الباب الرابع عشر: في ذكر المغفلين في الكتاب والحجاب

أخطأ الكاتب فكانت جريمة

حدثني حماد بن إسحاق قال: كتب سليمان بن عبد الملك إلى أبي بكر بن حزم أن أحص من قبلك من المخنثين، فحصف كاتبه فقال أخص فدعا بهم فخصاهم. وقد رويت لنا هذه الحكاية على غير هذا الوجه، وأنه خصاهم لأنه كان غيوراً، فإذن لا يكون تصحيفاً.

الكاتب الأحمق

وعن الحسين بن السميدع الأنطاكي قال: كان عندنا بإنطاكية عامل من حلب وكان له كاتب أحمق، فغرق في البحر شلنديتان من مراكب المسلمين التي يقصد بها العدو، فكتب ذلك الكاتب عن صاحبه إلى العامل بحلب بخبرهما: بسم الله الرحمن الرحيم، إعلم أيها الأمير أعزه الله تعالى إن شلنديتين أعني مركبين قد صفقا من جانب البحر أي غرقا من شدة أمواجه فهلك من فيهما أي تلفوا، قال: فكتب إليه أمير حلب: بسم الله الرحمن الرحيم، ورد كتابك أي وصل وفهمناه أي قرأناه أدب كاتبك أي إصفعه واستبدل به أي اعزله فإنه مائق أي أحمق والسلام أي انقضى الكتاب.

عقاب البواب الذي ترك الغراب يصيح

وعن عبد الله بن محمد الصوري قال: رأيت سهل بن بشر الكاتب يوماً وقد نعق غراب أبقع على حائط صحن الدار فضاق صدره، وقال: هاتم البواب، فجيء به، فقال: لم تركت هذا الغراب يصيح ها هنا؟ فقال البواب: أيها الأستاذ وأي ذنب لي، أنا أحفظ بابي، وليس هذا ممن يدخل من الباب فيلزمني جنايته، فكيف أستطيع منعه من الصياح؟ فقال: قفاه، فما يصفع صفعاً عظيماً إلى أن شفعت فيه.

شهادتكم بيوم الفطر تؤدي إلى عقابكم

وعن أبي علي النميري قال: تراءينا هلال شوال، فأتينا سوار بن عبد الله لنشهد عنده، فقال حاجبه: أنتم مجانين، الأمير لم يختضب بعد ولم يتهيأ، ولئن وقعت عينه عليكم ليضربنكم مائتين، انطلقوا، فانصرفنا وصام الناس يوم الفطر.

لا تقبل شهادة الأحمق التقي

وعن أبي بكر النقاش قال: قيل لعبد الله بن مسعود القاضي: تجيز شهادة العفيف التقي الأحمق؟ قال: لا، وسأريكم هذا، ادع يا غلام أبا الورد حاجبي، وكان أحمق فلما أتاه قال: اخرج فانظر ما الريح، فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبها جنوب، فقال: كيف ترون؟ أتروني أجيز شهادة مثل هذا؟ قال: وقد ذكر مثل هذه الحكاية ابن قتيبة.

وعن أبي أحمد الحارثي قال: كنت أعاشر بعض كتاب الديلم فسمعته مرة يحلف ويقلو: والله الذي لا إله إلا هو أعني به الطلاق والعتاق.

القائد ثور وامرأته بقرة

قال: وكتب مرة بحضرتي تذكرة بأضاحي يريد تفريقها في دار صاحبه وقد قرب عيد الأضحى، فكتب: القائد ثور، امرأته بقرة، ابنه كبش، ابنته نعجة، الكاتب تيس، فقلت: يا سيدي الروح الأمين ألقى إليك هذا، فلم يدر ما خاطبته به وسلمت منه.

رسالة إلى صديق

وكتب إلى صديق له: كتبت إليك هذه الكلمات يا سيدي وربي أعني به قميصي من منزلك الذي أنا أسكنه، وقد نفضت الدم من قفاك المرسوم بي، وليس وحق رأسك الذي أحبه عبدي من نبيذك الذي تشربه شيء، فوجه إلي على يدي هذا الرسول فإنه ثفة أوثق مني ومنك.

قال أبو أحمد: وبلغني عن بعض قواد الديلم أنه قال: كاتبي أحذق الناس بأمر الدواب والضياع وشري الأمتعة، وما فيه عيب إلا أنه لا يقرأ ولا يكتب.

تعزية الحجاج في صديق

وعن عبد الله بن إبراهيم الموصلي قال: نابت الحجاج في صديق له مصيبة ورسول لعبد الملك شامي عنده، فقال الحجاج: ليت إنساناً يعزيني بأبيات، فقال الشامي: أقول؟ قال: قل، فقال: وكل خليل سوف يفارق خليله، يموت أو يصاب أو يقع من فوق البيت أو يقع البيت عليه أو يقع في بئر أو يكون شيئاً لا نعرفه فقال الحجاج: قد سليتني عن مصيبتي بأعظم منها في أمير المؤمنين إذ وجه مثلك لي رسولاً.

أطلق الحمار أعزك الله

وجد في بعض الكتب أن قدامة بن زيد وجه غلاماً له إلى قطربل ليبتاع له شراباً وأركبه حماراً، فمضى الغلام وابتاع له الشراب، فلما صار إلى باب قطربل عارضه صاحب المصلحة، فضربه، وأراق ما معه، وحبسه، فاتصل الأمر بقدامة فكتب إلى صاحب الخبر: بسم الله الرحمن الرحيم، جعلت فداك برحمته فإن صاحب مصلحتين قطربل قويا على غلام لي فضرباه خمسين رطلاً من تقطيع الزكرة، فرأيك أعزك الله في إطلاق الحمار مصاباً إن شاء الله عز وجل.

رسالة إلى طبيب

وكتب بعضهم إلى طبيب: بسم الله الرحمن الرحيم، ويلك يا يوحنا وامتع بك، قد شربت الدواء خمسين مقعداً، المغص والتقطيع يفتل بطني والعينين والرأس، فلا تؤخر باحتباسك عني فسوف تعلم أني سأموت وتبقى بلا أنا، فعلت موفقاً إن شاء الله.

عملت يا طبيب بوصفك فلم يفد

وصف حجاج بن هرون الكاتب لحنين النصراني علة به، فأمره أن يؤخر غداءه ويأخذ في آخر الليل دواء وصفه له، فكتب إليه حجاج من غد: بسم الله الرحمن الرحيم، وأتم نعمته عليك، شربت الدواء وأكلت قليل كسرة واختلف أحمر مثل السلق مغصاً، فرأيك في إنكار ذلك على بطني، فعلت إن شاء الله.

رسالة مختصرة إلى صديق

وكتب بعضهم إلى صديق له: بسم الله الرحمن الرحيم، وجعلني الله فداءك، لولا علة نسيتها لسرت إليك حتى أعرفك بنفسي والسلام.

رسالة اعتذار

وكتب المتوكل إلى محمد بن عبد الله يطلب فهداً فكتب إليه: نجوت عند مقام لا إله إلا الله وصلى الله على سيدنا محمد، فديته إن كان عندي مما طلبته وزن دانق، لا فهد ولا نمر، فلا تظن يا سيدي إني أبخل عليك بالقليل.

وكتب معاوية بن مروان إلى الوليد بن عبد الملك: قد بعثت إليك خزاً أحمر وأحمى.

نحن في خير ولكن قتل أكثر الأسرة

وكتب رجل من البصرة إلى أبيه: كتبت إليك يا أبت نحن كما يسرك الله عونه وقوته، لم يحدث علينا بعدك إلا كل خير، إلا أن حائطاً لنا وقع على أمي وأخي الصغير وأختي والجارية والحمار والديك والشاة ولم يفلت غيري.

وكتب أبو كعب إلى منزله كتاباً عنوانه: من أبي كعب يدفع عنوانه في عياله إن شاء الله.

رسالة من ولد ملك

وكتب بعض ولد الملوك إلى بعض: استوهب الله المكاره فيك برحمته، أنا وحق جدي رسول الله الذي لا إله إلا هو، أحبك أشد من جدي المتوكل، فقد بلغني أنه قد جاءك من النبيذ شيء كثير كثير شطراً، وأنا أحبه شديد شديد شطراً آخر، وبحياتي عليك ألا بعثت إلي دستجة أو خمس دبات أو ستة أو سبعة أو أكثر جياد بالغة وإلا فثلاث خماسيات ولا تردني فأحرد موفقاً إن شاء الله.