الباب التاسع عشر: في ذكر من قال شعرا من المغفلين

أنشد بعض الحمقى

عن المبرد قال: قال الجاحظ: أنشدني بعض الحمقى: مجزوء الرمل:

إن داء الحب سـقـمٌ

 

ليس يهنيه الـقـرار

ونجا من كـان لا يع

 

شق من تلك المخازي

فقلت: إن القافية الأولى راء والثاني زاي؟ فقال: لا تنقط شيئاً، فقلت: إن الأولى مرفوعة والثانية مكسورة، فقال: أنا أقول تنقط وهو يشكل.

ألجاته ضرورة الشعر إلى الطلاق

وحكى بعضهم: قال: اجتمعنا ثلاثة نفر من الشعراء في قرية تسمى طيهاثا فشربنا يومنا، ثم قلنا: ليقل كل واحد بيت شعر في وصف يومنا فقلت: نلنا لذيذ العيش في طيهاثا، فقال الثاني: لما احتثثنا القدح احتثاثا فارتج على الثالث فقال: امرأته طالق ثلاثا ثم قعد يبكي على امرأته ونحن نضحك عليه.

الأمير كسنور وأعداؤه كالفئران

عن أبي الحسن علي بن منصور الحلبي قال: كنت أحضر مجلس سيف الدولة فحضرته وقد انصرف من غزو عدو له ظفر به، فدخل الشعراء ليهنئوه فدخل رجل وأنشد: الطويل:

وكانوا كفأرٍ وسوسوا خلف حائطٍ

 

وكنت كسنورٍ عليهم تسـلـقـا

فأمر سيف الدولة بإخراجه، فقام على الباب يبكي، فأخبر سيف الدولة ببكائه فأمر برده فقال: ما لك تبكي؟ فقال: قصدت مولانا بكل ما أقدر عليه فلما خاب أملي وقابلني بالهوان ذلت نفسي فبكيت، فقال له سيف الدولة: ويلك من يكون له مثل هذا النثر يكون له ذلك النظم! فكم أملت؟ قال: خمس مائة درهم فأمر له بألف درهم.

شعر تستحق أم قائله الطلاق

عن الصولي، قال لمحمد بن الحسن ابن فقال له: إني قد قلت شعراً، قال: انشدنيه، قال: فإن أجدت تهب لي جاريةً أو غلاماً؟ قال: أجمعهما لك. فأنشده: مجزوء الكامل:

إن الـديار طـيفـا

 

هيجن حزناً قد عفا

أبكينني لشقـاوتـي

 

وجعلن رأسي كالقفا

فقال: يا بني، والله ما تستاهل جاريةً ولا غلاماً، ولكن أمك مني طالق ثلاثاً إذا ولدت مثلك.

منا الوزير ومنا الأمير ومنا أنا

قال أبو سجادة الفقيه في شعر له: المتقارب:

ومنا الوزير ومنا الأمير

 

ومنا المشير ومنا أنـا

يقع التغفيل من فطناء الشعراء

وقد وقع شيء يشبه التغفيل من فطناء الشعراء، قال: فإن البحتري دخل على بعض من يمدحه فأنشده: لك الويل من ليل تطاول آخره فقال الممدوح: لك الويل والحرب.

ومدح رجل معن بن زائدة فقال: الطويل:

أتيتك إذا لم يبق غيرك جـابـر

 

ولا واهب يعطي اللها والرغائبا

فقال معن: ليس هذا مدحاً، وهلا قلت كما قال أخو بني تيم لمالك بن مسمع: الخفيف:

قلدته عرى الأمـور نـزار

 

قبل أن تملك السراة النحورا