الباب العاشر: طبقات الأطباء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر: أحمد بن أبي الأشعث، محمد بن ثواب الموصلي، أحمد بن محمد البلدي، ابن قوسين، علي بن عيسى وقيل عيسى بن علي الكحال، ابن الشبل البغدادي

أحمد بن أبي الأشعث

هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الأشعث، كان وافر العقل، سديد الرأي محباً للخير، كثير السكينة والوقار، متفقها في الدين، وعمر عمراً طويلاً، له تلاميذ كثيرة، وكان فاضلاً في العلوم الحكمية متميزاً فيها وله تصانيف كثيرة في ذلك تدل على ما كان عليه من العلم وعلو المنزلة، وله كتاب في العلم الإلهي في نهاية الجودة وقد رأيته بخطه، رحمه اللّه تعالى، وكان عالماً بكتب جالينوس خبيراً بها، متطلعاً على أسرارها؛ وقد شرح كثيراً من كتب جالينوس، وهو الذي فصل كل واحد من الكتب الست عشر التي لجالينوس إلى جمل وأبواب وفصول، وقسمها تقسيماً لم يسبقه إلى ذلك أحد غيره، وفي ذلك معونة كثيرة لمن يشتغل بكتب الفاضل جالينوس، فإنه يسهل عليه كل ما يلتمسه منها، وتبقى له أعلام تدله على ما يريد مطالعته من ذلك؛ ويتعرف به كل قسم من أقسام الكتاب وما يشتمل عليه وفي أي غرض هو، وفصّل أيضاً كذلك كثيراً من كتب أرسطوطاليس وغيره؛ وجلة مصنفات أحمد بن أبي الأشعث في صناعة الطب وغيرها، كل منها تام في معناه لا يوجد له نظير في الجودة.

ونقلت من كتاب عبيد اللّه بن جبرائيل بن بختيشوع قال ذكر لي من خبر أحمد ابن الأشعث، رحمه اللّه، أنه لم يكن منذ ابتدأ عمره يتظاهر بالطب، بل كان متصرفاً وصودر، وكان أصله من فارس، فخرج من بلده هارباً ودخل الموصل بحالة سيئة من العري والجوع، واتفق أنه كان لناصر الدولة ولد عليل في حالة من قيام الدم والأغراس، وكان كلما عالجته الأطباء ازداد مرضه، فتوصل إلى أن دخل عليه وقال لأمه أنا اعالجه، وبدأ يريها غلط الأطباء في التدبير، فسكنت إليه، وعالجه فبرأ، وأعطي وأحسن إليه، وأقام بالموصل إلى آخر عمره، واتخذ له تلاميذ عدة، إلا أن الخاص به والمتقدم عنده كان أبو الفلاح، وبرع في صناعة الطب.أقول كانت وفاة أحمد بن أبي الأشعث، رحمه اللّه، في سنة ثلثمائة ونيف وستين للهجرة، وكان له عدة أولاد، والذي وجدته مشهوراً منهم في صناعة الطب محمد،ولأحمد بن أبي الأشعث من الكتب كتاب الأدوية المفردة، ثلاث مقالات، وكان السبب الباعث له على تصنيفه قوم من تلامذته سألوه ذلك وهذا نص كلامه في صدر الكتاب قال سألني أحمد بن محمد البلدي أن أكتب هذا الكتاب،، وقديماً سألني محد بن ثواب، فتكلمت في هذا الكتاب بحسب طبقتهما وكتبته إليهما وبدأت به في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة، وهما في طبقة من تجاوز تعلم الطب، ودخلا في جملة من يتفقه فيما علم من هذه الصناعة ويفرع ويقيس ويستخرج، وإى من في طبقتهما من تلامذتي ومن إئتمَّ بكتبي، فإن من أراد قراءة كتابي هذا، وكان قد تجاوز حد التعليم إلى حد التفقه، فهو الذي ينتفع به ويحظى بعلمه، ويقدر أن يستخرج منه ما هو فيه بالقوة مما لم أذكره، وأن يفرع على ما ذكرته ويشيد، وهذا قولي لجمهور الناس دون ذوي القرائح الأفراد، التي يمكنها تفهم هذا وما فوقه بقوة النفس الناطقة فيهم، فإن هؤلاء تسهل عليهم المشقة في العلم، ويقرب لديهم ما يطول على غيرهم، كتاب الحيوان، كتاب العلم الإلهي، مقالتان فرغ من تأليفه في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثلثمائة، كتاب في الجدري والحصبة والحميقاء، مقالتان ، كتاب في السرسام والبرسام ومداواتهما، ثلاث مقالات، صنفه لتلميذه محمد بن ثواب الموصلي، أملاه عليه إملاء من لفظه، وكتبه عنه بخطه، وذكر تاريخ الإملاء والكتابة في رجب سنة خمس وخمسين وثلثمائة، كتاب في القولنج وأصنافه ومداواته والأدوية النافعة منه، مقالتان، كتاب في البرص والبهق ومداواتهما، مقالتان، كتاب في الصرع وكتاب آخر في الصرع، كتاب في الاستسقاء، كتاب في ظهور الدم، مقالتان، كتاب الماليخوليا، كتاب تركيب الأدوية، مقالة في النوم واليقظة، كتبها إلى أحمد بن الحسين بن زيد بن فضالة البلدي بحسب سؤاله على لسان عزور بن الطيب اليهودي البلدي، كتاب الغادي والمغتذي، مقالتان، فرغ من تأليفه بقلعة برقى من أرمينية في صفر سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، كتاب أمراض المعدة ومداواتها، شرح كتاب الفرق لجالينوس، مقالتان، فرغ منه في رجب سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة، شرح كتاب الحميات لجالينوس.

محمد بن ثواب الموصلي

هو أبو عبد اللّه بن ثواب بن محمد، ويعرف بابن الثلاج، من أهل الموصل؟ فاضل في صناعة الطب، خبير بالعلم والعمل، وشيخه في صناعة الطب أحمد بن أبي الأشعث، لازمه واشتغل عليه وتميز، وكتب بخطه كتباً كثيرة.

أحمد بن محمد البلدي

هو الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى من مدينة بلد، وكان خبيراً بصناعة الطب، حسن العلاج والمداواة، وكان من أجل تلامذة أحمد بن أبي الأشعث، لازمه مدة سنين واشتغل عليه وتميز،ولأحمد بن محمد البلدي من الكتب كتاب تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم، صنفه للوزير أبي الفرج يعقوب بن يوسف المعروف بابن كلس وزير العزيز باللّه في الديار المصرية.

ابن قوسين

كان طبيباً مشهوراً في زمانه، وله دراية بصناعة الطب، ومقامه بالموصل، وكان يهودياً وأسلم، وعمل مقالة في الرد على اليهود،ولابن قوسين من الكتب، مقالة في الرد على اليهود.

علي بن عيسى وقيل عيسى بن علي الكحال

كان مشهوراً بالحذق في صناعة الكحل متميزاً فيها وبكلامه يقتدى في أمراض العين ومداواتها، وكتابه المشهور بتذكرة الكحالين هو الذي لا بد لكل من يعاني صناعة الكحل أن يحفظه، وقد اقتصر الناس عليه دون غيره من سائر الكتب التي قد ألفت في هذا الفن وصار ذلك مستمراً عندهم، وكلام علي بن عيسى في أعمال صناعة الكحل أجود من كلامه فيما يتعلق بالأمور العلمية وكانت وفاته سنة وأربعمائة، ولعلي بن عيسى من الكتب كتاب تذكرة الكحالين، ثلاث مقالات.

ابن الشبل البغدادي

هو أبو علي الحسين بن عبد اللّه بن يوسف بن شبل، مولده ومنشؤه ببغداد، وكان حكيماً فيلسوفاً، ومتكلماً فاضلاً، وأديباً بارعاً، وشاعراً مجيداً، وكانت وفاته ببغداد سنة أربع وسبعين وأربعمائة.ومن شعر قاله في الحكمة، وهذه القصيدة من جيد شعره، وهي تدل على قوة اطلاع في العلوم الحكمية والأسرار الإلهية، وبعض الناس ينسبها إلى ابن سينا وليست له وهي هذه

بربك أيها الفلـك الـمـدار

أقصد ذا المسير أم اضطرار

مدارك، قل لنا في أي شـيء

ففي أفهامنا منك ابـتـهـار

وفيك نرى الفضاء، وهل فضاء

سوى هذا الفضاء، بـه تـدار

وعندك ترفع الأرواح أم هـل

مع الأجساد يدركها الـبـوار

وموج، ذا المجـرة أم فـرنـد

على لجج الـدروع لـه أوار

وفيك الشمس رافعة شعـاعـاً

بأجنحة قوادمـهـا قـصـار

وطوقٌ في النجوم، من الليالي،

هلالـك أم يد فـيهـا سـوار

وشهب ذا الخواطـف أم ذبـال

عليها المرخ يقدح والعـفـار

وترصيع نجومـك أم حـبـاب

تؤلف بينه اللجـج الـغـزار

تمد رقومها لـيلاً، وتـطـوى

نهاراً، مثل ما طـوى الإزار

فكم بصقالها صـدي الـبـرايا

وما يصدى لها أبـداً غـرار

تباري ثم تخنـس راجـعـات

وتكنس مثل ما كنس الصـوار

فبينا الشرق يقدمها صـعـوداً

تلقاها من الغـرب انـحـدار

على ذا ما مضى وعليه يمضي

صوالُ مني وآجال قـصـار

وأيام تـعـرفـنـا مـداهــا

لها أنفاسـنـا أبـداً شـفـار

ودهر ينثر الأعـمـار نـثـراً

كما للغصن بالورد انـتـثـار

ودنيا كلما وضعـت جـنـينـاً

غذاه من نـوائبـهـا ظـؤار

هي العشواء ما خبطت هشـيم

هي العجماء ما جرحت جبار

فمـن يوم بـلا أمـس لـيوم

بغير غد إلـيه بـنـا يسـار

ومن نفسـين فـي أخـذ ورد

لروع المرء في الجسم انتشار

وكم من بعد ما ألفت نـفـوس

حسوماً عن مجاثمها تـطـار

ألم تك بالـجـوارح آنـسـات

فكم بالقرب عاد لهـا نـفـار

فإن يك آدم أشـقـى بـنــيه

بذنب ماله مـنـه اعـتـذار

ولم ينفعه بالأسـمـاء عـلـم

وما نفع السجود ولا الجـوار

فاخرج ثم أهـبـط ثـم أودي

فترب الساقيات لـه شـعـار

فأدركه بعـلـم الـلّـه فـيه

من الكلمات للذنب اغتـفـار

ولكن بعد غـفـران وعـفـو

يُعَيَّر مـا تـلا لـيلاً نـهـار

لقد بلغ العـدو بـنـا مـنـاه

وحل بآدم وبنـا الـصـغـار

وتهنا ضائعين، كقوم مـوسـى

ولا عجل أضـل ولا خـوار

فيا لك أكلة ما زال مـنـهـا

علينا نقـمة وعـلـيه عـار

تُعاقب في الظهور وما ولدنـا

ويُذبح في حشا الأم الـحـوار

وننتظـر الـرزايا والـبـلايا،

وبعد، فبالوعيد لنا انـتـظـار

ونخرج كارهين كما دخلـنـا

خروج الضب أحوجه الوجار

فماذا الامتنان عـلـى وجـود

لغير الموجدين بـه الـخـيار

وكانت أنعمـا لـو أن كـونـاً

نخير قبلـه أو نـسـتـشـار

أهـذا الـداء لـيس لـه دواء

وهذا الكسر ليس له انجـبـار

تحير فيه كـل دقـيق فـهـم

وليس لعمق جرحهم انسبـار

إذا التكوير غال الشمس عنـا،

وغال كواكب الليل انـتـثـار

وبدلنا بهـذي الأرض أرضـاً،

وطوح بالسموات انـفـطـار

وأذهلت المراضعُ عن بنـيهـا

لحيرتها، وعطلت العـشـار

وغشى البدر، من فرق وذعر،

خسوف للتـوعـد لا سـرار

وسيرت الجبال فكن كـثـبـاً

مهيلات وسجرت الـبـحـار

فأين ثبات ذي الألبـاب مـنـا

وأين مع الرجوم لنا اصطبـار

وأين عقول ذي الإفهام مـمـا

يراد بنـا، وأين الاعـتـبـار

وأين يغيب لـب كـان فـينـا

ضياؤك من سناه مسـتـعـار

وما أرض عصته ولا سمـاء،

ففيم يغول أنجمهـا انـكـدار

وقد وافته طـائعة، وكـانـت

دخاناً ما لـفـاتـره شـرار

قضاها سبعة والأرض مهداً

 دحاها فهي للأمـوات دار

فما لسمو ما أعلا انتـهـاء

 ولا لسمو ما أرسى قـرار

ولكن كل ذا التهـويل فـيه

لذي الألباب وعظ وازدجار

وقال يرثي أخاه أحمد

غاية الحزن والسرور انقضـاء،

 

ما لحى من بعد مـيت بـقـاء

لا لبيد بـأربـد مـات حـزنـاً

 

وسلت عن شقيقها الخـنـسـاء

مثل ما في التراب يبلى فـالـح

 

زن يبلى من بعده والـبـكـاء

غير أن الأموات زالوا وأبـقـوا

 

غصصاً لا يسـيغـه الأحـياء

إنما نحن بـين ظـفـر ونـاب

 

من خطوب أسودهـن ضِـراء

نتمنى، وفي المنى قصر العمـر

 

فنغدو بـمـا نـسـر نـسـاء

صحة المرء للسـقـام طـريق،

 

وطريق الفناء هـذا الـبـقـاء

بالذي نغتذي نـمـوت ونـحـيا،

 

أقتل الداء للنـفـوس، الـدواء

ما لقينا من غدر دنـيا فـلا كـا

 

نت ولا كان أخذها والعـطـاء

راجع جودها عليها، فمـهـمـا

 

يهب الصبح يسترد الـمـسـاء

ليت شعري حلماً تمر بنـا الأيام

 

أم لـيس تـعـقـل الأشــياء

من فساد يجنيه للعـالـم الـكـو

 

ن فما للنفوس مـنـه اتـقـاء

قبّـح الـلّـه لــذة لأذانـــا

 

نالـهـا الأمـهـات والآبــاء

نحن لولا الوجود لم نألم الفـقـد،

 

فإيجـادنـا عـلـينـا بــلاء

وقليلاً ما تصحب المهجة الجسم

 

ففيهم الأسى وفـيم الـعـنـاء

ولـقـد أيد الإلـه عـقـــولاً

 

حجة العود، عنـدهـا، الإبـداء

غير دعوى قوم على الميت شيئاً

 

أنكرته الجـلـود والأعـضـاء

وإذا كان في الـعـيان خـلاف،

 

كيف بالغيب يستبين الـخـفـاء

ما دهانـا مـن يوم أحـمـد إلا

 

ظلمات، ولا استـبـان ضـياء

يا أخي عاد بعدك الماء سـمـا،

 

وسموماً ذاك النسـيم الـرخـاء

والدموع الغزار، عادت مـن الأ

 

نفاس ناراً تثيرها الـصـعـداء

وأعدّ الـحـياة عـذراً وإن كـا

 

نت حياة يرضى بهـا الأعـداء

أين تلك الـخـلال، والـحـزم

 

أين العزم، أين السناء، أين البهاء

كيف أودى النـعـيم مـن ذلـك

 

الظل وشيكاً، وزال ذاك الغنـاء

أين ما كنت تنتضي من لـسـان

 

في مقام للمواضي انـتـضـاء

كيف أرجو شـفـاء ومـا بـي

 

دون سكناي في ثراك شـفـاء

أين ذاك الرواج والمنطق المـو

 

نق؟ أين الـحـياء؟ أين الإبـاء

إن محا حسنك التراب فما للدمع

 

يوماً من صحن خدي انمـحـاء

أو تـبـن لـم يبـن قـديم وداد

 

أو تمت لم يمت عليك الثـنـاء

شطر نفسي دفنت، والشطر باق

 

يتمنى، ومن مـنـاه الـفـنـاء

إن تكن قدمتـه أيدي الـمـنـايا

 

فإلى السابقين تمضي البـطـاء

يدرك الموت، كل حـي، ولـو

 

أخفته عنه في برجها الجـوزاء

ليت شعري، وللبـلـى كـل ذي

 

الخلق، بماذا تمـيز الأنـبـياء

موت ذا العالم المفضل بالنطـق

 

وذا السارح الـبـهـيم، سـواء

لا غوي لفقده تـبـسـم الأرض

 

ولا للتقي تبـكـي الـسـمـاء

كم مصابيح أوجه أطـفـأتـهـا

 

تحت أطباق رمسهـا الـبـيداء

كم بدور، وكم شمـوس، وكـم

 

أطواد حلم، أمسى عليها العفاء

كما محا غرة الكواكب صبح؟

 

ثم حطت ضياءها الظلـمـاء

إنما الناس قادم إثـر مـاض،

 

بدء قوم للآخرين انـتـهـاء

وقال أيضاً

وكأنما الإنسـان فـيه غـيره

 

متكوناً، والحسن فيه مـعـار

متصرفاً وله القضاء مصرّف،

 

ومكلفاً وكـأنـه مـخـتـار

طوراًتصوبه الحظوظ، وتارة

 

خطأ تحيل صوابـه الأقـدار

تعمى بصيرته ويبصر بعدمـا

 

لا يسترد الفائت استبـصـار

فتراه يؤخذ قلبه مـن صـدره

 

ويرد فيه وقد جرى المقـدار

فيظل يضرب بالملامة نفسـه

 

ندماً إذا لعبت به الأفـكـار

لا يعرف الإفراط فـي إيراده

 

حتى يبـينـه لـه الإصـدار

وقال أيضاً

إذا أخنى الزمان على كريم

 

أعار صديقه قلب العـدو

وقال أيضاً

تلق بالصبر ضيف الهم ترحلـه

 

إن الهموم ضيوف أكلها المهـج

فالخطب ما زاد إلا وهو منتقص

 

والأمر ما ضاق إلاّ وهو منفرج

فروح النفس بالتعليل ترض بـه

 

عسى إلى ساعة من ساعة فرج

وقال أيضاً

تسل عن كل شيء بالحياة فـقـد

 

يهون بعد بقاء الجوهر العـرض

يعوض اللّه مالاً أنت متـلـفـه،

 

وما عن النفس، أن أتلفتها، عوض

وقال أيضاً

وعلى قدر عقله فاعتب المرء

 

وحاذر براً يصير عقـوقـا

كم صديق بالعتب صار عدواً

 

وعدو بالحلم صار صـديقـا

وقال أيضاً

ليكفيكم ما فيكم مـن جـوى نـلـق

 

فمهلاً بنا مهلاً ورفقاً بنـا رفـقـا

وحرمة ودي، لا سلـوت هـواكـم

 

ولا رمت منه، لا فكاكا ولا عتقـا

سأزجر قلباً، رام في الحب سـلـوة

 

وأهجره إن لم يمت بكم عـشـقـا

عذبت الهوى، يا صاح، حتى ألفتـه

 

فأضناه لي أشفى، وأفناه لي أبقـى

فلا الصبر موجود، ولا الشوق بارح

 

ولا أدمعي تطفي اللهيب ولا ترقـا

أخاف، إذا ما الليل، مـد سـدولـه

 

على كبدي حرقاً ومن مقلتي غرقا

أيجمل أن أجزى عن الوصل بالجفـا

 

وينعم طرفي والفؤاد بكم يشـقـى

أحظي هذا، أم كذا كـل عـاشـق

 

يضام فلا يعفى، ويظمى فلا يسقى؟

سل الدهر، عل الدهر يجمع بينـنـا

 

فلم أر مخلوقاً على حـالة يبـقـى

وقال أيضاً

إن تكن تجزع من دمعي،إذا فاض، فصنه،

أو تكن أبصرت يوماً سيدا يعفو،فكنه،

أنا لاأصبرعمن لا يحل الصبر عنه،

كل ذنب في الهوى يغفرلي ما لم أخنه

وقال أيضاً

ثقلت زجاجات، أتتنـا فـرغـا

 

حتى إذا ملئت بصرف الراح

خفت فكادت أن تطير بما حوت

 

وكذا الجسوم تخف بـالأرواح

وقال أيضاً

قالوا القناعة عز، والكفاف غـنـى

 

والذل والعار حرص النفس والطمع

صدقتم، من رضاه سد جـوعـتـه

 

إن لم يصبه، بماذا عنـه يقـتـنـع

وقال أيضاً

احفظ لسانك لا تـبـح بـثـلاثة

 

سر، ومال ما استطعت، ومذهب

فعلى الثلاثة تبتـلـى بـثـلاثة

 

بمكفر، وبحـاسـد، ومـكـذِّب

وفي هذا المعنى قد قال بعضهم نثراً، وفيه جناس الرجل يخفي ذهبه ومذهبه وذهابه، وقال أيضاً

قالوا، وقد مات محبـوب فـجـعـت

 

به وبالصبا، وأرادوا عنه سلـوانـي

ثانيه في الحسن موجود، فقلت لـهـم

 

من أين لي في الهوى الثاني صبا ثاني

وقال أيضاً

وفي اليأس إحدى الراحتين لذي الهوى

 

على إن إحدى الراحـتـين عـذاب

أعف وبي وجد، وأسلو وبي جـوى،

 

ولو ذاب منـي أعـظـم وإهـاب

وآنف أن تعـتـاق هـمـي خـريدة

 

بلحظ، وأن يروي صـداي رضـاب

فلا تنكري عز الكريم علـى الأذى،

 

فحين تجوع الضـاربـات تـهـاب

وقال أيضاً  

بنـا، إلى الدير من درتا، صبابات

 

فلا تلمني فما تغني الملامات

لا تبعدن، وإن طال الزمان به،

 

أيام لهو عهدناه وليلات

فكم قضيت لبانات الشباب بها

 

غنما، وكم بقيت عندي لبانات

ما أمكنت دولة الأفراح مقبلة

 

فانعم ولذ، فإن العيش تارات

قبل ارتجاع الليالي وهي عارية؛

 

وإنما لذة الدنيا إعارات

قم فاجل في فلك الظلماء شمس ضحـى

 

بروجها الدهر، طاسات وجامات

لعله إن دعا داعي الحمام بنا

 

نقضـي، وأنـفسـنا منا رويات

بم التعلل؟ لولا ذاك من زمن

 

إحياؤه باعتـياد الهمّ أموات

دارت تحيي، فقابلنا تحيتها،

 

وفي حشـاها لفزع المزج روعات

عذراء أخفى لنا بدور صورتها

 

لم يبق من روحها إلا حـشاشات

مدت سرادق برق من أبارقها

 

عـى مقابلها منها بـلالات

فلاح في أذرع الساقين أسورة تبراً،

 

  وفوق نحور الشرب جامات

قد وقّع الدهر سطراً في صحيفته

 

لا فارقت شارب الخمر المـسـرات

خذ ما تعجل، واترك ما وعدت به،

 

فعـل اللبيب فللتأخير آفات

وللسـعادة أوقات ميسرة

 

تعطي الســرور، وللأحزان أوقات