الجزء الأول - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه

   نسب عمر بن أبي ربيعة

 

هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة: حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وقد تقدم باقي النسب في نسب أبي قطيفة. ويكنى عمر بن أبي ربيعة "أبا الخطاب". وكان أبو ربيعة جده يسمى "ذا الرمحين" سمي بذلك لطوله، كان يقال: كأنه يمشي على رمحين.


أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي ومحمد بن الضحاك عن أبيه الضحاك عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعي. وقيل: إنه قاتل يوم عكاظ برمحين فسمي "ذا الرمحين" لذلك.


وأخبرني بذلك أيضاً علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مصعب الزبيري والمدائني والمسيبي ومحمد بن سلام، قالوا: وفيه يقول عبد الله بن الزبعرى:

ألا لـلـه قــومٌ و

 

لدت أخت بني سهم

هشامٌ وأبـو عـبـد

 

منافٍ مدرة الخصم

وذو الرمحين أشبـاك

 

على القوة والحـزم

فهــــذان يذودان

 

وذا من كثبٍ يرمي

أسودٌ تزدهي الأقـرا

 

ن مناعون للهضـم

وهم يوم عـكـاظٍ م

 

نعوا الناس من الهزم

وهم من ولدوا أشبوا

 

بسر الحسب الضخم

فإن أحلف وبيت الل

 

ه لا أحلف على إثم

لما من إخـوةٍ بـين

 

قصور الشأم والردم

بأزكى من بني ريط

 

ة أو أوزن في الحلم

أبو عبد مناف: الفاكه بن المغيرة. وريطة هذه التي عناها هي أم بني المغيرة، وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم، ولدت من المغيرة هشاماً وهاشماً ربيعة والفاكه.


وأخبرني أحمد بن سليمان بن داود الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا: حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال أخبرني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشلٍ عن أبيه قال: قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - وجئته أطلب منه مغرماً - يا خال، هذه أربعة آلاف درهم وأنشد هذه الأبيات الأربعة وقل: سمعت حسان ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أعوذ بالله أن أفتري على الله ورسوله، ولكن إن شئت أن أقول: سمعت عائشة تنشدها فعلت. فقال: لا، إلا أن تقول: سمعت حسان ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، فأبى علي وأبيت عليه، فأقمنا لذلك لا نتكلم عدة ليالٍ. فأرسل إلي فقال: قل أبياتاً تمدح بها هشاماً - يعني ابن المغيرة - وبني أمية. فقلت: سمهم لي، فسماهم وقال: اجعلها في عكاظ واجعلها لأبيك. فقلت:

ألا لـلـه قــومٌ و

 

لدت أخت بني سهم

قال: ثم جئت فقلت: هذه قالها أبي. فقال: لا، ولكن قل: قالها ابن الزبعري. قال: فهي إلى الآن منسوبةٌ في كتب الناس إلى ابن الزبعري.


قال الزبير: وأخبرني محمد بن الحسن المخزومي قال: أخبرني محمد بن طلحة أن عمر بن أبي ربيعة قائل هذه الأبيات:

ألا لـلـه قــوم و

 

لدت أخت بني سهم

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال حدثني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشلٍ عن أبيه بمثل ما رواه الزبير عنه. وزاد فيه عمر بن شبة: قال محمد بن يحيى: و "أخت بني سهم التي عناها ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، وهي أم بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهم: هشام وهاشمٌ وأبو ربيعة والفاكه، وعدةٌ غيرهم لم يعقبوا، وإياهم يعني أبو ذؤيب بقوله:

صخب الشوارب لا يزال كأنه

 

عبدٌ لآل أبي ربيعة مسـبـع

ضرب بعزهم المثل. "قال": وكان اسم عبد الله بن أبي ربيعة في الجاهلية بحيراً، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله، وكانت قريش تلقبه "العدل"، لأن قريشاً كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنةً، ويكسوها من ماله سنةً، فأرادوا بذلك أنه وحده عدلٌ لهم جميعاً في ذلك.


وفيه يقول ابن الزبعري:

بحير بن ذي الرمحين قرب مجلسي

 

وراح علي خيره غـير عـاتـم

وقد قيل: إن العدل هو الوليد بن المغيرة.
وكان عبد الله بن أبي ربيعة تاجراً موسراً، وكان متجره إلى اليمن، وكان من أكثرهم مالاً. وأمه أسماء بنت مخربة، وقيل: مخرمة، وكانت عطارة يأتيها العطر من اليمن. وقد تزوجها هشام بن المغيرة أيضاً، فولدت له أبا جهل والحارث ابني هشام، فهي أمهما وأم عبد الله وعياش ابني أبي ربيعة.


أخبرني الحرمي والطوسي قال: حدثنا الزبير قال حدثني عمي عن الواقدي قال: كانت أسماء بنت مخربة تبيع العطر بالمدينة. فقالت الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية - وكان أبوها قتل أبا جهل بن هشام يوم بدر واحتز رأسه عبد الله بن مسعود - وقيل: بل عبد الله بن مسعود هو الذي قتله - فذكرت أن أسماء بنت مخربة دخلت عليها وهي تبيع عطراً لها في نسوةٍ، قالت: فسألت عنا، فانتسبنا لها. فقالت: أأنت ابنة قاتل سيده؟ تعني أبا جهل. قلت: بل أنا بنت قاتل عبده. قالت: حرامٌ علي أن أبيعك من عطري شيئاً. قلت: وحرامٌ علي أن أشتري منه شيئاً، فما وجدت لعطرٍ نتناً غير عطرك، ثم قمت، ولا والله ما رأيت عطراً أطيب من عطرها، ولكني أردت أن أعيبه لأغيظها.


وكان لعبد الله بن أبي ربيعة عبيدٌ من الحبشة يتصرفون في جميع المهن، وكان عددهم كثيراً، فروي عن سفيان بن عيينة أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى حنين: هل لك في حبش بني المغيرة تستعين بهم؟ فقال: "لا خير في الحبش إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا، وإن فيهم لخلتين حسنتين إطعام الطعام والبأس يوم البأس". واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ربيعة على الجند ومخلفيها، فلم يزل عاملاً عليها حتى قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. هذا من رواية الزبير عن عمه. قال: وحدثني ابن الماجشون عن عمه أن عثمان بن عفان - رحمه الله - استعمله أيضاً عليها.

أم عمر بن أبي ربيعة وأخوه الحارث

الملقب بالقباع

وأم عمر بن أبي ربيعة أم ولدٍ يقال لها "مجد"، سبيت من حضرموت، ويقال من حمير. قال أبو محلم ومحمد بن سلام: هي من حمير، ومن هناك أتاه الغزل، يقال: غزلٌ يمانٍ، ودل حجازي.


وقال عمر بن شبة: أم عمر بن أبي ربيعة أم ولدٍ سوداء من حبشٍ يقال لهم: فرسان. وهذا غلط من أبي زيد، تلك أم أخيه الحارث بن عبد الله الذي يقال له: "القباع"، وكانت نصرانيةً. وكان الحارث بن عبد الله شريفاً كريماً ديناً وسيداً من سادات قريش.


قال الزبير بن بكار: ذكره عبد الملك بن مروان يوماً وقد ولاه عبد الله بن الزبير، فقال: أرسل عوفاً وقعد! "لا حر بوادي عوف". فقال له يحيى بن الحكم: ومن الحارث ابن السوداء! فقال له عبد الملك: ما ولدت والله أمة خيراً مما ولدت أمه!.


وأخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزبير والمدائني والمسيبي: أن أمه ماتت نصرانية وكانت تسر ذلك منه. فحضر الأشراف جنازتها، وذلك في عهد عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه - فسمع الحارث من النساء لغطاً، فسأل عن الخبر، فعرف أنها ماتت نصرانية وأنه وجد الصليب في عنقها، وكانت تكتمه ذلك. فخرج إلى الناس فقال: انصرفوا رحمكم الله، فإن لها أهل دينٍ هم أولى بها منا ومنكم فاستحسن ذلك منه وعجب الناس من فعله.


نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء الغناء في "ألا لله قوم"... الأبيات صوت

ألا لـلـه قــومٌ و

 

لدت أخت بني سهم

هشامٌ وأبو عـبـد

 

منافٍ مدرة الخصم

وذو الرمحين أشباك

 

على القوة والحزم

فهـــذان يذودان

 

وذا من كثب يرمي

عروضه من مكفوف الهزج. الغناء لمعبد خفيف رملٍ من رواية حماد.

رأي يزيد في غناء معبد وابن سريج

أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال إسماعيل بن مجمع أخبرنا المدائني عن رستم ابن صالح قال: قال يزيد بن عبد الملك يوماً لمعبد: يا أبا عباد، أني أريد أن أخبرك عن نفسي وعنك، فإن قلت فيه خلاف ما تعلم فلا تتحاش أن ترده علي، فقد أذنت لك. قال: يا أمير المؤمنين، لقد وضعك ربك بموضع لا يعصيك إلا ضال، ولا يرد عليك إلا مخطىء. قال: إن الذي أجده في غنائك لا أجده في غناء ابن سريج: أجد في غنائك متانةً، وفي غنائه انحناثاً وليناً. قال معبد: والذي أكرم أمير المؤمنين بخلافته، وارتضاه لعباده، وجعله أميناً على أمة نبيه صلى الله عليه وسلم، ما عدا صفتي وصفة ابن سريج، وكذا يقول ابن سريج وأقول، ولكن أن رأى أمير المؤمنين أن يعلمني هل وضعني ذاك عنده فعل. قال: لا والله، ولكني أؤثر الطرب على كل شيء.


قال: يا سيدي فإذا كان ابن سريج يذهب إلى الخفيف من الغناء وأذهب أنا إلى الكامل التام، فأغرب أنا ويشرق هو، فمتى نلتقي؟ قال: أفتقدر أن تحكي رقيق بن سريج؟ قال نعم، فصنع من وقته لحناً من الخفيف في:

ألا لـلـه قــوم و

 

لدت أخت بني سهم

الأربعة الأبيات. فغناه، فصاح يزيد: أحسنت والله يا مولاي! أعد فداك أبي وأمي، فأعاد، فرد عليه مثل قوله الأول، فأعاد. ثم قال: أعد فداك أبي وأمي، فأعاد، فاستخفه الطرب حتى وثب وقال لجواريه: افعلن كما أفعل، وجعل يدور في الدار ويدرن معه وهو يقول:

يا دار دورينــي

 

يا قرقر امسكيني

آليت منـذ حـين

 

حقاً لتصرمينـي

ولا تواصلـينـي

 

بالله فارحمينـي

لم تذكري يميني!

 

 

قال: فلم يزل يدور كما يدور الصبيان ويدرن معه، حتى خر مغشياً عليه ووقعن فوقه ما يعقل ولا يعقلن، فابتدره الخدم "فأقاموه " وأقاموا من كان على ظهره من جواريه، وحملوه وقد جاءت نفسه أو كادت.

سيرة جوان بن عمر بن أبي ربيعة

رجع الخبر إلى ذكر عمر بن أبي ربيعة وكان لعمر بن أبي ربيعة بنٌ "صالحٌ " يقال له "جوان"، وفيه يقول العرجي:

شهيدي جوانٌ على حبها

 

أليس بعدلٍ عليها جوان

فأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يحيى بن محمد بن عبد الله بن ثوبان قال: جاء جوان بن عمر بن أبي ربيعة إلى زياد بن عبد الله الحارثي وهو إذ ذاك أميرٌ على الحجاز، فشهد عنده بشهادةٍ، فتمثل:

شهيدي جوانٌ على حبها

 

أليس بعدلٍ عليها جوان

- وهذا الشعر للعرجي - ثم قال: قد أجزنا شهادتك، وقبله. وقال غير الزبير: إنه جاء إلى العرجي، فقال له: يا هذا! ما لي وما لك تشهرني في شعرك! متى أشهدتني على صاحبتك هذه! ومتى كنت أنا أشهد في مثل هذا! قال: وكان امرأً صالحاً.
وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني بكار بن عبد الله قال: استعمل بعض ولاة مكة جوان بن عمر على تبالة، فحمل على خثعم في صدقات أموالهم حملاً شديداً، فجعلت خثعم سنة جوانٍ تاريخاً، فقال ضبارة بن الطفيل:

أتلبسنا ليلى على شعـثٍ بـنـا

 

من العام أو يرمى بنا الرجوان

صوت

رأتني كأشلاء اللجام وراقـهـا

 

أخو غـزلٍ ذو لـمةٍ ودهـان

ولو شهدتني في ليالٍ مضين لي

 

لعامين مرا قبل عـام جـوان

رأتنا كريمي معشرٍ حم بينـنـا

 

هوى فحفظناه بحسـن صـيان

نذود النفوس الحائمات عن الصبا

 

وهن بأعنـاقٍ إلـيه ثـوانـي

ذكر حبش أن الغناء في هذه الأبيات للغريض ثاني ثقيلٍ بالبنصر، وذكر الهشامي أنه لقراريط.
أمة الواحد بنت عمر بن أبي ربيعة قالوا: وكان لعمر أيضاً بنت يقال لها: "أمه الواحد" وكانت مسترضعةٌ في هذيل، وفيها يقول عمر بن أبي ربيعة - وقد خرج يطلبها فضل الطريق -:

لم تدر وليغفر لها ربهـا

 

ما جشمتنا أمة الواحـد

جشمت الهول براذيننـا

 

نسأل عن بيت أبي خالد

نسأل عن شيخ بني كاهلٍ

 

أعيا خفاء نشدة الناشـد

مولد عمر يوم قتل عمر بن الخطاب

ووفاته وقد قارب السبعين  أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامري أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثنا أسامة بن زيد بن الحكم بن عوانة عن عوانة بن الحكم - قال: أراه عن الحسن - قال: ولد عمر بن أبي ربيعة ليلة قتل عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه - فأي حقٍّ رفع، وأي باطلٍ وضع!. قال عوانة: ومات وقد قارب السبعين أو جاوزها.


أخبرني الجوهري والمهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني عبد الله بن الحارث عن ابن جريج عن عطاء قال: كان عمر بن أبي ربيعة أكبر مني كأنه ولد في أول الإسلام.

عمر في مجلس ابن عباس بالمسجد الحرام

أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال: حدثنا ابن أبي ثابت، وحدثني به علي بن صالح بن الهيثم عن أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي والزبيري والمدائني ومحمد بن سلام، قالوا: قال أيوب بن سيار، وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد العزيز بن عمران عن أيوب بن سيار عن عمر الركاء قال: بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناسٌ من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين أو ممصرين حتى دخل وجلس، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده:

أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر

 

غداة غدٍ أم رائحٌ فمهجر

حتى أتى على آخرها. فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: الله يابن عباس! إنا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلام مترفٌ من مترفي قريش فينشدك:

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت

 

فيخزى وأما بالعشى فـيخـسـر

فقال: ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟ فقال: قال:

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت

 

فيضحى وأما بالعشى فيخـصـر

فقال: ماأراك إلا وقد حفظت البيت! قال: أجل! وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها. قال فإني أشاء، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها. وفي غير رواية عمر بن شبة: أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى آخرها، ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحاً. قال: وهذا غاية الذكاء. فقال له بعضهم: ما رأيت أذكى منك قط. فقال: لكني ما رأيت قط أذكى من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان ابن عباس يقول: ما سمعت شيئاً قط إلا رويته، وإني لأسمع صوت النائحة فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول. قال: ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة: "أمن آل نعم..." فقال: إنا نستجيدها.
وقال الزبير في خبره عن عمه: فكان ابن عباس بعد ذلك كثيراً ما يقول: هل أحدث هذا المغيري شيئاً بعدنا؟ قال: وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: كان عبد الله بن الزبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة:

فيضحى وأما بالعشي فيحضر

قال: لا، بل:

فيخزى وأما بالعشي فيخسر

قال عمر بن شبة وأبو هفان والزبير في حديثهم: ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد، فأنشده:

تشط غداً دار جيراننا

وسكت، فقال ابن عباس:

وللدار بعد غدٍ أبعد

فقال له عمر: كذلك قلت - أصلحك الله - أفسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.

شعره وخلقه وشهادة الشعراء فيه

أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن إسحاق قال: كانت العرب تقر لقريشٍ بالتقدم في كل شيء عليها إلا في الشعر، فإنها كانت لا تقر لها به، حتى كان عمر بن أبي ربيعة، فأقرت لها الشعراء بالشعر أيضاً ولم تنازعها شيئاً.
قال الزبير: وسمعت عمي مصعباً يحدث عن جدي أنه قال مثل هذا القول. قال: وحدثني عدةٌ من أهل العلم أن النصيب قال: لعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال.
قال المدائني قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة: ما يمنعك من مدحنا؟ قال: إني لا أمدح الرجال، إنما أمدح النساء. قال: وكان ابن جريجٍ يقول: ما دخل على العواتق في حجالهن شيءٌ اضر عليهن من شعر عمر بن أبي ربيعة. قال الزبير وحدثني عمي عن جدي - وذكره أيضاً إسحاق فيما رويناه عن أبي هفان عنه عن المدائني - قال قال هشام بن عروة: لا ترووا فتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورطن في الزنا تورطاً، وأنشد:

لقد أرسلت جـاريتـي

 

وقلت لها خذي حذرك

وقولي في مـلاطـفةٍ

 

لزينب: نولي عمرك

أخبرنا علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن الزبيري قال حدثني أبي عن سمرة الدوماني من حمير قال: إني لأطوف بالبيت فإذا أنا بشيخٍ في الطواف، فقيل لي: هذا عمر بن أبي ربيعة. فقبضت على يده وقلت له: يابن أبي ربيعة. فقال: ما تشاء؟ قلت: أكل ما قتله في شعرك فعلته؟ قال: إليك عني. قلت: أسألك بالله! قال: نعم وأستغفر الله.


قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن حمادٍ الراوية: أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال: ذاك الفستق المقشر.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه قال: سمع الفرزدق شيئاً من نسيب عمر فقال: هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأته وبكت الديار، ووقع هذا عليه. قال: وكان بالكوفة رجلٌ من الفقهاء تجتمع إليه الناس فيتذاكرون العلم، فذكر يوماً شعر عمر بن أبي ربيعة فهجنه. فقالوا له: بمن ترضى؟ ومر بهم حمادٌ الراوية فقال: قد رضيت بهذا. فقالوا له: ما تقول فيمن يزعم أن عمر بن أبي ربيعة لم يحسن شيئاً؟ فقال: أين هذا؟ اذهبوا بنا إليه. قالوا: نصنع به ماذا؟ قال: ننزو على أمه لعلها تأتي بمن هو أمثل من عمر.
قال إسحاق: وقال أبو المقوم الأنصاري: ما عصي الله بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة.


قال إسحاق: وحدثني قيس بن داود قال حدثني أبي قال: سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول: لقد كنت وأنا شابٌ أعشق ولا أعشق، فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات. ولقد لقيتني فتاتان مرةً فقالت لي إحداهما: أدن مني يابن أبي ربيعة أسر إليك شيئاً. فدنوت منها ودنت الأخرى فجعلت تعضني، فما شعرت بعض هذه من لذة سرار هذه.


قال إسحاق: وذكر عبد الصمد بن المفضل الرقاشي عن محمد بن فلان الزهري - سقط اسمه - عن إسحاق عن عبد الله بن مسلمة بن أسلم قال: لقيت جريراً فقلت له: يا أبا حزرة، إن شعرك رفع إلى المدينة وأنا أحب أن تسمعني منه شيئاً. فقال: إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب، وإن أنسب الناس المخزومي. يعني ابن أبي ربيعة.


قال إسحاق: وذكر محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن خاله عبد العزيز بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال: أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيسٍ، وبنو أخيه معه وهم محرمون، فقال لبعضهم: خذ بيدي فأخذ بيده، وقال: ورب هذه البنية ما قلت لامرأةٍ قط شيئاً لم تقله لي، وما كشفت ثوباً عن حرام قط. قال: ولما مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعاً شديداً. فقال له عمر: أحسبك إنما تجزع لما تظنه بي، والله ما أعلم أني ركبت فاحشةً قط! فقال: ما كنت أشفق عليك إلا من ذلك، وقد سليت عني.


قال إسحاق: حدثني مصعبٌ الزبيري قال قال مصعب بن عروة بن الزبير: خرجت أنا وأخي عثمان إلى مكة معتمرين أو حاجين، فلما طفنا بالبيت مضينا إلى الحجر نصلي فيه، فإذا شيخٌ قد فرج بيني وبين أخي فأوسعنا له. فلما قضى صلاته أقبل علينا فقال: من أنتما؟ فأخبرناه. فرحب بنا وقال: يا ابني أخي، إني موكل بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه، ثم قام، فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة.


أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك قال: عاش عمر بن أبي ربيعة ثمانين سنة، فتك منها أربعين سنةً، ونسك أربعين سنة.


قال الزبير وحدثني إبراهيم عن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: حججت مع أبي وأنا غلامٌ وعلي جمة. فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلمت عليه وجلست معه، فجعل يمد الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه، ويقول: واشباباه!. حتى فعل ذلك مراراً. ثم قال لي: يابن أخي، قد سمعتني أقول في شعري: قالت لي وقلت لها، وكل مملوكٍ لي حرٌ إن كنت كشفت عن فرجٍ حرامٍ قط! فقمت وأنا متشككٌ في يمينه، فسألت عن رقيقه فقيل لي: أما في الحوك فله سبعون عبداً سوى غيرهم. أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت: مررت بجدك عبد الله بن مصعب وأنا داخلةٌ منزله وهو بفنائه ومعي دفتر، فقال: ما هذا معك؟ ودعاني. فجئته وقلت: شعر عمر بن أبي ربيعة. فقال: ويحك! تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة! إن لشعره لموقعاً من القلوب ومدخلاً لطيفاً، لو كان شعرٌ يسحر لكان هو، فارجعي به. قالت: ففعلت.


"قال إسحاق": وأخبرني الهيثم بن عدي قال: قدمت امرأةٌ مكة وكانت من أجمل النساء. فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلمها، فلم تلتفت إليه. فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها. فقالت له: إليك عني يا هذا، فإنك في حرم الله وفي أيامٍ عظيمة الحرمة. فألح عليها يكلمها، حتى خافت أن يشهرها. فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: أخرج معي يا أخي فأرني المناسك، فإني لست أعرفها، فأقبلت وهو معها. فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها، فتمثلت المرأة بقول النابغة:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له

 

وتتقي صولةً المستأسد الحامـي

قال إسحاق: فحدثني السندي مولى أمير المؤمنين أن المنصور قال -وقد حدث بهذا الخبر-: وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلا سمعت بهذا الحديث.


قال إسحاق: قال لي الأصمعي: عمر حجةٌ في العربية، ولم يؤخذ عليه إلا قوله:

ثم قالوا تحبها قلـت بـهـراً

 

عدد الرمل والحصى والتراب

وله في ذلك مخرجٌ، إذ قد أتى به على سبيل الإخبار. قال: ومن الناس من يزعم أنه إنما قال:

قيل لي هل تحبها قلت بهرا

نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الأشعار التي قالها عمر بن أبي ربيعة وغنى فيها المغنون إذ كانت لم تنسب هناك لطول شرحها

شعر عمر الذي غنى فيه المغنون

منها ما يغنى فيه من قوله:

صوت

أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فـمـبـكـر

 

غداة غـدٍ أم رائح فـمـهـجـر

لحاجة نفسٍ لم تقل في جـوابـهـا

 

فتبلغ عذراً والـمـقـالة تـعـذر

أشارت بمدراها وقالت لأخـتـهـا

 

أهذا المغيري الذي كـان يذكـر؟

فقالت: نعم لا شـك غـير لـونـه

 

سر الليل يطوي نصه والتهـجـر

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت

 

فيضحى وأما بالعشي فيخـصـر

أخا سفرٍ جواب أرضٍ تـقـاذفـت

 

به فلواتٌ فهو أشـعـث أغـبـر

وليلة ذي دوران جشمتني السـرى

 

وقد يجشم الهول المحب المغـرر

فقلت: أباديهم فـإمـا أفـوتـهـم

 

وإما ينال السـيف ثـأراً فـيثـأر

هذه الأبيات جمعت على غير توالٍ؛ لأنه إنما ذكر منها ما فيه صنعةٌ. غنى في الأول والثاني من الأبيات ابن سريج خفيف رملٍ بالبنصر عن أحمد بن المكي وذكر حبشٌ أن فيهما لمعبدٍ لحناً من الثقيل الأول بالبنصر.


وغنى ابن سريج في الثالث والرابع أيضاً خفيف ثقيلٍ بالوسطى، وذكر حبشٌ أن فيهما لحناً من الهزج بالوسطى لحكم. وغنى ابن سريج في الخامس والسادس لحناً من الرمل بالوسطى عن عمرو بن بانه. وذكر يونس أن في السابع والثامن لابن سريج لحناً ولم يذكر طريقته، وذكر حبشٌ أن فيهما لمالك لحناً من الثقيل الثاني بالبنصر.


أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبي: أن عمر بن أبي ربيعة أتى عبد الله بن عباس وهو في المسجد الحرام فقال: متعني الله بك! إن نفسي قد تاقت إلى قول الشعر ونازعتني إليه، وقد قلت منه شيئاً أحببت أن تسمعه وتستره علي. فقال: أنشدني، فأنشده:

أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر

فقال له: أنت شاعرٌ يا ابن أخي، فقل ما شئت. قال: وأنشد عمر هذه القصيدة طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري وهو راكبٌ، فوقف ومازال شانقاً ناقته حتى كتبت له.


أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني الحسين بن إسماعيل قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال: كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: هذا شعرٌ تهامي إذا أنجد وجد البرد، حتى أنشد قوله:

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت

 

فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر

قليلاً على ظهر المطية ظـلـه

 

سوى ما نفى عنه الرداء المحبر

وأعجبها من عيشها ظل غـرفةٍ

 

وريان ملتف الحدائق أخضـر

ووالٍ كفاها كل شيء يهمـهـا

 

فليست لشيءٍ آخر الليل تسهـر

فقال جرير: ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر.


أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني أبو عبد الله اليمامي قال حدثني الأصمعي قال: قال لي الرشيد: أنشدني أحسن ما قيل في رجل قد لوحه السفر، فأنشدته قول عمر بن أبي ربيعة:

رأت رجلاً إذا ما الشمس عارضت

 

فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر

أخا سفرٍ جواب أرضٍ تقـاذفـت

 

به فلوات فهو أشـعـث أغـبـر

... الأبيات كلها. قال: فقال لي الرشيد: أنا والله ذلك الرجل. قال: وهذا بعقب قدومه من بلاد الروم.


أخبرني الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة في كتابه إلي: قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني شعيب بن صخر قال: كان بين عائشة بنت طلحة وبين زوجها عمر بن عبيد الله بن معمرٍ كلامٌ، فسهرت ليلةً فقالت: إن ابن أبي ربيعة لجاهلٌ بليلتي هذه حيث يقول:

ووالٍ كفاها كل شيءٍ يهمهـا

 

فليست لشيءٍ آخر الليل تسهر

أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان قال حدثني إسحاق عن المدائني قال: عرض يزيد بن معاوية جيش أهل الحرة، فمر به رجلٌ من أهل الشأم معه ترسٌ خلقٌ سمجٌ، فنظر إليه يزيد وضحك وقال له: ويحك! ترس عمر بن أبي ربيعة كان أحسن من ترسك. يريد قول عمر:

فكان مجني دون من كنت أتقي

 

ثلاث شخوصٍ كاعبان ومعصر

أخبرنا جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال: سمع أبو الحارث جميز مغنيةً تغني:

أشارت بمدراها وقالت لأختها

 

أهذا المغيري الذي كان يذكر؟

فقال جميز: امرأته طالق إن كانت أشارت إليه بمدراها إلا لتفقأ بها عينه، هلا أشارت إليه بنقانق مطرفٍ بالخردل، أو سنبوسجةٍ مغموسةٍ في الخل، أو لوزينجةٍ شرقةٍ بالدهن! فإن ذلك أنفع له، وأطيب لنفسه، وأدل على مودة صاحبته.
أخبرني الحرمي قال: حدثنا الزبير قال حدثني عبد العزيز بن أبي أويس عن عطاف بن خالد الوابصي عن عبد الرحمن بن حرملة قال: أنشد سعيد بن المسيب قول عمر بن أبي ربيعة:

وغاب قميرٌ كنت أرجو غيوبه

 

وروح رعيانٌ ونوم سـمـر

فقال: ما له قاتله الله! لقد صغر ما عظم الله! يقول الله عز وجل: "والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم".

شعر عمر في فاطمة الكندية

بنت محمد بن الأشعث

ومنها ما فيه غناء لم ينسب في موضعه من الأخبار فنسب ها هنا:

صوت

تشط غـداً دار جـيرانـنـا

 

وللدار بـعـد غـدٍ أبـعـد

إذا سلكت غمـر ذي كـنـدةٍ

 

مع الصبح قصدٌ لها الفرقـد

عراقيةٌ، وتهامـي الـهـوى

 

يغـور بـمـكة أو ينـجـد

وحث الحداة بهـا عـيرهـا

 

سراعاً إذا ما ونت تـطـرد

هنالك إما تـعـزي الـفـؤاد

 

وإما على إثرهـا تـكـمـد

وليسـت بـبـدعٍ إذا دارهـا

 

نأت والـعـزاء إذاً أجـلـد

صرمت وواصلت حتى علـم

 

ت أين المصادر والـمـورد

وجربت من ذاك حتى عرف

 

ت ما أتوقى ومـا أحـمـد

فلما دنونا لجـرس الـنـبـا

 

ح والضوء، والحي لم يرقدوا

"نأينا عن الحـي حـتـى إذا

 

تودع من نارها الـمـوقـد"

بعثنا لهـا بـاغـياً نـاشـداً

 

وفي الحي بغية من ينـشـد

أتتنا تهـادى عـلـى رقـبةٍ

 

من الخوف أحشاؤها ترعـد

تقول وتظهـر وجـداً بـنـا

 

ووجدي وإن أظهرت أوجـد

لمما شقائي تعـلـقـتـكـم

 

وقد كان لي عندكم مقـعـد

وكفت سوابق مـن عـبـرةٍ

 

على الخد يجري بها الإثمـد

فإن التي شيعتـنـا الـغـداة

 

مع الفجر قلبي بها مقصـد

"كـأن أقـاحـي مـولــيةً

 

تحدر من ماء مـزنٍ نـدي"

غنى معبد في الأول والثاني والثالث من الأبيات خفيف ثقيلٍ من أصواتٍ قليلات الأشباه عن إسحاق. وغنى فيها أشعب "المعروف بالطامع" ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن الهشامي. وللغريض في الأبيات الأربعة الأول ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو. ولابن سريج في الرابع عشر وهو:

وكفت سوابق من عبرة

ثم الأول والتاسع رملٌ بالوسطى عن ابن المكي. ولمالك (ويقال إنه لمعبد ) خفيف ثقيلٍ في الرابع عشر والثالث عشر والأول عن الهشامي. وفي السابع والثامن والأول لابن جامع ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي. وفي الأول والحادي عشر لابن سريج رملٌ بالبنصر في مجراها عن إسحاق، وفيهما ثاني ثقيلٍ بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق ولم ينسبه إلى أحد، وذكر أحمد بن المكي أنه لأبيه. وفي الرابع والخامس رملٌ لمعبد عن ابن المكي، وقيل: إنه من منحول أبيه إلى معبد. وفي الثالث عشر والسادس ليونس خفيف رملٍ عن الهشامي. وفي الأول والثاني عشر ثاني ثقيلٍ تشترك فيه الأصابع عن ابن المكي، وقال أيضاً: فيه للأبجر لحنٌ آخر من الثقيل الثاني. ولمعبد في الرابع والسادس ثاني ثقيل آخر عنه، وفيهما أيضاً رملٌ لابن سريج عنه وعن حبشٍ. ولإسحاق في الأول والثاني رملٌ من كتابه. ولعلية بنت المهدي في الثالث عشر والأول ثقيل أول. ولابن مسجحٍ في الثاني عشر والأول رملٌ، ويقال إنه للرطاب، وذكر حبش أنه لابن سريج. وفي الخمسة الأبيات الأولى متواليةً خفيف رملٍ بالوسطى ينسب إلى معبد وإلى يحيى المكي، وزعم حبشٌ أن فيها رملاً بالوسطى لابن محرز. والذي ذكره يونس في كتابه أن في

تشط غداً دار جيراننا

خمسة ألحانٍ: اثنان لمعبد، واثنان لمالك، وواحد ليونس. وذكر أحمد بن عبيد أن الذي عرف صحته من الغناء فيه سبعة ألحانٍ: ثقيلٌ أول، وثاني ثقيلٍ، وخفيف ثقيل، ورملٌ، وخفيفه.
أخبرني بعض أصحابنا عن أبي عبد الله بن المرزبان أن الذي أحصي فيه إلى وقته ستة عشر لحناً. والذي وجدته فيه مما جمعته ها هنا - سوى ما لم يذكر يونس طريقته - تسعة عشر لحناً: منها في الثقيل الأول لحنان، وفي خفيف الثقيل لحنان، وفي الثقيل الثاني ستة، وفي الرمل سبعة، وفي خفيف الرمل لحنان.


وهذا الشعر يقوله عمر بن أبي ربيعة في امرأةٍ من ولد الأشعث بن قيس حجت فهويها وراسلها، فواصلته ودخل إليها وتحدث معها وخطبها، فقالت: أما ها هنا فلا سبيل إلى ذلك، ولكن إن قدمت إلى بلدي خاطباً تزوجتك، فلم يفعل.
أخبرني بهذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن الحسن المخزومي عن محرز بن جعفر مولى أبي هريرة عن أبيه قال: سمعت بديحاً يقول: حجت بنت محمد بن الأشعث الكندية، فراسلها عمر بن أبي ربيعة وواعدها أن يتلقاها مساء الغد، وجعل الآية بينه وبينها أن تسمع ناشداً ينشد - إن لم يمكنه أن يرسل رسولاً - يعلمها بمصيره إلى المكان الذي وعدها. قال بديح: فلم أشعر به إلا متلثماً، فقال لي: يا بديح، ائت بنت محمد بن الأشعث فأخبرها أني قد جئت لموعدها، فأبيت أن أذهب وقلت: مثلي لا يعين على مثل هذا.
فغيب بغلته عني ثم جاءني فقال لي: قد أضللت بغلتي فانشدها لي في زقاق الحاج. فذهبت فنشدتها، فخرجت علي بنت محمد بن الأشعث وقد فهمت الآية، فأتته لموعده، وذلك قوله:

وآية ذلك أن تسمعي

 

إذا جئتكم ناشداً ينشد

قال بديح: فلما رأيتها مقبلةً عرفت أنه قد خدعني بنشدي البغلة، فقلت له: يا عمر، لقد صدقت التي قالت لك:

فهذا سحرك النسـوا

 

ن، قد خبرنني خبرك

قد سحرتني وأنا رجل! فكيف برقة قلوب النساء وضعف رأيهن! وما آمنك بعدها، ولو دخلت الطواف ظننت أنك دخلته لبليةٍ. قال: وحدثها بحديثي، فما زالا ليلتهما يفصلان حديثهما بالضحك مني.


قال الزبير: فحدثني أبو الهندام مولى الربعيين عن أبي الحارث بن عبد الله الربعي قال: لقي ابن أبي عتيق بديحاً فقال له: يا بديح، أخدعك ابن أبي ربيعة أنه قرشي؟ فقال بديح: نعم! وقد أخطأه ذلك عند القسري وصواحبه. فقال ابن أبي عتيق: ويحك يا بديح! أن من تغابى لك ليغبى عنك، فقد ضمت عليه قبضتك إن كان لك ذهنٌ، أما رأيت لمن كانت العاقبة؟ والله ما بالى ابن أبي ربيعة أوقع عليهن أم وقعن عليه!. أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن كعب بن بكر المحاربي: أن فاطمة بنت محمد بن الأشعث حجت، فراسلها عمر بن أبي ربيعة فواعدته أن تزوره، فأعطى الرسول الذي بشره بزيارتها مائة دينار.


أخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله المذكورين، قالوا: حجت بنتٌ لمحمد بن الأشعث "- هكذا قال إسحاق وهو عندي الصحيح -" وكانت معها أمها وقد سمعت بعمر بن أبي ربيعة فأرسلت إليه، فجاءها فاستنشدته، فأنشدها:

تشط غداً دار جيراننا

 

وللدار بعد غدٍ أبعد

وذكر القصة بطولها. قال: وقد كانت لما جاءها أرسلت بينها وبينه ستراً رقيقاً تراه من ورائه ولا يراها، فجعل يحدثها حتى استنشدته، فأنشدها هذه القصيدة، فاستخفها الشعر فرفعت السجف، فرأى وجهاً حسناً في جسمٍ ناحل، فخطبها وأرسل إلى أمها بخمسمائة دينار، فأبت وحجبته وقالت للرسول: تعود إلينا. فكأن الفتاة غمها ذلك، فقالت لها أمها: قد قتلك الوجد به فتزوجيه. قالت: لا والله لا يتحدث أهل العراق عني أني جئت ابن أي ربيعة أخطبه، ولكن إن أتاني إلى العراق تزوجته. قال: ويقال إنها راسلته وواعدته أن تزوره، فأجمر بيته وأعطى المبشر مائة دينار، فأتته وواعدته إذا صدر الناس أن يشيعها، وجعلت علامة ما بينهما أن يأتيها رسوله ينشدها ناقةً له. فلما صدر الناس فعل ذلك عمر. وفيه يقول وقد شيعها:

صوت

قال الخليط غداً تصدعـنـا

 

أو بعده، أفلا تـشـيعـنـا

أما الرحيل فدون بعـد غـدٍ

 

فمتى تقول الدار تجمعنـا

لتشوقنا هندٌ وقد عـلـمـت

 

علماً بأن البين يفـزعـنـا

عجباً لموقفنا وموقـفـهـا

 

وبسمع تربيها تراجعـنـا!

ومقالها سر ليلةً مـعـنـا

 

نعهد فإن البين فاجعـنـا!

قلت العيون كثيرةٌ معـكـم

 

وأظن أن السير مانعـنـا

لا بل نزوركم بأرضـكـم

 

فيطاع قائلكم وشافـعـنـا

قالت أشيءٌ أنت فـاعـلـه

 

هذا لعمرك أم تخادعـنـا؟

بالله حدث مـا تـؤمـلـه

 

واصدق فإن الصدق واسعنا

اضرب لنا أجلاً نعـد لـه

 

إخلاف موعده تقاطعـنـا

الغناء لابن سريج ثقيلٌ أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، وذكر عمرو أنه للغريض بالوسطى. وفيه لابن سريج خفيف رملٍ عن الهشامي، وذكر حبشٌ أنه لموسى شهوات.

شعره في زينب بنت موسى الجمحية

ومنها مما لم ينسب أيضاً

صوت

لقد أرسلت جـاريتـي

 

وقلت لها: خذي حذرك

وقولي في مـلاطـفةٍ

 

لزينب: نولي عمـرك

فهزت رأسها عجـبـاً

 

وقالت: من بذا أمـرك

أهذا سحرك النـسـوا

 

ن، قد خبرنني خبـرك

غنى فيها ابن سريج خفيف رملٍ بالبنصر عن عمرو، وقال قومٌ: إنه للغريض. وفيها لمالكٍ خفيف ثقيلٍ عن ابن المكي. وفي هذا الشعر ألحانٌ كثيرةٌ، والشعر فيها على غير هذه القافية، لأن هذه الأبيات لعمر من قصيدةٍ رائيةٍ موصولة الراءات بألفٍ، إلا أن المغنين غيروا هذه الأبيات في هذين اللحنين، فجعلوا مكان الألف كافاً، وإنما هي:

لقد أرسلت جاريتـي

 

وقلت لها: خذي حذرا

وأول القصيدة:

صوت

تصابى القلب وادكـرا

 

صباه ولم يكن ظهـرا

لزينب إذ تـجـدلـنـا

 

صفاءً لم يكـن كـدرا

أليست بالتـي قـالـت

 

لمولاةٍ لهـا ظـهـرا

أشيري بالـسـلام لـه

 

إذا هو نحونا خـطـرا

"لقد أرسلت جـاريتـي

 

وقلت لها: خذي حذرا "

وقولي في مـلاطـفةٍ

 

لزينب: نولي عـمـرا

فهزت رأسها عجـبـا

 

وقالت: من بذا أمـرا!

أهذا سحرك النـسـوا

 

ن، قد خبرنني الخبـرا

غنى ابن سريج في الثالث والرابع والخامس والأول خفيف ثقيلٍ أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق. وذكر عمرو بن بانة في نسخته الأولى أنه لابن سريج، وأبو إسحاق ينسبه في نسخته الثانية إلى دحمان. وللغريض في الأول من الأبيات لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالوسطى في مجراها، وأضاف إليه بيتين ليسا من هذه القصيدة وهما:

طربت ورد من تهوى

 

جمال الحي فابتكروا

فقل للـمـالـكـية لا

 

تلومي القلب إن جهرا

وذكر يونس أن لمعبدٍ في هذا الشعر الذي أوله:

تصابى القلب وادكرا

لحنين لم يذكر جنسيهما، وذكر الهشامي: أن أحدهما خفيف ثقيلٍ والآخر رملٌ. وفي الأبيات التي غنى فيها الغريض رملٌ لدحمان عن الهشامي، قال: ويقال إنه لابنة الزبير. وزينب التي ذكرها عمر بن أبي ربيعة ها هنا، يقال لها: زينب بنت موسى أخت قدامة بن موسى الجمحي.
أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامري. وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري قال حدثني عمي عمران بن عبد العزيز قال: شبب عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى الجمحية في قصيدته التي يقول فيها:

صوت

يا خليلي من ملامٍ دعـانـي

 

وألما الغـداة بـالأظـعـان

لا تلوما في آل زينـب إن ال

 

قلب رهنٌ بآل زينب عانـي

ما أرى ما بقيت أن أذكر المو

 

قف منها بالخيف إلا شجاني

- غنى في هذه الأبيات الغريض خفيف رملٍ بالبنصر عن عمرو -

لم تدع للنساء عـنـدي حـظـاً

 

غير ما قلت مازحاً بلـسـانـي

هي أهل الصفاء والود مـنـي

 

وإليها الهوى فلا تـعـدلانـي

حين قالت لأختـهـا ولأخـرى

 

من قطينٍ مولـدٍ: حـدثـانـي

كيف لي اليوم أن أرى عمر المر

 

سل سراً في القول أن يلقانـي؟

قالتا: نبـتـغـي رسـولاً إلـيه

 

ونميت الحديث بالـكـتـمـان

إن قلبي بعد الذي نلت مـنـهـا

 

كالمعمى عن سائر النـسـوان

قال: وكان سبب ذكره لها أن ابن أبي عتيق ذكرها عنده يوماً فأطراها، ووصف من عقلها وأدبها وجمالها ما شغل قلب عمر وأماله إليها، فقال فيها الشعر وشبب بها، فبلغ ذلك ابن أبي عتيقٍ، فلامه فيه وقال له: أتنطق الشعر في ابنة عمي؟ فقال عمر:

صوت

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي

 

إن بي يا عتيق ما قد كفانـي

لا تلمني وأنت زينتهـا لـي

 

أنت مثل الشيطان للإنسـان

إن بي داخلاً من الحب قد أب

 

لى عظامي مكنونه وبرانـي

لو بعينيك يا عتيق نـظـرنـا

 

ليلة السفح قرت العـينـان

إذ بدا الكشح والوشاح من الد

 

ر فضلٌ فيه من المرجـان

قد قلى قلبي النساء سـواهـا

 

غير ما قلت مازحاً بلسانـي

وأول هذه القصيدة:

إنني اليوم عاد لـي أحـزانـي

 

وتذكرت ما مضى من زماني

وتـذكـرت ظـبــيةً أم رئمٍ

 

هاج لي الشوق ذكرها فشجاني

غنى أبو العبيس بن حمدون في "لا تلمني عتيق..." لحناً من الثقيل الأول المطلق. وفيه رملٌ طنبوريٌ مجهولٌ.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال: أنشد عمر بن أبي ربيعة قوله:

يا خليلي من ملامٍ دعانـي

 

وألما الغداة بـالأظـعـان

لا تلوما في آل زينب إن ال

 

قلب رهنٌ بآل زينب عاني

القصيدة. قال: فبلغ ذلك أبا وداعة السهمي فأنكره وغضب. وبلغ ذلك ابن أبي عتيقٍ وقيل له: إن أبا وداعة قد اعترض لابن أبي ربيعة من دون زينب بنت موسى، وقال: لا أقر لابن أبي ربيعة أن يذكر امرأةً من بني هصيصٍ في شعره. فقال ابن أبي عتيق: لا تلوموا أبا وداعة أن ينعظ من سمرقند على أهل عدن! قال الزبير: وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري قال حدثني عمي عمران بن عبد العزيز قال: شبب عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى في أبياته التي يقول فيها:

لا تلوما في آل زينب إن ال

 

قلب رهنٌ بآل زينب عاني

فقال له ابن أبي عتيق: أما قلبك فقد غيب عنا، وأما لسانك فشاهدٌ عليك.
قال عبد الرحمن بن عبد الله قال عمران بن عبد العزيز: عذل ابن أبي عتيقٍ عمر في ذكره زينب في شعره، فقال عمر:

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي

 

إن بي يا عتيق ما قد كفانـي

لا تلمني وأنت زينتها لي

 

 

قال: فبدره ابن أبي عتيق، فقال:

أنت مثل الشيطان للإنسان

فقال ابن أبي ربيعة: هكذا ورب البيت قلته. فقال ابن أبي عتيق: إن شيطانك ورب القبر ربما ألم بي، فيجد عندي من عصيانه خلاف ما يجد عندك من طاعته، فيصيب مني وأصيب منه.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال حدثني قدامة بن موسى قال: خرجت بأختي زينب إلى العمرة، فلما كنت بسرفٍ لقيني عمر بن أبي ربيعة على فرس فسلم علي. فقلت له: إلى أين أراك متوجهاً يا أبا الخطاب؟ فقال: ذكرت لي امرأةٌ من قومي برزة الجمال، فأردت الحديث معها. فقلت: هل علمت أنها أختي؟ فقال: لا! واستحيا وثنى عنق فرسه راجعاً إلى مكة.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن لقيط بن بكر المحاربي قال: أنشدني ابن أبي عتيق قول عمر:

صوت

من لسقيمٍ يكتم الـنـاس مـا بـه

 

لزينب نجوى صدره والوسـاوس

أقول لمن يبغي الشفاء متى تجيء

 

بزينب تدرك بعض ما أنت لامس

فإنك إن لم تشف من سقمي بـهـا

 

فإني من طـب الأطـبـاء آيس

ولست بناسٍ ليلة الدار مجـلـسـاً

 

لزينب حتى يعلو الرأس رامـس

خلاءً بدت قمراؤه وتكـشـفـت

 

دجنته وغاب مـن هـو حـارس

وما نلت منها محرماً غير أنـنـا

 

كلانا من الثوب المـورد لابـس

نجيين نقضي اللهو في غير مأثـمٍ

 

وإن رغمت م الكاشحين المعاطس

قال: فقال ابن أبي عتيق: أمنا يسخر ابن أبي ربيعة! فأي محرم بقي! ثم أتى عمر فقال له: يا عمر، ألم تخبرني أنك ما أتيت حراماً قط؟ قال بلى! قال: فأخبرني عن قولك:

كلانا من الثوب المورد لابس

ما معناه؟ قال: والله لأخبرنك! خرجت أريد المسجد وخرجت زينب تريده، فالتقينا فاتعدنا لبعض الشعاب، فلما توسطنا الشعب أخذتنا السماء، فكرهت أن يرى بثيابها بلل المطر، فيقال لها: ألا استترت بسقائف المسجد أن كنت فيه، فأمرت غلماني فسترونا بكساء خزٍّ كان علي؛ فذلك حين أقول:

كلانا من الثوب المطارف لابس

فقال له ابن أبي عتيق: يا عاهر! هذا البيت يحتاج إلى حاضنة! الغناء في هذه الأبيات التي أولها:

من لسقيم يكتم الناس ما به

لرذاذٍ ثقيلٌ أول، وكان بعض المحدثين ممن شاهدناه يدعي أنه له، ولم يصدق.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال: قال عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى:

صوت

طال من آل زينب الإعـراض

 

للتعدي وما بهـا الإبـغـاض

ووليدين كان علقـهـا الـقـل

 

ب إلى أن علا الرءوس بياض

حبلها عندنا متـين وحـبـلـي

 

عندها واهن القوى أنـقـاض

الغناء في هذا الأبيات لابن محرز خفيف رملٍ بالبنصر عن عمرو. وقال الهشامي: فيه لابن جامع خفيف رملٍ آخر.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال قال عبد الرحمن بن عبد الله وحدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه قال: لما قال عمر بن أبي ربيعة في زينب:

لم تدع للنساء عندي نصيبـاً

 

غير ما قلت مازحاً بلساني

قال له ابن أبي عتيق: رضيت لها بالمودة، وللنساء بالدهفشة. قال: والدهفشة: التجميش والخديعة بالشيء اليسير. "وقال غير الزبير في هذا الخبر: الدهقشة، مكان الدهفشة".
ومما قاله عمر في زينب وغني فيه قوله:

صوت

أيها الكاشـح الـمـعـير بـالـصـر

 

م تزحزح فمـا لـهـا الـهـجـران

لا مطـاعٌ فـي آل زينـب فـارجـع

 

أو تكـلـم حـتـى يمـل الـلـسـان

نجعل الليل موعـداً حـين نـمـسـي

 

ثم يخفـي حـديثـنـا الـكـتـمـان

كيف صبري عن بعض نفسي وهل يص

 

بر عن بعـض نـفـسـه الإنـسـان!

ولقد أشـهـد الـمـحـدث عـنـد ال

 

قصـر فـيه تـعـفــفٌ وبـــيان

في زمـانٍ مـن الـمـعـيشة لــدنٍ

 

قد مضـى عـصـره وهـذا زمـان

الغناء في هذه الأبيات لابن سريج رملٌ بالوسطى عن عمرو ودنانير. وذكر يونس أن فيه لحناً لابن محرز ولحناً لابن عباد الكاتب، أول لحن ابن عباد الكاتب:

لا مطاعٌ في آل زينب....

وأول لحن ابن محرز:

ولقد أشهد المحدث....

ومما غني فيه لابن محرز من أشعار عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى قوله:

صوت

يا من لقلـبٍ مـتـيمٍ كـلـفٍ

 

يهذي بخودٍ مريضة النـظـر

تمشي الهوينى إذا مشت فضـلاً

 

وهي كمثل العسلوج في الشجر

- للغريض في هذين البيتين خفيف رمل بالوسطى، ولابن سريج رملٌ بالبنصر عن الهشامي وحبش -

ما زال طرفي يحار إذ بـرزت

 

حتى رأيت النقصان في بصري

أبصرتها لـيلةً ونـسـوتـهـا

 

يمشين بين المقام والـحـجـر

ما إن طمعنا بها ولا طمـعـت

 

حتى التقينا ليلاً عـلـى قـدر

بيضاً حساناً خـرائداً قـطـفـاً

 

يمشين هوناً كمشية الـبـقـر

قد فزن بالحسن والجمال مـعـاً

 

وفزن رسلاً بالدل والـخـفـر

ينصتن يوماً لها إذا نـطـقـت

 

كيما يشرفنها على الـبـشـر

قالت لثربٍ لهـا تـحـدثـهـا

 

لنفسدن الطواف فـي عـمـر

قومي تصدي له لـيعـرفـنـا

 

ثم اغمزيه يا أخت في خـفـر

قالت لها قد غمـزتـه فـأبـى

 

ثم اسبطرت تسعى على أثـري

من يسق بعد المنام ريقـتـهـا

 

يسق بمسكٍ وبـاردٍ خـصـر

غنى في هذا الشعر الغريض خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وغنَّ فيه ابن سريج رملاً بالبنصر عن الهشامي وحبش. ومنها:

صوت

ألا يا بكر قد طرقـا

 

خيالٌ هاج لي الأرقا

لزينب إنها هـمـي

 

فكيف بحبلها خلقـا

خدلجةٌ إذا انصرفت

 

رأيت وشاحها قلقـا

وساقاً تملأ الخلـخـا

 

ل فيه تراه مختنقـا

إذا ما زينبٌ ذكـرت

 

سكبت الدمع متسقا

كأن سحابةً تهـمـي

 

بماءٍ حملت غـدقـا

الغناء لحنين رملٌ عن الهشامي. وفيه لابن عباد خفيف ثقيل، ويقال: إنه ليونس. ومما قاله "فيها " أيضاً وغني فيه:

صوت

ألمم بزينب إن الـبـين قـد أفـدا

 

قل الثواء لئن كان الرحيل غـدا

قد حلفت ليلة الصورين جـاهـدة

 

وما على المرء إلا الحلف مجتهدا

لأختها ولأخرى من مناصـفـهـا

 

لقد وجدت به فوق الـذي وجـدا

لو جمع الناس ثم اختير صفوهـم

 

شخصاً من الناس لم أعدل به أحدا

الغناء لابن سريج رملٌ بالسبابة والبنصر في الأول والثاني عن يحيى المكي، وله فيه أيضاً خفيف رملٍ بالوسطى في الثاني والثالث والرابع عن عمرو. ولمعبد ثقيلٌ أول في الأول والثاني عن الهشامي. وفيه خفيف ثقيلٍ ينسب إلى الغريض ومالك.


أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن مصعبٍ الزبيري قال: اجتمع نسوةٌ فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه ومجلسه وحديثه، فتشوقن إليه وتمنينه. فقالت سكينة: أنا لكن به، فبعثت إليه رسولاً أن يوافي الصورين ليلةً سمتها، فوافاهن على رواحله، فحدثهن حى طلع الفجر وحان انصرافهن. فقال لهن: والله إني لمحتاجٌ إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده، ولكني لا أخلط بزيارتكن شيئاً. ثم انصرف إلى مكة وقال في ذلك:

ألمم بزينب إن البين قد أفدا

وذكر الأبيات المتقدمة.

عود إالى شهادة جرير

والغريب وغيرهما في شعرعمر

أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال: أنشد جريرٌ قول عمر بن أبي ربيعة:

الصوت

سائلا الربع بالبلـي وقـولا

 

هجت شوقاً لي الغداة طويلا

أين حيٌ حلوك إذ أنت محفو

 

فٌ بهم آهلٌ أراك جمـيلا؟

قال ساروا فأمعنوا واستقلـوا

 

وبزعمي لو استطعت سبيلا

سئمونا وما سئمنا مـقـامـاً

 

وأحبوا دمـاثة وسـهـولا

فقال جرير: إن هذا الذي كنا ندور عليه فأخطأناه وأصابه هذا القرشي. وفي هذه الأبيات رملان: أحدهما لابن سريج بالسبابة في مجرى الوسطى، والآخر لإسحاق مطلقٌ في مجرى البنصر جميعاً من روايته. وذكر عمرو: أن فيها رملاً ثالثاً بالوسطى، لابن جامع. وقال الهشامي: فيها ثلاثة أرمال لابن سريج، وابن جامع، وإبراهيم. ولأبي العبيس بن حمدون فيها ثاني ثقيلٍ. وفيها هزجٌ لإبراهيم الموصلي من جامع أغانيه.


أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال: وجدت كتاباً بخط محمد بن الحسن ذكر فيه أن فليح بن إسماعيل حدثه عن معاذٍ صاحب الهروي أن النصيب قال: عمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال.


أخبرني الطوسي: قال حدثنا الزبير قال حدثتني ظمياء مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت: سمعت جدك يقول - وقد أنشد قول عمر بن أبي ربيعة:

صوت

يا ليتني قد أجزت الحبل نحـوكـم

 

حبل المعرف أو جاوزت ذا عشر

إن الثواء بـأرضٍ لا أراك بـهـا

 

فاستيقنيه ثـواءٌ حـق ذي كـدر

وما مللت ولكـن زاد حـبـكـم

 

وما ذكرتك إلا ظلت كالـسـدر

ولا جذلت بشيءٍ كان بـعـدكـم

 

ولا منحت سواك الحب من بشر

الغناء في هذه الأربعة الأبيات لسلام بن الغساني رملٌ بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن جامع وقفا النجار لحنان من كتاب إبراهيم ولم يجنسهما. وتمام الأبيات:

أذري الدموع كذى سقم يخامره

 

وما يخامرني سقمٌ سوى الذكر

كم قد ذكرتك لو أجدى تذكركم

 

يا أشبه الناس كل الناس بالقمر

- قالت: فقال جدك: إن لشعر عمر بن أبي ربيعة لموقعاً في القلب، ومخالطةً للنفس ليسا لغيره، ولو كان شعرٌ يسحر لكان شعره سحراً.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمامة بن عمر قال: رأيت عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير يسأل المسور بن عبد الملك عن شعر عمر بن أبي ربيعة، فجعل يذكر له شيئاً لا يعرفه، فيسأله أن يكتبه إياه ففعل، فرأيته يكتب ويده ترعد من الفرح.

المفاضلة بين شعره و شعر الحارث

بن خالد

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون عن عمه يوسف قال: ذكر شعر الحارث بن خالد وشعر عمر بن أبي ربيعة عند ابن أبي عتيق في مجلس رجل من ولد خالد بن العاصي بن هشام، فقال: صاحبنا - يعني الحارث بن خالد - أشعرهما. فقال له ابن أبي عتيق: بعض قولك يا ابن أخي، لشعر عمر بن أبي ربيعة نوطةٌ في القلب، وعلوقٌ بالنفس، ودركٌ للحاجة ليست لشعرٍ، وما عصي الله جل وعز بشعر أكثر مما عصي بشعر ابن أبي ربيعة، فخذ عني ما أصف لك: أشعر قريش من دق معناه، ولطف مدخله، وسهل مخرجه، ومتن حشوه، وتعطفت حواشيه، وأنارت معانيه، وأعرب عن حاجته. فقال المفضل للحارث: أليس صاحبنا الذي يقول:

إني وما نحروا غداة منى

 

عند الجمار يؤدها العقل

لو بدلت أعلى مساكنـهـا

 

سفلاً واصبح سفلها يعلو

فيكاد يعرفها الخبير بهـا

 

فيرده الإقواء والمـحـل

لعرفت مغناها بما احتملت

 

مني الضلوع لأهلها قبل

فقال له ابن أبي عتيق: يابن أخي، استر على نفسك، واكتم على صاحبك، ولا تشاهد المحافل بمثل هذا، أما تطير الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله! ما بقي إلا أن يسأل الله تبارك وتعالى لها حجارةً من سجيلٍ. ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبةً للربع من صاحبك، وأجمل مخاطبةً حيث يقول:

سائلاً الربع بالبلـي وقـولاً

 

هجت شوقاً لي الغداة طويلا

وذكر الأبيات الماضية. قال: فانصرف الرجل خجلاً مذعنا.

شيء من أخبار الحارث الملقب بالقباع

أخبرني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن رجاله المسمين، وأخبرني به الحرمي عن الزبير عن عمه عن جده، قالوا: كان الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة أخو عمر بن أبي ربيعة رجلاً صالحاً ديناً من سروات قريش، وإنما لقب القباع لأن عبد الله بن الزبير كان ولاه البصرة، فرأى مكيالاً لهم فقال: إن مكيالكم هذا لقباعٌ - قال: وهو الشيء الذي له قعر - فلقب بالقباع. وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن محمد الطائي قال حدثنا خالد بن سعيد قال: استعمل ابن الزبير الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة على البصرة، فأتوه بمكيال لهم، فقال لهم: إن مكيالكم هذا لقباعٌ، فغلب عليه. وقال أبو الأسود الدؤلي - وقد عتب عليه - يهجوه ويخاطب ابن الزبير:

أمير المؤمنين جزيت خيراً

 

أرحنا من قباع بني المغيرة

بلوناه ولـمـنـاه فـأعـيا

 

علينا ما يمر لنـا مـريرة

على أن الفتى نكحٌ أكـولٌ

 

وولاجٌ مذاهبـه كـثـيرة

شعر عمر في تشوقه إلى مكة

بعد أن خرج منها إلى اليمن

قالوا: وكان الحارث ينهى أخاه عن قول الشعر فيأبى أن يقبل منه، فأعطاه ألف دينار على ألا يقول شعراً، فأخذ المال وخرج إلى أخواله بلحجٍ وأبين مخافة أن يهجيه مقامه بمكة على قول الشعر، فطرب يوماً فقال:

صوت

هيهات من أمة الوهاب منزلـنـا

 

إذا حللنا بسيف البحر مـن عـدن

واحتل أهلك أجياداً ولـيس لـنـا

 

إلا التذكر أو حظ مـن الـحـزن

لو أنها أبصرت بالجزع عبـرتـه

 

من أن يغرد قمريٌ على فـنـن

إذاً رأت غير ما ظنت بصاحبـهـا

 

وأيقنت أن لحجاً ليس من وطنـي

ما أنس لا أنس يوم الخيف موقفها

 

وموقفي وكلانا ثـم ذو شـجـن

وقولها للـثـريا وهـي بـاكـيةٌ

 

والدمع منها على الخدين ذو سنن

بالله قولي له في غير مـعـتـبةٍ

 

ماذا أردت بطول المكث في اليمن

إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها

 

فما أخذت بترك الحج من ثـمـن

قال: فسارت القصيدة حتى سمعها أخوه الحارث، فقال: هذا والله شعر عمر، قد فتك وغدر. قال: وقال ابن جريج: ما ظننت أن الله عز وجل ينفع أحداً بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى سمعت وأنا باليمن منشداً ينشد قوله:

بالله قولي له في غير مـعـتـبة

 

ماذا أردت بطول المكث في اليمن

إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها

 

فما أخذت بترك الحج من ثـمـن

فحركني ذلك على الرجوع إلى مكة، فخرجت مع الحاج وحججت.
غنى في أبيات عمر هذه ابن سريج، ولحنه رملٌ بالبنصر في مجراها عن إسحاق. وفيها للغريض ثقيلٌ أول بالوسطى عن عمرو.

طلب الوليد من يخبره عن الطائف

فدل على عمر

أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان قال حدثني إسحاق عن السعدي قال: قدم الوليد بن عبد الملك مكة، فأراد أن يأتي الطائف فقال: هل "لي" في رجلٍ علمٌ بأموال الطائف فيخبرني عنها؟ فقالوا: عمر بن أبي ربيعة. قال: لا حاجة لي به. ثم عاد فسأل فذكروه له فرده. ثم عاد فسأل فذكروه "له ثم رده. ثم عاد فسأل فذكروه له "، فقال: هاتوه. فركب معه يحدثه، ثم حرك عمر رداءه ليصلحه على كتفه، فرأى على منكبه أثراً. فقال: ما هذا الأثر؟ فقال: كنت عند جارية إذ جاءتني جاريةٌ برسالة من عند جارية أخرى، فجعلت تسارني، فغارت التي كنت أحدثها فعضت منكبي، فما وجدت ألم عضها من لذة ما كانت تلك تنفث في أذني، حتى بلغت ما ترى، والوليد يضحك. فلما رجع عمر قيل له: ما الذي كنت تضحك أمير المؤمنين به؟ فقال: مازلنا في حديث الزنا حتى رجعنا.

المفاضلة بينه وبين ابن قيس الرقيات

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن عبد الله البكري وغيره عن عبد الجبار بن سعيد المساحقي عن أبيه قال: دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نوفل بن مساحق، فإنه لمعتمد على يدي، إذ مررنا بسعيد بن المسيب في مجلسه وحوله جلساؤه، فسلمنا عليه فرد علينا، ثم قال لنوفل: يا أبا سعيد، من أشعر: صاحبنا أم صاحبكم؟ يريد: عبد الله بن قيس، أو عمر بن أبي ربيعة. فقال نوفلٌ: حين يقولان ماذا يا أبا محمد؟ قال: حين يقول صاحبنا:

خليلي ما بال المطايا كـأنـمـا

 

نراها على الأدبار بالقوم تنكص

وقد قطعت أعناقهـن صـبـابةً

 

فأنفسنا مما يلاقـين شـخـص

وقد أتعب الحادي سراهن وانتحى

 

بهن فما يألو عجولٌ مقـلـص

يزدن بنا قرباً فيزداد شـوقـنـا

 

إذا زاد طول العهد والبعد ينقض

ويقول صاحبك ما شئت. فقال له نوفلٌ: صاحبكم أشعر في الغزل، وصاحبنا أكثر أفانين شعرٍ. فقال سعيد: صدقت. فلما انقضى ما بينهما من ذكر الشعر، جعل سعيدٌ يستغفر الله ويعقد بيده حتى وفى مائةً. فقال البكري في حديثه عن عبد الجبار: قال مسلم: فلما انصرفنا قلت لنوفل: أتراه استغفر الله من إنشاد الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كلا! هو كثير الإنشاد والاستنشاد فيه، ولكن أحسب ذلك للفخر بصاحبه.

المفاضلة بينه وبين جميل

ابن معمر العذري

أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة حدثنا عوانة بن الحكم وأبو يعقوب الثقعفي: أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك قال لأصحابه ذات ليلة: أي بيتٍ قالته العرب أغزل؟ فقال بعضهم: قول جميل:

يموت الهوى مني إذا ما لقيتها

 

ويحيا إذا فارقتهـا فـيعـود

وقال آخر: قول عمر بن أبي ربيعة:

كأنني حين أمسي لا تكلمنـي

 

ذو بغيةٍ يبتغي ما ليس موجودا

فقال الوليد: حسبك والله بهذا! أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الحميد عن شيخ من أهله عن أبي الحارث مولى هشام بن الوليد بن المغيرة - قال: وهو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة:

يا أبا الحارث قلبي طائرٌفأتمر أمر رشيدٍِ مؤتمن

قال: شهدت عمر بن أبي ربيعة، وجميل بن عبد الله بن معمر العذري، وقد اجتمعا بالأبطح، فأنشد جميلٌ قصيدته التي يقول فيها:

لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي

 

بثينة أو أبدت لنا جانب الـبـخـل

يقولون مهلاً يا جـمـيل وإنـنـي

 

لأقسم مالي عن بثينة من مـهـل

حتى أتى على آخرها، ثم قال لعمر: يا أبا الخطاب، هل قلت في هذا الروي شيئاً؟ قال نعم.
قال: فأنشدنيه، فأنشده قوله:

جرى ناصحٌ بالود بينـي وبـينـهـا

 

فقربني يوم الحصاب إلى قـتـلـي

فطارت بحد من فـؤادي وقـارنـت

 

قرينتها حبل الصفاء إلى حـبـلـي

فلما تواقفنا عـرفـت الـذي بـهـا

 

كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعـل

فقلن لها هذا عـشـاءٌ وأهـلـهـا

 

قريب ألما تسأمي مركب البـغـل

فقالت فما شئتن قلن لهـا انـزلـي

 

فللأرض خير من وقوفٍ على رحل

نجوم دراري تـكـنـفـن صـورةً

 

من البدر وافت غير هوجٍ ولا عجل

فسلمت واستأنسـت خـيفة أن يرى

 

عدوٌ مقامي أو يرى كاشحٌ فعـلـي

فقالت وأرخت جانب الستـر إنـمـا

 

معي فتكلم غير ذي رقبةٍ أهـلـي

فقلت لها ما بي لهم مـن تـرقـبٍ

 

ولكن سري ليس يحملـه مـثـلـي

فلما اقتصرنا دونـهـن حـديثـنـا

 

وهن طبيبات بحاجة ذي الـشـكـل

عرفن الذي تهوى فقلن ائذني لـنـا

 

نطف ساعةً في برد ليلٍ وفي سهل

فقالت: فلا تلبثن قـلـن تـحـدثـي

 

أتيناك، وانسبن انسياب مها الرمـل

وقمن وقد أفهمن ذا الـلـب أنـمـا

 

أتين الذي يأتين من ذاك من أجلـي

فقال جميلٌ: هيهات يا أبا الخطاب! لا أقول والله مثل هذا سجيس الليالي، والله ما يخاطب النساء مخاطبتك أحدٌ. وقام مشمراً.
قال أبو عبد الله الزبير قال عمي مصعب: كان عمر يعارض جميلاً، فإذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها.
فيقال: إنه في الرائية والعينية أشعر من جميل، وإن جميلاً اشعر منه في اللامية، وكلاهما قد قال بيتاً نادراً ظريفاً، قال جميل:

خليلي فيما عشتما هل رأيتما

 

قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي

وقال عمر:

فقالت وأرخت جانب الستر إنما

 

معي فتكلم غير ذي رقبةٍ أهلي

كلمة الفرزدق وقد سمع شعر عمر

أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن المدائني قال: سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله:

جرى ناصحٌ بالود بيني وبينهـا

 

فقربني يوم الحصاب إلى قتلي

ولما بلغ قوله:

فقمن وقد أفهمن ذا اللب أنـمـا

 

أتين الذي يأتين من ذاك من أجلي

صاح الفرزدق: هذا والله الذي أرادته الشعراء فأخطأته، وبكت على الديار.
نسبة ما في هذه الأشعار من الغناء الغناء في قصيدتي جميل وعمر اللاميتين منها في قصيدة جميلٍ التي أنشدها عمر، واستنشده ما له في وزنها:

صوت

خليلي فيما عشتما هـل رأيتـمـا

 

قتيلاً بكى من حب قاتله قـبـلـي

أبيت مع الهلاك ضيفاً لأهـلـهـا

 

وأهلي قريبٌ موسعون ذوو فضل

أفق أيها القلب اللجوج عن الجهـل

 

ودع عنك "جملاً" لا سبيل إلى جمل

فلو تركت عقلي معي ما طلبتـهـا

 

ولكن طلابيها لما فات من عقلـي

الغناء للغريض ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو في الأول والثاني من الأبيات.
وذكر الهشامي الأبيات كلها ووصف أن الثقيل الثاني الذي يغنى به فيها لمعبد. وذكر يحيى المكي: أن لابن محرز في الثالث وما بعده من الأبيات ثاني ثقيل بالخنصر والبنصر. وفي هذه الأبيات التي أولها الثالث هزج بالبنصر يمانٍ عن عمرو. وفي الرابع والخامس لابن طنبورة خفيف رملٍ عن الهشامي. وفيها لإسحاق ثقيلٌ أول عن الهشامي أيضاً. وذكر حماد عن أبيه: أن لنافعٍ الخير مولى عبد الله بن جعفر في هذه الأبيات لحناً، ولم يجنسه. وذكر حبشٌ أن الثقيل الأول لابن طنبورة. ومنها في شعر جميل أيضاً:

صوت

لقد فرح الواشون إن صرمت حبلي

 

بثينة أو أبدت لنا جانب الـبـخـل

فلو تركت عقلي معي ما طلبتهـا

 

ولكن طلابيها لما فات من عقلـي

الغناء لابن مسحج ثقيلٌ أول بالوسطى عن الهشامي.
ومنها في شعر عمر بن أبي ربيعة المذكور في أول الخبر:

صوت

فقالت وأرخت جانب الستر إنمـا

 

معي فتحدث غير ذي رقبةٍ أهلي

فقلت لها ما بي لهم من تـرقـبٍ

 

ولكن سري ليس يحمله مثـلـي

جرى ناصحٌ بالود بيني وبينـهـا

 

فقربني يوم الحصاب إلى قتلـي

غنى في هذه الأبيات ابن سريج، ولحنه رملٌ مطلقٌ في مجرى البنصر عن إسحاق وعمرو. وذكر يونس: أن فيه لحناً لمالكٍ لم يجنسه، وذكر الهشامي: أن لحن مالك خفيف ثقيلٍ. وذكر حبشٌ: أن لمعبد فيه لحناً من الثقيل الأول بالبنصر، ولابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى. "وليس حبشٌ ممن يعتمد في هذا على روا يته ".

إستحسان الناس شعر عمر وتفضيله

على شعراء عصره

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال: أدركت مشيخةً من قريش لا ينزون بعمر بن أبي ربيعة شاعراً من أهل دهره في النسيب، ويستحسنون منه ما كانوا يستقبحونه من غيره من مدح نفسه، والتحلي بمودته، والابتيار في شعره والابتيار: أن يفعل الإنسان الشيء فيذكره ويفخر به. والابتهار: أن يقول ما لم يفعل.

نقد ابن أبي عتيق أبيات عمر الرائية

أخبرني محمد بن خلف قال: أخبرني عبد الله بن عمر وغيره عن إبراهيم بن المنذر الحزامي عن عبد العزيز بن عمران قال: قال ابن أبي عتيق لعمر وقد أنشده قوله:

صوت

بينما ينعتنني أبـصـرنـنـي

 

دون قيد الميل يعدو بي الأغر

قالت الكبرى أتعرفن الفتـى

 

قالت الوسطى نعم هذا عمر

قالت الصغرى وقد تيمتـهـا

 

قد عرفناه وهل يخفى القمر

- الغناء في هذه الأبيات لابن سريج خفيف رملٍ بالبنصر - فقال له ابن أبي عتيق: - وقد أنشدها - أنت لم تنسب بها، وإنما نسبت بنفسك، كان ينبغي أن تقول: قلت لها فقالت لي، فوضعت خدي فوطئت عليه.

عود إلى سيرته وخلقه

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال: لم يذهب على أحدٍ من الرواة أن عمر كان عفيفاً يصف ولا يقف، ويحوم ولا يرد.
أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن منصور عن ابن الأعرابي، وحدثني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن رجاله، قالوا: كان ابن أبي ربيعة قد حج في سنة من السنين. فلما انصرف من الحج ألفى الوليد بن عبد الملك وقد فرش له في ظهر الكعبة وجلس، فجاءه عمر فسلم عليه وجلس إليه. فقال له: أنشدني شيئاً من شعرك. فقال: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ كبير وقد تركت الشعر، ولي غلامان هما عندي بمنزلة الولد، وهما يرويان كل ما قلت وهما لك. قال: ائتني بهما ففعل، فأنشداه قوله:

أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر

فطرب الوليد واهتز لذلك، فلم يزالا ينشدانه حتى قام، فأجزل صلته ورد الغلامين إليه.

مميزات شعره

حدثني علي بن صالح بن الهيثم الأنباري الكاتب الملقب "كيلجة" قال حدثني أبو هفان قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مصعب بن عبد الله الزبيري، وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه مصعب أنه قال: راق عمر بن أبي ربيعة الناس وفاق نظراءه وبرعهم بسهولة الشعر وشدة الأسر، وحسن الوصف، ودقة المعنى وصواب المصدر، والقصد للحاجة، واستنطاق الربع، وإنطاق القلب، وحسن العزاء، ومخاطبة النساء، وعفة المقال، وقلة الانتقال، وإثبات الحجة، وترجيح الشك في موضع اليقين، وطلاوة الاعتذار، وفتح الغزل، ونهج العلل، وعطف المساءة على العذال، وأحسن التفجع، وبخل المنازل، واختصر الخبر، وصدق الصفاء، إن قدح أورى، وإن اعتذر أبرا، وإن تشكى أشجى، وأقدم عن خبرة ولم يعتذر بغرة، وأسر النوم، وغم الطير، وأغد السير، وحير ماء الشباب، وسهل وقول، وقاس الهوى فأربى، وعصى وأخلى، وحالف بسمعه وطرفه، وأبرم نعت الرسل وحذر، وأعلن الحب وأسر، وبطن به وأظهر، وألح وأسف، وأنكح النوم، وجنى الحديث، وضرب ظهره لبطنه، وأذل صعبه، وقنع بالرجاء من الوفاء، وأعلى قاتله، واستبكى عاذله، ونفض النوم، وأغلق رهن مني وأهدر قتلاه، وكان بعد هذا كله فصيحاً.
فمن سهولة شعره وشدة أسره قوله

صوت

فلما تواقفنا وسلمت أشرقـت

 

وجوهٌ زهاها الحسن أن تتقنعا

تبالهن بالعرفان لما رأينـنـي

 

وقلن امرؤٌ باغٍ أكل وأوضعا

الغناء لابن عباد رملٌ عن الهشامي، وفيه لابن جامع لحنٌ غير مجنس عن إبراهيم.
ومن حسن وصفه قوله

لها من الريم عيناه وسـنـتـه

 

ونخوة السابق المختال إذ صهلا

ومن دقة معناه وصواب مصدره قوله

صوت

عوجا نحي الطلل المحولا

 

والربع من أسماء والمنزلا

بسابغ البوبـاة لـم يعـده

 

تقادم العهد بـأن يؤهـلا

الغناء لابن سريج ثاني ثقيلٍ بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. قال إسحاق بن إبراهيم: يعني أنه لم يؤهل فيعدوه تقادم العهد. وقال الزبير: قال بعض المدنيين: يحييه بأن يؤهل، أي يدعو له بذلك.
ومن قصده للحاجة قوله

صوت

أيها المنكح الثريا سهيلاً

 

عمرك الله كيف يلتقيان

هي شاميةٌ إذا ما استقلت

 

وسهيلٌ إذا استقل يماني

ويروى: "هي غورية". الغناء للغريض خفيف ثقيلٍ بالبنصر عن عمرو وابن المكي.
ومن استنطاقه الربع قوله

صوت

سائلا الربع بالبلـي وقـولا

 

هجت شوقاً لي الغداة طويلا

أين حي حلوك إذ أنت محفو

 

فٌ بهم آهلٌ أراك جـمـيلا

قال ساروا فأمعنوا واستقلـوا

 

وبرغمي لو قد وجدت سبيلا

وبكرهي لو استطعت سبيلا

 

 

سئمونا وما سئمنا جواراً

 

وأحبوا دمـاثةً وسـهـولا

فيه رملان: أحدهما لابن سريج بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، والآخر لإسحاق مطلقٌ في مجرى البنصر، وفيه لأبي العبيس بن حمدون ثقيلٍ. وقد شرحت نسبته مع خبره في موضع آخر. قال إسحاق: أنشد جرير هذه الأبيات فقال: إن هذا الذي كنا ندور عليه فأخطأناه.
ومن أنطاقه القلب قوله

قال لي فيها عتيقٌ مقـالاً

 

فجرت مما يقول الدموع

قال لي ودع سليمى ودعها

 

فأجاب القلب: لا أستطيع

الغناء للهذلي ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن الهشامي. قال: وفيه ليحيى المكي ثقيلٌ أول نسب إلى معبد وهو من منحوله.
ومن حسن عزائه قوله

صوت

أألحق إن دار الرباب تبـاعـدت

 

أو أنبت حبلٌ أن قلـبـك طـائر

أفق قد أفاق العاشقون وفارقوا ال

 

هوى واستمرت بالرجال المرائر

زع النفس واستبق الحياء فإنـمـا

 

تباعد أو تدني الرباب المـقـادر

أمت حبها واجعل قديم وصالهـا

 

وعشرتها كمثل من لا تعـاشـر

وهبها كشيءٍ لم يكن أو كنـازحٍ

 

به الدار أو من غيبته المقـابـر

وكالناس علقت الرباب فلا تكـن

 

أحاديث من يبدو ومن هو حاضر

الغناء في بعض هذه الأبيات وأوله "زع النفس" لابن سريج ثقيلٌ أول بالبنصر عن عمرو. وفيه لعمر الوادي رملٌ بالبنصر عن ابن المكي. وفيه ل "قدارٍ" لحنٌ من كتاب إبراهيم غير مجنس. وهذه الأبيات يرويها بعض أهل الحجاز لكثير، ويرويها الكوفيون للكميت بن معروف الأسدي، وذكر بعضها الزبير بن بكار عن أبي عبيدة لكثيرٍ في أخباره.
ومن حسن غزله في مخاطبة النساء - قال مصعبٌ الزبيري: وقد أجمع أهل بلدنا ممن له علمٌ بالشعر أن هذه الأبيات أغزل ما سمعوا - قوله:

صوت

تقول غداة التقـينـا الـربـاب

 

ايا ذا أفلت أفـول الـسـمـاك

وكفت سـوابـق مـن عـبـرةٍ

 

كما ارفض نظمٌ ضعيف السلاك

فقلت لها من يطع في الصـدي

 

ق أعداءه يجـتـنـبـه كـذاك

أغرك أني عـصـيت الـمـلا

 

م فـيك وأن هـوانـا هـواك

وألا أرى لـذةً فـي الـحــياة

 

تقر بها الـعـين حـتـى أراك

فكان من الذنب لـي عـنـدكـم

 

مكارمتي واتبـاعـي رضـاك

فليت الـذي لام فـي حـبـكـم

 

وفي أن تزاري بقـرنٍ وقـاك

هموم الـحـياة وأسـقـامـهـا

 

وإن كان حتفٌ جـهـيزٌ فـداك

الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى. وذكر إبراهيم أن فيه لحناً لحكم. وقيل: إن فيه لحناً آخر لابن جامع.
ومن عفة مقاله قوله

صوت

طال ليلي واعتادني اليوم سقم

 

وأصابت مقاتل القلب نعـم

حرة الوجه والشمائل والجو

 

هر تكليمها لمن نال غـنـم

وحديث بمثله تنزل العـص

 

م رخيم يشوب ذلك حـلـم

هكذا وصف ما بدا لي منها

 

ليس لي بالذي تغيب عـلـم

إن تجودي أو تبخلي فبحمـدٍ

 

لست يا نعم فيهما مـن يذم

الغناء لابن سريج رملٌ عن الهشامي.
ومن قلة انتقاله قوله

صوت

أيها القائل غير الـصـواب

 

أمسك النصح وأقلل عتابـي

واجتنبني واعلمن أن ستعصى

 

ولخيرٌ لك طول اجتنـابـي

إن تقل نصحاً فعن ظهر غشٍ

 

دائم الغمر بعـيد الـذهـاب

ليس بي عيٌّ بما قلـت إنـي

 

عالمٌ أفقه رجع الـجـواب

إنما قرة عـينـي هـواهـا

 

فدع اللوم وكلني لمـا بـي

لا تلمني في الرباب وأمست

 

عدلت للنفس برد الشـراب

هي والله الـذي هـو ربـي

 

صادقاً أحلف غير الكـذاب

أكرم الأحياء طراً عـلـينـا

 

عند قربٍ منهم واجتـنـاب

خاطبتني ساعةً وهي تبكـي

 

ثم عزت خلتي في الخطاب

وكفى بي مدرها لخـصـومٍ

 

لسواها عند حـد تـبـابـي

الغناء لكردمٍ ثقيلٌ أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق في الأول والخامس ثم الثاني والثالث. وفيه لمعبد خفيف ثقيلٌ بالبنصر عن يحيى المكي.
ومن إثباته الحجة قوله

خليلي بعض اللوم لا ترحلا بـه

 

رفيقكما حتى تقولا على عـلـم

خليلي من يكلف بآخر كـالـذي

 

كلفت به يدمل فؤاداً على سقـم

خليلي ما كانت تصاب مقاتـلـي

 

ولا غرتي حتى وقعت على نعم

خليلي حتى لف حبلـي بـخـادعٍ

 

موقىً إذا يرمى صيودٍ إذا يرمي

خليلي لو يرقى خليلٌ من الهـوى

 

رقيت بما يدني النوار منه العصم

خليلي إن باعدت لانت وإن ألـن

 

تباعد فلم أنبل بحربٍ ولا سـلـم

ومن ترجيحه الشك في موضع اليقين قوله

صوت

نظرت إليها بالمحصب من منـى

 

ولي نظرٌ لولا التـحـرج عـارم

فقلت: أشمس أم مصابـيح بـيعةٍ

 

بدت لك خلف السجف أم أنت حالم

بعيدة مهوى القرط إما لـنـوفـلٌ

 

أبوها وإما عبد شمـسٍ وهـاشـم

ومد عليها السجف يوم لقـيتـهـا

 

على عجلٍ تباعـهـا والـخـوادم

فلم أستطعها غير أن قـد بـدا لـنـا

 

عشية راحت وجهها والمـعـاصـم

معاصم لم تضرب على البهم بالضحى

 

عصاها ووجهٌ لم تلحه الـسـمـائم

نضـارٌ تـرى فـيه أسـاريع مـائه

 

صبيحٌ تغاديه الأكـف الـنـواعـم

إذا ما دعت أترابها فاكتـنـفـنـهـا

 

تمايلن أو مالت بـهـن الـمـآكـم

طلبن الصبا حتى إذا مـا أصـبـنـه

 

نزعن وهن المسلمات الـظـوالـم

         

الغناء لمعبد ثقيلٌ أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وابن المكي. وفيها لابن سريج رملٌ بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق أيضاً. وفيها للغريض "خفيف " ثقيلٍ بالوسطى عن الهشامي.
ومن طلاوة اعتذاره قوله

صوت

عاود القلب بعض ما قد شـجـاه

 

من حبيبٍ أمسى هوانـا هـواه

يا لقومي فكيف أصبـر عـمـن

 

لا ترى النفس طيب عيشٍ سواه

أرسـلـت إذ رأت بـعـادي ألا

 

يقبلن بي مـحـرشـاً إن أتـاه

دون أن يسمع المـقـالة مـنـا

 

وليطعني فإن عـنـدي رضـاه

لا تطع بي فدتك نفسـي عـدواً

 

لحديثٍ علـى هـواه افـتـراه

لا تطع بي مـن لـو رآنـي وإيا

 

ك أسيري ضرورةٍ مـا عـنـاه

ما ضراري نفسي بهجري من لي

 

س مـسـيئاً ولا بـعـيداً ثـراه

واجتنابي بيت الحبيب وما الخـل

 

د بأشـهـى إلـي مـن أن أراه

الغناء لمعبد خفيف ثقيلٍ بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن جامع ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو. وقال عمرو، فيه خفيف ثقيلٍ بالوسطى للهذلي. وفيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو، وابتداؤه نشيدٌ أوله: "ما ضراري نفسي". وقال الهشامي: وفيه لعلية بنت المهدي وسعيد بن جابر لحنان من الثقيل الثاني.
ومن نهجه العلل قوله

وآية ذلـك أن تـسـمـعـي

 

إذا جئتكـم نـاشـداً ينـشـد

فرحنا سراعاً وراح الـهـوى

 

دليلاً إليهـا بـنـا يقـصـد

فلما دنونا لـجـرس الـنـبـا

 

ح والصوت، والحي لم يرقدوا

بعثنا لـهـا بـاغـياً نـاشـداً

 

وفي الحي بغية مـن ينـشـد

وقد نسبت هذه الأبيات إلى من غنى فيها مع:

تشط غداً دار جيراننا

ومن فتحه الغزل قوله

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى

 

فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا

ومن عطفه المساءة على العذال قوله

صوت

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي

 

إن بي يا عتيق ما قد كفانـي

لا تلمني وأنت زينتهـا لـي

 

أنت مثل الشيطان للإنسـان

الغناء لأبي العبيس بن حمدون ثقيلٌ أول مطلقٌ من مجموع أغانيه. وفيه رملٌ طنبري محدث، وفيه هزجٌ لأبي عيسى بن المتوكل.
ومن حسن تفجعه قوله

صوت

هجرت الحبيب اليوم من غير ما اجترم

 

وقطعت من ذي ودك الحبل فانصرم

أطعت الوشاة الكاشحين ومـن يطـع

 

مقالة واشٍ يقرع الـسـن مـن نـدم

أتاني رسولٌ كـنـت أحـسـب أنـه

 

شفيقٌ علينا ناصـحٌ كـالـذي زعـم

فلما تباثثنـا الـحـديث وصـرحـت

 

سرائره عن بعض ما كان قد كـتـم

تبـين لـي أن الـمـحـرش كـاذبٌ

 

فعندي لك العتبى على رغم من رغم

فملآن لمت النفس بعد الذي مـضـى

 

وبعد الذي آلت وآلـيت مـن قـسـم

ظلمت ولم تعتب وكـان رسـولـهـا

 

إليك سريعاً بالرضـا لـك إذ ظـلـم

الغناء لابن سريج رملٌ مطلقٌ في مجرى البنصر عن إسحاق. وقال يونس: فيه لابن سريج لحنان، وذكر الهشامي أن لحنه الآخر ثقيل أول، وأن لعلوية فيه رملاً آخر.
ومن تبخيله المنازل قوله

صوت

عرفت مصيف الحي والمتربـعـا

 

ببطن حلياتٍ دوارس بـلـقـعـا

إلى السرح من وادي المغمس بدلت

 

معالمها وبلاً ونكبـاء زعـزعـا

فيبخلن أو يخبرن بالعلم بـعـد مـا

 

نكأن فؤاداً كان قدماً مـفـجـعـا

الغناء للغريض ثاني ثقيلٍ بالوسطى.
ومن اختصاره الخبر قوله

صوت

أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكـر

 

غداة غدٍ أم رائحٌ فمهـجـر

بحاجة نفسٍ لم تقل في جوابها

 

فتبلغ عذراً والمقالة تـعـذر

أشارت بمدراها وقالت لتربها

 

أهذا المغيري الذي كان يذكر

لئن كان إياه لقد حال بعـدنـا

 

عن العهد والإنسان قد يتغير

الغناء لابن سريج رملٌ بالسبابة في مجرى البنصر، وله في بيتين آخرين من هذه القصيدة، وهما:

وليلة ذي دوران جشمتني السرى

 

وقد يجشم الهول المحب المعزرا

فقلت أباديهم فـإمـا أفـوتـهـم

 

وإما ينال السيف ثأراً فـيثـأرا

رملٌ آخر بالوسطى عن عمرو. قال الزبير حدثني إسحاق الموصلي قال: قلت لأعرابي ما معنى قول ابن أبي ربيعة:

بحاجة نفسٍ لم تقل في جوابها

 

فتبلغ عذراً والمقالة تعـذر

فقال: قام كما جلس.
ومن صدقه الصفاء قوله

كل وصلٍ أمسى لديك لأنثى

 

غيرها وصلها إليهـا أداء

كل أنثى وإن دنت لوصـالٍ

 

أو نأت فهي للرباب الفداء

وقوله:

صوت

أحب لحبك مـن لـم يكـن

 

صفياً لنفسي ولا صاحبـاً

وأبذل ما لي لمرضاتـكـم

 

وأعتب من جاءكم عاتـبـا

وأرغب في ود من لم أكن

 

إلى وده قبلكـم راغـبـا

ولو سلك الناس في جانـبٍ

 

من الأرض واعتزلت جانبا

ليممت طـيتـهـا إنـنـي

 

أرى قربها العجب العاجبا

الغناء لابن القفاص رملٌ عن الهشامي ويحيى المكي، وفيه للربعي لحنٌ من كتاب إبراهيم غير مجنس.
ومما قدح فيه فأورى قوله

صوت

طال ليلي وتعناني الـطـرب

 

واعتراني طول همٍّ ووصب

أرسلت أسماء في مـعـتـبةٍ

 

عتبتها وهي أحلى من عتب

أن أتى منها رسولٌ موهـنـاً

 

وجد الحي نياماً فانـقـلـب

ضرب الباب فلم يشعـر بـه

 

أحدٌ يفتح بـابـاً إذ ضـرب

قال: أيقاظٌ ولـكـن حـاجةٌ

 

عرضت تكتم منا فاحتجـب

ولعمداً ردني، فاجـتـهـدت

 

بيمينٍ حلفةً عند الغـضـب

يشهد الرحمن لا يجمـعـنـا

 

سقف بيتٍ رجباً بعد رجـب

قلت حلاً فاقبلي معـذرتـي

 

ما كذا يجري محبٌّ من أحب

إن كفي لك رهن بالـرضـا

 

فاقبلي يا هند، قالت قد وجب

الغناء لمالك خفيف ثقيلٍ بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لدحمان ثقيل أول بالبنصر عن عمرو. وفيه لمعبدٍ لحنٌ من كتاب يونس لم يجنسه، وذكر الهشامي أنه خفيف ثقيلٍ. وفيه لابن سريج رملٌ عن الهشامي.


قال من حكينا عنه في صدر أخبار عمر روايته التي رواها علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله والحرمي عن الزبير عن عمه: كان عمر بن أبي ربيعة يهوى امرأةً يقال لها "أسماء"، فكان الرسول يختلف بينهما زماناً وهو لا يقدر عليها. ثم وعدته أن تزوره، فتأهب لذلك وانتظرها، فأبطأت عنه حتى غلبته عينه فنام، وكانت عنده جاريةٌ له تخدمه، فلم تلبث أن جاءت ومعها جاريةٌ لها، فوقفت حجرةً وأمرت الجارية أن تضرب الباب، فضربته فلم يستيقظ. فقالت لها: تطلعي فانظري ما الخبر؟ فقالت لها: هو مضطجعٌ وإلى جنبه امرأةٌ، فحلفت لا تزوره حولاً، فقال في ذلك:

طال ليلي وتعناني الطرب

قال أبو هفان في حديثه: وبعث إليها امرأةً كانت تختلف بينه وبين معارفه، وكانت جزلةً من النساء، فصدقتها عن قصته وحلفت لها أنه لم يكن عنده إلا جاريته، فرضيت. وإياها يعني عمر بقوله:

فأتـتـهـا طـبةٌ عـالــمةٌ

 

تخلط الجد مراراً باللـعـب

تغلظ القول إذا لانـت لـهـا

 

وتراخي عند سورات الغضب

لم تزل تصرفها عـن رأيهـا

 

وتـأنـاهـا بـرفـقٍ وأدب

قال إسحاق في خبره: وحدثني ابن كناسة قال أخبرني حماد الراوية قال: استنشدني الوليد بن يزيد، فأنشدته نحواً من ألف قصيدةٍ، فما استعادني إلا قصيدة عمر بن أبي ربيعة:

طال ليلي وتعناني الطرب

فلما أنشدته قوله:

فأتتهـا طـبةٌ عـالـمةٌ

 

تخلط الجد مراراً باللعب

إلى قوله:

إن كفي لك رهنٌ بالرضـا

 

فاقبلي يا هند قالت قد وجب

فقال الوليد: ويحك يا حماد! اطلب لي مثل هذه أرسلها إلى سلمى. يعني امرأته سلمى بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، وكان طلقها ليتزوج أختها ثم تتبعتها نفسه.
قال إسحاق وحدثني جماعةٌ منهم الحرمي والزبيري وغيرهما: أن عمر أنشد ابن أبي عتيق هذه القصيدة، فقال له ابن أبي عتيقٍ: الناس يطلبون خليفةً "مذ قتل عثمان " في صفة قوادتك هذه يدبر أمورهم فما يجدونه!.
رجعٌ إلى خبر عمر الطويل قالوا: ومن شعره الذي اعتذر فيه فأبرأ قوله

فالتقينا فرحبت حـين سـلـم

 

ت وكفت دمعاً من العين مارا

ثم قالت عند العـتـاب رأينـا

 

منك عنا تجـلـداً وازورارا

قلت كلالاه ابن عمك بل خف

 

نا أموراً كنا بهـا أغـمـارا

فجعلنا الصدود لما خـشـينـا

 

قالة الناس للهـوى أسـتـارا

ليس كالعهد إذ عهدت ولكـن

 

أوقد الناس بالنـمـيمة نـارا

فلذاك الإعراض عنك ومـا آ

 

ثر قلبي عليك أخرى اختيارا

ما أبالي إذا النوى قربـتـكـم

 

فدنوتم من حل أو من سـارا

فاللـيالـي إذا نـأيت طـوالٌ

 

وأراها إذا قربت قـصـارا

ومن تشكيه الذي أشجى فيه قوله:

صوت

لعمرك ما جاورت غمدان طائعـاً

 

وقصر شعوبٍ أن أكون به صبـا

ولكن حمى أضرعـتـنـي ثـلاثةً

 

مجرمةً ثم استمرت بـنـا غـبـا

وحتى لو أن الخلد تعرض إن مشت

 

إلى الباب رجلي ما نقلت لها إربا

فإنك لـو أبـصـرت يوم سـويقةٍ

 

مناخي وحبسي العيس داميةً جدبـا

ومصرع إخوانٍ كـأن أنـينـهـم

 

أنين المكاكي صادفت بلداً خصبـا

إذاً لاقشعر الرأس منك صـبـابةً

 

ولاستفرغت عيناك من سكبةٍ غربا

غنى في الأول والثاني من هذه الأبيات معبدٌ ولحنه خفيف ثقيلٍ أول بالوسطى عن عمرو. وفيهما لمالك ثقيل أول عن الهشامي، ونسبه يونس إلى مالك ولم يجنسه.
ومن إقدامه عن خبرة ولم يعتذر بغرة قوله

صرمت وواصلت حتى عرف

 

ت أين المصادر والـمـورد

وجربت من ذاك حتى عرف

 

ت ما أتوقى ومـا أعـمـد

ومن أسره النوم قوله

نام صحبي وبات نومي أسيراً

 

أرقب النجم موهناً أن يغورا

ومن غمه الطير قوله

فرحنا وقلنا للغلام اقض حاجةً

 

لنا ثم أدركنا ولا تـتـغـبـر

سراعاً نغم الطير إن سنحت لنا

 

وإن تلقنا الركبان لا نتخـبـر

تتغبر، من قولهم: غبر فلان أي لبث.
ومن إغذاذه السير قوله

قلت سيرا ولا تقيما ببصرى

 

وحفيرٍ فما أحب حـفـيرا

وإذا ما مررتما بـمـعـانٍ

 

فأقلا به الثـواء وسـيرا

إنما قصرنا إذا حسر السي

 

ر بعيراً أن نستجد بعـيرا

ومن تحييره ماء الشباب قوله

صوت

أبرزوها مثل المهاة تـهـادى

 

بين خمسٍ كواعـبٍ أتـراب

ثم قالوا تحبها قلـت بـهـراً

 

عدد القطر والحصى والتراب

وهي مكنونةٌ تحير مـنـهـا

 

في أديم الخدين ماء الشبـاب

الغناء لمحمد بن عائشة خفيف ثقيلٍ بالبنصر. وفيه لمالك خفيف ثقيل آخر عن الهشامي، وقيل: بل هو هذا.
ومن تقويله وتسهيله قوله

قالت على رقبةٍ يوماً لجارتهـا

 

ما تأمرين فإن القلب قد تبـلا

وهل لي اليوم من أختٍ مواخيةٍ

 

منكن أشكو إليها بعض ما فعلا

فراجعتها حصانٌ غير فاحـشةٍ

 

برجع قولٍ ولبٍّ لم يكن خطلا

لا تذكري حبه حتى أراجـعـه

 

إني سأكفيكه إن لم أمت عجلا

فاقني حياءك في سترٍ وفي كرمٍ

 

فلست أول أنثى علقت رجـلا

وأما ما قاس فيه الهوى فقوله

وقربن أسباب الهوى لمـتـيم

 

يقيس ذراعاً كلما قسن إصبعا

ومن عصيانه وإخلائه قوله  

وأنص المطي يتبعن بـالـرك

 

ب سراعاً نواعم الأظـعـان

فنصيد الغرير من بقر الـوح

 

ش ونلهو بلـذة الـفـتـيان

في زمانٍ لو كنت فيه ضجيعي

 

غير شكٍّ عرفت لي عصياني

وتقلبت في الفـراش ولا تـد

 

رين إلا الظنون أين مكانـي

ومن محالفته بسمعه وطرفه قوله

سمعي وطرفي حليفاها على جسـدي

 

فكيف أصبر عن سمعي وعن بصري

لو طاوعاني علـى ألا أكـلـمـهـا

 

إذاً لقضيت من أوطارهـا وطـري

ومن إبرامه نعت الرسل قوله

فبعثت كاتمة الحـدي

 

ث رفيقةً بجوابـهـا

وحـشـيةً إنـسـيةً

 

خراجةً من بابـهـا

فرقت فسلهت المعـا

 

رض من سبيل نقابها

ومن تحذيره قوله

صوت

لقد أرسلت جـاريتـي

 

وقلت لها خذي حذرك

وقولي في مـلاطـفةٍ

 

لزينب نولي عمـرك

فإن داويت ذا سـقـمٍ

 

فأخزى الله من كفرك

فهزت رأسها عجـبـاً

 

وقالت من بذا أمـرك

أهذا سحرك النـسـوا

 

ن، قد خبرنني خبرك

وقلن إذا قضى وطراً

 

وأدرك حاجةً هجرك

غنى ابن سريج في هذه الأبيات، ولحنه خفيف ثقيلٍ. ولابن المكي فيها هزجٌ بالوسطى. وفيها رملٌ ذكر ذكاء وجه الرزة عن أحمد بن أبي العلاء عن مخارق أنه لابن جامع، وذكر قمري أنه له وأن ذكاء أبطل في هذه الحكاية. قال الزبير: حدثني عمي قال حدثني أبي قال: قال شيخ من قريش: لا ترووا نساءكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورطن في الزنا تورطاً، وأنشد:

لقد أرسلت جـاريتـي

 

وقلت لها خذي حذرك

ومن إعلانه الحب وإسراره قوله

شكوت إليها الحب أعلن بعضه

 

وأخفيت منه في الفؤاد غليلا

ومما بطن به وأظهر قوله

حبكم يا آل ليلى قـاتـلـي

 

ظهر الحب بجسمي وبطن

ليس حب فوق ما أحببتكـم

 

غير أن أقتل نفسي أو أجن

ومما ألح فيه وأسف قوله

ليت حظي كطرفة العين منها

 

وكثيرٌ منها القليل المهـنـا

أو حديثٌ على خلاءٍ يسلـي

 

ما يجن الفؤاد منها ومـنـا

كبرت رب نعمةً منك يومـاً

 

أن أراها قبل الممات ومنـا

ومن إنكاحه النوم قوله

صوت

حتى إذا ما الليل جن ظلامـه

 

ونظرت غفلة كاشحٍ أن يعقلا

واستنكح النوم الذين نخافـهـم

 

وسقى الكرى بوابهم فاستثقلا

خرجت تاطر في الثياب كأنها

 

أيمٌ يسيب على كثيبٍ أهـيلا

الغناء لمعبد خفيف ثقيلٍ مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه ألحانٌ لغيره وقد نسبت في غير هذا الموضع مع قوله:

ودع لبابة قبل أن تترحلا

ومن جنيه الحديث قوله

وجوارٍ مساعفاتٍ على اللـه

 

و ومسرات باطن الأضغان

صيدٍ للرجال يرشقن بالمطر

 

ف حسانٍ كخذل الغـزلان

قد دعاني وقد دعاهن لـلـه

 

و شجونٌ مهمة الأشجـان

فاجتنينا من الحديث ثمـاراً

 

ما جنى مثلها لعمرك جاني

ومن ضربه الحديث ظهره لبطنه قوله

في خلاء من الأنيس وأمـنٍ

 

فبثثنا غليلنا واشـتـفـينـا

وضربنا الحديث ظهراً لبطنٍ

 

وأتينا من أمرنا ما اشتهينـا

فمكثنا بذاك عـشـر لـيالٍ

 

في قضاءٍ لديننا واقتضينـا

ومن إذلاله صعب الحديث قوله

فلما أفضنا في الهوى نستبينـه

 

وعاد لنا صعب الحديث ذلـولا

شكوت إليها الحب أظهر بعضه

 

وأخفيت منه في الفؤاد غلـيلا

ومن قناعته بالرجاء من الوفاء قوله

فعدي نائلاً وإن لم تنيلي

 

إنه ينفع المحب الرجاء

قال الزبير: هذا أحسن من قول كثير:

ولست براضٍ من خليلٍ بنائلٍ

 

قليلٍ ولا أرضى له بقلـيل

ومن إعلائه قاتله قوله

فبعثت جاريتي وقلت لها اذهبي

 

فاشكي إليها ما علمت وسلمي

 

قولـي يقـول تـحـرجـي فـي عـــاشـــقٍ

 

كلـفٍ بـكـم حـتـى الـمـمـات مـــتـــيم

ويقـول إنـك قـد عـلـمـت بـــأنـــكـــم

 

أصـبـحـتـم يا بـــشـــر أوجـــه ذي دم

فكـي رهـينـتـه فـإن لـم تـفــعـــلـــي

 

فاعلي عـلـى قـتـل ابـن عـمـك واسـلـمـي

فتـضـاحـكـت عـجـبـاً وقـالـت حـقـــه

 

ألا يعـلـمـنـا بـمـا لــم نـــعـــلـــم

علمي به والله يغفر ذنبه فيما بدا لي، ذو هوى متقسم

 

 

طرفٌ ينازعه إلى الأدنى الهوى

 

ويبـث خـــلةً ذي الـــوصـــال الأقـــدم

           

ومن تنفيضه النوم قوله

فلما فقدت الصوت منهم وأطفئت

 

مصابيح شبت بالعشـاء وأنـور

وغاب قميرٌ كنت أرجو غيوبـه

 

وروح رعيان ونـوم سـمـر

ونفضت عني أقبلت مـشـية ال

 

حباب وركني خشية القوم أزور

ومن إغلاقه رهن منىً وإهداره قتلاه قوله

فكم من قـتـيلٍ مـا يبـاء بـه دمٌ

 

ومن غلق رهناً إذا لـفـه مـنـى

ومن مالىءٍ عينيه من شيء غـيره

 

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى

وكان بعد هذا كله فصيحاً شاعراً مقولاً.

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي، وأخبرنا به علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله: أن عمر بن أبي ربيعة نظر إلى رجل يكلم امرأة في الطواف، فعاب ذلك عليه وأنكره. فقال له: إنها ابنة عمي. قال: ذاك أشنع لأمرك. فقال: إني خطبتها إلى عمي، فأبى علي إلا بصداقٍ أربعمائة دينار، وأنا غير مطيق ذلك، وشكا إليه من حبها وكلفه بها أمراً عظيماً، وتحمل به على عمه. فسار معه إليه فكلمه. فقال له: هو مملق، وليس عندي ما أصلح به أمره. فقال له عمر: وكم الذي تريده منه؟ قال: أربعمائة دينار. فقال له: هي علي فزوجه، ففعل ذلك.
وقد كان عمر حين أسن حلف ألا يقول بيت شعر ألا أعتق رقبةً. فانصرف عمر إلى منزله يحدث نفسه، فجعلت جاريةٌ له تكلمه فلا يرد عليها جواباً. فقالت له: إن لك لأمراً، وأراك تريد أن تقول شعراً، فقال:

صوت

تقول وليدتي لـمـا رأتـنـي

 

طربت وكنت قد أقصرت حينا

أراك اليوم قد أحدثت شـوقـاً

 

وهاج لك الهوى داءً دفـينـا

وكنت زعمت أنك ذو عـزاءٍ

 

إذا ما شئت فارقت القـرينـا

بربك هل أتاك لـهـا رسـول

 

فشاقك أم لقيت لهـا خـدينـا

فقلت شكا إلـي أخٌ مـحـبٌّ

 

كبعض زماننا إذ تعلـمـينـا

فقص علي ما يلقى بـهـنـدٍ

 

فذكر بعض ما كنا نـسـينـا

وذو الشوق القديم وإن تعـزى

 

مشوقٌ حين يلقى العاشقـينـا

وكم من خلةٍ أعرضت عنهـا

 

لغير قلىً وكنت بها ضنـينـا

أردت بعادها فصددت عنـهـا

 

ولو جن الفؤاد بها جـنـونـا

ثم دعا تسعةً من رقيقه فأعتقهم لكل بيتٍ واحدٌ. الغناء لابن سريج رملٌ بالبنصر عن عمرو والهشامي. وفيه ثقيلٌ أول يقال: إنه للغريض. وذكر عبد الله بن موسى أن فيه لدحمان خفيف رملٍ.

عمر بن أبي ربيعة وعروة بن الزبير

أخبرني الحرمي قال حدثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة قال: ذكر ابن الكلبي أن عمر بن أبي ربيعة كان يساير عروة بن الزبير ويحادثه، فقال له: وأين زين المواكب؟ يعني ابنه محمد بن عروة، وكان يسمى بذلك لجماله.
فقال له عروة: هو أمامك، فركض يطلبه. فقال له عروة: يا أبا الخطاب، أولسنا أكفاءً كراماً لمحادثتك ومسايرتك؟ فقال: بلى بأبي أنت وأمي! ولكني مغرى بهذا الجمال أتبعه حيث كان. ثم التفت إليه وقال:

إني امرؤ مولعٌ بالحسن أتبعه

 

لا حظ لي فيه إلا لذة النظر

ثم مضى حتى لحقه فسار معه، وجعل عروة يضحك من كلامه تعجباً منه.

عمر بن أبي ربيعة ومالك بن أسماء

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب ابن عبد الله قال: رأى عمر بن أبي ربيعة رجلاً يطوف بالبيت وقد بهر الناس بجماله وتمامه، فسأل عنه فقيل له: هذا مالك بن أسماء بن خارجة. فجاءه فسلم عليه وقال له: يابن أخي مازلت أتشوقك منذ بلغني قولك:

إن لي عند كل نفحة بسـتـا

 

نٍ من الورد أو من الياسمينا

نظرةً والتفاتةً أتـمـنـى

 

أن تكوني حللت فيما يلينا

ويروى:

... أتـرجـــى

 

أن تكوني حللت...

عمر وأبو الأسود الدؤلي وقد عرض لامرأته

في الطواف

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا العباس بن هشام عن أبيه قال أخبرني مولىً لزيادٍ قال: حج أبو الأسود الدؤلي ومعه امرأته وكانت جميلةً. فبينا هي تطوف بالبيت إذ عرض لها عمر بن أبي ربيعة، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فأتاه أبو الأسود فعاتبه. فقال له عمر: ما فعلت شيئاً. فلما عادت إلى المسجد عاد فكلمها، فأخبرت أبا الأسود، فأتاه في المسجد وهو مع قومٍ جالسٌ فقال له:

وإني ليثنيني عن الجهل والخنا

 

وعن شتم أقوامٍ خلائق أربع

حياءٌ وإسلامٌ وبقـيا وأنـنـي

 

كريمٌ ومثلي قد يضر وينفع

فشتان ما بيني وبينك إنـنـي

 

على كل حالٍ أستقيم وتظلع

فقال له عمر: لست أعود يا عم لكلامها بعد هذا اليوم. ثم عاود فكلمها، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فجاء إليه فقال له:

أنت الفتى وابن الفتى وأخو الفتى

 

وسيدنـا لـولا خـلائق أربـع

نكولٌ عن الجلى وقربٌ من الخنا

 

وبخلٌ عن الجدوى وأنك تـبـع

ثم خرجت وخرج معها أبو الأسود مشتملاً على سيف. فلما رآهما عمر أعرض عنها، فتمثل أبو الأسود:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له

 

وتتقي صولة المستأسد الحامـي

رأي الفرزدق في شعر ابن أبي ربيعة

أخبرني ابن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم الفراسي قال حدثنا العمري قال أخبرنا الهيثم بن عدي قال: قدم الفرزدق المدينة وبها رجلان يقال لأحدهما صريمٌ، وللآخر ابن أسماء، وصفا له فقصدهما، وكان عندهما قيانٌ، فسلم عليهما وقال لهما: من أنتما؟ فقال أحدهما: أنا فرعون، وقال الآخر: أنا هامان. قال: فأين منزلكما في النار حتى أقصدكما؟ فقالا: نحن جيران الفرزدق الشاعر! فضحك ونزل، فسلم عليهما وسلما عليه وتعاشروا مدة. ثم سألهما أن يجمعا بينه وبين عمر بن أبي ربيعة ففعلا، واجتمعا وتحادثا وتناشدا إلى أن أنشد عمر قصيدته التي يقول فيها:

فلما التقينا واطمأنت بنا النوى

 

وغيب عنا من نخاف ونشفق

حتى انتهى إلى قوله:

فقـمـن لـكـي يخـلـينـنـا فـتــرقـــرقـــت

 

مدامـع عـينـيهــا وظـــلـــت تـــدفـــق

وقـالـت أمـا تـرحـمـنـنـي! لا تـدعـنــنـــي

 

لدى غـزلٍ جـــم الـــصـــبـــابة يخـــرق

فقلن اسكتي عنا فسلت مطاعةًوخلك منا فاعلمي بك أرفق

 

 

فصاح الفرزدق: أنت والله يا أبا الخطاب أغزل الناس! لا يحسن والله الشعراء أن يقولوا مثل هذا النسيب ولا أن يرقوا مثل هذه الرقية! وودعه وانصرف.

عمرو وعبد الرحمن بن الحارث

ابن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الجبار بن سعيد المساحقي عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه: أنه حج مع أبيه الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، فأتى عمر بن أبي ربيعة وقد أسن وشاخ، فسلم عليه وساءله ثم قال له: أي شيء أحدثت بعدي يا أبا الخطاب؟ فأنشده:

يقولون: إني لست أصدقك الهوى

 

وإني لا أرعـاك حـين أغـيب

فما بال طرفي عف عما تساقطت

 

له أعينٌ من معشـرٍ وقـلـوب

عشية لا يستنكف القـوم أن يروا

 

سفاه امرىءٍ ممن يقال لـبـيب

ولا قتنةً من ناسكٍ أومضـت لـه

 

بعين الصبا كسلى القيام لعـوب

تروح يرجو أن تحـط ذنـوبـه

 

فآب وقد زيدت عـلـيه ذنـوب

وما النسك أسلاني ولكن للهـوى

 

على العين مني والفؤاد رقـيب

عمرو والنسوة اللاتي واعدهن بالعقيق

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذمي قال: واعد عمر بن أبي ربيعة نسوةٌ من قريش إلى العقيق ليتحدثن معه، فخرج إليهن ومعه الغريض، فتحدثوا ملياً ومطروا، فقال عمر والغريض وجاريتان للنسوة فأظلوا عليهن بمطرفة وبردين له حتى استترن من المطر إلى أن سكن، ثم انصرفن. فقال له الغريض: قل في هذا شعراً حتى أغني فيه، فقال عمر:

صوت

ألم تسأل المنزل المقـفـرا

 

بياناً فيكـتـم أو يخـبـرا

ذكرت به بعض ما قد شجاك

 

وحق لذي الشجو أن يذكرا

مقام المحبين قـد ظـاهـرا

 

كساءً وبردين أن يمـطـرا

وممشى الثلاث به موهـنـاً

 

خرجـن إلـى زائرٍ زورا

إلى مجلسٍ من وراء القبـا

 

ب سهل الربا طيبٍ أعفـرا

غفلن عن الليل حتـى بـدت

 

تباشير من واضحٍ أسـفـرا

فقمـن يعـفـين آثـارنـا

 

بأكسية الخز أن تـقـفـرا

مهاتان شـيعـتـا جـؤذراً

 

أسـيلاً مـقـلـده أحـورا

وقمن وقلن لو أن الـنـهـا

 

ر مد له الليل فاستـأخـرا

قضينا به بعض أشجـانـنـا

 

وكان الحديث بـه أجـدرا

ذكر ابن المكي أن الغناء في الخمسة الأبيات الأولى لابن سريج ثاني ثقيلٍ بالسبابة في مجرى البنصر، وذكر الهشامي أن هذا اللحن للغريض، وأن لحن ابن سريج رملٌ بالوسطى. وقال حبشٌ: فيها لمعبد خفيف ثقيلٍ بالوسطى.

عمر وابن أبي عتيق

أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو العباس المديني قال أخبرنا ابن عائشة قال: حضر ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة وهو ينشد قوله:

ومن كان محزوناً بإهراق عبـرةٍ

 

وهي غربها فليأتنا نبـكـه غـدا

نعنه على الإثكال إن كان ثـاكـلاً

 

وإن كان محروباً وإن كان مقصدا

قال: فلما أصبح ابن أبي عتيق أخذ معه خالداً الخريت وقال له: قم بنا إلى عمر. فمضيا إليه، فقال له ابن أبي عتيق: قد جئناك لموعدك. قال: وأي موعدٍ بيننا؟ قال: قولك: "فليأتنا نبكه غداً. قد جئناك، والله لا نبرح أو تبكي إن كنت صادقاً في قولك، أو ننصرف على أنك غير صادق. ثم مضى وتركه. قال ابن عائشة: خالدٌ الخريت هو خالد بن عبد الله القسري.

عود إلى خلق عمر

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش الهمداني قال: لقيت عمر بن أبي ربيعة فقلت له: يا أبا الخطاب، أكل ما قلته في شعرك فعلته؟ قال: نعم، وأستغفر الله.

قدوم عمر الكوفة ونزوله على ابن هلال

أخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن عبد الله بن مصعب قال: قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة، فنزل على عبد الله بن هلالٍ الذي كان يقال له صاحب إبليس، وكان له قينتان حاذقتان، وكان عمر يأتيهما فيسمع منهما، فقال في ذلك:

يأهل بابل ما نفست عليكـم

 

من عيشكم إلا ثلاث خلال

ماء الفرات وطيب ليلٍ باردٍ

 

وغناء مسمعتين لابن هلال

وصف الشعراء للبرق وما قاله عمر

 في ذلك

أخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله: أن عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد وأبا ربيعة المصطلقي ورجلاً من بني مخزوم وابن أخت الحارث بن خالد، خرجوا يشيعون بعض خلفاء بني أمية. فلما انصرفوا نزلوا "بسرفٍ" فلاح لهم برقٌ؛ فقال الحارث: كلنا شاعر، فهلموا نصف البرق. فقال أبو ربيعة:

أرقت لبرقٍ آخر الليل لامعٍ

 

جرى سناه ذو الربا فينابع

فقال الحارث:

أرقت له ليل التمام ودونـه

 

مهامه موماةٍ وأرضٌ بلاقع

فقال المخزومي:

يضيء عضاه الشوك حتى كـأنـه

 

مصابيح أو فجرٌ من الصبح ساطع

فقال عمر:

أيا رب لا آلو الـمـودة جـاهـداً

 

لأسماء فاصنع بي الذي أنت صانع

ثم قال: مالي وللبرق والشوك!

بقية خبر عمر ونسوة العقيق

أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي قال: كان عمر بن أبي ربيعة وخالدٌ القسري معه - وهو خالد الخريت - ذات يوم يمشيان، فإذا هما بهند وأسماء اللتين كان يشبب بهما عمر بن أبي ربيعة تتماشيان، فقصداهما وجلسا معهما ملياً، فأخذتهم السماء ومطروا. ثم ذكر مثل خبرٍ تقدم، ورويته آنفاً عن هاشم بن محمد الخزاعي، وذكر الأبيات الماضية، ولم يذكر فيها خبر الغريض. وحكى أنه قال في ذلك:

صوت

أفي رسم دارٍ دمعك المـتـرقـرق

 

سفاهاً! وما استنطاق ما ليس ينطق!

بحيث التقى "جمعٌ" ومفضى "محسرٍ"

 

مغاني قد كادت على العهد تخلـق

ذكرت به ما قد مضى من زماننا

 

وذكرك رسم الدار مما يشـوق

مقاماً لنا عند العشاء ومجلـسـاً

 

به لم يكدره علـينـا مـعـوق

وممشى فتاةٍ بالكساء تـكـنـنـا

 

به تحت عينٍ برقهـا يتـألـق

يبل أعالي الثوب قطرٌ وتحـتـه

 

شعاعٌ بدا يعشي العيون ويشرق

فأحسن شيءٍ بدء أول لـيلـنـا

 

وآخره حـزنٌ إذا نـتـفـرق

ذكر يحيى بن المكي أن الغناء في ستة أبيات متواليةٍ من هذا الشعر لمعبدٍ خفيف ثقيلٍ بالسبابة والوسطى، وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى.

عمر وليلى بنت الحارث البكرية

وما قاله فيها من الشعر

"أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني مصعب قال: لقي عمر بن أبي ربيعة ليلى بنت الحارث بن عمرو البكرية وهي تسير على بغلة لها، وقد كان نسب بها، فقال: جعلني الله فداك! عرجي ها هنا أسمعك بعض ما قلته فيك. قالت: أو قد فعلت؟ قال نعم! فوقفت وقالت: هات. فأنشدها.

صوت

ألا يا ليل إن شفاء نفـسـي

 

نوالك إن بخلت فنولـينـا

وقد حضر الرحيل وحان منا

 

فراقك فانظري ما تأمرينا

فقالت: آمرك بتقوى الله وإيثار طاعته وترك ما أنت عليه. ثم صاحت ببغلتها ومضت.
وفي هذين البيتين لابن سريج خفيف ثقيلٍ بالوسطى عن يحيى المكي، وذكر الهشامي أنه من منحوله إلى ابن سريج. وفيهما رملٌ طنبوريٌ لأحمد بن صدقة.
أخبرني بذلك جحظة عنه. وأخبرني بهذا الخبر عبد الله بن محمد الرازي قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن ابن الأعرابي: أن ليلى هذه كانت جالسةً في المسجد الحرام، فرأت عمر بن أبي ربيعة، فوجهت إليه مولىً لها فجاءها به. فقالت له: يابن أبي ربيعة، حتى متى لا تزال سادراً في حرم الله تشبب بالنساء وتشيد بذكرهن! أما تخاف الله! قال: دعيني من ذاك واسمعي ما قلت. قالت: وما قلت؟ فأنشدها الأبيات المذكورة.
فقالت له القول الذي تقدم أنها أجابته به. قال: وقال لها: اسمعي أيضاً ما قلت فيك، ثم أنشدها قوله:

أمن الرسم وأطـلال الـدمـن

 

عاد لي وجدي وعاودت الحزن

إن حبي آل ليلـى قـاتـلـي

 

ظهر الحب بجسمي وبـطـن

يا أبا الحارث قلـبـي طـائرٌ

 

فأتمر أمر رشيدٍ مـؤتـمـن

التمس للقلب وصلاً عنـدهـا

 

إن خير الوصل ما ليس يمـن

علق القلب، وقد كان صـحـا،

 

من بني بكرٍ غزالاً قد شـدن

أحور المقـلة كـالـبـدر، إذا

 

قلد الدر فقلبي مـمـتـحـن

ليس حبٌ فوق ما أحببـتـكـم

 

غير أن أقتل نفسـي أو أجـن

خلقت للقلـب مـنـي فـتـنةً

 

هكذا يخلق معروض الفـتـن

قال: وفيها يقول:

إن ليلى وقد بلغت المشـيبـا

 

لم تدع للنساء عندي نصيبـا

هاجرٌ بيتها لأنفي عـنـهـا

 

قول ذي العيب إن أراد عيوبا

نسبة ما في هذين الشعرين من الغناء الغناء في الأبيات الأولى النونية لابن سريج ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو. وفيها لابن عائشة ثقيلٌ أول، يقال: إنه أول ثقيلٍ غناه، كان يغني الخفيف، فعيب بذلك فصنع هذا اللحن. وفيه لعبد الله بن يونس الأبلي رملٌ عن الهشامي.
والغناء في:

إن ليلى وقد بلغت المشيبا

لابن سريج رملٌ بالوسطى عن عمرو. وفيه لكردمٍ ثقيلٌ أول بالوسطى عن عمرو أيضاً. وذكر إبراهيم أن فيه لحناً لعطردٍ، ولم يجنسه.

حديثه مع النوار وشعره فيها

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني محمد بن منصور الأزدي قال حدثني أبي عن الهيثم بن عدي قال: بينما عمر بن أبي ربيعة منصرفٌ من المزدلفة يريد منىً إذ بصر بامرأة في رحالةٍ ففتن، وسمع عجوزاً معها تناديها: يا نوار استتري لا يفضحك ابن أبي ربيعة. فاتبعها عمر وقد شغلت قلبه حتى نزلت بمنىً في مضرب قد ضرب لها، فنزل إلى جنب المضرب، ولم يزل يتلطف حتى جلس معها وحادثها، وإذا أحسن الناس وجهاً وأحلاه منطقاً، فزاد ذلك في إعجاب عمر بها. ثم أراد معاودتها فتعذر ذلك عليه، وكان آخر عهده، فقال فيها:

صوت

علق النوار فـؤاده جـهـلا

 

وصبا فلم تترك له عـقـلا

وتعرضت لي في المسير فما

 

أمسى الفؤاد يرى لها مثـلا

ما نعجة من وحش ذي بقـرٍ

 

تغذو بسقط صريمةٍ طفـلا

بألذ منهـا إذ تـقـول لـنـا

 

وأردت كشف قناعها: مهلا

دعنا فـإنـك لا مـكـارمةً

 

تجزي ولست بواصلٍ حبـلا

وعليك من تبل الـفـؤاد وإن

 

أمسى لقلبك ذكره شـغـلا

فأجبتها إن المحب مكـلـفٌ

 

فدعي العتاب وأحدثي بـذلا

الغناء لابن محرز خفيف ثقيلٍ بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه ثاني ثقيلٍ بالبنصر ينسب إلى ابن عائشة.

حديثه مع أم الحكم وشعره فيها

أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أبو عبد الله السدوسي عن عيسى بن إسماعيل العتكي عن هشام بن الكلبي عن أبيه قال: حجت امرأةٌ من بني أمية يقال لها أم الحكم، فقدمت قبل أوان الحج معتمرةً. فبينا هي تطوف على بغلةٍ لها إذ مرت على عمر بن أبي ربيعة في نفرٍ من بني مخزوم وهم جلوسٌ يتحدثون وقد فرعهم طولاً وجهرهم جمالاً وبهرهم شارةً وعارضةً وبياناً، فمالت إليهم ونزلت عندهم، فتحدثت معهم طويلاً ثم انصرفت. ولم يزل عمر يتردد إليها إلى أن انقضت أيام الحج، فرحلت إلى الشأم، وفيها يقول عمر:

تأوب ليلى بنصـبٍ وهـم

 

وعاودت ذكرى لأم الحكم

فبت أراقب ليل الـتـمـا

 

م، من نام من عاشقٍ لم أنم

فإما ترينني على ما عـزا

 

ضعيف القيام شديد السقـم

كثير القلب فوق الـفـرا

 

ش ما إن تقل قيامي قـدم

بالمديحة طيب نـشـرهـا

 

هضيم الحشا عذبة المبتسم

في أول الأبيات الثلاثة غناء. وقبلها وهو أول الصوت:

صوت

وفيتان صدقٍ صباح الوجـو

 

ه لا يجدون لـشـيءٍ ألـم

من آل المغيرة لا يشـهـدو

 

ن عند المجازر لحسم الوضم

الغناء في هذه الأبيات لمالك خفيف ثقيل الثاني بالبنصر وهو الذي يقال له الماخوري، عن عمرو. وفيه ثاني ثقيلٍ ينسب إلى ابن سريج والعريض ودحمان. وفيه لابن المكي خفيف رملٍ.

حديثه مع سكينة وشعره فيها

أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن أبي عبد الله الزبيري قال: اجتمع نسوةٌ من أهل المدينة من أهل الشرف، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه، فتشوقن إليه وتمنينه، فقالت سكينة بنت الحسين: أنا لكن به. فأرسلت إليه رسولاً وواعدته الصورين، وسمت له الليلة والوقت، وواعدت صواحباتها، فوافاهن عمر على راحلته، فحدثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن. فقال لهن: والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده، ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئاً. ثم انصرف إلى مكة وقال:

صوت

قالت سكينة والدموع ذوارفٌ

 

منها على الخدين والجلبـاب

ليت المغيري الذي لم أجـزه

 

فيما أطال تصيدي وطلابـي

كانت ترد لنا المنـى أيامـنـا

 

إذ لا نلام على هوى وتصابي

خبرت ما قالت فبت كأنـمـا

 

ترمي الحشا بنوافذ النشـاب

أسكين ما ماء الفرات وطيبـه

 

مني على ظمأ وفقد شـراب

بألذ منك وإن نأيت وقـلـمـا

 

ترعى النساء أمانة الغـياب

الغناء للهذلي رملٌ بالوسطى عن الهشامي. وفيه للغريض خفيف ثقيل بالوسطى عن حبشٍ. قال وقال فيها:

صوت

أحب لحبك مـن لـم يكـن

 

صفياً لنفسي ولا صاحبـا

وأبذل نفسي لمرضاتـكـم

 

وأعتب من جاءكم عاتـبـا

وأرغب في ود من لم أكن

 

إلى وده قبلكـم راغـبـا

ولو سلك الناس في جانـبٍ

 

من الأرض واعتزلت جانبا

ليممت طيتـهـا، إنـنـي

 

أرى قربها العجب العاجبا

فما نعجة من ظبـاء الأرا

 

ك تقرو دميث الربا عاشبا

بأحسن منها غداة الغـمـيم

 

وقد أبدت الخد والحاجـبـا

غداة تقول عـلـى رقـبةٍ

 

لخادمها: يا احبسي الراكبا

فقالت لها: فيم هذا الكلام

 

وأبدت لها عابساً قاطبـا

فقالت كريمٌ أتـى زائراً

 

يمر بكم هكذا جانـبـا

شريفٌ أتى ربعنا زائراً

 

فأكره رجعته خائبـا "

غنى في الأول والثاني والرابع والخامس من هذه الأبيات ابن القفاص المكي، ولحنه رملٌ من رواية الهشامي.

بغوم ابن أبي ربيعة

وحدثني وكيع وابن المرزبان وعمي قالوا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثنا محمد بن معنٍ الغفاري قال حدثني سفيان بن عيينة قال: بينا أنا ومسعر بن كدامٍ مع إسماعيل بن أمية بفناء الكعبة إذا بعجوزٍ قد صلعت علينا عوراء متكئةً على عصاً يصفق أحد لحييها على الآخر، فوقفت على إسماعيل فسلمت عليه، فرد عليها السلام، وساءلها فأحفى المسألة، ثم انصرفت. فقال إسماعيل: لا إله إلا الله! ماذا تفعل الدنيا بأهلها! ثم أقبل علينا فقال: أتعرفان هذه؟ قلنا: لا والله، ومن هي؟ قال: هذه "بغوم" ابن أبي ربيعة التي يقول فيها:

حبذا أنت يا بغوم وأسما

 

ء وعيصٌ يكننا وخلاء

انظرا كيف صارت، وما كان بمكة امرأةٌ أجمل منها. قال: فقال له مسعر: لا ورب هذه البنية، ما أرى أنه كان عند هذه خيرٌ قط. وفي هذه الأبيات يقول عمر:

صوت

صرمـت حـبـلـك الـبـــغـــوم وصـــدت

 

عنـــك فـــي غـــير ريبةٍ أســـمـــاء

والـغـــوانـــي إذا رأينـــك كـــهـــلاً

 

كان فـيهــن عـــن هـــواك الـــتـــواء

حبــذا أنـــت يا بـــغـــوم وأســـمـــا

 

ء وعـــيصٌ يكـــنـــنـــا وخـــــلاء

ولـقـد قـلـت لـيلة الــجـــزل لـــمـــا

 

أخـضـلـت ريطـتـي عـلـي الـســـمـــاء

ليت شعري وهل يردن ليتٌ هل لهذا عند الرباب جزاء

 

 

كل وصلٍ أمسى لدي لأنثى

 

غيرهـا وصـــلـــهـــا إلـــيهـــا أداء

كل خـــلـــقٍ وإن دنـــا لـــوصــــالٍ

 

أو نـأى فـهـو لـلـــربـــاب الـــفـــداء

فعــدي نـــائلاً وإن لـــم تـــنـــيلـــي

 

إنـمـا ينـفـع الـمــحـــب الـــرجـــاء

لمعبدٍ في: "ولقد قلت ليلة الجزل..." والذي بعده خفيف ثقيلٍ مطلقٍ في مجرى الوسطى عن يونس وإسحاق ودنانير، "وهو من مشهور غنائه ".
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب عن ذهيبة مولاة محمد بن مصعب بن الزبير قالت: كنت عند أمة الواحد أو أمة المجيد بنت عمر بن أبي ربيعة في الجنبذ الذي في بيت سكينة بنت خالد بن مصعب أنا وأبوها عمر وجاريتان له تغنيان، يقال لأحداهما البغوم، والأخرى أسماء. وكانت أمة المجيد بنت عمر تحت محمد بن مصعب بن الزبير.
قالت: فقال عمر بن أبي ربيعة وهو معهم في الجنبذ هذه الأبيات. فلما انتهى إلى قوله:

ولقد قلت ليلة الجزل لـمـا

 

أخضلت ريطتي علي السماء

خرجت البغوم ثم رجعت إليه فقالت: ما رأيت أكذب منك يا عمر! تزعم أنك بالجزل وأنت في جنبذ محمد بن مصعب، وتزعم أن السماء أخضلت ريطتك وليس في السماء قزعة! قال: هكذا يستقيم هذا الشأن.
وأخبرني علي بن صالح عم أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي ومحمد بن سلام أن عمر أنشد ابن أبي عتيق قوله:

حبذا أنت يا بغوم وأسما

 

ء وعيصٌ يكننا وخلاء

فقال له: ما أبقيت شيئاً يتمنى يا أبا الخطاب إلا مرجلاً يسخن لكم فيه الماء للغسل.

عمر و بنت مروان بن الحكم

أخبرني ابن المرزبان قال حدثني إسماعيل بن جعفر عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال: حجت أم محمدٍ بنت مروان بن الحكم، فلما قضت نسكها أتت عمر بن أبي ربيعة وقد أخفت نفسها في نسوة، فحدثها ملياً. فلما انصرفت أتبعها عمر رسولاً عرف موضعها وسأل عنها حتى أثبتها، فعادت إليه بعد ذلك فأخبرها بمعرفته إياها.
فقالت: نشدتك الله أن تشهرني بشعرك! وبعثت إليه بألف دينار، فقبلها وابتاع بها حللاً وطيباً فأهداه إليها، فردته. فقال لها: والله لئن لم تقبليه لأنهبنه، فيكون مشهوراً، فقبلته ورحلت. فقال فيها:

صوت

أيها الراكب المجد ابتـكـارا

 

قد قضى من تهامة الأوطارا

من يكن قلبه صحيحاً سليمـاً

 

ففؤادي بالخيف أمسى معارا

ليت ذا الدهر كان حتماً علينا

 

كل يومين حجةً واعتمـارا

الغناء لابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيه أيضاً له خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكي. وفيه لذكاء وجه الرزة المعتمدي ثقيلٌ أول من جيد الغناء وفاخر الصنعة ليس لأحد من طبقته وأهل صنعته مثله. وأنشد ابن أبي عتيق قول عمر هذا، فقال: الله أرحم بعباده أن يجعل عليهم ما سألته ليتم لك فسقك.

عمر وحميدة جارية ابن تفاحة

أخبرني ابن المرزبان قال أخبرني أحمد بن يحيى القرشي عن أبي الحسن الأزدي عن جماعةٍ من الرواة: أن عمر كان يهوى حميدة جارية ابن تفاحة، وفيها يقول:

صوت

حمل القلب مـن حـمـيدة ثـقـلا

 

إن في ذاك للـفـؤاد لـشـغـلا

إن فعلت الذي سألـت فـقـولـي

 

حمد خيراً وأتبعي القـول فـعـلا

وصليني فـأشـهـد الـلـه أنـي

 

لست أصفي سواك ما عشت وصلا

الغناء لمعبد خفيف ثقيلٍ بالوسطى عن يحيى المكي والهشامي. وفيها يقول:

صوت

يا قلب هل لك عن حميدة زاجر

 

أم أنت مدكر الحياء فصـابـر

فالقلب من ذكرى حميدة موجعٌ

 

والدمع منحدرٌ وعظمي فاتـر

قد كنت أحسب أنني قبل الـذي

 

فعلت على ما عند حمدة قادر

حتى بدا لي من حميدة خلـتـي

 

بينٌ وكنت من الفراق أحـاذر

"الغناء لمعبدٍ خفيف ثقيلٍ بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق ".

عمر و بعض جواري بني أمية

في موسم الحج

أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو مسلمٍ المستملي عن ابن أخي زرقان عن أبيه قال: أدركت مولىً لعمر بن أبي ربيعة شيخاً كبيراً، فقلت له: حدثني عن عمر بحديثٍ غريب، فقال: نعم! كنت معه ذات يوم، فاجتاز به نسوةٌ من جواري بني أمية قد حججن، فتعرض لهن وحادثهن وناشدهن مدة أيام حجهن، ثم قالت له إحداهن: يا أبا الخطاب، إنا خارجاتٌ في غدٍ فابعث مولاك هذا إلى منزلنا ندفع إليه تذكرةً تكون عندك تذكرنا بها. فسر بذلك ووجه بي إليهن في السحر، فوجدتهن يركبن، فقلن لعجوزٍ معهن: يا فلانة، ادفعي إلى مولى أبي الخطاب التذكرة التي أتحفناه بها. فأخرجت إلي صندوقاً لطيفاً مقفلاً مختوماً، فقلن: ادفعه إليه وارتحلن.

فجئته به وأنا أظن أنه قد أودع طيباً أو جوهراً. ففتحه عمر فإذا هو مملوءٌ من المضارب "وهي الكيرنجات "، وإذا على كل واحد منها اسم رجل من مجان مكة، وفيها اثنان كبيران عظيمان، على أحدهما الحارث بن خالد وهو يومئذٍ أمير مكة. وعلى الآخر عمر بن أبي ربيعة. فضحك وقال: تماجن علي ونفذ لهن. ثم أصلح مأدبةً. ودعا كل واحد ممن له اسمٌ في تلك المضارب. فلما أكلوا واطمأنوا للجلوس قال: هات يا غلام تلك الوديعة، فجئته بالصندوق، ففتحه ودفع إلى الحارث الكيرنج الذي عليه اسمه. فلما أخذه وكشف عنه غطاءه فزع وقال: ما هذا أخزاك الله! فقال له: رويداً، اصبر حتى ترى. ثم أخرج واحداً واحداً فدفعه إلى من عليه اسمه حتى فرقها فيهم ثم أخرج الذي باسمه وقال: هذا لي. فقالوا له: ويحك! ما هذا؟ فحدثهم بالخبر فعجبوا منه، وما زالوا يتمازحون بذلك دهراً طويلاً ويضحكون منه.

قصته مع بنات أبصرنه من وراء المضرب

قال وحدثني هذا المولى قال: كنت مع عمر وقد أسن وضعف، فخرج يوماً يمشي متوكئاً على يدي حتى مر بعجوزٍ جالسةٍ، فقال لي: هذه فلانة وكانت إلفاً لي، وعدل إليها فسلم عليها وجلس عندها وجعل يحادثها، ثم قال: هذه التي أقول فيها:

صوت

أبصرتها ليلةً ونسـوتـهـا

 

يمشين بين المقام والحجـر

بيضاً حساناً نواعماً قطـفـاً

 

يمشين هوناً كمشية البقـر

قالت لتربٍ لها تلاطفـهـا

 

لنفسدن الطواف في عمـر

قومي تصدي له ليعرفـنـا

 

ثم اغمزيه يا أخت في خفر

قالت لها قد غمزته فـأبـى

 

ثم اسبطرت تشتد في أثري

بل يا خليلي عادني ذكـري

 

بل اعترتني الهموم بالسهر

- الغناء لابن سريج في السادس والأول والثاني خفيف ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو. وفيها لسنانٍ الكاتب رملٌ بالوسطى عنه وعن يونس. وفيها للأبجر خفيف رملٍ بالوسطى عنه. وفي:

قالت لتربٍ لها تلاطفها

لعبد الله بن العباس خفيف رملٍ بالبنصر عن الهشامي، وفيه للدلال خفيف ثقيلٍ عنه أيضاً. ولأبي سعيد مولى فائدٍ في الأول والثاني ثقيلٌ أول عن الهشامي أيضاً، ومن الناس من ينسب لحنه إلى سنان الكاتب وينسب لحن سنان إليه - قال: وجلس معها يحادثها، فأطلعت رأسها إلى البيت وقالت: يا بناتي، هذا أبو الخطاب عمر بن أبي ربيعة عندي، فإن كنتن تشتهين أن ترينه فتعالين. فجئن إلى مضربٍ قد حجزن به دون بابها فجعلن يثقبنه ويضعن أعينهن عليه يبصرن. فاستسقاها عمر، فقالت له: أي الشراب أحب إليك؟ قال: الماء. فأتي بإناء فيه ماء، فشرب منه، ثم ملأ فمه فمجه عليهن في وجوههن من وراء الحاجز، فصاح الجواري وتهاربن وجعلن يضحكن. فقالت له العجوز: ويلك! لا تدع مجونك وسفهك مع هذه السن! فقال: لا تلوميني، فما ملكت نفسي لما سمعت من حركاتهن أن فعلت ما رأيت.

حديثه مع المرأة التي رآها في الطواف

وارتحل معها إلى العراق

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن منصور بن أبي العلاء الهمداني قال حدثني علي بن طريف الأسدي قال: سمعت أبي يقول: بينما عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت إذ رأى امرأةً من أهل العراق فأعجبه جمالها، فمشى معها حتى عرف موضعها، ثم أتاها فحادثها وناشدها وناشدته وخطبها. فقالت: إن هذا لا يصلح ها هنا، ولكن إن جئتني إلى بلدي وخطبتني إلى أهلي تزوجتك. فلما ارتحلوا جاء إلى صديق له من بني سهمٍ وقال له: إن لي إليك حاجةً أريد أن تساعدني عليها، فقال له نعم. فأخذ بيده ولم يذكر له ما هي، ثم أتى منزله فركب نجيباً له وأركبه نجيباً "آخر "، وأخذ معه ما يصلحه، وسارا لا يشك السهمي في أنه يريد سفر يوم أو يومين، فما زال يحفد حتى لحق بالرفقة، ثم سار بسيرهم يحادقث المرأة طول طريقه ويسايرها وينزل عندها إذا نزلت حتى ورد العراق. فأقام أياماً، ثم راسلها يتنجزها وعدها، فأعلمته أنها كانت متزوجةً ابن عم لها وولدت منه أولادها ثم مات وأوصى بهم وبماله إليها ما لم تتزوج، وأنها تخاف فرقة أولادها وزوال النعمة، وبعثت إليه بخمسة آلاف درهم واعتذرت، فردها عليها ورحل إلى مكة، وقال في ذلك قصيدته التي أولها:

صوت

نام صحبي ولم أنـم

 

من خيال بنـا ألـم

طاف بالركب موهناً

 

بين خاخٍ إلى إضـم

ثم نبهت صـاحـبـاً

 

طيب الخيم والشـيم

أريحيا مـسـاعـداً

 

غير نكسٍ ولا بـرم

قلت يا عمرو شفني

 

لاعج الحب والألـم

ايت هنداً فقل لـهـا

 

ليلة الخيف ذي السلم

الغناء لمالك خفيف رملٍ بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس. وفيه لعبد الله بن العباس الربيعي خفيف رملٍ من رواية عمرو بن بانة، وذكر حبشٌ أن لحن عبد الله بن العباس رملٌ آخر عن الهشامي.

عود إلى شهادة جرير في شعر عمر

أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا الحسين بن إسماعيل عن ابن عائشة عن أبيه قال: كان جريرٌ إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: شعرٌ تهاميٌّ إذا أنجد وجد البرد، حتى أنشد قوله:

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت

 

فيضحى وأما بالعشي فيخـصـر

... الأبيات. فقال: مازال هذا يهذي حتى قال الشعر.

حنين عمر إلى ذكر الغزل

بعد أن كبرت سنه

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن عثمان بن إبراهيم الخاطبي، وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن أبان قال أخبرني العتبي عن أبي زيد الزبيري عن عثمان بن إبراهيم الخاطبي قال: أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنين وهو في مجلس قومه من بني مخزوم، فانتظرت حتى تفرق القوم، ثم دنوت منه ومعي صاحبٌ لي ظريفٌ وكان قد قال لي: تعال حتى نهيجه على ذكر الغزل، فننظر هل بقي في نفسه منه شيءٌ. فقال له صاحبي: يا أبا الخطاب، أكرمك الله! لقد أحسن العذري وأجاد فيما قال. فنظر عمر إليه ثم قال له: وماذا قال؟ قال: حيث يقول:

لو جد بالسيف رأسي في مودتها

 

لمر يهوي سريعاً نحوها راسي

قال: فارتاح عمر إلى قوله وقال: هاه! لقد أجاد وأحسن! فقلت: ولله در جنادة العذري! فقال عمر حيث يقول ماذا ويحك؟ فقلت: حيث يقول:

سرت لعينك سلمى بعد مغفاهـا

 

فبت مستنبهاً من بعد مسـراهـا

وقلت أهلاً وسهلاً من هداك لنـا

 

إن كنت تمثالها أو كنـت إياهـا

من حبها أتمنـى أن يلاقـينـي

 

من نحو بلدتها ناعٍ فينـعـاهـا

كيما أقول فراق لا لـقـاء لـه

 

وتضمر النفس يأساً ثم تسلاهـا

ولو تموت لراعتني وقـلـت ألا

 

يا بؤس للموت ليت الموت أبقاها

قال: فصحك عمر ثم قال: وأبيك لقد أحسن وأجاد وما أبقى! ولقد هيجتما علي ساكناً، وذكرتماني ما كان عني غائباً، ولأحدثنكما حديثاً حلواً:

قصته مع هند بنت الحارث المرية

بينا أنا منذ أعوام جالسٌ، إذ أتاني خالدٌ الخريت، فقال لي: يا أبا الخطاب، مرت بي أربع نسوةٍ قبيل العشاء يردن موضع كذا وكذا لم أر مثلهن في بدوٍ ولا حضر، فيهن هند بنت الحارث المرية، فهل لك أن تأتيهن متنكراً فتسمع من حديثهن وتتمتع بالنظر إليهن ولا يعلمن من أنت؟ فقلت له: ويحك! وكيف لي أن أخفي نفسي؟ قال: تلبس لبسة أعرابي ثم تجلس على قعودٍ "ثم ائتهن فسلم عليهن "، فلا يشعرن إلا بك قد هجمت عليهن. ففعلت ما قال، وجلست على قعودٍ، ثم أتيتهن فسلمت عليهن ثم وقفت بقربهن. فسألنني أن أنشدهن وأحدثهن، فأنشدتهن لكثير وجميل والأحوص ونصيبٍ وغيرهم. فقلن لي: ويحك يا أعرابي! ما أملحك وأظرفك! لو نزلت فتحدثت معنا يومنا هذا! فإذا أمسيت انصرفت في حفظ الله. قال: فأنخت بعيري ثم تحدثت معهن وأنشدتهن، فسررن بي وجذلن بقربي وأعجبهن حديثي. قال: ثم أنهن تغامزن وجعل بعضهن يقول لبعضٍ: كأنا نعرف هذا الأعرابي! ما أشبهه بعمر بن أبي ربيعة! فقالت إحداهن: فهو والله عمر! فمدت هندٌ يدها فانتزعت عمامتي فألقتها عن رأسي ثم قالت لي: هيه يا عمر! أتراك خدعتنا منذ اليوم! بل نحن والله خدعناك واحتلنا عليك بخالدٍ، فأرسلناه إليك لتأتينا في أسوأ هيئةٍ ونحن كما ترى. قال عمر: ثم أخذنا في الحديث، فقالت هند: ويحك يا عمر! اسمع مني، لو رأيتني منذ أيام وأصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي في جيبي، فنظرت إلى حري فإذا هو ملء الكف ومنية المتمني، فناديت يا عمراه يا عمراه! قال عمر: فصحت يا لبيكاه يا لبيكاه! ثلاثاً ومددت في الثالثة صوتي، فضحكت. وحادثتهن ساعةً، ثم ودعتهن وانصرفت.
فذلك قولي:

صوت

عرفت مصيف الحي والمتـربـعـا

 

ببطن حلـياتٍ دوارس بـلـقـعـا

إلى السفح من وادي المغمس بدلـت

 

معالمه وبلاً ونكـبـاء زعـزعـا

لهندٍ وأترابٍ لـهـنـدٍ إذ الـهـوى

 

جميعٌ وإذ لم نخش أن يتـصـدعـا

وإذ نحن مثل الماء كـان مـزاجـه

 

كما صفق الساقي الرحيق المشعشعا

وإذا لا نطيع الكاشحـين ولا نـرى

 

لواشٍ لدينا يطلب الصرم موضعـا

الغناء للغريض ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن الهشامي ومن نسخة عمرو الثانية. وفيه لابن جامع وابن عبادٍ لحنان من كتاب إبراهيم. وفيها يقول - وفيه غناء -:

صوت

فلما تواقفنا وسلمت أشرقـت

 

وجوهٌ زهاها الحسن أن تتقنعا

تبالهن بالعرفان لما رأينـنـي

 

وقلن امرؤ باغٍ أكل وأوضعا

وقربن أسباب الهوى لمـتـيمٍ

 

يقيس ذراعاً كلما قسن إصبعا

الغناء لابن عبادٍ رملٌ عن الهشامي. وفيه لابن جامع لحنٌ من كتاب إبراهيم غير مجنس. "هذه الأبيات مقرونةٌ بالأولى، والصنعة في جميعها مختلفةٌ، يغني المغنون بعض هذه وبعض تلك ويخلطونها، والصنعة لمن قدمت ذكره". وهي قصيدة طويلة، ذكرت منها ما فيه صنعةٌ.
ومما قاله في هند هذه وغني فيه قوله:

صوت

ألم تسأل الأطلال والمنزل الخلق

 

ببرقة ذي ضالٍ فيخبر إن نطق؟

ذكرت به هنداً فظلت كأنـنـي

 

أخو نشوةٍ لاقى الحوانيت فاغتبق

الغناء لعطردٍ ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لمعبدٍ ثقيلٌ أول بالوسطى عن الهشامي. وذكر حبشٌ أن فيه للغريض ثاني ثقيلٍ بالوسطى. ومنها:

صوت

أسبح القلب مهيضـا

 

راجع الحب الغريضا

وأجد الشوق وهـنـاً

 

أن رأى برقاً وميضا

ثم بات الركـب نـوا

 

ماً ولم أطعم غموضا

ذاك من هندٍ قـديمـاً

 

تركها القلب مهيضا

وتـبـدت ثـم أبـدت

 

واضح اللون نحيضا

وعذاب الطعم غـراً

 

كأقاحي الرمل بيضا

الغناء لابن محرزٍ خفيف ثقيلٍ بالسبابة في مجرى البنصر. وفيه لحكمٍ هزجٌ بالوسطى عن عمرو، وقيل: إنه يمانٍ. ومن الناس من ينسب لحن ابن محرزٍ إلى ابن مسجحٍ. ومنها:

صوت

أربـت إلـى هـــنـــدٍ وتـــربـــين مـــرةً

 

لهـا إذ تـواقـفـنـا بـفـرع الـمـــقـــطـــع

"لـتـعـــريج يومٍ أو لـــتـــعـــريس لـــيلةٍ

 

علـينـا بـجـمـع الـشـمـل قـبـل الـتـصـــدع

فقـلـن لـهـا لـولا ارتــقـــاب صـــحـــابةٍ

 

لنـا خـلـفـنـا عـجـنـا ولـــم نـــتـــورع"

وقـالـت فـتـاةٌ كـنـت أحــســـب أنـــهـــا

 

مغـــفـــلةٌ فـــي مـــئزرٍ لـــم تـــدرع

لهن وما شاورنها ليس ما أرىبحسن جزاءٍ للحبيب المودع

 

 

فقلن لها لا شب قرنك فافتحي

 

لنـا بـاب مـا يخـفـى مـن الأمـر نـســـمـــع

وهي أبياتٌ. الغناء للغريض ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، وذكر ابن المكي أنه لابن سريج. ومنها:

صوت

لما ألمت بأصحابي وقد هجعـوا

 

حسبت وسط رحال القوم عطارا

فقلت من ذا المحيى وانتبهت لـه

 

ومن محدثنا هـذا الـذي زارا؟

ألا انزلوا نعمت دارٌ بقـربـكـم

 

أهلاً وسهلاً بكم من زائرٍ زارا

فبدل الربع ممن كان يسـكـنـه

 

عفر الظباء به يمشين أسطـارا

الغناء لابن سريج رملٌ بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه ليونس خفيف ثقيلٍ. وفيه لأبي فارة هزجٌ بالبنصر. وأول هذه القصيدة التي فيها ذكر هند قوله:

يا صاحبي قفا نستخبـر الـدارا

 

أقوت وهاجت لنا بالنعف تذكارا

وقد أرى مرةً سرباً بها حسـنـاً

 

مثل الجآذر لم يمسسن أبكـارا

فيهن هند وهندٌ لا شبـيه لـهـا

 

فيمن أقام من الأحياء أو سـارا

تقول ليت أبا الخطاب وافقـنـا

 

كي نلهو اليوم أو ننشد أشعـارا

فلم يرعهن إلا العيس طـالـعةً

 

بالقوم يحملن ركبانـاً وأكـوارا

وفارسٌ يحمل البازي فقلن لهـا

 

ها هم أولاء وما أكثرن إكثارا

لما وقفنا وعنـنـا ركـائبـنـا

 

بدلن بالعرف بعد الرجع إنكارا

ومنها:

صوت

ألم تربع على الطـلـل

 

ومغنى الحي كالخلـل

لهندٍ إن هـنـداً حـب

 

ها قد كان من شغلـي

"فلما أن عرفـت الـدا

 

ر عجت لرسمها جملي

وقلت لصحبتي عوجـوا

 

فعاجوا هـزة الإبـل"

وقالوا قف ولا تعجـل

 

وإن كنا على عـجـل

قليلٌ في هـواك الـيو

 

م ما نلقى من العمـل

الغناء لابن سريج ثاني ثقيلٍ مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيه "له" أيضاً رملٌ عن الهشامي وحبشٍ. ومنها:

صوت

هاج ذا القلب منزل

 

بالبلـيين مـحـول

غيرت آيه الصـبـا

 

وجنوبٌ وشـمـال

إن هنداً قد أرسلـت

 

وأخو الشوق مرسل

أرسلت تستحثـنـي

 

وتفـدي وتـعـذل

أينـا بـات لـيلـه

 

بين غصنين يوبـل

تحت عينٍ، يكنـنـا

 

برد عصبٍ مهلهل

في هذه الأبيات خفيف ثقيلٍ مطلقٍ في مجرى البنصر، ذكر إسحاق أنه لمالك، وذكر عمرو أنه لابن محرز.
وذكر يونس أن فيها لحناً لابن محرز ولحناً لمالك. وقال عمرو في نسخته الثانية: إنه لابن زرزر الطائفي خفيف ثقيلٍ بالوسطى، وروت مثل ذالك دنانير عن فليح. وفيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيها لعبد الله بن موسى الهادي ثاني ثقيلٍ من مجموعة ورواية الهشامي وفيه لحكمٍ هزجٌ بالخنصر والبنصر عن ابن المكي. وفيه للحجبي رملٌ عن الهشامي وفيه ثقيلٌ أول نسبه ابن المكي إلى ابن محرز، وذكر الهشامي أنه منحول. وفيه خفيف رمل ذكر الهشامي أنه لحن ابن محرز. ومنها:

صوت

يا صاح هل تدري وقد جمدت

 

عيني بما ألقى من الـوجـد

لمـا رأيت ديارهـا درسـت

 

وتبدلت أعلامهـا بـعـدي

وذكرت مجلسها ومجلسـنـا

 

ذات العشاء بمهبط النـجـد

ورسالةً منها تـعـاتـبـنـي

 

فرددت معتبةً علـى هـنـد

الغناء ليحيى المكي رمل بالوسطى. وفيه لغيره ألحان أخر. ومنها:

صوت

ليت هنداً أنجزتنا ما تعد

 

وشفت أنفسنا مما تجـد

واستبدت مـرةً واحـدةً

 

إنما العاجز من لا يستبد

ولقد قالت لجاراتٍ لهـا

 

ذات يومٍ وتعرت تبترد

- ويروى:

زعموها سألت جاراتـهـا

 

 

أكما ينعتني تبصـرنـنـي

 

عمركن الله أم لا يقتـصـد

فتضاحكن وقد قلـن لـهـا

 

حسنٌ في كل عينٍ من تود

حسداً حملنه من أجـلـهـا

 

وقديماً كان في الناس الحسد

الغناء لابن سريج رملٌ بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لحنٌ لمالكٍ من كتاب يونس غير مجنس. وفيه لابن سريج خفيف رملٍ بالبنصر عن عمرو، وذكره إسحاق في خفيف الثقيل بالخنصر في مجرى البنصر ولم ينسبه إلى أحد. وفيه ثاني ثقيلٍ يقال إنه لحنٌ لمالكٍ، ويقال إنه لمتيم. ومنها:

صوت

هاج القريض الذكر

 

لما غدوا فانشمروا

على بغالٍ شـحـجٍ

 

قد ضمهن السفـر

فيهن هندٌ ليتـنـي

 

ما عمرت أعمـر

حتى إذا ما جاءهـا

 

حتفٌ أتاني القـدر

لابن سريج فيه لحنان: رملٌ مطلقٌ في مجرى البنصر عن إسحاق، وخفيف رملٍ عن الهشامي. ومنها:

صوت

يا من لقـلـبٍ دنـفٍ مـغـرم

 

هام إلى هـنـدٍ ولـم يظـلـم

هام إلى ريمٍ هضيم الـحـشـى

 

عذب الثنايا طيب الـمـبـسـم

لم أحسب الشمس بـلـيلٍ بـدت

 

قبلي لـذي لـحـمٍ ولا ذي دم

قالـت ألا إنــك ذو مـــلةٍ

 

يصرفك الأدنـى عـن الأقـدم

قلت لها بـل أنـت مـعـتـلةٌ

 

في الوصل يا هند لكي تصرمي

الغناء لابن سريج رملٌ بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لبديح لحنٌ قديمٌ. وقيل: إن فيه رملاً آخر لعمارة مولاة عبد الله بن جعفر. ومنها:

صوت

تصابى وما بعض التصابي بطائل

 

وعاود من هندٍ جوىً غـير زائل

عشية قالت صدعت غربة النوى

 

فما من تلاقٍ قد أرى دون قابـل

وما أنس مِ الأشياء لا أنس مجلساً

 

لنا مرةً منها بقرن الـمـنـازل

بنخلة بين النخلـتـين يكـنـنـا

 

من العين عند العين برد المراجل

الغناء للغريض ثقيلٌ أول بالبنصر عن عمرو. وفيه للعماني خفيف ثقيلٍ عن دنانير والهشامي. ومنها:

صوت

لج قلبي في التصابي

 

وازدهى عني شبابي

ودعاني لهوى هـن

 

دٍ فؤادٌ غير نـابـي

قلت لما فاضت العي

 

نان دمعاً ذا انسكاب

إن جفتني اليوم هنـدٌ

 

بعد ودٍّ واقـتـراب

فسبيل النـاس طـراً

 

لفـنـاءٍ وذهــاب

الغناء لأهل مكة رملٌ بالوسطى.

قصته مع فاطمة بنت عبد الملك

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو علي الأسدي - وهو بشر ابن موسى بن صالح - قال حدثني أبي موسى بن صالح عن أبي بكر القرشي قال:  كان عمر بن أبي ربيعة جالساً بمنىً في فناء مضربه وغلمانه حوله، إذ أقبلت امرأةٌ برزةٌ عليها أثر النعمة فسلمت، فرد عليها عمر السلام، فقالت له: أنت عمر بن أبي ربيعة؟ فقال لها: أنا هو، فما حاجتك؟ قالت له: حياك الله وقربك! هل لك في محادثة أحسن الناس وجهاً، وأتمهم خلقاً، وأكملهم أدباً، وأشرفهم حسباً؟ قال: ما أحب إلي ذلك! قالت: على شرطٍ. قال: قولي. قالت: تمكنني من عينيك حتى أشدهما وأقودك، حتى إذا توسطت الموضع الذي أريد حللت الشد، ثم أفعل ذلك بك عند إخراجك حتى أنتهي بك إلى مضربك. قال: شأنك، ففعلت ذلك به. قال عمر: فلما انتهت بي إلى المضرب الذي أرادت كشفت عن وجهي، فإذا أنا بامرأة على كرسي لم أر مثلها قط جمالاً وكمالاً، فسلمت وجلست. فقالت: أأنت عمر بن أبي ربيعة؟ قلت: أنا عمر. قالت: أنت الفاضح للحرائر؟ قلت: وما ذاك جعلني الله فداءك؟ قالت: ألست القائل:

صوت

قالت وعيش أخي ونعمة والـدي

 

لأنبهن الحي إن لـم تـخـرج

فخرجت خوف يمينها فتبسمـت

 

فعلمت أن يمينها لـم تـحـرج

فتناولت رأسي لتعرف مـسـه

 

بمخضب الأطراف غير مشنـج

فلثمت فاها آخذاً بـقـرونـهـا

 

شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

- الغناء لمعبد ثقيلٌ أول بالبنصر عن يونس وعمرو -.
ثم قالت: قم فاخرج عني، ثم قامت من مجلسها. وجاءت المرأة فشدت عيني، ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي، وانصرفت وتركتني. فحللت عيني وقد دخلني من الكآبة والحزن ما الله به أعلم. وبت ليلتي، فلما أصبحت إذا أنا بها، فقالت: هل لك في العود؟ فقلت: شأنك، ففعلت بي مثل فعلها بالأمس، حتى انتهت بي إلى الموضع. فلما دخلت إذا بتلك الفتاة على كرسي. فقالت: إيه يا فضاح الحرائر! قلت: بماذا جعلني الله فداءك؟ قالت: بقولك:

صوت

وناهدة الثديين قلت لهـا اتـكـي

 

على الرمل من جبانةٍ لم توسـد

فقالت على اسم الله أمرك طاعةٌ

 

وإن كنت قد كلفت ما لم أعـود

فلما دنا الإصباح قالت فضحتنـي

 

فقم غير مطرودٍ وإن شئت فازدد

- الغناء لأهل مكة ثقيلٌ أول عن الهشامي - ثم قالت قم فاخرج عني، فقمت فخرجت ثم رددت. فقالت لي: لولا وشك الرحيل، وخوف الفوت، ومحبتي لمناجاتك والاستكثار من محادثتك، لأقصيتك، هات الآن كلمني وحدثني وأنشدني.

 

فكلمت آدب الناس وأعلمهم بكل شيء. ثم نهضت وأبطأت العجوز وخلا لي البيت، فأخذت أنظر، فإذا أنا بتور فيه خلوقٌ، فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني. وجاءت تلك العجوز فشدت عيني ونهضت بي تقودني، حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي فضربت بها على المضرب، ثم صرت إلى مضربي، فدعوت غلماني فقلت: أيكم يقفني على باب مضربٍ عليه خلوقٌ كأنه أثر كفٍّ فهو حرٌ وله خمسمائة درهم.


فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال: قم. فنهضت معه، فإذا أنا بالكف طرية، وإذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك بن مروان. فأخذت في أهبة الرحيل، فلما نفرت نفرت معها، فبصرت في طريقها بقبابٍ ومضربٍ وهيئة جميلة، فسألت عن ذلك، فقيل لها: هذا عمر بن أبي ربيعة، فساءها أمره وقالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه: قولي له نشدتك الله والرحم أن تصحبني، ويحك! ما شأنك وما الذي تريد؟ انصرف ولا تفضحني وتشيط بدمك. فسارت العجوز فأدت إليه ما قالت لها فاطمة. فقال: لست بمنصرفٍ أو توجه إلي بقميصها الذي يلي جلدها، فأخبرتها ففعلت وجهت إليه بقميصٍ من ثيابها، فزاده ذلك شغفاً. ولم يزل يتبعهم لا يخالطهم، حتى إذا صاروا على أميالٍ من دمشق انصرف وقال في ذلك:

ضاق الغداة بحاجتي صدري

 

ويئست بعد تقارب الأمـر

وذكرت فاطمة التي علقتها

 

عرضاً فيا لحوادث الدهـر

وفي هذه القصيدة مما يغنى فيه قوله:

صوت

ممكورةٌ ردع العبير بهـا

 

جم العظام لطيفةٌ الخصر

وكأن فاها عند رقدتـهـا

 

تجري عليه سلافة الخمر

الغناء لإبراهيم بن المهدي ثاني ثقيلٍ من جامعه. وفيه لمتيم رملٌ من جامعها أيضاً. وتمام الأبيات وليست فيه صنعةٌ:

"فسبت فؤادي إذ عرضت لها

 

يوم الرحيل بساحة القصـر

بمزينٍ ودع الـعـبـير بـه

 

حسن الترائب وضح النحـر"

وبـجـيد آدم شـادنٍ خـرقٍ

 

يرعى الرياض ببلدةٍ قـفـر

لما رأيت مطـيهـا حـزقـاً

 

خفق الفؤاد وكنت ذا صبـر

وتبادرت عينـاي بـعـدهـم

 

وانهل دمعهما على الصـدر

ولقد عصيت ذوي القرابة فيكم

 

طراً وأهل الود والصـهـر

حتى لقد قالوا ومـا كـذبـوا

 

أجننت أم بك داخل السحـر

خوفه من التصريح باسمها أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني إسحاق عن محمد بن أبان قال حدثني الوليد بن هشام القحذمي عن أبي معاذٍ القرشي قال: لما قدمت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان مكة جعل عمر بن أبي ربيعة يدورحولها ويقول فيها الشعر ولا يذكر باسمها فرقاً من عبد الملك بن مروان ومن الحجاج، لأنه كان كتب إليه يتوعده إن ذكرها أو عرض باسمها. فلما قضت حجها وارتحلت أنشأ يقول:

صوت

كدت يوم الرحيل أقضي حياتي

 

ليتني مت قبل يوم الـرحـيل

لا أطيق الكلام من شدة الخـو

 

ف ودمعي يسيل كل مسـيل

ذرفت عينها وفاضت دموعي

 

وكلانا يلقى بـلـبٍّ أصـيل

لو خلت خلتي أصبـت نـوالاً

 

أو حديثاً يشفي من التـنـويل

ولظل الخلخال فوق الحشـايا

 

مثل أثناء حـيةٍ مـقـتـول

فلقد قالت الـحـبـيبة لـولا

 

كثرة الناس جدت بالتقـبـيل

غنى فيه ابن محرز ولحنه ثقيلٌ أول من أصواتٍ قليلة الأشباه عن إسحاق وفيه لعبادل خفيف ثقيلٍ بالبنصر عن عمرو، ويقال إنه للهذلي. وفيه لعبيد الله بن أبي غسان ثاني ثقيلٍ عن الهشامي.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني أبو علي الحسن بن الصباح عن محمد بن حبيب أنه أخبره: أن عمر بن أبي ربيعة قال في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان:

صوت

يا خليلي شفنـي الـذكـر

 

وحمول الحي إذ صـدروا

ضربوا حمر القباب لـهـا

 

وأديرت حولها الحـجـر

سلكا شعب النقـاب بـهـا

 

زمراً تحتـثـهـا زمـر

وطرقت الحي مكتـتـمـاً

 

ومعي عضبٌ بـه أثـر

وأخٌ لم أخـش نـبـوتـه

 

بنواحي أمرهـم خـبـر

فإذا ريمٌ عـلـى فــرشٍ

 

في حجال الخز مختـدر

حوله الأحراس تـرقـبـه

 

نومٌ من طول ما سهـروا

شبه القتلى وما قـتـلـوا

 

ذاك إلا أنهـم سـمـروا

فدعت بالويل، ثـم دعـت

 

حرةً من شأنها الخـفـر

ثم قالت للتـي مـعـهـا

 

ويح نفسي قد أتى عمـر

ماله قد جـاء يطـرقـنـا

 

ويرى الأعداء قد حضروا

لشقائي كـان عـلـقـنـا

 

ولحيني ساقـه الـقـدر

قلت عرضي دون عرضكم

 

ولمن ناواكم الـحـجـر

هذا البيت الأخير مما فيه غناء مع:

وطرقت الحي مكتتما

للغريض وفي:

يا خليلي شفني الذكر

وفي:

قلت عرضي دون عرضكم

وفي:

ثم قالت للتي معها

وفي:

ماله قد جاء يطرقنا

"ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو " وفي:

ضربوا حمر القباب لها

وما بعده أربعةٍ متواليةٍ رملٍ بالوسطى للهذلي وفي: "وطرقت" وبعده: "فإذا ريم" وبعده: "حوله الأحراس" والبيتين اللذين بعده لابن سريج خفيف ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو. وفيها بعينها ثقيلٌ أول يقال إنه للأبجر، وينسب إلى غيره عن الهشامي.

عمر وعائشة بنت طلحة

وما قاله فيها من الشعر

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن رجل من قريش قال: بينا عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت، إذ رأى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وكانت من أجمل أهل دهرها، وهي تريد الركن تستلمه، فبهت لما رآها ورأته، وعلمت أنها قد وقعت في نفسه، فبعثت إليه بجارية لها وقالت: قولي له اتق الله ولا تقل هجراً، فإن هذا مقامٌ لابد فيه مما رأيت. فقال للجارية: أقرئيها السلام وقولي لها: ابن عمك لا يقول إلا خيراً. وقال فيها:

صوت

لعـائشة ابـنة الـتــيمـــي عـــنـــدي

 

حمىً فـي الـقـلـب مـا يرعـى حـمـاهـا

يذكـرنـي ابـنة الـتـيمـــي ظـــبـــيٌ

 

يرود بـروضةٍ ســـهـــلٍ ربـــاهـــا

فقلت له وكاد يراع قلبي فلم أر قط كاليوم اشتباها

 

 

سوى حمشٍ بساقك مستبينٍ

 

وأن شـواك لـم يشــبـــه شـــواهـــا

وأنـك عـاطـــلٌ عـــارٍ ولـــيســـت

 

بعـــاريةٍ ولا عـــطـــلٍ يداهـــــا

وأنـك غـير أفـرغ وهـــي تـــدلـــي

 

علـى الـمـتـنـين أسـحـم قـد كـسـاهــا

ولـو قـعـدت ولـم تـكـــلـــف بـــودٍّ

 

سوى مـا قـد كـلـفـت بـه كـفــاهـــا

أظـل إذا أكـلــمـــهـــا كـــأنـــي

 

أكـلـم حـيةً غـلــبـــت رقـــاهـــا

تبـيت إلـي بـعـد الـنــوم تـــســـري

 

وقـد أمـسـيت لا أخـشـى ســـراهـــا

الغناء في البيتين الأولين من هذه الأبيات لأبي فارة ثقيلٌ أول. وفيهما لعبد الله بن العباس الربيعي خفيف ثقيلٍ جميعاً عن الهشامي. وذكر إسحاق أن هذا الصوت مما ينسب إلى معبد، وهو يشبه غناءه إلا أنه لم يروه عن ثبتٍ ولم يذكر طريقته. قال: وقال فيها أشعاراً كثيرة، فبلغ ذلك فتيان بني تيمٍ، أبلغهم إياه فتىً منهم وقال لهم: يا بني تيمٍ بن مرة، هالله ليقذفن بنو مخزومٍ بناتنا بالعظائم وتغفلون! فمشى ولد أبي بكر وولد طلحة بن عبيد الله إلى عمر بن أبي ربيعة فأعلموه بذلك وأخبروه بما بلغهم. فقال لهم: والله لا أذكرها في شعرٍ أبداً. ثم قال بعد ذلك فيها - وكنى عن اسمها - قصيدته التي أولها:

صوت

يا أم طلحة إن البـين قـد أفـدا

 

قل الثواء لئن كان الرحيل غـدا

أمسى العراقي لا يدري إذا برزت

 

من ذا تطوف بالأركان أو سجدا

- الغناء لمعبد ثقيلٌ أول بالبنصر عن عمرو ويونس - قال ولم يزل عمر ينسب بعائشة أيام الحج ويطوف حولها ويتعرض لها وهي تكره أن يرى وجهها، حتى وافقها وهي ترمي الجمار سافرةً، فنظر إليها فقالت: أما والله لقد كنت لهذا منك كارهةً يا فاسق! فقال:

صوت

إني وأول ما كلفـت بـذكـرهـا

 

عجبٌ وهل في الحب من متعجب

نعت النساء فقلت لست بمبـصـرٍ

 

شبهاً لهـا أبـداً ولا بـمـقـرب

فمكثن حيناً ثم قلـن تـوجـهـت

 

للحج، موعدها لقـاء الأخـشـب

أقبلت أنظر ما زعمن وقلـن لـي

 

والقلب بين مصـدقٍ ومـكـذب

فلقيتها تمشي تهـادى مـوهـنـاً

 

ترمي الجمار عشيةً في موكـب

غراء يعشي الناظرين بياضـهـا

 

حوراء في غلواء عيشٍ معجـب

إن التي من أرضها وسـمـائهـا

 

جلبت لحينك ليتها لـم تـجـلـب

الغناء لمعبد في الأول والثاني والرابع والسابع ثقيل أول بالوسطى عن عمرو. وفيها للغريض خفيف ثقيلٍ عن الهشامي، يبدأ فيه بالثالث.
أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق قال أخبرني مصعب الزبيري: أن عمر بن أبي ربيعة لقي عائشة بنت طلحة بمكة وهي تسير على بغلة لها، فقال لها: قفي حتى أسمعك ما قلت فيك. قالت: أو قد قلت يا فاسق؟ قال: نعم! فوقفت فأنشدها:

صوت

يا ربة البغلة الشهباء هل لك في

 

أن تنشري ميتاً لا ترهقي حرجا

ويروى: هل لكم في عاشقٍ دنفٍ

قالت بدائك مت أو عش تعالجـه

 

فما نرى لك فيما عندنا فرجـا

قد كنت حملتنا غيظاً نعالـجـه

 

فإن تقدنا فقد عنيتنا حـجـجـا

حتى لو اسطيع مما قد فعلت بنا

 

أكلت لحمك من غيظٍ وما نضجا

الغناء لابن سريح ثقيل أول مطلقٌ في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن سريج ثلاثة ألحانٍ ذكرها إسحاق ولم يجنس منها إلا واحداً، وذكر الهشامي أن أحدها خفيف رملٍ بالوسطى، "وذكر عمرو أن الثالث هزجٌ بالوسطى". ولإسحاق فيها هزج من مجموع صنعته فقالت: لا ورب هذه البنية! ما عنيتنا طرفة عينٍ قط. ثم قالت لبغلتها: عدس، وسارت. وتمام هذه الأبيات:

فقلت لا والذي حج الحجـيج لـه

 

ما مح حبك من قلبي ولا نهجـا

ولا أرى القلب من شيءٍ يسر به

 

مذ بان منزلكم منا ولا ثـلـجـا

ضنت بنائلها عنه فقـد تـركـت

 

في غير ذنبٍ أبا الخطاب مختلجا

قال: فلم تزل عائشة تداريه وترفق به خوفاً من أن يتعرض لها حتى قضت حجها وانصرفت إلى المدينة. فقال في ذلك:  

إن من تهوى مع الفجر ظعن

 

للهوى والقلب متباع الوطن

بانت الشمس وكانت كلـمـا

 

ذكرت للقلب عاودت الددن

صوت

يا أبا الحارث قلبي طـائرٌ

 

فأتمر أمر رشيدٍ مؤتمـن

نظرت عيني إليها نظـرةً

 

تركت قلبي لديها مرتهـن

ليس حبٌّ فوق ما أحببتهـا

 

غير أن أقتل نفسي أو أجن

فيها ثاني ثقيلٍ بالوسطى نسبه عمرو بن بانة إلى ابن سريج، ونسبه ابن المكي إلى الغريض. وفيها رمل لأهل مكة.
ومما يغني فيه من أشعاره في عائشة بنت طلحة قوله في قصيدته التي أولها:

صوت

من لقلبٍ أمسى رهيناً مـعـنـى

 

مستكيناً قد شـفـه مـا أجـنـا

إثر شخصٍ نفسي فدت ذاك شخصاً

 

نازح الدار بـالـمـدينة عـنـا

ليت حظي كطرفة العين منـهـا

 

وكثيرٌ منها القلـيل الـمـهـنـا

الغناء لإبراهيم خفيف ثقيلٍ بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق.

عمر وكلثم بنت سعد المخزومية

أخبرني الحسن بن علي الخفاف ومحمد بن خلف قالا حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثني محمد بن عبد الرحمن التيمي عن هشام بن سليمان بن عكرمة بن خالد المخزومي قال: كان عمر بن أبي ربيعة يهوى كلثم بنت سعدٍ المخزومية، فأرسل إليها رسولاً فضربتها وحلقتها وأحلفتها ألا تعاود، ثم أعادها ثانيةً ففعلت بها مثل ذلك، فتحاماها رسله. فابتاع أمةً سوداء لطيفةً رقيقةً وأتى بها منزله، فأحسن إليها وكساها وآنسها وعرفها خبره وقال لها: إن أوصلت لي رقعةً إلى كلثم فقرأتها فأنت حرةٌ ولك معيشتك ما بقيت. فقالت اكتب لي مكاتبةً واكتب حاجتك في آخرها، ففعل ذلك. فأخذتها ومضت بها إلى باب كلثم فاستأذنت، فخرجت إليها أمةٌ لها فسألتها عن أمرها؛ فقالت: مكاتبةٌ لبعض أهل مولاتك جئت أستعينها في مكاتبتي، وحادثتها وناشدتها حتى ملأت قلبها؛ فدخلت إلى كلثم وقالت: إن بالباب مكاتبةً لم أر قط أجمل منها ولا أكمل ولا آدب. فقالت: ائذني لها، فدخلت. فقالت: من كاتبك. قالت: عمر بن أبي ربيعة الفاسق! فاقرئي مكاتبتي. فمدت يدها لتأخذها. فقالت لها: لي عليك عهد الله أن تقرئيها؛ فإن كان منك إلي شيءٌ مما أحبه وإلا لم يلحقني منك مكروهٌ؛ فعاهدتها وفطنت. وأعطتها الكتاب، فإذا أوله:

من عاشقٍ صبٍّ يسر الهوى

 

قد شفه الوجد إلى كلـثـم

رأتك عيني فدعاني الهـوى

 

إليك للحين ولـم أعـلـم

قتلتنـا، يا حـبـذا أنـتـم،

 

في غير ما جرمٍ ولا مأثـم

والله قد أنزل فـي وحـيه

 

مبيناً في آيه المـحـكـم

من يقتل النفس كذا ظالمـاً

 

ولم يقدها نفسـه يظـلـم

وأنت ثأري فتلافـى دمـي

 

ثم اجعليه نعمةً تنعـمـي

وحكمي عدلاً يكن بـينـنـا

 

أو أنت فيما بيننا فاحكمـي

وجالسيني مجلسـاً واحـداً

 

من غير ما عارٍ ولا محرم

وخبريني ما الذي عنـدكـم

 

بالله في قتل امرىءٍ مسلم

قال: فلما قرأت الشعر قالت لها: إنه خداعٌ ملقٌ، وليس لما شكاه أصلٌ. قالت: يا مولاتي! فما عليك من امتحانه؟ قالت: قد أذنت له، وما زال حتى ظفر ببغيته؛ فقولي له: إذا كان المساء فليجلس في موضع كذا وكذا حتى يأتيه رسولي. فانصرفت الجارية فأخبرته؛ فتأهب لها. فلما جاءه رسولها مضى معه حتى دخل إليها وقد تهيأت أجمل هيئة، وزينت نفسها ومجلسها وجلست له من وراء ستر، فسلم وجلس. فتركته حتى سكن، ثم قالت له: أخبرني عنك يا فاسق! ألست القائل:

هلا استحيت فترحمي صبا

 

صديان لم تدعي له قلبـا

جشم الزيارة في مودتكـم

 

وأراد ألا ترهقي ذنـبـا

ورجا مصالحةً فكان لكـم

 

سلماً وكنت ترينه حربـا

يا أيها المعطي مـودتـه

 

من لا يراك مسامياً خطبا

لا تجعلن أحداً عـلـيك إذا

 

أحببتـه وهـويتـه ربـا

وصل الحبيب إذا شغفت به

 

واطو الزيارة دونه غبـا

فلذاك أحسن من مواظـبةٍ

 

ليست تزيدك عنده قربـا

لا بل يملك عند دعـوتـه

 

فيقول هاه وطالما لـبـى

فقال لها: جعلت فداك! إن القلب إذا هوي نطق اللسان بما يهوى. فمكث عندها شهراً لا يدري أهله أين هو. ثم استأذنها في الخروج. فقالت له: بعد أن فضحتني! لا والله لا تخرج إلا بعد أن تتزوجني. ففعل وتزوجها؛ فولدت منه ابنين أحدهما جوانٌ؛ وماتت عنده.

عمر ولبابة بنت عبد الله بن العباس

امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان

أخبرني حبيب بن نصرٍ المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الجبار بن سعيد قال حدثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد الله عن أبيه عن جده.
أن عمر رأى لبابة بنت عبد الله بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان تطوف بالبيت، فرأى أحسن خلق الله، فكاد عقله يذهب، فسأل عنها فأخبر بنسبها؛ فنسب بها وقال فيها:

صوت

ودع لبابة قبل أن تـتـرحـلا

 

واسأل فإن قلاله أن تـسـألا

البث بعمرك ساعةً وتـأنـهـا

 

فلعل ما بخلت بـه أن يبـذلا

قال ائتمر ما شئت غير مخالفٍ

 

فيما هويت فإننا لن نعـجـلا

لسنا نبالي حين تقضي حـاجةً

 

ما بات أو ظل المطي معقلا

حتى إذا ما الليل جن ظلامـه

 

ورقبت غفلة كاشحٍ أن يمحلا

خرجت تأطر في الثياب كأنها

 

أيم يسيب على كثـيبٍ أهـيلا

رحبت حين رأيتها فتبسـمـت

 

لتحيتي لما رأتني مـقـبـلا

وجلا القناع سحابةً مشهـورةً

 

غراء تعشي الطرف أن يتأملا

فلبثت أرقيها بما لـو عـاقـلٌ

 

يرقى به ما اسطاع ألا ينـزلا

غنى في هذه الأبيات معبدٌ خفيف ثقيلٍ مطلقٍ في مجرى الوسطى عن إسحاق، ابتداؤه نشيدٌ. وفيها لابن سريج ثقيلٌ أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق أيضاً. وفيها لابن سريج في الأول والرابع من الأبيات رملٌ عن ابن المكي، ولأبي دلف القاسم بن عيسى في هذين البيتين خفيف ثقيلٍ بالسبابة والبنصر، وابتداؤه نشيدٌ من رواية ابن المكي. وفيه لمحمد بن الحسن بن مصعب هزجٌ.
أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: لما حج الغمر بن يزيد بن عبد الملك دخل إليه معبدٌ فغناه:

ودع لبابة قبل أن تترحلا

فلم يزل يردده عليه، ثم أخرجه معه لما رحل عن المدينة، فغناه في المنزل به حتى أراد الرحيل، فحمله على بغلةٍ له وذهب غلامٌ له يتبعه؛ فقال: إلى أين؟ فقال: أمضي معه حتى أجيء بالبغلة. فقال: هيهات! ارجع يا بني، ذهبت والله لبابة ببغلة مولاك. وقد روي هذا الخبر لغير الغمر بن يزيد.

عمر والثريا

بنت عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر

وهذه الأبيات التي فيها الغناء المختار هو:

تشكى الكميت الجري لما جهدته

يقولها عمر بن أبي ربيعة في الثريا بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف، وهم الذين يقال لهم العبلات؛ سموا بذلك لجدةٍ لهم يقال لها عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل بن قيس بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهي من بطنٍ من تميم يقال لهم البراجم، غير براجم بني أسد.
نسب الثريا بنت علي

ابن عبد الله بن الحارث

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال: كانت عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل بن قيس بن حنظلة، عند رجل من بني جشم بن معاوية، فبعثها بأنحاء سمنٍ تبيعها له بعكاظ، فباعت السمن وراحلتين كان عليهما، وشربت بثمنها الخمر. فلما نفذ ثمنها رهنت ابن أخيه وهربت، فطلقها. وقالت في شربها الخمر:

شربت براحلتي محجنٍ

 

فيا ويلتي، محجنٌ قاتلي

وبابن أخيه علـى لـذةٍ

 

ولم أحتفل عذل العاذل

قال: فتزوجها عبد شمس بن عبد مناف؛ فولدت له أمية الأصغر وعبد أمية ونوفلاً، وهم العبلات.
وقد ذكر الزبير بن بكار عن عمه: أن الثريا بنت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر، وأنها أخت محمد بن عبد الله المعروف بأبي جرابٍ العبلي الذي قتله داود بن عليٍّ؛ وهو الذي يقول فيه ابن زيادٍ المكي:

ثلاث حوائجٍ ولهن جئنـا

 

فقم فيهن يابن أبي جراب

فإنك ماجدٌ في بيت مجـدٍ

 

بقية معشرٍ تحت التراب

قال: وله يقول ابن زيادٍ المكي أيضاً:  

إذا مت لم توصل بعرفٍ قرابةٌ

 

ولم يبق في الدنيا رجاءٌ لسائل

قال الزبير: وهذا أشبه من أن تكون بنت عبد الله بن الحارث، وعبد الله إنما أدرك سلطان معاوية وهو شيخ كبير، وورث بقعدده في النسب دار عبد شمس بن عبد مناف، وحج معاوية في خلافته، فجعل ينظر إلى الدار، فخرج إليه عبد الله بن الحارث بمحجنٍ ليضربه به وقال: لا أشبع الله بطنك! أما تكفيك الخلافة حتى تطلب هذه الدار! فخرج معاوية يضحك.


قال مؤلف هذا الكتاب: وهذا غلطٌ من الزبير عندي، والثريا أن تكون بنت عبد الله بن الحارث أشبه من أن تكون أخت الذي قتله داود بن علي؛ لأنها ربت الغريض المغني وعلمته النوح بالمراثي على من قتله يزيد بن معاوية من أهلها يوم الحرة. وإذا كانت قد ربت الغريض حتى كبر وتعلم النوح على قتلى الحرة "وهو رجل" - وهي وقعةٌ كانت بعقب موت معاوية - فقد كانت في حياة معاوية امرأةً كبيرةً، وبين ذلك وبين من قتله داود بن علي من بني أمية نحو ثمانين سنةً، وقد شبب بها عمر بن أبي ربيعة في حياة معاوية، وأنشد عبد الله بن عباس شعره فيها، فكيف تكون أخت الذي قتله داود بن علي وقد أدركت عبد الله بن عباس وهي امرأةٌ كبيرةٌ! وقد اعترف الزبير أيضاً في خبره بأن عبد الله بن الحارث أدرك خلافة معاوية وهو شيخ كبير؛ فقول من قال: إنها بنته، أصوب من قول من قرنها بمن قتله داود بن علي. وهذا القول الذي قلته قول ابن الكلبي وأبي اليقظان، أخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن الحارث عن المدائني عن أبي اليقظان، قال وحدثني به جماعةٌ من أهل العلم بنسب قريش.


أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني مسلمة بن إبراهيم بن هشام المخزومي عن أيوب بن مسلمة، أنه أخبره أن عمر بن أبي ربيعة كان مسهباً بالثريا بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر، وكانت عرضة ذلك جمالاً وتماماً، وكانت تصيف بالطائف، وكان عمر يغدو عليها كل غداة إذا كانت بالطائف على فرسه، فيسأل الركبان الذين يحملون الفاكهة من الطائف عن الأخبار قبلهم. فلقي يوماً بعضهم فسأله عن أخبارهم؛ فقال: ما استطرفنا خبراً؛ إلا أنني سمعت عند رحيلنا صوتاً وصياحاً عالياً على امرأة من قريش اسمها اسم نجمٍ في السماء وقد سقط عني اسمه. فقال عمر: الثريا؟ قال نعم. وقد كان بلغ عمر قبل ذلك أنها عليلةٌ، فوجه فرسه على وجهه إلى الطائف يركضه ملء فروجه وسلك طريق كداء - وهي أخشن الطرق وأقربها - حتى انتهى إلى الثريا وقد توقعته وهي تتشوف له وتشرف، فوجدها سليمةً عميمةً ومعها أختاها رضيا وأم عثمان، فأخبرها الخبر؛ فضحكت وقالت: أنا والله أمرتهم لأختبر ما لي عندك. فقال عمر في ذلك هذا الشعر:

تشكى الكميت الجري لما جهدته

 

وبين لو يسطيع أن يتـكـلـمـا

فقلت له إن ألق للـعـين قـرةً

 

فهان علي أن تكل وتـسـأمـا

لذلك أدني دون خيلي ربـاطـه

 

وأوصي به ألا يهان ويكـرمـا

عدمت إذاً وفري وفارقت مهجتي

 

لئن لم أقل قرناً إن الله سلـمـا

قال مسلمة بن إبراهيم: قلت لأيوب بن مسلمة: أكانت الثريا كما يصف عمر بن أبي ربيعة؟ فقال: وفوق الصفة، كانت والله كما قال عبد الله بن قيس:

حبذا الحج والثريا ومـن بـال

 

خيف من أجلها وملقى الرحال

يا سليمان إن تـلاق الـثـريا

 

تلق عيش الخلود قبل الهـلال

درةٌ عقائل الـبـحـر بـكـرٌ

 

لم تشنها مـثـاقـب الـلأل

تعقد المئزر السخام مـن الـخ

 

ز على حقو بادنٍ مكـسـال

عمر ورملة بنت عبد الله الخزاعية

قال إسحاق في خبره عمن أسند إليه أخبار عمر بن أبي ربيعة، وذكر مثله الزبير بن بكار فيما حدثنا عنه الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني مؤمن بن عمر بن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قال حدثني بلالٌ مولى ابن أبي عتيق: أن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قدم للحج، فأتاه ابن أبي عتيق فسلم عليه وأنا معه. فلما قضى سلامه ومساءلته عن حجه وسفره، قال له: كيف تركت أبا الخطاب عمر بن أبي ربيعة؟ قال: تركته في بلهنيةٍ من العيش. قال: وأنى ذلك؟ قال: حجت رملة بنت عبد الله بن خلفٍ الخزاعية فقال فيها:

صوت

أصبح القلب في الحبال رهينا

 

مقصداً يوم فارق الظاعنينـا

قلت من أنتم فصدت وقالـت

 

أمبدٌ سؤالك العـالـمـينـا

نحن من ساكني العراق وكنا

 

قبله قاطنين مـكة حـينـا

قد صدقناك إذ سألت فمن أن

 

ت عسى أن يجر شأنٌ شؤونا

ونرى أننا عرفناك بـالـنـع

 

ت بظنٍّ وما قتلنـا يقـينـا

بسواد الثـنـيتـين ونـعـتٍ

 

قد نراه لناظرٍ مستـبـينـا

- غنى معبدٌ في البيتين الأولين خفيف ثقيلٍ أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق. وغنى في الثاني وما بعده ابن سريج خفيف ثقيلٍ أول بالسبابة في مجرى البنصر عنه أيضاً. وذكر حبشٌ أن فيه للغريض أيضاً لحناً من الثقيل الأول بالبنصر - قال: فبلغ ذلك الثريا، بلغتها إياه أم نوفلٍ، وكانت غضبى عليه، وقد كان انتشر خبره عن الثريا حتى بلغها من جهة أم نوفلٍ وأنشدتها قوله:

أصبح القلب في الحبال رهينا

 

مقصداً يوم فارق الظاعنينـا

فقالت: إنه لوقاحٌ صنعٌ بلسانه، ولئن سلمت له لأردن من شأوه، ولأثنين من عنانه، ولأعرفنه نفسه. فلما بلغت إلى قوله:

قلت من أنتم فصدت وقالت

 

أمبدٌ سؤالك العالـمـينـا

فقالت: إنه لسألٌ ملحٌ، "قبحاً له!" ولقد أجابته إن وفت. فلما بلغت إلى قوله:

نحن من ساكني العراق وكنا

 

قبله قاطنين مـكة حـينـا

قالت: غمزته الجهمة. فلما بلغت إلى قوله:

قد صدقناك إذ سألت فمن أن

 

ت عسى أن يجر شأنٌ شؤونا

قالت: رمته الورهاء بآخر ما عندها في مقامٍ واحد. وهجرت عمر.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب: أن رملة بنت عبد الله بن خلف حجت، فتعرض لها عمر بن أبي ربيعة فقال فيها:

أصبح القلب في الحبال رهينا

 

مقصداً يوم فارق الظاعنينـا

وقال في هذه القصيدة:

فرأت حرصي الفتاة فقالـت

 

خبريه، من أجل من تكتمينا؟

نحن من ساكني العراق وكنا

 

قبله قاطنين مـكة حـينـا

قد صدقناك إذ سالت فمن أن

 

ت عسى أن يجر شأن شؤونا

قال الزبير: ورملة هذه أم طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمرٍ التيمي، وهي أخت طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلفٍ الخزاعي.
قال: فبلغت هذه الأبيات كثيراً، فغضب لذلك وقال: وأنا والله لا أتمارى أن سيجر شأنٌ شؤونا. ثم ذكر نسوةً من قريش فساقهن في شعره من الحج حتى بلغ بهن إلى مللٍ، ثم أشفق فجاز، ولم يزد على ذلك، وهو قوله في قصيدته التي أولها:

ما عناك الغداة من أطلال

 

دارسات المقام مذ أحوال

صوت

قم تأمل فأنت أبصر مـنـي

 

هل ترى بالغميم من أجمـال

قاضياتٍ لبانةً مـن مـنـاخٍ

 

وطوافٍ وموقفٍ بالجـبـال

قلن عسفان ثم رحن سراعـاً

 

هابطاتٍ عشيةً مـن غـزال

واردات الكديد مجتـرعـاتٍ

 

جزن وادي الحجون بالأثقال

قصدلفتٍ وهن متـسـقـاتٌ

 

كالعدولي لاحقات التـوالـي

طالعات الغميس من عـبـودٍ

 

سالكات الخوي مـن أمـلال

فسقى الله منتوى أم عـمـرٍو

 

حيث أمت بها صدور الرحال

حبذا هن من لبانة قـلـبـي

 

وجديد الشباب من سربالـي

رب يومٍ أتيتهـن جـمـيعـاً

 

عند بيضاء رخصةٍ مكسـال

غير أني امرؤٌ تعممت حلمـاً

 

يكره الجهل والصبا أمثالـي

غنى ابن سريج في الثلاثة الأبيات الأول خفيف ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو ويونس. وذكر الهشامي أن فيها للحجبي رملاً بالبنصر.

شعر عمر حين هجرته الثريا

قالوا: فلما هجرت الثريا عمر قال في ذلك:

من رسولي إلى الثريا فإنـي

 

ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب

فبلغ ابن أبي عتيق قوله، فمضى حتى أصلح بينهما. وهذه الأبيات تذكر مع ما فيها من الغناء ومع خبر إصلاح ابن أبي عتيقٍ بينهما بعد انقضاء خبر رملة التي ذكرها عمر في شعره.


قال مصعب بن عبد الله في خبره: وكانت رملة جهمة الوجه، عظيمة الأنف، حسنة الجسم، وتزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر، وتزوج عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وجمع بينهما، فقال يوماً لعائشة: فعلت في محاربة الخوارج مع أبي فديكٍ كذا، وصنعت كذا، يذكر لها شجاعته وإقدامه. فقالت له عائشة: أنا أعلم أنك أشجع الناس، وأعرف لك يوماً هو أعظم من هذا اليوم الذي ذكرته. قال: وما هو؟ قالت: يوم اجتليت رملة وأقدمت على وجهها وأنفها.


قال مصعب وحدثني يعقوب بن إسحاق قال: لما بلغ الثريا قول عمر بن أبي ربيعة "في رملة ":

وجلا بردها وقد حسرتـه

 

نور بدرٍ يضيء للناظرينا

قالت: أفٍّ له ما أكذبه! أو ترتفع حسناء بصفته لها بعد رملة! وذكر ابن أبي حسان عن الرياشي عن العباس بن بكارٍ عن ابن دأبٍ: أن هذا الشعر قاله عمر في امرأة من بني جمح كان أبوها من أهل مكة، فولدت له جاريةٌ لم يولد مثلها بالحجاز حسناً. فقال أبوها: كأني بها وقد كبرت، فشبب بها عمر بن أبي ربيعة وفضحها ونوه باسمها كما فعل بنساء قريش، والله لا أقمت بمكة. فباع ضيعةً له بالطائف ومكة ورحل بابنته إلى البصرة، فأقام بها وابتاع هناك ضيعةً، ونشأت ابنته من أجمل نساء زمانها. ومات أبوها فلم تر أحداً من بني جمح حضر جنازته، ولا وجدت لها مسعداً ولا عليها داخلاً. فقالت لدايةٍ لها سوداء: من نحن؟ ومن أي البلاد نحن؟ فخبرتها. فقالت: لا جرم والله لا أقمت في هذا البلد الذي أنا فيه غريبةٌ! فباعت الضيعة والدار، وخرجت في أيام الحج. وكان عمر يقدم فيعتمر في ذي القعدة ويحل، ويلبس تلك الحلل والوشي، ويركب النجائب المخضوبة بالحناء عليها القطوع والديباج، ويسبل لمته، ويلقى العراقيات فيما بينه وبين ذات عرقٍ محرماتٍ، ويتلقى المدنيات إلى مرٍّ، ويتلقى الشأميات إلى الكديد. فخرج يوماً للعراقيات فإذا قبةٌ مكشوفةٌ فيها جاريةٌ كأنها القمر، تعادلها جارية سوداء كالسبجة.


فقال للسوداء: من أنت؟ ومن أين أنت يا خالة؟ فقالت: لقد أطال الله تعبك، إن كنت تسأل هذا العالم من هم ومن أين هم. قال: فأخبريني عسى أن يكون لذلك شأن. قالت: نحن من أهل العراق، فأما الأصل والمنشأ فمكة، وقد رجعنا إلى الأصل ورحلنا إلى بلدنا، فضحك. فلما نظرت إلى سواد ثنيتيه قالت: قد عرفناك. قال: ومن أنا؟ قالت: عمر بن أبي ربيعة. قال: وبم عرفتني؟ قالت: بسواد ثنيتيك وبهيئتك التي ليست إلا لقريش، فأنشأ يقول:

قلت من أنتم فصدت وقالت

 

أمبد سؤالك العالـمـينـا

وذكر الأبيات: فلما يزل عمر بها حتى تزوجها وولدت له.
خبر صلحهما ووساطة ابن أبي عتيق قال: فلما صرمت الثريا عمر قال فيها:

صوت

من رسولي إلى الثريا فإنـي

 

ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب

سلبتني مجاجة المسك عقلـي

 

فسلوها ماذا أحل اغتصابـي

وهي مكنونةٌ تحير مـنـهـا

 

في أديم الخدين ماء الشبـاب

أبرزوها مثل المهاة تـهـادى

 

بين خمسٍ كواعـبٍ أتـراب

ثم قالوا تحبها قلـت بـهـراً

 

عدد القطر والحصى والتراب

الغناء لابن عائشة خفيف ثقيلٍ أول بالبنصر عن عمرو، وذكر حبشٌ أنه لمالك.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني مؤمن بن عمر بن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد قال أخبرني بلالٌ مولى ابن أبي عتيق قال: أنشد ابن أبي عتيق قول عمر:

من رسولي إلى الثريا فإنـي

 

ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب

فقال ابن أبي عتيق: إياي أراد وبي نوه! لا جرم والله لا أذوق أكلاً حتى أشخص فأصلح بينهما، ونهض ونهضت معه، فجاء إلى قوم من بني الديل بن بكر لم تكن تفارقهم نجائب لهم فرهٌ يكرونها، فاكترى منهم راحلتين وأغلى لهم. فقلت له: استوضعهم أو دعني أماكسهم، فقد اشتطوا عليك. فقال: ويحك! أما علمت أن المكاس ليس من أخلاق الكرام! ثم ركب إحداهما وركبت الأخرى، فسار سيراً شديداً، فقلت: أبق على نفسك، فإن ما تريد ليس يفوتك. فقال: ويحك!

أبادر حبل الود أن يتقضبا

وما حلاوة الدنيا إن تم الصدع بين عمر والثريا! فقدمنا ليلاً غير محرمين، فدق على عمر بابه، فخرج إليه وسلم عليه ولم ينزل عن راحلته، فقال له: اركب أصلح بينك وبين الثريا، فأنا رسولك الذي سألت عنه. فركب معنا وقدمنا الطائف، وقد كان عمر أرضى أم نوفلٍ فكانت تطلب له الحيل لإصلاحها فلا يمكنها. فقال ابن أبي عتيق للثريا: هذا عمر قد جشمني السفر من المدينة إليك، فجئتك به معترفاً لك بذنبٍ لم يجنه، معتذراً إليك من إساءته إليك، فدعيني من التعداد والترداد، فإنه من الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، فصالحته أحسن صلح وأتمه وأجمله، وكررنا إلى مكة، فلم ينزلها ابن أبي عتيق حتى رحل. وزاد عمر في أبياته:

أزهقت أم نوفلٍ إذ دعـتـهـا

 

مهجتي، ما لقاتلي من متـاب

حين قالت لها أجيبي فقـالـت

 

من دعاني؟ قالت أبو الخطاب

فاستجابت عند الدعاء كما لـب

 

ى رجالٌ يرجون حسن الثواب

قال الزبير: وما دعتها أم نوفلٍ إلا لابن أبي عتيق، ولو دعتها لعمر ما أجابت. قال: وسألت عمي عن أم نوفلٍ، فقال: هي أم ولد عبد الله بن الحارث أبي الثريا. وسألته عن قوله:

... كـمـا لـــبـــى

 

رجال يرجون حسن الثواب

فقال: كررت في التلبية كما يفعل المحرم، فقالت: لبيك لبيك.


وأخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه أن بعض المكيين قال: كانت الثريا تصب عليها جرة ماءٍ وهي قائمة فلا يصيب ظاهر فخذيها منه شيءٌ من عظم عجيزتها.


وأخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى بخبر الثريا هذا مع عمر، فذكر نحواً مما ذكره الزبير، وقال فيه: لما أناخ ابن أبي عتيق بباب الثريا أرسلت إليه: ما حاجتك؟ قال: أنا رسول عمر بن أبي ربيعة وأنشدها الشعر. فقالت: ابن أبي ربيعة فارغٌ ونحن في شغل، وقد تعبت فانزل بنا. فقال: ما أنا إذاً برسول. ثم كر راجعاً إلى ابن أبي ربيعة بمكة فأخبره الخبر فأصلح بينهما.


حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثني إبراهيم بن إسحاق العنزي قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي، وأخبرني به الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية، وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير عن مؤمن بن عمر بن أفلح عن عبد العزيز بن عمران، قالوا: قدم عمر بن أبي ربيعة المدينة، فنزل على ابن أبي عتيق - وهو عبد الله "بن محمد " بن عبد الرحمن بن أبي بكر - فلما استلقى قال: أوه!.

من رسولي إلى الثريا فإنـي

 

ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب

فقال ابن أبي عتيق: كل مملوكٍ لي حرٌ إن بلغها ذاك غيري. فخرج، حتى إذا كان بالمصلى مر بنصيبٍ وهو واقفٌ فقال: يا أبا محجنٍ. قال لبيك! قال: أتودع إلى سلمى شيئاً؟ قال: نعم. قال: وما ذاك؟ قال: تقول لها يابن الصديق: إنك مررت بي فقلت لي: أتودع إليها شيئاً، فقلت:

أتصبر عن سلمى وأنت صبـور

 

وأنت بحسن العزم منك جـدير

وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا

 

سنى بارقٍ نحو الحجاز أطـير

قال: فمر بسلمى وهي في قريةٍ يقال لها "القسرية" فأبلغها الرسالة، فزفرت زفرةً كادت أن تفرق أضلاعها. فقال ابن أبي عتيق: كل مملوكٍ حر إن لم يكن جوابك أحسن من رسالته، ولو سمعك الآن لنعق وصار غراباً. ثم مضى إلى الثريا فأبلغ الكتاب. فقالت له: أما وجد رسولاً أصغر منك! انزل فأرح. فقال: لست إذاً برسولٍ! وسألها أن ترضى عنه، ففعلت. وقال الزبير في خبره: فقال لها: أنا رسول ابن أبي ربيعة إليك، وأنشدها الأبيات، وقال لها: خشيت أن تضيع هذه الرسالة. قالت: أدى الله عنك أمانتك. قال: فما جواب ما تجشمته إليك؟ قالت: تنشده قوله في رملة:

وجلا بردها وقد حسرتـه

 

ضوء بدرٍ أضاء للناظرينا

فقال: أعيذك بالله يابنة أخي أن تغلبيني بالمثل السائر. قالت: وما هو؟ قال: "حريصٌ لا يرى عمله ". قالت: فما تشاء؟ قال: تكتبين إليه بالرضا عنه كتاباً يصل على يدي، ففعلت. فأخذ الكتاب ورجع من فوره حتى قدم مكة، فأتى عمر. فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من حيث أرسلتني. قال: وأنى ذلك؟ قال: من عند الثريا، أفرخ روعك! هذا كتابها بالرضا عنك إليك. تغني ابن عائشة بشعره

في مجلس حسن بن حسن بن علي

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية قال: اجتمع ابن عائشة ويونس ومالكٌ عند حسن بن حسن بن علي فقال الحسن لابن عائشة: غنني "من رسولي إلى الثريا..."؛ فسكت عنه فلم يجبه. فقال له جليسٌ له: أيقول لك غنني فلا تجيبه! فسكت. فقال له الحسن: مالك؟ ويحك! أبك خبالٌ! كان والله ابن أبي عتيق أجود منك بما عنده؛ فإنه لما سمع هذا الشعر قال لابن أبي ربيعة: أنا رسولك إليها، فمضى نحو الثريا حتى أدى رسالته، وأنت معنا في المجلس تبخل أن تغنيه لنا! فقال له: لم أذهب حيث ظننت، إنما كنت أتخير لك أي الصوتين أغني: أقوله:

من رسولي إلى الثريا فإنـي

 

ضافني الهم واعترتني الهموم

يعلم الله أننـي مـسـتـهـامٌ

 

بهواكم وأنـنـي مـرحـوم

أم قوله:

من رسولي إلى الثريا فإنـي

 

ضقت ذرعاً بهجرها والكتاب

فقال له الحسن: أسأنا بك الظن أبا جعفر غَن بهما جميعاً، فغناهما. فقال له الحسن: لولا أنك تغضب إذا قلنا لك: أحسنت، لقلت لك: أحسنت والله! قال: ولم يزل يرددهما بقية يومه.
عمر وابن أبي عتيق

وإنشاده شعره في الثريا

أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني يعقوب بن إسحاق الربعي عن أبيه قال: أنشد عمر بن أبي ربيعة ابن أبي عتيق قوله:

لم تر العين للثريا شبيهاً

 

بمسيل التلاع يوم التقينا

فلما بلغ إلى قوله:

ثم قالت لأختها قد ظلمنا

 

إن رددناه خائباً واعتدينا

قال: أحسنت والهدايا وأجادت. ثم أنشده ابن أبي عتيق متمثلاً قول الشاعر:

أريني جواداً مات هزلاً لعلني

 

أرى ما ترين أو بخيلاً مخلدا

فلما بلغ عمر إلى قوله في الشعر:

في خلاءٍ من الأنيس وأمنٍ

قال ابن أبي عتيق: أمكنت للشارب الغدر "من عال بعدها فلا انجبر".
فلما بلغ إلى قوله:

فمكثنا كذاك عشراً تباعاً

 

في قضاءٍ لديننا واقتضينا

قال: أما والله ما قضيتها ذهباً ولا فضةً ولا اقتضيتها إياه، فلا عرفكما الله قبيحاً! فلما بلغ إلى قوله:

كان ذا في مسيرنا إذ حججنا

 

علم الله فيه ما قد نـوينـا

قال: إن ظاهر أمرك ليدل على باطنه، فأرود التفسير، ولئن مت لأموتن معك، أف للدنيا بعدك يا أبا الخطاب! فقال له عمر: بل عليها بعدك العفاء يا أبا محمد! قال: فلقي الحارث بن خالد ابن أبي عتيق فقال: قد بلغني ما دار بينك وبين ابن أبي ربيعة، فكيف لم تتحللا مني؟ فقال له ابن أبي عتيق: يغفر الله لك يا أبا عمرو، إن ابن أبي ربيعة يبرىء القرح، ويضع الهناء مواضع النقب، وأنت جميل الخفض. فضحك الحارث بن خالد وقال: "حبك الشيء يعمي ويصم". فقال: هيهات أنا بالحسن عالم نظار! خبر السواد في ثنيتي عمر وأما خبر السواد في ثنيتي عمر فإن الزبير بن بكار ذكره عن عمه مصعب في خبره: أن امرأةً غارت عليه فاعترضته بمسواكٍ كان في يدها فضربت به ثنيتيه فاسودتا.


وذكر إسحاق الموصلي عن أبي عبد الله المسيبي وأبي الحسن المدائني: أنه أتى الثريا يوماً ومعه صديقٌ له كان يصاحبه ويتوصل بذكره في الشعر، فلما كشفت الثريا الستر وأرادت الخروج إليه، رأت صاحبه فرجعت. فقال لها: إنه ليس ممن أحتشمه ولا أخفي عنه شيئاً؛ واستلقى فضحك - وكان النساء إذ ذاك يتختمن في أصابعهن العشر - فخرجت إليه فضربته بظاهر كفها، فأصابت الخواتيم ثنيتيه العلييين فنغضتا وكادتا تسقطان، فقدم البصرة فعولجتا له، فثبتتا واسودتا. فقال الحزين الكناني يعيره بذلك - وكان عدوه وقد بلغه خبره -:

ما بال سنيك أم ما بال كسرهمـا

 

أهكذا كسرا في غير مـا بـاس

أم نفحةٌ من فتاةٍ كنت تألـفـهـا

 

أم نالها وسط شربٍ صدمة الكاس

قال: ولقيه الحزين الكناني يوماً فأنشده هذين البيتين؛ فقال له عمر: اذهب اذهب، ويلك! فإنك لا تحسن أن تقول:

صوت

ليت هنداً أنجزتنا ما تعد

 

وشفت أنفسنا مما تجـد

واستبدت مـرةً واحـدةً

 

إنما العاجز من لا يستبد

لابن سريج في هذا الشعر رملٌ بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، وخفيف رملٍ "أيضاً" في هذه الإصبع وهذا المجرى عن ابن المكي. ولمالكٍ "فيه" ثقيلٌ أول عن الهشامي. ولمتيم ثاني ثقيلٍ عن ابن المعتز. وذكر أحمد بن أبي العلاء عن مخارقٍ أن خفيف الرمل ليحيى المكي صنعه وحكى فيه لحن "هذا الصوت":

اسلمي يا دار من هند

خبر الثريا مع الحارث الملقب بالقباع حدثني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن رجاله المذكورين: أن الثريا واعدت عمر بن أبي ربيعة أن تزوره، فجاءت في الوقت الذي ذكرته، فصادفت أخاه الحارث قد طرقه وأقام عنده، ووجه به في حاجة له ونام مكانه وغطى وجهه بثوبه، فلم يشعر إلا بالثريا قد ألقت نفسها عليه تقبله، فانتبه وجعل يقول: اغربي عني فلست بالفاسق، أخزاكما الله! فلما علمت بالقصة انصرفت. ورجع عمر فأخبره الحارث بخبرها؛ فاغتم لما فاته منها، وقال: أما والله لا تمسك النار أبداً وقد ألقت نفسها عليك. فقال له الحارث: عليك وعليها لعنة الله.


وأخبرني بهذه القصة الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار عن يعقوب بن إسحاق الربعي عن الثقة عنه عن ابن جريج عن عثمان بن حفصٍ الثقفي: أن الحارث بن عبد الله زار أخاه، ثم ذكر نحواً من الذي ذكره إسحاق، وقال فيه: فبلغ عمر خبرها، فجاء إلى أخيه الحارث وقال له: جعلت فداءك! ما لك ولأمة الوهاب "ابنتك"؟ أتتك مسلمةً عليك فلعنتها وزجرتها وتهددتها، وها هي تيك باكية. فقال: وإنها لهي! قال: ومن تراها تكون؟ قال: فانكسر الحارث عنه وعن لومه.
تزوج الثريا بسهيل في غيبة عمر

وما قاله من الشعر في ذلك

أخبرني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن جعفر بن سعيد عن أبي سعيد مولى فائد هكذا قال إسحاق، وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني جعفر بن سعيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار. ورواه أيضاً حماد بن إسحاق عن أبيه عن جعفر بن سعيد فقال فيه: عن أبي عبيدة العماري، ولم يذكر أبا سعيد مولى فائد، قالوا: تزوج سهيل بن عبد العزيز بن مروان الثريا - وقال الزبير: بل تزوجها أبو الأبيض سهيل بن عبد الرحمن بن عوف - فحملت إليه وهو بمصر. والصواب قول من قال: سهيل بن عبد العزيز؛ لأنه كان هناك منزله، ولم يكن لسهيل بن عبد الرحمن هناك موضعٌ. فقال عمر:

صوت

أيها المنكح الثريا سهيلاً

 

عمرك الله كيف يلتقيان

هي شاميةٌ إذا ما استقلت

 

وسهيلٌ إذا استقل يماني

الغناء للغريض خفيف ثقيلٍ بالبنصر. وفيه لعبد الله بن العباس ثاني ثقيلٍ بالبنصر. وأول هذه القصيدة:

أيها الطارق الذي قد عناني

 

بعد ما نام سامر الركبـان

زار من نازحٍ بغير دلـيلٍ

 

يتخطى إلي حتى أتانـي

وذكر الرياشي عن ابن زكريا الغلابي عن محمد بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه عن هشام بن سليمان بن عكرمة بن خالد المخزومي قال: كان عمر بن أبي ربيعة قد ألح على الثريا بالهوى، فشق ذلك على أهلها، ثم إن مسعدة بن عمرو أخرج عمر إلى اليمن في أمر عرض له، وتزوجت الثريا وهو غائب، فبلغه تزويجها وخروجها إلى مصر، فقال:

أيها المنكح الثريا سهيلاً

 

عمرك الله كيف يلتقيان

وذكر الأبيات. وقال في خبره: ثم حمله الشوق على أن سار إلى المدينة فكتب إليها:

كتبت إليك من بلدي

 

كتاب مولهٍ كـمـد

كئيبٍ واكف العينـي

 

ن بالحسرات منفرد

يؤرقه لهيب الشـو

 

ق بين السحر والكبد

فيمسك قلـبـه بـيدٍ

 

ويمسح عينـه بـيد

وكتبه في قوهيةٍ وشنفه وحسنه وبعث به إليها. فلما قرأته بكت بكاءً شديداً، ثم تمثلت:

بنفسي من لا يستقل بنـفـسـه

 

ومن هو إن لم يحفظ الله ضائع

وكتبت إليه تقول:

أتاني كتابٌ لم ير الناس مثـلـه

 

أمد بكافورٍ ومسكٍ وعـنـبـر

وقرطاسه قـوهـيةٌ وربـاطـه

 

بعقدٍ من الياقوت صافٍ وجوهر

وفي صدره: مني إليك تـحـيةٌ

 

لقد طال تهيامي بكم وتـذكـري

وعنوانه من مسـتـهـامٍ فـؤاده

 

ألى هائمٍ صبٍّ من الحزن مسعر

قال مؤلف هذا الكتاب: وهذا الخبر عندي مصنوعٌ، وشعره مضعفٌ يدل على ذلك، ولكني ذكرته كما وقع إلي.
قال أبو سعيد مولى فائدٍ ومن ذكر خبره مع الثريا: فمات عنها سهيلٌ أو طلقها، فخرجت إلى الوليد بن عبد الملك وهو خليفةٌ بدمشق في دينٍ عليها، فبينا هي عند أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، إذ دخل عليها الوليد فقال: من هذه؟ فقالت: الثريا جاءتني، تطلب إليك في قضاء دينٍ عليها وحوائج لها. فأقبل عليها الوليد فقال: أتروين من شعر عمر بن أبي ربيعة شيئاً؟ قالت: نعم، أما إنه يرحمه الله كان عفيفاً عفيف الشعر، أروي قوله:

صوت

ما على الرسم بالبلـيين لـو ب

 

ين رجع السـلام أو أجـابـا

فإلى قصر ذي العشيرة فالصا

 

ئف أمسى من الأنيس يبـابـا

وبما قد أرى به حـي صـدقٍ

 

ظاهري العيش نعمةً وشبابـا

إذ فؤادي يهوى الرباب وأني ال

 

دهر حتى الممات أنسى الربابا

وحسانـاً جـوارياً خـفـراتٍ

 

حافظاتٍ عند الهوى الأحسابـا

لا يكثرن في الحـديث ولا يت

 

بعن ينعقن بالبهام الـظـرابـا

فقضى حوائجها وانصرفت بما أرادت منه. فلما خلا الوليد بأم البنين قال لها: لله در الثريا! أتدرين ما أرادت بإنشادها ما أنشدتني من شعر عمر؟ قالت: لا.
قال: إني لما عرضت لها به عرضت لي بأن أمي أعرابيةٌ. وأم الوليد وسليمان ولادة بنت العباس بن جزي بن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسي.

نسبةالأبيات التي أنشدتها الثريا

الغناء في الأبيات التي أنشدتها الثريا الوليد بن عبد الملك لمالك بن أبي السمح خفيف ثقيلٍ بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. وفيها لابن سريج رملٌ بالخنصر في مجرى البنصر. وفيها لإبراهيم خفيف ثقيلٍ بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر حبشٌ أيضاً أن فيها لابن مسجحٍ خفيف رملٍ بالوسطى. وذكر عمرو بن بانة أن لابن محرزٍ فيها خفيف ثقيلٍ بالوسطى.
ومما يغنى فيه من أشعار عمر بن أبي ربيعة التي قالها في الثريا من القصيدة التي أولها "من رسولي":

صوت

وتبدت حتى إذا جن قلبي

 

حال دوني ولائدٌ بالثياب

يا خليلي فأعلما أن قلبي

 

مستهامٌ بربة المحراب

الغناء لابن سريج ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو. ومنها:

صوت

أقتليني قتلاً سـريعـاً مـريحـاً

 

لا تكوني علـي سـوط عـذاب

شف عنها مـحـقـقٌ جـنـدي

 

فهي كالشمس من خلال السحاب

الغناء للغريض ثاني ثقيلٍ بالبنصر عن عمرو. ومنها:

صوت

قال لي صاحبي ليعلم ما بي

 

أتحب البتول أخت الرباب

قلت وجدي بها كوجدك بالما

 

ء إذا منعت برد الشـراب

الغناء لمالكٍ رملٌ مطلقٌ في مجرى الوسطى عن إسحاق. ومنها:

صوت

أذكرتني من بهجة الشمس لما

 

برزت من دجنةٍ وسـحـاب

أزهقت أم نوفلٍ إذ دعـتـهـا

 

مهجتي، ما لقاتلي من متـاب

حين قالت لها أجيبي فقـالـت

 

من دعاني؟ قالت أبو الخطاب

الغناء للغريض خفيف رملٍ عن الهشامي وحماد بن إسحاق.
ومنها:

صوت

مرحباً ثم مرحباً بالتـي قـا

 

لت غداة الوداع عند الرحيل

للثريا قولي له أنت هـمـي

 

ومنى النفس خالياً وخليلـي

الغناء لابن محرز ثقيلٌ مطلقٌ في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لابن سريج خفيف رملٍ بالوسطى عن عمرو.
ومنها:

صوت

زعموا بأن البين بعد غـدٍ

 

فالقلب مما أزمعوا يجف

تشكو ونشكو ما أشت بنـا

 

كل لوشك البين يعتـرف

حلفوا لقد قطعوا ببينهـم

 

وحلفت ألفاً مثل ما حلفوا

الغناء للغريض خفيف ثقيلٍ بالوسطى.
ومنها:

صوت

فلوت رأسها ضراراً وقالت

 

لا وعيشي ولو رأيتك متـا

حين آثرت بالمودة غـيري

 

وتناسيت وصلنا ومللـتـا

قد وجدناك إذ خبرت ملولاً

 

طرفاً لم تكن كما كنت قلتا

الغناء لمالكٍ رملٌ ثقيلٌ أول بالوسطى عن عمرو. وفيه لابن سريج خفيف ثقيلٍ عن الهشامي، وكذا روته دنانير عن فليحٍ، وقد نسب قومٌ لحن مالكٍ إلى الغريض. ومنها:

صوت

يا خليلي سائلاً الأطلالا

 

ومحلاً بالروضتين أحالا

- ويروى:

بالبليين إن أحـزن سـؤالا

 

وسفاهٌ لولا الصبابة حبسي

 

في رسوم الديار ركباً عجالا

بعد ما أقفرت من آل الثـريا

 

وأجدت فيها النعاج ظـلالا

الغناء لابن سريج هزجٌ خفيفٌ مطلقٌ في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لحكم الوادي ثقيلٌ أول من جامع أغانيه. وذكر ابن دينار أن فيه لابن عائشة لحناً لم يذكر طريقته. وذكر إبراهيم أن فيه لدحمان لحناً ولم يجنسه.


وقال حبشٌ: فيه لإسحاق ثقيلٌ أول بالوسطى.


عمر والثريا وقد نقلها زوجها إلى الشأم أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أبو عبد الله التميمي "يعني أبا العيناء " عن القحذمي عن أبي صالح السعدي قال: لما تزوج سهيل بن عبد العزيز الثريا ونقلها إلى الشأم، بلغ عمر بن أبي ربيعة الخبر، فأتى المنزل الذي كانت الثريا تنزله، فوجدها قد رحلت منه يومئذٍ، فخرج في أثرها فلحقها على مرحلتين، وكانت قبل ذلك مهاجرته لأمرٍ أنكرته عليه. فلما أدركهم نزل عن فرسه ودفعه إلى غلامه ومشى متنكراً حتى مر بالخيمة، فعرفته الثريا وأثبتت حركته ومشيته، فقالت لحاضنتها: كلميه، فسلمت عليه وسألته عن حاله وعاتبته على ما بلغ الثريا عنه، فاعتذر وبكى، فبكت الثريا، فقالت: ليس هذا وقت العتاب مع وشك الرحيل. فحادثها إلى وقت طلوع الفجر ثم ودعها وبكيا طويلاً، وقام فركب فرسه ووقف ينظر إليهم وهم يرحلون، ثم أتبعهم بصره حتى غابوا، وأنشأ يقول:

يا صاحبي قفا نستخبـر الـطـلـلا

 

عن حال من حله بالأمس ما فعـلا

فقال لي الربع لما أن وقـفـت بـه

 

إن الخليط أجد البين فـاحـتـمـلا

وخادعتك النوى حـتـى رأيتـهـم

 

في الفجر يحتث حادي عيسهم زجلا

لما وقفنا نحييهـم وقـد صـرخـت

 

هواتف البين واستولت بهـم أصـلا

صدت بعاداً وقالت للتـي مـعـهـا

 

بالله لوميه في بعض الذي فـعـلا

وحدثيه بما حدثـت واسـتـمـعـي

 

ماذا يقول ولا تـعـيي بـه جـدلا

حتى يرى أن ما قال الـوشـاة لـه

 

فينا لـديه إلـينـا كـلـه نـقـلا

وعرفيه به كالهزل واحـتـفـظـي

 

في بعض معتبةٍ أن تغضبي الرجلا

فإن عهدي به والـلـه يحـفـظـه

 

وإن أتى الذنب ممن يكره الـعـذلا

لو عندنا اغتيب أو نيلت نقـيصـتـه

 

ما آب مغتابه من عـنـدنـا جـذلا

قلت اسمعي فلقد أبلغت في لطـفٍ

 

وليس يخفى على ذي اللب من هزلا

هذا أرادت به بـخـلاً لأعـذرهـا

 

وقد أرى أنها لن تعـدم الـعـلـلا

ما سمي القلب إلا مـن تـقـلـبـه

 

ولا الفؤاد فؤاداً غـير أن عـقـلا

أما الحديث الذي قالـت أتـيت بـه

 

فما عبأت بـه إذ جـاءنـي حـولا

ما إن أطعت بها بالغيب قد علمـت

 

مقالة الكاشح الواشـي إذا مـحـلا

إني لأرجعه فيها بـسـخـطـتـه

 

وقد يرى أنه قـد غـرنـي زلـلا

وهي قصيدة طويلة مذكورة في شعره.
وفاة الثريا أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر ومحمد بن خلف بن المرزبان قالوا حدثنا عمر بن شبة قال أخبرنا محمد بن يحيى قال زعم عبيد بن يعلى قال حدثني كثير بن كثير السهمي قال: لما ماتت الثريا أتاني الغريض فقال لي: قل أبيات شعرٍ أنح بها على الثريا فقلت:

صوت

ألا يا عين مالك تدمعينـا

 

أمن رمدٍ بكيت فتكحلينـا

أم أنت حزينةٌ تبكين شجواً

 

فشجوك مثله أبكى العيونا

غنى الغريض في هذين البيتين لحناً من خفيف الثقيل الأول بالوسطى عن عمرو ويحيى المكي والهشامي وغيرهم.

وفاة عمر بن أبي ربيعة

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الجبار بن سعيد المساحقي قال حدثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عن ثعلبة بن عبد الله بن صعير: أن عمر بن أبي ربيعة نظر في الطواف إلى امرأةٍ شريفةٍ، فرأى أحسن خلق الله صورةً، فذهب عقله عليها، وكلمها فلم تجبه، فقال فيها:

الريح تسحب أذيالاً وتنشـرهـا

 

يا ليتني كنت ممن تسحب الريح

كيما تجر بنا ذيلاً فتطـرحـنـا

 

على التي دونها مغبـرةٌ سـوحٌ

أنى بقربكم أم كيف لـي بـكـم

 

هيهات ذلك ما أمست لنـا روح

فليت ضعف الذي ألقى يكون بها

 

بل ليت ضعف الذي ألقى تباريح

إحدى بنيات عمي دون منزلهـا

 

أرضٌ بقيعانها القيصوم والشيح

فبلغها شعره فجزعت منه. فقيل لها: اذكريه لزوجك، فإنه سينكر عليه قوله. فقالت: كلا والله لا أشكوه إلا إلى الله. ثم قالت: اللهم إن كان نوه باسمي ظالماً فاجعله طعاماً للريح. فضرب الدهر من ضربه، ثم إنه غدا يوماً على فرس فهبت ريحٌ فنزل فاستتر بسلمةٍ، فعصفت الريح فخدشه غضنٌ منها فدمي وورم به ومات من ذلك.