الباب الثامن: سابور بن سهل وإسرائيل بن سهل

سابور بن سهل

كان ملازماً لبيمارستان جندي سابور ومعالجة المرضى به وكان فاضلاً عالماً بقوى الأدوية المفردة وتركيبها، وتقدم عند المتوكل وكان يرى له وكذلك عند من تولى بعده من الخلفاء، وتوفي في أيام المهتدي باللّه، وكانت وفاة سابور بن سهل في يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة سنة خمس وخمسين ومائتين، ولسابور بن سهل من الكتب كتاب الأقرا باذين الكبير المشهور، جعله سبعة عشر باباً وهو الذي كان من المعمول عليه في البيمارستان، ودكاكين الصيادلة وخصوصاً قبل ظهور الأقراباذين الذي ألفه أمين الدولة بن التلميذ، كتاب قوى الأطعمة ومضارها ومنافعها، كتاب الرد على حنين في كتابه في الفرق بين الغذاء والدواء المسهل، القول في النوم واليقظة، كتاب أبدال الأدوية.

إسرائيل بن سهل

كان متقدماً في صناعة الطب، حسن العلاج خبيراً بتركيب الأدوية، وله كتاب مشهور في الترياق وقد أجاد عمله وبالغ في تأليفه، موسى بن إسرائيل الكوفي متطبب إبراهيم بن المهدي، قال يوسف بن إبراهيم كان موسى هذا قليل العلم بالطب إذا قيس إلى من هو في دهره من مشايخ المتطببين، إلا أنه كان أملأ لمجلسه منهم بخصال اجتمعت فيه، منها فصاحة اللهجة، ومعرفة بالنجوم، وعلم بأيام الناس، ورواية الأشعار، وكان مولده فيما ذكر لي سنة تسع وعشرين ومائة ووفاته في سنة اثنتين وعشرين ومائتين، فكان أبو إسحاق يحتمله لهذه الخلال ولأنه كانطيب العشرة جداً يدخل في كل ما يدخل فيه منادمو الملوك، وكان قد خدم وهو حدث عيسى ابن موسى بن محمد ولي العهد، قال يوسف بن إبراهيم حدثني موسى بن إسرائيل قال كان لعيسى بن موسى متطبب يهودي يقال له فرات بن شحاثا، كان تياذوق المتطبب يقدمه على جميع تلامذته، وكان شيخاً كبيراً قد خدم الحجاج بن يوسف وهو حدث، قال وكان عيسى يشاور في كل أمر ينوبه هذا المتطبب، قال موسى، فلما عقد المنصور لعيسى على محاربة محمد بن عبد اللّه بن حسن العلوي وصار اللواء في داره قال للفرات ما تقول في هذا اللواء؟، قال له المتطبب أقول إنه لواء الشحناء بينك وبين أهلك إلى يوم القيامة، إلا أني أرى لك نقل أهلك من الكوفة إلى أي البلدات أحببت، فإن الكوفة بلد شيعة من تحارب، فإن فللت لم تكن لمن تخلف بها من أهلك بقيا، وإن فللت وأصحبت من تتوجه إليه زاد ذلك في أضغانهم عليك فإن سلمت منهم حياتك لم يسلم منهم عقبك بعد وفاتك، فقال له عيسى ويحك إن أمير المؤمنين غير مفارق للكوفة، فلم أنقل أهلي عنها وهي معه في دار؟ فقال له إن الفيصل في مخرجك، فإن كانت الحرب لك فالخليفة مقيم بالكوفة؛ وإن كانت الحرب عليك لم تكن الكوفة له بدار وسيهرب عنها، ويخلف حرمه فضلاً عن حرمك، قال موسى فحاول عيسى نقل عياله من الكوفة فلم يسوغه ذلك المنصور، قال ولما فتح اللّه على عيسى ورجع إلى الكوفة وقتل إبراهيم بن عبيد اللَّه انتقل المنصور إلى مدينة السلام، فقال له متطببه بادره بالانتقال معه إلى مدينته التي قد أحدثها، واستأذن المنصور في ذلك فأعلمه أنه لا سبيل إليه، وأنه قد درب استخلافه على الكوفة،، فأخبر بذلك عيسى متطببه، فقال له المتطبب استخلافه إياك على الكوفة قد حل لعقدك عن العهد لأنه لو دبر تمام الأمر لك لولاك خراسان بلد شيعتك، فأما أن يجعلك بالكوفة مع أعدائه وأعدائك، وقد قتلت محمد بن عبد اللَّه، فواللّه ما دبر فيك إلا قتلك وقتل عقبك، ومن المحال أن يوليك خراسان بعد الظاهر منه فيك، فسله توليتك الجزيرتين أو الشام، فاخرج إلى أي الولايتين ولاك فأوطنها، فقال له تكره لي ولاية الكوفة وأهلها من شيعة بني هاشم، وترغب لي في ولاية الشام أو الجزيرتين، وأهلها من شيعة بني أمية؟ فقال له المتطبب أهل الكوفة وإن وسموا أنفسهم بالتشيع لبني هاشم فلست وأهلك من بني هاشم الذين يتشيعون لهم، وإنما تشيعهم لبني أبي طالب وقد أصبحت من دمائهم ما قد أكسب أهل الكوفة بغضتك، وأحل لهم عند أنفسهم الاقتياد منك، وتشيع أهل الجزيرتين والشام ليس على طريق الديانة، وإنما ذلك على طريق إحسان بني أمية إليهم، وإن أنت أظهرت لهم مودة متى وليتهم فأحسنت إليهم كانوا لك شيعة، ويدلك على ذلك محاربتهم مع عبد اللَّه ابن علي على ما قد نال من دمائهم لما تألفهم، وتضمن لهم الإحسان إليهم، فهم إليه لسلامتك من دمائهم أميل، واستعفى عيسى من ولاية الكوفة وسأل تعويضه عنها، فأعلمه المنصور أن الكوفة دار الخلافة، وأنه لا يمكن أن تخلو من خليفة أو ولي عهد، ووعد عيسى أن يقيم بمدينة السلام سنة، وبالكوفة سنة، وأنه إذا صار إلى الكوفة صار عيسى إلى مدينة السلام، فأقام بها، قال موسى فلما طلب أهل خراسان عقد البيعة للمهدي قال لمتطببه ما تقول يا فرات، فقد دعيت إلى تقديم محمد بن أمير المؤمنين على نفسي؟ فقال له فتدفع بماذا أرى أن تسمع وتطيع اليوم، وبعد اليوم، فقال له وما بعد اليوم؟ قال إذا دعاك محمد بن أمير المؤمنين إلى خلع نفسك وتسليم الخلافة إلى بعض ولده أن تسارع، فليست عندك منعة ولا يمكنك مخالفة القوم في شيء يريدونه منك، قال موسى فمات المتطبب في خلافة المنصور، فلما دعى المهدي عيسى إلى خلع نفسه من ولاية العهدوتسليم الأمر إلى الهادي قال عيسى بن موسى قاتلك اللّه يا فرات ما كان أجود رأيك، وأعلمك بما تتفوه به، كأنك كنت شاهداً ليومنا هذا قال موسى بن إسرائيل، ولما رأيت فعل أبي السرايا بمنازل العباسيين قلت مثل ما قال عيسى بن موسى، وقال يوسف بن إبراهيم لما بلغه وهو بمصر ما ركب الطالبيون وأهل الكوفة من العباسيين، وقتل عبد اللَّه بن محمد بن داود مثل ما قال عيسى بن موسى وموسى المتطبب، قال يوسف وحدثني موسى بن إسرائيل المتطبب أن عيسى بن موسى شكا إلى فرات متطببه ما يصيبه من النعاس مع مسامريه، وأنه إن تعشَ معهم ثقلت معدته فنام وفاته السمر، وأصبح ومعه ثقلة تمنعه من الغداء، وإن لم يتعش معهم أضرت به الشهوة الكاذبة فقال له شكوت إلي مثل ما شكا الحجاج إلى أستاذي تياذوق، فوصف له شيئاً أراد به الخير فصار شراً، فقال له وما هو؟ قال وصف له العبث بالفستق، فذكر ذلك الحجاج لحظاياه فلم يبق له حظية إلا قشرت له جاماً من الفستق وبعثت به إليه، وجلس مع مسامريه فأقبل يستف الفستق سفاً فأصابته هيضة كادت تأتي على نفسه، فشكا ذلك إلى تياذوق، فقال إنما أمرتك أن تعبث بالفستق، وأردت بذلك الفستق الذي بقشريه جميعاً لتتولى أنت كسر الواحدة بعد الواحدة، ومص قشرها المصلح لمعدة مثلك من الشباب الممرورين، وإصلاح الكبد بما يتأدى إليها من طعم هذا الفستق، وذهبت إلى أنك إذا أكلت ما في الفستقة من الثمرة وحاولت كسر أخرى لم يتم لك كسرها إلا وقد أسرعت الطبيعة في هضم ما أكلت من ثمرة الفستقة التي قبلها، فأما ما فعلت فليس بعجيب أن ينالك معه أكثر مما أنت فيه، وإن كنت تأخذ أيها الأمير الفستق على ما رأى أستاذي أن يؤخذ انتفعت به، قال موسى فلزم عيسى بن موسى أخذ الفستق أكثر من عشرين سنة فكان يحمده.