الباب الثالث: في ذكر اختلاف الناس في الحمق

الحمق فساد في العقل

وقد ذكرنا أن الحمق فساد في العقل أو في الذهن، وما كان موضوعاً في أصل الجوهر، فهو غريزة لا ينفعها التأديب، وإنما ينتفع بالرياضة والتأديب من أصل جوهره سليم، فتدفع الرياضة العوارض المفسدة. وبعد، فإن الناس يتفاوتون في العقل وجوهره ومقدار ما أعطوا منه، فلهذا يتفاوت الحمق. قيل لإبراهيم النظام: ما حد الحمق؟ فقال: سألتني عما ليس له حد. وتلا عمر هذه الآية: "ما غربك بربك الكريم" قال: الحمق يا رب.

كل إنسان وفيه حمقه

وقال علي رضي الله عنه: ليس من أحد إلا وفيه حمقة فيها يعيش. وقال أبو الدرداء: كلنا أحمق في ذات الله، وقال وهب بن منبه: خلق الله آدم أحمق، ولولا ذلك ما هناه العيش. وعن مطرف قال: لو حلفت، لرجوت أن أبر أنه ليس أحد من الناس إلا وهو أحمق فيما بينه وبين الله عز وجل، وكان يقول: ما أحد من الناس إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه عز وجل، غير أن بعض الحمق أهون من بعض، وعنه قال: عقول الناس على قدر زمانهم، وكان يقول: هم الناس والنسناس، وأرى أناساً غمسوا في ماء الناس. وقال سفيان الثوري: خلق الإنسان أحمق لكي ينتفع بالعيش. وأنشد بعضهم: الطويل:

لعمرك ما شيءٌ يفوتك نيلـه

 

بغبنٍ ولكن في العقول التغابن