شهر رمضان ملك الملك الكامل مدينة حماة‏.‏

وسبب ذلك أن الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر وهو صاحب حماة توفي على ما نذكره وملا حضرته الوفاة حلف الجند وأكابر البلد لولده الأكبر ويلقب بالملك المظفر وكان قد سيره أبوه إلى الملك الكامل صاحب مصر لأنه كان قد تزوج بابنته وكان لمحمد ولد آخر اسمه قلج أرسلان ولقبه صلاح الدين وهو بدمشق فحضر إلى مدينة حماة فسلمت إليه واستولى على المدينة وعلى قلعتها فأرسل الملك الكامل يأمره أن يسلم البلد إلى أخيه الأكبر فإن أباه أوصى له به فلم يفعل وتردد الرسل في ذلك إلى الملك المعظم صاحب دمشق فلم تقع الإجابة‏.‏

فلما توفي المعظم وخرج الكامل إلى الشام وملك دمشق سير جيشًا إلى حماة فحصرها ثالث شهر رمضان وكان المقدم على هذا الجيش أسد الدين شيركوه صاحب حمص وأمير كبير من عسكره يقال له فخر الدين عثمان ومعهما ولد محمد بن تقي الدين محمد الذي كان عند الكامل فبقي الحصار على البلد عدة أيام‏.‏

وكان الملك الكامل قد سار عن دمشق ونزل على سلمية يريد العبور إلى البلاد الجزرية حران وغيرها فلما نازلها قصده صاحب حماة صلاح الدين ونزل إليه من قلعته ولم يكن لذلك سبب إلا أمر الله تعالى فإن صلاح الدين قال لأصحابه‏:‏ أريد النزول إلى الملك الكامل فقالوا له‏:‏ ليس بالشام أحصن من قلعتك وقد جمعت من الذخائر ما لا حد له فلأي شيء تنزل إليه ليس هذا برأي فأصر على النزول وأصروا على منعه فقال في آخر الأمر‏:‏ اتركوني أنزل وإلا ألقيت نفسي من القلعة فحينئذ سكتوا عنه فنزل في نفر يسير ووصل إلى الكامل فاعتقله إلى أن سلم مدينة حماة وقلعتها إلى أخيه الأكبر الملك المظفر وبقي بيده قلعة بارين فإنها كانت له وكان هو كالباحث عن حتفه يظلفه‏.‏

ذكر حصر جلال الدين خلاط وملكها

و في هذه السنة أوائل شوال حصر جلال الدين خوارزم شاه مدينة خلاط وهي للملك الأشرف وبها عسكره فامتنعوا بها وأعانهم أهل البلد خوفًا من جلال الدين لسوء سيرته وأسرفوا في الشتم والسفه فأخذه اللجاج معهم وأقام عليهم جميع الشتاء محاصرًا وفرق كثيرًا من عساكره في القرى والبلاد القريبة من شدة البرد وكثرة الثلج فإن خلاط من أشد البلاد بردًا وأكثرها ثلجًا‏.‏

وأبان جلال الدين عن عزم قوي وصبر تحار العقول منه ونصب عليها عدة مجانيق ولم يزل يرميها بالحجارة حتى خربت بعض سورها فأعاد أهل البلد عمارته ولم يزل مصابرهم وملازمهم إلى أواخر جمادى الأولى من سنة سبع وعشرين فزحف إليها زحفًا متتابعًا وملكها عنوة وقهرًا يوم الأحد الثامن والعشرين من جمادى الأولى سلمها إليه بعض الأمراء غدرًا‏.‏

فلما ملك البلد صعد من فيه من الأمراء إلى القلعة التي لها وامتنعوا بها وهو منازلهم ووضع السيف في أهل البلد وقتل من وجد به منهم وكانوا قد قلوا فإن بعضهم فارقوه خوفًا وبعضهم خرج منه من شدة الجوع وبعضهم مات من القلة وعدم القوت فإن الناس في خلاط أكلوا الغنم ثم البقر ثم الجواميس ثم الخيل ثم الحمير ثم البغال والكلاب والسنانير وسمعنا أنهم كانوا يصطادون الفأر ويأكلونه وصبروا صبرًا لم يلحقهم فيه أحد‏.‏

ولم يملك من البلاد خلاط غيرها وما سواها من البلاد لم يكونوا ملكوه وخربوا خلاط وأكثروا القتل فيها ومن سلم هرب في البلاد وسبوا الحريم واسترقوا الأولاد وباعوا الجميع فتمزقوا كل ممزق وتفرقوا في البلاد ونهبوا الأموال وجرى على أهلها ما لم يسمع بمثله أحد لا جرم لم يمهله الله تعالى‏.‏ وجرى عليه من الهزيمة بني المسلمين والتتر ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر عدة حوادث

في أواخر هذه السنة قصد الفرنج حصن بارين بالشام ونهبوا بلاده وأعماله وأسروا وسبوا ومن جملة من ظفروا به طائفة كثيرة من التركمان فأخذوا الجميع ولم يسلم منهم إلا النادر والشاذ والله أعلم‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وعشرين وستمائة

ذكر انهزام جلال الدين من كيقباذ والأشرف

في هذه السنة يوم السبت الثامن والعشرين من رمضان انهزم جلال الدين ابن خوارزم شاه من عبد الله بن كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان صاحب بلاد الروم قونية وأقصرا وسيواس وملطية وغيرها ومن الملك الأشرف صاحب دمشق وديار الجزيرة وخلاط‏.‏

وسبب ذلك أن جلال الدين كان قد أطاعه صاحب أرزن الروم وهو ابن عم علاء الدن ملك الروم وبينه وبين ملك الروم عداوة مستحكمة وحضر صاحب أرزن الروم عند جلال الدين على خلاط وأعانه على حصرها فخافهما علاء الدين فأرسل إلى الملك الكامل وهو حينئذ بحران يطلب منه أن يحضر أخاه الأشرف من دمشق فإنه كان مقيمًا بها بعد أن ملكها‏.‏

وتابع علاء الدين الرسل بذلك خوفًا من جلال الدين فأحضر الملك الكامل أخاه الأشرف من دمشق فحضر عنده ورسل علاء الدين إليهما متتابعة يحث الأشرف على المجيء إليه والاجتماع به حتى قيل إنه في يوم واحد وصل إلى الكامل والأشرف من علاء الدين خمسة رسل ويطلب مع الجميع وصول الأشرف إليه ولو وحده فجمع عساكر الجزيرة والشام وسار إلى علاء الدين فاجتمعا بسيواس وسارا نحو خلاط فسمع جلال الدين بهما فسارا إليهما مجدًا في السير فوصل إليهما بمكان يعرف بباسي حمار وهو من أعمال أرزنجان فالتقوا هناك‏.‏

وكان مع علاء الدين خلق كثير قيل‏:‏ كانوا عشرين ألف فارس وكان مع الأشرف نحو خمسة آلاف فارس إلا أنهم من العساكر الجيدة الشجعان لهم السلاح الكثير والدواب الفارهة من العربيات وكل منهم قد جرب الحرب‏.‏

وكان المقدم عليهم أمير من أمراء عساكر حلب يقال له عز الدين عمر بن علي وهو من الأكراد الهكارية ومن الشجاعة في الدرجة العليا وله الأوصاف الجميلة والأخلاق الكريمة‏.‏

فلما التقوا بهت جلال الدين لما رأى من كثرة العساكر ولا سيما لما رأى عسكر الشام فإنه شاهد من تجملهم وسلاحهم ودوابهم ما ملأ صدره رعبًا فأنشب عز الدين بن علي القتال ومعه عسكر حلب فلم يقم لهم جلال الدين ولا صبر ومرى منهزمًا هو وعسكره وتمزقوا لا يلوي الأخ على أخيه وعادوا إلى خلاط فاستصحبوا معهم من فيها من أصحابهم وعادوا إلى أذربيجان فنزلوا عند مدينة خوي ولم يكونوا قد استولوا على شيء من أعمال خلاط سوى خلاط ووصل الملك الأشرف إلى خلاط وقد استصحبوا معهم من فيها فبقيت خاوية على عروشها خالية من الأهل والسكان قد جرى عليهم ما ذكرناه قبل‏.‏

ذكر ملك علاء الدين أرزن الروم

قد ذكرنا أن صاحب أرزن الروم كان مع جلال الدين على خلاط ولم يزل معه وشهد معه المصاف المذكور فلما انهزم جلال الدين أخذ صاحب أرزن الروم أسيرًا فأحضر عند علاء الدين كيقباذ ابن عمه فأخذه وقصد أرزن الروم فسلمها صاحبها إليه وهي وما يتبعها من القلاع والخزائن وغيرها فكان كما قيل‏:‏ خرجت النعامة تطلب قرنين فعادت بلا أذنين‏.‏

وهكذا المسكين جاء إلى جلال الدين يطلب الزيادة فوعده بشيء من بلاد علاء الدين فأخذ ماله وما بيديه من البلاد وبقي أسيرًا فسبحانه من لا يزول ملكه‏.‏

ذكر الصلح بين الأشرف وعلاء الدين وبين جلال الدين

لما عاد الأشرف إلى خلاط ومضى جلال الدين منهزمًا إلى خوي ترددت الرسل بينهما فاصطلحوا كل منهم على ما بيده واستقرت القواعد على ذلك وتحالفا فلما استقر الصلح وجرت الأيمان عاد الأشرف إلى سنجار وسار منها إلى دمشق فأقام جلال الدين ببلاده من أذربيجان إلى أن خرج عليه التتر على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر ملك شهاب الدين غازي مدينة أرزن

كان حسام الدين صاحب مدينة أرزن من ديار بكر لم يزل مصاحبًا للملك الأشرف مشاهدًا جميع حروبه وحوادثه وينفق أمواله في طاعته ويبذل نفسه وعساكره في مساعدته فهو يعادي أعداءه ويوالي أولياءه‏.‏

ومن جملة موافقته أنه كان في خلاط لما حصرها جلال الدين فأسره جلال الدين وأراد أن يأخذ منه مدينة أرزن فقيل له‏:‏ إن هذا من بيت قديم عريق في الملك وإنه ورث أرزن هذه من أسلافه وكان لهم سواها من البلاد فخرج الجميع من أيديهم فعطف عليه ورق له وأبقى عليه مدينة وأخذ عليه العهود والمواثيق أنه لا يقاتله‏.‏

فلما جاء الملك الأشرف وعلاء الدين محاربين لجلال الدين لم يحضر معهم في الحرب فلما انهزم جلال الدين سار شهاب الدين غازي ابن الملك العادل وهو أخو الأشرف وله مدينة ميافارقين ومدينة حاني وهو بمدينة أرزن فحصره بها ثم ملكها صلحًا وعوضه عنها بمدينة حاني من ديار بكر‏.‏

وحسام الدين هذا نعم الرجل حسن السيرة كريم جواد لا يخلو بابه من جماعة يردون إليه يستمنحونه وسيرته جميلة في ولايته ورعيته وهو من بيت قديم يقال له بيت طغان أسلان كان له مع أرزن بدليس ووسطان وغيرهما ويقال لهم بيت الأحدب وهذه البلاد معهم من أيام ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي فأخذ بكتمر صاحب خلاط منهم بدليس أخذها من عم حسام الدين هذا لأنه كان موافقًا لصلاح الدين يوسف بن أيوب فقصده بكتمر لذلك وبقيت أرزن بيد هذا إلى الآن فأخذت منه ولكل أول آخر فسبحان من لا أول له ولا آخر

ذكر ملك سونج قشيالوا قلعة رويندر

و في هذه السنة ظهر أمير من أمراء التركمان اسمه سونج ولقبه شمس الدين واسم قبيلته قشيالوا وقوي أمره وقطع الطريق وكثر جمعه وكان بين إربل وهمذان وهو ومن معه يقطعون الطريق ويفسدون في الأرض ثم إنه تعدى إلى قلعة منيعة اسمها سارو وهي لمظفر الدين من أعمال إربل فأخذها وقتل عندها أميرًا كبيرًا من أمراء مظفر الدين فجمع مظفر الدين وأراد استعادتها منه فلم يمكنه لحصانتها ولكثرة الجموع مع هذا الرجل فاصطلحا على ترك القلعة بيده‏.‏

وكان عسكر لجلال الدين بن خوارزم شاه يحصرون قلعة رويندز وهي من قلاع أذربيجان من أحصن القلاع وأمنعها لا يوجد مثلها وقد طال الحصار على من بها فأذعنوا بالتسليم فأرسل جلال الدين بعض خواص أصحابه وثقاته ليتسلهما وأرسل معه الخلع والمال لمن بها فلما صعد ذلك القاصد إلى القلعة وتسلمها أعطى بعض من بالقلعة ولم يعط البعض واستذلهم وطمع فيهم حيث استولى على الحصن فلما رأى من لم يأخذ شيئًا من الخلع والمال ما فعل هم أسلوا إلى سونج يطلبونه ليسلموا إليه القلعة فسار إليهم في أصحابه فسلموها إليه فسبحان من قلعة رويندز هذه لم تزل تتقاصر عنها قدرة أكابر الملوك وعظمائهم من قديم الزمان وحديثه وتضرب الأمثال بحصانتها لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يملكها هذا الرجل الضعفيف سهل له الأمور فملكها بغير قتال ولا تعب وأزال عنها أصحاب مثل جلال الدين الذي كل ملوك الأرض تهابه وتخافه وكان أصحاب جلال الدين كما قيل‏:‏ ‏(‏رب ساع لقاعد‏)‏‏.‏

فلما ملكها سونج طمع في غيرها ولا سيما مع اشتغال جلال الدين بما أصابه من الهزيمة ومجيء التتر فنزل من القلعة إلى مراغة وهي قريب منها فحصرها فأتاه سهم غرب فقتله فلما قتل ملك رويندز أخوه ثم إن هذا الأخ الثاني نزل من القعلة وقصد أعمال تبريز ونهبها وعاد إلى القلعة ليجعل فيها من ذلك النهب والغنيمة ذخيرة خوفًا من التتر وكانوا قد خرجوا فصادفه طائفة من التتر فقتلوه وأخذوا ما معه من النهب ولما قتل ملك القلعة ابن أخت له وكان هذا جميعه في مدة سنتين فأف لدنيا لا تزال فرحة بترحة وكل حسنة بسيئة‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وستمائة

ذكر خروج التتر إلى أذربيجان وما كان منهم

في هذه السنة وصل التتر من بلاد ما وراء النهر إلى أذربيجان وقد ذكرنا قبل كيف ملكوا ما وراء النهر وما صنعوه بخراسان وغيرها من البلاد من النهب والتخريب والقتل واستقر ملكهم بما وراء النهر وعادت بلاد ما وراء النهر فانغمرت وعمروا مدينة تقارب مدينة خوارزم عظيمة وبقيت مدن خراسان خرابًا لا يجسر أحد من المسلين أن يسكنها‏.‏

وأما التتر فكانوا تغير كل قليل طائفة منهم ينهبون ما يرونه بها فالبلاد خاوية على عروشها فلم يزالوا كذلك إلى أن ظهر منهم طائفة سنة خمس وعشرين فكان بينهم وبين جلال الدين ما ذكرناه وبقوا كذلك فلما كان الآن وانهزم جلال الدين من علاء الدين كيقباذ ومن الأشرف كما ذكرناه سنة سبع وعشرين أرسل مقدم الإسماعيلية الملاحدة إلى التتر يعرفهم ضعف جلال الدين بالهزيمة الكائنة عليه ويحثهم على قصده عقيب الضعف ويضمن لهم الظفر به للوهن الذي صار إليه‏.‏

وكان جلال الدين سيء السيرة قبيح التدبير لملكه لم يترك أحدًا من الملوك المجاورين له إلا عاداه ونازعه الملك وأساء مجاورته فمن ذلك أنه أول ما ظهر في أصفهان وجمع العساكر قصد خوزستان فحصر مدينة ششتر وهي للخليفة وسار إلى دقوقا فنهبها وقتل فيها فأكثر وهي للخليفة أيضًا ثم ملك أذربيجان وهي لأوزبك وقصد الكرج وهزمهم وعاداهم ثم عادى الملك الأشرف صاح خلاط ثم عادى علاء الدين صاحب بلاد الروم وعادى الإسماعيلية ونهب بلادهم وقتل فيهم فأكثر وقرر عليهم وظيفة من المال كل سنة وكذلك غيرهم فكل من الملوك تخلى عنه ولم يأخذ بيده‏.‏

فلما وصل كتب مقدم الإسماعيلية إلى التتر يستدعيهم إلى قصد جلال الدين بادر طائفة منهم فدخلوا بلادهم واستولوا على الري وهمذان وما بينهما من البلاد ثم قصدوا أذربيجان فخربوا ونهبوا وقتلوا من ظفروا به من أهلها وجلال الدين لا يقدم على أن يلقاهم ولا يقدر أن يمنعهم عن البلاد قد ملئ رعبًا وخوفًا وانضاف إلى ذلك أن عسكره اختلفوا عليه وخرج وزيره عن طاعته في طائفة كثيرة من العسكر‏.‏

وكان السبب غريبًا أظهر من قلة عقل جلال الدين ما لم يسمع بمثله وذلك أنه كان له خادم خصي وكان جلال الدين يهواه واسمه قلج فاتفق أن الخادم مات فأظهر من الهلع والجزع عليه ما لم يسمع بمثله ولا لمجنون ليلى وأمر الجند والأمراء أن يمشوا في جنازته رجالة وكان موته بموضع بينه وبين تبريز عدة فراسخ فمشى الناس رجالة ومشى بعض الطريق راجلًا فألزمه أمراؤه ووزيره بالركوب فلما وصل إلى تبريز أرسل إلى أهل البلد فأمرهم بالخروج عن البلد لتلقي تابوت الخادم ففعلوا فأنكر عليهم حيث لم يبعدوا ولم يظهروا من الحزن والبكاء أكثر مما ثم لم يدفن ذلك الخصي وإنما يستصحبه معه حيث سار وهو يلطم ويبكي فامتنع من الأكل والشرب وكان إذا قدم له طعام يقول‏:‏ احملوا من هذا إلى فلان يعني الخادم ولا يتجاسر أحد أن يقول إنه مات فإنه قيل له مرة إنه مات فقتل القاتل له ذلك إنما كانوا يحملون إليه الطعام ويعودون فيقولون‏:‏ إنه يقبل الأرض ويقول‏:‏ إنني الآن أصلح مما كنت فلحق أمراءه من الغيظ والأنفة من هذه الحالة ما حملهم على مفارقة طاعته والانحياز عنه مع وزيره فبقي حيران لا يدري ما يصنع ولا سيما لما خرج التتر فحينئذ دفن الغلام الخصي وراسل الوزير واستماله وخدعه إلى أن حضر عنده فلما وصل إليه بقي أيامًا وقتله جلال الدين وهذه نادرة غريبة لم يسمع بمثلها‏.‏

ذكر ملك التتر مراغة

و في هذه السنة حصر التتر مراغة من أذربيجان فامتنع أهلها ثم أذعن أهلها بالتسليم على أمان طلبوه فبذلوا لهم الأمان وتسلموا البلد وقتلوا فيه إلا أنهم لم يكثروا القتل وجعلوا في البلد شحنة وعظم حينئذ شأن التتر واشتد خوف الناس منهم بأذربيجان فالله تعالى ينصر الإسلام والمسلمين نصرًا من عنده فما نرى في ملوك الإسلام من له رغبة في الجهاد ولا في نصرة

الدين بل كل منهم مقبل على لهوه ولعبه وظلم رعيته وهذا أخوف عندي من العدو وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 25‏]‏‏.‏

ذكر وصول جلال الدين إلى آمد وانهزامه عندها وما كان منه

لما رأى جلال الدين ما يفعله التتر في بلاد أذربيجان وأنهم مقيمون بها يقتلون وينهبون ويأسرون ويخربون البلاد ويجبون الأموال وهم عازمون على قصده ورأى ما هو عليه من الوهن والضعف فارق أذربيجان إلى بلاد خلاط وأرسل إلى النائب بها عن الملك الأشرف يقول له‏:‏ ما جئنا للحرب ولا للأذى إنما خوف هذا العدو حملنا على قصد بلادنا‏.‏

وكان عازمًا على أن يقصد ديار بكر والجزيرة ويقصد باب الخليفة يستنجده وجميع الملوك على التتر ويطلب منهم المساعدة على دفعهم ويحذرهم عاقبة إهمالهم فوصل إلى خلاط فبلغه أن التتر يطلبونه وهم مجدون في أثره فسار إلى آمد وجعل له اليزك في عدة مواضع خوفًا من البيات فجاءت طائفة من التتر يقصون أثره فوصلوا إليه وهم على غير الطريق الذي فيه اليزك فأوقعوا به ليلًا وهو بظاهر مدينة آمد فمضى منهزمًا على وجهه وتفرق من منعه من العسكر وتمزقوا في كل وجه فأخذوا ما معهم من مال وسلاح ودواب وقصد طائفة منهم نصيبين والموصل وسنجار وإربل وغير ذلك من البلاد فتخطفهم الملوك والرعايا وطمع فيهم كل أحد حتى الفلاح والكردي والبدوي وغيرهم وانتقم منهم وجازام على سوء صنيعهم وقبيح فعلهم في خلاط وغيرها وبما سعوا في الأرض من الفساد والله لا يحب المفسدين فازداد جلال الدين ضعفًا إلى ضعفه ووهنًا إلى وهنه بمن تفرق من عسكره بما جرى عليهم‏.‏

فلما فعل التتر بهم ذلك ومضى منهزمًا منهم دخلوا ديار بكر في طلبه لأنهم لم يعلموا أين قصد ولا أي طريق سلك فسبحان من بدل أمنهم خوفًا وعزهم ذلًا وكثرتهم قلة فتبارك الله رب العالمين الفعال لما يشاء‏.‏

ذكر دخول التتر ديار بكر والجزيرة وما فعلوه في البلاد من الفساد

لما انهزم جلال الدين من التتر على آمد نهب التتر سواد آمد وأرزن وميافارقين وقصدوا مدينة أسعرد فقاتلهم أهلها فبذل لهم التتر الأمان فوثقوا منهم واستسلموا فلما تمكن التتر منهم وضعوا فيهم السيف وقتلوهم حتى كادوا يأتون عليهم فلم يسلم منهم إلا من اختفى حكى لي بعض التجار وكان قد وصل آمد أنهم حزروا القتلى ما يزيد على خمسة عشرة ألف قتيل وكان مع هذا التاجر جارية من أسعرد فذكرت أن سيدها خرج ليقاتل وكان له أم فمنعته ولم يكن لها ولد سواه فلم يصغ إلى قولها فمشت معه فقتلا جميعًا وورثها ابن أخ للأم فباعها من هذا التاجر وذكرت من كثرة القتلى أمرًا عظيمًا وأن مدة الحصار كانت خمسة أيام‏.‏

ثم ساروا منها إلى مدينة طنزة ففعلوا فيها كذلك وساروا من طنزة إلى واد بالقرب من طنزة يقال له وادي القريشية فيه مياه جارية وبساتين كثيرة والطريق إليه ضيق فقاتلم أهل القريشية فمنعوهم عنه وامتنعوا عليهم وقتل بينهم كثير فعاد التتر ولم يبلغوا منهم غرضًا وساروا في البلاد لا مانع يمنعهم ولا أحد يقف بين أيديهم فوصلوا إلى ماردين فنهبوا ما وجدوا من بلدها واحتمى صاحب ماردين وأهل دنيسر بقلعة ماردين وغيرهم ممن جاور القلعة احتمى بها أيضًا‏.‏

ثم وصلوا إلى نصيبين الجزيرة فأقاموا عليها بعض نهار ونهبوا سوادها وقتلوا من ظفروا به وغلقت أبوابها فعادوا عنها ومضوا إلى بلد سنجار ووصلوا إلى الجبال من أعمال سنجار فنهبوها ودخلوا إلى الخابور فوصلوا إلى عرابان فنهبوا وقتلوا وعادوا‏.‏

ومضى طائفة منهم على طريق الموصل فوصل القوم إلى قرية تسمى المؤنسة وهي على مرحلة من نصيبين بينها وبين الموصل فنهبوها واحتمى أهلها وغيرهم بخان فيها فقتلوا كل من فيه‏.‏

وحكي لي عن رجل منهم أنه قال‏:‏ اختفيت منهم بيت فيه تبن فلم يظفروا بي وكنت أراهم من نافذة في البيت فكانوا إذا أرادوا قتل إنسان فيقول‏:‏ لا بالله فيقتلونه فلما فرغوا من القرية ونهبوا ما فيها وسبوا الحريم رأيتهم وهم يلعبون على الخيل ويضحكون ويغنون بلغتهم بقول‏:‏ لا بالله‏.‏

ومضى طائفة منهم إلى نصيبين الروم وهي على الفرات وهي من أعمال آمد فنهبوها وقتلوا فيها ثم عادوا إلى آمد ثم إلى بلد بدليس فتحصن أهلها بالقلعة وبالجبال فقتلوا فيها يسيرًا وأحرقوا المدينة‏.‏

وحكى إنسان من أهلها قال‏:‏ لو كان عندنا خمس مائة فارس لم يسلم من التتر أحد لأن الطريق ضيق بين الجبال والقليل يقدر على منع الكثير‏.‏

ثم ساروا من بدليس إلى خلاط فحصروا مدينة من أعمال خلاط يقال لها‏:‏ باكرى وهي من أحصن البلاد فملكوها عنوة وقتلوا كل من بها وقصدوا مدينة أرجيش من أعمال خلاط وهي مدينة كبيرة عظيمة ففعلوا كذلك وكان هذا في ذي الحجة‏.‏

ولقد حكي لي عنهم حكايات يكاد سامعها يكذب بها من الخوف الذي ألقى الله سبحانه وتعالى في قلوب الناس منهم حتى قيل إن الرجل الواحد منهم كان يدخل القرية أو الدرب وبه جمع كثير من الناس فلا يزال يقتلهم واحدًا بعد واحد لا يتجاسر أحد أن يمد يده إلى ذلك الفارس‏.‏

ولقد بلغني أن إنسانًا منهم أخذ رجلًا ولم يكن مع التتري ما يقتله به فقال له‏:‏ ضع رأسك على الأرض ولا تبرح فوضع رأسه على الأرض ومضى التتري فأحضر سيفًا وقتله به‏.‏

وحكى لي رجل قال‏:‏ كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلًا في طريق فجاءنا فارس من التتر وقال لنا حتى يكتف بعضنا بعضًا فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم فقلت لهم‏:‏ هذا واحد فلم لا نقتله ونهرب فقالوا‏:‏ نخاف‏.‏

فقلت‏:‏ هذا يريد قتلكم الساعة فنحن نقتله فلعل الله يخلصنا فوالله ما جسر أحد أن يفعل فأخذت سكينًا وقتلته وهربنا فنجونا وأمثال هذا كثير‏.‏

وصول طائفة من التتر إلى إربل ودقوقا في هذه السنة في ذي الحجة وسل طائفة من التتر من أذربيجان إلى أعمال إربل فقتلوا من على طريقهم من التركمان الإيوانية والأكراد الجوزقان وغيرهم إلى أن دخلوا بلد إربل فنهبوا القرى وقتلوا من ظفروا به من أهل تلك الأعمال وعملوا الأعمال الشنيعة التي لم يسمع بمثلها من غيرهم‏.‏

وبرز مظفر الدين صاحب إربل في عسكره واستمد عساكر الموصل فساروا إليه فلما بلغه عود التتر إلى أذربيجان أقام في بلاده ولم يتبعهم فوصلوا إلى بلد الكرخيني وبلد دقوقا وغير ذلك وعادوا سالمين لم يذعرهم أحد ولا وقف في وجوههم فارس‏.‏

وهذه مصائب وحوادث لم ير الناس من قديم الزمان وحديثه ما يقاربها فالله سبحانه وتعالى يلطف بالمسلمين ويرحمهم ويرد هذا العدو عنهم وخرجت هذه السنة ولم نتحقق لجلال الدين خبيرًا ولا نعلم هل قتل أو اختفى لم يظهر نفسه خوفًا من التتر أو فارق البلاد إلى غيرها والله أعلم‏.‏

ذكر طاعة أهل أذربيجان للتتر

في أواخر هذه السنة أطاع أهل بلاد أذربيجان جميعها للتتر وحملوا إليهم الأموال والثياب الخطائي والخوبي والعتابي وغير ذلك وسبب طاعتهم أن جلال الدين لما انهزم على آمد من التتر وتفرقت عساكر وتمزقوا كل ممزق وتخطفهم الناس وفعل التتر بديار بكر والجزيرة وإربل وخلاط ما فعلوا ولم يمنعهم أحد ولا وقف في وجوههم واقف وملوك الإسلام منجحرون في الأثقاب وانضاف إلى هذا انقطاع أخبار جلال الدين فإنه لم يظهر له خبر ولا علموا له حالة سقط في أيديهم وأذعنوا للتتر بالطاعة وحملوا إليهم ما طلبوا منهم من الأموال والثياب‏.‏

من ذلك مدينة تبريز التي هي أصل بلاد أذربيجان ومرجع الجميع إليها وإلى من بها فإن ملك التتر نزل في عساكره بالقرب منها وأرسل إلى أهلها يدعوهم إلى طاعته ويتهددهم إن امتنعوا عليه فأرسلوا إليه المال الكثير والتحف من أنواع الثياب الإبريسم وغيرها وكل شيء حتى الخمر وبذلوا له الطاعة فأعاد الجواب يشكرهم ويطلب منهم أن يحضر مقدموهم عنده فقصده قاضي البلد ورئيسه وجماعة من أعيان أهله وتخلف عنهم شمس الدين الطغرائي وهو الذي يرجع الجميع إليه إلا أنه لا يظهر شيئًا من ذلك‏.‏

فلما حضروا عنده سألهم عن امتناع الطغرائي من الحضور فقالوا إنه رجل منقطع ما له بالملوك تعلق ونحن الأصل فسكت ثم طلب أن يحضروا عنده من صناع الثياب الخطائي وغيرها ليستعمل لملكهم الأعظم فإن هذا هو من أتباع ذلك الملك فأحضروا الصناع فاستعملهم في الذي أرادوا ووزن أهل تبريز الثمن وطلب منهم خركاة لملكه أيضًا فعملوا له خركاة لم يعمل مثلها وعملوا غشاءها من الأطلس الجيد المزركش وعملوا من داخلها السمور والقندر فجاءت عليهم بجملة كثيرة وقرر عليهم شيئًا من المال كل سنة وترددت رسلهم إلى ديوان الخلافة وإلى جماعة من الملوك يطلبون منهم أنهم لا ينصرون خوارزم شاه‏.‏

ولقد وقفت على كتاب وصل من تاجر من أهل الري في العام الماضي قبل خروج التتر فلما وصل التتر إلى الري وأطاعهم أهلها وساروا إلى أذربيجان سار هو معهم إلى تبريز فكتب إلى أصحابه بالموصل يقول‏:‏ إن الكافر لعنه الله ما نقدر نصفه ولا نذكر جموعه حتى لا تنقطع قلوب المسلمين فإن الأمر عظيم ولا تظنوا أن هذه الطائفة التي وصلت إلى نصيبين والخابور والطائفة الأخرى التي وصلت إلى إربل ودقوقا كان قصدهم النهب إنما أرادوا أن يعملوا هل في البلاد من يردهم أم لا فلما عادوا أخبروا ملكهم بخلو البلاد من مانع ومدافع وأن البلاد خالية من ملك وعساكر فقوي طمعهم وهم في الربيع يقصدونك وما يبقى عندكم مقام إلا إن كان في بلد الغرب فإن عزمهم على قصد البلاد جميعها فانظروا لأنفسكم‏.‏

هذا مضمون الكتاب فإن لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأما جلال الدين فإلى آخر سنة ثمان وعشرين لم يظهر له خبر وكذلك إلى سلخ صفر سنة تسع لم نقف له على حال والله المستعان‏.‏

في هذه السنة قلت الأمطار بديار الجزيرة والشام ولا سيما حلب وأعمالها فإنها كانت قليلة بالمرة وغلت الأسعار بالبلاد وكان أشدها غلاء حلب إلا أنه لم يكن بالشديد مثل ما تقدم في السنين الماضية فأخرج أتابك شهاب الدين وهو والي الأمر بحلب والمرجع إلى أمره ونهبه وهو المدبر لدولة سلطانها الملك العزيز ابن الملك الظاهر والمربي له من المال والغلات كثيرًا وتصدق صدقات دارة وساس البلاد سياسة حسنة بحيث لم يظهر للغلاء أثر فجزاه الله خيرًا‏.‏

وفيها بنى أسد الدين شيركوه صاحب حمص والرحبة قلعة عند سلمية وسماها سميمس وكان الملك الكامل لما خرج من مصر إلى الشام قد خدمه أسد الدين ونصح له وله أثر عظيم في طاعته والمقاتلة بين يديه فأقطعه مدينة سليمة فبنى هذه القلعة بالقرب من سليمة وهي على تل عال‏.‏ وفيها قصد الفرنج الذين بالشام مدينة جبلة وهي بين جملة المدن المضافة إلى حلب ودخلوا إليها وأخذوا منها غنيمة وأسرى فسير أتابك شهاب الدين إليهم العساكر مع أمير كان أقطعها فقاتل الفرنج وقتل منهم كثيرًا واسترد الأسرى والغنيمة‏.‏

وفيها توفي القاضي ابن غنائم بن العديم الحلبي الشيخ الصالح وكان من المجتهدين في العبادة والرياضة والعاملين بعلمه فلو قال قائل‏:‏ إنه لم يكن في زمانه أعبد منه لكان صادقًا فرضي الله عنه وأرضاه فإنه من جملة شيوخنا سمعنا عليه الحديث وانتفعنا برؤيته وكلامه‏.‏

وفيها أيضًا في الثاني عشر من ربيع الأول توفي صديقنا أبو القاسم عبد المجيد بن العجمي الحلبي وهو وأهل بيته مقدمو السنة بحلب وكان رجلًا ذا مروءة غزيرة وخلق حسن وحلم وافر ورئاسة كثيرة يحب إطعام الطعام وأحب الناس إليه من يأكل طعامه ويقبل بره وكان يلقى أضيافه بوجه منبسط ولا يقعد عن إيصال راحة وقضاء حاجة فرحمه الله رحمة واسعة‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وعشرين وستمائة (تم بعون اللّه تعالى كتاب الكامل في التاريخ ) والحمد للّه أولًا وآخراً.