الباب العاشر: طبقات الأطباء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر: البديع الإصطرلابي، أبو القاسم هبة الله بن الفضل

البديع الإصطرلابي

هو بديع الزمان أبو القاسم هبة اللّه بن الحسين بن أحمد البغدادي، من الحكماء الفضلاء، والأدباء النبلاء، طبيب عالم، وفيلسوف متكلم، وغلبت عليه الحكمة وعلم الكلام، والرياضي، وكان متقناً لعلم النجوم والرصد، وكان البديع الاصطرلابي صديقاً لأمين الدولة بن التلميذ، وحكي أنه اجتمع على أمين الدولة بأصبهان في سنة عشرة وخمسمائة،وحدثني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي قال كان البديع الاصطرلابي أوحد زمانه في علم الاصطرلاب وعمله، وإتقان صنعته، فعرف بذلك،أقول وكان والد مهذب الدين أبي نصر من طبرستان، وهو المعروف بالبرهان المنجم، وكان علامة وقته في أحكام النجوم، وله حكايات عجيبة في ذلك، وقد ذكرت أشياء منها في كتاب إصابات المنجمين، وكان قد اجتمع بالبديع الاصطرلابي وصاحبه مدة، وللبديع الاصطرلابي نظم جيد حسن المعاني.

ومن شعر البديع الاصطرلابي وهو مما أنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد ابن محمد بن إبراهيم الحلبي قال أنشدني والدي قال أنشدني البديع الاصطرلابي لنفسه

يا ابن الذين مضوا على دين الهدى

 

والطاعنين مـقـاعـد الإعـدام

فوجوههم قبل العلى وأكـفـهـم

 

سحب الندى ومنـابـر الأقـلام

وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه

أهدي لمجلسك الشريف، وإنما

 

أهدي له ما حزت من نعمائه؛

كالبحر يمطره السحاب وماله

 

مَنٌّ عليه، لأنـه مـن مـائه

وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه

قام إلـى الـشـمـس بـآلاتـه

 

لينظر السعد مـن الـنـحـس

فقلت أين الشمس؟ قال الفـتـى

 

في الثور، قلت الثور في الشمس

وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه

قيل لي قد عشقته أمرد الـخـد

 

وقـد قـيل إنـه نـكــريش

قلت فرخ الطاووس أحسن ما كا

 

ن إذا ما علا عـلـيه الـريش

وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه

هل عثرت أقلام خط العـذار

 

في مشقها فالخال نقط العثار؟

أم استدار الخط لما غـدت

 

نقطته مركز ذاك المدار؟

وريقة الخمر ، فهل ثغره

 

در حباب نظمته العقار؟

وقال أيضاً

وذو هيئة، يزهو بخال مهندس

 

أموت به في كل وقت وأبعث

محيط بأوصاف الملاحة وجهه

 

كان به إقلـيدس يتـحـدث،

فعارضه خط استواء، وخـال

 

به نقطة، والخد شكل مثلـث

وأنشدني أيضاً قال أنشدني والدي قال أنشدني المذكور لنفسه جواباً عن قصيدة كتبها إليه القيسراني، أولها

أعرب الفضل من بديع الزمان،

 

عن معان عزت علـى يونـان

ما تلاها، لما تلاهـا، ولـكـن

 

فاتها حائزاً خصال الـرهـان

قال مهذب الدين أبو نصر محمد فرد على جوابها قصيدة لم يبق على ذكري منها شيء سوى هذه الأبيات

أيهـا الـــســـيد الـــذي

 

أطراني بمديح كالدار، قد أطغاني

والذي زاد في محلـي وقـدري،

 

وأذلَّ الشاني بتعـظـيم شـانـي

فتعنفقت، أي بانـي كـمـا قـا

 

ل مجيب الطباع سهل الجـنـان

وترشحت لـلـجـواب فـأعـيا

 

ني وانسل هاربـاً شـيطـانـي

مجبـلاً مـجـبـلاً يقـول اتـق

 

اللّه، فمالي بـمـا تـرم الـيدان

أتظن الوهاد مثـل الـروابـي؟

 

أم تخال الهجين مثل الـهـجـان

أم تجاري طرفاً يفوت مدى الطر

 

ف إذا ما تجاريا فـي مـكـان

بحمار يفوته الزمن المقـعـد إن

 

أرسـلا غـداة الــرهـــان

فاكتنفني ستراً، فشعري بـخـط

 

حين يبدو لنـاظـر، عـورتـان

ومن شعر البديع الاسطرلابي أيضاً قال في غلام معذر

كن كيف شئت فإننـي

 

قد صغت قلباً من حديد

وقعدت أنتظر الكسـو

 

ف وليس ذلك من بعيد

وقال أيضاً

تقسم قلبي في محبة معشـر

 

بكل فتى منهم هواي منوط

كان فؤادي مركز، وهم لـه

 

محيط، وأهوائي إليه خطوط

وقال أيضا

وشادن في حـبـه سـنَّة

 

قدْ جعلت حبي له فرضا

أرضى بأن أجعل خدي له

 

إذا مشى منتعلا أرضـا

وقال أيضاً

أذاقني خمرة الـمـنـايا

 

لما اكتسى خضرة العذار

وقد تبدى الـسـواد فـيه

 

وكارتي بعد في العـيار

وقال أيضاً

هجرت النكاريش ثم انثنيت

 

أعنف من بات يهواهـم

وما زلت في المرد ألحاهم

 

إلى أن بليت بألحـاهـم

وقال أيضاً

تاه على الناس بإغـرائه

 

أي فاحذروني أنني ملسن

إن كان في أقواله معربا

 

فإنه في فعلـه يلـحـن

وقال أيضاً يهجو

مستيقظ فإذا استضـيف

 

به يصير من الـنـيام

وتراه في عدد الطـعـا

 

م إذا رأى مضغ الطعام

تبدو مصائبه الـعـظـا

 

م أو أن تجريد العظـام

وقال يهجو أيضاً

وفاصد مبضعـه مـشـرع

 

كأنـه جـاء إلـى حـرب

فصد بلا نفع فما حـاصـل

 

غير دم يخرج من ثـقـب

لو مر في الشارع من خارج

 

لمات من في داخل الدرب

خذه إذا جاشت عليك العـدا

 

فوحده يغنيك عـن حـرب

وقال أيضاً وقد جاء بالعراق وفر كثير - يعني بالوفر الثلج

يا صدور الزمان ليس بوفر

 

ما رأيناه في نواحي العراق

إنما عم ظلمكم سـائر الأر

 

ض فشابت ذوائب الآفـاق

وقال في مغسل الشراب وهو جردان

إني إذا ما حضرت في ملأ

 

عددت من بعض آلة الفرح

إذا تصدرت في مجالسهـم

 

تنغصوا لي بفاضل القـدح

وللبديع الاسطرلابي من الكتب اختصار ديوان أبي عبد اللّه الحسين بن الحجاج، زيج سماه المعرب المحمودي ألفه للسلطان محمود أبي القاسم بن محمد.

أبو القاسم هبة اللّه بن الفضل

بغدادي المولد والمنشأ، وكان يعاني صناعة الطب ويباشر أعمالها، ويعد من جملة الموصوفين بها، وكان أيضاً يكحل إلا أن الشعر كان أغلب عليه وكان كثير النوادر خبيث اللسان، وله ديوان شعر، وكان بينه وبين الأمير أبي الفوارس سعد بن محمد بن الصيفي الشاعر المسمى حيص بيص شنآن وتهاتر وكانا قد يصطلحان وقتاً ثم يعودان إلى ما كانا فيه، وسبب تسمية الحيص بيص بهذا أنه كان العسكر ببغداد قد همّ بالخروج إلى السلطان السلجوقي، وذلك في أيام المقتفي لأمر اللّه، فكان الناس من ذلك في حديث كثير، وحركة زائدة، فقال ما لي أرى الناس في حيص بيص؟ فلقب بذلك، وكان الذي ألصق به هذا النعت أبو القاسم هبة اللّه بن الفضل، وكان الحيص بيص يقصد في كلامه أبداً، وفي رسائله الفصاحة البليغة، والألفاظ الغريبة من اللغة،ومن ذلك حدثني بعض العراقيين أن الحيص بيص كان قد نقه من مرض عاده فيه أبو القاسم بن الفضل، فوصف له أكل الدراج، فمضى غلامه واشترى دراجاً واجتاز على باب أمير وبه غلمان ترك أصاغر يلعبون، فخطف أحدهم الدراج من الغلام ومضى، فأتى الغلام إليه فأخبره الخبر فقال له ائتني بدواة وبيضاء، فأتاه بهما فكتب لو كان مبتر دراجه فتخاء كاسر وقف بها السغب بين التدوين والتمطر فهي تعقي وتسف، وكان بحيث تنقب أخفاف الإبل، لوجب الأغذاذ إلى نصرته، فكيف وهو ببحبوحة كرمك والسلام، ثم قال لغلامه امض بها وأحسن السفارة في وصلتها إلى الأمير فمضى ودفعها لحاجبه فدعا الأمير بكاتبه وناوله الرقعة فقرأّها، ثم فكر ليعبر له عن المعنى فقال له الأمير ما هو؟ فقال مضمون الكلام إن غلاماً من غلمان الأمير أخذ دراجاً من غلامه، فقال اشتر له قفصاً مملوءاً دراجاً فاحمله إليه، ففعل،وحدثني شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللّه أن الحيص بيص الشاعر ببغداد كان قد كتب إلى أمين الدولة بن التلميذ ورقة يقصد فيها أن ينفذ إليه شياف أبار وهي أزكنك أيها الطب اللب الآسي النطاسي النفيس النقريس، أرجنت عندك أم خنور وسكعت عنك أم هوير، إني مستأخذ أشعر في حنادري رطساً ليس كاسب شبوة ولا كنخر المنصحة، ولا كنكز الحضب، بل كسفع الزخيخ فأنا من التباشير إلى الغباشير لا أعرف ابن سمير من ابن جمير، ولا أحْسِنُ صفوان من همام، بل آونة أرجحن شاصيا، وفينة أحبنطي مقلوليا، وتارة أعرنزم وطوراً واسلنقي، كل فعل مع أح وأخ وحس وتهم قرونتي أن أرفع عقيرتي بيعاط عاط إلى هياط ومياط وهالي أول وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار، ولا أحيص ولا أكيص ولا أغرندي ولا أسرندي لوقته فتبادرني بشياف الآبار النافع لعلتي الناقع لغلتي، قال فلما قرأ أمين الدولة الورقة، نهض لوقته وأخذ حفنة شياف آبار، وقال لبعض أصحابه أوصله إياها عاجلاً ولا نتكلف قراءة ورقة ثانية،وكتب الحيص بيص إلى المقتفي لأمر اللّه سبع رقاع عند طلبه بعقوباً منه الأولى أنها لطايا ولاء حملت سفر ثناء، غرد بها حادي رجاء، والمنزل الفناء.

الثانية أجري جياد حمد في ساحات مجد، إجراء ممطر نهد من غير باعثة وجهد، منتجعاً غب الغاية كرماء.

الثالثة جد يا أمير المؤمنين بوفر دثر، لا بكي، ولا نزر، لمفصح شعر، يمم لجة بحر يرتاد عتاد دهر، فالقافية سحر، والسامع حبر، والعطاء غمر.

الرابعة إن الموصل واليغاران هما إقطاع ملكين سلجووقيين، وكانتا جائزتين لشاعرين طائيين من إمامين مرضيين، أحدهما معتصم باللّه، والآخر متوكل على اللّه، والبناء الأشرف أعظم، وعطاؤه أرزم فعلام الحرمان؟ الخامسة خامسة من الخدم، في انتجاع شابيب الكرم، من القدس الأعظم، حلوان قافية، تجري كناجية، بمخترق بادية، تهدي سفراً، وتسهل وعراً، والرأي بنجح آمالها أحرى.

السادسة إن وراء الحجاب المسدل لا يهم طود، وخضم يم مخرس خطب، وقاتل جدب، جل فبهر، وعز فقهر، ونال فغمر، صلوات اللّه عليه ما هبت الريح، ونبت الشيح.

السابعة، يا أمير المؤمنين، مائة بيت شعر أو سبع رقاع نثر، أتذاد عن النجح ذياد الحائمات؟ كلا أن الأعراق لبوية، والمكارم عباسية، والفطنة لوذعية، وكفى بالمجد محاسباً ماذا أقول إذا الرواة ترنموا بفصيح شعري في الإمام العادل واستحسن الفصحاء شأن قصيدة، لأجل ممدوح، وأفصح قائل

وترنحت أعطافهم فكأنما

 

في كل قافية سلافة بابل

ثم انثنوا غب القريض وضمنه

 

يتساءلون عن الندى والنـائل

هب، يا أمير المؤمنين، بأنني قص الفصاحة، ما جواب السائل وكانت وفاة أبي القاسم بن الفضل في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ومن شعر أبي القاسم هبة اللّه أنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم الحلبي، قال أنشدني بديع الدين أبو الفتح منصور بن أبي القاسم بن عبد اللّه بن عبد الدائم الواسطي المعروف بابن سواد العين، قال أنشدني أبو القاسم هبة اللّه بن الفضل لنفسه

في العسكر المنصور، نحن عصابة

 

مرذولة، أخسس بنا من مـعـشـر

خذ عقلنـا مـن عـقـدنـا فـيمـا

 

ترى من خسة ورقـاعة وتـهـور

تكـريت تـعـجـزنـا ونـحـن،

 

بجهلنا نمضي لنأخذ ترمذاً من سنجر

أما الحويزي الدعـي فـإنـه دلـو

 

يشوب تكـبـراً بـتـمـسـخـر

يكنى أبا الـعـبـاس، وهـو بـذلة

 

حكمت عليه وأسجلت بمـعـمـر

في كـف والـده وفـي أقـدامـه

 

آثـار نـيل لا يزال وعـصـفـر

يمشي إلى حجر القيان بـنـشـطة

 

ويدب في المحراب نحو المنـبـر

وحديثه في الحق أو فـي بـاطـل

 

لم يخله من وحـشة وتـمـهـزر

وإذا رأى البـركـيل يرعـد خـيفة

 

ذي الهاشمية أصلها مـن خـيبـر

نسب إلى العباس لـيس شـبـيهـه

 

في الضعف غير الباقلاء الأخضر

والحيص بيص مبارز بـقـنـاتـه

 

وأنا بشعشعتي طبيب العـسـكـر

هذاك لا يُخشى لتـقـل بـعـوضة

 

وأنا فلا أرجـى لـبـرء مـدبـر

أجري بمبضعي الدمـاء، وسـيفـه

 

في الغمد لم يعرض لظفر الخنصر

لقرينه في الحرب طـول سـلامة

 

وصريع تدبيري بـوجـه مـدبـر

وأنشدني أيضاً قال أنشدني البديع أبو الفتح الواسطي، قال أنشدني المذكور لنفسه يمدح سيف الدولة أبا عبد اللّه محمد بن الأنباري كاتب الإنشاء ببغداد

يا من هجرت فما تبـالـي

هل ترجع دولة الوصـال

ما أطمع، يا عذاب قلبـي

أن ينعم في هواك بـالـي

الطرف من الصدود بـاك

والجسم كما ترين بـالـي

والقلب، كما عهدت، صاب

باللوعة والغرام صـالـي

والشوق بخاطري مـقـيم

ما يؤذن عنه بارتـحـال

يا من نكأت صميم قلـبـي

بالحزن وصورة الخبـال

هيهات، وقد سلبت غمضي

أن أظفر منك بالـخـيال

لو شئت وقفت عنـد حـدٍ

لا يسمح منك في الـدلال

ما ضرك أن تعلليني فـي

الوصل، بموعد مـحـال

أهواكِ، وأنت حظ غـيري

يا قاتلتي فما احـتـيالـي

والقتل لظاهري شـعـار

أن أنت عززت باختـيال

ذا الحكم، علي من قضاة؟

من أرخصني لكل غالـي

أيام عـنـائى فـيك سـود

ما أشبههن بـالـلـيالـي

واللوَّم فـيك يزجـرونـي

عن حبك، ما لهم ومالـي

لعشق، به الشغاف أضحى

عن ذكر سواك في اشتغال

والنار وإن خبت لظاها في

الصدر تشب باشـتـعـال

يا ملزمي السلو عنهـمـا،

الصب أنا، وأنت سـالـي

والقول بتركهـا صـواب،

ما أحسنه لو استوى لـي

دعني وتغزلـي بـخـود،

ترنو وتُغن عـن غـزال

حوراء، لطرفهـا سـهـام

أمضى وأمضّ من نبـال

في القلب لوقعهـا جـراح

لا برء لها من اغـتـيال

فارحم قلقـا بـهـا وقـيذا

واعذره فما العذار خالـي

ما يجمل أن تلـوم صـبـا

إن هام بربة الـجـمـال

إياك، وخلني وويلـي فـي

الوجد، مسلماً لـحـالـي

إن كنت تعـده صـلاحـاً،

دعني فهداي في ضلالـي

في طاعتها بلا اختـياري قـد

صح بعشقهـا اخـتـلالـي

طلقت تـجـلـدي ثـلاثـاً،

والصبوة بعد في حـبـالـي

من أين؟ وكيف لي بصبـر؟

عن حسن بعـيدة الـمـثـال

لم أحـظ بـطـائل لـديهـا،

إلا بزخـارف الـمـحـال

كم قـد نـكـلـت عـقـيب

عهد فالقلب لذاك في نكـال

كما غرني الخـداع مـنـهـا

في القاع، علي ظمأ الـزلال

هلاَّ صـدقـت كـأريحــي

من أكـرم مـعـشـر وآل

راجية لـديه فـي جـنـاب

بالأنعـم سـابـغ الـظـلال

ما الـغـيث يسـح مـن يديه

كالغيث يسح في الـفـعـال

كالغيث يسح في الـفـعـال

من مـوئلـه ذرى ســديد

من مـوئلـه ذرى ســـديد

الدولة ذي النـدى الـمـدال

لا تطمـع أن تـنـال مـنـه

بالضيم مرادهـا الـلـيالـي

والغدر لعـلـه حـمـام قـد

رقـن لـه بـلا اعـتـدال

تسقيه يد النـجـاح مـنـهـا

ما شـاء بـبـــادر زلال

في ربع مهـنـأ الـعـطـايا

في الأزمة مسبل العـزالـي

أستصرخ منه حين أشـقـى

بالشدة أرحـم الـمـوالـي

من جـود يديه لـي كـفـيل

في القحط براتـب الـعـيال

لا ينظر في سوى صلاحـي

أن أبصرني بـسـوء حـال

ما زال، ولا يزال طـبـعـاً

يعطي كـرمـاً ولا يبـالـي

يعطي كـرمـاً ولا يبـالـي

لا يعـحـبـه مـلام نــاه

لا يعـحـبـه مـلام نــاه

في الذب عن العلى بـمـال

فالسؤدد شـمـلـه جـمـيع

في دار مـفـرق الـنـوال

من يلق مـحـمـداً بـمـدح

يحمده بأحـسـن الـخـلال

والـوجـد بـغـــادة رداح

فالأعظم منـه كـالـخـلال

والـجـود بــكـــف ذي

سماح من خير مناقب الرجال

مولاي، نـداء مـسـتـجـير

يدعوك لـدائه الـعـضـال

يا أكـرم مـنـعـم عـلـيه

في دفع مآربي اتـكـالـي

دبر محني، لعـل جـرحـي

يجبـره نـداك بـانـدمـال

كم أوقفـنـي غـريم سـوء

في حال وقـوفـه حـيالـي

كالمفلس من يهود هـطـرى

في قبضة عامل الجـوالـي

ما صح لي الخلاص مـنـه

إلا بصحـاحـك الـثـقـال

والعادة في صلاح عـدمـي

في العود لمثلهـا سـؤالـي

تقـريظـك، مـا حـــييت

دأبي بالظاء على فراغ بالـي

ما أكحل بالهـجـاء لـكـن

بالقصد لكفك اشـتـغـالـي

فالـعـرض أرده سـمـينـاً

والكيس محالـف الـهـزال

من دبـر هـكـذا مـزاجـا

بالحذق لصورة الـكـمـال

الصـبـغ إذا أتـاه عـفـواً

وافـاه بـرزقـه الـحـلال

يا خـير مـــؤل إلـــيه

شددت بمدائحـي رحـالـي

لم يقضك خاطري حـقـوقـاً

مذ أصبح ظاهـر الـكـلال

إن أثن علـيك أبـد عـجـزاً

عن نعت معظـم الـجـلال

أوصافـك فـي الـفـخـار

جازت في الكثرة عدة الرمال

فالخط طـوالـهـا قـصـار

عن خطك سـاعة الـنـزال

كم راع بـك الـقـنـا يراع

في كفك واسع الـمـجـال

أقـلامـك أسـهـم قـواض

والنقش لهن كـالـنـصـال

تقضي ثعل لـهـا بـفـخـر

والقارة سـاعة الـنـضـال

لو شاجرت الرماح كـانـت

في الروع لكفها العـوالـي

أو صافحت الصفاح فـلّـت

غربي متشعشع الـصـقـال

أو حبرت الـمـثـال أبـدت

ما دق وجـل عـن مـثـال

تملى فقراً من الـمـعـانـي

سددن مفاقر الـمـعـالـي

ينفثن على الصـبـاح لـيلاً

ناهيك بسحرها الـحـلال

كتب ضمنت بلا اشـتـراط

تمـزيق كـتـائب جـلال

هاروت إذا أتـــتـــه

ولى لا يخطر بابلاً بـبـال

فيها سبح عـلـى لـجـين

أسنى قيماً مـن الـلآلـي

في النشر كأوجه العـذارى

غلفن بفاخـر الـغـوالـي

الفاظك للوعـول حـطـت

مستنـزلة مـن الـفـلال

بالكـيد تـقـتـل الأعـادي

في السلم لها بـلا قـتـال

كم رضـت مـن الـورى

جموحاً للعقل فعاد في عقال

لا زلت موفق المسـاعـي

بالجد مشفـع بـالـسـؤال

تنقاد لك الأمـور طـوعـا

يا خير بـقـية الـرجـال

يا أكـرم والـد لـنـجـل

يتلوه مـهـذب الـخـلال

أكرم بفـتـاك مـن ولـي

للدولة مـخـلـص مـوال

إن جاد يخجـل الـغـوادي

أو قال أجاد في المـقـال

يا شمس علا زهت بـبـدر

حاشاه يقـاس بـالـهـلال

لا زال مشـرقـاً مـنـيراً

في ظلك دائم الـكـمـال

ما عـادك بـالـســرور

عيد ترعاه بأحسن اشتمـال

في أسبغ نـعـمة وعـيش

بالطـيبة دائم الـتـوالـي

لا زال علاك فـي ثـبـات

لا يسلـمـه إلـى زوالـي

عن أخلص نـية بـصـدق

في طول بقائك ابتهـالـي

ما يلتـبـس الـصـحـيح

يوماً تاللّه عليك بالمـحـال

وأنشدني أيضاً قال، أنشدني البديع الواسطي قال، أنشدني المذكور لنفسه

لا أمدح اليأس ولـكـنـه

 

أروح للقلب من المطمـع

أفلح من أبصر عشب المنى

 

يرعى فلم يرع ولم يرتـع

وأنشدني أيضاً قال، أنشدني البديع الواسطي قال، أنشدني المذكور لنفسه

يا معشر الناس، النفير النفـير

 

قد جلس الهردب فوق السرير

وصار فـينـا آمـراً نـاهـياً

 

وكنت أرجو أنـه لا يصـير

فكلما قلت قـذى ينـجـلـي

 

وظلمة عما قـلـيل تـنـير

فتحت عـينـي فـإذا الـدولة

 

الدولة والشيخ الوزير الوزير

وأنشدني أيضاً قال، أنشدني البديع الواسطي قال، أنشدني المذكور لنفسه، وقال في الحيص بيص الشاعر وكانت قد نبحت عليه كلبة مجرية، فقتل جرواً لها بالسيف

يا أيها الناس، إن الحيص بيص أتى

 

بفعلة أورثته الخزي في البـلـد

هو الجبان الذي أبدى شجاعـتـه

 

على جريّ ضعيف البطش والجلد

فأنشدت أمه، من بعدما احتسبـت

 

دم الأبليق عند الواحد الـصـمـد

أقول للنفس تـأسـاء وتـعـزية

 

إحدى يدي أصابتنـي ولـم تـرد

كلاهما خلفٌ من فقد صـاحـبـه

 

هذا أخي حين أدعوه وذا ولـدي

وأنشدني أيضاً قال، أنشدني البديع الواسطي قال، أنشدني المذكور لنفسه

يا ابن المرخم صرت فينا حاكمـاً

 

خرف الزمان تراه أم جن الفلك؟

إن كنت تحكم بالنجوم فـربـمـا

 

أما شريعة أحمد مـن أين لـك؟

وأنشدني أيضاً قال، أنشدني البديع الواسطي قال، أنشدني المذكور لنفسه يهجو البديع الاصطرلابي

لا غرو أن دهي الحجيج وإن رموا منه بنكبه

 

حج البديع وعرسه

 

وفتـاه فانظر أي عـصـبة

فثلاثة من منـزل

 

علق وقـواد، وقحـبة

ومن شعر أبي القاسم هبة اللّه بن الفضل أيضاً قال يهجو أمين الدولة بن التلميذ

هذا تواضعك المشهور عن ضعة

 

قد صرت فيه بفضل اللؤم متهم

قعدت عن أمل الراجي وقمت له

 

هذا وثوب على القصاد لا لهـم

وقال أيضاً

غزال قـط لا يهـوى

 

سوى المطبوعة التبر

ولا يعجبه المـطـبـو

 

ع من نظمي ولا نثري

وقال أيضاً

أحسنت يا عسكر دين الهدى

 

منهزماً في خمسمائة ألف

كأنه الحبال في سيره

 

يزداد إقداماً إلى خلف

وقال أيضاً

ألا قل ليحـيى، وزير الأنـام

 

محوت الشريعة محو السطور

كسرت الصحاح بتصحيحهـا

 

وأصبحت تضربها في الجذور

وما أن قصدت لتـهـذيبـهـا

 

ولكن لتهذي بها في الصدور

وقال أيضاً

وقالوا قد تحجب عنك مولى

 

وصار له مكان مستخص

فقلت سيفتح الأقفال شعري

 

ويدخلها فإن البـرد لـص

وقال يمدح الدواء المعروف ببر شعثا لما ألف تركيبه أوحد الزمان

تجرعت برشعثا وحالي أشعث

 

فما نزلت بي بعده علة شعثا

ولو بعد عيسى جاز إحياء ميت

 

لأصبح يحيا كل ميت ببرشعثا

وقال أيضاً

هذا يقول استرحنا

 

وذا يقول عصينا

ويكذبان ويهـذي

 

الذي يصدق منا

وقال أيضاً

كم تـرددت مــراراً

 

وتجرعـت مـراره

ثم لمـا وفـق الـلّـه

 

ووقـعـت بـكـاره

لم يكن فيها من الحنطة

 

ما تـقـرض فـاره

وقال أيضاً

أمدحه طوراً، وأهذي بـه

 

طوراً، ولا أطمع في رفده

مثل إمام بين أهل القـرى

 

صلى به والزيت من عنده

وقال أيضاً

يا خائف الهجو على نفسـه

 

كن في أمان اللّه من مسه

أنت بهذا العرض بين الورى

 

مثل الخرا يمنع من نفسـه

وقال أيضاً

كلما قلت قد تبـغـدد

 

قومي تحمصصـوا

ليس إلا ستـر يشـا

 

ل، وباب مجصص

والغواشي على الرؤ

 

وس عليها المقرنص

وأنا الكلـب كـل يو

 

م لقرد أبصـبـص

كلما صفق الـزمـا

 

ن لهم قمت أرقص

فمتى أسمع الـنـدا

 

ء وقد جاء مخلص؟

ولأبي القاسم هبة اللّه من الكتب تعاليق طبية، مسائل وأجوبتها في الطب، ديوان شعره، العنتري هو أبو المؤيد محمد بن المجلي بن الصائغ الجزري، كان طبيباً مشهوراً وعالماً مذكوراً، حسن المعالجة، جيد التدبير، وافر الفضل، فيلسوفاً متميزاً في علم الأدب، وله شعر كثير في الحكمة وغيرها.

وحدثني الحكيم سديد الدين محمود بن عمر رحمه اللّّه إن العنتري كان في أول أمره يكتب أحاديث عنتر العبسي فصار مشهوراً بنسبته إليه.

ومن كلامه في الحكمة قال بني، تعلم العلوم فلو لم تنل من الدنيا إلا الغنى عمن يستعبدك بحق أو بباطل،وقال بني، إن الحكمة العقلية تريك العالم يقادون بأزمة الجهل إلى الخطأ والصواب، وقال الجاهل عبد لا يعتق رقه إلا بالمعرفة،وقال الحكمة سراج النفس فمتى عدمتها عميت النفس عن الحق، وقال الجاهل سكران لا يفيق إلا بالمعرفة،وقال الحكمة غذاء النفس وجمالها، والمال غذاء الجسد وجماله، فمتى اجتمعا للمرء زال نقصه، وتم كماله، ونعم باله وقال الحكمة دواء من الموت الأبدي.

وقال كون الشخص بلا علم كالجسد بلا روح،وقال الحكمة شرف من لا شرف له قديم، وقال الأدب أزين للمرء من نسبه، وأولى بالمرء من حسبه، وأدفع عن عرضه من ماله، وأرفع لذكره من جماله.

وقال من أحب أن ينوه باسمه فليكثر من العناية بعلمه.

وقال العالم المحروم أشرف من الجاهل المرزوق وقال عدم الحكمة هو العقم العظيم.

وقال الجاهل يطلب المال، والعالم يطلب الكمال،وقال الغم ليل القلب، والسرور نهاره. وشرب السم أهون من معاناة الهم،ومن شعر أبو المؤيد محمد بن المجلي بن الصائغ المعروف بالعنتري أنشدني إياه الحكيم سديد الد ين محمود بن عمر بن رقيقة قال، أنشدني مؤيد الدين ولد العنتري قال أنشدني والدي لنفسه

احفظ بني وصيتي واعمل بها

 

فالطب مجموع بنص كلامي

قدم على طب المريض عناية

 

في حفظ قـوتـه مـع الأيام

بالشبه تحفظ صحة موجـودة

 

والضد فيه شفاء كل سـقـام

أقلل نكاحك ما استطعت فإنـه

 

ماء الحياة يراق في الأرحـام

واجعل طعامك كل يوم مـرة

 

واحذر طعاماً قبل هضم طعام

لا تحقر المرض اليسير فـإنـه

 

كالنار يصبح وهي ذات ضرام

وإذا تغير منـك حـال خـارج

 

فاحتل لرجعة حل عقد نظـام

لا تهجرن القيء، واهجر كل ما

 

كيموسه سبب إلـى الأسـقـام

إن الحمى، عون الطبيعة مسعد

 

شاف مـن الأمـراض والآلام

لا تشربن بعقب أكل عـاجـلا

 

أو تأكلن بعقب شـرب مـدام

والقيء يقطع والقيام كلاهـمـا

 

بهما وليس بنـوع كـل قـيام

وخذ الدواء إذا الطبيعة كـررت

 

بالاحتـلام وكـثـرة الأحـلام

وإذا الطبيعة منك نقت باطـنـاً

 

فدواء ما في الجلد بالحـمـام

إياك تلزم أكـل شـيء واحـد

 

فتقود طبعك لـلأذى بـزمـام

وتزيد في الأخلاط إن نقصت به

 

زادت فنقص فضلها بـقـوام

والطب جملته، إذا حقـقـتـه

 

حل وعقد طبـيعة الأجـسـام

ولِعَقلِ تدبير المزاج فـضـيلة

 

يشفى المريض بها وبالأوهـام

أقول وهذه القصيدة تنسب أيضاً إلى الشيخ الرئيس بن سينا، وتنسب إلى المختار ابن الحسن بن بطلان، والصحيح أنها لمحمد بن المجلي لما قدمته من إنشاد سديد الدين محمود بن عمر لي مما أنشده مؤيد الدين بن العنتري لوالده مما سمعه منه، ووجدت العنتري أيضاً ذكرها في كتابه المسمى بالنور المجتنى وقال إنها له، وقال أيضاً أنشدنيها سديد الدين

وجودي، به من كل نوع مركبٍ

 

من العالم المعقول والمتركِّـب

فذهني مشكاة، ونفسي زجـاجة

 

تضيء بمصباح الحجا المتلهِّب

ونوري من النور الإلهي دائمـاً

 

يصب على ذاتي بغير تسكُّـب

وزيتي من الزيتونة العذب دهنها

 

تنزه عن وصف بشرق ومغرب

كأني في وصفي منارة راهـب

 

بقنديلها الشفاف أشرف كوكـب

وقال أيضاً

إذا أن غدا والنفس منه كـجـنة

 

يغرد في أرجائهـا كـل طـائر

تدبرت السبع الطباق وفـارقـت

 

على شرف منها سجون العناصر

وقال أيضاً

وكأننا ممتـزج لـم يزل

 

من عالم النيِّر والمُظْلِـم

فبعضنا يختـارهـا داره

 

وبعضنا يرقى إلى الأنجم

وقال أيضاً

الحق ينكره الجهول لأنـه

 

عدم التصور فيه والتصديقا

فهو العدو لكل ما هو جاهل

 

فإذا تصوره يعود صديقـا

وقال أيضاً

لو كنت تعلم كل ما علـم الـورى

 

جمعاً، لكنت صديق كل العـالـم

لكن جهلت، فصرت تحسب كل من

 

يهوى خلاف هواك، ليس بعـالـم

استحي أن العقل أصبح ضاحـكـاً

 

مما تقول وأنت مـثـل الـنـائم

لو كنت تسمع ما سمعت، وعالِمـاً

 

ما قد علمت، خجلت خجلة نـادم

وضع الإله الخُلف في كل الـورى

 

بالطبع حتى صـار ضـربة لازم

وقال أيضاً

أبلغ العالمين عنـي بـأنـي

 

كل علمي تصـور وقـياس

قد كشفت الأشياء بالفعل حتى

 

ظهرت لي وليس فيها التباس

وعرفت الرجال بالعلم لـمـا

 

عرف العلم بالرجال النـاس

وقال أيضاً

قالوا رضيت، وأنت أعلم ذا الورى

 

بحقائق الأشـياء عـن بـاريهـا

تجتاب أبواب الخمول، فقلت عـن

 

كره ولست بجاهـل راضـيهـا

لي همة مأسورة لي صـادفـت

 

سعداً بغير عـوائق تـثـنـيهـا

ضاق الفضاء بها، فلا يسطيعهـا

 

لعلوها الأفـلاك أن تـحـويهـا

ما للمقاصد جمة ومـقـاصـدي

 

ناط القضاء بها الفضا والتـيهـا

أطوي الليالي بالمنى، وصروفهـا

 

تنشرنني أضعاف مـا أطـويهـا

إني على نوب الزمان لصـابـر

 

إما سيفنى العمـر أو يفـنـيهـا

أما الذي يبقى فـقـد أحـرزتـه

 

والفانيات فمـا أفـكـر فـيهـا

وقال أيضاً

بني، كن حافظاً للعلم مطرحـاً

 

جميع ما الناس فيه تكتسب نسبا

فقد يسود الفتى، من غير سابقة

 

للأصل، بالعلم حتى يبلغ الشهبا

غذ العلوم بتذكـار تـزد أبـداً

 

فالنار تخمد مهما لم تجد حطبا

إني أرى عدم الإنسان أصلح من

 

عمر به لم ينل علماً ولا نسبـا

قضى الحياة، فلما مات شيعـه

 

جهل، وفقر، فقد قضَّاهما نصبا

وقال أيضاً

كن غنياً إن استطعـت وإلا

 

كن حكيماً فما عدا ذين غفل

إنما سؤدد الفتى المال والعلم

 

وما ساد قط فقر وجـهـل

وقال أيضاً

اقسم العمر ثـلاثـاً واسـتـمـع

 

يا بني النصح مني، والـرشـادا

فاطلب الـحـكـمة فـي أولـه

 

واحرز العلم وجب فيه الـبـلادا

واكسب الأموال في الثاني، وكـل

 

واشرح الراح، ولا تبغ الفسـادا

وترقب آخـر الـعـمـر فـإن

 

جاءك الموت، فقد نلت المـرادا

وإن اعتاقك، فـي إحـداهـمـا

 

طارق الموت فقد حزت الجهادا

هذه سـيرة مـسـعـود بـهـا

 

نال في الدنيا وفي الأخرى السدادا

وقال أيضاً

بني تعلم حكمة النفس إنـهـا

 

طريق إلى رشد الفتى ودليل

ولا تطلب الدنيا فإن كثـيرهـا

 

قليل وعما رقـدة فـتـزول

فمن كان في الدنيا حريصاً فإنه

 

يظل كئيب القلب وهو ذلـيل

ومن يترك الدنيا وأصبح راهباً

 

فما للأذى يوماً إليه سـبـيل

وقال أيضاً

نفسي تطالبني بما في طبعـهـا

 

والعقل يزجرها عن الشهوات

والنفس تعلم أن ذلـك واجـب

 

والطبع يجذبها إلى الـعـادات

والطبع يقصر عن مراد كليهما

 

فكلاهما وقف على الحسرات

والنفس من خمر الحياة وسكرها

 

ستفيق بين عساكـر الأمـوات

وقال أيضاً

لا تدنين فتى يودك ظـاهـراً

 

حباً وضد وداده في طبـعـه

واهجر صديقك إن تنكـر وده

 

فالعضو يحسم داؤه في قطعه

وقال أيضاً

من لزم الصمت اكتسى هيبة

 

تخفي عن الناس مسـاويه

لسان من يعقل في قلـبـه

 

وقلب من يجهل فـي فـيه

وقال أيضاً

عدّل مزاجك ما استطعت ولا تكن

 

كمسوّف أودى به التـخـلـيط

واحفظ عليك حرارة بـرطـوبة

 

تبقى فتركك حفظهـا تـفـريط

واعلم بأنك كالـسـراج بـقـاؤه

 

ما دام في طرف الذبال سلـيط

وقال أيضاً

ثقلة الجسم يستمـد غـذاه

 

طلباً منه للبقـا والـدوام

هو لما رأى التحلل طبعـاً

 

أخلف المثل بالغذا والطعام

وقال أيضاً

ومخطف الخصر زارنا سحراً

 

في غنج عينيه سحر هاروت

يحـمـل تـفـاحة مـوردة

 

كدرة رُصِّعـت بـياقـوت

كأنها النـجـم فـي تـوقـده

 

قارن بدرَ السماء في حـوت

وقال أهدى إليّ بالرحبة بشر بن عبد اللّه الكاتب طبقا من تفاح لم أشاهد مثله حمرة وندا، فكتبت إليه، وقد كان طلب مني تشبيهاً في التفاح، فقلت له إذا حضر عملت فيه تشبيهاً، فنفذ ذلك فكتبت إليه

هُبَّا، فإن الديك هب وصاحـا

 

جنح الظلامُ واسقياني الراحا

راح تريح من الهموم، وطبعها

 

ينفي السقام، وينعش الأرواحا

أهدي الرئيس، وفي نداه سجية

 

تهدي النفائس غدوة ورواحـا

طبقاً من التفاح إني لـم أزل

 

أهوى الثمار وأعشق التفاحـا

إن الطبيعة والمزاج تشاركـا

 

في الكون لما أوجداه سماحـا

صاغاه كالكافور، لكن جلـده

 

قد ألبساه من النجيع وشاحـا

فكأنه من لون حبي قـابـس

 

وكأنه من نشر بشر فـاحـا

وقال في النارنج

سقياني من مخدرات الدنـان

 

بنت كرم حمراء كالأرجوان

وأدرها في مجلس أرهجتـه

 

نغمات النايات والـعـيدان

وكأن الكؤوس فيه نـجـوم

 

أطلعتها أيدي البدور الحسان

وابتدت بعد قطعها فلك السعد

 

جميعاً تغيب فـي الأبـدان

وكأن النارنج بين النـدامـى

 

أكرا مثلت من الزعفـران

وقال في الرمان الحامض

وشادن أبلـج كـالـبـدر

 

نادمته ليلاً إلى الفـجـر

بات به يصرف عنه الأذى

 

ينهل كاسات من الخمـر

ينتقل الرمان في أثرهـا

 

مخافة من ضرر السكر

كأنه وهـو خـبـير بـه

 

يكسر الياقـوت بـالـدر

وقال أيضاً

وبابلي اللـحـاظ كـالـقـمـر

 

أصبح في الأرض فتنة البشـر

أولاه فيض الجمال أجـمـعـه

 

والحسن والظرف واهب الصور

خشيت من عقرب بـه قـمـر

 

فكيف بالعقربـين فـي قـمـر

وقال أيضاً

ومهفهف يغشى العيون غريقه

 

في لج ماء الحسن منه وموجه

قلم الطبيعة خطه والمشتـري

 

يملي عليه عطارد من أوجـه

وقال في غلمان يسبحون بدجلة

وسرب غيد بشاطئ دجلة خرجوا

 

عن الثياب وألقوا سائر الكلـف

كأنهم وسط لج الماء أجمعـهـم

 

در تجرد في بحر عن الصدف

وقال في غلام في الحمام

جردته الحمام من كـل ثـوب

 

وأرتني منه الذي كان قصدي

بدناً كالصباح من تحـت لـيل

 

حالك اللون أسود غير جـعـد

سكب الماء فوق جسم حـكـى

 

الفضة حتى اكتسى غلالة ورد

وقال وكتبها إلى صديق

جاء شعبان منـذراً بـالـصـيام

 

فاسقياني راحاً بماء الـغـمـام

خندريساً، كأنها الشمـس لـونـاً

 

وضياء، أسفـى مـن الأوهـام

واسقني مـن يمـين أغـيد ريم

 

من بني الترك مثل بدر التمـام

فكأن الصهباء في الحسن والسـا

 

قي بها والحباب فوق الـمـدام

شمس ظهر، في كف بدر، عليها

 

سمط در، حكى نجوم الظـلام

سيما والربيع بـالـورد عـاف

 

يومه يشتري بسبـعـين عـام

وقال أيضاً

كتبت وبي من لاعج الشوق والأسى

 

إليك جوى يوهي القوى والقوادما

ولولا الرجا أن يجمع اللّه بـينـنـا

 

كأحسن ما كنا أتـيتـك قـادمـا

ولكنني أدعو إلى الـواحـد الـذي

 

يرى كل شيء أن يردك سالـمـا

وقال أيضاً

يا من تربع جـلـقـا وغـدا

 

يدعى من السعداء عش أبـدا

لا تطلبن بـغـيرهـا بـدلاً

 

هي جنة اللّه التـي وعـدا

قض الزمان ولا تبع، طمعـاً

 

نقداً بوعد تـرتـجـيه غـدا

واشرب بها صفراء صافـية

 

تنفي الهموم وتسلب الكمـدا

راحـاً إذا بـزلـت بـآنـية

 

قذفت على حافاتها الـزبـدا

فالعاقل الفطن الـلـبـيب إذا

 

نال المنى، في منزل، قعـدا

إني لأهوى شرب صـافـية

 

مقطوبة في الكأس من بردى

من كف من يهوى الفؤاد بها

 

تسعى بها والليل قـد بـردا

تسقي ندامى كالنجـوم غـدوا

 

بيض الوجوه تخالهـا بـردا

ما نلتقي إلا حليف حـجـى

 

يلقي العلوم وشـادياً غـردا

وقال أيضاً

سلام كأنفاس الرياض بعـالـج

 

يبلغه ريح الصبا أرض جلـق

إلى ساكن فيها وفي القلب مثله

 

مقيماً به عقلاً إلى حين نلتقـي

إلى جنة الدنيا جميعاً وليتـنـي

 

أنخت بها يوماً من الدهر أينقي

وأنت بها فالـراح غـير لـذيذة

 

بغير نديم خالص الود مشفـق

سميع مطيع للأخلاء قد صفـا

 

بغير قذى صفو الشراب المعتق

وإني ليدعوني الهوى كل ساعة

 

إليك وتغريد الحمام المـطـوق

سلام من الشعرى اليماني دائمـاً

 

إلى تربها الشامية المـتـألـق

وإن مزق الدهر المعاند شملنـا

 

فإن ودادي ليس بالمـتـمـزق

وبدلني بالصد منك فحـالـتـي

 

كحالة مأسور بغربة مـوثـق

ومن نكد الدهر الغشوم وصرفه

 

يجاور رغماً فيلسوف لأحمـق

وقال أيضاً  

يا حجة الدين سر باللّه معتصـمـاً

 

ولا تكن لـفـراق حـم ذا أسـف

فللكواكب عذر في تـنـقـلـهـا

 

عن البيوت لكي تحتل بالـشـرف

الدر لولا نحور الغيد ما خـرجـت

 

به المقادير أحياناً مـن الـصـدف

فاقبل إلى ملك مـا نـال غـايتـه

 

وما حواه ملوك الأرض في السلف

هو الهيولى وأنت الجسم تـقـبـل

 

أصناف المعالي قبولاً غير مختلف

وقال استدعاني الرضا وزير الجزيرة في ليلة ممطرة فكتبت إليه مع الغلام

قل للوزير أدام اللّـه نـعـمـتـه

 

في دولة أمرها في الحضر والبادي

بعثت في طلبي والغيث منسـكـب

 

والوحل قد كف سير الرائح الغادي

وقد رددت الذي نفذت في طلـبـي

 

فابعث إلي بـمـركـوب ولـبـاد

فبعث إليه ما أراد وقال وكتبه إلى بعض الكتاب

دعني من المطل الذي لا ينقـضـي

 

أبداً وسقم القلـب بـالـتـعـلـيل

قل لي نعم أو لا بـغـير تـوقـف

 

فاليأس أروح لي من الـتـطـويل

لأكون من طمعي الكذوب كمن رأى

 

أضـغـاث أحـلام بـلا تــأويل

وقال يهجو علي بن مسهر الشاعر

ما ولدت سعلاء من جن عبقر بأقبح شخص من علي بن مسهر

له هامة صلعاء من فوق قامة مقوسة حدباء في دور خنصر

بها جُعَل ما بين فكيه كامن يزج الخرا من فيه في كل محضر

ولما شكى داء قديماً بدبره إلي وداء من فم منه أبخر

فقلت دواء الدبر طعنة أجرد عريض القفا عريان أقرع أعور

تناك به من بين فخذي موسوس به جنة كالعير هوج أيُّر

وما يشتكي فوك الخبيث دواؤه بمسواك جعس مجه حجر خيبري

وكلْ من جوارشن البطون فإنه لدائك أشفى من جوارشن قيصر

ففيك من العاهات ما لو تقسمت على الخلق جمعاً لم تجد غير مدبر

وقال في المرأة

قد أقبلت غولة الصـبـايا

 

تنظر عن معلم النقـاب

فقلت من أعظم الـرزايا

 

قفل على منزل خـراب

أحسن ما كنت في عبـاة

 

ملفوفة الرأس في جراب

وقال يمتدح فضيلة الشرع

إن الشريعة ألفت بصلاحها للعالم المتضادد المتمازج

الشرع أصلح كل غاو مارد وأمات شرة كل جان مارج

لولا الشريعة ما تجمع واستوى شمل الورى ومنوا بشر هائج

إن الشريعة حكمة ومنافع لمداخل ومصالح لمخارج

والعقل نور اللّه إلا أنه للعالم المحسوس غير ممازج

فمتى اكتفيت بفعل عقل داخل فسدت أمورك كلها من خارج

الأنبياء كواكب تهدي إلى سبل الهدى لذوي السرى والدالج

وقال حين ترك الخمر وتاب عنه وعن المدح بالشعر

نار الحميا ونار الفكر مذ نهـكـا

 

جسمي تركت الحميا خشية النـار

والكأس بالطبع تصدي عقل شاربها

 

والسكر يسلب منه حكمة البـاري

وقال أيضاً

صددت عن الصهباء لما وجدتـهـا

 

منافرة مني طباعي وأخـلاقـي

وعوضت عنها النفس كاسات حكمة

 

تعللتها فازددت شوقاً إلى الساقـي

وللعنتري من الكتب كتاب النور المجتنى من روض الندماء وتذكار الفضلاء الحكماء ونزهة الحياة الدنيا، رتبه على فصول السنة وضمنه أشعاراً وفوائد حسنة لجماعة من الأدباء ولنفسه أيضاً، وأبان فيه عن فضل، كتاب الجمانة في العلم الطبيعي والإلهي، كتاب الأقراباذين، وهو أقراباذين كبير استقصى فيه ذكر الأدوية المركبة وأجاد في تأليفه، رسالة الشعرى اليمانية إلى الشعرى الشامية، كتبها إلى عرفة النحوي بدمشق جواباً عن رسالة كتبها إليه من دمشق، رسالة حركة العالم يهنئ بها وزيراً استدعي إلى وزارة بلد آخر، وهو حجة الدين مروان لما وزره أتابك زنكي بن آق سنقر، رسالة الفراق ما بين الدهر والكفر والإيمان، رسالة العشق الإلهي والطبيعي.