الباب الثالث: طبقات الأطباء اليونانيين الذين هم من نسل أسقليبيوس

وذلك أن أسقليبيوس كما ذكرنا أولاً لما حصلت له معرفة صناعة الطب بالتجربة وبقيت عنده أمور منها، وشرع في تعليمها لأولاده وأقاربه، عهد اليهم ألا يعلموا هذه الصناعة لأحد إلا لأولادهم، ولمن هو من نسل اسقليبيوس لا غير، وكان الذي خلفه اسقليبيوس من التلاميذ من ولد وقرابة ستة وهم ماغينس، وسقراطون، وخروسيس الطبيب، ومهراريس المكذوب عليه المزور نسبه في الكتب الأولى، وأنه لحق سليمان بن داود وهذا حديث خرافة لأن بينهما ألوف من السنين، وموريدس، وميساوس، وكان كل واحد من هؤلاء ينتحل رأي استاذه اسقليبيوس وهو رأي التجربة، إذا كان الطب إنما خرج له بالتجربة، ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء التلاميذ إلى من علموه من الأهل، إلى أن ظهر .
غورس
هو الثاني من الأطباء الحذاق المشهورين الذين اسقليبيوس أولهم، على ما ذكره يحيى النحوي وذلك أنه قال الأطباء المشهورون الذين كان يقتدى بهم في صناعة الطب من اليونانيين على ما تناهى إلينا ثمانية وهم أسقليبيوس الأول، وغورس، وميتس، وبرمانيدس، وإفلاطن الطبيب وأسقليبيوس الثاني، وأبقراط، وجالينوس، وكانت مدة حياة غورس سبعاً وأربعين سنة منها صبي ومتعلم سبع عشرة سنة؛ وعالم معلِّم ثلاثين سنة، وكان منذ وقت وفاة أسقليبيوس الأول، إلى وقت ظهور غورس ثمانمائة وخمسين سنة.

وكان في هذه الفترة بين أسقليبيوس وبين غورس من الأطباء المذكورين سورندوس، ومانيوس، وساوثاوس، ومسيساندس، وسقوريدس الأول، وسيقلوس، وسمرياس، وانطيماخس، وقلغيموس، وأغانيس، وأيرقلس، وأسطورس الطبيب.

ولما ظهر غورس نظر في رأي التجربة وقواه وخلف من التلاميذ من بين ولد وقريب سبعة وهم مرقس، وجورجيس، ومالسطس، وفولس، وماهالس، وأراسطواطس الأول، وسقريروس، وكان كل واحد من هؤلاء ينتحل رأي أستاذه وهو رأي التجربة، ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء إلى من علموه من ولد وقريب إلى أن ظهر.

مينس ومينس هو الثالث من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم، وكانت مدة حياته أربعاً وثمانين سنة منها صبي ومتعلم أربعاً وستين سنة، وعالم معلِّم عشرين سنة، وكان منذ وقت وفاة غورس إلى ظهور مينس خمسمائة وستين سنة، وكان في هذه الفترة التي بين غورس ومينس من الأطباء المذكورين أبيقورس، وسقوريدوس الثاني، وأخطيفون، وأسقوريس، وراوس، واسفقلس، وموطيمس، وأفلاطن الأول الطبيب وإبرقاط الزول ابن غنوسيديقوس، ولما ظهر مينس نظر في مقالات من تقدم، فإذا التجربة خطأ عنده، فضم إليها القياس، وقال لا يجب أن تكون تجربة بلا قياس لأنها تكون خطراً؛ ولما توفي خلف من التلاميذ أربعة وهم قطرطس، وأمينس، وسورانس، ومثيناوس القديم، ورأي هؤلاء القياس والتجربة، ولم يزل الطب ينتقل من هؤلاء التلاميذ إلى من علموه وخلفوه، إلى أن ظهر، برمانيدس وبرمانيدس هو الرابع من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم، وكانت مدة حياته أربعين سنة، منها صبي ومتعلم خمساً وعشرين سنة، وكامل معلِّم خمس عشرة سنة، وكان منذ وقت وفاة مينس، إلى ظهور برمانيدس سبعمائة وخمس عشرة سنة، وكان في هذه الفترة التي بين مينس وبرمانيدس من الأطباء المذكورين سمانس، وغوانس،و وأبيقورس، وأسطفانس، وأنيقولس وساوارس، وحوراطيمس، وفولوس، وسوانيديقوس، وساموس، ومثينانوس الثاني، وأفيطافلون، وسوناخس، وسويازيوس ومامالس.

ولما ظهر برمانيدس قال إن التجربة وحدها كانت أو مع القياس خطر، فأسقطها وأنتحل القياس وحده. ولما توفي خلف من التلاميذ ثلاثة نفر وهم ثاسلس، وأفرن، وديوفيلس، فوقع بينهم المنازعات والخلف وأنفصلوا ثلاث فرق، فادّعى أفرن التجربة وحدها، وادّعى ديوفيلس القياس وحده، وادعى ثاسلس الحيل، وذكر أن الطب إنما هو حيلة، ولم تزل هذه الحال بينهم إلى أن ظهر.

أفلاطن الطبيب
وأفلاطن الطبيب هو الخامس من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم وكانت مدة حياته ستين سنة، منها صبي ومتعلم أربعين سنة، وعالم علم عشرين سنة، وكان منذ وقت وفاة برمانيدس إلى ظهور أفلاطن سبعمائة وخمس وثلاثون سنة، وكان الأطباء المذكورون في هذه الفترة التي بين برمانيدس وأفلاطن الطبيب قد تقسموا ثلاثة أقسام أصحاب التجربة وهم أفرن الأقراغنطي، وبنتخلس، وأنقلس، وفيلنبس، وغافرطيمس، والحسدروس، وملسيس، وأصحاب الحيل وهم ماناخس، وماساوس، وغوريانس، وغرغوريس، وقونيس، وأصحاب القياس وهم أنكساغورس، وفولوطيمس، وماخاخس، وسقولوس، وسوفورس، ولما ظهر أفلاطن نظر في هذه المقالات وعلم أن التجربة وحدها رديئة وخطرة، والقياس وحده لا يصح، فانتحل الرأيين جميعاً، قال يحيى النحوي وأن أفلاطون أحرق الكتب التي ألفها ثاسلس وأصحابه ومن انتحل رأياً واحداً من التجربة والقياس، وترك الكتب القديمة، التي فيها الرأيان جميعاً، وأقول أن يحيى النحوي فيما ذكره من هذه الكتب، وأنها قد ألفت، فإن كان لها حقيقة فذلك ينافي قول من يرى أن صناعة الطب أول من دونها وأثبتها في الكتب أبقراط، إذ كان هؤلاء الذين قد ألفوا هذه الكتب من قبل أبقراط بمدة طويلة، ولما توفي أفلاطن خلف من تلاميذه من أولاده وأقربائه ستة وهم ميرونس وأفرده بالحكم على الأمراض؛ وفورونوس وأفرده بالتدبير للأبدان، وفوراس وأفرده بالفصد والكي؛ وثافرورس وأفرده بعلاج الجراحات؛ وسرجس وأفرده بعلاج العين، وفانيس وأفرده بجبر العظام المكسورة وإصلاح المخلوعة، ولم يزل الطب يجري أمره على سداد بين هؤلاء التلاميذ وبين من خلفوه إلى أن ظهر .

أسقليبيوس الثاني
وأسقليبيوس الثاني هو السادس من الأطباء المشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم، وكانت مدة حياته مائة وعشر سنين منها صبي ومتعلم خمس عشرة سنة، وعالم ومعلم خمساً وتسعين سنة، ومنها عطل خمس سنين، وكان منذ وقت وفاة أفلاطن وإلى ظهور أسقليبيوس الثاني ألف وأربعمائة وعشرون سنة، وكان في هذه الفترة التي بين أفلاطن وأسقليبيوس الثاني من الأطباء المذكورين ميلن الأقراغنطي، وثامسيطوس الطبيب، وأقذتينوس، وفرديقلوس، وأندروماخس القديم وهو أول من صنع الترياق وعاش أربعين سنة وإيراقليدس الأول وعاش ستين سنة، وفلاغورس وعاش خمساً وثلاثين سنة، وماخميس، ونسطس، وسيقورس، وغالوس، وما باطياس، وأيرقلس الطبيب وعاش مائة سنة، وماناطيس، وفيثاغورس الطبيب وعاش سبعين سنة، ومارينوس وعاش مائة سنة، ولما ظهر أسقليبيوس الثاني نظر في الآراء القديمة فوجد أن الذي يجب أن يعتقده هو رأي إفلاطن فانتحله، ثم توفي وخلف ثلاثة تلاميذ من أهل بيته، لا غريب فيهم ولا طبيب سواهم، وهم أبقراط ابن إيراقليدس، وماغارينس، وأرخس، ولم تمض عدة أشهر حتى توفي ماغارينس ولحقه أرخس، وبقي أبقراط وحيد دهره طبيباً كامل الفضائل تضرب به الأمثال، الطبيب الفيلسوف، إلى أن بلغ به الأمر إلى أن عبد وهو الذي قوى صناعة القياس والتجربة تقوية عظيمة عجيبة لا يتهيأ لطاعن أن يخلها ولا يهتكها، وعلم الغرباء الطب وجعلهم شبيهاً بأولاده لما خاف على الطب أن يفنى ويبيد من العالم، كما يتبين أمره في هذا الباب الذي يأتي.