الباب السادس: طبقات الأطباء الاسكندرانيين ومن كان في أزمنتهم من الأطباء النصارى وغيرهم

قال الختار بن حسن بن بطلان إن الأسكندرانيين الذين جمعوا كتب جالينوس الستة عشر وفسروها كانوا سبعة وهم إصطفن وجاسيوس وثاودوسيوس وأكيلاوس وأنقيلاوس وفلاذيوس ويحيى النحوي؛ وكانوا على مذهب المسيح وقيل أن أنقيلاوس الإسكندراني هو كان المقدم على سائر الاسكندرانيين، وأنه هو الذي رتب الكتب الستة عشر لجالينوس.

وقال وكان هؤلاء الإسكندرانيون يقتصرون على قراءة الكتب الستة عشر لجالينوس في موضع تعليم الطب بالاسكندرية، وكانوا يقرأونها على الترتيب، ويجتمعون في كل يوم على قراءة شيء منها وتفهمه، ثم صرفوها إلى الجمل والجوامع ليسهل حفظهم لها ومعرفتهم أياها، ثم انفرد كل واحد منهم بتفسير الستة عشر، أجود ما وجدت من ذلك تفسير جاسيوس للستة عشر، فإنه أبان فيها عن فضل ودارية.

وعمر من هؤلاء الاسكندرانيين يحيى النحوي الاسكندراني الأسكلاني حتى لحق أوائل الإسلام، قال محمد بن إسحاق النديم البغدادي في كتاب الفهرست أن يحيى النحوي كان تلميذ ساواري، قال وكان يحيى النحوي في أول أمره أسقفا في بعض الكنائس بمصر، ويعتقد مذهب النصارى اليعقوبية، ثم رجع عما يعتقده النصارى من التثليث، واجتمعت الإساقفة وناظرته فغلبهم، واستعطفته وآنسته وسألته الرجوع عما هو عليه وترك إظهاره، فأقام على ما كان عليه وأبى أن يرجع فأسقطوه، ولما فتحت مصر على يدي عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه دخل إليه وأكرمه ورأى له موضعاً.

ونقلت من تعاليق الشيخ أبي سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني قال كان يحيى النحوي في أيام عمرو بن العاص ودخل إليه، وقال إن يحيى النحوي كان نصرانياً بالاسكندرية وأنه قرأ على أميونيس، وقرأ أميونيس على برقلس، قال ويحيى النحوي يقول أنه أدرك برقلس وكان شيخاً كبيراً لا ينتفع به من الكبر.

وقال عبيد اللَّه بن جبرائيل في كتاب مناقب الأطباء بأن يحيى النحوي كان قوياً في علم النحو والمنطق والفلسفة وقد فسر كتباً كثيرة من الطبيات، ولقوته في الفلسفة أُلحق بالفلسفة، لأنه أحد الفلاسفة المذكورين في وقته، قال وسبب قوته في الفلسفة أنه كان في أول أمره ملاحاً يعبر الناس في سفينته، وكان يحب العلم كثيراً، فإذا عبر معه قوم من دار العلم والمدرّس الذي كان يدرس العلم في جزيرة الاسكندرية يتحاورون ما مضى لهم من النظر ويتفاوضونه، ويسمعه، فتهش نفسه للعلم، فلما قويت رويته في العلم فكر في أمره، وقال قد بلغت نيفاً وأربعين سنة من العمروما ارتضيت بشيء؛ وما عرفت غير صناعة الملاحة، فكيف يمكنني أن أتعرض إلى شيء من العلوم؟، فبينما هو مفكر إذ رأى نملة قد حملت نواة تمرة،، وهي تريد أن تصعد بها إلى علو، وكلما صعدت بها سقطت، فلم تزل تجاهد نفسها في طلوعها وهي في كل مرة يزيد ارتفاعها عن الأولى، فلم تزل نهارها وهو ينظر إليها، إلى أن بلغت غرضها وأطلتها إلى غايتها، فلما رآها يحيى النحوي قال لنفسه، إذا كان هذا الحيوان الضعيف قد بلغ غرضه بالمجاهدة فإنا أولى أن أبلغ غرضي بالمجاهدة، فخرج من وقته وباع سفينته، ولازم دار العلم وبدأ بعلم النحو واللغة والمنطق، فبرع في هذه الأمور وبرز ولأنه أول ما ابتدأ بالنحو فنسب إليه واشتهر به ووضع كتباً كثيرة منها تفاسير وغيرها، ووجدت في بعض تواريخ النصارى أن يحيى النحوي كان في المجمع الرابع الذي اجتمع في مدينة يقال لها خلكدونية، وكان في هذا المجمع ستمائة وثلاثون أسقفاً على أوتوشيوس - وهو يحيى النحوي وأصحابه - وأوتوشيوس تفسيره بالعربي أبو سعيد، وهذا أوتوشيوس كان طبيباً حكيماً، وأنهم لما أحرموه لم ينفوه كما نفوا المحرومين، وكان ذلك لحاجتهم إلى طبه، وتُرك في مدينة القسطنطينية ولم يزل مقيماً بها حتى مات مرقيان الملك،

وليحيى النحوي
هذا لقب آخر بالرومي يقال له فيلوبينوس أي المجتهد، وهو من جملة السبعة الحكماء المصنفين للجوامع الستة عشر وغيرها في مدينة الاسكندرية، وله مصنفات كثيرة في الطب وغيره وترك في مدينة القسطنطينية لعلمه وفضله وطبه، وقام بعد مرقيان الملك، أسطيريوس الملك، فاعتل هذا الملك علة شديدة صعبة، وذلك من بعد سنتين من حرم أوتوشيوس المذكور، فدخل على الملك وعالجه وبرأ من علته، فقال له الملك سلني كل حاجة لك؟ فقال له أوتوشيوس حاجتي إليك يا سيدي أن أسقف ذورلية وقع بيني وبينه شر شديد، وبغى علي، وقويّ عزم أفلابيانوس بطريرك القسطنطينية، وحمله على أن جمع لي سوندس، أي مجمع، وحرمني ظلماً وعدواناً، فحاجتي إليك يا سيد بأن تجمع لي جمعاً ينظرون في أمري، فقال له الملك أنا أفعل لك هذا إن شاء اللَّه تعالى، فأرسل الملك إلى ديسقوروس صاحب الاسكندرية، ويوانيس بطرك إنطاكية، فأمرهم أن يحضروا عنده فحضر ديسقوروس ومعه ثلاث عشر أسقفاً وأبطأ صاحب إنطاكية ولم يحضر، وأمر الملك لديسقوروس أن ينظر في أمر أوتوشيوس، وأن يحله من حرمه على أي الجهات كان، وقال له متوعداً إنك إن حللته من حرمه بررتك بكل بر، وأحسنت إليك غاية الإحسان، وإن لم تفعل ذلك قتلتك قتلاً رديئاً، فاختار لنفسه البر على القتل، فعمل له مجلساً هو وهؤلاء الثلاثة عشر أسقفاً ومن حضر معه أيضاً، فحسنوا قصته وحلوه من حرمه، وخرج أسقف ذورالية وأصحابه وانصرفوا من القسطنطينية وقد خالفوا رأي الكنيسة، وبهذا السبب كان تعصب ديسقوروس لأوتوشيوس المذكور، المعروف بيحيى النحوي، ومات مخالفاً لمذهب الروم المعروفين بالملكية، ومات وهو يعقوبي مخالف للروم المذكورين.

كتب يحيى النحوي وليحيى النحوي من الكتب تفسير كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس، تفسير كتاب أنالوطيقا الأولى لأرسطوطاليس، فسر منها إلى الأشكال الحملية، تفسير كتاب أنالوطقيا الثانية لأرسطوطاليس، تفسير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس، تفسير كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس، تفسير كتاب الكون والفساد لارسطوطاليس، تفسير كتاب مايال لارسطوطاليس، تفسير كتاب الفرق لجالينوس، تفسير كتاب الصناعة الصغير لجالينوس، تفسير كتاب النبض الصغير لجالينوس، تفسير كتاب اغلوقن لجالينوس، تفسير كتاب الاسطفسات لجالينوس، تفسير كتاب المزاج لجالينوس، تفسير كتاب القوى الطبيعية لجالينوس، تفسير كتاب التشريع الصغير لجالينوس، تفسير كتاب العلل والاعراض لجالينوس، تفسير كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة لجالينوس، تفسير كتاب النبض الكبير لجالينوس، تفسير كتاب الحميات لجاليوس، تفسير كتاب البُحران لجالينوس، تفسير أيام البحران لجالينوس، تفسير كتاب حيلة البرء لجالينوس، تفسير كتاب تدبير الأصحاء لجالينوس، تفسير كتاب منافع الأعضاء لجالينوس، جوامع كتاب الترياق لجالينوس، جوامع كتاب الفصد لجالينوس، كتاب الرد على برقلس، ثمان عشرة مقالة، كتاب في أن كل سم متناه فقوته متناهية، كتاب الرد على ارسطوطاليس ست مقالات، مقالة يرد فيها على نسطورس، كتاب يرد فيه على قوم لا يعرفون مقالتان، مقالة أخرى يرد فيها على قوم آخر، مقالة في النبض، نقضه للثمان عشرة مسألة لديد وخس برقلس الإفلاطوني، شرح كتاب إيساغوجي لفرفوريوس.

قال أبو الحسن علي بن رضوان في كتاب المنافع في كيفية تعليم صناعة الطب وإنما اقتصر الإسكندرانيون على الكتب الستة عشر من سائر كتب جالنوس في التعليم، ليكون المشتغل بها إن كانت له قريحة جيدة، وخمة حسنة، وحرص على التعليم، فإنه إذا نظر في هذه الكتب اشتاقت نفسه بما يرى فيها من عجيب حكمة جالينوس في الطب، إلى أن ينظر في باق بما يجد من كتبه، وكان ترتيبهم لهذه الكتب في سبع مراتب - أما المرتبة الأولى فإنهم جعلوها بمنزلة المدخل إلى صناعة الطب، فإن من تحصل له هذه المرتبة يمكنه أن يتعاطى أعمال الطب الجزئية، فإن كان ممن له فراغ ودواع تدعوه إلى التعليم والأزدياد تعلم ما بعدها، وإن لم يكن له ذلك لم يكد يخفى عليه منافعه في علاج للأمراض، وجميع ما في هذه المرتبة أربعة كتب أولها كتاب الفرق وهو مقالة واحدة، يستفاد منه قوانين العلاج على رأي أصحاب التجربة، وقوانينه أيضاً على رأي أصحاب القياس، إذ كان بالتجربة والقياس يستخرج الناس جميع ما في الصنائع وما اتفقا عليه فهو الحق، وما اختلفا فيه نُظر، فإن كان طريقه القياس عمل على قوانين القياس فيه، وإن كان طريقه التجربة عمل على قوانين التجربة فيه. والثاني كتاب الصناعة الصغيرة، مقالة واحدة، يستفاد منها جمل صناعة الطب كلها النظري منها، والعملي.

والثالث كتاب النبض الصغير، وهو أيضاً مقالة واحدة، يستفاد منه جميع ما يحتاج إليه المتعلم من الاستدلال بالنبض على ما ينتفع به في الأمراض.

والرابع الكتاب المسمى بإغلوقن وهو مقالتان،و ويستفاد منه كيفية التأني في شفاء الأمراض، ولأن من يتعاطى الأعمال الجزئية من الطب يضطر إلي معرفة قوى ما يحتاج إليه من الأغذية والأدوية، وإلى أن يباشر بنفسه أعمال اليد من صناعة الطب، لزمه أن ينظر فيما تدعوه إليه الحاجة من الكتب التي سماها جالينوس في آخر الصناعة الصغيرة، أو يتعلم ما يحتاج إليه من ذلك تلقيناً ومشاهدة، فصارت هذه الأربعة كتب التي في المرتبة الأولى مقنعة للمتعلم في تعليم صناعة الطب، فأما الكامل فإنه يتذكر بها جميع ما فهمه من الصناعة.

- فأما المرتبة الثانية فإنها أيضاً أربعة كتب الأول منها كتاب الأسطقسات، هو مقالة واحدة، يستفاد منه أن بدن الإنسان وجميع ما يحتاج إليه سريع التغير قابل للاستحالة، فمن ذلك اسطقسات البدن القريبة منه وهي الأعضاء المتشابهة الأجزاء - أعني العظام والأعصاب والشرايين والعروق والأغشية واللحم والشحم وغير ذلك؛ واسطقسات هذه الأعضاء الاخلاط - أعني الدم والصفراء والسوداء والبلغم؛ واستطقسات هذه الأخلاط النار والهواء والماء والأرض، فإن مبدأ التكون من هذه الأربعة، وأخذ الانحلال إليها، وإن هذه الاسطقسات قابلة للتغيير والاستحالة، وهذا الكتاب هو أول كتاب يصلح أن يبدأ به من أراد استكمال تعليم صناعة الطب.

والثاني كتاب المزاج وهو ثلاث مقالات، يستفاد منه معرفة أصناف المزاج، وبما يتقوم كل واحد منها؛ بما يستدل عليه إذا حدث؟ والثالث كتاب القوى الطبيعية، وهو أيضاً ثلاث مقالات، يستفاد منه معرفة القوى التي تدبر بها طبيعة البدن وأسبابها، والعلامات التي يستدل بها عليها.

والرابع كتاب التشريح الصغير، وهو خمس مقالات وضعها جالينوس متفرقة، وإنما الاسكندرانيون جمعوها وجعلوها كتاباً واحداً، يستفاد منه معرفة أعضاء البدن المتشابهة وعددها، وجميع ما يحتاج إليها فيها.

وهذه الكتب التي في هذه المرتبة الثانية يستفاد من جميعها الأمور الطبيعية للبدن، أعني التي قوامه بها، وإذا نظر فيها محب التعليم اشتاق أيضاً إلى النظر في كل ما يتعلق بطبيعة البدن، أما كتاب المزاج فيشوق إلى مقالته في خصب البدن، ومقالته في الهيئة الفاضلة، ومقالته في سوء المزاج المختلف وكتابه في الأدوية المفردة ونحو هذا، وأما كتاب القوى الطبيعية فيشوق إلى كتابه في المنى، وكتابه في منافع الأعضاء وسائر ما وضعه جالينوس في القوى والأرواح والأفعال، وأما كتاب التشريح الصغير فيشوق إلى كتابه في عمل التشريح ونحوه.

- وأما المرتبة الثالثة فكتاب واحد فقط فيه ست مقالات، وهو كتاب العلل والأعراض وجالينوس وضع مقالات هذا الكتاب متفرقة، وإنما الاسكندرانيون جمعوها وجعلوها في كتاب واحد، يستفاد منه معرفة الأمراض وأسبابها والإعراض الحادثة عن الأمراض.
وهذا باب عظيم الغناء في صناعة الطب، على رأي أصحاب القياس، وهو أصل عظيم، إذا وقف الإنسان على ما في هذا الكتاب وفهمه لم يخف عليه شيء من صناعة الطب أما المرتبة الرابعة فكتابان أحدهما كتاب تعرف علل الأعضاء الباطنة ست مقالات، يستفاد منه تعريف كل علة من العلل التي تحدث في الأعضاء الباطنة، فإن هذه الأعضاء لا تدرك أمراضها بالعيان لأنها خفية عن الحس، فيحتاج إلى أن يستدل عليها بعلامات تُقوَّم كل واحدة منها فإذا ظهرت العلامات المقومة تيقن أن العضو الفلاني علة كذا.

مثاله ذات الجنب ورم حار يحدث في الغشاء المستبطن للاضلاع، والعلامة التي تقومه ضيق النفس، والوجع الناخس والحمى والسعال، فإن هذه إذا اجتمعت عُلم أن في الغشاء المستبطن للاضلاع ورماً حاراً.

ولم يضع جالينوس كتاباً في تعرّف علل الأعضاء الظاهرة إذا كانت هذه العلل تقع تحت العيان فيكتفي في تعرفها نظرها بين يدي المعلمين عياناً فقط. والثاني كتاب النبض الكبير وهو ينقسم إلى أربعة أجزاء، كل جزء منه أربع مقالات، يستفاد من الجزء الأول منه معرفة أصناف النبض، وجزئيات كل صنف منها، ومن الثاني تعريف أدراك كل واحد من أصناف النبض، ومن الثالث تعريف أسباب النبض، ومن الرابع تعريف منافع أصناف النبض، وهذا باب عظيم النفع في الاستدلال على الأمراض ومعرفة قواها ونسبتها إلى قوة البدن، - وأما المرتبة الخامسة فثلاثة كتب الأول منها كتاب الحميات مقالتان، يستفاد منه معرفة طبائع أصناف الحميات، وما يستدل به على كل صنف منا.

والثاني كتاب البحران ثلاث مقالات، يستفاد منه معرفة أوقات المرض ليعطى في كل وقت منها ما يوافق فيه؛ ومعرفة ما يؤول إليه الحال في كل واحد من الأمراض، هل يؤول أمره إلى السلامة أو لا؟ وكيف يكون؟ وبماذا يكون؟ والثالث كتاب أيام البحران وهو أيضاً ثلاث مقالات، يستفاد منه معرفة أوقات البحران؛ ومعرفة الأيام التي يكون فيها، وأسباب ذلك وعلاماته.

- وأما المرتبة السادسة فكتاب واحد، وهو كتاب حيلة البرء أربع عشرة مقالة، يستفاد منه قوانين العلاج على رأي أصحاب القياس في كل واحد من الأمراض، وهذا الكتاب إذا نظر فيه الإنسان اضطره إلى أن ينظر في كتاب الأدوية المفردة، وفي كتب جالينوس في الأدوية المركبة - أعني قاطاجانس، والميامر، وكتاب المعجونات، ونحو هذه الكتب.

- وأما المرتبة السابعة فكتاب واحد، وهو كتاب تدبير الأصحاء ست مقالات، يستفاد منه حفظ صحة كل واحد من الأبدان وهذا الكتاب إذا نظر فيه الإنسان اضطره إلى أن ينظر في كتاب الأغذية، وفي كتابه في جودة الكيموس ورداءته، وفي كتابه في التدبير الملطف، وفي شرائط الرياضة، مثال ذلك ما في كتاب جالينوس في الرياضة بالكرة الصغيرة ونحو هذا.
فالكتب الستة عشر التي اقتصر الاسكندرانيون على تعليمها تدعو الناظر فيها إلى النظر في جميع كتب جالينوس التي استكمل بها صناعة الطب، مثال ذلك أن النظر في كتاب آلة الشم يتعلق بما في المرتبة الثانية، والنظر في كتابه في علل التنفس يتعلق أيضاً بهذه المرتبة، والنظر في كتاب في سوء التنفس وفي كتابه في منفعة التنفس، وكتابه في منفعة النبض وكتابه في حركة الصدر والرئة، وكتابه في الصوت، وكتابه في الحركات المعتاصة، وكتابه في أدوار الحميات، وكتابه في أوقات الأمراض، وغير ذلك من كتبه ومقالاته ورسائله، كل واحد منها له تعلق بواحدة من المراتب السبع، أو بأكثر من مرتبة واحدة تدعو الضرورة إلى النظر فيه، فإذا ما فعله الاسكندرانيون في ذلك حيلة حسنة في حث المشتغل بها على التبحر في صناعة الطب، وأن تؤديه العناية والاجتهاد إلى النظر في سائر كتب جالينوس.

وقال أبو الفرج بن هندو في كتاب مفتاح الطب أن هذه الكتب التي اتخذها الأسكندرانيون من كتب جالينوس وعملوا لها جوامع، وزعموا أنها تغني عن متون كتب جالينوس، وتكفي كلفة ما فيها من التوابع والفصول، قال أبو الخير بن الخمار، وهو أستاذ أبي الفرج بن هندو، أنا أظن أنهم قد قصروا فيما جمعوا من ذلك، لأنهم يعوزهم الكلام في الأغذية والأهوية والأدوية، قال والترتيب أيضاً قصروا فيه، لأن جالينوس بدأ من التشريح ثم صار إلى القوى والأفعال ثم إلى الاسطقسات، قال أبو الفرج وأنا أرى أن الاسكندرانيين إنما اقتصروا على الكتب الستة عشر، لا من حيث هي كافية في الطب وحاوية للغرض، بل من حيث افتقرت إلى المعلم واحتاجت إلى المفسر، ولمن يمكن أن يقف المتعلم على أسرارها والمعاني الغامضة فيها من غير مذاكرة ومطارحة، ومن دون مراجعة ومفاوضة. فأما الكتب التي ذكرها الاستاذ أبو الخير بن الخمار فالطبيب مضطر إلى معرفتها وأضافتها إلى الكتب التي عددناها، غير أنه يمكنه من نفسه الوقف على معانيها، واستنباط الأغراض منها بالقوة المستفادة من الستة عشر التي هي القوانيين لما سواها، والمراقي إلى ما عداها، فإن قلت فما حجة الاسكندرانيين في ترتيبهم لهذه الكتب؟ قلنا إنهم رتبوا بعضها بحسب استحقاقه في نفسه، بمنزلة كتاب الفرق، فإنه وجب تقديمه لتتنقى به نفس المتعلم من شكوك أصحاب التجربة والمحتالين ومغالطاتهم ويتحقق رأي أصحاب القياس فيقتدي بهم، وبمنزلة الصناعة الصغيرة، فإنها لما كانت فيها شرارة من صناعة الطب، كان الأولى أن يتبع بها كتاب الفرق ويجعل مدخلاً إلى الطب، ورتبوا بعضها بحسب ما توجبه إضافته إلى غيره بمنزلة الكتاب الصغير في النبض، فإنه جُعل تابعاً للصناعة الصغيرة، لأن جالينوس ذكر فيها النبض عند ذكره لمزاج القلب، ووجب أيضاً تقديمه على كتاب جالينوس إلى أغلوقن، لأنه تكلم في هذا الكتاب في الحميات والنبض وهو أول شيء يعرف منه أمر الحميات.

على أن الترتيب الذي ذكره الاستاذ أبو الخير أن جالينوس أشار إليه، وهو لعمري الترتيب الصناعي، وذلك أنه يجب على كل ذي صناعة أن يتدرج في تعليمها من أظهر إلى الأخفى؛ ومن الأخير إلى المبدأ، والتشريح هو علم البدن وأعضائه، وهذه هي أول ما يظهر لنا من الإنسان، وإن آخر ما تفعله الطبيعة، فإن الطبيعة تأخذ أولاً الاسطقسات، ثم تمزجها فيحصل منها الاخلاط؛ ثم تفعل القوى الأعضاء، فيجب أن يكون طريقنا في التعليم بالعكس من طريق الطبيعة في التكوين، ولكنا ندع هذا الاضطرار، ونرضى ترتيب الاسكندرانيين، لأن العلم حاصل على كل حال وخرق اجماع الحكماء معدود من الخرق، أقول وللاسكندرانيين أيضاً جوامع كثيرة في العلوم الحكمية والطب ولا سيما لكتب جالينوس، وشروحاتها لكتب أبقراط، فأما الأطباء المذكورون من النصارى وغيرهم ممن كان معاصراً هؤلاء الأطباء الاسكندرانيين، وقريباً من أزمنتهم فمنهم شمعون الراهب، المعروف بطيبويه، وأهرن لاقس صاحب الكناش، وألف كناشه بالسريانية، ونقله ماسرجيس إلى العربي، وهو ثلاثون مقالة، وزاد ما سرجيس مقالتين، ويوحنا بن سرابيون، وجميع ما ألف سرياني، وكان والده سرابيون طبيباً من أهل باجرمي، وخرج ولداه طبيبين فاضلين وهما يوحنا وداوود، وليوحنا بن سرابيون من الكتب كناش الكبير، اثنتا عشرة مقالة، كناش الصغير، وهو المشهور،؟ سبع مقالات، ونقله الحديثي الكاتب لأبي الحسن بن نفيس المتطبب في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، وهو أحسن عبارة من نقل الحسن بن البهلول الأواني الطبرهاني ونقله أيضاً أبو البشر متَّى.

ومنهم أنطيلس وبرطلاوس؛ وسندهشار؛ والقهلمان؛ وأبو جريج الراهب؛ وأوراس؛ وبوينوس البيروتي؛ وسيورخنا؛ وفلاغوسوس؛ عيسى بن قسطنطين ويكنى أبا موسى، وكان من جملة أفاضل الأطباء، وله من الكتب كتاب الأدوية المفردة، كتاب في البواسير وعللها وعلاجها؛ وأرس وسرجس الرأس عيني، وهو أول من نقل كتب اليونانين على ما قيل إلى لغة السريانيين، وكان فاضلاً وله مصنفات كثيرة في الطب والفلسفة؛ وأطنوس الآمدي صاحب الكناش المعروف ببقوقونا، غريغوريوس صاحب الكناش، وأكثر كتب هؤلاء موجودة وقد نقل الرازي كثيراً من كلامهم في كناشه الكبير الجامع المعروف بالحاوي.