رأي ابن إسحاق فيها قال ابن إسحاق : فأما البحيرة فهي بنت السائبة ، والسائبة : الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر ، سِيْبَت فلم يُركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف ؛ فما نُتجت بعد ذلك من أنثى شُقَّت أذنها ، ثم خلي سبيلها مع أمها فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها ، فهي البحيرة بنت السائبة . والوصيلة : الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ، ليس بينهن ذكر ، جعلت وصيلة . قالوا : قد وصلت ، فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم ، إلا أن أن يموت منها شيء فيشتركوا في أكله ، ذكورهم وإناثهم . قال ابن هشام : ويروى : فكان ما ولدت بعد ذلك لذكور بنيهم دون بناتهم . قال ابن إسحاق : والحامي : الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر ، حمي ظهره فلم يركب ، ولم يجز وبره ، وخلي في إبله يضرب فيها ، لا ينتفع منه بغير ذلك . ابن هشام يخالف ابن إسحاق قال ابن هشام : وهذا كله عند العرب على غير هذا إلا الحامي ، فإنه عندهم على ما قال ابن إسحاق . فالبحيرة عندهم : الناقة تشق إذنها فلا يركب ظهرها ، ولا يجز وبرها ، ولا يشرب لبنها إلا ضيف . أو يُتصدق به ، وتهُمل لآلهتهم . والسائبة: التي ينذر الرجل أن يُسيبها إن برىء من مرضه ، أو إن أصاب أمرا يطلبه . فإذا كان أساب ناقة من إبله أو جملا لبعض آلهتهم ، فسابت فرعت لا يُنتفع بها . والوصيلة : التي تلد أمها اثنين في كل بطن ، فيجعل صاحبهما لآلهته الإناث منها ولنفسه الذكور منها ، فتلدها أمها ومعها ذكر في بطن ، فيقولون : وصلت أخاها . فيسيب أخوها معها فلا ينتفع به . قال ابن هشام : حدثني به يونس بن حبيب النحوي وغيره ، وروى بعض ما لم يرو بعض :قال ابن إسحاق : فلما بعث الله تبارك وتعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنزل عليه : {( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ، ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب ، وأكثرهم لا يعقلون )} . وأنزل الله تعالى : ( وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ، ومحرم على أزواجنا ، وإن يكن ميتة فهم فيها شركاء ، سيجزيهم وصفهم ، إنه حكيم عليم ) . وأنزل الله تعالى عليه : ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا ، قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ) . وأنزل عليه : ( ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ، قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، نبئوني بعلم إن كنتم صادقين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ، قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا ، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا لِيُضل الناس بغير علم ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) .
قال ابن هشام :قال الشاعر :
حول الوصائل في شُريف حِقَّة |
|
والحاميات ظهورها والـسـيب |
وقال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة :
فيه من الأخرج المرباع قرقرة |
|
هدر الديافي وسط الهجمة البحـر |
وهذا البيت في قصيدة له . وجمع بحيرة : بحائر وبحر . وجمع وصيلة : وصائل ووصل . وجمع سائبة الأكثر : سوائب وسيَّب . وجمع حام الأكثر : حوم .
قال ابن إسحاق : وخزاعة تقول : نحن بنو عمرو بن عامر ، من اليمن . قال ابن هشام : وتقول خزاعة : نحن بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث ؛ وخندف أمها ، فيما حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم . ويقال خزاعة: بنو حارثة بن عمرو بن عامر ، وإنما سميت خزاعة لأنهم تخزعوا من ولد عمرو بن عامر ، حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام ، فنزلوا بمر الظهران فأقاموا بها . قال عون بن أيوب الأنصاري أحد بني عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة من الخزرج في الإسلام :
فلما هبطنا بطن مر تخـزعـت |
|
خزاعة منا في خـيول كـراكـر |
حمت كل واد من تهامة واحتمت |
|
بصم القنا والمرهفات الـبـواتـر |
وهذان البيتان في قصيدة له . وقال أبو المطهر إسماعيل بن رافع الأنصاري ، أحد بني حارثة بن الحارث ابن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس .
فلما هبطنا بطن مكة أحـمـدت |
|
خزاعة دار الآكل الـمـتـحـامـل |
فحلت أكاريسا وشتت قـنـابـلا |
|
على كل حي بين نـجـد وسـاحـل |
نفوا جرهما عن بطن مكة واحتبوا |
|
بعز خزاعـي شـديد الـكـواهـل |
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له ، وأنا إن شاء الله أذكر نفيها جرهما في موضعه . أولاد مدركة وخزيمة قال ابن إسحاق : فولد مدركة بن إلياس رجلين : خزيمة بن مدركة ، وهُذيل بن مدركة ؛ وأمهما امرأة من قضاعة . فولد خزيمة بن مدركة أربعة نفر : كنانة بن خزيمة ، وأسد بن خزيمة ، وأسدة بن خزيمة ، والهُون بن خزيمة ، فأم كنانة عوانة بنت سعد بن قيس عيلان بن مضر . قال ابن هشام : ويقال الهَون بن خزيمة .
قال ابن إسحاق : فولد كنانة بن خزيمة أربعة نفر : النضر بن كنانة ، ومالك بن كنانة ، وعبد مناة بن كنانة ، وملكان بن كنانة . فأم النضر برة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ، وسائر بنيه لامرأة أخرى . قال ابن هشام : أم النضر ومالك وملكان : برة بنت مر ؛ وأم عبد مناة : هالة بنت سويد بن الغطريف من أزد شنوءة . وشنوءة : عبدالله بن كعب بن عبدالله بن مالك بن نضر بن الأسد بن الغوث ، وإنما سموا شنوءة ، لشنآن كان بينهم . والشنآن : البغض .
قال ابن هشام : النضر : قريش ، فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي . قال جرير بن عطية أحد بني كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم يمدح هشام بن عبدالملك بن مروان :
فما الأم التي ولدت قريشا |
|
بمقرفة النجار ولا عـقـيم |
وما قرم بأنجب من أبيكم |
|
وما خال بأكرم من تـمـيم |
يعني برة بنت مر أخت تميم بن مر ، أم النضر . وهذان البيتان في قصيدة له . لماذا سميت قريش باسمها ويقال فهر بن مالك : قريش فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي . وإنما سميت قريش قريشا من التقرش ، والتقرش : التجارة والاكتساب . قال رؤبة بن العجاج :
قد كان يغنيهم عن الشغـوش |
|
والخشل من تساقط الـقـروش |
شحم ومحض ليس بالمغشوش |
|
|
قال ابن هشام : والشغوش : قمح ، يسمى الشغوش . والخشل : رءوس الخلأخيل والأسورة ونحوه . والقروش : التجارة والاكتساب . يقول : قد كان يغنيهم عن هذا شحم ومحض ، والمحض : اللبن الحليب الخالص وهذه الأبيات في أرجوزة له . وقال أبو جلدة اليشكري ، ويشكر بن بكر بن وائل :
إخوة قرشوا الذنوب علينا |
|
في حديث من عمرنا وقديم |
وهذا البيت في أبيات له . قال ابن إسحاق : ويقال : إنما سميت قريش قريشا لتجمعها من بعد تفرقها ، ويقال للتجمع : التقرش .
فولد النضر بن كنانة رجلين : مالك بن النضر ، ويخلد بن النضر ؛ فأم مالك : عاتكة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان ، ولا أدري أهي أم يخلد أم لا . قال ابن هشام : والصلت بن النضر - فيما قال أبو عمرو المدني - وأمهم جميعا بنت سعد بن ظرب العداوني . وعدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان . قال كثير بن عبدالرحمن ، وهو كثير عزة أحد بني مليح بن عمرو ، من خزاعة :
أليس أبي بالصلت أم ليس إخـوتـي |
|
لكل هجان من بني النـضـر أزهـرا |
رأيت ثياب العصب مختلط السـدى |
|
بنا وبهم والحضرمي الـمـخـصـرا |
فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا |
|
أراكا بـأذنـاب الـفـوائج أخـضـرا |
قال: وهذه الأبيات في قصيدة له . والذين يُعْزَوْن إلى الصلت بن النضر من خزاعة ، بنو مُلَيْح بن عمرو، رهط كثير عزة . أولاد مالك بن النضر وأمهاتهم قال ابن إسحاق : فولد مالك بن النضر فهر بن مالك، وأمه جندلة بنت الحارث بن مُضاض الجرهمي . قال ابن هشام : وليس بابن مضاض الأكبر .
قال ابن إسحاق : فولد فهر بن مالك أربعة نفر : غالب بن فهر ، ومحارب بن فهر ، والحارث بن فهر، وأسد بن فهر ، وأمهم ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة . قال ابن هشام : وجندلة بنت فهر ، وهي أم يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وأمها ليلى بنت سعد . قال جرير بن عطية بن الخطفي - واسم الخطفي حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة - :
وإذا غضبت رمى ورائي بالحصى |
|
أبناء جنـدلة كـخـير الـجـنـدل |
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : فولد غالب بن فهر رجلين : لؤي بن غالب ، وتيم بن غالب ؛ وأمهما سلمى بنت عمرو الخزاعي . وتيم بن غالب : الذين يقال لهم بنو الأدرم .قال ابن هشام : وقيس بن غالب ، وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعي ، وهي أم لؤي وتيم ابني غالب .
قال ابن إسحاق : فولد لؤي بن غالب أربعة نفر : كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي ، وسامة بن لؤي ، وعوف بن لؤي ؛ فأم كعب وعامر وسامة : ماوية بنت كعب بن القين بن جسر ، من قضاعة . قال ابن هشام : ويقال : والحارث بن لؤي : وهم جشم بن الحارث ، في هزان من ربيعة . قال جرير :
بني جشم لستم لهزان فانتـمـوا |
|
لأعلى الروابي من لؤي بن غالب |
ولا تنكحوا في آل ضور نساءكم |
|
ولا في شكيس بئس مثوى الغرائب |
وسعد بن لؤي ، وهم بنانة : في شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، من ربيعة . وبنانة : حاضنة لهم من بني القين بن جسر بن شيع الله ، ويقال سيع الله ، ابن الأسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة . ويقال : بنت النمر بن قاسط ، من ربيعة . ويقال : بنت جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة . وخزيمة بن لؤي بن غالب ، وهم عائذة في شيبان بن ثعلبة . وعائذة : امرأة من اليمن ، وهي أم بني عبيد بن خزيمة بن لؤي . وأم بني لؤي كلهم إلا عامر بن لؤي : ماوية بنت كعب بن القين بن جسر . وأم عامر بن لؤي : مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر ؛ ويقال : ليلى بنت شيبان بن محارب بن فهر . أمر سامة بن لؤي هروبه من أخيه وموته قال ابن إسحاق : فأما سامة بن لؤي فخرج إلى عمان ، وكان بها . ويزعمون أن عامر بن لؤي أخرجه ، وذلك أنه كان بينهما شيء ففقأ سامة عين عامر ، فأخافه عامر ، فخرج إلى عمان . فيزعمون أن سامة بن لؤي بينا هو يسير على ناقته ، إذ وضعت رأسها ترتع ، فأخذت حية بمشفرها فهصرتها حتى وقعت الناقة لشقها ، ثم نهشت سامة فقتلته . فقال سامة حين أحس بالموت فيما يزعمون :
عين فابكي لسامة بـن لـؤي |
|
علقت ساق سـامة الـعـلاقـه |
لا أرى مثل سامة بـن لـؤي |
|
يوم حلوا به قـتـيلا لـنـاقـه |
بلغا عامرا وكعـبـا رسـولا |
|
أن نفسي إليهمـا مـشـتـاقـه |
إن تكن في عمان داري فإني |
|
غالبي ، خرجت من غير فاقـه |
رب كأس هرقت يا ابن لؤي |
|
حذر الموت لم تكن مهـراقـه |
رمت دفع الحتوف يا ابن لؤي |
|
ما لمن رام ذاك بالحتف طاقـه |
وخروس السرى تركت رديا |
|
بعـد جـد وجـدة ورشـاقـه |
قال ابن هشام : وبلغني أن بعض ولده أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتسب إلى سامة بن لؤي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آلشاعر ؟ فقال له بعض أصحابه : كأنك يا رسول الله أردت قوله:
رب كأس هرقت يا ابن لؤي |
|
حذر الموت لم تكن مهـراقـه |
قال : أجل . أمر عوف بن لؤي ونقلته سبب انتمائه إلى غطفان قال ابن إسحاق : وأما عوف بن لؤي فإنه خرج - فيما يزعمون - في ركب من قريش ، حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ، أُبطىء به ، فانطلق من كان معه من قومه ، فأتاه ثعلبة بن سعد ، وهو أخوه في نسب بني ذبيان - ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان . وعوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان - فحبسه . وزوجه والتاطه وأخاه . فشاع نسبه في بن ذبيان . وثعلبة - فيما يزعمون - الذي يقول لعوف حين أبطىء به فتركه قومه :
احبس علي ابن لؤي جملكْ |
|
تركك القوم ولا منـزل لـكْ |
قال ابن إسحاق : فهو في نسب غطفان : مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان . وهم يقولون إذا ذكر لهم هذا النسب : ما ننكره وما نجحده ، وإنه لأحب النسب إلينا . وقال الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع - قال ابن هشام : أحد بني مرة بن عوف - حين هرب من النعمان بن المنذر فلحق بقريش :
فما قومي بثعلبة بـن سـعـد |
|
ولا بفزراة الشعـر الـرقـابـا |
وقومي ، إن سألت ، بنو لؤي |
|
بمكة علموا مضر الـضـرابـا |
سفهنا باتباع بنـي بـغـيض |
|
وترك الأقربين لنا انـتـسـابـا |
سفاهة مخلف لـمـا تـروى |
|
هراق الماء واتبـع الـسـرابـا |
فلو طووعت عمرك كنت فيهم |
|
وما ألفيت أنتجـع الـسـحـابـا |
وخش رواحة القرشي رحلي |
|
بناجية ولـم يطـلـب ثـوابـا |
قال ابن هشام : هذا ما أنشدني أبو عبيد منها . قال ابن إسحاق : فقال الحصين بن الحمام المري ، ثم أحد بني سهم بن مرة ، يرد على الحارث بن ظالم ، وينتمي إلى غطفان :
ألا لستم منا ولسنا إلـيكـم |
|
برئنا إليكم من لؤي بن غالـب |
أقمنا على عز الحجاز وأنتم |
|
بمعتلج البطحاء بين الأخاشب |
يعني قريشا . ثم ندم الحصين على ما قال ، وعرف ما قال الحارث بن ظالم فانتمى إلى قريش وأكذب نفسه ، فقال :
ندمت على قول مضى كنت قلته |
|
تبينـت فـيه أنـه قـول كـاذب |
فليت لساني كان نصفين منهمـا |
|
بكيم ونصف عند مجرى الكواكـب |
أبونا كنانـي بـمـكة قـبـره |
|
بمعتلج البطحاء بـين الأخـاشـب |
لنا الربع من بيت الحرام وراثة |
|
وربع البطاح عند دار ابن حاطـب |
أي أن بني لؤي كانوا أربعة : كعبا ، وعامرا ،وسامة ،وعوفا . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجال من بني مرة : إن شئتم أن ترجعوا إلى نسبكم فارجعوا اليه .
قال ابن إسحاق : وكان القوم أشرافا في غطفان ، هم سادتهم وقادتهم . منهم : هرم بن سنان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة ، وخارجة بن سنان بن أبي حارثة ، والحارث بن عوف ، والحصين بن الحمام ، وهاشم بن حرملة الذي يقول له القائل :
أحيا أباه هاشم بن حرملهْ |
|
يوم الهباآت ويوم اليعمـلـهْ |
ترى الملوك عنده مغربله |
|
يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له |
هاشم بن حرملة ، و عامر الخصفي قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات لعامر الخصفي ، خصفة بن قيس بن عيلان :
أحيا أباه هاشم بن حرمله |
|
يوم الهباآت ويوم اليعمـلـه |
ترى الملوك عنده مغربله |
|
يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له |
ورمحه للوالدات مثكلـهْ |
|
|
قال ابن هشام : وحدثني أن هاشما قال لعامر : قل في بيتا جيدا أثبك عليه ؛ فقال عامر البيت الأول ، فلم يعجب هاشما : ثم قال الثاني ، فلم يعجبه ،؛ ثم قال الثالث ، فلم يعجبه ؛ فلما قال الرابع :
يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له |
|
|
أعجبه ، فأثابه عليه . قال ابن هشام : وذلك الذي أراد الكميت بن زيد في قوله :
وهاشم مرة المفني ملوكا |
|
بلا ذنب إليه ومـذنـبـينـا |
وهذا البيت في قصيدة له . وقول عامر يوم الهباآت عن غير أبي عبيدة .
قال ابن إسحاق : قوم لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كلها ، فأقاموا على نسبهم ، وفيهم كان البَسْل . أمر البسل تعريف البسل والبسل - فيما يزعمون - نسيئهم ثمانية أشهر حرم ، لهم من كل سنة من بين العرب قد عرفت ذلك لهم العرب لا ينكرونه ولا يدفعونه ، يسيرون به إلى أي بلاد العرب شاءوا ، لا يخافون منهم شيئا . قال زهير بن أبي سلمى ، يعني بني مرة :نسب زهير بن أبي سلمى - قال ابن هشام: زهير أحد بني مزينة بن أد بن طابخة بن اليا س بن مضر ، ويقال زهير بن أبي سلمى من غطفان ، ويقال : حليف في غطفان -
تأمل فإن تقو المروراة منهم |
|
وداراتها لا تقو منهم إذا نخـل |
بلاد بها نادمتهم وألفتـهـم |
|
فإن تقويا منهم فإنهـم بـسـل |
أي حرام ، يقول : ساروا في حرمهم . قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وقال أعشى بن قيس بن ثعلبة :
أجارتكم بسل علينا محرم |
|
وجارتنا حل لكم وحليلـهـا |
قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : فولد كعب بن لؤي ثلاثة نفر : مرة بن كعب ، وعدي بن كعب ، وهصيص بن كعب. وأمهم وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر بن مالك بن النضر .
فولد مرة بن كعب ثلاثة نفر : كلاب بن مرة ، وتيم بن مرة ، ويقظة بن مرة . فأم كلاب : هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة . وأم يقظة : البارقية ، امرأة من بارق ، من الأسد من اليمن . ويقال : هي أم تيم . ويقال : تيم لهند بنت سرير أم كلاب .
قال ابن هشام : بارق : بنو عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث ، وهم في شنوءة . قال الكميت بن زيد :
وأزد شتوءة اندرءوا علينا |
|
بجم يحسبون لهـا قـرونـا |
فما قلنا لبارق قد أسأتـم |
|
وما قلنا لبارق أعتـبـونـا |
قال : وهذان البيتان في قصيدة له . وإنما سموا ببارق ، لأنهم تبعوا البرق .
قال ابن إسحاق : فولدكلاب بن مرة رجلين : قصي بن كلاب ، وزهرة بن كلاب . وأمهما فاطمة بنت سعد بن سيل أحد بنى الجدرة ، من جعثمة الأزد ، من اليمن ، حلفاء في بنى الديل بن بكر بن عبد مناف بن كنانة .
ما نرى في الناس شخصا واحـدا |
|
من علمناه كـسـعـد بـن سـيلْ |
فارسا أضـبـط فـيه عـسـرة |
|
وإذا مـا واقـف الـقـرن نـزل |
فارسا يستدرج الخيل كما استدرج |
|
الحر الـقـطـامـي الـحـجـل |
قال ابن إسحاق : قوله : ( كما استدرج الحر ) عن بعض أهل العلم بالشعر .
قال ابن هشام : ونعم بنت كلاب ، وهي أم سعد وسُعيد ابني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، وأمها فاطمة بنت سعد بن سيل .
قال ابن إسحاق : فولد عبد مناف - واسمه المغيرة بن قصي - أربعة نفر : هاشم بن عبد مناف ، وعبد شمس بن عبد مناف ، والمطلب بن عبد مناف ، وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة ، ونوفل بن عبد مناف ، وأمه واقدة بنت عمرو المازنية ، مازن بن منصور بن عكرمة .
قال ابن هشام : فبهذا النسب خالفهم عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب ابن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة . عود إلى أولاد عبد مناف قال ابن هشام : وأبو عمرو ، وتماضر ، وقلابة ، وحية ، وريطة ، وأم الأخثم ، وأم سفيان : بنو عبد مناف . فأم أبي عمرو : ريطة ، امرأة من ثقيف ؛ وأم سائر النساء : عاتكة بنت مرة بن هلال ، أم هاشم بن عبد مناف ؛ وأمها صفية بنت حوزة بن عمرو بن سلول بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ؛ وأم صفية : بنت عائذ الله بن سعد العشيرة بن مذحج .
قال ابن هشام : فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر ، وخمسة نسوة : عبدالمطلب بن هاشم ، وأسد بن هاشم ، وأبا صيفي بن هاشم ، ونضلة بن هاشم ، والشفاء ، وخالدة ، وضعيفة ، ورقية ، وحية . فأم عبدالمطلب ورقية : سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن حرام بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار . واسم النجار : تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر . وأمها : عميرة بنت صخر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار . وأم عميرة : سلمى بنت عبدالأشهل النجارية . وأم أسد : قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعي . وأم أبي صيفي وحية : هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية . وأم نضلة والشفاء : امرأة من قضاعة . وأم خالدة وضعيفة : واقدة بنت أبي عدي المازنية .
أولاد عبدالمطلب وامهاتهم قال ابن هشام : فولد عبدالمطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة : العباس ، وحمزة ، وعبدالله ، وأبا طالب - واسمه عبد مناف - والزبير ، والحارث ، وحجلا ، والمقوم ، وضرارا، وأبا لهب - واسمه عبدالعزى - وصفية ، وأم حكيم البيضاء ، وعاتكة ، وأميمة ، وأروى ، و برة . فأم العباس وضرار : نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر - وهو الضحيان - بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار . ويقال : أفصى بن دعمي بن جديلة . وأم حمزة والمقوم وحجل ، وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره ، وسعة ماله ، وصفية : هالة بنت وهيب بن عبد مناة بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي . وأم عبدالله ، وأبي طالب ، والزبير ، وجميع النساء غير صفية : فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأمها : صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأم صخرة : تخمر بنت عبد بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأم الحارث بن عبدالمطلب : سمراء بنت جندب بن جحير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة . وأم أبي لهب : لُبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي .
قال ابن هشام : فولد عبدالله بن عبدالمطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، صلوات الله وسلامة ورحمته وبركاته عليه وعلى آله .وأمه : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأمها : برة بنت عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأم برة : أم حبيب بنت أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأم أم حبيب : برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . قال ابن هشام : فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف ولد آدم حسبا ، وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمه صلى الله عليه وسلم .
قال : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام قال : وكان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا به زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي : بينما عبدالمطلب بن هاشم نائم في الحجر ، إذ أتي فأمر بحفر زمزم ، وهي دفن بين صنمي قريش : إساف ونائلة ، عند منحر قريش . وكانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة ، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، التي سقاه الله حين ظمىء وهو صغير ، فالتمست له أمه ماء فلم تجده ، فقامت إلى الصفا تدعو الله وتستغيثه لإسماعيل ، ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك . وبعث الله تعالى جبريل عليه السلام ، فهمز له بعقبه في الأرض ، فظهر الماء، وسمعت أمه أصوات السباع فخافتها عليه ، فجاءت تشتد نحوه ، فوجدته يفحص بيده عن الماء من تحت خده ويشرب ، فجعلته حِسْيا . أمر جرهم ودفن زمزم ولاة البيت من ولد إسماعيل قال ابن هشام : وكان من حديث جرهم ، ودفنها زمزم ، وخروجها من مكة ، ومن ولي أمر مكة بعدها إلى أن حفر عبدالمطلب زمزم ، ما حدثنا به زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال : لما توفي إسماعيل بن إبراهيم ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل ما شاء الله أن يليه ، ثم ولي البيت بعده مُضاض بن عمرو الجرهمي . قال ابن هشام : ويقال : مِضاض بن عمرو الجرهمي . بغي جرهم و قطوراء ، و ما كان بينهما قال ابن إسحاق : وبنو إسماعيل وبنو نابت مع جدهم مضاض بن عمرو وأخوالهم من جرهم . وجرهم وقطوراء يومئذ أهل مكة ، وهما ابنا عم ، وكانا ظعنا من اليمن ، فأقبلا سيارة ، وعلى جرهم مضاض بن عمرو ، وعلى قطوراء السميدع ، رجل منهم . وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم . فلما نزلا مكة رأيا بلدا ذا ماء وشجر ، فأعجبهما فنزلا به . فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم بأعلى مكة بقعيقعان فما حاز . ونزل السميدع بقطوراء ، أسفل مكة بأجياد فما حاز . فكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها ، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ، وكل في قومه لا يدخل واحد منهما على صاحبه . ثم إن جرهم وقطوراء ، بغى بعضهم على بعض، وتنافسوا الملك بها ، ومع مضاض يومئذ بنو إسماعيل وبنو نابت ، وإليه ولاية البيت دون السميدع ، فصار بعضهم إلى بعض ، فخرج مضاض بن عمرو بن قعيقعان في كتيبته سائرا إلى السميدع ، ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب ، يُقعقع بذلك معه ، فيقال : ما سمي قُعَيْقعان بقعيقعان إلا لذلك . وخرج السميدع من أجياد ومعه الخيل والرجال ، فيقال : ما سمي أجياد أجيادا إلا لخروج الجياد من الخيل مع السميدع منه . فالتقوا بفاضح ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فقُتل السميدع ، وفضحت قطوراء . فيقال : ما سمي فاضح فاضحا إلا لذلك .ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح ، فساورا حتى نزلوا المطابخ : شعبا بأعلى مكة ، واصطلحوا به ، وأسلموا الأمر إلى مضاض . فلما جمع إليه أمر مكة فصار ملكها له ، نحر للناس فأطعمهم ، فاطَّبخ الناس وأكلوا ، فيقال : ما سميت المطابخ المطابخ إلا لذلك . وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ ، لما كان تُبَّع نحر بها وأطعم ، وكان منزله . فكان الذي كان بين مضاض والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون . انتشار ولد إسماعيل و جرهم بمكة ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة ، وأخوالهم من جرهم ، ولاة البيت والحكام بمكة ، لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخئولتهم وقرابتهم ، وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال . فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد ، فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فوطئوهم .
بنو بكر وغبشان يطردون جرهما ثم إن جرهما بغوا بمكة ، واستحلوا خلالا من الحرمة ، فظلموا من دخلها من غير أهلها ، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ، وفرق أمرهم . فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وغبشان من خزاعة ذلك ، أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة . فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا ، فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة . وكانت مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا ، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته ، فكانت تسمى الناسَّة ، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك مكانه ، فقال : إنها ما سميت ببكة إلا أنها كانت تبكّ أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها شيئا .
قال ابن هشام : أخبرني أبو عبيدة : أن بكة اسم لبطن مكة ، لأنهم يتباكون فيها ، أي يزدحمون . وأنشدني :
إذا الشريب أخذته أكَّه |
|
فخله حتى يبـكّ بـكَّـه |
أي فدعه حتى يبك إبله ، أي يخليها إلى الماء فتزدحم عليه . وهو موضع البيت والمسجد . وهذان البيتان لعامان بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة بن تميم . قال ابن إسحاق : فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بغزالي الكعبة وبحجر الركن ، فدفنها في زمزم ، وانطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن ، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا . فقال عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض في ذلك ، وليس بمضاض الأكبر :
وقائلة والدمع سـكـب مـبـادر |
|
وقد شرقت بالدمع منها المحـاجـر |
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا |
|
أنيس ولم يسمـر بـمـكة سـامـر |
فقلت لها والقلب مني كـأنـمـا |
|
يلجلجه بـن الـجـنـاحـين طـائر |
بلى نحن كنا أهلهـا فـأزالـنـا |
|
صروف الليالي والجدود العـواثـر |
وكنا ولاة البيت من بعـد نـابـت |
|
نطوف بذاك البيت والخير ظـاهـر |
ونحن ولينا البيت من بعد نـابـت |
|
بعز فما يحظى لدينـا الـمـكـاثـر |
ملكنا فعززنا فأعظم بمـلـكـنـا |
|
فليس لحـي غـيرنـا ثـم فـاخـر |
ألم تنكحوا من خير شخص علمته |
|
فأبناؤه منـا ونـحـن الأصـاهـر |
فإن تنثن الدنيا علينا بـحـالـهـا |
|
فإن لها حالا وفيهـا الـتـشـاجـر |
فأخرجنا منها المـلـيك بـقـدرة |
|
كذلك يا للناس تجـري الـمـقـادر |
أقول إذا نام الخـلـي ولـم أنـم |
|
أذا العرش : لا يبعد سهيل وعـامـر |
وبدلت منها أوجهـا لا أحـبـهـا |
|
قبائل مـنـهـا حـمـير ويحـابـر |
وصرنا أحاديثا وكنـا بـغـبـطة |
|
بذلك عضتنا السـنـون الـغـوابـر |
فسحت دموع العين تبكي لبـلـدة |
|
بها حرم أمن وفيها الـمـشـاعـر |
وتبكي لبيت ليس يؤذى حمـامـه |
|
يظل به أمنا وفـيه الـعـصـافـر |
وفـيه وحـوش لا تـرام أنـيسة |
|
إذا خرجت منه فلـيسـت تـغـادر |
قال ابن هشام : ( فأبناؤه منا ) ، عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال عمرو بن الحارث أيضا يذكر بكرا وغبشان ، وساكني مكة الذين خلفوا فيها بعدهم :
يا أيها الناس سيروا إن قصركم |
|
أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونـا |
حثوا المطي وأرخوا من أزمتها |
|
قبل الممات وقضوا ما تقضـونـا |
كنا أناسا كما كنتم فـغـيرنـا |
|
دهر فأنتم كما كنا تـكـونـونـا |
قال ابن هشام : هذا ما يصح له منها . وحدثني بعض أهل العلم بالشعر : أن هذه الأبيات أول شعر قيل في العرب ، وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن ، ولم يسم لي قائلها .
قال ابن إسحاق : ثم إن غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة ، وكان الذي يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشاني ، وقريش إذ ذاك حلول وصرم ، وبيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة ، فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر ، حتى كان آخرهم حليل بن حَبَشِيّة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي . قال ابن هشام : يقال حُبْشِية بن سلول . تزوج قصي بن كلاب حُبىَّ بنت حليل أولاد قصي وحبي قال ابن إسحاق : ثم إن قصي بن كلاب خطب إلى حليل بن حبشية ابنته حبى ، فرغب فيه حُليل فزوجه ، فولدت له عبدالدار ، وعبد مناف ، وعبدالعزى ، وعبدا . فلما انتشر ولد قصي، وكثر ماله ، وعظم شرفه ، هلك حليل . مساعدة رزاح لقصي في تولي أمر البيت فرأى قصي أنه أولى بالكعبة ، وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر ، وأن قريشا قُرعة إسماعيل بن إبراهيم وصريح ولده ؛ فكلم رجالا من قريش ، وبني كنانة ، ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة ، فأجابوه . وكان ربيعة بن حرام من عذرة بن سعد بن زيد قد قدم مكة بعدما هلك كلاب ، فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل ، وزهرة يومئذ رجل ، وقصي فطيم ، فاحتملها إلى بلاده ، فحملت قصيا معها ، وأقام زهرة ، فولدت لربيعة رزاحا . فلما بلغ قصي وصار رجلا أتى مكة ، فأقام بها ، فلما أجابه قومه إلى ما دعاهم إليه ، كتب إلى أخيه من أمه ، رزاح بن ربيعة ، يدعوه إلى نصرته ، والقيام معه . فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته : حن بن ربيعة ، ومحمود بن ربيعة ، وجلهمة بن ربيعة ، وهم لغير أمه فاطمة ، فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب ، وهم مجمعون لنصرة قصي . وخزاعة تزعم أن حليل بن حبشية أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد ما انتشر . وقال : أنت أولى بالكعبة، وبالقيام عليها ، وبأمر مكة من خزاعة ؛ فعند ذلك طلب قصي ما طلب . ولم نسمع ذلك من غيرهم ، فالله أعلم أي ذلك كان . ما كان يليه الغوث بن مر من الإجازة للناس بالحج وكان الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة ، وولده من بعده ؛ وكان يقال له ولولده صُوفة . وإنما ولي ذلك الغوث بن مر ، لأن أمه كانت امرأة من جرهم ، وكانت لا تلد ، فنذرت لله إن هي ولدت رجلا أن تصدق به على الكعبة عبدا لها يخدمها ، ويقوم عليها . فولدت الغوث ، فكان يقوم على الكعبة في الدهر الأول مع أخواله من جرهم ، فولي الإجازة بالناس من عرفة ، لمكانه الذي كان به من الكعبة ، وولده من بعده حتى انقرضوا . فقال مر بن أد لوفاء نذر أمه :
إني جعلت رب من بَنيَّه |
|
ربيطة بمـكة الـعـلـيَّه |
فباركن لي بـهـا ألـيَّه |
|
واجعله لي من صالح البريَّه |
وكان الغوث بن مر - فيما زعموا - إذا دفع بالناس قال :
لاهُمَّ إني تابع تَباعـه |
|
إن كان إثم فعلى قُضاعه |
قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عباد قال :كانت صوفة بالناس من عرفة ، وتجيز بهم إذا نفروا من منى ، فإذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ، ورجل من صوفة يرمي للناس ، لا يرمون حتى يرمي . فكان ذوو الحاجات المتعجلون يأتونه ، فيقولون له : قم فارم حتى نرمي معك ؛ فيقول : لا والله ، حتى تميل الشمس . فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجل يرمونه بالحجارة، ويستعجلونه بذلك ، ويقولون له : ويلك ! قم فارم ؛ فيأبى عليهم . حتى إذا مالت الشمس قام فرمى ورمى الناس معه .
قال ابن إسحاق : فإذا فرغوا من رمي الجمار وأرادوا النفر من منى ، أخذت صوفة بجانبي العقبة ، فحبسوا الناس وقالوا : أجيزي صوفة ، فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا ، فإذا نفرت صوفة ومضت خلي سبيل الناس فانطلقوا بعدهم فكانوا كذلك حتى انقرضوا ، فورثهم ذلك من بعدهم بالقُعدد بنو سعد بن زيد مناة بن تميم ، وكانت من بني سعد في آل صفوان بن الحارث بن شجنة .
قال ابن هشام : صفوان بن جناب بن شجنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
قال ابن إسحاق : وكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة ، ثم بنوه من بعده ، حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام ، كرب بن صفوان ، وقال أوس ابن تميم بن مغراء السعدي :
لا يبرح الناس ما حجوا معرفهم |
|
حتى يقال أجيزوا آل صـفـوانـا |
قال ابن هشام : هذا البيت في قصيدة لأوس بن مغراء .
ذو الإصبع يذكر هذه الإفاضة وأما قول ذي الإصبع العدواني ، واسمه حرثان ( من عدوان ) ابن عمرو ؛ وإنما سمي ذا الإصبع لأنه كان له إصبع فقطعها :
عذير الحي من عدوا ن |
|
كانـوا حـــية الأرضِ |
بغي بعضهم ظلـمـا |
|
فلم يرع علـى بـعـض |
ومنهم كانت الـسـادا |
|
ت والموفون بالـقـرض |
ومنهم من يجيز النا س |
|
بالـسـنة والـفــرض |
ومنهم حكم يقـضـي |
|
فلا ينقض مـا يقـضـي |
أبو سيارة يفيض بالناس - وهذه الأبيات في قصيدة له - فلأن الإفاضة من المزدلفة كانت في عداون - فيما حدثني زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق - يتوارثون ذلك كابرا عن كابر . حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام أبو سيارة ، عميلة بن الأعزل . ففيه يقول شاعر من العرب :
نحن دفعنا عن أبي سيارهْ |
|
وعن مواليه بنـي فـزاره |
حتى أجاز سالما حماره |
|
مستقبل القبلة يدعو جـاره |
قال : وكان أبو سيارة يدفع بالناس على أتان له ، فلذلك يقول : ( سالما حماره ) . أمر عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان ابن الظرب حاكم العرب قال ابن إسحاق : وقوله ( حكم يقضي ) يعني عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان العدواني . وكانت العرب لا يكون بينها نائرة ولا عضلة في قضاء إلا أسندوا ذلك إليه ثم رضوا بما قضى فيه . فاختصم إليه في بعض ما كانوا يختلفون فيه ، في رجل خنثى ، له ما للرجل وله ما للمرأة ، فقالوا : أتجعله رجلا أو امرأة ؟ ولم يأتوه بأمر كان أعضل منه . فقال : حتى أنظر في أمركم ، فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب ! فاستأخروا عنه . فبات ليلته ساهرا ، يقلب أمره ، وينظر في شأنه ، لا يتوجه له منه وجه . وكانت له جارية يقال لها سخيلة ترعى عليه غنمه ، وكان يعاتبها إذا سرحت فيقول : صبحت والله يا سخيل ! وإذا أراحت عليه قال : مسيت والله يا سخيل ! وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها بعض الناس ، وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس .فلما رأت سهره وقلة قراره على فراشه قالت : ما لك لا أبا لك! ما عراك في ليلتك هذه ؟ قال : ويلك ! دعيني ، أمر ليس من شأنك ؛ ثم عادت له بمثل قولها . فقال في نفسه : عسى أن تأتي مما أنا فيه بفرج ؛ فقال : ويحك ! اختصم إلي في ميراث خنثى ، أأجلعه رجلا أو امرأة ؟ فوالله ما أدرى ما أصنع ، وما يتوجه لي فيه وجه . قال : فقالت : سبحان الله ! لا أبا لك ! أتبع القضاء المبال ، أقعده ، فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة ، فهي امرأة . قال : مسِّي سخيل بعدها أو صبِّحي ، فرجتها والله . ثم خرج على الناس حين أصبح ، فقضى بالذي أشارت عليه به . غلب قصي بن كلاب على أمر مكة وجمعه أمر قريش ومعونة قضاعة له
قال ابن إسحاق : فلما كان ذلك العام فعلت صوفة كما كانت تفعل ، وقد عرفت ذلك لها العرب ، وهو دين في أنفسهم في عهد جرهم وخزاعة وولايتهم . فأتاهم قصي بن كلاب بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة ، فقال : لنحن أولى بهذا منكم ، فقاتلوه ، فاقتتل الناس قتالا شديدا ، ثم انهزمت صوفة ، وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم من ذلك . قصي يقاتل خزاعة وبني بكر و تحكيم يعمر بن عوف وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصي ، وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة ، وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة . فلما انحازوا عنه باداهم وأجمع لحربهم ، و ثبت معه أخوه رزاح بن ربيعة بمن معه من قومه من قضاعة . وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا ، فاقتتلوا قتالا شديدا بالأبطح ، حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا ، ثم إنهم تداعوا إلى الصلح وإلى أن يحكموا بينهم رجلا من العرب ، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ؛ فقضى بينهم بأن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة ، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر ، موضوع يشدخه تحت قدميه ، وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداة ، وأن يخلَّى بين قصي وبين الكعبة ومكة . سبب تسمية يعمر بالشداخ فسمي يعمر بن عوف يومئذ : الشداخ ، لما شدخ من الدماء ووضع منها . قال ابن هشام : و يقال : الشُّداخ .
قال ابن إسحاق : فولى قصي البيت وأمر مكة ، وجمع قومه في منازلهم إلى مكة ، وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه . إلا أنه قد أقر للعرب ما كانوا عليه ، وذلك أنه كان يراه دينا في نفسه لا ينبغي تغييره. فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه ، حتى جاء الإسلام فهدم الله به ذلك كله . فكان قصي أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه ، فكانت إليه الحجابة، والسقاية، والرفادة ، والندوة ، واللواء ، فحاز شرف مكة كله . وقطع مكة رباعا بين قومه ، فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التي أصبحوا عليها ، ويزعم الناس أن قريشا هابوا قطع شجر الحرم في منازلهم فقطعها قصي بيده وأعوانه ، فسمته قريش مجمعا لما جمع من أمرها ،ة وتيمنت بأمره ، فما تنكح امرأة ، ولا يتزوج رجل من قريش ، وما يتشاورون في أمر نزل بهم ، ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم إلا في داره ، يعقده لهم بعض ولده ، وما تدرع جارية إذا بلغت أن تدرع من قريش إلا في داره ، يشق عليها فيها درعها ثم تدرعه ، ثم ينطلق بها إلى أهلها . فكان أمره في قومه من قريش في حياته ، ومن بعد موته ، كالدين المتبع لا يعمل بغيره . واتخذ لنفسه دار الندوة وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ، ففيها كانت قريش تقضي أمورها . قال ابن هشام : وقال الشاعر :
قصي لعمري كان يدعى مجمعا |
|
به جمع الله القبائل مـن فـهـر |
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالملك بن راشد عن أبيه قال : سمعت السائب بن خبَّاب صاحب المقصورة يحدث ، أنه سمع رجلا يحدث عمر بن الخطاب ، وهو خليفة ، حديث قصي بن كلاب ، وما جمع من أمر قومه ، وإخراجه خزاعة وبني بكر من مكة ، وولايته البيت وأمر مكة ، فلم يرد ذلك عليه ولم ينكره. شعر رزاح بن ربيعة في هذه القصة قال ابن إسحاق : فلما فرغ قصي من حربه، انصرف أخوه رزاح بن ربيعة إلى بلاده بمن معه من قومه ، وقال رزاح في إجابته قصيا :
لما أتى من قصي رسـول |
|
فقال الرسول أجيبوا الخلـيلا |
نهضنا إليه نقود الـجـياد |
|
ونطرح عنا الملول الثـقـيلا |
نسير بها الليل حتى الصباح |
|
ونكمي النهـار لـئلا تـزولا |
فهن سراع كورد القـطـا |
|
يجبن بنا من قصـي رسـولا |
جمعنا من السر من أشمذين |
|
ومن كل حي جمعنا قـبـيلا |
فيا لك حـلـبة مـا لـيلة |
|
تزيد على الألف سيبا رسـيلا |
فلما مررن على عسـجـد |
|
وأسهلن من مستناخ سـبـيلا |
وجاوزن بالركن من ورقان |
|
وجاوزن بالعرج حيا حلـولا |
مررن على الحلِّ ما ذقنـه |
|
وعالجن من مر ليلا طـويلا |
ندنى من العوذ أفـلاءهـا |
|
إرادة أن يسترقن الصـهـيلا |
فلما انتهـينـا إلـى مـكة |
|
أبحنا الرجال قبـيلا قـبـيلا |
نعاورهم ثم حد الـسـيوف |
|
و في كل أوب خلسنا العقولا |
نخبزهم بصلاب النسـو ر |
|
خبز القوي العزيز الـذلـيلا |
قتلنا خزاعة فـي دارهـا |
|
وبكرا قتلنا وجـيلا فـجـيلا |
نفيناهم من بلاد المـلـيك |
|
كما لا يحلون أرضا سهـولا |
فأصبح سبيهم في الحـديد |
|
ومن كل حي شفينا الغـلـيلا |
شعر ثعلبة القضاعي في هذه القصة وقال ثعلبة بن عبدالله بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم القضاعي في ذلك من أمر قصي حين دعاهم فأجابوه :
جلبنا الخيل مضمرة تغالى |
|
من الأعراف أعراف الجناب |
إلى غورى تهامة فالتقينـا |
|
من الفيفاء في قـاع يبـاب |
فأما صوفة الخنثى فخلوا |
|
منازلهم محاذرة الـضـراب |
وقام بنو علـي إذ رأونـا |
|
إلى الأسياف كالإبل الطراب |
شعر قصي وقال قصي بن كلاب :
أنا ابن العاصمين بني لؤي |
|
بمكة منزلي وبـهـا ربـيت |
إلى البطحاء قد علمت معد |
|
ومروتها رضيت بها رضيت |
فلست لغالب إن لم تأثـل |
|
بها أولاد قـيذر والـنـبـيت |
رزاخ ناضري وبه أسامى |
|
فلست أخاف ضيما ما حييت |
ما كان بين رزاح و بين نهد و حوتكة ، وشعر قصي في ذلك فلما استقر رزاح بن ربيعة في بلاده ، نشره الله ونشر حُنَّا ، فهما قبيلا عذرة اليوم . وقد كان بين رزاح بن ربيعة ، حين قدم بلاده ، وبين نهد ابن زيد وحوتكة بن أسلم ، وهما بطنان من قضاعة ، شيء ؛ فأخافهم حتى لحقوا باليمن وأجلوا من بلاد قضاعة ، فهم اليوم باليمن . فقال قصي بن كلاب ، وكان يحب قضاعة ونماءها واجتماعها ببلادها ، لما بينه وبين رزاح من الرحم ، ولبلائهم عنده إذال أجابوه إذ دعاهم إلى نصرته ، وكره ما صنع بهم رزاح:
ألا من مبلغ عنى رزاحا |
|
فإني قد لحيتك في اثنـتـين |
لحيتك في بني نهد بن زيد |
|
كما فرقت بينهـم وبـينـي |
وحوتكة بن أسلم إن قوما |
|
عنوهم بالمساءة قد عنونـي |
قال ابن هشام : وتروى هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي . قصي يفضل عبدالدار على سائر ولده قال ابن إسحاق : فلما كبر قصي ورق عظمه ، وكان عبدالدار بكره ، وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب كل مذهب ، وعبدالعزى وعبد . قال قصي لعبدالدار : أما والله يا بني لأُلحْقنَّك بالقوم ، وإن كانوا قد شرفوا عليك : لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها له ، ولا يعقد لقريش لواء لحربها إلا أنت بيدك ، ولا يشرب أحد بمكة إلا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إلا من طعامك ، ولا تقطع قريش أمرا من أمورها إلا في دارك . فأعطاه داره دار الندوة ، التى لا تقضي قريش أمرا من أمورها إلا فيها ، وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة . الرفادة وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصي بن كلاب ، فيصنع به طعاما للحاج ، فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد . وذلك أن قصيا فرضه على قريش ، فقال لهم حين أمرهم به : ( يا معشر قريش ، إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم ، وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته ، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج ، حتى يصدروا عنكم ففعلوا . فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه ، فيصنعه طعاما للناس أيام منى . فجرى ذلك من أمره في الجاهلية على قومه حتى قام الإسلام ، ثم جرى في الإسلام إلى يومك هذا ، فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام بمنى للناس حتى ينقضي الحج ) . قال ابن إسحاق : حدثني بهذا من أمر قصي بن كلاب ، وما قال لعبدالدار فيما دفع إليه مما كان بيده ، أبو إسحاق بن يسار ، عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال : سمعته يقول ذلك لرجل من بني عبدالدار ، يقال له : نبيه بن وهب بن عمر بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي . قال الحسن : فيجعل إليه قصي كل ما كان بيده من أمر قومه ، وكان قصي لا يخالف ، ولا يرد عليه شيء صنعه .
قال ابن إسحاق : ثم إن قصي بن كلاب هلك ، فأقام أمره في قومه وفي غيرهم بنوه من بعده ، فاختطوا مكة رباعا - بعد الذي كان قطع لقومه بها - فكانوا يقطعونها في قومهم وفي غيرهم من حلفائهم ويبيعونها ؛ فأقامت على ذلك قريش معهم ليس بينهم اختلاف ولا تنازع ، ثم إن بني عبد مناف بن قصي عبد شمس وهاشما والمطلب ونوفلا أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدي بني عبدالدار بن قصي مما كان قصي جعل إلى عبدالدار ، من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ، ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم وفضلهم في قومهم ؛ فتفرقت عند ذلك قريش ، فكانت طائفة مع بني عبد مناف على رأيهم يرون أنهم حق به من بني عبدالدار لمكانهم في قومهم ، وكانت طائفة مع بني عبدالدار ، يرون أن لا ينزع منهم ما كان قصي جعل إليهم .
فكان صاحب أمر بني عبد مناف عبد شمس بن عبد مناف ، وذلك أنه كان أسن بني عبد مناف ، وكان صاحب أمر بني عبدالدار عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار .
وتعاقد بنو عبدالدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا ، على أن لا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا ، فسموا الأحلاف .
ثم سوند بين القبائل ، ولُزّ بعضها ببعض ؛ فعبيت بنو عبد مناف لبني سهم ، وعبِّيت بنو أسد لبني عبدالدار ، وعبيت زهرة لبني جمح ، وعبيت بنو تيم لبني مخزوم ، وعبيت بنو الحارث بن فهر لبني عدي بن كعب . ثم قالوا : لتُفن كل قبيلة من أُسند إليها .
فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب إذ تداعوا إلى الصلح ، على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبدالدار كما كانت . ففعلوا ورضي كل واحد من الفريقين بذلك ، وتحاجز الناس عن الحرب ، وثبت كل قوم مع من حالفوا ، فلم يزالوا على ذلك ، حتى جاء الله تعالى بالإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة ) .
قال ابن هشام : وأما حلف الفضول فحدثني زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق قال : تداعت قبائل من قريش إلى حلف ، فاجتمعوا له في دار عبدالله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، لشرفه وسنه ، فكان حلفهم عنده : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وأسد بن عبدالعزى ، وزهرة بن كلاب ، وتيم بن مرة . فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه ، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول . حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبدالله بن عوف الزهري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت . الحسين يهدد الوليد بالدعوة إلى إحياء الحلف قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهادي الليثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه : أنه كان بين الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - والوليد يومئذ أمير على المدينة أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه - منازعة في مال كان بينهما بذي المروة . فكان الوليد تحامل على الحسين رضي الله عنه في حقه لسلطانه ، فقال له الحسين : أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي ، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لأدعون بحلف الفضول . قال : فقال عبدالله بن الزبير ، وهو عند الوليد حين قال الحسين رضي الله عنه ما قال : وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا. قال : فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري ، فقال مثل ذلك وبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك . فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي . سأل عبدالملك محمد بن جبير عن عبد شمس و بني نوفل و دخولهما في حلف الفضول ، فأخبره بخروج بني عبد شمس وبني نوفل من الحلف قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهادي الليثي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال :قدم محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف - وكان محمد بن جبير أعلم قريش - فدخل على عبدالملك بن مروان بن الحكم حين قتل ابن الزبير ، واجتمع الناس على عبدالملك ، فلما دخل عليه قال له : يا أبا سعيد ، ألم نكن نحن وأنتم ، يعني بني عبد شمس بن عبد مناف ، وبني نوفل بن عبد مناف في حلف الفضول ؟ قال : أنت أعلم ؛ قال عبدالملك : لتخبرني يا أبا سعيد بالحق من ذلك ؛ فقال : لا والله ، لقد خرجنا نحن وأنتم منه ! قال : صدقت . تم خبر حلف الفضول
قال ابن إسحاق : فولى الرفادة والسقاية هاشم بن عبد مناف ، وذلك أن عبد شمس كان رجلا سفارا قلما يقيم بمكة ، وكان مقلا ذا ولد ، وكان هاشم موسرا فكان - فيما يزعمون - إذا حضر الحاج قام في قريش فقال : ( يا معشر قريش ، إنكم جيران الله وأهل بيته ، وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله وحجاج بيته ، وهم ضيف الله ، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه ، فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاما أيامهم هذه التي لا بد لهم من الإقامة بها ، فإنه والله لو كان مالي يسع لذلك ما كلفتكموه ) . فيخرجون لذلك خرجا من أموالهم ، كل امرئ يقدر ما عنده ، فيصنع به للحجاج طعاما حتى يصدروا منها .
وكان هاشم فيما يزعمون أول من سن الرحلتين لقريش : رحلتي الشتاء والصيف . وأول من أطعم الثريد للحجاج بمكة ، وإنما كان اسمه عمرا ؛ فما سمي هاشما إلا بهشمه الخبز بمكة لقومه . فقال شاعر من قريش أو من بعض العرب :
عمرو الذي هشم الثريد لقومه |
|
قوم بمكة مسنـتـين عـجـافِ |
سُنت إليه الرحلتان كلاهمـا |
|
سفر الشتـاء ورحـلة الإيلاف |
قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر من أهل الحجاز :
قوم بمكة مسنتين عجاف |
|
|
قال ابن إسحاق : ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا ، فولي السقاية والرفادة من بعده المطلب بن عبد مناف ، وكان أصغر من عبد شمس وهاشم ، وكان ذا شرف في قومه وفضل ، وكانت قريش إنما تسميه الفيض لسماحته وفضله .
وكان هاشم بن عبد مناف قدم المدينة فتزوج سلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار ، وكانت قبله عند أحيحه بن الجلاح بن الحريش . قال ابن هشام : ويقال : الحريس - ابن جَحْجبى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس . فولدت له عمرو بن أحيحة ، وكانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها ، إذا كرهت رجلا فارقته .
فولدت لهاشم عبدالمطلب ، فسمته شيبة . فتركه هاشم عندها حتى كان وصيفا أو فوق ذلك ، ثم خرج إليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه ؛ فقالت له سلمى : لست بمرسلته معك ؛ فقال لها المطلب : إني غير منصرف حتى أخرج به معي ، إن ابن أخي قد بلغ ، وهو غريب في غير قومه ، ونحن أهل بيت شرف في قومنا ، نلي كثير من أمورهم ، وقومه وبلده وعشيرته خير له من الإقامة في غيرهم ، أو كما قال . وقال شيبة لعمه المطلب - فيما يزعمون - : لست بمفارقها إلا أن تأذن لي ، فأذنت له ، ودفعته إليه ؛ فاحتمله فدخل به مكة مردفه معه على بعيره ، فقالت قريش : عبدالمطلب ابتاعه ، فبها سمي شيبة عبدالمطلب . فقال المطلب : ويحكم ! إنما هو ابن أخي هاشم ، قدمت به من المدينة .
ثم هلك المطلب بردمان من أرض اليمن ، فقال رجل من العرب يبكيه :
قد ظمئ الحجيج بعد المطلبْ |
|
بعد الجفان والشراب المنثغـب |
ليت قريشا بعده على نصب |
|
|
مطرود يبكي المطلب وبني عبد منافوقال مطرود بن كعب الخزاعي ، يبكي المطلب وبني عبد مناف جميعا حين أتاه نعى نوفل بن عبد مناف ، وكان نوفل آخرهم هُلكا :
يا لـيلة هـيجـت لـيلاتـــي |
|
إحـدى لـيالـي الـقـســـيات |
وما أقاسي مـن هـمـوم ومـا |
|
عالـجـت مـن رزء الـمـنـيات |
إذا تـذكـرت أخـي نـوفــلا |
|
ذكَّـرنـــي بـــالأولـــيات |
ذكرني بالأُزُر الحمـر والْ أردية |
|
الـصـفـر الـقـشــيبـــات |
أربـعة كـلـهـــمُ ســـيد |
|
أبـنـاء سـادات لـــســـادات |
ميْت بردمان وميت بسـلـمـان |
|
ومـيت عـــنـــد غـــزات |
وميت أسكن لحدا لدى الْ محجوب |
|
شرقــي الـــبـــنـــيات |
أخلصهم عبـد مـنـاف فـهـم |
|
من لـوم مـن لام بـمـنـجــاة |
إن الـمـغـيرات وأبـنـاءهـا |
|
من خـير أحـــياء وأمـــوت |
وكان اسم عبد مناف المغيرة ، وكان أول بني عبد مناف هلكا هاشم ، بغزة من أرض الشام ، ثم عبد شمس بمكة ؛ ثم المطلب بردمان من أرض اليمن ثم نوفلا بسلمان من ناحية العراق . شعر آخر لمطرود فقيل لمطرود - فيما يزعمون - : لقد قلت فأحسنت ،ولو كان أفحل مما قلت كان أحسن ؛ فقال : أنظروني ليالي ، فمكث أياما ، ثم قال :
يا عين جودي وأذري الدمع وانهمري وابكي على السر من كعب المغيرات
يا عين واسحنفري بالدمع واحتفلي |
|
وابكي خبيئة نفسي في المـلـمـات |
وابكي على كل فياض أخي ثـقة |
|
ضخم الدسيعة وهـاب الـجـزيلات |
محض الضريبة عالي الهم مختلق |
|
جلد النجيزة نـاء بـالـعـظـيمـات |
صعب البديهة لا نكـس ولا وكـل |
|
ماضي العزيمة متلاف الكـريمـات |
صقر توسط من كعب إذا نسـبـوا |
|
بحبوحة المجد والشـم الـرفـيعـات |
ثم اندبي الفيض والفياض مطلـبـا |
|
واستخرطي بعد فيضات بـجـمـات |
أمسى بردمان عنا اليوم مغتـربـا |
|
يا لهف نفسي عـلـيه بـين أمـوات |
وابكي لك الويل ، إما كنت باكـية |
|
لعبد شمس بـشـرقـي الـبـنـيات |
وهاشم في ضريح وسط بلـقـعة |
|
تسفي الرياح عـلـيه بـين غـزات |
ونوفل كان دون القوم خالصـتـي |
|
أمسى بسلمان في رمس بـمـومـاة |
لم ألق مثلهم عجمـا ولا عـربـا |
|
إذا استقلت بـهـم أدم الـمـطـيات |
أمست ديارهم منهـم مـعـطـلة |
|
وقد يكونون زينـا فـي الـسـريات |
أفناهم الدهر أم كلت سـيوفـهـم |
|
أم كل من عـاش أزواد الـمـنـيات |
أصبحت أرضى من الأقوام بعدهم |
|
بسط الوجوه وإلـقـاء الـتـحـيات |
يا عين فابكي أبا الشعث الشجـيات |
|
يبكينه حسـرا مـثـل الـبـلـيات |
يبكين أكرم من يمشي علـى قـدم |
|
يعولنه بـدمـوع بـعـد عـبـرات |
يبكين شخصا طويل الباع ذا فجـر |
|
آبي الهضيمة فـراج الـجـلـيلات |
يبكين عمرو العلا إذ حان مصرعه |
|
سمح السجـية بـسـام الـعـشـيات |
يبكينه مستكينـات عـلـى حـزن |
|
يا طول ذلك مـن حـزن وعـولات |
يبكين لما جلاهـن الـزمـان لـه |
|
خضر الخدود كأمثـال الـحـمـيات |
محتزمات على أوساطهـن لـمـا |
|
جر الزمان من أحداث المصـيبـات |
أبيت ليلي أراعي النجم مـن ألـم |
|
أبكي وتبكي معي شجوي بـنـياتـي |
ما في القروم لهم عدل ولا خطـر |
|
ولا لمن تركـوا شـروى بـقـبـات |
أبناؤهم خير أبنـاء وأنـفـسـهـم |
|
خير النفوس لـدى جـهـد الألـيات |
كم وهبوا من طمر سـابـح أرن |
|
ومن طمرة نهـب فـي طـمـرات |
ومن سيوف من الهندي مخلـصة |
|
ومن رماح كأشـطـان الـركـيات |
ومن توابع مما يفضـلـون بـهـا |
|
عند المسائل من بـذل الـعـطـيات |
فلو حسبت وأحصى الحاسبون معي |
|
لم أقض أفعالهم تـلـك الـهـنـيات |
هم المدلون إما معشـر فـخـروا |
|
عند الفخـار بـأنـسـاب نـقـيات |
زين البيوت التي خلوا مساكنـهـا |
|
فأصبحت منهـم وحـشـا خـلـيات |
أقول والعين لا ترقا مدامـعـهـا |
|
لا يبعد اللـه أصـحـاب الـرزيات |
قال ابن هشام : الفجر : العطاء . قال أبو خراش الهذلي :
عجَّف أضيافي جميل بن معمر |
|
بذي فجر تـأوي إلـيه الأرامـل |
قال : ثم ولي عبدالمطلب بن هاشم السقاية والرفادة بعد عمه المطلب ، فأقامها للناس ، وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم ، وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه ، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم .
ثم إن عبدالمطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أتي فأمر بحفر زمزم . قال ابن إسحاق : وكان أول ما ابتدىء به عبدالمطلب من حفرها ، كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبدالله اليزني عن عبدالله بن زرير الغافقي : أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يحدث حديث زمزم حين أمر عبدالمطلب بحفرها ، قال : قال عبدالمطلب : إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال : احفر طيبة ، قال :قلت : وما طيبة ؟ قال : ثم ذهب عني . فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر برة . قال :فقلت : وما برة ؟ قال : ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر المضنونة . فقال : فقلت : وما المضنونة ؟ قال : ثم ذهب عني . فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر زمزم . قال : قلت : وما زمزم ؟ قال : لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ، وهي بين الفرث والدم ، عند نقرة الغراب الأعصم ، عند قرية النمل .
قال ابن إسحاق : فلما بين له شأنها ، ودل على موضعها ، وعرف أنه قد صدق ، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبدالمطلب ، ليس له يومئذ ولد غيره ، فحفر فيها . فلما بدا لعبدالمطلب الطي كبر .
فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه فقالوا : يا عبدالمطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها ؛ قال : ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم ، وأعطيته من بينكم ؛ فقالوا له : فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ؛قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه ؛ قالوا : كاهنة بني سعد بن هذيم ؛ قال : نعم ؛ قال : وكانت بأشراف الشام . فركب عبدالمطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف ، وركب من كل قبيلة من قريش نفر . قال : والأرض إذ ذاك مفاوز . قال : فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام ، فني ماء عبدالمطلب وأصحابه ، فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة ، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش ، فأبوا عليهم ، وقالوا : إنا بمفازة ، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم . فلما رأى عبدالمطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه ، قال : ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأينا إلا تبع لرأيك ، فمرنا بما شئت ؛ قال : فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة ، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه ، حتى يكون آخركم رجلا واحدا ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا ؛ قالوا : نعم ما أمرت به . فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ؛ ثم إن عبدالمطلب قال لأصحابه : والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت ، لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا ، لعجز ، فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ، ارتحلوا ، فارتحلوا . حتى إذا فرغوا ، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون ، تقدم عبدالمطلب إلى راحلته فركبها .فلما انبعثت به ، انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب ، فكبر عبدالمطلب وكبر أصحابه ، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم ، ثم دعا القبائل من قريش ، فقال : هلم إلى الماء ، فقد سقانا الله ، فاشربوا واستقوا . ثم قالوا : قد والله قضى لك علينا يا عبدالمطلب ، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا ، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشدا . فرجع ورجعوا معه ، ولم يصلوا إلى الكاهنة ، وخلوا بينه وبينها . قال ابن إسحاق : فهذا الذي بلغني من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه في زمزم ، وقد سمعت من يحدث عن عبدالمطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم :
ثم ادع بالماء الروي غير الكدر |
|
يسقي حجيج الله في كل مـبـرْ |
ليس يخاف منه شيء ما عمر |
|
|
فخرج عبدالمطلب ، حين قيل له ذلك ، إلى قريش ، فقال : تعلموا أني قد أمرت أن أحفر لكم زمزم ؛ فقالوا : فهل بين بي لك أين هي ؟ قال : لا ؛ قالوا : فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت ، فإن يك حقا من الله يبين لك ، وإن يكن من الشيطان فلن يعود إليك . فرجع عبدالمطلب إلى مضجعه فنام فيه، فأتي فقيل له : احفر زمزم ، إنك إن حفرتها لم تندم ، وهي تراث من أبيك الأعظم ، لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ، مثل نعام حافل لم يقسم ، ينذر فيها ناذر لمنعم ، تكون ميراثا وعقدا محكم، ليست كبعض ما قد تعلم ، وهي بين الفرث والدم . قال ابن هشام : هذا الكلام والكلام الذي قبله، من حديث علي - رضوان الله عليه - في حفر زمزم من قوله : ( لا تنزف أبدا ولا تذم ) إلى قوله : ( عند قرية النمل ) عندنا سجع وليس شعرا . قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين قيل له ذلك ، قال : وأين هي؟ قيل له : عند قرية النمل ، حيث ينقر الغراب غدا . والله أعلم أي ذلك كان .
قال ابن هشام : وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمكة ، فيما حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق ، قال :
حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوي ، وهي البئر التي بأعلى مكة عند البيضاء ، دار محمد بن يوسف الثقفي .
وحفر هاشم بن عبد مناف بذر ، وهي البئر التي عند المستنذر ، خطم الخندمة على فم شعب أبي طالب. وزعموا أنه قال حين حفرها : لأجعلنها بلاغا للناس . قال ابن هشام :وقال الشاعر :
سقى الله أمواها عرفت مكانها |
|
جرابا وملكوما وبذر والغـمـرا |
سجلة والاختلاف فيمن حفرها قال ابن إسحاق : وحفر سجلة ، وهي بئر المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف التي يسقون عليها اليوم . ويزعم بنو نوفل أن المطعم ابتاعها من أسد بن هاشم ، ويزعم بنو هاشم أنه وهبها له حين ظهرت زمزم ، فاستغنوا بها عن تلك الآبار .
وحفر أمية بن عبد شمس الحفر لنفسه .
وحفرت بنو أسد بن عبدالعزى سقية ، وهي بئر بني أسد .
وحفرت بنو عبدالدار أم أحراد .
وحفرت بنو جمح السنبلة ، وهي بئر خلف بن وهب .
وحفرت بنو سهم الغمر ، وهي بئر بني سهم .
وكانت آبار حفائر خارجا من مكة قديمة من عهد مرة بن كعب ، وكلاب بن مرة ، وكبراء قريش الأوائل منها يشربون ، وهي رم ، ورم : بئر مرة بن كعب بن لؤي . وخم ، وخم : بئر بني كلاب بن مرة ؛ والحفر . قال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي : قال ابن هشام :وهو أبو أبي جهم بن حذيفة :
وقدما غنينا قبل ذلك حقبة |
|
ولا نستقي إلا بخم أو الحفر |
قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له ، وسأذكرها إن شاء الله في موضعها .
قال ابن إسحاق : فعفت زمزم على البئار التي كانت قبلها يسقي عليها الحاج ، وانصرف الناس إليها لمكانها من المسجد الحرام ، ولفضلها على ما سواها من المياه ، ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها ، وعلى سائر العرب ، فقال مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وهو يفخر على قريش بما ولوا عليهم من السقاية والرفادة ، وما أقاموا للناس من ذلك ، وبزمزم حين ظهرت لهم ، وإنما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد ، شرف بعضهم لبعض شرف ، وفضل بعضهم لبعض فضل :
ورثنا المجد مـن آبـا ئنـا |
|
فنـمـى بـنـا صـعـــدا |
ألم نسق الحجيج وننـحـر |
|
الــدلافة الـــرفـــدا |
ونُلقى عند تصريف الْ منايا |
|
شُدَّدا رفــــــــــدا |
فإن نهلك فلـم نـمـلـك |
|
ومـن ذا خـالــد أبـــدا |
وزمزم فـي أرومـتـنـا |
|
ونفقـأ عـين مـن حـسـدا |
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . قال ابن إسحاق : وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤي :
وساقي الحجيج ثم للخبز هـاشـم |
|
وعبد مناف ذلك السيد الـفـهـري |
طوى زمزما عند المقام فأصبحت |
|
سقايته فخرا على كـل ذي فـخـر |
قال ابن إسحاق : وكان عبدالمطلب بن هاشم - فيما يزعمون والله أعلم - قد نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم ، لئن ولد له عشرة نفر ، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ، لينحرن أحدهم لله عند الكعبة . فلما توافى بنوه عشرة ، وعرف أنهم سيمنعونه ، جمعهم ثم أخبرهم بنذره ، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك ، فأطاعوه وقالوا : كيف نصنع ؟ قال : ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه ، ثم ائتوني . ففعلوا ، ثم أتوه ، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة ، وكان هبل على بئر في جوف الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدي للكعبة .
وكان عند هبل قداح سبعة ، كل قدح منها فيه كتاب . قدح فيه العقل إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ، ضربوا بالقداح السبعة ، فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله ؛ وقدح فيه ( نعم ) للأمر إذ أرادوه يضرب به في القداح ، فإن خرج قدح ( نعم ) عملوا به ؛ وقدح فيه ( لا ) إذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح ، فإن خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر ؛ وقدح فيه ( منكم ) ؛ وقدح فيه ( ملصق ) ، وقدح فيه ( من غيركم ) ؛ وقدح فيه ( المياه ) إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح ، وفيها ذلك القدح ، فحيثما خرج عملوا به . وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما ، أو ينكحوا منكحا ، أو يدفنوا ميتا ، أو شكوا في نسب أحدهم ، ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم وجزور ، فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها ، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثم قالوا لصاحب القداح : اضرب ، يا إلهنا ، هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا و كذا ، فأخرج الحق فيه . ثم يقولون لصاحب القداح : اضرب ، فإن خرج عليه ( منكم ) كان منهم وسيطا ، وإن خرج عليه ( من غيركم ) كان حليفا ؛ وإن خرج عليه ( ملصق ) كان على منزلته فيهم ، لا نسب له ولا حلف ؛ وإن خرج فيه شيء ، مما سوى هذا مما يعملون به ( نعم ) عملوا به ؛ وإن خرج ( لا ) أخروه عامه ذلك حتى يأتوه به مرة أخرى ، ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح .
فقال عبدالمطلب لصاحب القداح : اضرب على بَنيَّ هؤلاء بقداحهم هذه وأخبره بنذره الذي نذر ، فأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه ، وكان عبدالله بن عبدالمطلب أصغر بني أبيه ، كان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . قال ابن هشام :عائذ بن عمران بن مخزوم .
قال ابن إسحاق : وكان عبدالله - فيما يزعمون - أحب ولد عبدالمطلب إليه ، فكان عبدالمطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى . وهو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها ، قام عبدالمطلب عند هبل يدعو الله ، ثم ضرب صاحب القداح ، فخرج القدح على عبدالله .
فانطلقوا حتى قدموا المدينة ، فوجدوها - فيما يزعمون - بخيبر . فركبوا حتى جاءوها ، فسألوها ، وقص عليها عبدالمطلب خبره وخبر ابنه ، وما أراد به ونذره فيه ؛ فقالت لهم : ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله . فرجعوا من عندها ، فلما خرجوا عنها ، قام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم غدوا عليها، فقالت لهم : قد جاءني الخبر ، كم الدية فيكم ؟ قالوا : عشر من الإبل ، وكانت كذلك . قالت : فارجعوا إلى بلادكم ، ثم قربوا صاحبكم ، وقربوا عشرا من الإبل ، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح ، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم ، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه ، فقد رضي ربكم ، ونجا صاحبكم .
فخرجوا حتى قدموا مكة ، فلما أجمعوا على ذلك من الأمر ، قام عبدالمطلب يدعو الله ؛ ثم قربوا عبدالله وعشرا من الإبل ، وعبدالمطلب قائم عند هبل يدعو الله عز وجل ، ثم ضربوا فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل عشرين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله عز وجل ، ثم ضربوا فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل ثلاثين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل أربعين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل خمسين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله عز وجل ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل ستين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل سبعين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل ثمانين ، وقام عبدالمطلب يدعو الله عز وجل ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل تسعين ، وقام عبدالمطلب يدعوا الله ، ثم ضربوا ، فخرج القدح على عبدالله ؛ فزادوا عشرا من الإبل ، فبلغت الإبل مائة ، وقام عبدالمطلب يدعوا الله ، ثم ضربوا، فخرج القدح على الإبل ؛ فقالت قريش ومن حضر : قد انتهى رضا ربك يا عبدالمطلب . فزعموا أن عبدالمطلب قال : لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات ؛ فضربوا على عبدالله وعلى الإبل ، وقام عبدالمطلب يدعو الله ، فخرج القدح على الإبل ، ثم عادوا الثانية ، وعبدالمطلب قائم يدعو الله ، فضربوا، فخرج القدح على الإبل ، ثم عادوا الثالثة ، وعبدالمطلب قائم يدعو الله ، فضربوا ، فخرج القدح على الإبل ، فنحرت ، ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا يمنع . قال ابن هشام : ويقال : إنسان ولا سبع . قال ابن هشام : وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر .
قال ابن إسحاق : ثم انصرف عبدالمطلب آخذا بيد عبدالله ، فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى ، وهي عند الكعبة ؛ فقالت له حين نظرت إلى وجهه : أين تذهب يا عبدالله ؟ قال : مع أبي ، قالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك ، وقع علي الآن ، قال : أنا مع أبي ، ولا أستطيع خلافه ، ولا فراقه .
وهي لبرة بنت عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . وبرة : لأم حبيب بنت أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . وأم حبيب : لبرة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .
فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه ، فوقع عليها ، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم خرج من عندها ، فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت ، فقال لها : ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس ؟ قالت له : فارقك النور الذي كان معك بالأمس ، فليس لي بك اليوم حاجة . وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر واتبع الكتب - : أنه سيكون في هذه الأمة نبي .
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار أنه حدث : أن عبدالله إنما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت وهب ، وقد عمل في طين له ، وبه آثار من الطين ، فدعاها إلى نفسه ، فأبطأت عليه لما رات به أثر الطين ، فخرج من عندها فتوضأ وغسل ما كان به من ذلك الطين ، ثم خرج عامدا إلى آمنة، فمر بها ، فدعته إلى نفسها ، فأبى عليها ، وعمد إلى آمنة ، فدخل عليها فأصابها ، فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم . ثم مر بامرأته تلك ، فقال لها : هل لك ؟ قالت : لا ، مررت بي وبين عينيك غرة بيضاء ، فدعوتك فأبيت علي ، ودخلت على آمنة فذهبت بها . قال ابن إسحاق : فزعموا أن امرأته تلك كانت تحدث : أنه مر بها وبين عينيه غرة مثل غرة الفرس ؛ قالت : فدعوته رجاء أن تكون تلك بي، فأبى علي ، ودخل على آمنة ، فأصابها ، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط قومه نسبا ، وأعظمهم شرفا من قبل أبيه وأمه ، صلى الله عليه وسلم .