الجزء الأول

الباب الأول في ذِكْر البلوغ وبَيان حَدِّه

يثبت في حقّ الغلام بأحد ثلاثة أشياء:

1 ـــ الاحتلام.

2 ـــ أو كمال خمس عشرة سنة.

3 ـــ أو نبات الشعر الخشن حول القُبُل.

ويثبت في حق المرأة بأحد خمسة أشياء: الثلاثة التي ذكرناها، والحيض، والحبل.

فمتى وجد أحد هذه الأشياء في حقّ المرأة، فلتعلم أنَّ قلم التكليف حينئذٍ قد جرى، وأنَّ العقاب على ترك الواجبات قد توجّه، فلهذه الفائدة بينّا حدَّ البلوغ.

الباب الثاني في ذِكْر معرفة اللَّهِ عزَّ وجلَّ بالدليل والنَّظر

معرفة الله عز وجل أول واجب، فإذا ثبت وجوبها، وجب على المكلّف النظر والاستدلال المؤديان إلى المعرفة، وهو أنْ يتصفَّح بعقلِه صنع الله عز وجل، فيعلم حينئذ: أنه لا بد للمبنى من بنّاء، ولو أن إنساناً مرّ في برية، ثم عاد فرأى قصراً مبنيّاً، عَلِم أنه لا بد من بانٍ بنى ذلك القصر.

فرؤية هذا المهاد الموضوع، وهذا السقف المرفوع، والمياه الجارية، والنبات المعدّ للأغذية، والمصالح والمعادن في الأرض، لموضع الاحتياج إلى كل شيء منها.

ثم النظر في البدن، ووضعه على قانون الحكمة، ونمائه بفنون الأغذية، ثم وضع الأسنان لتقطع الطعام، والأضراس لتطحنه، وبلّه بالريق، ليمكن البلع، واللسان لتقليب الممضوغ، وتسليط الحوادب للبلع، وإقامة الكبد لتطبخ المطعوم، وتفرّق ما يتخلص منه من الدماء على كل عضو بحسب حاجته، ودفع ما هو كالثفل، وإعداد شيء من خالص ذلك منياً، يكون منه ما تخلَّق هذا الشخص الذي لا شيء مثله.

كل ذلك دليل على حكمة الواضع، وقدرة الصانع، وهذا الخالق سبحانه لا مثل له في ذاته، ولا يشبه شيئاً من مخلوقاته.

الباب الثالث في وجوبِ طلب العلْم على المرأة

المرأة شخص مكلَّف كالرجل، فيجب عليها طلب علم الواجبات عليها؛ لتكون من أدائها على يقين.

فإنْ لم يكن لها أب، أو أخ، أو زوج، أو محرم، يعلِّمها الفرائض، ويعرِّفها كيف تؤدي الواجبات، كفاها ذلك، وإنْ لم تكن سألت وتعلمت، فإن قدرت على امرأة تعلم ذلك، تعرفت منها، وإلا تعلّمت من الأشياخ، وذوي الأسنان من غير خلوة بها، وتقتصر على قدر اللازم، ومتى حدثت حادثة في دينها سألت عنها، ولم تستحِ، فإنَّ الله لا يستحي من الحق.

الباب الرابع في بَيان أنَّ ذات الدّين لا تستحي من السؤال عن دينها

عن عائشة ـــ رضي الله تعالى عنها ـــ أن أسماء ـــ رضي الله عنها ـــ سألت النبي صلى الله عليه وسلّم عن غسل الحيض؟ فقال: «تأخذ إحداكن ماءها وسِدرتها، فَتَتَطهَّرُ. فَتُحسنُ الطُّهور، ثم تَصُبُّ عليها الماء. ثم تأخذ فرصة مُمسَّكةً، فَتَتَطهَّرُ بها»، فقالت أسماء ـــ رضي الله عنها ـــ: وكيف أَتَطهَّرُ بها؟ فقال: «سبحان الله، تطهرين بها». فقالت عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ: كأنها تُخْفي ذلك، تتبعي بها أثر الدم.
وسألته عن غُسْل الجنابة؟ فقال: «تأخذين ماءك، فتطهرين، فتحسنين الطهور، وأبلغي الطهور، ثم تصب على رأسها فَتَدْلُكُهُ، حتى تَبْلُغَ شُؤون رأسها، ثم تُفيض عليها الماء».

فقالت عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ: نعْمَ النساءُ نساءُ الأَنصارِ لَمْ يَكُنْ يمنعهن الحياء أن يتفقّهن في الدين.

الباب الخامس في تعليم الأولاد الصلاة إذا بلغوا سَبْعَ سنين، وضرْبهم عليها إذا بلغوا عشراً، والتفريق بينهم في المضاجع

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «مُروا أولادكم بالصلاة في سبع سنين، واضربوهمْ عليها في عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع».

وعن أبي هُريرة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «علِّموا أولادكمُ الصلاةَ إذا بلغوا سبعَ سنين، واضربوهم إذا بلغوا عشراً، وفرِّقوا بينهم في المضاجع».

وعن عبد الملك بن ربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إذا بلغ الغلام سبع سنين أُمر بالصلاة، فإذا بلغ عشراً ضُرِبَ عليها».

وعن الحاطبي وهو عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل: «أدّب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ما علَّمته، وهو مسؤول عن برِّك وطاعته لك».

وقال عليّ عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} (التحريم: 6) علّموهم وأدّبوهم.

الباب السادس في ذِكْر الخِتان للنساءالختان واجب في حقِّ الرجل والمرأة

ومن أدب الخاتنة ما رواه أبو داود في «سننه» من حديث أم عطية الأنصارية، أنَّ امرأةً كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلّم «لا تُنْهِكي فإنَّ ذلك أحظَى للمرأة، وأحبُّ إلى البَعْل».

وعن أنسٍ ـــ رضي الله عنه ـــ أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لأم عطية: «إذا خفضت فأشمّي، ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج».

وقال أبو عثمان البصري: أصل الختان للنساء، لم يحاول به الحُسْن دون التماس نقصان الشهوة، ليكون العفاف مقصوراً عليهن.

فالذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقوله: «لا تنهكي»: أنْ ينقص من شهوة المرأة بقدر ما يردها إلى الاعتدال، فإنَّ شهوتها إذا قلّت ذهب التمتُّع، ونقُص حب الأزواج، ومعلوم أن حب الأزواج قيد دون الفجور.

وقد كان بعض الأشراف يقول للخاتنة، لا تتعرَّض إلا لما يظهر فقط.

وأكثر العفايف موعبات، وإنّما صار الزنى وطلب الرجال في نساء الهند والروم أتمّ، لأن شهوتهن للرجال أشد، وليس لذلك علّة إلا وفارة القُلفة، ولمَّا تعمَّق أهل الهند في توفير حظ الباه منعوا من الختان.

وأكثر ما يدعو النساء إلى السحاق أنهن إذا ألزقن موضع مَحزِّ الختان، بموضع محزِّ الختان، وجدن هناك لذة عجيبة، وكلما كان ذلك منها أوفر كان ذلك السحق ألذّ، ولذلك صار حذّاق الرجال يضعون أطراف الكَمَر ويتعمدون بها محزّ الختان، لأن هناك مجتمع الشهوة.

فصل: (في الختان والوشم وثقب الأذن)

ومن الدليل على وجوب الختان أنه إيلام، وكشف عورة، فلولا أنه واجب لما فسح فيه.

وإذا ثبت هذا فالوشم لا يحل، لأنه أذى، لا فائدة فيه، وفي «الصحيح» أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم«لعن الواشمة والمستوشمة».

قال أبو الوفاء بن عقيل: والنهي عن الوشم تنبيه على منع ثقب الآذان.

قال المصنف رحمه الله: قلت: وكثير من النساء يستجزن هذا في حق البنات، ويعللن بأنه يحسنهن، وهذا لا يلتفت إليه، لأنه تعجيل أذى، لإقامة دعوته، فليعلم فاعل هذا أنه آثم معاقب.

وقال أبو حاتم الطوسي: لا رخصة في تثقيب آذان الصبية لأجل تعليق الذهب، فإن ذلك جرح مؤلم، ولا يجوز مثله إلا لحاجة مهمة كالفصد، والحجامة، والختان.

والتزيين بالحلق غير مهم، بل تعليقه على الأذن تفريط، وفي المخانق، والأسورة كفاية عنه.

وهو حرام، والمنع منه واجب، والاستئجار عليه غير صحيح، والأجرة المأخوذة عليه حرام.

فصل (فيما يحل للمرأة من الزينة)

ويجوز للمرأة أن تلبس الحلق إذا كانت أذنها قد ثُقبت في صغرها، ويحسن بالسوار والخلخال، وغير ذلك، وتلبس الحرير.

وأما استعمال آنية الذهب والفضة فهو حرام عليها، قال ابن عقيل: لا فرق بين الرجال والنساء في تحريم ذلك عليهم، بخلاف الحلى والحرير للنساء، فإنهنَّ يتزيّن به، وهذا للمفاخرة فقط.

الباب السابع في ذِكْر آداب الخلاء، وصِفة الاستجمار

من أراد دخول الخلاء نحَّى ما معه من ذكر الله تعالى، كالخاتم وغيره، ويقدِّم رجله اليسرى في الدخول، ويقول عند دخوله: «بسم اللَّه، أعوذ بالله من الخبث والخبائث، ومن الرِّجس النجس الشيطان الرجيم».

ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، ولا يستقبل القِبلة، ولا يستدبرها، ولا يستقبل الشمس، ولا القمر، ولا يبول في شق، ولا سرب، ولا تحت شجرة مثمرة، ولا في ظل حائط، ولا قارعة طريق، ولا يقعد فوق ما يحتاج إليه، ولا دونه، ولا يتكلم، فإن عطس حمد الله بقلبه، فإذا فرغ تحوّل من موضعه لأجل الاستنجاء إلى موضع آخر.

والاستنجاء واجب لكل ما يخرج من السبيلين إلا الريح، ومتى لم يتعدّ الخارج، أجزأ فيه الاستجمار.

وصفة ما يستجمر به أن يكون جامداً طاهراً، غير مطعوم، لا حرمة له، ولا متصلاً بحيوان، وهذا يدخل فيه الحجر والخشب والخرق والتراب، وما أشبه ذلك.

ويخرج منه المأكولات، والروث، والرِّمة، لأنهما من طعام الجن، ويجزىء فيه الحجر الذي له ثلاث شعب.
واختلف أصحابنا في صفة الاستجمار، فقال الأكثرون: يأخذ الحجر الأول بيده اليسرى، ويبدأ به من مقدّم صفحته اليمنى، ويجرّه إلى مؤخرها، ثم يعيده إلى الموضع الذي منه بدأ، ثم يأخذ الحجر الثاني يبدأ به من مقدم الصفحة اليسرى، ويجرّه إلى مؤخرها، ثم يعيده إلى الموضع الذي منه بدأ، ثم يأخذ الحجر الثالث فيديره حول الحلقة، ويعيده على الوسط.

وذهب الشريف أبو جعفر وابن عقيل إلى أنه يعمِّم بكل حجر جميع المحلّ، لأنه إذا لم يعمِّم به كان تلفيقاً لا تكراراً، ومتى لم تزل العين بثلاثة أحجار زاد حتى تنقى.

والمستحب للرجل أن يبدأ بقُبله لئلا تتنجس يده بالقُبل، إذا بدأ بالدبر.

فأما المرأة فهي مخيِّرة في ذلك، والأفضل الجمع بين الأحجار والماء، فإنْ أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل.

وإذا كانت المرأة بكراً، فإن شاءت مسحت موضع البول بالجامد، الذي قد سبق وصفه، وإن شاءت غسلته، ومتى تعدى الخارج المخرج لم يجز إلا الماء.

وإن كانت ثيّباً فإن خرج البول بحدّة ولم يسترسل، لم يجب سوى الاستنجاء في موضع خروج البول، وإن استرسل فدخل منه شيء في الفرج وجب غسله، فإن لم تعلم أَوَصل البول إلى الفرج أم لا؟ استحب غسله، وكتمان هذا عن المرأة غلول للعلم، لأنه إذا وجب غسل نجاسة فلم تغسل، قدحت في صحة الصلاة.

وقد ظن جماعة من النساء أنهن إذا غسلن ما وصل إليه البول من باطن الفرج أن ذلك يقدح في الصوم، وليس كذلك، فإنه لا ينفذ إلى المعدة من البول.

وأحب إدخال الإصبع لغسله، ولا يفسد الصوم، وإنما هو كالفم، بخلاف الدبر، فإنه ينفذ إلى المعدة.
وإذا خرج الإنسان من الخلاء قدم رجله اليمنى في الخروج، وقال: «غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني».

الباب الثامن في ذكر الوضوء

وواجبات الوضوء عشرة:

النية، والتسمية، والمضمضة، والاستنشاق، وغسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح جميع الرأس، وغسل الرجلين، والترتيب، والموالاة.

* ومسنوناته عشرة:

غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، والسواك، والمبالغة في المضمضة، والاستنشاق، وتخليل اللحية، وغسل داخل العينين، والبداية باليمين، وأخذ ماء جديد للأذنين، ومسح العنق، وتخليل ما بين الأصابع والغسلة الثانية والثالثة.

الباب التاسع في ذكر المَسْح على الخُفَّين

للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن من حين الحدث، والجرموقان، والجوربان كذلك.

ولا يجوز المسح إلا على ما يستر محل الفرض، ويثبت بنفسه، ولم تختلف الرواية عن أحمد في جواز المسح على العمامة، ولا يجوز للمرأة أن تمسح على الوقاية، واختلفت الرواية عنه في خُمُر النساء المارّة تحت حلوقهن، هل يجوز المسحة عليها أم لا؟ على روايتين.

وأما الجبيرة فيجوز المسح عليها إلى أن يحلها، وهل من شرط المسح أن يشدَّها على طهارة؟ فيه روايتان عن أحمد، ويستحب استيعاب الجبيرة بالمسح.

الباب العاشر في ذكر نَواقِض الوضوء

وهي سبعة أشياء:


* الأول: خروج الخارج من السبيلين طاهراً كان كالريح أو نجساً كالبول.

* الثاني: خروج النجاسات من بقيّة البدن، فإن كانت بولاً، أو عَذِرة، فالقليل كالكثير في النقض، وإن كانت غير ذلك نقض كثيرها، وهو ما يفحش في النظر.

* والثالث: مسّ الفرج قُبُلاً كان أو دبراً، والموضع الذي ينتقض وضوء المرأة بمسِّه هو القُبُل ما بين الشفرين، سواء كان مخرج البول أو مخرج الحيض، لأن الشفرين يجريان مجرى الإليتين من الدبر، والأنثيين من الذكر.

* والرابع: لمس النساء، وفي نقض وضوء الملموس روايتان.

* والخامس: زوال العقل إلا بالنوم اليسير جالساً أو قائماً أو راكباً أو ساجداً.

* والسادس: أكل لحم الجَزور.

* والسابع: غسل الميت.

الباب الحادي عشر في ذكْر ما يوجِب الغُسل

وهي سبعة أشياء:

* الأول: خروج المني على وجه الدفق واللذَّة، فإنْ خرج لمرض لم يوجب، فأما خروج المني بالاحتلام فيوجب الغسل.

* الثاني: تغييب الحشفة في الفرج، سواء كان قُبُلاً أو دبراً.

* الثالث: إسلام الكافر.

* الرابع: الموت.

وهذه الأربعة، يشترك فيها الرجال والنساء، وتختص النساء بثلاثة أشياء: الحيض، والنفاس، والولادة ـــ العريّة على أحد الوجهين.
والوقت الذي يجب فيه الغسل من الحيض على المرأة إذا خرج القطن، ولا شيء عليه، أو كان عليه بلّة بيضاء.
وحكم النفاس حكم الحيض، إذا رأت النقاء الخالص، فإنه يجب حينئذ الغسل، فإذا عريت الولادة عن نفاس، ولا يتصوَّر هذا إلا في السقط، فهل يجب الغسل؟ قد ذكرنا فيه وجهين.

الباب الثاني عشر في ذكر وجوب الغُسْل على المرأة

المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل أعليها غسل؟

فقال: نعم، إذا هي أنزلت الماء.

عن عمر بن ثابت، عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقالت: المرأة ترى في المنام، فتبصر البلل أتغتسل؟ فعضَّت عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ على ثوبها وقالت: فضحتِ الحرائر. قالت: إني والله لا أستحي من الحق، والله لأسألن. قالت عائشة: فانتهرني رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأسكتني، قال: ما تقولين؟ قالت: أقول كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إذا أَنزلتْ الماء فلتغتسل».

عن زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وسلّمفقالت: يا رسول الله: إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: «نعم، إذا رأت الماء».

الباب الثالث عشر في صِفَة الغُسْل

قدر المجزي من الغسل أن يغسل فرجه، وينوي، ويسمّي، ويعمّ بدنه بالغسل.

فإن أراد الكمال نوى وسمّى، وغسل يديه ثلاثاً، وغسل ما به من أذى، ثم توضأ، وحثَّى على رأسه ثلاث حثيات يروي أصول الشعر، ثم يفيض الماء على سائر بدنه، يدلك بدنه بيده، ويبدأ بشقِّه الأيمن، وينتقل من موضع غسله، فيغسل قدميه، وهكذا تغتسل الحائض والنفساء.

ويستحب للمستحاضة أن تغتسل لكل صلاة، ولا يجب عليها ذلك.

وإذا كان رأس المرأة مضفوراً أو معقوصاً ضفراً قوياً يمنع وصول الماء إلى باطنه وجب عليها حلّه، وإن كان على رأسها حشو كالزادرخت، والخطمي.

وإن كان رقيقاً لا يمنع، كان لها أن تغسل رأسها، وإن لم يزل ذلك.

وتنقض شعرها للغسل من الحيض، بخلاف الجنابة، وهذا على سبيل الاستحباب، على رأي ابن عقيل، واختياري.
وظاهر كلام الخرقي وجوب ذلك.

ويستحب للمرأة أن تتبع في غسلها مجاري الدم بالماء، ثم بقطعة من قطن فيها مسك، فإن لم تجد فبالطِّين، فإن لم تجد فالماء كافٍ. وإنما استحببنا ذلك لأن للدم زفورة.

ويستحب للحائض إذا كانت جنباً أن تغتسل من غير وجوب.

الباب الرابع عشر في ذكر صِفة التيمّم

* فرائض التيمّم:

التسمية، والنية، وتعيين النية للفرض، ومسح الوجه، واليدين إلى الكوعين، والترتيب، والموالاة.

ولا يجوز التيمُّم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد، ومَن كان جنباً وجب عليه أن ينوي الجنابة والحدث الأصغر.
* وصفة التيمُّم: أن يضرب بيديه ـــ وهما مفرجتا الأصابع ـــ ضربة واحدة على التراب، ويمسح وجهه بباطن أصابعه، ويمسح كفيه بباطن راحتيه.

وإن شاء ضرب ضربة فمسح بها وجهه، ثم ضرب أخرى فمسح يديه إلى المرفقين.

وصفة ذلك: أن يضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمنى. ويمرها على ظهر الكف، فإذا بلغ الكوع قبض أطراف أصابعه على حرف الذراع، ثم يمرها إلى المرفق، ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع، ويمره عليه، ويرفع إبهامه، فإذا بلغ الكوع أمرَّ الإبهام على ظهر إبهام يده اليمنى، ثم يمسح بيده اليمنى يده اليسرى كذلك، ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى، ويخلل بين أصابعهما.
ولا يجوز التيمُّم لفريضة قبل وقتها، ومن وجد ماء لا يكفيه لبعض بدنه لزمه استعماله، ويتيمم للباقي، ومن كان بعض بدنه قريحاً غسل الصحيح، وتيمم للقريح.

وإذا كان على جرحه نجاسة يستضر بإزالتها تيمم وصلّى، ومن خاف زيادة المرض أو تباطؤ البرء باستعمال الماء، جاز له التيمم، ومن خاف شدة البرد تيمم وصلّى، فإن كان ذلك في السفر فلا إعادة عليه، وإن كان في الحضر فهل يعيد؟ على روايتين.

ومن حبس في بلد صلّى بالتيمم ولا إعادة عليه.

* ونواقض التيمُّم: نواقض الوضوء، ويزيد على ذلك بخروج الوقت، ووجود الماء، وخلع الخف، وزوال العذر الذي تيمم لأجله.

الباب الخامس عشر في ذكر الحَيْض

إذا رأت الصبية الدم ولها تسع سنين فهو حيض، وأما قبل ذلك فهو دم فساد لا حيض، وإذا رأت دماً بعد خمسين سنة فليس بحيض.

وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وقيل سبعة عشر، والحيض يمنع فعل الصلاة ووجوبها، وفعل الصيام دون وجوبه، وقراءة القرآن، ومس المصحف، واللبث في المسجد، والطواف بالبيت، والوطء في الفرج، وسنة الطلاق، والاعتداد بالأشهر.
وإذا انقطع دم الحائض أبيح لها فعل الصوم دون غيره مما يمنعه الحيض.

والمستحاضة ترجع إلى عادتها، فإن لم يكن لها عادة، رجعت إلى تمييزها، وكان حيضها أيام الدم الأسود. واستحاضتها زمان الدم الأحمر، ومتى حدث للحائض أحوال تختلف في حيضها، وجب عليها شرح ذلك للفقهاء، في كل حادثة، ولما قصر فهم المرأة عن شرح ذلك هاهنا تركناه.

وإذا طهرت الحائض قبل غروب الشمس لزمها أن تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل طلوع الفجر لزمها المغرب والعشاء، لأن وقت الصلاة الأخيرة جعل وقتاً للأُولى في حال الجمع لأجل العذر، فجاز أن يكون وقتاً للإيجاب بزوال العذر، فإن حاضت بعد دخول وقت الصلاة الأولى من الظهر والعصر والمغرب والعشاء لزمها الصلاة الأولى قولاً واحداً، بمعنى أنها إذا طهرت وجب عليها قضاؤها، وهل يلزم الثانية بإدراك وقت الأولى أم لا؟ على روايتين.

الباب السادس عشر في ذِكْر النِّفاس

أقل النفاس قطرة، وأكثره أربعون يوماً، فإن جاوز الدم الأكثر، وصادف زمان عادة الحيض فهو حيض، وإن لم يصادف عادة فهو استحاضة، وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها، ويسقط عنها وفي غسلها.

الباب السابع عشر في كَراهية الحمَّام للنساء

عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخلنَّ الحمّام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخلن حليلته الحمّام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدنَّ على مائدة يُشرب عليها الخمر، أو يُدار عليها الخمر».

وعن عبد الله بن سويد الخطمي، عن أبي أيوب الأنصاري ـــ رضي الله عنه ـــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا يدخلن الحمّام».

فنقل ذلك إلى عمر بن عبد العزيز في خلافته، فأرسل إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم أن سل محمد بن ثابت عن حديثه فإنه رضي، فسأله، ثم كتب إلى عمر، فمنع النساء من الحمّام.

وعن الأعمش قال: حدثنا عمرو بن مرّة عن سالم أنَّ نسوة من أهل حمص دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: لعلكن ممن يدخلن الحمّامات؟ قلن: نعم، قالت: أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «ما من امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت ما بينها وبين الله عز وجل».

قال الحربي: وحدثنا محمد بن عبد الملك بإسناده عن القاسم عن أبي أمامة أن عمر رضي الله عنه قال: لا يحل الحمام لمؤمنةٍ إلا من سقم، فإن عائشة حدثتني قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «أيّما امرأة مؤمنة وضعت خمارها في غير بيت زوجها، هتكت الحجاب فيما بينها وبين الله عز وجل».

وعن مهرة امرأة وهب الكناني قالت: دخلنا على عائشة رضي الله عنها فقالت: لعلكن من النساء اللاتي يدخلن الحمّامات؟ قلن: نعم، قالت: فدعت جارية لها، فأخرجتنا إخراجاً عنيفاً.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «سَتُفتحُ أرض العجم، وستجدون بها حمَّامات، فامنعوا نساءكم إلا مريضة أو نفساء».

وعن مكحول، عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «أيما امرأة دخلت الحمّام من غير علة ولا سقم تلتمس بياض وجهها، سوَّد الله وجهها يوم تبيضُّ الوجوه».

وعن سهل عن أبيه أنه سمع أم الدرداء تقول: خرجت من الحمّام، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «من أين يا أم الدرداء؟» فقلت: من الحمّام، فقال: «والذي نفسي بيده، ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل».

فصل (في دخول النساء للحمّام)

قال المصنف رحمه الله: وقد أطلق جماعة من أصحابنا المنع للنساء من دخول الحمّام إلا من علّة، أو من مرض لا يصلحه إلا الحمام، أو لحاجة إلى الاغتسال لحيض أو نفاس، أو لشدّة برد، وتعذر إسخان الماء في غيره، وما أشبه ذلك.

وهذا يصعب على نساء هذا الزمان لما قد ألفن وربين عليه، ولا يصعب على العرب، ومَن لم يعرف الحمّام.
والصواب أن نقول: إنما جاء هذا التشديد لمعنيين:

أحدهما: أنه دخول إلى بيت أجنبي، وفي ذلك مخاطرة.

والثاني: أنه يتضمن كشف العورات، ولا يؤمن الإطلاع عليها، ومتى أمنت المخاطرة، ورؤية العورات، وكانت ثَم حاجة جاز من غير كراهية وإن لم يكن ثَمَّ حاجة كره لهن، لما ذكرنا.

وإذا احتاجت المرأة إلى دخوله، وأمنت المخوف، فينبغي أن تدخل، ولا يحل لها أن ترى عورة امرأة، وأن لا ترى امرأة عوراتها. وعورة المرأة في حق المرأة، كعورة الرجل في حق الرجل، من السرّة إلى الركبة.

وعموم النساء الجاهلات لا يتحاشين من كشف العورة أو بعضها، والأم حاضرة أو الأخت أو البنت، ويقلن هؤلاء ذوات قرابة.
فلتعلم المرأة أنها إذا بلغت سبع سنين لم يجز لأمها ولا لأختها ولا لابنتها أن تنظر إلى عورتها، وقد ذكر حد عورة المرأة مع المرأة.
ولهذا المعنى نقول: يجوز للرجل أن يغسل الصبية إذا كان لها دون سبع سنين، لأن ذلك الزمان لا يثبت فيه حكم العورة، فيجوز أن ترى، هذا قول أصحابنا، وقال ابن عقيل:

عندي أنه ما لم تتحرك الشهوة بالنظر إليه في العادة، لا يعطى حكم العورات.

ولا تُباح خلوة النساء بالخصيان، ولا بالمجبوبين، لأن العضو وإن تعطل أو عدم، فشهوة الرجال لا تزول من قلوبهم، فلا يؤمن التمتُّع بالقبلة وغيرها، وكذلك لا تباح خلوة الفحل بالرتقاء من النساء لهذه العلة.

قال ابن عقيل: ووجدت لبعض المفرعين من العلماء تفريعاً مليحاً، قال: وإذا كان الحيوان البهيم مما يشتهي النساء، أو تشتهيه النساء، فقد قيل: إن القرد إذا خلا بالمرأة أو رآها نائمة يطلب جماعها، وفي بعض النساء الشبقات مَن ربما دعته إلى نفسها.

فعلى هذا ينبغي أن تصان الدور التي فيها النساء عن إدخال مثل هذا الحيوان.

فصل (في نظر المرأة الكافرة إلى المسلمة)

فإن كانت الناظرة إلى المرأة ذمِّية، فقد اختلفت الرواية عن أحمد فيما يجوز أن تراه الكافرة من المسلمة؟ فروي عنه: أنها كالرجل الأجنبي، وروي أنها معها كالمسلمة.

عن قيس بن الحارث قال: كتب عمر بن الخطاب ـــ رضي الله تعالى عنه ـــ إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإنه قد بلغني أن نساء من نساء المؤمنين يدخلن الحمّامات مع نساء اليهود والنصارى، فلينتهين أشدّ النهي، فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملَّتها.

قال المصنف رحمه الله: أشار عمر ـــ رضي الله عنه ـــ بالعورة إلى ما ذكرنا، وأما الفرج فلا يجوز أن يراه لا أهل ملّتها، ولا غيرهم، سوى الزوج.

فصل (في النظر إلى المحارم)

فأما ذوات المحارم فمباح أن ينظر ذوو قرابتهن المحرم منهن: إلى ما يظهر في العادة، كالوجه والكفين والقدمين وبعض الساق.
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: أنا أكره أن ينظر من أمّه وأخته إلى ساقها وصدرها، وأما الحرّة إذا ملكت عبداً فإنه ليس بمحرم لها، ولا يجوز أن يرى منها ما يراه المحارم، ولا يخلو بها، ولا يسافر معها.

ويكره للرجال الأجانب سماع أصوات النساء إلا بمقدار ما تدعو إليه الحاجة، لأنه قد يحصل بذلك الافتتان، فينبغي للمرأة أن تتوقَّى ذلك.

الباب الثامن عشر في ذكر شَرائط الصَّلاة وأركانها، وواجباتها، ومسنوناتها، وهيئاتها

* شرائط الصلاة ستة:

دخول الوقت، والطهارة، والستارة، والموضع، واستقبال القبلة، والنية، ويشترط في حق المرأة شرط سابع وهو خلوها من الحيض والنفاس.

* وأركانها خمسة عشر:

القيام، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والطمأنينة فيه، والاعتدال عنه، والطمأنينة فيه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة فيه، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم والتسليمة الأولى، وترتيبها على ما ذكرنا.

* وواجباتها تسعة:

التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، وسؤال المغفرة في الجلسة بين السجدتين مرة، والتشهد الأول، والجلوس له، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونيَّة الخروج من الصلاة في التسليم، والتسليمة الثانية.

* ومسنوناتها أربعة عشر:

الاستفتاح، والتعوذ، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وقول آمين، وقراءة السورة، وقوله ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء، بعد التحميد، وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وعلى المرة في سؤال المغفرة، والسجود على الأنف، وجلسة الاستراحة، على إحدى الروايتين فيهما، وهي أن تجلس بعد الرفع من السجدة الثانية قبل أن تقوم، ففي رواية لا يجلس، بل يقوم، وفي الأخرى يجلس على قدميه، والتعوذ، والدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم في التشهد الأخير، والقنوت في الوتر، والتسليمة الثانية في رواية.

* وهيئاتها مسنونات أيضاً، إلا أنها سنة في غيرها، فلذلك سمِّيت هيئاتها، وهي خمس وعشرون:

رفع اليدين عند الافتتاح، والركوع، والرفع منه، وإرسالهما بعد الرفع، ووضع اليمين على الشمال، وجعلهما تحت السرّة، والنظر إلى موضع السجود، والجهر والإسرار بالقراءة وبآمين، وضع اليدين على الركبتين في الركوع، ومدّ الظهر، ومجافاة العضدين على الجنبين، إلا أن المرأة تجتمع، والبداية بوضع الركبة، ثم اليد في السجود، ومجافاة البطن عن الفخذين، والفخذين عن الساقين فيه، والتفريق بين الركبتين، ووضع اليدين حذو المنكبين فيه، والافتراش في الجلوس بين السجدتين، والتشهد الأول، والتورُّك في التشهد الثاني، ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة الأصابع محلّقة، والإشارة بالمسبحة، ووضع اليد اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة.،

فصل (فيمن أخلّ بشرطٍ، أو ركن، أو هيئة في الصلاة)

فمَن أخلّ بشرط لغير عذر لم تنعقد صلاته، ومَن ترك ركناً فلم يذكره حتى سلّم بطلت صلاته، عمداً كان أو سهواً.

ومَن ترك واجباً عمداً فحكمه حكم ترك الركن. فإن تركه سهواً سجد للسهو.

فإن ترك سنّة أو هيئة لم تبطل صلاته بحال، وهل يسجد للسهو؟ يخرج على روايتين.


الباب التاسع عشر في صِفة الصَّلاة، وترتيبها، وآدابها

سنّة الفجر ركعتان، والفريضة ركعتان، والتغليس بها أفضل. وسنّة الظهر ركعتان قبلها، وركعتان بعدها، والفرض أربع ركعات. وفرض العصر أربع ركعات، ويستحب التطوُّع قبلها بأربع، وفرض المغرب ثلاث ركعات، وسنّتها ركعتان، وأول وقتها إذا غابت الشمس، وآخر وقتها إذا غاب الشفق الأحمر.

وفرض العشاء أربع ركعات، وسنّتها بعدها ركعتان، وأول وقتها إذا غاب الشفق الأحمر، وآخره ثلث الليل، والأفضل تأخيرها إلى آخر ثلث الليل. ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني.

وستر العورة بما لا يصف البشرة واجب، وهو شرط في صحة الصلاة، وعورة المرأة الحرة جميع بدنها إلا الوجه، وفي الكفين روايتان.

وعورة أم الولد والمعتق بعضها عورة الحرّة، وعنه أنها كعورة الأمة، وعورتها ما بين السرة والركبة.

ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وجلباب تلتحف به، ويجب على من أراد الصلاة أن يطهّر بدنه وثوبه، وموضع صلاته من النجاسة. فإن حملها أو لاقاها ببدنه أو ثوبه لم تصح صلاته، إلا أن تكون النجاسة معفواً عنها كيسير الدم.

وإذا اجتمع النساء، استحبّ لهن أن يصلين فرائضهن في جماعة، وتقف التي تؤمهن وسطهن.

وقد كن يخرجن فيصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في جماعة، إلا أن خروج المرأة التي يخاف فتنتها يكره.

وتصح إمامة المرأة للرجال في موضع واحد، وهو في صلاة التراويح إذا كانت المرأة تحفظ القرآن، والرجال لا يحفظون، إلا أنها تقف وراءهم، فيتقدمونها في الموقف، وتتقدمهم في الأفعال.

ومن قام إلى الصلاة، نوى الصلاة وكبّر، ثم استفتح فيقول:

«سبحانك اللهم وبحمدك، وتباركَ اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك».

ثم يستعيذ فيقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يقرأ الفاتحة يبتدئها بالبسملة، ويختمها بآمين، ثم يقرأ بعدها سورة أو آيات، ثم يركع، فيضع يديه على ركبتيه ويطمئن، ويقول سبحان ربي العظيم مرّة، وهو قدر الواجب، فإن شاء قالها ثلاثاً أو سبعاً، ثم يرفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده، فإذا اعتدل قائماً قال: ربنا ولك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، ثم يكبّر ويخرّ ساجداً، فيضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، ويقول: سبحان ربي الأعلى».

ثم يرفع رأسه مكبّراً ويجلس، فيقول: رب اغفر لي، ثم يسجد مكبراً، فيقول: سبحان ربي الأعلى، ثم يرفع رأسه مكبراً وينهض، فإذا قعد للتشهد الأول جلس مفترشاً، وجعل يده اليمنى على فخذه اليمنى، يقبض منها الخنصر والبنصر، ويحلّق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبّاحة في تشهده، ويبسط اليد اليسرى مضمومة الأصابع على الفخذ اليسرى، ويقول: «التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله».
فإن كانت صلاة الظهر أو العصر، قام فصلّى ركعتين لا يزيد فيهما على الفاتحة، وكذلك في الأخيرة من المغرب، والأخيرتين من العشاء، ثم يجلس فيقول هذا التشهد، ويزيد عليه: «اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد».

ويستحب له أن يتعوذ فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال». وإن دعا بشيء من القرآن كقوله: {رَبَّنَآ ءاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاْخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة: 201)، وبما صح في الحديث جاز، ثم يسلّم تسليمتين ينوي بهما الخروج من الصلاة.

والمرأة في جميع ما ذكرنا كالرجل، إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود أو تسدل رجليها في الجلوس، فتجعلهما في جانب يمينها، أو تجلس متربعة.

وإذا سلمت من الصلاة فلتسبّح عشراً، ولتحمد عشراً.

فقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سُلَيْم ـــ رضي الله عنها ـــ: «إذا صليت المكتوبة فقولي: سبحان الله عشراً، والحمد لله عشراً، والله أكبر عشراً، ثم سلي الله ما شئت، فإنه يقال لك: نعم نعم نعم».

وليقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ». فقد روي في «الصحيحين» «أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقول ذلك في دبر كل صلاة».
وعن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: مثل التسبيح في دبر كل صلاة مثل جلاء الصائغ الحلي بعدما يفرغ منه.

فصل (في صلاة الوتر)

فأما الوتر فأقله ركعة، وأفضله إحدى عشرة ركعة، يسلم في كل ركعتين، ويوتر بركعة.

وأدنى الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة بـ{سَبِّحِ} (الأعلى: 1)، وفي الثانية بـ{قُلْ يأَيُّهَا الْكَفِرُونَ } (الكافرون: 1)، وفي الثالثة بـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } (الإخلاص: 1). ثم يقول بعد انتصاب قامته من الركوع: اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجدّ بالكفار ملحق، اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت»، «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».

الباب العشرون في ذِكْر ما يُبْطِل الصَّلاة وما يُعفى عنه فيها

قال المصنف رحمه الله: ذكرنا أن من ترك شرطاً من شرائطها أو ركناً بطلت، فإنْ عزم على قطع الصلاة بطلت، وإن تردد في قطعها فيه وجهان.

وإن تكلم عامداً بطلت، فإن كان ساهياً سجد للسهو. وإن قهقه أو انتحب أو تنحنح فبان حرفان بطلت، والعمل المستكثر في العادة لغيرة حاجة يبطل.

ويكره أن يلتفت أو يفرقع أصابعه أو يعبث في الصلاة، أو مدافعاً للخبيثين، أو يكون تائقاً إلى طعام.

وإن نابه شيء في صلاته مثل أن يستأذن عليه أحد، أو يخشى على ضرير أن يقع في بئر، فإنِّ الرجل يسبّح حينئذ، والمرأة تصفق ببطن راحتها على ظهر كفها الآخر.

فصل (في ستر المرأة الحرّة)

ومتى انكشف من المرأة الحرّة شيء في الصلاة سوى وجهها أعادت الصلاة.

وينبغي أن يكون ستر المرأة بما لا يصف البشرة على الدوام، خصوصاً في الصلاة.

وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلّم «أن الكاسيات العاريات لا يدخلن الجنَّة». وهنّ اللواتي يلبسن رقاق الثياب لأنها لا تسترهنّ.

الباب الحادي والعشرون في ذكر سُجودِ السهو

إذا شك المصلي في عدد الركعات بنى على اليقين، وسجد للسهو. فإن قرأ في الأخيرتين من الرباعية بسورة بعد الفاتحة، أو قرأ في سجوده، أو أتى بالتشهُّد في قيامه ناسياً، فهل يسجد للسهو؟ على روايتين.

الباب الثاني والعشرون في ذكْر الأوقات المنهي عن الصَّلاة فيها

وهي خمسة أوقات:

بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، وعند طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تغرب، وعند غروبها حتى تكامل.

ولا تطوّع في هذه الأوقات بصلاة لا سبب لها، فإن كان لها سبب كتحيّة المسجد، وسجود الشكر، والتلاوة، فعلى روايتين؟
فأما إن كان قد فاتته فريضة قضاها في جميع الأوقات.

الباب الثالث والعشرون في ذكر صَلاة المريض


قد بيّنا أن القيام في الصلاة ركن، فمن تركه مع القدرة عليه لم تصح صلاته.

ومن عجز عنه لمرض صلّى قاعداً متربعاً، ويثني رجليه في حال سجوده، فإن عجز عن القعود صلّى على جانبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه، فإن صلّى مستلقياً على ظهره، ووجهه ورجلاه إلى القبلة جاز، ويومىء بالركوع والسجود، ويكون سجوده أخفض من ركوعه.

فإن عجز عن ذلك أومأ بطرفه، وينوي بقلبه، ولا تسقط الصلاة عن أحد وعقله ثابت.

ومن صلّى قاعداً، ثم قدر في أثناء الصلاة على القيام، أو مضطجعاً، ثم قدر على القعود لزمه ذلك.


الباب الرابع والعشرون في صَلاة المرأة في جماعة

يجوز للمرأة أن تخرج إلى المسجد لحضور الجماعة مع الرجال.

قال المصنف:

فقد أخبرنا محمد بن أبي منصور، وعن علي بن عمر بإسنادهما إلى عائشة رضي الله عنها عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّميصلي الصبح، فينصرف نساءُ المؤمنات متلفعات بمروطهن، لا يعرفن، أو لا يعرف بعضهن بعضاً من الغلس»، أخرجه البخاري عن يحيى بن موسى عن سعيد.

وعنها رضي الله عنها قالت: «كن نساء المؤمنين يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلّمصلاة الصبح في مروطهن، ثم ينصرفن فما يعرفن من الغلس».


فصل (في صلاة المرأة مع الرجال)

وإذا صلت المرأة مع الرجال وقفت بعد صفوف الرجال، فإن وقفت في صفوف الرجال كره ذلك، ولم تبطل صلاتها، ولا صلاة من يليها.
وقال أبو بكر عبد العزيز من أصحابنا: تبطل صلاة من يليها.


فصل (في خروج المرأة إلى الصلاة)

وهذا الخروج إلى المسجد مباح لها، فإنْ خافت أن تفتن برؤيتها فلتصلِّ في بيتها.

فقد أخبرنا ابن الحصين، بإسناده إلى زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولتخرجن تفلات».

وعن عبد الله بن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها».

وعن الزُّهريّ، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها».

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن».

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ائذنوا بالليل لنسائكم إلى المساجد».

فصل (في إمامة المرأة في الصلاة)

وإذا كان معها في بيتها نساء أمَّتهن، وتقف معهن في الصف، ولا تقدمهن، وقد سبق ذكر هذا.

ولا يسنّ في حق النساء أذان ولا إقامة.


فصل (في صلاة المرأة لصلاة الجمعة)

ولا تجب الجمعة على المرأة، فإن خرجت لصلاة الجمعة، صحت منها وأجزأتها.

وإذا أرادت حضورها فلتغتسل للجمعة.

فقد أنبأنا زاهر بن طاهر قال: حدثنا (أبو عمر) المسيب بن محمد الأرغياني بإسناده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «من أتى الجمعة فليغتسل من الرجال والنساء».


الباب الخامس والعشرون في خُروج النِّساء يوم العيد

عن حفصة عن أم عطية قالت: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّمفي يوم العيد أن تخرج العواتق، وذوات الخدور، والحيَّض، فيعتزلن المصلى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، فقالت امرأة من المسلمين: وإحداهن لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها من جلبابها».
قال المصنف رحمه الله: قلت: العواتق، جمع عاتق، وهي المدركة.

قالت جارية من العرب لأبيها: اشتر لي لوطاً أغطّي به قزعي، فإني قد عتقت، اللوط: الرداء، والقزع: الشعر، وعتقت: أدركت. يقال للمرأة حين تدرك: عاتق.

وعن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّمأن تخرج ذوات الخدور يوم العيدين، قيل: فالحيَّض؟ قال:

«يشهدن الخير ودعوة المسلمين».

وعن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّميأمر بناته، ونساءه، أن يخرجن في العيدين».
قال المصنف رحمه الله:

قلت: وقد بيَّنا أن خروج النساء مباح، لكن إذا خيفت الفتنة بهن أو منهن، فالامتناع من الخروج أفضل، لأن نساء الصدر الأول كنَّ على غير ما نشأ نساء هذا الزمان عليه، وكذلك الرجال.

فصل (في السلام على النساء)

إذا خرجت المرأة لم تسلم على الرجال أصلاً.

عن عطاء الخراساني يرفع الحديث قال: «ليس للنساء سلام، ولا عليهن سلام»، قال الزبيدي: أخذ على النساء ما أخذ على الحيات، أن يتحجرن في بيوتهن.

وقد روينا عن أحمد بن حنبل: أنه كان عنده رجل من العباد فعطست امرأة أحمد، فقال لها العابد: يرحمك الله، فقال أحمد: عابد جاهل.
وبلغني عن امرأة من القدماء أنه كان إذا طرق عليها الباب، وليس عندها أحد، وضعت يدها على فمها، وتكلمت لتخرج كلاماً منزعجاً لا يفتن.


الباب السادس والعشرون في تَحذير النساء من الخروج

ينبغي للمرأة أن تحذر من الخروج مهما أمكنها، فإنها إنْ سلمت في نفسها لم يسلم الناس منها.

فإذا اضطرت إلى الخروج خرجت بإذن زوجها في هيئة رثّة، وجعلت طريقها في المواضع الخالية، دون الشوارع والأسواق، واحترزت من سماع صوتها، ومشت في جانب الطريق لا في وسطه.

أنبأنا إسماعيل بن أحمد بإسناده، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ليس للنساء وسط الطريق».
وعن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّميقول: «ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيتها، إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى».

وعنها ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّميقول: «أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيت زوجها، هتكت ستر ما بينها وبين ربها».


الباب السابع والعشرون في ذكر فَضْل البيت للمرأة

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «المرأة عورة، إذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من الله ما كانت في بيتها».

وعن أبي الأحوص عن عبد الله أيضاً قال: النساء عورة، فاحبسوهن في البيوت. فإن المرأة إذا خرجت إلى الطريق قال لها أهلها: أين تذهبين؟ قالت: أعود مريضاً، وأشيّع جنازة. فلا يزال بها الشيطان حتى تخرج ذراعيها، وما التمست امرأة وجه الله بمثل أن تقرّ بيتها، وتعبد الله عز وجل.

وعن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة ـــ رضي الله عنها ـــ أن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن».
وعن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ أن رسول الله قال في حجة الوداع: «إنما هي هذه، ثم عليكم بظهور الحصر» قال: (فكن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلّميحججن).

وعن زينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة قالتا: «لا والله لا تحركنا دابة بعد الذي سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلّمعن القسم».
وعن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لأن تصلي المرأة في بيتها خير من أن تصلّي في حجرتها، ولأن تصلّي في حجرتها، خير لها من أن تصلي في الدار، ولأن تصلّي في الدار خير لها من أن تصلّي في المسجد».
وعن علي عليه السلام أنه قال: «ألا تستحون، أو تغارون، فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج».

فصل (في حرمة اطّلاع النساء على الشباب)

ويكره للمرأة أن تطلع من الخوخات، لأنها ترى الرجال، ولا يؤمن أن تتأذى برؤيتهم، كما يتأذون برؤيتها.

عن محفوظ بن علقمة عن أبيه، أن معاذ بن جبل ـــ رضي الله عنه ـــ دخل بيته، فرأى امرأته تنظر من خرق في القبّة فضربها، قال: وكان معاذ يأكل تفاحاً ومعه امرأته، فمرَّ غلام له فناولته تفاحة قد عضّتها، فضربها معاذ.

ومن المنكرات اطلاع النساء على الشباب إذا اجتمعوا في الدعوات لأنه لا يؤمن الفتنة.


الباب الثامن والعشرون في ذِكْر أنَّه إذا خِيفَ من المرأة الفتنة نُهيتْ عنِ الخروج

عن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: «لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمرأى النساء اليوم، لنهاهن عن الخروج، أو حرَّم عليهن الخروج».

وعنها ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: «لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّممن النساء ما نرى لمنعهن من المساجد، كما منعت بنو إسرائيل نساءها».

عن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ قال: «كان النساء الأكابر وغيرهن يحضرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلّموأبي بكر وعمر وعثمان العيد، فلما كان سعيد بن العاص سألني عن خروج النساء، فرأيت أن يمنع الشواب الخروج، فأمر مناديه لا تخرج يوم العيد شابة، فكان العجائز يخرجن».


الباب التاسع والعشرون في نَهْي المرأة إذا تطيَّبتْ أنْ تخرج

عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة».
وعن غنيم بن قيس عن الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «أيما امرأة استعطرت فمرَّت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية».
عن مولى ابن أبي رهم سمعه عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلّمقال: استقبل أبو هريرة امرأة متطيِّبة فقال: أين تريدين يا أمة الجبار؟ قالت: المسجد. فقال: وله تطيبت؟ قالت: نعم، قال أبو هريرة: إنه قال: «أيما امرأة خرجت من بيتها متطيبة تريد المسجد، لم يقبل الله عز وجل لها صلاة حتى ترجع فتغتسل منه، غسلها من الجنابة».

وعن أبي هريرة أنه لقي امرأة فوجد منها ريحاً طيبة، فقال لها أبو هريرة: المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وتطيبت؟ قالت: نعم، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ما من امرأة تطيبت للمسجد لم يقبل الله لها صلاة حتى تغتسل منه اغتسالها من الجنابة، فاذهبي فاغتسلي».

وعن زينب امرأة عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال: «إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمس طيباً».

الباب الثلاثون في أنَّ طيبَ النساءِ ما ظهر لونه، وخَفيتْ ريحه

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «إنَّ طيب الرجال ريح لا لون له، وإن طيب النساء لون لا ريح له».
قال المصنف رحمه الله: قلت: وإنما جعل طيبهن ما لا ريح له لئلا ينمّ عليهن خصوصاً إذا خرجت المرأة من بيتها، وقد منعت المرأة مما ينمّ عليها، قال الله عز وجل: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} (النور: 31) قيل: هو: الخلخال، وقال ابن عقيل: ويُقاس على هذا تحريم الصرير في المداس.

الباب الحادي والثلاثون في أنَّ أجوَد ما للمرأةِ أنْ لا ترى الرجال

عن سعيد بن المسيَّب أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال لفاطمة عليها السلام: ما خير النساء؟ قالت: أن لا ترى الرجال، ولا يرونهن. فقال علي: فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلّمفقال: «إنما فاطمة بضعة مني».

قال المصنف رحمه الله: قلت: قد يشكل هذا على من لا يعرفه، فيقول: الرجل إذا رأى المرأة خيف عليه أن يفتتن، فما حال المرأة؟ فالجواب أن النساء شقائق الرجال، فكما أن المرأة تعجب الرجل، كذلك الرجل يعجب المرأة وتشتهيه كما يشتهيها، ولهذا تنفر من الشيخ، كما ينفر الرجل من العجوز.

عن أسامة قال: كانت عائشة، وحفصة عند النبي صلى الله عليه وسلّمجالستين، فجاء ابن أم مكتوم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلّم «قوما». فقالتا: إنّه أعمى. فقال: «وأنتما عمياوان؟».


الباب الثاني والثلاثون في ذكر صَلاة التطوُّع

إذا قضت المرأة فرائضها، وأتت بالسنن، فأحبَّت أن تتطوع، فلتصلي صلاة الضحى، فإن شاءت ركعتين، وإنْ شاءت أربعاً، وإن شاءت ثمانياً. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه صلاها يوم الفتح ثماني ركعات.

ووقتها إذا علت الشمس، واشتدَّ حرُّها، وقد روي في حديث أنها اثنتا عشرة ركعة، وإن أمكنها التطوع بين الظهر والعصر، فإنه وقت شريف، وكذلك بين المغرب والعشاء.

وأفضل التهجد بالليل وسطه، والنصف الأخير من الليل أفضل من الأول.

ولا ينبغي لها أن تفعل من هذا شيئا يمنعها من قضاء حق زوجها، أو يؤثر في بدنها فيكون سبباً لأذى زوجها، فإنْ علمت منه أنه يحبّ الصلاة في الليل أيقظته، وكذلك إذا علم منها.n

فقد أخبرنا هبة الله بإسناده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلّت، وأيقظت زوجها فصلّى، فإنْ أبى نضحت في وجهه الماء».
وروى أبو داود في سننه عن الأعرج عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا جميعاً ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات».


الباب الثالث والثلاثون في التسبيحاتِ والأذكار

قد أغرى كثير من القُصَّاص بذكر صلوات، وتسبيحات، وأذكار لا أصل لها، ولا صحة، فيستعملها الجهال والنساء، ونحن نتخيّر هاهنا من الأذكار الصحاح، ما ينبغي أن يستغنى به عن غيرها.

أما صلوات التطوع فمنها: صلاة الضحى، وقد سبقت، ومنها، صلاة التسبيح.

عن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال للعباس: «يا عمّاه ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا افعل عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غفر لك ذنبك كله، أوله وآخره، قديمه، وحديثه، وخطأه، وعمده، وصغيره، وكبيره، وسرّه، وعلانيته، أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم، قلت: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات».

إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرّة فافعل، فإن لم تفعل، ففي كل جمعة مرّة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لما تفعل ففي عمرك مرة».

ومنها صلاة الاستخارة:

أخبرنا عبد الأول، بإسناده عن جابر بن عبد الله قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلّميعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما كان يعلّمنا السورة من القرآن، يقول: «إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللّهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علاّم الغيوب، اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر ـــ تسميه باسمه ـــ خيراً لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله، فأقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه. اللهم إن كنت تعلمه شراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، فاصرفني عنه، واصرفه عني، وأقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به». هذا حديث صحيح انفرد بإخراجه البخاري.

وأما الصلوات التي يذكرها القصاص عن صلاة ليلة الفطر، وليلة النحر، وليلة الرغائب، وليلة نصف شعبان، فلا صحة لها، فلذلك سكتنا عن ذكرها.

وأما الأذكار فأفضلها القرآن، فإنه قد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «مَن قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».

وصح عنه صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن».

فينبغي للمرأة أن تجتهد في حفظ ما يمكن، فإنه قد روي أن عدد درج الجنة بعدد آي القرآن، يقال للقارىء: «اقرأ وارْقَ، فمنزلك عند آخر آية تقرؤها».

وقد كان جماعة من النساء يحفظن جميع القرآن، وقد رأينا في زماننا جماعة منهن فينبغي لمن لها همّة، أن تؤثر هذه الفضيلة التي ليس لها مثيل.

وأما التسبيح والذكر فقد أمر النساء بعده ليسهل عليهن.

عن حُميضة بنت ياسر، عن يُسَيْرَة، أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم«أمرهنّ أن يراعين التسبيح والتقديس، والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات».

عن هانىء بن عثمان الجهني، عن أمه حميضة، عن جدتها يسيرة ـــ وكانت من المهاجرات ـــ قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم «يا نساء المؤمنين عليكن بالتهليل والتسبيح، والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل، فإنهنّ مسؤولات مُسْتَنطقات».

عن عائشة بنت سعد عن أبيها أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلّمعلى امرأة، وبين يديها نوى، أو حصى، تسبِّح به، فقال: «أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل، سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» أخرجاه في الصحيحين.

وعنه رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «مَن قال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك. ومَن قال في يومه مائة مرة: سبحان الله وبحمده حطّت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر».

عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «أحب الكلام إلى الله عز وجل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرّك بأيهن بدأت». انفرد بإخراجه مسلم.

* ذكر الدعوات عند الكرب:

عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمكان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم» أخرجاه في الصحيحين.
* ذكر دعوات:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق ـــ رضي الله عنهم ـــ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» أخرجاه في الصحيحين.

وعن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمكان يدعو بهؤلاء الدعوات: «اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، وفتنة القبر، وعذاب القبر، ومن شر فتنة الغنى، ومن شر فتنة الفقر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونقِّ قلبي من الخطايا كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمأثم، والمغرم» أخرجاه في الصحيحين.

الباب الرابع والثلاثون في ذِكْر صَوم رمضَان

لا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصوم الواجب إلا بنيَّة من الليل، وهل تجزىء نية لجميع رمضان، أم تجب لكل يوم نيَّة؟ فيه روايتان.
فإن طهرت الحائض والنفساء، وقدم المسافر، لزمهم قضاء ذلك اليوم. رواية واحدة، وفي وجوب الإمساك روايتان.
والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا، فإن خافتا على ولديهما، أفطرتا وعليهما القضاء، وإطعام مسكين عن كل يوم.
ومن أكل أو شرب أو استعط، أو اكتحل بما يصل إلى جوفه، أو قطَر في أذنه، فوصل إلى دماغه، أو داوى المأمومة، والجائفة بما يصل إلى جوفه، أو احتقن، أو حجم، أو احتجم، أو استقاء، أو استمنى، ذاكراً للصوم، عالماً بتحريم ذلك الفعل، بطل صومه، ووجب عليه إمساك بقية يومه، والقضاء.

فإن فعل ذلك ناسياً أو جاهلاً بالتحريم أو مكرهاً لم يبطل صومه.

وإذا جامع الرجل في الفرج بطل صومه، وصوم المرأة، سواء كانا ذاكرين أو ناسيين أو مختارين، أو مكرهين، فأما الكفارة فإنها تلزم الرجل مع زوال العذر، وهل تلزمه مع الإكراه، والنسيان؟ فيه روايتان، وأما المرأة فلا تلزمها الكفارة مع العذر، وهل تلزمها مع المطاوعة؟ فيه روايتان.

ويكره للصائم السواك بعد الزوال، والقبلة لشهوة، وأن يجمع ريقه فيبلعه، وأن يذوق الطعام.

ويستحب له تعجيل الإفطار، ويفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء. واختلفت الرواية في الصبي المراهق، المطيق للصوم، هل يلزمه، ويضرب عليه؟ على روايتين، ومثله الصبية، وإذا كانت الداية ترضع ولد غيرها.

الباب الخامس والثلاثون في ذكر صَوم النَّذْر والقضَاء والتطوُّع

ومن نذر صيام شهر بعينه، فلم يصمه لغير عذر، فعليه القضاء، وفي الكفارة روايتان.

فإن نذر أن يصوم يوم يقدم فلان، وقدم وهو ممسك، لزمه صيام ذلك اليوم، ويقضي ويكفِّر، وعن أحمد لا يلزمه صيام ذلك اليوم.
فإن وافق قدومه يوماً من رمضان لم يلزمه شيء، وقال بعض أصحابنا: يلزمه القضاء.

ولا يصح صيام يومي العيد، وأيام التشريق نفلاً، فأما صوم يومي العيدين عن الفرض، ففي إحدى الروايتين لا يصوم، ويقضي، ويكفِّر كفارة يمين، وفي الأخرى يكفِّر من غير قضاء.

وأما أيام التشريق فهل يصح صومها عن الفرض؟ فيه روايتان.

فصل (في قضاء رمضان)

ويجوز قضاء رمضان متفرقاً، ويجوز تأخيره إلى ما قبل رمضان. عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ زوج النبي صلى الله عليه وسلّمتقول: إن كان ليكون عليَّ الصيام من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان».

فصل (في تأخير قضاء رمضان)

وإذا ثبت أنه يجوز للمرأة أن تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان، فلا يجوز لها أن تتطوَّع، وعليها القضاء، نص عليه أحمد.
فإذا أصبحت يوماً، وقد نوت القضاء، لم يجز أن تفطر ذلك اليوم، لأنه قد تعيّن بتعيينها.

فصل (في استحباب صيام ست من شوّال)

ويستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بست من شوال، وإن فرَّقها.

ويستحب صوم عشر ذي الحجة، وعشر المحرم.

وفي «الصحيح» أن «صوم يوم عرفة، كفّارة سنتين»، و«صوم يوم عاشوراء كفارة سنة».

ويستحب صوم أيام البيض وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.

ويستحب صوم الاثنين والخميس، وأفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً.

ويكره إفراد يوم الجمعة بالصيام، أو يوم السبت.

ولا يجوز للمرأة أن تتطوع بالصوم إلا عن إذن زوجها.

وعن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لا تصوم المرأة، وزوجها حاضر إلا بإذنه».
وعنه ـــ رضي الله عنه ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوماً من غير شهر رمضان إلا بإذنه».

الباب السادس والثلاثون في ذكر الزَّكَاة

تجب الزكاة على من ملك عشرين ديناراً، وحال عليه الحول، فيلزمه إخراج نصف دينار، أو مائتي درهم، فيلزمه خمس دراهم، وما زاد على النصاب فبحسابه.

ويُضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب، بالأجزاء لا بالقيمة، وقال بعض أصحابنا: بما هو أحوط للفقراء، من الأجزاء أو القيمة.
ومن أخرج قراضة عن صحيح، أخرج ما بينهما من الفضل.

ولا تجب الزكاة في الحلي المباح، إذا كان معدّاً للاستعمال، فإن كان معداً للنفقة، أو الكراء، وجبت الزكاة.
وتجب في الأواني المتخذة من الذهب والفضة، وتجب في قيمة عروض التجارة، وتجب في الصداق، وعوض الخلع قبل القبض، إلا أنه لا يلزم إخراجها إلا بعد القبض.

وتجب في كل ما يكال ويدّخر من الزروع والثمار، إذا بلغت نصاباً، قدّر بعد التصفية في الحبوب، والجفاف في الثمار، خمسة أوسق، (والوسق) ستون صاعاً. والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي، فيكون ذلك ألفاً وستمائة رطل، إلا الأرز والعلس، وهو نوع من الحنطة يدخر في قشره، فإنَّ نصابه عشرة أوسق مع قشره.


الباب السابع والثلاثون في الحثِّ على الصَّدَقة

عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، فينظر أمامه فتستقبله النار، فينظر عن أيمن منه، فلا يرى إلا شيئاً قدَّمه، فينظر عن أشأم منه، فلا يرى إلا شيئاً قدَّمه، فمن استطاع فليتق النار، ولو بشق تمرة».
عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله، عن زينب قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلّمفقال: «يا معشر النساء تصدَّقن، ولو من حليكنّ، فإنكن أكثر أهل النار يوم القيامة».

وعن أنس بن مالك ـــ رضي الله عنه ـــ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال: «إن الله عز وجل ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء».
وعن الحارث بن النعمان بن سالم قال: دخلت على أنس بن مالك فسألته، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «الصدقة تمنع سبعين نوعاً من أنواع البلاء، أهونُها الجذامُ والبَرَص».

قال الحارث: اسم هذا الشيخ على اسمي، واسم أبيه على اسم أبي، واسم جدّه على اسم جدّي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال: «ما من عبد مسلم يتصدّق من كسب طيِّب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا كان الله يأخذها، فيربِّيها كما يربّي أحدكم فَلْوَهُ، أو فصيله، حتى تبلغ الثمرة جبل أحد».
وعن أنس ـــ رضي الله عنه ـــ أن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «تصدقوا فإن الصدقة فكاككم من النار».

وعن أبي حمزة الثمالي عن عكرمة أن ملكاً قال لأهل مملكته: إني إنْ وجدتُ أحداً يتصدق بصدقة، قطعت يديه، فجاء سائل إلى امرأة فقال: تصدقي عليّ بشيء. فقالت: كيف أتصدق عليك، والملك يقطع يديْ من يتصدق. فقال: أسألك بوجه الله، إلا تصدقت عليّ. فتصدقتْ عليه برغيفين، فبلغ ذلك الملك، فأرسل إليها، فقطع يديها، ثم إن الملك قال لأمه: دلّيني على امرأة جميلة أتزوجها. فقالت: إن هاهنا امرأة ما رأيت مثلها لولا عيب بها، قال: أي عيب بها؟ قالت: قطعاء اليدين. قال: فأرسلي إليها، فأرسلت إليها، فلما رآها أعجبته، فتزوجها وأكرمها، فبرز إلى الملك عدو، فخرج إليهم، وكتب إلى أمه أن أنظري فلانة، فاستوصي بها خيراً، وافعلي وافعلي.
فجاء الرسول، فنزل على ضرائرها، فحسدنها فأخذن الكتاب فغيّرنه، وكتبن إلى أمه، أن انظري فلانة، فقد بلغني أن رجالاً يأتونها، فأخرجيها من البيت، وافعلي وافعلي، فكتبت إليه أمه أنك قد كذبت، وأنها لامرأة صدق، فذهب الرسول فنزل بهنّ، فأخذن الكتاب فغيّرنه وكتبن أنها فاجرة، ولدت غلاماً.

قال: فكتب إلى أمه أن انظري فلانة، فاربطي ولدها على رقبتها واضربي على جنبها، وأخرجيها. فلما جاءها الكتاب قرأته عليها، وقالت لها: اخرجي، فجعلت الولد على رقبتها، وخرجت فمرت على نهر، وهي عطشى، فبركت لتشرب والصبي على رقبتها، فوقع في الماء فغرق، فجلعت تبكي على شاطىء النهر، فمر بها رجلان، فقالا لها: ما يبكيك؟ قالت: ابني كان على رقبتي، وليس لي يدان، وأنه سقط في الماء فغرق. فقالا لها: أتحبين أن يرد الله عليك يديك كما كانتا قالت: نعم، فدعوا الله ربهما، فاستوت يداها، فقالا لها: تدرين من نحن؟ قالت لا، قالا: نحن رغيفاك اللذان تصدقت بهما».

فصل (في إعطاء السائل)

ولا يحقرن السائل بشيء يتصدق به عليه، فقد أخبرنا أبو بكر محمد عبد الباقي، بإسناده إلى عبد الرحمن بن بجيد، عن جدته أم بجيد أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّميأتينا في بني عوف، فأعدّ له سويقة في قصعة لي، فأسقيها إياه إذا جاء، فقلت: يا رسول الله، إنه يأتيني السائل، فأزهد له بعض ما عندي. فقال: «يا أم بجيد، ضعي في يد المسكين ولو ظلفاً محرقاً».
وعن عبد الرحمن بن بجيد أنّ جدّته، وهي أم بجيد، وكانت ممن بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إن لم تجدي شيئاً تعطيه إياه إلا ظلفاً محرقاً، فادفعيه إليه في يده».

وعن جابر بن النعمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّميقول: «مناولة المسكين تقي ميتة السوء».

الباب الثامن والثلاثون في كَراهيةِ إطْعام المِسْكين ما لا يأكل منه المتصدِّق

ينبغي للمتصدق أن يتخير الأجود كسباً لقوله تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} (البقرة: 267).

وقول النبي صلى الله عليه وسلّم «لا يقبل الله صدقة من غلول»، ثمَّ يتخير الأجود في نفسه، ثم يؤثر بالمحبوب، فقد قال عز وجل: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92)، وكان السلف إذا أحبوا شيئاً قدموه لله عز وجل، فقال ابن عمر يوماً: اللهم إنه لا أحبَّ إليَّ من جاريتي رميثة، وهي حرة لوجه الله تعالى. وركب نجيباً فأعجبه مشيه، فأناخه، فقال: يا نافع، أشْعِره، وأدخلْه في البدن، وكان الربيع بن خثيم يتصدق بالسكَّر، ويقول: إن الربيع يحب السكَّر.

الباب التاسع والثلاثون في صدقة المرأة من بيتها غير مفسدة

عن عمرو بن مرّة عن أبي وائل عن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها، كان لها أجر، وللزوج مثل ذلك، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص أجر واحد منهم من أجر صاحبه».

وعن ابن أبي مُلَيكة، عن أسماء قالت: يا رسول الله، إنه ليس لي إلا ما أدخل عليّ الزبير بيته، قال: «يا أسماء أعطي، وتصدقي، ولا توكي فيوكى عليك».

الباب الأربعون في إنفاق المرأةِ من بيتِ زوجها بغير أمره

عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لا تصوم المرأة، وزوجها شاهد، إلا بإذنه، وما أنفقت من كسبه بغير أمره، فإنَّ نصف أجره له، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه».

الباب الحادي والأربعون في ثواب الخازن إذا أخرج ما أمر به للصَّدَقة

عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «الخازن الأمين إذا أعطى ما أمر به كاملاً موفراً طيّبة به نفسه، فهو أحد المتصدقين».

الباب الثاني والأربعون في اغتنامِ فَرْحةِ الفقير بإعطائِه الجيّد

كان كثير من السلف لا يقنعون بنفس ما يغني الفقير، بل يعطونه فوق ما يؤمل، لينالوا ثواب فرحته، فروِّينا عن ابن المبارك أنه رأى امرأة فقيرة قد أخذت بطّة ميتة، فسألها عن ذلك، فقالت: لنا أيام ما أكلنا، فأعطاها نحواً من ألف دينار.
وكان أبو عبد الله محمد بن العباس العصمي نبيلاً من ذوي الأقدار العالية، وله أفضال على الصالحين، والفقهاء، وبلغني أنه كان يضرب له دنانير، كل دينار منها مثقال ونصف، وأكثر من ذلك، فيتصدق بها، ويقول: إنَّ الفقير يفرح إذا ناولته كاغداً، فيتوهم أن فيه فضة، ثم يفتحه فيفرح إذا رأى صفرة الدينار، ثم يزنه فيفرح إذا زاد على المثقال.


الباب الثالث والأربعون في ذكر الحَجِّ

يجب الحج على المرأة إذا كانت حرّة، بالغة، عاقلة، مستطيعة، لها محرم، يخرج معها، فالحج للمرأة مكان الجهاد للرجل.

عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين ـــ رضي الله عنها ـــ قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نخرج فنجاهد معكم؟ قال: «لا، جهادُكن الحج المبرور هو لكنَّ جهاد».

وإذا ثبت أن حج المرأة جهاد، فلا يجوز أن تخرج إلا بمحرم.

عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لا تسافر امرأة سفراً ثلاثة أيام فصاعداً، إلا مع أبيها أو ابنها أو أخيها أو زوجها أو ذي محرم».

وعن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم».

وعن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لا يحل لامرأة بالله واليوم الآخر، تسافر يوماً وليلة إلا مع ذي محرم من أهلها».

فصل (في خروج المرأة إلى الحج)

إذا أرادت المرأة الخروج إلى الحج خرجت من المظالم، وقضت الديون، وصلّتْ صلاة الاستخارة، وقد سبقت، واجتهدت في الخير، والسنن، مهما أمكن.

فإذا وصلت إلى مكان الإحرام اغتسلت، وأحرمت ولبّت، فقالت: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

ولا تتجرد من المخيط، ويجوز لها لبس القميص والسراويل والخمار، والخفّ، ولا يجوز لها لبس البرقع، ولا القفازين، ولا النقاب، فإن أرادت ستر وجهها سدلت عليه ما يستره، ولا يقع على البشرة، ولا ترفع صوتها بالتلبية إلا بقدر ما تسمع رفيقتها، وتتجنب الطيب وحلق الشعر، وتقليم الأظفار، والصيد، والدلالة عليه، ويجوز لها أن تختضب بالحنّاء، وتنظر في المرآة، غير أنها لا تصلح شعثاً.g
فإذا دخلت المسجد، دخلت من باب بني شيبة، وقالت عند رؤية البيت: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، حيّنا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتكريماً، الحمد لله الذي بلغني بيته، ورآني لذلك أهلاً.

وتطوف طواف القدوم، فتبتدىء من الحجر الأسود، فتستلمه، وتطوف، وتجعل البيت عن يسارها، وتقول عند استلام الحجر: بسم الله، والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، واتباعاً لسنّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلّم

وتطوف سبعاً ولا ترمل، ولا تضطبع، ثم تصلي ركعتين خلف المقام، فإذا طافت طواف الفرض، فعلت هكذا، فإذا فرغت من الركعتين، عادت إلى الركن فاستلمته، ثم خرجت من باب الصفا، فتقف عند الصفا، ولا ترقى عليه، وتكبّر ثلاثاً، وتقول: الحمد لله على ما هدانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم تلبي، وتدعو بما تحب، ويكون سعيها بين الصفا والمروة مشياً.
ويكون أكثر كلامها يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. إلا أنها لا تسمع الرجال أذكارها.

وإذا أخذت الحصى وهو سبعون حصاة، غسلته، فإذا وصلت إلى مِنى بدأت بجمرة العقبة، فرمت إليها سبع حصيات، وتكبّر مع كل حصاة، وتعلم حصولها في المرمى، وتقطع التلبية مع أول حصاة، وترمي بعد طلوع الشمس، ثم تنحر هدياً إن كان معها، وتقصّر من شعرها قدر الأنملة.

وترمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق بعد الزوال، كل جمرة في كل يوم بسبع حصيات، وتبدأ بالجمرة الأولى، وهي أبعد الجمرات من مكة، وتلي مسجد الخيف، فتجعلها عن يسارها، وتستقبل القبلة، وتدعو كثيراً، ثم ترمي الجمرة الوسطى، وتجعلها عن يمينها، ثم ترمي جمرة العقبة، وتجعلها عن يمينها، ولا تقف عندها.

ومن لم ينفر في اليوم الثاني قبل غروب الشمس لزمه البيتوتة، والرمي من الغد، ويُستحب الشرب من ماء زمزم، والإكثار منه.
وطواف الوداع واجب، فمن تركه فعليه دم، إلا أن تخرج المرأة من مكة، وهي حائض، فلا شيء عليها.

وإذا ودعت البيت، وقفت بين الركن والباب، وقالت: اللهم هذا بيتك، وأنا أمتك، حملتني على ما سخّرت لي، وبلغتني بنعمتك وأعنتني على قضاء نسكي، فإن كنت رضيت عني رضى، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، هذا أوان انصرافي، إنْ أذنت لي غير مستبدل بك، ولا ببيتك، ولا راغبة عنك، ولا عن بيتك، اللهم اجمع لي خير الدارين. وإن كانت حائضاً وقت الوداع فلتدع بهذا الدعاء خارج المسجد.

فصل (في العمرة)

والعمرة واجبة، وإذا أرادت أن تعتمر، خرجت إلى الحل، فأحرمت وطافت بالبيت، وسعت، وقصَّرت، فإذا وصلت إلى المدينة، زارت الرسول صلى الله عليه وسلّم وبالغت في الدعاء، وانفردت للصلاة في مكان لا يطلع عليها الرجال، فإذا توجهت إلى بلدها قالت: آيبون، تائبون، عابدون لربنا حامدون.

الباب الرابع والأربعون في بِرّ الوالدين

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «رضا الله في رضا الوالدين، وسَخَطُ الله في سخط الوالدين».

وعن زيد بن أرقم ـــ رضي الله عنه ـــ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّميقول: «من أصبح والداه راضيين عنه، أصبح له بابان مفتوحان من الجنة، ومن أمسى والداه راضيين عنه، أمسى له بابان مفتوحان من الجنة، ومن أصبحا عليه ساخطين، أصبح له بابان مفتوحان من النار، وإن كان واحداً فواحد، فقيل: وإن ظلماه؟ فقال: وإن ظلماه، وإن ظلماه».

وعن البخاري قال: ثنا آدم قال: ثنا شعبة، قال: «ثنا سعيد بن أبي بردة، قال: سمعت أبي يحدِّث أنه شهد ابن عمر، ورجل يماني يطوف بالبيت، قد حمل أمه، وهو يقول:

إني لها بعيرها المذلل

إن ذعرت ركابها لم أذعرْ

حملتها ما حملتني أكثر

إني لها مطيّة لا أذعرْ

ثم قال: يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة».

قال البخاري: وحدثنا عبد الله بن صالح، بإسناده إلى أبي مرة مولى عقيل أن أبا هريرة، كان في بيت، وأمه في بيت، فإذا أراد أن يخرج، وقف على بابها، وقال: «السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً. فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً، ثم إذا آن يدخل صنع مثله».

الباب الخامس والأربعون في تقديمِ الأمِّ في البرِّ

أخبرنا عبد الوهاب، قال: حدثنا عاصم بن الحسن، قال: أخبرنا أبو عمر بن مهدي قال: أنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال ثنا يحيى بن أبي طالب، قال: أنا عبد الله بن بكر قال: حدثنا بهز عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله: من أبرّ؟ قال: «أمك، قلت: ثم مَن؟ قال: أمك، قلت: ثم مَن؟ قال: أمك، ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب».

وعن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلّم «أي الناس أحق بحسن الصحبة: قال: أمك، ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك».

وبه قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا بعض البصريين، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن في رجل حلف عليه أبوه بكذا، وحلفت عليه أمه بخلافه، قال: يطيع أمه.

الباب السادس والأربعون في البِرِّ بعد موتِ الوالدَين

عن الحسن، أن سعد بن عبادة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: يا رسول الله: إني كنت أبر أمي، وإنها ماتت، فإن تصدقت عنها، أو أعتقت عنها ينفعها ذلك؟ قال: «نعم». قال: فمرني بصدقة، قال: «اسق الماء». قال: فنصب سعد سقايتين بالمدينة.
وعن ابن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّميقول: «إنّ أبرَّ البرِّ أن يصل الرجلُ أهلَ وُدِّ أبيه بعد أن يُوَلِّي الأب.

وعن أبي أسيد قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلّمجالساً، فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ والديّ من بعد موتهما شيء أبرّهما به؟ قال: «نعم. الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك».

الباب السابع والأربعون في التَّحذير من الغيبةِ وفُضُول الكَلام

عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّمأنه قيل له: ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره». قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه».
وعن أبي حذيفة أن عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ حكت امرأة عند النبي صلى الله عليه وسلّمذكرت قصرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم «قد اغتبتها».

وقيل للربيع بن خثيم: ما نراك تذم أحداً؟ فقال: «ما أنا عن نفسي راض فأتفرغ من عيبها لغيرها».
وقد روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «لا يستقيمُ إيمانُ عبد حتى يستقيمَ قلبُهُ، ولا يستقيمَ قلبُهُ حتى يستقيمَ لسانُهُ، ولا يدخلُ رجل الجنةَ حتى يأمن جارُه بوائقَه».

الباب الثامن والأربعون في التَّحذير من قذفِ المُحْصَنات

من عادة أكثر النساء إذا اجتمعن أن يذكر بعضهن بعضاً، ورميهن المذكورة بكل شيء، وقد عُدَّ قذف المحصنات من الكبائر.
عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله، وما هُنَّ؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، والزنى، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» أخرجاه في الصحيحين.

قال: أخبرنا عبد الخالق بن عبد الصمد، قال: ثنا ابن النقور بإسناده إلى أبي شهاب الحناط، عن الليث، قال: «قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة».

الباب التاسع والأربعون في التَّحذير من فضولِ النظر

قال النبي صلى الله عليه وسلّملعلي بن أبي طالب عليه السلام: «لا تتبع النظرة النظرة».

وسأله جرير عن نظرة الفجاءة، فقال: «اصرف بصرك».

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك بإسناده إلى الأعمش في قوله تعالى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ} (النور: 31) قال: أن ينظرن إلى غير أزواجهن.

عن محفوظ بن علقمة عن أبيه أن معاذاً رضي الله عنه ـــ رأى امرأته تطلع من كوّة، فأوجعها ضرباً.

فصل (فيما يباح للمرأة من النظر)

وينبغي للمرأة أن تغضّ طرفها عن الرجال، كما يؤمر الرجال بالغض عنها، وقد اختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل، ـــ رحمه الله ـــ فيما يجوز للمرأة أن ترى من الرجل الأجنبي، فروي عنه، أنه يجوز لها أن ترى منه ما ليس بعورة، وروي عنه أنه يحرَّم عليها أن تنظر منه ما يحرَّم عليه أن ينظر منها.

واعلم أن أصل العشق إطلاق البصر، وكما يخاف على الرجل من ذلك يخاف على المرأة، وقد ذهب دين خلق كثير من المتعبّدين بإطلاق البصر وما جلبه، فليحذر من ذلك.

الباب الخمسون في النهي عن التسمّع لحديثِ مَن يكره استماعه

عن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلّمقال: «من استمع إلى حديث قوم، وهم له كارهون، صب في أذنيه الآنك».

قال: وأخبرنا المبارك بن علي الصيرفي، بإسناده إلى عمرو بن دينار قال: «كان رجل من أهل المدينة له أخت في ناحية المدينة، فهلكت، فجهزها، ولقيه رجل معه كيس فيه دنانير، فجعله في حجزته.

فلما دفنها ورجع، ذكر الكيس، فأتى القبر، فاستعان برجل من أصحابه، فنبشا، فوجدا الكيس، فقال الرجل لصاحبه: تنح حتى أنظر على أي حال أختي، فرفع بعض ما على اللحد، فإذا القبر يشتعل ناراً، فردّه، ودعا الرجل، فسوّى معه القبر.
ثم رجع إلى أمه قال: أخبريني ما حال أختي؟ قالت: وما تسأل عنها، أليس قد ماتت؟ قال: لتخبريني، قال: كانت أختك تؤخر الصلاة ولا تصلي فيما أظن بوضوء، وتأتي أبواب الجيران إذا ناموا فتلقم أذنها أبوابهم، فتخرج حديثهم».

الباب الحادي والخمسون في التحذير من السِّحْر والكهانة والنُّجوم وإتيان أهلِ هذهِ الصناعات

قد ذكرنا في باب المحصنات أن السحر معدود من الكبائر.

وقد روى مسلم في إفراده من حديث صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة».

وروى أبو داود في سُننه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول، فقد برىء مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم.

وأخبرنا موهوب بن أحمد قال: أنبأنا علي بن البسري، بإسناده إلى عبد الله قال: «من أتى ساحراً، أو كاهناً، فصدّقه بما يقول: فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم.

فصل (في حكم الساحر والكاهن والعرّاف)

واعلم أن الساحر عند أصحابنا كافر، وكذلك الساحرة، وقال ابن عقيل: إنما هو كافر للنعمة، وليس في السحر إلا صناعة تعود بفساد أحوال، وقتل نفوس، وهذا القدر بالمباشرة لا يحصل به الكفر.

وحد الساحر ضربه بالسيف، قال أحمد: يقتل من غير استتابة. وعلل أصحابنا بأنه في الغالب يكتم سحره، فإن أقرّ بقتل معين قتل حداً، أو إصلاحاً للإسلام، وكانت الدية في ماله للمقتول، ليجمع بين المصلحة الكلية، وحق أولياء المقتول، وإذا كان الساحر ذميّا، وكان سحره يضر المسلمين قتل لنقض العهد.

وأما الكاهن والعرّاف، فقال القاضي أبو يعلى: حكمهما حكم الساحر. وخالفه ابن عقيل، فقال: غاية ما يدعي الكاهن أنه تكلمه الجن وهذا كذب، وليس لنا كذب يوجب الكفر والقتل إلا الكذب في أمر الشرائع، إلا أن يقول: إني أعلم الغيب.

فأما القائل بزجر الطير، والنجوم، والحصى، أو الشعير والقداح التي يتخذها المعزمون، يدعون أنها عندهم عزائم، يستحضرون بها الجان، فكلهم أهل ضلال، ويجب تعزيرهم، فإن اعتقدوا أن هذا طريق لعلم ما يكون قبل كونه، وجب تكفيرهم.

قال: وأما لعب النساء بالحصى، والشعير، وما شاكل ذلك من الأمور التي تجعلها كالفأل لاستعلام حال الغائبين من الأهل، وحال الأزواج، وفيه ضرب من السحر، فإنهنّ يذكرن فيه القلب، والفؤاد، وللأكراد الكفّ، ولبعض العراقيين القداح، والتعزيم عليها، فكل ذلك مكروه جداً، والإدمان لها يوجب الفسق، ومن عرف بها لم تقبل شهادته، وكذلك الأرجوحة، والتعلّق عليها، والترجيح فيها، مكروه، ولا تقبل شهادة المدمن له.

قال المصنف رحمه الله ـــ: قلت: وفي معنى الكاهن المنجِّم، فإنه يدعي علم الغيب، وقد صار أكثر أهل زماننا لا يسافرون، ولا يلبسون ثوباً، ولا يعملون عملاً إلا بقول المنجم.

واعلم أن علم النجوم على ضربين:

* أحدهما: مباح، وتعلّمه فضيلة، وهو العلم بأسماء الكواكب ومطالعها، ومساقطها، وسيرها في منازلها، والاهتداء بها إلى القبلة وغيرها من الطرق.

* والثاني: محظور، وهو ما يدعيه المنجمون من الأحكام.

وقد روى علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلّم «يا علي لا تجالس أصحاب النجوم».

وقال مسافر بن عوف، لعلي بن أبي طالب وهو في سفر: لا تسر في هذه الساعة لأنك إن سرت فيها، أصابك وأصحابك بلاء، وإن سرت في الساعة التي آمرك بها ظفرت. فقال علي ـــ عليه السلام ـــ: ما يحمد منجم، هل تعلم ما في بطن فرسي هذه؟ قال: إن شئت علمت. قال: من صدقك بهذا القول، كذب بالقرآن، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الاْرْحَامِ} (لقمان: 34)، والله لئن بلغني أنك تنظر في النجوم، لأخلدنك السجن.

الباب الثاني والخمسون في ذَمِّ الزنى وبَيان إثْمه


أخبرنا عبد الأول بإسناده إلى عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال: «يا أمة محمد، ما أجد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني».

وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني، فانطلقت معهما، فإذا بيت مبني على بناء التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، توقد تحته نار، فيه رجال ونساء عراة، فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، فقلت: ما هذا؟ قالا: هم الزناة».

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بإسناده إلى أنس ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إن أعمال أمتي تعرض عليّ في كل يوم جمعة، واشتد غضب الله على الزناة».

أخبرنا عبد الله بن علي بإسناده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء، فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان، فإذا تاب ردّ عليه».

وعن أبي موسى: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدِّق بالسحر، ومن مات مدمناً للخمر سقاه الله من نهر الغوطة. قال: نهر يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهن».

وروى الهيثم بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحلُّ له».

وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «إياكم والزنى، فإن في الزنى ست خصال، ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة، فأما اللواتي في دار الدنيا: فذهاب نور الوجه، وانقطاع الرزق، وسرعة الفناء، وأما اللواتي في الآخرة: فغضب الرب، وسوء الحساب، والخلود في النار، إلا أن يشاء الله».

وعن مالك بن دينار قال: مكتوب في التوراة: امرأة حسناء لا تحصن فرجها كمثل خنزيرة على رأسها تاج في عنقها طوق من ذهب، يقول الناس: ما أحسن هذا الحلي وأقبح هذه الدابة.

وبلغنا أن بعض الملوك رأى امرأة في صحراء فسامها نفسها، فقالت: أيها الملك: إن المرأة مطبوعة على أربعة أجزاء من الإنسانية، فإذا افتضّت ذهب جزء من إنسانيتها، فإذا حملت ذهب جزء آخر، فإذا وضعت ذهب آخر، فإذا زُنِيَ بها خرجت من حدّ الإنسانية وقد أتيت على هذه الثلاثة، وأنا أعيذ الملك بالله أن يخرجني من حدِّ الإنسانية. فرقّ لها وتركها.

الباب الثالث والخمسون في بَيان ما تصنعُ المرأة إذا زَنَتْ

إذا زنت المرأة وجب عليها أن تتوب مما فعلت، وتتعلل على زوجها، فتمتنع من أن يقربها، إلى أن تستبرىء نفسها، وإن علم وجب عليه أن يكف عنها حتى يستبرئها.

وقد اختلفت الرواية عن أحمد في عدة المزني بها، والمشهور أن عدتها: عدة المطلقة. وحكى أبو علي بن أبي موسى رواية أخرى أنها تُستبرأ بحيضة. وعن الإمام أحمد بن حنبل قال: من فجر بامرأة ذات بعل، ولم يكن الزوج قد اطلع على ذلك، فلا تُعلم زوجها، بل تستر على نفسها، وتتوب، وتستغفر، ولتهب صداقها لزوجها.

فصل (فيمن زنا بامرأة ثم تزوّجها)

ومن زنى بامرأة ثم أراد أن يتزوجها، فمن شرط صحة نكاحه لها، أن يتوبا جميعاً من الزنى.

وقد روينا عن ابن عباس أنه اعتبر التوبة، وزاد في الاحتياط بأن قال: يختبرها، بأن يدسّ عليها من يراودها عن نفسها، فإن أبت تحققت التوبة.

وتجب العدة من الزنى، فإذا انقضت عقد عليها، وقد روى إسحاق بن إبراهيم بن هانىء، عن أحمد بن حنبل أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة، ثم يتزوجها، قال: لا يتزوجها حتى يعلم أنها قد تابت، قلت: وما علمه بذلك؟ قال: يريدها على ما كان أرادها عليه، فإن امتنعت فقد تابت، وإن طاوعته لم يتزوجها.

وقال: وسئل عن الرجل يفجر بأخت امرأته: قال: يعتزل امرأته حتى تنقضي عدة التي فجر بها، إن كانت ممن تحيض، فثلاث حيض، وإن لم تكن ممن تحيض، فثلاثة أشهر، ولا يجمع ماؤه في أختين.

فصل (في حمل المرأة من الزنا)

ويزيد على الزنى في فحشه، ويتضاعف قبحه، أن تحمل المرأة من الزنى، فتلحق الحمل بزوجها.

أخبرنا المبارك بن علي بن الحصين، بإسناده إلى أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّميقول: حين نزلت آية الملاعنة: «أيما امرأة أدخلت على قوم نسباً ليس منهم، فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده، وهو ينظر إليه، احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين».

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ بإسناده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «اشتد غضب الله عز وجل على امرأة تدخل على قوم مَن ليس منهم ليشركهم في أموالهم، ويطلع على عوراتهم».

وعن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «اشتد غضب الرب عز وجل على امرأة ألحقت بقوم نسباً ليس منهم ليشركهم في أموالهم، ويطلع على عوراتهم».

الباب الرابع والخمسون في تَحْريمِ السُّحاق بينَ النساء

عن واثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك ـــ رضي الله عنهما ـــ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «لا تذهب الدنيا حتى يستغني الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، والسحاق زنى النساء بينهن».

قال الآجري: حدثنا أحمد بن الحسن بإسناده إلى واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «سَحاقُ النساءِ زنى بينهنَّ».

وأخبرنا عمر بن هدية الصواف بإسناده إلى زر بن حبيش، عن أبي بن كعب قال: «قيل لنا أشياء تكون في هذه الأمة عند اقتراب الساعة، فمنها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها، وذلك مما حرَّم الله ورسوله، ويمقت الله عليه ورسوله، وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً».

قال ابن عقيل: «إذا عرف في النساء حب السحاق منعن خلوة بعضهن ببعض، والسحاق زنى لكنه لا يوجب الحد، بل التعزير، لأنه من غير إيلاج، فهو كوطء الرجل الرجل دون الفرج».