الباب الحادي والعشرون: في ذكر المغفلين من المتزهدين

أبو عبد الله المزابلي

عن علي بن المحسن التنوخي قال: كان عندنا بجبل اللكام رجل يسمى أبو عبد الله المزابلي يدخل البلد بالليل فيتتبع المزابل فيأخذ ما يجده ويغسله ويقتاته ولا يعرف قوتاً غيره، أو يتوغل في الجبل فيأكل من الثمرات المباحات، وكان صالحاً مجتهداً إلا أنه كان قليل العقل، وكان بأنطاكية موسى الزكوري صاحب المجون، وكان له جار يغشى المزابل، فجرى بين موسى الزكوري وجاره شر، فشكاه إلى المزابلي فلعنه في دعائه فكان الناس يقصدونه في كل جمعة فيتكلم عليهم ويدعو، فلما سمعوه يلعن ابن الزكوري جاء الناس إلى داره لقتله فهرب ونهبت داره، فطلبه العامة فاستتر فلما طال استتاره قال: إني سأحتال على المزابلي بحيلة أتخلص بها فأعينوني، فقالوا له: ما تريد؟ قال: أعطوني ثوباً جديداً وشيئاً من مسك وناراً وغلماناً يؤنسوني الليلة في هذا الجبل، قال: فأعطيته ذلك، فلما كان نصف الليل صعد فوق الكهف الذي يأوي فيه المزابلي فبخر بالند ونفخ المسك فدخلت الرائحة إلى كهف أبي عبد الله المزابلي، فلما اشتم المزابلي تلك الرائحة وسمع الصوت قال: ما لك عافاك الله ومن أنت؟ قال: أنا جبرائيل أرسلني ربي، فلم يشك المزابلي في صدق القول وأجهش بالبكاء والدعاء، فقال: يا جبرائيل ومن أنا حتى يرسلك الله إلي؟ فقال: الرحمن يقرئك السلام ويقول لك: موسى الزكوري غداً رفيقك في الجنة. فصعق أبو عبد الله فتركه موسى فرجع، فلما كان من الغد كان يوم الجمعة أقبل المزابلي يخبر الناس برسالة جبرائيل ويقول: تمسوا بابن الزكوري واسألوه أن يجعلني في حل واطلبوه لي، فأقبل العامة إلى دار ابن الوكوري يطلبونه ويستحلونه.

ضرس الكافر مثل أحد

عن أبي النقاش عن شيخ له قال: كنت في جامع واسط ورجلان يحدثان في حديث جهنم، فقال أحدهما: بلغني أن الله عز وجل يعظم خلق الكافر حتى يكون ضرسه مثل أحد، فقال له الآخر: ليس هذا أمره. وإلى جانبهما شيخ متأله كثير الصلاة فالتفت إليهما فقال: لا تنكروا هذا، إن الله على كل شيء قدير، وتصديق ما كنتما فيه كتاب الله، قال: وما ذاك يا عم؟ قال: قوله تعالى: فأولئك يبدل الله سنانهم خشبات فهو ما يبدل السن خشبة إلا وهو قادر على أن يجعله مثل أحد.

كيف استراح من الشك

عن الزهري قال: بلغني عن حجاج الشاعر أنه مر يوماً في درب وفي آخره ميزاب، قال: أصابني لم يصبني أصابني، فلما طال عليه ذلك، جاء وجلس تحته وقال: استرحت من الشك.

الزاهد المغفل

عن أبي علي الطائي قال: قرأ رجل عند بعض المتزهدين وكان مغفلاً: "وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه" فقال: دعنا من آيات الفجار.

تواضع عجيب غريب

عن محمد المخرمي قال: كنا في مجلس فشممت رائحة أنكرتها، فنظرت فإذا رجل قد وضع في شاربه عذرة، فقلت له: ما هذا؟ قال: تواضعاً لربي عز وجل.

التقي العاقل لا يتباهى بتقواه

قال طاهر بن الحسين للمروزي: منذ كم دخلت العراق؟ قال: منذ عشرين سنة وإني أصوم الدهر منذ ثلاثين سنة، قال طاهر: سألتك عن مسألة فأجبتني عن مسألتين.

آية سببت له الخشوع والوجد

عن أبي عثمان الجاحظ قال: أخبرني يحيى بن جعفر قال: كان لي جار من أهل فارس وكان بلحية ما رأيت أطول منها قط، وكان طول الليل يبكي، فأنبهني ذات ليلة بكاؤه ونحيبه وهو يشهق ويضرب على رأسه وصدره ويردد آية من كتاب الله تعالى ، فلما رأيت ما نزل به قلت لأسمعن هذه الآية التي قتلت هذا وأذهب نومي، فتسمعت عليه فإذا الآية "يسألونك عن المحيض قل هو أذى" فعلمت أن طول اللحية لا يخلف.

لا أترك تسبيحاً تعلمته

وعنه، قال: أخبرني النظام قال: مررت بناحية باب الشام فرأيت شيخاً قاعداً على باب داره وبين يديه حصى ونوى، وهو يسبح ويعد بهما ويقول: حسبي الله حسبي الله، فقلت: يا عم ليس هذا هو التسبيح، قال: كيف هو التسبيح عندك؟ قلت: سبحان الله، قال: يا أحمق هذا تسبيح تعلمته بعبادان منذ ستين سنة أسبح به، فاتركه لقولك يا جهل.

دعاء المغفل

وقال: رأيت أبا محمد السيرافي، وكان طويل اللحية يدعو ربه وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول: يا منقذ الموتى، ومنجي الغرقى، وقابل التوبات، وراحم العثرات، أنت تجد من ترحمه غيري وأنا لا أجد من يعذبني سواك.

دعاء الله والملائكة والناس

قال: رأيت أبا سعيدي البصري يدعو ربه، وكان طويل اللحية أحمق، وهو يقول: يا رباه، يا سيداه، يا مولاه، يا جبرائيل، يا إسرافيل، يا ميكائيل، يا كعب الأحبار يا أويس القرني بحق محمد وجرجيس عليك، ارخص أمتك على الدقيق.

خشوع الحمقى

عن بشر بن عبد الوهاب قال: كان يجلس إلى عمود في دمشق رجل جميل الهيئة، فرأيته يوماً وقد سجد ويقول في سجوده: سجد لك خضرتي وحمرتي وصفرتي وبياضي وسوادي، خاشعاً ضارعاً خاضعاً ماصاً لبظر أمه، ومن أنا عندك؟! الزاني ابن الزانية حتى لا تغفر له؟

النظر إلى الدنيا بعينين، إسراف

كان لأبي العتاهية تلميذ تصوف وتزهد وقير إحدى عينيه وقال: النظر إلى الدنيا بعينين إسراف.

من كان بين محمد وآله

قال بعضهم: كان لي عم له سبعو سنة، فسمعته يقول في دعائه: بمن كان بين محمد وآله من النبيين والمرسلين، فقلت له: يا عم، اسمعك تدعو بهذا الدعاء فمن كان بين محمد وآله من النبيين والمرسلين؟ فقال: العشرة الذين بايعوه تحت الشجرة.

قصة متزهد لا يعرف من هم الأنبياء

قال بعض معارفنا: إنه حضر في بعض البلاد عند متزهد، وحضر جماعة يتبركون به، منهم قاضي البلاد، فجرى ذكر لوط عليه السلام فقال المتزهد: عليه لعنة الله، فقيل له: ويحك هذا نبي، فقال: ما علمت، ثم التفت إلى القاضي فقال: خذ علي التوبة مما قلت، فتاب، ثم أفاضوا في الحديث فجرى ذكر فرعون فقالوا له: ما تقول فيه؟ فقال: أنا الآن تبت فلا أدخل بين الأنبياء.