ملك حسان بن تبان وقتله على يد أخيه عمرو

سبب قتله فلما ملك ابنه حسان بن تبان أسعد أبي كرب سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم ، حتى إذا كانوا ببعض أرض العراق - قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏بالبحرين فيما ذكر لي بعض أهل العلم - ‏‏كرهت حمير وقبائل اليمن المسير معه ، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهلهم، فكلموا أخا له يقال له عمرو ، وكان معه في جيشه ، فقالوا له‏‏‏:‏‏‏ اقتل أخاك حسان ونملكك علينا ، وترجع بنا إلى بلادنا ، فأجابهم ‏‏‏.‏‏‏ فاجتمعوا على ذلك إلا ذا رعين الحميري ، فإنه نهاه عن ذلك فلم يقبل منه، فقال ذو رعين ‏‏‏:‏‏‏

ألا من يشتري سهرا بنوم

 

سعيد من يبيت قرير عـين

فإما حمير غدرت وخانت

 

فمعذرة الإله لـذي رعـين

ثم كتبهما في رقعة ، وختم عليها ، ثم أتى بها عَمْرا ، فقال له ‏‏‏:‏‏‏ ضع لي هذا الكتاب عندك ، ففعل ، ثم قتل عمرو أخاه حسان ، ورجع بمن معه إلى اليمن ؛ فقال رجل من حمير ‏‏‏:‏‏‏

لاه عينا الذي رأى مثل حسا

 

ن قتيلا في سالف الأحقـاب ‏‏

قتلته مقأول خشية الحبـس

 

غداة قالوا ‏‏‏:‏‏‏ لـبـاب لـبـاب

ميتكم خـيرنـا وحـيكـم

 

رب علينا وكلكـم أربـابـي

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وقوله لباب لباب ‏‏‏:‏‏‏ لا بأس لا بأس ، بلغة حمير ‏‏‏.‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ويروى ‏‏‏:‏‏‏ لباب لباب‏‏‏.‏‏‏  هلاك عمرو وتفرق حمير

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فلما نزل عمرو بن تبان اليمن منع منه النوم ، وسلط عليه السهر ، فلما جهده ذلك سأل الأطباء والحزاة من الكهان والعرافين عما به ؛ فقال له قائل منهم ‏‏‏:‏‏‏ إنه والله ما قتل رجل قط أخاه ، أو ذا رَحمه بغيا على مثل ما قتلت أخاك عليه ، إلا ذهب نومه ، وسلط عليه السهر‏‏‏.‏‏‏ فلما قيل له ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه حسان من أشراف اليمن ، حتى خلص إلى ذي رعين ، فقال له ذو رعين ‏‏‏:‏‏‏ إن لي عندك براءة؛ فقال ‏‏‏:‏‏‏ وما هي ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ الكتاب الذي دفعت إليك ؛ فأخرجه فإذا البيتان ، فتركه ورأى أنه قد نصحه ‏‏‏.‏‏‏ وهلك عمرو ، فمرج أمر حمير عند ذلك وتفرقوا ‏‏‏.‏

خبر لخنيعة وذي نواس

تولية الملك ، و شئ من سيرته ، ثم قتله

فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة ، يقال له لخنيعة ينوف ذو شناتر ، فقتل خيارهم، وعبث ببيوت أهل المملكة منهم ؛ فقال قائل من حمير للخنيعة ‏‏‏:‏‏‏

تقتل أبناها وتنفي سراتـهـا

 

وتبني بأيديها لها الذل حـمـير

تدمر دنياها بطيش حلومهـا

 

وما ضيعت من دينها فهو أكثـر

كذاك القرون قبل ذاك بظلمها

 

وإسرافها تأتي الشرور فتخسـر

فسوق لخنيعة وكان لخنيعة امرأ فاسقا يعمل عمل قوم لوط ، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك ، فيقع عليه في مشربة له قد صنعها لذلك ، لئلا يملك بعد ذلك ، ثم يطلع من مشربته تلك إلى حرسه ومن حضر من جنده ، قد أخذ مسواكا فجعله في فيه ، أي ليعلمهم أنه قد فرغ منه ‏‏‏.‏‏‏ حتى بعث إلى زرعة ذي نواس بن تبان أسعد أخي حسان ، وكان صبيا صغيرا حين قتل حسان ، ثم شب غلاما جميلا وسيما ، ذا هيئة وعقل ؛ فلما أتاه رسوله عرف ما يريد منه ، فأخذ سكينا حديدا لطيفا ، فخبأه بين قدمه ونعله ، ثم أتاه ؛ فلما خلا معه وثب إليه ، فواثبه ذو نواس فوجأه حتى قتله ، ثم حز رأسه ، فوضعه في الكوة التي كان يشرف منها ، ووضع مسواكه في فيه ، ثم خرج على الناس ، فقالوا له ‏‏‏:‏‏‏ ذا نواس ، أرطب أم يباس ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ سل نخماس استرطبان ذو نواس ‏‏‏.‏‏‏ استرطبان لا باس - قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏هذا كلام حمير ‏‏‏.‏‏‏ ونخماس ‏‏‏:‏‏‏ الرأس - فنظروا إلى الكوة فإذا رأس لخنيعة مقطوع ، فخرجوا في إثر ذي نواس حتى أدركوه ، فقالوا ‏‏‏:‏‏‏ ما ينبغي أن يملكنا غيرك ‏‏‏:‏‏‏ إذ أرحتنا من هذا الخبيث ‏‏‏.‏‏‏

ملك ذي نواس

فملكوه ، واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن ، فكان آخر ملوك حمير ، وهو صاحب الأخدود ، وتسمى يوسف ، فأقام في ملكه زمانا ‏‏‏.‏‏‏

سبب وجود النصرانية بنجران

وبنجران بقايا من أهل دين عيسى بن مريم عليه السلام على الإنجيل ، أهل فضل ، واستقامة من أهل دينهم ، لهم رأس يقال له عبدالله بن الثامر ، وكان موقع أصل ذلك الدين بنجران ، وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان ، وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها ، وذلك أن رجلا من بقايا أهل ذلك الدين يقال له فيميون - وقع بين أظهرهم، فحملهم عليه ، فدانوا به ‏‏‏.‏‏‏

ابتداء وقوع النصرانية بنجران

فيميون و صالح و نشر النصرانية بنجران قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ حدثني المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم ‏‏‏:‏‏‏ أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى بن مريم يقال له فيميون ، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا ، مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بين القرى ، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها ، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه ، وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد ، فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا ، وخرج إلى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي ‏‏‏.‏‏‏قال ‏‏‏:‏‏‏ وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا ، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح ، فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله ، فكان يتبعه حيث ذهب ، ولا يفطن له فيميون ‏‏‏:‏‏‏ حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض ، كما كان يصنع ، وقد اتبعه صالح ، وفيميون لا يدري ، فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه ، لا يحب أن يعلم بمكانه ، وقام فيميون يصلى ، فبينما هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين - الحية ذات الرءوس السبعة - فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ، ورآها صالح ولم يدر ما أصابها ، فخافها عليه ، فَعِيلَ عَوْلُهُ ، فصرخ يا فيميون ، التنين قد أقبل نحوك ؛ فلم يلتفت إليه ، وأقبل على صلاته حتى فرغ منها ، وأمسى فانصرف ‏‏‏.‏‏‏ وعَرف أنه قد عُرف ، وعرف صالح أنه قد رأى مكانه ؛ فقال له ‏‏‏:‏‏‏ يا فيميون ‏‏‏:‏‏‏ تعلم والله أني ما أحببت شيئا قط حبك ، وقد أردت صحبتك ، والكينونة معك حيث كنت ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ ما شئت ، أمرى كما ترى ، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح ‏‏‏.‏‏‏ وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه ، وكان إذا فاجأه العبد به الضر دعا له فشفي ، وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته ؛ وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير ، فسأل عن شأن فيميون فقيل له ‏‏‏:‏‏‏ إنه لا يأتي أحدا دعاه ، ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر ‏‏‏.‏‏‏ فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا ، ثم جاءه فقال له ‏‏‏:‏‏‏ يا فيميون ، إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا ، فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه ، فأشارطك عليه ‏‏‏.‏‏‏ فانطلق معه ، حتى دخل حجرته ، ثم قال له ‏‏‏:‏‏‏ ما تريد أن تعمل في بيتك هذا ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ كذا وكذا ؛ ثم انتشط الرجل الثوب عن الصبي ، ثم قال له ‏‏‏:‏‏‏ يا فيميون ، عبد من عباد الله أصابه ما ترى ، فادع الله له ‏‏‏.‏‏‏ فدعا له فيميون ، فقام الصبي ليس به بأس ‏‏‏.‏‏‏ وعرف فيميون أنه قد عرف ، فخرج من القرية واتبعه صالح ، فبينما هو يمشي في بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة ، فناداه منها رجل ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ يا فيميون ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ نعم ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ ما زلت أنظرك وأقول متى هو جاء ، حتى سمعت صوتك ، فعرفت أنك هو ، لا تبرح حتى تقوم علي ، فإني ميت الآن ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ فمات وقام عليه حتى واراه ، ثم انصرف ، وتبعه صالح ، حتى وطئا بعض أرض العرب ، فعدوا عليهما‏‏‏.‏‏‏ فاختطفتهما سيارة من بعض العرب ، فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وأهل نجران يومئذ على دين العرب ، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم ، لها عيد في كل سنة ، إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه ، وحليّ النساء ، ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوما ‏‏‏.‏‏‏ فابتاع فيميون رجل من أشرافهم ، وابتاع صالحا آخر ‏‏‏.‏‏‏ فكان فيميون إذا قام من الليل يتهجد في بيت له - أسكنه إياه سيده - يصلي ، استسرج له البيتُ نورا حتى يصبح من غير مصباح ؛ فرأى ذلك سيده ، فأعجبه ما يرى منه ، فسأله عن دينه ، فأخبره به ، وقال له فيميون ‏‏‏:‏‏‏ إنما أنتم في باطل ، إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع ، ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها ، وهو الله وحده لا شريك له ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ فقال له سيده ‏‏‏:‏‏‏ فافعل ، فإنك إن فعلت دخلنا في دينك ، وتركنا ما نحن عليه ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ فقام فيميون ، فتطهر وصلى ركعتين ، ثم دعا الله عليها، فأرسل الله عليها ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها ، فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه ، فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم عليه السلام ، ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض ، فمن هنالك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب ‏‏‏.‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فهذا حديث وهب بن منبه عن أهل نجران ‏‏‏.‏‏‏ ‏‏‏‏

خبر عبدالله بن الثامر ، و قصة أصحاب الأخدود
فيميون و عبدالله بن الثامر واسم الله الأعظم

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي، وحدثني أيضا بعض أهل نجران عن أهلها ‏‏‏:‏‏‏  أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان ، وكان في قرية من قراها قريبا من نجران - ونجران ‏‏‏:‏‏‏ القرية العظمى التي إليها جماع أهل تلك البلاد - ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر ، فلما نزلها فيميون - ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به وهب بن منبه ، قالوا ‏‏‏:‏‏‏ رجل نزلها - ابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي بها الساحر ، فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر فبعث إليه الثامر ابنه عبدالله بن الثامر ، مع غلمان أهل نجران فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى منه من صلاته وعبادته ، فجعل يجلس إليه ، ويسمع منه ، حتى أسلم ، فوحد الله وعبده ، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام ، حتى إذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم ، وكان يعلمه ، فكتمه إياه ، وقال له‏‏‏:‏‏‏ يا ابن أخي ، إنك لن تحمله ، أخشى عليك ضعفك عنه ، والثامر أبو عبدالله لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان ، فلما رأى عبدالله أن صاحبه قد ضن به عنه ، وتخوف ضعفه فيه ، عمد إلى قداح فجمعها ، ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه في قدح ، و لكل اسم قدح ، حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ، ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه ، فوثب القدح حتى خرج منها لم تضره شيئا ، فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره بأنه قد علم الاسم الذي كتمه ؛ فقال ‏‏‏:‏‏‏ وما هو ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ هو كذا وكذا ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ وكيف علمته ‏‏‏؟‏‏‏ فأخبره بما صنع ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ أَيِ ابنَ ‏‏أخي ، قد أصبته فأمسك على نفسك وما أظن أن تفعل ‏‏‏.‏‏‏

عبدالله بن الثامر يدعو إلى التوحيد

فجعل عبدالله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال يا عبدالله ، أتوحد الله وتدخل في ديني وأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء‏‏‏؟‏‏‏ فيقول ‏‏‏:‏‏‏ نعم ؛ فيوحد الله ويسلم ، ويدعو له فيشفى ‏‏‏.‏‏‏ حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه الله فاتبعه على أمره ، ودعا له فعوفي حتى رفع شأنه إلى ملك نجران ، فدعاه فقال له ‏‏‏:‏‏‏ أفسدت علي أهل قريتي ، وخالفت ديني ودين أبائي ، لأمثلن بك ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ لا تقدر على ذلك ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ليس به بأس ؛ وجعل يبعث به إلى مياه بنجران ، بحُور لا يقع فيها شيء إلا هلك ، فيلقى فيها ‏‏فيخرج ليس به بأس ‏‏‏.‏‏‏ فلما غلبه قال له عبدالله بن الثامر ‏‏‏:‏‏‏ إنك والله لن تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به ، فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي فقتلتني ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ فوحد الله تعالى ذلك الملك ، وشهد شهادة عبدالله بن الثامر ، ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة ، فقتله ، ثم هلك الملك مكانه؛ واستجمع أهل نجران على دين عبدالله بن الثامر ، وكان على ما جاء به عيسى بن مريم من الإنجيل وحكمه ، ثم أصابهم مثل ما أصاب أهل دينهم من الأحداث ، فمن هنالك كان أصل النصرانية بنجران ، والله أعلم بذلك‏‏‏.‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فهذا حديث محمد بن كعب القرظي ، وبعض أهل نجران عن عبدالله بن الثامر ، والله أعلم أي ذلك كان ‏‏‏.‏‏‏

ذو نواس يدعو أهل نجران إلى اليهودية

فسار إليهم ذو نواس بجنوده ، فدعاهم إلى اليهودية ، وخيرهم بين ذلك والقتل ، فاختاروا القتل ، فخد لهم الأخدود ، فحرق من حرق بالنار ، وقتل من قتل بالسيف ومثل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا ، ففي ذي نواس وجنده تلك أنزل الله تعالى على رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏ {(‏‏‏ قتل أصحاب الأخدود ، النار ذات الوقود ، إذ هم عليها قعود ، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ‏‏‏)} ‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏

 
تفسير الأخدود

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏الأخدود ‏‏‏:‏‏‏ الحفر المستطيل في الأرض ، كالخندق والجدول ونحوه ، وجمعه أخاديد ‏‏‏.‏‏‏ قال ذو الرمة ، واسمه غيلان بن عقبة ، أحد بني عدي بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ‏‏‏:‏‏‏

من العراقية اللاتي يحيل لها

 

بين الفلاة وبين النخل أخـدود

يعني جدولا ‏‏‏.‏‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ ويقال لأثر السيف والسكين في الجلد وأثر السوط ونحوه ‏‏‏:‏‏‏ أخدود ، وجمعه أخاديد ‏‏‏.‏‏‏
نهاية عبدالله بن الثامر

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ ويقال ‏‏‏:‏‏‏ كان فيمن قتل ذو نواس عبدالله بن الثامر ، رأسهم وإمامهم ‏‏‏.‏‏‏

ما يروى عن ابن الثامر في قبره

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث ‏‏‏:‏‏‏ أن رجلا من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته ، فوجدوا عبدالله بن الثامر تحت دفن منها قاعدا ، واضعا يده على ضربة في رأسه ، ممسكا عليها بيده ، فإن أخرت يده عنها تنبعث دما ، وإذا أرسلت يده ردها عليها ، فأمسكت دمها ، وفي يده خاتم مكتوب فيه ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ ربي الله ‏‏‏)‏‏‏ فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبر بأمره ، فكتب إليهم عمر رضي الله عنه ‏‏‏:‏‏‏ أن أقروه على حاله ، وردوا عليه الدفن الذي كان عليه ، ففعلوا ‏‏‏.‏‏‏ ‏‏

أمر دوس ذي ثعلبان ، و ابتداء ملك الحبشة ، و ذكر أرياط المستولي على اليمن

فرار دوس ذي ثعلبان من ذي نواس واستنجاده بقيصر

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وأفلت منهم رجل من سبأ ، يقال له ‏‏‏:‏‏‏ دوس ذو ثعلبان ، على فرس له ، فسلك الرمل فأعجزهم ؛ فمضى على وجهه ذلك، حتى أتى قيصر ملك الروم ، فاستنصره على ذي نواس وجنوده ، وأخبره بما بلغ منهم ؛ فقال له ‏‏‏:‏‏‏ بعدت بلادك منا ، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين، وهو أقرب إلى بلادك ، وكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره ‏‏‏.‏‏‏

النجاشي ينصر دوسا

فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر ، فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة ، وأمر عليهم رجلا منهم يقال له أرياط ، ومعه في جنده أبرهة الأشرم ؛ فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ، ومعه دوس ذو ثعلبان ‏‏‏.‏‏‏

نهاية ذي نواس

وسار إليه ذو نواس في حمير ، ومن أطاعه من قبائل اليمن ؛ فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه ‏‏‏.‏‏‏ فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ، ثم ضربه فدخل به ، فخاض به ضحضاح البحر ، حتى أفضى به إلى غمره ، فأدخله فيه ، وكان آخر العهد به ‏‏‏.‏‏‏ ودخل أرياط اليمن ، فملكها ‏‏‏.‏‏‏ شعر في دوس و ما كان منه فقال رجل من أهل اليمن - وهو يذكر ما ساق إليهم دوس من أمر الحبشة ‏‏‏:‏‏‏ لا كدوس ولا كأعلاق رحله فهي مثل باليمن إلى هذا اليوم ‏‏‏.‏‏‏

قول ذي جدن الحميري في هذه القصة

وقال ذو جدن الحميري ‏‏‏:‏‏‏

هونكِ ليس يرد الدمع ما فاتا

 

لا تهلكي أسفا في إثر من ماتا

أبعد بينون لا عين ولا أثـر

 

وبعد سلحين يبني الناس أبياتـا

بينون وسلحين وغمدان ‏‏‏:‏‏‏ من حصون اليمن التي هدمها أرياط ‏‏‏.‏‏‏ ولم يكن في الناس مثلها ‏‏‏.‏‏‏ وقال ذو جدن أيضا ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏

دعيني لا أبا لك لن تُطـيقـي

 

لحاك الله قد أنـزفـت ريقـي

لدى عزف القيان إذ انتشينـا

 

وإذ نُسقى من الخمر الـرحـيق

وشرب الخمر ليس علي عارا

 

إذا لم يشكني فـيهـا رفـيقـي

فإن المـوت لا ينـهـاه نـاه

 

ولو شرب الشفاء مع النـشـوق

ولا مترهب في أسـطـوان

 

يناطح جُـدْره بـيض الأنـوق

وغمدان الذي حدثت عـنـه

 

بنوه مُسَمَّكـا فـي رأس نِـيق

ِبمَنْهَمَةٍ وأسـفـلـه جـرون

 

وحر الموحل اللثـق الـزلـيق ‏‏

مصابيح السليط تلـوح فـيه

 

إذا يمسي كتومـاض الـبـروق

ونخلته التي غُـرسـت إلـيه

 

يكاد البسر يهصر بـالـعـذوق

فأصبح بعد جـدتـه رمـادا

 

وغيرَّ حسنه لهـب الـحـريق

وأسلم ذو نواس مستـكـينـا

 

وحذر قومه ضنك الـمـضـيق

قول ربيعة ابن الذئبة الثقفي في هذه القصة وقال عبدالله ابن الذئبة الثقفي في ذلك ‏‏‏.‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏الذئبة أمه ، واسمه ربيعة بن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي‏‏‏:‏‏‏  

لعمرك ما للفتى من مفر

 

مع الموت يلحقه والكـبـرْ

لعمرك ما للفتى صُحرة

 

لعمرك ما إنْ له مـن وزرْ

أبعد قبائل من حـمـير

 

أُبيدوا صباحا بذات العـبـر

بألفِ ألـوفٍ وحُـرَّابة

 

كمثل السماء قبيل المطـر

يُصم صياحهم المقربات

 

وينفون من قاتلوا بالـذفـر

سَعَاِليَ مثل عديد الترا ب

 

تيبس منهم رطاب الشجـر

قول عمرو بن معدي كرب الزبيدي في هذه القصة وقال عمرو بن معدي كرب الزبيدي في شيء كان بينه وبين قيس بن مكشوح المرادي ، فبلغه أنه يتوعده ، فقال يذكر حمير وعزها ، وما زال من ملكها عنها ‏‏‏:‏‏‏

أتوعدني كأنك ذو رعين

 

بأفضل عيشة ، أو ذو نُواسِ

وكائن كان قبلك من نعيم

 

وملك ثابت في الناس راسي

قديم عهده من عهد عـاد

 

عظيم قاهر الجبروت قاسي

فأمسى أهله بادوا وأمسى

 

يحول من أناس في أنـاس

نسب زبيد ومراد

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏زبيد بن سلمة بن مازن بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ، ويقال ‏‏‏:‏‏‏ زبيد بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة ، ويقال ‏‏‏:‏‏‏ زبيد بن صعب بن سعد ‏‏‏.‏‏‏ ومراد ‏‏‏:‏‏‏ يحابر بن مذحج ‏‏‏.‏‏‏ لماذا قال عمرو بن معدي كرب هذا الشعر ‏‏‏؟‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏وحدثني أبو عبيدة ، قال ‏‏‏:‏‏‏ كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سلمان بن ربيعة الباهلي ، و باهلةبن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان ، وهو بأرمينية يأمره أن يفضل أصحاب الخيل العراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء ؛ فعرض الخيل، فمر به فرس عمرو بن معدي كرب ؛ فقال له سلمان ‏‏‏:‏‏‏ فرسك هذا مقرف ؛ فغضب عمرو ، وقال‏‏‏:‏‏‏ هجين عرف هجينا مثله ؛ فوثب إليه قيس فتوعده ؛ فقال عمرو هذه الأبيات ‏‏‏.‏‏‏

تصديق قول شق وسطيح

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏فهذا الذي عنى سطيح الكاهن بقوله ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ ليهبطن أرضكم الحبش ، فليملكن ما بين أبين إلى جرش ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ والذي عنى شق الكاهن بقوله‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان ، و ليملكن ما بين أبين إلى نجران ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ ‏‏ غلب أبرهة الأشرم على أمر اليمن ، و قتل أرياط

ما كان بين أرياط و أبرهة
قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ، ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي - و كان في جنده - حتى تفرقت الحبشة عليهما ‏‏‏.‏‏‏ فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم، ثم سار أحدهما إلى الآخر ، فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط ‏‏‏:‏‏‏ إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا فابرز إلي وأبرز إليك ، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده ‏‏‏.‏‏‏ فأرسل إليه أرياط ‏‏‏:‏‏‏ أنصفت فخرج إليه أبرهة ، وكان رجلا قصيرا لحيما حادرا وكان ذا دين في النصرانية ؛ وخرج إليه أرياط ، وكان رجلا جميلا عظيما طويلا ، وفي يده حربة له ‏‏‏.‏‏‏ وخلف أبرهة غلام له ، يقال له عتودة، يمنع ظهره ‏‏‏.‏‏‏ فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة ، يريد يافوخه ، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته ، فبذلك سمي أبرهة الأشرم ، وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله ، وانصرف جند أرياط إلى أبرهة ، فاجتمعت عليه الحبشة باليمن ، و وَدَى أبرهة أرياط ‏‏‏.‏‏‏ غضب النجاشي على أبرهة لقتله أرياط ثم رضاؤه عنه فلما بلغ النجاشي غضب غضبا شديدا وقال ‏‏‏:‏‏‏ عدا على أميري فقتله بغير أمري ، ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ، ويجز ناصيته ‏‏‏.‏‏‏ فحلق أبرهة رأسه وملأ جرأبا من تراب اليمن ، ثم بعث به إلى النجاشي ، ثم كتب إليه ‏‏‏:‏‏‏ أيها الملك ‏‏‏:‏‏‏ إنما كان أرياط عبدك ، وأنا عبدك ، فاختلفنا في أمرك ،‏‏ وكلٌّ طاعته لك ، إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه ؛ وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك ، وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ، ليضعه تحت قدميه ، فيبر قسمه فيّ ‏‏‏.‏‏‏ فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه ، وكتب إليه ‏‏‏:‏‏‏ أنِ اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري ‏‏‏.‏‏‏ فأقام أبرهة باليمن ‏‏‏.‏‏‏أمر الفيل ، و قصة النسأة
بناء القليس أو كنيسة أبرهة

ثم إن أبرهة بنى القُلَّيْس بصنعاء ، فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ، ثم كتب إلى النجاشي ‏‏‏:‏‏‏ إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي ، غضب رجل من النسأة ، أحد بني فُقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ‏‏‏.‏‏‏ ‏‏ معنى النسأة والنسأة ‏‏‏:‏‏‏ الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية ، فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ، ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏ {(‏‏‏ إنما النسيء زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ‏‏‏)} ‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ المواطأة لغة قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ليواطئوا ‏‏‏:‏‏‏ ليوافقوا ‏‏‏:‏‏‏ والمواطأة ‏‏‏:‏‏‏ الموافقة ، تقول العرب ‏‏‏:‏‏‏ واطأتك على هذا الأمر ، أي وافقتك عليه ‏‏‏.‏‏‏ والإيطاء في الشعر الموافقة ، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد ، وجنس واحد ، نحو قول العجَّاج - واسم العجاج عبدالله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار - ‏‏‏:‏‏‏

في أُثعبان المَنْجَنونَ المرسلِ

 

 

ثم قال ‏‏‏:‏‏‏ مد الخليج في الخليج المرسل وهذان البيتان في أرجوزة له ‏‏‏.‏‏‏ أول من ابتدع النسيء قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وكان أول من نسأ الشهور علىالعرب ، فأحلت منها ما أحل ، وحرمت منها ما حرم القَلَمَّس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة ‏‏‏.‏‏‏ ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد بن حذيفة ، ثم قام بعد عباد ‏‏‏:‏‏‏ قلع بن عباد ، ثم قام بعد قلع ‏‏‏:‏‏‏ أمية بن قلع ، ثم قام بعد أمية ‏‏‏:‏‏‏ عوف بن أمية ، ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وكان آخرهم ، وعليه قام الإسلام ، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه ، فحرم الأشهر الحرم الأربعة ‏‏‏:‏‏‏ رجبا ، وذا القعدة ، وذا الحجة ، والمحرم ‏‏‏.‏‏‏ فإذا أراد أن يحل منها شيئا أحل المحرم فأحلوه ، وحرم مكانه صفر فحرموه ، ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم ‏‏‏.‏‏‏ فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال ‏‏‏:‏‏‏ اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين ، الصفر الأول ، ونسأت الآخر للعام المقبل ، فقال في ذلك عمير بن قيس جذل الطعان أحد بني فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة ، يفخر بالنسأة على العرب ‏‏‏:‏‏‏

‏‏ لقد علمت معد أن قومي

 

كرام الناس أن لهم كرامـا

فأي الناس فاتونا بـوتـر

 

وأي الناس لم نعلك لجامـا

ألسنا الناسئين على معـد

 

شهور الحل نجعلها حراما ‏‏‏؟‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ أول الأشهر الحرم المحرم ‏‏‏.‏‏‏ الكناني يحدث في القليس ، و حملة أبرهة على الكعبة قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها - قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏يعني أحدث فيها - قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ ثم خرج فلحق بأرضه ، فأخبر بذلك أبرهة فقال ‏‏‏:‏‏‏ من صنع هذا ‏‏‏؟‏‏‏ فقيل له ‏‏‏:‏‏‏ صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ أصرف إليها حج العرب ‏‏‏)‏‏‏ غضب فجاء فقعد فيها ، أي أنها ليست لذلك بأهل ‏‏‏.‏‏‏

خروج أبرهة لهدم الكعبة
فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج معه بالفيل ؛ وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة ، بيت الله الحرام ‏‏‏.‏‏‏أشراف اليمن يدافعون عن البيت

فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ‏‏‏:‏‏‏ ذو نفر ، فدعا قومه ، ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة ، وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من هدمه وإخرابه ؛ فأجابه إلى ذلك من أجابه ، ثم عرض له فقاتله ، فهزم ذو نفر وأصحابه ، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر ‏‏‏:‏‏‏ أيها الملك ، لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ؛ فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما ‏‏‏.‏‏‏

خثعم تجاهد أبرهة

ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قَبِيْلَيْ خثعم ‏‏‏:‏‏‏ شهران وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة ، وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتي به ، فلما هم بقتله قال له نفيل ‏‏‏:‏‏‏ أيها الملك ، لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلَيْ خثعم ‏‏‏:‏‏‏ شهران وناهس بالسمع والطاعة ، فخلى سبيله ‏‏‏.‏‏‏

ابن معتب و أبرهة

وخرج به معه يدله ، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف ‏‏‏.‏‏‏

نسب ثقيف و شعر ابن الصلت في ذلك

واسم ثقيف ‏‏‏:‏‏‏ قسي بن النبيت بن منبه بن منصور‏‏ بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان ‏‏‏.‏‏‏ قال أمية بن أبي الصلت الثقفي ‏‏‏:‏‏‏

قومي إياد لو أنهم أمـم

 

أو لو أقاموا فتهزل النعـم

قوم لهم ساحة العراق إذا

 

ساروا جميعا والقط والقلـم

وقال أمية بن أبي الصلت أيضا ‏‏‏:‏‏‏

فإما تسألي عني لُبينى

 

وعن نسبي أخبرك اليقينا

فإنا للنبيت أبي قسـي

 

لمنصور بن يقدم الأقدمينا

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ثقيف ‏‏‏:‏‏‏ قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ‏‏‏.‏‏‏ والبيتان الأولان والآخران في قصيدتين لأمية ‏‏‏.‏‏‏

ثقيف تهادن أبرهة

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فقالوا له ‏‏‏:‏‏‏ أيها الملك ، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة ، ونحن نبعث معك من يدلك عليه ، فتجاوز عنهم ‏‏‏.‏‏‏

اللات

واللات ‏‏‏:‏‏‏ بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة ‏‏‏.‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفهري ‏‏‏:‏‏‏

وفرت ثقيف إلى لاتها

 

بمنقلب الخائب الخاسـر

وهذا البيت في أبيات له ‏‏‏.‏‏‏

أبو رغال ورجم قبره

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس ؛ فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك ، فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس ‏‏‏.‏‏‏

الأسود بن مقصود يهاجم مكة

فلما نزل أبرهة المغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له ‏‏‏:‏‏‏ الأسود بن مقصود على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبدالمطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ، ومن كان بذلك الحرم من سائر الناس بقتاله ، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به ، فتركوا ذلك ‏‏‏.‏‏‏

رسول أبرهة إلى مكة

وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له ‏‏‏:‏‏‏ سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ، ثم قال له ‏‏‏:‏‏‏ إن الملك يقول لك ‏‏‏:‏‏‏ إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا دونه بحرب ، فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به ‏‏‏.‏‏‏  فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له ‏‏‏:‏‏‏ عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ؛ فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة ؛ فقال له عبدالمطلب ‏‏‏:‏‏‏ والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإنْ يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه ؛ فقال له حناطة ‏‏‏:‏‏‏ فانطلق معي إليه ، فإنه قد أمرني أن آتيه بك ‏‏‏.‏‏‏

أنيس يشفع لعبد المطلب

فانطلق معه عبدالمطلب ، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفر ، وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له ‏‏‏:‏‏‏ يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا ‏‏‏؟‏‏‏ فقال له ذو نفر ‏‏‏:‏‏‏ وما غناء رجل أسير بِيدَيْ ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أنّ أُنيسا سائس الفيل صديق لي ، وسأرسل إليه فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما بدا لك و يشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك ؛ فقال ‏‏‏:‏‏‏ حسبي ‏‏‏.‏‏‏ فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فقال له ‏‏‏:‏‏‏ إن عبدالمطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ؛ فقال ‏‏‏:‏‏‏ أفعل ‏‏‏.‏‏‏ فكلم أنيس أبرهة ، فقال له ‏‏‏:‏‏‏ أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو صاحب عير مكة ، وهو يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته ، و أحسن إليه ، قال ‏‏‏:‏‏‏ فأذن له أبرهة ‏‏‏.‏‏‏

الإبل لي والبيت له رب يحميه

قال ‏‏‏:‏‏‏ وكان عبدالمطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم ، فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه ، وأجلسه معه عليه إلى جنبه ، ثم قال لترجمانه ‏‏‏:‏‏‏ قل له ‏‏‏:‏‏‏ حاجتك ‏‏‏؟‏‏‏ فقال له ذلك الترجمان ؛فقال ‏‏‏:‏‏‏ حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي ؛ فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه ‏‏‏:‏‏‏ قل له ‏‏‏:‏‏‏ قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ‏‏‏!‏‏‏ قال له عبدالمطلب ‏‏‏:‏‏‏ إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ ما كان ليمتنع مني ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ أنت وذاك ‏‏‏.‏‏‏

الوفد المرافق لعبدالمطلب

وكان فيما يزعم بعض أهل العلم ، قد ذهب مع عبدالمطلب إلى أبرهة ، حين بعث إليه حناطة ، يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد بني بكر ، وخويلد بن واثلة الهذلي، وهو يومئذ سيد هذيل ؛ فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم ‏‏‏.‏‏‏ والله أعلم أكان ذلك أم لا ‏‏‏.‏‏‏ فرد أبرهة على عبدالمطلب الإبل التي أصاب له ‏‏‏.‏‏‏

قريش تستنصر الله على أبرهة

فلما انصرفوا عنه ، انصرف عبدالمطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة ، والتحرز في شعف الجبال والشعاب ‏‏‏:‏‏‏ تخوفا عليهم من معرة الجيش ، ثم قام عبدالمطلب ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ، ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، فقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة ‏‏‏:‏‏‏

لاهُمَّ إن العبد يمنع

 

رحله فامنع حلالـكْ

لا يغلبنّ صليبهـم

 

ومحالهم غدوا محالك

زاد الواقدي ‏‏‏:‏‏‏

إن كنت تاركهم وقبل

 

تنا فأمر مـا بـدا لـكْ

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ هذا ما صح له منها ‏‏‏.‏‏‏ شعر عكرمة بن عامر يدعو على الأسود بن مقصود قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي ‏‏‏:‏‏‏

لاهُمَّ أخز الأسود بن مقصود

 

الآخذ الهجمة فيها التـقـلـيدْ

بين حراء وثبير فـالـبـيد

 

يحبسها وهي أولات التطـريد

فضمها إلى طماطم سود

 

أخفره يا رب وأنت محمود ‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏هذا ما صح له منها ؛ والطماطم ‏‏‏:‏‏‏ الأعلاج ‏‏‏.‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ ثم أرسل عبدالمطلب حلقة باب الكعبة ، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها ‏‏‏.‏‏‏

أبرهة يهاجم الكعبة

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبىَّ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ؛ وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن ‏‏‏.‏‏‏ فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذه بأذنه ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ ابرك محمود ، أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه ‏‏‏.‏‏‏ فبرك الفيل ، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى ‏‏‏.‏‏‏ فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقِّه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، ‏‏ فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك ‏‏‏.‏‏‏ عقاب الله لأبرهة وجنده فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها ‏‏‏:‏‏‏ حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ،لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت‏‏‏.‏‏‏ وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته ‏‏‏:‏‏‏

أين المفر والإله الطالـب

 

والأشرم المغلوب ليس الغالب

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ قوله ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ ليس الغالب ‏‏‏)‏‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏‏.‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وقال نفيل أيضا ‏‏‏:‏‏‏

ألا حييت عنا يا ردينا

 

نعمناكم مع الإصباح عينا

أتانا قابس منكم عشاء فلم يقدر لقابسكم لدينا

ردينة لو رأيت - ولا تريه

 

لدى جنب المحصب ما رأينـا

إذا لعذرتني وحمدت أمري

 

ولم تأسي على ما فات بـينـا‏‏

حمدت الله إذ أبصرت طيرا

 

وخفت حجارة تُلقى عـلـينـا

و كل القوم يسأل عن نفيل

 

كأن علي للحـبـشـان دينـا

فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أُنمْلة أنملة ، كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمثُّ قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، فيما يزعمون ‏‏‏.‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ حدثني يعقوب بن عتبة أنه حُدث ‏‏‏:‏‏‏ أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام، وأنه أول ما رؤي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعُشر ذلك العام ‏‏‏.‏‏‏

الله جل جلاله يذكر حادثة الفيل ويمتن على قريش

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ، كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال الله تبارك وتعالى ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏ (‏‏‏ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ‏‏‏.‏‏‏ ألم يجعل كيدهم في تضليل ‏‏‏.‏‏‏ و أرسل عليهم طيرا أبابيل ‏‏‏.‏‏‏ ترميهم بحجارة من سجيل ‏‏‏.‏‏‏ فجعلهم كعصف مأكول‏‏‏) ‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ وقال ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏ (‏‏ لإيلاف قريش ‏‏‏.‏‏‏ إيلافهم رحلة الشتاء والصيف‏‏‏.‏‏‏ فليعبدوا رب هذا ‏‏ ‏"‏ البيت ‏‏‏.‏‏‏ الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ‏‏‏) ‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه ‏‏‏.‏‏‏

تفسير مفردات سورتي الفيل وقريش

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ الأبابيل ‏‏‏:‏‏‏ الجماعات ، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه ‏‏‏.‏‏‏ وأما السجيل ‏‏‏:‏‏‏ فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب ‏‏‏:‏‏‏ الشديد الصلب ‏‏‏.‏‏‏ قال رؤبة بن العجاج ‏‏‏:‏‏‏

ومسهم ما مس أصحاب الفيلْ

 

ترميهم حجارة مـن سـجـيلْ

و لعبت طير بهم أبابيلْ

 

 

وهذه الأبيات في أرجوزة له ‏‏‏.‏‏‏ ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية ، جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وإنما هو سَنْج و جِلّ ، يعني بالسنج ‏‏‏:‏‏‏ الحجر ؛ وبالجل ‏‏‏:‏‏‏ الطين ‏‏‏.‏‏‏ يعني ‏‏‏:‏‏‏ الحجارة من هذين الجنسين ‏‏‏:‏‏‏ الحجر والطين ‏‏‏.‏‏‏ والعصف ‏‏‏:‏‏‏ ورق الزرع الذي لم يقصب ، وواحدته عصفة ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له ‏‏‏:‏‏‏ العصافة والعصيفة ‏‏‏.‏‏‏ وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ‏‏‏:‏‏‏

تسقي مذانب قد مالت عصيفتها

 

حدورها من أتيّ الماء مطـمـوم

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏ وقال الراجز ‏‏‏:‏‏‏ فصُيرِّوا مثل كعصف مأكول قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ولهذا البيت تفسير في النحو ‏‏‏.‏‏‏ وإيلاف قريش ‏‏‏:‏‏‏ إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم ، وكانت لهم خرجتان ‏‏‏:‏‏‏ خرجة في الشتاء ، وخرجة في الصيف ‏‏‏.‏‏‏ أخبرني أبو زيد الأنصاري ، أن العرب تقول ‏‏‏:‏‏‏ ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد ‏‏‏.‏‏‏ وأنشدني لذي الرمة ‏‏‏:‏‏‏

من المؤلفات الرمل أدماء حرة

 

شعاع الضحى في لونها يتوضـح

وهذ البيت في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏ وقال مطرود بن كعب الخزاعي ‏‏‏:‏‏‏

المنعمين إذا النجوم تغيرت

 

والظاعنين لرحـلة الإيلاف

وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى ‏‏‏.‏‏‏ والإيلاف أيضا ‏‏‏:‏‏‏ أن يكون للإنسان ألف من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، أو غير ذلك ‏‏‏.‏‏‏ يقال ‏‏‏:‏‏‏ آلف فلان إيلافا ‏‏‏.‏‏‏ قال الكميت بن زيد ، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ‏‏‏:‏‏‏ بعام يقول له المؤلفو ن هذا المعيم لنا المرجل وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏ والإيلاف أيضا ‏‏‏:‏‏‏ أن يصير القوم ألفا ، يقال ‏‏‏:‏‏‏ آلف القوم إيلافا ‏‏‏.‏‏‏ قال الكميت بن زيد ،أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ‏‏‏:‏‏‏

وآل مزيقياء غداة لاقوا

 

بني سعد بن ضبة مؤلفينا

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏ والإيلاف أيضا ‏‏‏:‏‏‏ أن تؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه و يلزمه ؛ يقال ‏‏‏:‏‏‏ آلفته إياه إيلافا ‏‏‏.‏‏‏ والإيلاف أيضا ‏‏‏:‏‏‏ أن تصيرِّ ما دون الألف ألفا ، يقال ‏‏‏:‏‏‏ آلفته إيلافا ‏‏‏.‏‏‏ مصير قائد الفيل وسائسه قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ حدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن ، بن سعد بن زرارة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت ‏‏‏:‏‏‏ لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس ‏‏‏.‏‏‏

ما قيل في قصة الفيل من الشعر

إعظام العرب قريشا بعد حادثة الفيل

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فلما رد الله الحبشة عن مكة ، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة ، أعظمت العرب قريشا ، وقالوا ‏‏‏‏:‏‏‏‏ هم أهل الله ، قاتل الله عنهم وكفاهم مئونة عدوهم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة ، وما رد عن قريش من كيدهم ‏‏‏‏.‏‏‏‏

شعر عبدالله بن الزبعرى في وقعة الفيل

فقال عبدالله بن الزبعرى بن عدي بن ‏‏قيس بن عدي بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ‏‏‏‏:‏‏‏‏

تنكلوا عن بطن مـكة إنـهـا

 

كانت قديما لا يرام حـريمـهـا

لم تخلق الشعرى ليالي حرمت

 

إذ لا عزيز من الأنام يرومـهـا

سائل أمير الجيش عنها ما رأى

 

ولسوف يُنبي الجاهلين عليمـهـا

ستون ألفا لم يئوبوا أرضـهـم

 

ولم يعش بعد الإياب سقـيمـهـا

كانت بها عاد وجرهم قبلـهـم

 

والله من فوق العبـاد يقـيمـهـا

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ يعني ابن الزبعرى بقوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ بعد الإياب سقيهما أبرهةَ ، إذ حملوه معهم حين أصابه ما أصابه ، حتى مات بصنعاء ‏‏‏‏.‏‏‏‏

شعر ابن الأسلت في وقعة الفيل

وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري ثم الخطمي ، واسمه صيفي ‏‏‏‏.قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أبو قيس ‏‏‏‏:‏‏‏‏ صيفي بن الأسلت ‏‏بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامرة بن مرة بن مالك بن الأوس ‏‏‏‏:‏‏‏‏

ومن صنعه يوم فيل الحبُو ش

 

إذ كـلـمـا بـعـثــوه رزمْ

محاجنهم تـحـت أقـرابـه

 

وقد شرموا أنفـه فـانـخـرم

وقد جعلوا سوطه مـغـولا

 

إذا يمـمـوه قـفـاه كـلــم

فولـى وأدبـر أدراجـــه

 

وقد باء بالظلم مـن كـان ثـم

فأرسل من فوقهم حاصـبـا

 

فلفهـم مـثـل لـف الـقـزم

تحض على الصبر أحبارهم

 

وقد ثأجوا كـثـؤاج الـغـنـم

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذه الأبيات في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏ والقصيدة أيضا تروى لأمية بن أبي الصلت ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال أبو قيس بن الأسلت ‏‏‏‏:‏‏‏‏

فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا

 

بأركان هذا البيت بين الأخاشب

فعندكم منه بلاء مصدق غداة أبى يكسوم هادى الكتائب

كتيبته بالسهل تمسـي ورجـلـه

 

على القاذفات في رءوس المناقب ‏‏‏‏

فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم

 

جنود المليك بين ساف وحـاصـب

فولوا سراعا هاربين ولـم يؤب

 

إلى أهله ملحبش غير عـصـائب

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏أنشدني أبو زيد الأنصاري قوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ على القاذفات في رءوس المناقب وهذه الأبيات في قصيدة لأبي قيس ، سأذكرها في موضعها إن شاء الله ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وقوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ غداة أبي يكسوم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ يعني أبرهة ، كان يكنى أبا يكسوم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ شعر طالب بن أبي طالب في وقعة الفيل قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال طالب بن أبي طالب بن عبدالمطلب ‏‏‏‏:‏‏‏‏

ألم تعلموا ما كان في حرب داحس

 

وجيش أبي يكسوم إذ ملئوا الشعـبـا

فلولا دفاع اللـه لا شـيء غـيره

 

لأصبحتم لا تمنعون لـكـم سـربـا

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذان البيتان في قصيدة له في يوم بدر ، سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى ‏‏‏‏.‏‏‏‏

شعر أبي الصلت الثقفي في وقعة الفيل

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي في شأن الفيل ، ويذكر الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ تروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي ‏‏‏‏:‏‏‏‏

إن آيات ربنـا ثـاقـبـات

 

لا يماري فيهن إلا الـكـفـورُ

خلق الليل والنهـار فـكـل

 

مستبين حـسـابـه مـقـدور

ثم يجلو النهـار رب رحـيم

 

بمهاة شعاعـهـا مـنـشـور

حبس الفيل بالمغمس حتـى

 

ظل يحبو كـأنـه مـعـقـور

لازما حلقة الجران كما قطر

 

من صخر كبكـب مـحـدور

حوله من ملوك كندة أبطا ل

 

ملاويث في الحروب صقـور

خلفوه ثم ابذعرُّوا جمـيعـا

 

كلهم عظم ساقـه مـكـسـور

كل دين يوم القيامة عنداللـه

 

إلا دين الـحـنـيفة بـــور

شعر الفرزدق في وقعة الفيل

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال الفرزدق - واسمه همام بن أحد بني مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم - يمدح سليمان بن عبدالملك بن مروان ، ويهجو الحجاج بن يوسف ، ويذكر الفيل وجيشه ‏‏‏‏:‏‏‏‏

فلما طغى الحجاج حين طغى به

 

غنى قال إني مرتق في السـلالـم

فكان كما قال ابن نوح سأرتقـي

 

إلى جبل من خشية الماء عـاصـم

رمى الله في جثمانه مثل ما رمى

 

عن القبلة البيضاء ذات المـحـارم

جنودا تسوق الفيل حتى أعادهـم

 

هباء وكانوا مطرخمي الطـراخـم

نصرت كنصر البيت إذ ساق فيله

 

إليه عظيم المشـركـين الأعـاجـم

وهذه الأبيات في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏

شعر ابن قيس الرقيات في وقعة الفيل

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال عبدالله بن قيس الرقيات ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أحد بني عامر بن لؤي بن غالب يذكر أبرهة - وهو الأشرم - والفيلَ ‏‏‏‏:‏‏‏‏

كاده الأشرم الذي جاء بالفيل

 

فولـى وجـيشـه مـهــزوم

واستهلت عليهم الطير بالجندل

 

حتـى كـأنـه مـرجـــوم

ذاك من يغزه من الناس يرجع وهو فل من الجيوش ذميم ‏‏ وهذه الأبيات في قصيدة له.
ملك يكسوم ثم مسروق ولدَيْ أبرهة على اليمن

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فلما هلك أبرهة ، ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة ، وبه كان يكنى ؛ فلما هلك يكسوم بن أبرهة ، ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة ‏‏‏‏.‏‏‏‏ خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن

سيف بن ذي يزن يشكو لقيصر

فلما طال البلاء على أهل اليمن ، خرج سيف بن ذي يزن الحميري ، وكان يكنى بأبي مرة ، حتى قدم على قيصر ملك الروم ، فشكا إليه ما هم فيه ، وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو ، ويبعث إليهم من شاء من الروم ، فيكون له ملك اليمن فلم يشكه و لم يجد عنده شيئا مما يريد ‏‏‏‏.‏‏‏‏

النعمان يتشفع لسيف بن ذي يزن عند كسرى

فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر ، وهو عامل كسرى على الحيرة ، وما يليها من أرض العراق ، فشكا إليه أمر الحبشة ، فقال له النعمان ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إن لي على كسرى وفادة في كل عام ، فأقم حتى يكون ذلك ،ففعل ، ثم خرج معه ، فأدخله على كسرى ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وكان كسرى يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه ، وكان تاجه مثل القنقل العظيم - فيما يزعمون - يضرب فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد بالذهب والفضة ، معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك ، وكانت عنقه لا تحمل تاجه ، إنما يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ، ثم يدخل رأسه في تاجه ، فإذا استوى في مجلسه كشفت عنه الثياب ، فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك ، إلا برك هيبة له ؛ فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك ‏‏‏‏.‏‏‏‏

ابن ذي يزن بين يدي كسرى ،ومعاونة كسرى له

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ حدثني أبو عبيدة ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه ، فقال الملك ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إن هذا الأحمق يدخل علي من هذا الباب الطويل ، ثم يطأطئ رأسه ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ فقيل ذلك لسيف ؛ فقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إنما فعلت هذا لهمي ، لأنه يضيق عنه كل شيء ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ثم قال له ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أيها الملك ، غلبتنا على بلادنا الأغربة ؛ فقال له كسرى ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أي الأغربة ‏‏‏‏:‏‏‏‏ الحبشة أم السند فقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ بل الحبشة ، فجئتك لتنصرني ، ويكون ملك بلادي لك؛ قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ بعدت بلادك مع قلة خيرها ، فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب ، لا حاجة لي بذلك، ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف ، وكساه كسوة حسنة ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فلما ‏‏قبض ذلك منه سيف خرج ، فجعل ينثر ذلك الورق للناس ، فبلغ ذلك الملك ، فقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إن لهذا لشأنا ، ثم بعث إليه ، فقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس ؛ فقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وما أصنع بهذا ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة ‏‏‏‏:‏‏‏‏ يرغبه فيها ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فجمع كسرى مرازبته ، فقال لهم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ماذا ترون في أمر هذا الرجل ، وما جاء له ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ فقال قائل ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أيها الملك، إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل ، فلو أنك بعثتهم معه ، فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم ، وإن ظفروا كان ملكا ازددته ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فبعث معه كسرى من كان في سجونه ، وكانوا ثمانمائة رجل ‏‏‏‏.‏‏‏‏

وهرز و سيف بن ذي يزن و انتصارهما على مسروق ، و ما قيل في ذلك من الشعر

واستعمل عليهم رجلا يقال له وهرز ، وكان ذا سن فيهم ، وأفضلهم حسبا وبيتا ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فخرجوا في ثمان سفائن ، فغرقت سفينتان ، ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه ، وقال له ‏‏‏‏:‏‏‏‏ رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال له وهرز ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أنصفت ، وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن ، وجمع إليه جنده ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فأرسل إليهم وهرز ابنا له ، ليقاتلهم فيختبر قتالهم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فقتل ابن وهرز ، فزاده ذلك حنقا عليهم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فلما تواقف الناس على مصافهم ، قال وهرز ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أروني ملكهم ؛ فقالوا له ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه ، بين عينيه ياقوته حمراء ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ نعم ، قالوا ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ذاك ملكهم ؛ فقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ اتركوه ‏‏‏‏.‏‏‏‏قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فوقفوا طويلا ، ثم قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ علام هو ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ قالوا ‏‏‏‏:‏‏‏‏ قد تحول على الفرس ؛ قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ اتركوه ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فوقفوا طويلا ، ثم قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ علام هو ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ قالوا ‏‏‏‏:‏‏‏‏ قد تحول على البغلة ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال وهرز ‏‏‏‏:‏‏‏‏ بنتُ الحمار ذل وذل ملكه ، إني سأرميه ، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى ‏‏أوذنكم ، فإني قد أخطأت الرجل ، وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به ، فقد أصبت الرجل ، فاحملوا عليهم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ثم وتر قوسه ، وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدتها ، وأمر بحاجبيه فعصبا له ، ثم رماه ، فصك الياقوتة التي بين عينيه ، فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه ، ونكس عن دابته ، واستدارت الحبشة ولاثت به ، وحملت عليهم الفرس ، وانهزموا ، فقتلوا وهربوا في كل وجه ؛ وأقبل وهرز ليدخل صنعاء ، حتى إذا أتى بابها ، قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ لا تدخل رايتي منكسة أبدا ، اهدموا الباب ، فهدم ؛ ثم دخلها ناصبا رايته ‏‏‏‏.‏‏‏‏

شعر سيف بن ذي يزن في هذه القصة

فقال سيف بن ذي يزن الحميري ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏

يظن الناس بالملكين

 

أنهمـا قـد الـتـأمـا

ومن يسمع بلأمهمـا

 

فإن الخطب قد فقـمـا

قتلنا القيل مسروقـا

 

وروينا الكـثـيب دمـا

وإن القيل قيل النا س

 

وهرز مقسم قـسـمـا

يذوق مشعشعا حتى

 

يفىء السبي والنعـمـا

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذه الأبيات في أبيات له ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وأنشدني خلاد بن قرة السدوسي آخرها بيتا لأعشى بني قيس بن ثعلبة في قصيدة له ، وغيره من أهل العلم بالشعر ينكرها له ‏‏‏‏.‏‏‏‏

شعر أبي الصلت

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي - قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وتروى لأمية بن أبي الصلت-‏‏‏‏:‏‏‏‏

ليطلب الوتر أمثال ابـن ذي يزن

 

ريمَّ في البحر لـلأعـداء أحـوالا ‏‏

يمم قيصر لما حـان رحـلـتـه

 

فلم يجد عنده بـعـض الـذي سـالا

ثم انثنى نحو كسرى بعد عاشـرة

 

من السنين يهين النـفـس والـمـالا

حتى أتى ببني الأحرار يحملـهـم

 

إنك عَمري لقد أسرعت قـلـقـالا

لله درهم من عصـبة خـرجـوا

 

ما إن أرى لهم في النـاس أمـثـالا

بيضا مرازبة غـلـبـا أسـاورة

 

أُسدا تربب في الغيضـات أشـبـالا

يرمون عن شدف كأنهـا غـبـط

 

بزمخر يعجل المـرمـى إعـجـالا

أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد

 

أضحى شريدهم في الأرض فـلالا

فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقـا

 

في رأس غمدان دارا منك محـلالا

واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهـم

 

وأسبل اليوم فـي بـرديك إسـبـالا

تلك المكارم لا قعبان من لـبـن

 

شيبا بمـاء فـعـادا بـعـدُ أبـوالا

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها ، إلا آخرها بيتا قوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏

تلك المكارم لا قعبان من لبن

 

 

فإنه للنابغة الجعدي ‏‏‏‏.‏‏‏‏ واسمه حبان بن عبدالله بن قيس ، أحد بني جعدة ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏

شعر عدي بن زيد

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال عدي بن زيد الحيري ، وكان أحد بني تميم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ثم أحد بني امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم ، ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ عدي من العباد من أهل الحيرة ‏‏‏‏:‏‏‏‏

ما بعد صنعـاء كـان يعـمـرهـا

 

ولاة مـلـك جـزل مـواهـبـهــا

رفعها من بني لدى قـزع الـمـزن

 

وتـنـدى مـسـكـا مـحـاربـهــا

محفوفة بالجبال دون عرى الـكـائد

 

ما تـرتـقـى غــواربـــهـــا

يأنس فـيهـا صـوت الـنـهـام إذا

 

جاوبهـا بـالـعـشـي قـاصـبـهـا

ساقت إليها الأسبـاب جـنـد بـنـي

 

الأحرار فـرسـانـهـا مـواكـبـهـا

وفوزت بالبغال توسق بـالـحـتـف

 

وتـسـعـى بـهـا تـوالـبـهـــا

حتى رآها الأقوال من طرف ال مَنْقَل

 

مخـضـرة كــتـــائبـــهـــا

يوم ينـــادون آل بـــربـــر

 

واليكسوم لا يفـلحـن هاربهـا

وكان يوم باقي الـحـديث وزا لـت

 

إمة ثـابـت مـراتـبـهــا

وبدل الفيج بالزرافة والأيا م

 

جون جـم عـجـائبـهـــا

 

بعد بني تـبـع نـخـاورة

 

قد اطمأنت بها مـرزابـهـا

 

           

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذه الأبيات في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وأنشدني أبو زيد الأنصاري ورواه لي عن المفضل الضبي ، قوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏

يوم ينادون آل بربر واليكسوم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏الخ

 

 

هزيمة الأحباش ، و نبوءة سطيح و شق وهذا الذي عنى سطيح بقوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏(‏‏‏‏ يليه إرم ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحدا منهم باليمن ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ والذي عنى شق بقوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏(‏‏‏‏ غلام ليس بدني ولا مدنّ ، يخرج عليهم من بيت ذي يزن ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏

ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن

مدة ملك الحبشة باليمن و ملوكهم

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فأقام وهرز والفرس باليمن ، فمن بقية ذلك الجيش من الفرس الأبناء الذين باليمن اليوم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وكان ملك الحبشة باليمن ، فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأُخرجت الحبشة ، اثنتين وسبعين سنة ، توارث ذلك منهم أربعة ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أرياط ، ثم أبرهة ، ثم يكسوم بن أبرهة ، ثم مسروق بن أبرهة ‏‏‏‏.‏‏‏‏

أمراء الفرس باليمن

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ثم مات وهرز ، فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن ، ثم مات المرزبان ، فأمَّر كسرى ابنه التينجان بن المرزبان على اليمن ، ثم مات التينجان ، فأمر كسرى ابن التينجان على اليمن ، ثم عزله وأمَّر باذان ؛ فلم يزل باذان عليها حتى بعث الله محمدا النبي صلى الله عليه وسلم ‏‏‏‏.‏‏‏‏

محمد صلى الله عليه وسلم يتنبأ بموت كسرى

فبلغني عن الزهري أنه قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ كتب كسرى إلى باذان ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أنه بلغني أن رجلا من قريش خرج بمكة ، يزعم أنه نبي ، فسر إليه فاستنبه ، فإن تاب وإلا فابعث إلي برأسه ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فلما أتى باذانَ الكتابُ توقف لينظر ، وقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إن كان نبيا فسيكون ما قال ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ قُتل على يدي ابنه شيرويه ، وقال خالد بن حق الشيباني ‏‏‏‏:‏‏‏‏

وكسرى إذ تقسمه بنوه

 

بأسياف كما اقتسم اللحـام

تمخضت المنون له بيوم

 

أني و لكل حاملة تـمـام

إسلام باذان قال الزهري ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه وإسلام من معه من الفرس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فقالت الرسل من الفرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إلى من نحن يا رسول الله ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أنتم منا وإلينا أهل البيت ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فبلغني عن الزهري أنه قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ سلمان منا أهل البيت ‏‏‏‏.‏‏‏‏

بعثة النبي ، و نبوءة سطيح و شق

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فهوالذي عنى سطيح بقوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏(‏‏‏‏ نبى زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ والذي عني شق بقوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏(‏‏‏‏ بل ينقطع برسول مرسل ، يأتي بالحق والعدل ، من أهل الدين والفضل ، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏

كتاب الحجر الذي وجد في اليمن

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكان في حَجَر باليمن - فيما يزعمون - كتاب بالزبور كتب في الزمان الأول ‏ ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏(‏‏‏‏ لمن ملك ذمار ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ لحمير الأخيار ؛ لمن ملك ذمار ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ للحبشة الأشرار ؛ لمن ملك ذمار ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ لفارس الأحرار ؛ لمن ملك ذمار ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ لقريش التجار ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وذمار ‏‏‏‏:‏‏‏‏ اليمن أو صنعاء ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ذمار ‏‏‏‏:‏‏‏‏ بالفتح ، فيما أخبرني يونس ‏‏‏‏.‏‏‏‏ شعر الأعشى يذكر نبوءة شق وسطيح  قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال الأعشى أعشى بني قيس بن ثعلبة في وقوع ما قال سطيح وصاحبه ‏‏‏‏:‏‏‏‏

ما نظرت ذات أشفار كنظرتها

 

حقا كما صدق الذئبي إذْ سجعـا

وكانت العرب تقول لسطيح ‏‏‏‏:‏‏‏‏ الذئبي ، لأنه سطيح بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏

قصة ملك الحضر

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي عن جناد ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أو عن بعض علماء أهل الكوفة بالنسب ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أنه يقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إن النعمان بن المنذر من ولد ساطرون ملك الحضر ‏‏‏‏.‏‏‏‏ والحضر ‏‏‏‏:‏‏‏‏ حصن عظيم كالمدينة ، كان على شاطئ الفرات ، وهو الذي ذكر عدي بن زيد في قوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏

وأخو الحضر إذ بناه وإذ

 

د جلة تجبى إليه والخابـور

شاده مرمرا وجلله كلسا

 

فللطير فـي ذراه وكـور

لم يهبه ريب المنون فبان

 

ال ملك عنه فبابه مهجـور

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذه الأبيات في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏ والذي ذكره أبو دواد الإيادي في قوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏

وأرى الموت قد تدلى من الحضر

 

على رب أهـلـه الـسـاطـرون

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إنها لخلف الأحمر ، ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ لحماد الراوية ‏‏‏‏.‏‏‏‏ سابور يستولي على الحضر ، وزواجه بنت ساطرون ، و ما وقع بينهما وكان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا ساطرون ملك الحضر ، فحصره سنتين ، فأشرفت بنت ساطرون يوما ، فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج ، وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ ، وكان جميلا ، فدست إليه ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أتتزوجني إن فتحت لك باب الحضر ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ فقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ نعم ؛ فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر ، وكان لا يبيت إلا سكران ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فأخذت مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه ، فبعثت بها مع مولى لها ، ففتح الباب ، فدخل سابور ، فقتل ساطرون ، واستياح الحضر وخربه ، وسار بها معه فتزوجها ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فبينا هي ‏‏نائمة على فراشها ليلا إذْ جعلت تتململ لا تنام ، فدعا لها بشمع ، ففتش فراشها ، فوجد عليه ورقة آس ؛ فقال لها سابور ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أهذا الذي أسهرك ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ قالت ‏‏‏‏:‏‏‏‏ نعم ، قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فما كان أبوك يصنع بك ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ قالت ‏‏‏‏:‏‏‏‏ كان يفرش لي الديباج ، ويلبسني الحرير ، ويطعمني المخ ، ويسقين الخمر ؛ قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أفكان جزاء أبيك ما صنعت به ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ أنت إلي بذلك أسرع ؛ ثم أمر بها فربطت قرون رأسها بذنب فرس ، ثم ركض الفرس حتى قتلها ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قول أعشى قيس في قصة الحضر ففيه يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة ‏‏‏‏:‏‏‏‏

ألم تر للحضر إذ أهله

 

بنعمى وهل خالد من نعم

أقام به شاهبور الجنو د

 

حولين تضرب فيه القـدم

فلما دعا ربـه دعـوة

 

أناب إليه فلـم ينـتـقـم

وهذه الأبيات في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قول عدي بن زيد وقال عدي بن زيد في ذلك ‏‏‏‏:‏‏‏‏

والحضر صابت عـلـيه داهـية

 

من فـوقـه أيد مـنـاكـبـهـــا

ربـية لـم تـوق والـدهـــا

 

لحـينـهـا إذ أضـاع راقـبـهـا ‏

إذ غبقته صـهـبـاء صـافـية

 

والخمـر وهـل يهـيم شـاربـهـا

فأسلمت أهلـهـا بـلـيلـتـهـا

 

تظـن أن الـرئيس خـاطـبـهــا

فكان حظ العروس إذ جشر الصبح

 

دمـاء تـجـري سـبـائبـهـــا

وخرب الحضر واستـبـيح وقـد

 

أُحرق في خدرها مـشـاجـبـهـا

وهذه الأبيات في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏

ذكر ولد نزار بن معد

أولاده في رأي ابن إسحاق و ابن هشام قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فولد نزار بن معد ثلاثة نفر ‏‏‏‏:‏‏‏‏ مضر بن نزار، وربيعة ابن نزار ، وأنمار بن نزار ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وإياد بن نزار ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال الحارس بن دوس الإيادي، ويروى لأبي داود الإيادي ، واسمه جارية بن الحجاج ‏‏‏‏:‏‏‏‏

وفتوّ حسن أوجههـم

 

من إياد بن نزار بن معد

وهذا البيت في أبيات له ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فأم مضر وإياد ‏‏‏‏:‏‏‏‏ سودة بنت عك بن عدنان ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وأم ربيعة وأنمار ‏‏‏‏:‏‏‏‏ شُقيقة بنت عك بن عدنان ، ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ جمعة بنت عك بن عدنان ‏‏‏‏.
‏‏‏‏أولاد أنمار

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فأنمار ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أبو خثعم وبجيلة ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال جرير بن عبدالله البجلي وكان سيد بجيلة ، وهو الذي يقول له القائل ‏‏‏‏:‏‏‏‏

لولا جرير هلكت بجيله

 

نعم الفتى وبئست القبيلـهْ

وهو ينافر الفرافصة الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي بن عقال بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ‏‏‏‏:‏‏‏‏

يا أقرع بن حابس يا أقرع

 

إنك إن تصرع أخاك تصرع

و قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏

ابْنيَ نزار انصرا أخاكما

 

إن أبي وجدته أبـاكـمـا

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فهوالذي عنى سطيح بقوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏(‏‏‏‏ نبى زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ والذي عني شق بقوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏(‏‏‏‏ بل ينقطع برسول مرسل ، يأتي بالحق والعدل ، من أهل الدين والفضل ، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏

لن يُغلب اليوم أخ والأكما

 

 

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكان في حَجَر باليمن - فيما يزعمون - كتاب بالزبور كتب في الزمان الأول ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏(لمن ملك ذمار ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ لحمير الأخيار ؛ لمن ملك ذمار ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ للحبشة الأشرار ؛ لمن ملك ذمار ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ لفارس الأحرار ؛ لمن ملك ذمار ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ لقريش التجار ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وقد تيامنت فلحقت باليمن ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ قالت اليمن ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وبجيلة ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أنمار بن إراش بن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ؛ ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إراش بن عمرو بن لحيان بن الغوث ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ودار بجيلة وخثعم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ يمانية ‏‏‏‏.‏‏‏‏

ولدا مضر

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فولد مضر بن نزار رجلين ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إلياس بن مضر ، وعيلان بن مضر‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وأمهما جرهمية ‏‏‏‏.‏‏‏‏

أولاد إلياس

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فولد إلياس بن مضر ثلاثة نفر ‏‏‏‏:‏‏‏‏ مدركة بن إلياس ، وطابخة بن إلياس ، وقمعة بن إلياس ، وأمهم خندف ، امرأة من اليمن‏‏‏‏.‏‏‏‏

شئ عن خندف و أولادها

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ خندف بنت عمران بن الحاف بن قضاعة ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكان اسم مدركة عامرا، واسم طابخة عمرا ؛ وزعموا أنهما كانا في إبل لهما يرعيانها ، فاقتنصا صيدا فقعدا عليه يطبخانه، وعدت عادية على إبلهما ، فقال عامر لعمرو ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أتدرك الإبل أم تطبخ هذا الصيد ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ فقال عمرو ‏‏‏‏:‏‏‏‏ بل أطبخ، فلحق عامر بالإبل فجاء بها ، فلما راحا على أبيهما حدثاه بشأنهما ، فقال لعامر ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أنت مدركة؛ وقال لعمرو ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وأنت طابخة ‏‏و خرجت أمهم لما بلغها الخبر ، و هي مسرعة ، فقال لها ‏‏‏‏:‏‏‏‏ تخندفين، فسميت ‏‏‏‏:‏‏‏‏ خندف ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏

شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير في ذراه وكور

 

 

وأما قمعة فيزعم نساب مضر ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أن خزاعة من ولد عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس ‏‏‏‏.‏‏‏‏ حديث عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب

عمرو بن لحي يجر قصبه في النار

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار ، فسألته عمن بيني وبينه من الناس ، فقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ هلكوا ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة - قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ واسم أبي هريرة ‏‏‏‏:‏‏‏‏ عبدالله بن عامر ، ويقال اسمه عبدالرحمن بن صخر - يقول ‏‏‏‏:‏‏‏‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي ‏‏‏‏:‏‏‏‏ يا أكثم ، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار ، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ، ولا بك منه ، فقال أكثم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ لا ، إنك مؤمن وهو كافر ، إنه كان أول من غير دين إسماعيل ، فنصب الأوثان ، وبحر البحيرة ، وسيب السائبة ، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي ‏‏‏‏.‏‏‏‏

أصل عبادة الأصنام في أرض العرب

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ حدثني بعض أهل العلم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره ، فلما قدم مآب من أرض البلقاء ، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام ، فقال لهم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ قالوا له ‏‏‏‏:‏‏‏‏ هذه أصنام نعبدها ، فنستمطرها فُتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ؛ فقال لهم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أفلا تعطونني منها صنما ، فأسير به إلى أرض العرب ، فيعبدوه ‏‏‏‏؟‏‏‏‏ فأعطوه صنما يقال له هُبَل ، فقدم به مكة ، فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏

سبب عبادة الأصنام

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل ، أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم ، حين ضاقت عليهم ، والتمسوا الفسح في البلاد ، إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم ، فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة ، حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة ، وأعجبهم ؛ حتى خلف الخلوف ، ونسوا ما كانوا عليه ، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره ، فعبدوا الأوثان ، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات ؛ وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها ، من تعظيم البيت ، والطواف به ، والحج والعمرة ، والوقوف على عرفة والمزدلفة ، وهدي البدن ، والإهلال بالحج والعمرة ، مع إدخالهم فيه ما ليس منه ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏(‏‏‏‏ لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك ‏‏‏‏)‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏فيوحدونه بالتلبية ، ثم يدخلون معه أصنامهم ، ويجعلون ملكها بيده ‏‏‏‏.‏‏‏‏ يقول الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏ {(‏‏‏‏ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ‏‏‏‏)} ‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي ‏‏‏‏.‏‏‏‏

أصنام قوم نوح

وقد كانت لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها ، قص الله تبارك وتعالى خبرها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏ (‏‏‏‏ وقالوا لا تذرن آلهتكم ، ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ، وقد أضلوا كثيرا ‏‏‏‏) ‏‏‏‏ ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏

القبائل العربية وأصنامها ، و شئ عنها

فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائهم حين فارقوا دين إسماعيل ‏‏‏‏:‏‏‏‏ هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ، اتخذوا سواعا ، فكان لهم بُرهاط ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وكلب بن وبرة من قضاعة ، اتخذوا ودا بدومة الجندل ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال كعب بن مالك الأنصاري ‏‏‏‏:‏‏‏‏

وننسى اللات والعزى

 

ونسلبها القلائد والشنوفا

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله ‏‏‏‏.‏‏‏‏ رأي ابن هشام في نسب كلب بن وبرة قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ‏‏‏‏.‏‏‏‏

عباد يغوث
قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وأنعم من طيىء ، وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش ‏‏‏‏.‏‏‏‏ رأي ابن هشام في أنعم ، و في نسب طيئ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أنعم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وطيىء ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ابن أدد بن مالك ، ومالك ‏‏‏‏:‏‏‏‏ مذحج بن أدد ، ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ طيىء بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ ‏‏‏‏.‏‏‏‏  
عباد يعوق

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وخَيوان بطن من همدان ، اتخذوا يعوق بأرض همدان من أرض اليمن ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال مالك بن نمط الهمداني ‏‏‏‏:‏‏‏‏

يريش الله في الدنيا ويبرى

 

ولا يبري يعـوق ولا يريش

وهذا البيت في أبيات له ‏‏‏‏.‏‏‏‏

همدان و نسبه

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ اسم همدان ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أوسلة بن مالك بن زيد بن ربيعة بن أوسلة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ؛ ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أوسلة بن زيد بن أوسلة بن الخيار ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ همدان بن أوسلة بن ربيعة بن مالك بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ‏‏‏‏.‏‏‏‏

عباد نسر

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وذو الكلاع من حمير ، اتخذوا نسرا بأرض حمير ‏‏‏‏.‏‏‏‏

عباد عميانس

وكان لخولان صنم يقال له عميانس بأرض خولان ، يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين الله بزعمهم ، فما دخل في حق عميانس من حق الله تعالى الذي سموه له تركوه له ، وما دخل في حق الله تعالى من حق عميانس ردوه عليه ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وهم بطن من خولان ، يقال لهم الأديم ، وفيهم أنزل الله تبارك وتعالى فيما يذكرون ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ‏‏‏‏ (‏‏‏‏ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ، فقالوا هذا لله بزعمهم ، وهذا لشركائنا ، فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ، ساء ما يحكمون‏‏‏‏)‏‏‏‏.‏‏‏‏

نسب خولان

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ؛ ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ خولان بن عمرو بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ ؛ ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ خولان بن عمرو بن سعد العشيرة بن مذحج ‏‏‏‏.‏‏‏‏

عباد سعد

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكان لبني ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر صنم ، يقال له سعد ، صخرة ‏‏بفلاة من أرضهم طويلة‏‏‏‏.‏‏‏‏ فأقبل رجل من بني ملكان بإبل له مؤبلة ليقفها عليه ، التماس بركته ، فيما يزعم ؛ فلما رأته الإبل ، وكانت مرعية لا تركب ، وكان يُهراق عليه الدماء ، نفرت منه ، فذهبت في كل وجه ، وغضب ربها الملكاني ، فأخذ حجرا فرماه به ، ثم قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ لا بارك الله فيك ، نفرت علي إبلي، ثم خرج في طلبها حتى جمعها ، فلما اجتمعت له قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏

أتينا إلى سعد ليجمع شملـنـا

 

فشتتنا سعد فلا نحن مـن سـعـد

وهل سعد إلا صخرة بتنـوفة

 

من الأرض لا تدعو لغي ولا رشد

دوس وصنمهم

وكان في دوس صنم لعمرو بن حمُمة الدوسي ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ سأذكر حديثه في موضعه إن شاء الله ‏‏‏‏.‏‏‏‏ نسب دوس و دوس ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ابن عدثان بن عبدالله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبدالله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ دوس ابن عبدالله بن زهران بن الأسد بن الغوث ‏‏‏‏.‏‏‏‏

عباد هبل

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له ‏‏‏‏:‏‏‏‏ هبل ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ سأذكر حديثه إن شاء الله في موضعه ‏‏‏‏.‏‏‏‏

إساف ونائلة

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ واتخذوا إسافا ونائلة ، على موضع زمزم ينحرون عندهما ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم - هو إساف بن بغي، ونائلة بنت ديك - فوقع إساف على نائلة في الكعبة ، فمسخهما الله حجرين ‏‏‏‏.‏‏‏‏

حديث عائشة عن إساف ونائلة

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة بنت عبدالرحمن بن سعد بن زرارة أنها قالت ‏‏‏‏:‏‏‏‏ سمعت عائشة رضي الله عنها تقول ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم ، أحدثا في الكعبة ، فمسخمها الله تعالى حجرين ‏‏‏‏.‏‏‏‏ والله أعلم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال أبو طالب ‏‏‏‏:‏‏‏‏

وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم

 

بمفضى السيول من إساف ونائل

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى ‏‏‏‏.‏‏‏‏فعل العرب مع أصنامهم

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه ، فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب ، فكان ذلك أخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره ، وإذا قدم من سفره تمسح به فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد ، قالت قريش ‏‏‏‏:‏‏‏‏ أجعل الآلهة إلها واحدا ، إن هذا لشيء عجاب ‏‏‏‏.‏‏‏‏

الطواغيت

وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت ، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحجاب ، وتهُدى لها كما تهدى للكعبة ، وتطوف بها كطوافها بها ، وتنحر عندها ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وهي تعرف فضل الكعبة عليها، لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده ‏‏‏‏.‏‏‏‏

العزى وسدنتها وحجابها

فكانت لقريش وبني كنانة العزى بنخلة ، وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان ، من سليم ، حلفاء بني هاشم‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ حلفاء بني أبي طالب خاصة ؛ وسليم ‏‏‏‏:‏‏‏‏ سليم بن منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فقال شاعر من العرب ‏‏‏‏:‏‏‏‏

لقد أُنكحت أسماء رأس بقـيرة

 

من الأدم أهداها امرؤ من بني غنمِ

رأى قدعا في عينها إذ يسوقها

 

إلى غبغب العزى فوسَّع في القسم

وكذلك كانوا يصنعون إذا نحروا هديا قسموه فيمن حضرهم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ والغبغب ‏‏‏‏:‏‏‏‏ المنحر ومهراق الدماء ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذان البيتان لأبي خراش الهذلي ، واسمه ‏‏‏‏:‏‏‏‏ خويلد بن مرة في أبيات له ‏‏‏‏.‏‏‏‏ من هم السدنة والسدنة ‏‏‏‏:‏‏‏‏ الذين يقومون بأمر الكعبة ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال رؤبة بن العجاج ‏‏‏‏:‏‏‏‏

فلا ورب الآمنات القطـن

 

يعمرن أمنا بالحرام المـأمـن

بمحبس الهدي وبيت المسدن

 

 

وهذا البيتان في أرجوزة له ، وسأذكرها حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه ‏‏‏‏.‏‏‏‏

اللات وسدنتها

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكانت اللات لثقيف بالطائف ، وكان سدنتها وحجاجها بنو معتب من ثقيف ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه ‏‏‏‏.‏‏‏‏

مناة وسدنتها

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكانت مناة للأوس والخزرج ، ومن دان بدينهم من أهل يثرب ، على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وقال الكميت بن زيد أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة ‏‏‏‏:‏‏‏‏

وقد آلت قبائل لا تولي

 

مناة ظهورها متحرفينـا

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏

هدم مناة

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها أبا سفيان بن حرب فهدمها ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ علي بن أبي طالب ‏‏‏‏.‏‏ ذو الخلصة وسدنته وهدمه قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكان ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة ، ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ ذو الخلصة ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال رجل من العرب ‏‏‏‏:‏‏‏‏

لو كنت يا ذا الخلص الموتورا

 

مثلي وكان شيخك المـقـبـورا

لم تنه عن قتل العـداة زورا

 

 

قال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكان أبوه قتل ، فأراد الطلب بثأره ، فأتى ذا الخلصة ، فاستقسم عنده بالأزلام ، فخرج السهم بنهيه عن ذلك ، فقال هذه الأبيات ‏‏‏‏.‏‏‏‏ومن الناس من ينحلها امرأ القيس بن حجر الكندي ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبدالله البجلي فهدمه ‏‏‏‏.‏‏‏‏

فلس و سدنته و هدمه

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكانت فلس لطيىء ومن يليها بجبلَيْ طيىء ، يعني سلمى وأجأ ‏‏‏‏.‏‏‏‏قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليها علي بن أبي طالب فهدمها ، فوجد فيها سيفين ، يقال لأحدهما ‏‏‏‏:‏‏‏‏ الرسوب ، وللآخر ‏‏‏‏:‏‏‏‏ المخذم ‏‏‏‏.‏‏‏‏ فأتى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبهما له ، فهما سيفا علي رضي الله عنه ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏

رئام

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له ‏‏‏‏:‏‏‏‏ رئام ‏‏‏‏.‏‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ قد ذكرت حديثه فيما مضى ‏‏‏‏.‏‏‏‏ رضاء وسدنته وهدمه قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام ‏‏‏‏:‏‏‏‏

ولقد شددت على رضاء شدة

 

فتركتها قفرا بقاع أسـحـمـا

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ قوله ‏‏‏‏:‏‏‏‏ فتركتها قفرا بقاع أسحما عن رجل من بني سعد ‏‏‏‏.‏‏‏‏ عُمُر المستوغر ويقال ‏‏‏‏:‏‏‏‏ إن المتسوغر عُمِّر ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة ، وكان أطول مضر كلها عمرا ، وهو الذي يقول ‏‏‏‏:‏‏‏‏

ولقد سئمت من الحياة وطولها

 

وعمرت من عدد السنين مئينـا

مائة حدتها بعدها مئتان لـي

 

وازددت من عدد الشهور سنينـا

هل ما بقي إلا كما قد فاتنـا

 

يوم يمـر و لـيلة تـحـدونـا

وبعض الناس يروي هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي ‏‏‏‏.‏‏‏‏ ‏‏

ذو الكعبات وسدنته

قال ابن إسحاق ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد ، وله يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة ‏‏‏‏:‏‏‏‏

بين الخورنق والسدير وبارق

 

والبيت ذي الكعبات من سنـداد

قال ابن هشام ‏‏‏‏:‏‏‏‏ وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي ‏‏‏‏.‏‏‏‏ نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، في قصيدة له ‏‏‏‏.‏‏‏‏ وأنشدنيه أبو محرز خلف الأحمر ‏‏‏‏:‏‏‏‏

أهل الخورنق والسدير وبارق

 

والبيت ذي الشرفات من سنـداد