الباب العاشر: طبقات الأطباء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر: أبو الغنائم هبة الله بن علي بن الحسين بن اثردى، سعيد بن اثردى، أبو علي الحسن بن علي بن اثردى، جمال الدين علي بن اثردى، فخر الدين المارديني، أبو نصر بن المسيحي، أبو الفرج، أبو الحسين صاعد بن هبة الله بن المؤمل، ابن سدير، مهذب الدين بن هبل، شمس الدين بن هبل، كمال الدين بن يونس

أبو الغنائم هبة اللّه بن علي بن الحسين بن اثردى

من أهل بغداد متميز في الحكمة، فاضل في صناعة الطب، مشهور بالجودة في العلم والعمل،ولأبي الغنائم هبة اللّه بن علي بن اثردى من الكتب تعاليق طبية وفلسفية، مقالة في أن اللذة في النوم في أي وقت توجد منه، وألف هذه المقالة لأبي نصر التكريتي طبيب الأمير ابن مران،علي بن هبة اللّه بن اثردى هو أبو الحسن علي بن هبة اللّه بن علي بن اثردى من أهل بغداد، طبيب فاضل مشهور بالتقدم في صناعة الطب وجودة المعرفة لها، حسن المعالجة جيد التصنيف.ولعلي بن هبة اللّه بن اثردى من الكتب شرح كتاب دعوة الأطباء ألفه لأبي العلاء محفوظ ابن المسيحي المتطبب.

سعيد بن اثردى

هو أبو الغنائم سعيد بن هبة اللّه بن اثردى، من الأطباء المشهورين ببغداد، وكان ساعور البيمارستان العضدي، ومتقدماً في أيام المقتفي بأمر اللّه.

أبو علي الحسن بن علي بن اثردى

فاضل في صناعة الطب جيد الأعمال حسن المعالجة، وكان من المشكورين ببغداد،

جمال الدين علي بن اثردى

هو جمال الدين أبو الحسن علي بن أبي الغنائم سعيد بن هبة اللّه بن علي بن اثردى، فاضل في صناعة الطب، عال بها، متميز في علمها وعملها،كان همام الدين العبدي الشاعر قد استعار من جمال الدين علي بن اثردى كتاب مسائل حنين فقال يمدحه ويشعره بأن المسائل العارية قد وقع عليها اختياره على سبيل الدعابة، وذلك سنة ثمانين وخمسمائة

حياك رقراق الحيا عني وخـفـاف الـنـسـيم

فلأنت ذو الخُلْق الكريم، وأنت ذو الخَلْق الوسيم

غَدِقُ الأنامل بالندى، لَبِقُ الشمائل بـالـنـعـيم

ما افتر إلا فرّ جيش دُجْنَّةِ الـلـيل الـبـهـيم

نضر الفكاهة كالحما م جرى على زهر الجميم

ويسير أوقات الثرا ء كثـير أفـراح الـنـديم

لا بالملول، ولا الجدو ل، ولا الجهول، ولا المليم

بل يشفع القول اللطيف، بوافر الطول الجسـيم

ناد الورى مستصرخاً هل من صديق أو حمـيم

حمال أعباء القرين منـيع أكـنـاف الـحـريم

وادع الكرام، ولن يجيب سوى أبي الحسن الحكيم

سمعاً جمال الدين قو ل مصاحب الود السـلـيم

هل للمسائل رجعة يوماً إلى الوطـن الـقـديم

هيهات، أعوز ما يرو م الفحل إلقاح العـقـيم

بيني وبينك وصلة الأفض ال والفضل العـمـيم

والوصلة العظمى حميد ولاية النبأ الـعـظـيم

إنا ليجمعنا الولاء على صـراط مـسـتـقـيم

وقال أيضاً يمدحه

سل لم جفا جفني الوسن بعد بعاد من ظعـن

ومن نأى بالصبر لم غادر في قلبي الحـزن

وقل لمن خال الهوى قل لي، على البعد وطن

لم يبعد الوجد الذي خـلـفـه الـبـين ولـن

ولن ترى جوانحي ساكـنة بـعـد سـكـن

يا من يظن الحب من أيسر أحداث الـزمـن

الحب ما صير ثو ب المرء للمـرء كـفـن

لا ما أسال مدمعاً أو جعل الـسـر عـلـن

أما، وممشوق القوا م ناعس الطـرف أغـن

ينص جيد مطفَّل تنشد خـشـفـاً مـا شـدن

إني لأشتاق فتى لا يتـبـع الـمـن مـنـن

ولن ترى أحسن من شوقي إلى أبي الحسـن

مفتتن به فتى لـولا هـواه مـا افـتـتـن

أحن شوقاً وجوى فلـيتـه اشـتـاق وحـن

ولا أزال سائلاً عنـه فـهـل يسـأل عـن

هيهات أين ذو خلا من ذي غرام وشـجـن

أخو الهوى ليس له من أسهم الوجـد جـنـن

تكاد تجري نفسه لولا ارتـبـاط بـالـبـدن

وكيف لا أعشق معسول العطاء والـلـسـن

للمجد ما جاد به وللـسـمـاح مـا خـزن

فسمحه ذكاؤه ولـلـسـمـاحـات فـطـن

لا ثلَّ عرش سـعـده ولا وهـى ولا وهـن

أحمده لا طالباً منه على الـحـمـد ثـمـن

ولا وداد من نأى عن الظبـاء والـضـبـن

فابق لنا ما سجعت حمـامة عـلـى فـنـن

وامض كما تؤثر من نهج العلى على سنـن

وليهنك العيد الذي به الـعـداة لـم تـهـن

فخر الدين المارديني

هو الإمام فخر الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن عبد الساتر الأنصاري، كان أوحد زمانه وعلامة وقته في العلوم الحكمية، قوي الذكاء فاضل النفس، جيد المعرفة بصناعة الطب، محاولاً لأعمالها، كثير التحقيق، نزيه النفس، محباً للخير، متقناً للغة، متفنناً في العربية، مولده في ماردين وأجداده من القدس وكان أبوه قاضياً، ولما فتح نجم الدين الغازي بن أرتق القدس بعث جده عبد الرحمن إلى ماردين وقطن بها هو وأولاده، وكان شيخ فخر الدين المارديني في الحكمة نجم الدين بن صلاح، وهو نجم الدين أبو الفتوح أحمد بن السري، وكان عجمياً من همذان استدعاه حسام الدين تمرتاش بن الغازي بن أرتق، وكان ابن الصلاح فاضلاً في الحكمة جيد المعرفة بها، خبيراً بدقائقها وأسرارها، وله تصانيف في الحكمة وأقام في آخر عمره بدمشق وتوفي رحمه اللّه ودفن في مقابر الصوفية عند نهر بانياس بظاهر دمشق؛ وقرأ فخر الدين المارديني صناعة الطب على أمين الدولة بن التلميذ، وحدثني الحكيم سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة عن فخر الدين الماردين أنه قرأ كتاب القانون لابن سينا على أمين الدولة بن التلميذ، وباحثه فيه، وبالغ في تصحيحه وتحريره معه، وكان ابن التلميذ يقرأ عليه صناعة المنطق، ومما قرأ عليه في ذلك كتاب المختصر الأوسط للجرجاني لابن سينا، وأقام فخر الدين بن عبد السلام المارديني في مدينة حيني سنين كثيرة، وكان في خدمة نجم الدين بن أرتق، قال سديد الدين محمود بن عمر وكان قد صحب فخر الدين المارديني في مدينة حيني وقرأ عليه صناعة الطب، ولازمه مدة طويلة، ولم يكن يفارقه في سفره ولا حضره إن الشيخ فخر الدين المارديني رحمه اللّه وصل إلى دمشق، وكنت معه في سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وأقرأ بها صناعة الطب، وكان له مجلس عام للتدريس، وكان من جملة من اشتغل عليه ولازمه مدة مقامه بدمشق الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي، وقرأ عليه الشيخ مهذب الدين بعض كتاب القانون لابن سينا وصححه معه، ولم يزل الشيخ فخر الدين المارديني مقيماً بدمشق إلى آخر شهر شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة، فإنه توجه قاصداً إلى بلده، ولما عزم على السفر أتاه الشيخ مهذب الدين وسأله إن كان يمكنه أن يقيم بدمشق ليتمم عليه قراءة كتاب القانون، وأن يكون يوصل إلى وكيله برسم النفقة في كل شهر ثلثمائة درهم ناصرية فلم يفعل، وقال العلم لا يباع أصلاً، بل من كان معي فإنني أشغله أين كنت، ولم يمكن مهذب الدين التوجه معه، ولما سافر فخر الدين المارديني من دمشق وكان في طريقه بحلب، نفذ إليه الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين، واستحضره وأعجبه كلامه، فطلب أن يقيم عنده فاعتذر إليه، ولم يقبل منه الملك الظاهر ذلك وأطلق له مالاً كثيراً وأنعم عليه، وكان عظيم المنزلة عنده، وبقي في خدته نحو سنتين، ثم سافر إلى ماردين.أقول وتوفي فخر الدين المارديني رحمه اللّه يوم السبت الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وتسعين وخمسمائة بآمد، وله من العمر اثنتان وثمانون سنة ووقف جميع كتبه في ماردين في المشهد الذي وقفه حسام الدين بن أرتق، وكان حسام الدين هذا فاضلاً حكيماً، فيلسوفاً، وقد وقف أيضاً في مشهده كتباً حكمية، والكتب التي وقفها الشيخ فخر الدين هي من أجود الكتب وهي نسخه التي كان قد قرأ أكثرها على مشايخه وحررها، وقد بالغ في تصحيحها وإتقانها.

وحدثني سديد الدين محمود بن عمر وكان حاضراً عند الشيخ فخر الدين المارديني وقت موته قال لم يزل الشيخ فخر الدين لما أحس بالموت يذكر اللّه تعالى ويمجده ولم يفتر عن ذلك إلى حين قضى، وكان آخر شيء سمعناه منه اللّهم إني آمنت بك وبرسولك؛ صدق أن اللّه يستحي من عذاب الشيخ.

ولفخر الدين المارديني من الكتب شرح قصيدة الشيخ الرئيس بن سينا التي أولها

هبطت إليك من المحل الأرفع

وكان شرحه لهذه القصيدة لما سأله الأمير عزّ الدين أبو القاسم الخضر بن أبي غالب نصر الأزدي الحمصي ذلك، رسالة فضح فيها بعض من اتهمه بالميل إلى مذهب معيب.

أبو نصر بن المسيحي

هو أبو نصر سعيد بن أبي الخير بن عيسى بن المسيحي من المتميزين في صناعة الطب، والأفاضل من أهلها والأعيان من أربابها، حدثني شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي قال مرض الخليفة الناصر لدين اللّه في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة مرضاً شديداً، وكان المرض بالرمل، وعرض له في المثانة حصاة كبيرة مفرطة في الكبر واشتد به الألم وطال المرض، وكان طبيبه أبو الخير المسيحي، وكان شيخاً حسناً مسناً وقد خدمه مدة طويلة، وكان خبيراً متقناً للصناعة، ومات وقد قارب المائة سنة، فامتد به المرض وضجر من المعالجات، فأشار بأن تشق المثانة لإخراج الحصاة، فسأل عن حذاق الجرائحين، فأخبر برجل منهم يقال له ابن عكاشة من ساكني الكرخ بجانب بغداد الغرب، فأحضر وشاهد العضو العليل وأمره ببطه، فقال أحتاج أن أشاور مشايخ الأطباء في هذا، فقال له من تعرف ببغداد من صالحي هذه الصناعة؟ فقال يا مولانا أستاذي وشيخي أبو نصر بن المسيحي، ليس في البلاد بأسرها من يماثله، فقال له الخليفة اذهب إليه ومره بالحضور، فلما حضر خدم وقبّل الأرض، أمره بالجلوس فجلس ساعة، ولم يكلمه ولم يأمره بشيء حتى سكن روعه، فلما آنس منه ذلك قال له يا أبا نصر، مثل نفسك أنك قد دخلت إلى بيمارستان وأنت تباشر به مريضاً قد ورد من بعض الضياع، وأريد أن تباشر مداواتي وتعالجني في هذا المرض كما تفعل بمن هذه صفته، فقال السمع والطاعة ولكني أحتاج أن أعرف من هذا الطبيب المتقدم مبادئ المرض وأحواله وتغيراته، وما عالج به منذ أول المرض وإلى الآن.

فأحضر الشيخ أبو الخير وأخذ يذكر له ابتداءات المرض وتغيرات أحواله وما عالج به في أول الأمر إلى آخر وقت، فقال التدبير صالح، والعلاج مستقيم، فقال الخليفة هذا الشيخ أخطأ ولا بد لي من صلبه، فقام أبو نصر المسيحي وقبل الأرض، وقال يا مولانا، بحق نعمة اللّه عليك وبمن مضى من أسلافك الطاهرين لا تسن على الأطباء هذه السنة؛ وأما الرجل فلم يخطئ في التدبير، ولكن لسوء حظه لم ينته المرض، فقال قد عفوت عنه، ولكن لا يعود يدخل علي، فانصرف، ثم أخذ أبو نصر في مداواته، فسقاه ودهن العضو بالأدهان الملينات، وقال له إن أمكن، نلاطف الأمر بحيث نخرج هذه الحصاة من غير بط فهو المراد، وإن لم تخرج فذلك لا يفوتنا، فلم يزل كذلك يومين، وفي ليلة اليوم الثالث رمى الحصاة، فقيل إنه كان وزنها سبعة مثاقيل وقيل خمسة، وقيل إنها كانت على مقدار أكبر نواة تكون من نوى الزيتون، وبرأ وتتابع الشفاء، ودخل الحمام، فأمر أن يدخل أبو نصر إلى دار الضرب، ويحمل الذهب مهما قدر أن يحمله، ففعل به ذلك، ثم أتته الخلع والدنانير من أم الخليفة ومن ولديه الأميرين محمد وعلي، والوزير نصير الدين أبي الحسن بن مهدي العلوي الرازي، ومن سائر كبار الأمراء بالدولة، فأما أم الخليفة وأولاده والوزير والشرابي نجاح فكانت الدنانير من كل واحد منهم ألف دينار وكذلك من أكابر الأمراء، والباقين على قدر أحوالهم، فأخبرت أنه حصل من العين الدنانير عشرين ألف دينار، ومن الثياب والخلع جملة وافرة، وألزم الخدمة، وفرضت له الجامكية السنية، والراتب والإقامة، ولم يزل مستمراً في الحكمة إلى أن مات الناصر.قال وحدثني بعض الأطباء أن ابن عكاشة الجرائحي كان قد نذر عليه أنه يتصدق في بيعة سوق الثلاثاء بالربع مما يحصل له، وأنه حمل إلى البيعة مائتين وخمسين ديناراً، وصرف أبو الخير المسيحي من الخدمة، وقد كانت منزلته قبل هذا جليلة عنده، ومحله مرتفع، ووصله هبات وصلات عظيمة، فمن جملتها أنه أعطاه خزانة كتب الأجل أمين الدولة بن التلميذ، وكان مرض الناصر مراراً وبرأ على يده، فحصل له فيها جمل وافرة، ثم توفي الشيخ أبو الخير في أيام الناصر فقيل له إنه قد توفي، وترك ولداً متخلفاً وجملة عظيمة من المال، فقال لا يعترض ولده فيما ورثه من أبيه، فما خرج عنا لا يعود إلينا.

ولأبي نصر بن المسيحي من الكتب كتاب الاقتضاب على طريق المسألة والجواب في الطب، كتاب انتخاب الاقتضاب.

أبو الفرج

هو صاعد بن هبة اللّه بن توما نصراني من أهل بغداد، وكان من الأطباء المتميزين والأكابر المتعينين، حدثني شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي أنه كان طبيب نجم الدولة أبي اليمن نجاح الشرابي، وارتقت به الحال إلى أن صار وزيره وكاتبه، ثم دخل إلى الناصر وكان يشارك من يحضر من أطبائه في أوقات أمراضه، ثم حظي عنده الحظوة التامة وسلم إليه عدة جهات يخدم بها، وكان بين يديه فيها عدة دواوين وكتاب، وقتل في سنة عشرين وستمائة وكان سببه أنه أحضر جماعة من الأجناد الذين كانت معايشهم تحت يده، وأنه خاطبهم بما فيه بعض المكروه، فكمن له منهم اثنان ليلاً فقتلاه بالسكاكين، واعترضت تركته فأمر الخليفة بأن يحمل ما فيها من المال إلى الخزانة، ويبقى القماش والملك لولده، قال فأخبرني بعض البغداديين أنه حمل من داره إلى الخزانة من الدنانير العين ثمانمائة ألف وثلاثة عشر ألف دينار، وبقي الأثاث والأملاك بما يقارب تتمة ألف ألف دينار فترك لولده، أقول ووجدت الصاحب جمال الدين بن القفطي قد حكى من أحوال صاعد بن توما المذكور ما هذا نصه قال كان حكيماً طيباً حسن العلاج، كثير الإصابة، ميمون المعاناة في الأكثر، له سعادة تامة في هذا الشأن، وكان من ذوي المروءات والأمانات، تقدم في أيام الناصر إلى أن كان بمنزلة الوزراء، واستوثقه على حفظ أموال خواصه، وكان يودعها عنده، ويرسله في أمور خفية إلى وزرائه ويظهر له في كل وقت، وكان حسن الوساطة، جميل المحضر، قضيت على يديه حاجات واستكفيت بوساطته شرور، وسالمته الأيام مدة طويلة، ولم ير له غير شاكر وناشر، وكان الإمام الناصر في آخر أياه قد ضعف بصره وأدركه سهو في أكثر أوقاته لأحزان تواترت على قلبه، ولما عجز عن النظر في القصص والإنهائات استحضر امرأة من النساء البغداديات تعرف بست نسيم وقربها وكانت تكتب خطاً قريباً من خطه، وجعلها بين يديه تكتب الأجوبة والرقاع، وشاركها في ذلك خادم اسمه تاج الدين رشيق، ثم تزايد الأمر بالناصر، فصارت المرأة تكتب الأجوبة بما تراه، فمرة تصيب ومرة تخطئ ويشاركها رشيق في مثل ذلك، واتفق أن كتب الوزير القمي المدعو بالمؤيد مطالعة وحلها وعاد جوابها وفيه اختلال بين، فتوقف الوزير وأنكر، ثم استدعى الحكيم صاعد بن توما وأسر إليه ما جرى وسأله عن تفصيل الحال، فعرفه ما الخليفة عليه من عدم البصر والسهو الطارئ في أكثر الأوقات، وما تعتمده المرأة والخادم من الأجوبة، فتوقف الوزير عن العمل بأكثر الأمور الواردة عليه، وتحقق الخادم والمرأة ذلك وقد كانت لهما أغراض يريدان تمشيتها لأجل الدنيا واغتنام الفرصة في نيلها، فحدسا أن الحكيم هو الذي دله على ذلك، فقرر رشيق مع رجلين من الجند في الخدمة أن يغتالا الحكيم ويقتلاه، وهما رجلان يعرفان بولدي قمر الدولة من الأجناد الواسطية، وكان أحدهما في الخدمة والآخر بطالا، فرصدا الحكيم في بعض الليالي إلى أن أتى إلى دار الوزير وخرج عنها عائداً إلى دار الخلافة، وتبعاه إلى أن وصل باب درب الغلة المظلمة، ووثبا عليه بسكينيهما فقتلاه، وكان بين يديه مشعل وغلام، وانهزم الحكيم لما وقع إلى الأرض بحرارة الضرب إلى أن وصل إلى باب خربة الهراس، والقاتلان تابعان له، فبصرهما واحد وصاح خذوهم فعادا إليه وقتلاه وجرحا النفاط الذي بين يدي الحكيم، وحمل الحكيم إلى منزله ميتاً ودفن بداره في ليلته، ونفذ من البدرية من حفظ داره، وكذلك من دار الوزير لأجل الودائع التي كانت عنده للحرم والحشم الخاص، وبحث عن القاتلين فأمر بالقبض عليهما وتولى القبض والبحث إبراهيم بن جميل بمفرده وحملهما إلى منزله، ولما كان في بكرة تلك الليلة أخرجا إلى موضع القتل وشق بطناهما وصلبا على باب المذبح المحاذي لباب الغلة التي جرح بها الحكيم، وكان موت الحكيم وقتله في ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى سنة عشرين وستمائة.

أبو الحسين صاعد بن هبة اللّه بن المؤمل

كان نصرانياً وأصله من الحظيرة ونزل إلى بغداد، وكان اسمه أيضاً مارى، وهو من أسماء الكنيسة عند النصارى، فإنهم يسمون أولادهم عند الولادة بأسماء فإذا عمدوهم سموهم عند المعمودية باسم من أسماء الصالحين منهم، وكان أبو الحسين هذا طبيباً فاضلاً وخدم بالدار العزيزة الناصرية الإمامية، وتقرب قرباً كثيرة وكسب بخدمته وصحبته الأموال، وكانت له الحرمة الوافرة والجاه العظيم، وكان قد قرأ الأدب على أبي الحسن علي بن عبد الرحيم العصار، وعلى أبي محمد عبد اللّه بن أحمد بن الخشاب النحوي، وعلى شرف الكتاب بن حيا وغيرهم، وله معرفة تامة بالمنطق والفلسفة وأنواع الحكمة، وكان فيه كبر وحمق وتيه وعجرفة، وينسب إلى ظلم مفرط، ولم يزل على أمره ينسخ بخطه كتب الحكمة، ويتصرف فيما هو بصدده من الطب، وعلى حالته في القرب إلى أن مات في يوم العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ببغداد ودفن ببيعة النصارى بها، ابن المارستانية هو أبو بكر عبيد اللّه بن أبي الفرج علي بن نصر بن حمزة، عرف بابن المارستانية.

حدثني شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي الكاتب إن ابن المارستانية كان فاضلاً في صناعة الطب وأعمالها، وسمع شيئاً من الحديث وكان عنده تميز وأدب، وعمل خطباً، قال وكان يعرضها على شيخنا أبي البقاء عبد اللّه بن الحسين العكبري، وكان يستجيدها، وتولى النظر بالبيمارستان العضدي ثم قبض عليه وحبس به سنتين، ثم أفرج عنه، وعمل تاريخاً لمدينة السلام سماه ديوان الإسلام الأعظم وكتب منه كثيراً ولم يتممه، وندب من الديوان في صفر سنة تسع وتسعين وخمسمائة للرسالة إلى تفليس وخلع عليه خلعة سوداء وطيلسان، وتوجه إلى هناك فأدى الرسالة وعاد إلى بغداد، فتوفي قبل وصوله بموضع يعرف بجرخ بند في ليلة ذي الحجة سنة تسع وتسعين وخمسمائة فدفن هناك.

ابن سدير

هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد اللّه من أهل المدائن يعرف بابن سدير - وسدير لقب لأبيه - وكان طبيباً عالماً بصناعة الطب والمداواة، ويقول الشعر، وكان في دماثة ودعابة، وتوفي بالمدائن فجأة في العشر الأخير من رمضان سنة ستة وستمائة.

ومن شعر ابن سدير قال الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن سعيد بن يحيى بن الدبيثي الواسطي في كتابه أنشدني ابن سدير لنفسه

أيا منقذي من معشر زاد لؤمـهـم

 

فأعيا دوائي واستكان له طـبـي

إذا اعتل منهم واحد فهو صحتـي

 

وإن ظل حياً كدت أقضي به نحبي

أداويهـم إلا مـن الـلـؤم إنــه

 

ليعيي علاق الحاذق الفطن الطب

مهذب الدين بن هبل

هو أبو الحسن علي بن أحمد بن هبل البغدادي، ويعرف أيضاً بالخلاطي، كان أوحد وقته، وعلامة زمانه في صناعة الطب وفي العلوم الحكمية، متميزاً في صناعة الأدب وله شعر حسن وألفاظ بليغة، وكان متقناً لحفظ القرآن، ولد ببغداد في باب الأزج بدرب ثمل في ثالث وعشرين ذي القعدة من خمس عشرة وخمسمائة، ونشأ ببغداد، وقرأ الأدب والطب، وسمع بها من أبي القاسم إسماعيل بن أحمد بن السمرقندي، ثم صار إلى الموصل واستوطنها إلى حين وفاته، وحدثني عفيف الدين أبو الحسن علي بن عدنان النحوي الموصلي قال كان الشيخ مهذب الدين بن هبل من بغداد، وأقام بالموصل ثم بخلاط عند شاه أرمن صاحب خلاط، وبقي عنده مدة، وحصل من جهته من المال العين مبلغاً عظيماً، وقبل رحيله من خلاط بعث جملة ما له من المال العين إلى الموصل إلى مجاهد الدين قيماز الزيني وديعة عنده، وكان ذلك نحو مائة وثلاثين ألف دينار، ثم أقام ابن هبل بماردين عند بدر الدين لؤلؤ وعمِيَ مهذب الدين بن هبل بماء نزل في عينيه عن ضربة، وكان عمره إذ ذاك خمساً وسبعين سنة، ثم توجه إلى الموصل وحصلت له زمانة فلزم منزله بسكة أبي نجيح، وكان يجلس على سرير ويقصده كل أحد من المشتغلين عليه بالطب وغيره. أقول وكان أيضاً يسمع الحديث ومن ذلك، حدثني الحكيم بدر الدين أبو العز يوسف بن أبي محمد بن المكي الدمشقي المعروف بابن السنجاري قال حدثنا مهذب الدين أبو الحسن علي بن أبي العباس أحمد بن هبل البغدادي المعروف بالخلاطي، أخبرنا الشيخ الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن الأشعث السمرقندي، أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكناني، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان ابن أبي نصر، وأبو القاسم تمام محمد الرازي، والقاضي محمد بن أحمد بن هرون الغساني المعروف بابن الجندي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن علي بن أبي العقب، وأبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن عبيد اللّه بن يحيى القطان، قالوا أخبرنا أبو القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب، حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر بن عبد اللّه بن صفوان البصري، حدثنا علي بن عياش، حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلىالله عليه وسلم الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.

وكان شيخ مهذب الدين بن هبل في صناعة الطب أوحد الزمان، وكان بن هبل في أول أمره قد اجتمع بعبد اللّه بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي، وقرأ عليه شيئاً من النحو، وتردد أيضاً إلى النظامية، وقرأ الفقه، ثم اشتهر بعد ذلك بصناعة الطب وفاق بها أكثر أهل زمانه من الأطباء، ودفن بظاهرها بباب الميدان بمقبرة المعافى بن عمران بالقرب من القرطبي، ومن شعر مهذب الدين بن هبل قال

أيا أثلات بالعـراق ألـفـتـهـا

 

علـيك سـلام لا يزال يفــوح

لقد كنت جلداً ثاوياً بـفـنـائهـا

 

فقد عاد مكتوم الـفـؤاد يبـوح

فما أحسن الأيام في ظل أنسـهـا

 

قبيل طلوع الشمس حين تـلـوح

وقد غرد القمري في غسق الدجى

 

وراعى حمام في الأصول ينوح

ذكرت ليال بالصراط وطيبـهـا

 

نطير لها شوقاً ونحن جـمـوح

وقال أيضاً

أيا دوحة هام الـفـؤاد بـذكـرهـا

 

عليك سلام الـلّـه يا دوحة الأنـس

رمتني النوى بالبعد منك وقـربـهـا

 

وقد كنت جاراً لاصقاً لك بالأمـس

فيا ليت أني بعد بُـعـد أحـبـتـي

 

نقلت كريماً راضي النفس بالرمس

وإلا فليت الدهر يمـكـن مـنـهـم

 

بقبضي حبال الوصل بالأنمل الخمس

إذا جال طرفي في العـراق وجـوه

 

كأني نظرت الأفق من مطلع الشس

تبدل تقليبي الـيراع مـع الـقـنـا

 

بتقليب مطبوع بلفب بـالـفـلـس

واعتضت ثوباً كان للمجـد شـامـلاً

 

بثوب رجال كان أشبه بالـحـلـس

فمن لا يرى سوء القضـاء وقـدره

 

بعقل رصين لا يقايس بالـلـمـس

يعش تائهاً في الخلق أعمى مشوهـا

 

بعيد المرامي اليق الخلق بالنـكـس

وقال أيضاً

لقد سبتني غداة الخـيف غـانـية

 

قد حازت الحسن في دل بها وصبا

قامت تميس كخوط البـان غـازلة

 

مع الأصائل ريحي شمأل وصبـا

يكاد من دقةٍ خصر تدل به يشكـو

 

إلى ردفها من ثقـلـه وصَـبَـا

لو لم يكن أقحوان الثغر مبسمـهـا

 

ما هام قلبي بحبيها هوى وصبـا

ولمهذب الدين بن هبل من الكتب كتاب المختار في الطب وهو كتاب جليل يشتمل على علم وعمل، كتاب الطب الجمالي، صنفه لجمال الدين محمد الوزير المعروف بالجواد، وكان تصنيفه للمختار سنة ستين وخمسمائة بالموصل.

شمس الدين بن هبل

هو شمس الدين أبو العباس أحمد بن مهذب الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن علي بن هبل، مولده في يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، انشقاق الصبح قبل طلوع الشمس، وكان مشتغلاً بصناعة الطب، متميزاً في الأدب، وجيهاً في الدولة، وسافر إلى بلاد الروم وأكرمه صاحب الروم الملك الغالب كيكاوس بن كيخسرو إكراماً كثيراً وبقي عنده قليلاً وتوفي هناك رحمه اللّه، ثم حمل إلى الموصل ودفن بها، وكان لشمس الدين بن هبل ولدان من أعيان الفضلاء وأكابرهم وهما في وقتنا هذا مقيمان بمدينة الموصل.

كمال الدين بن يونس

هو كمال الدين أبو عمران موسى بن يونس بن محمد بن منعة، علامة زمانه وأوحد أوانه، وقدوة العلماء، وسيد الحكماء، قد أتقن الحكمة، وتميز في سائر العلوم، وكان عظيماً في العلوم الشرعية والفقه، وكان مدرّساً في المدرسة بالموصل، ويقرأ العلوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وغير ذلك، وله مصنفات في نهاية الجودة، ولم يزل مقيماً بمدينة الموصل إلى أن توفي إلى رحمة اللّه.

حدثني القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن الكريدي قال وكان ورد إلى الموصل كتاب الإرشاد للعميدي وهو يشتمل على قوة من خلاف علم الجدل، وهو الذي يسمونه العجم جست أي الشطار، فلما أحضر إلى الشيخ كمال الدين بن يونس نظر فيه وقال علم مليح، ما قصر فيه مؤلفه، وبقي عنده يومين حتى حرر جميع معانيه، ثم إنه أقرأه الفقهاء وشرح لهم فيه أشياء ما ذكرها أحد سواه، وقيل أن كمال الدين بن يونس كان يعرف علم السيمياء من ذلك، حدثني أيضاً القاضي نجم الدين بن الكريدي قال حدثني القاضي جلال الدين البغدادي تلميذ كمال الدين بن يونس وكان الجلال مقيماً عند ابن يونس في المدرسة - قال كان قد ورد إلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من عند الأنبرور ملك الفرنج - وكان متفنناً في العلوم - رسول الموصل إلى ابن يونس يعرفه بذلك، ويقول له أن يتجمل في لبسه وزيه وجعل له مجلساً بأبهة لأجل الرسول، وذلك لما يعرفه من ابن يونس أنه كان يلبس ثياباً رثة بلا تكلف، وما عنده خبر من أحوال الدنيا، فقال نعم، حكى جلال الدين، قال فكنت عنده، وقد قيل له هذا رسول الفرنج قد أتى وقرب من المدرسة، فبعث من الفقهاء من تلقاه فلما حضر عند الشيخ، نظرنا فوجدنا الموضع فيه بسط من أحسن ما يكون من البسط الرومية الفاخرة، وجماعة مماليك وقوف بين يديه وخدام وشارة حسنة، ودخل الرسول وتلقاه الشيخ وكتب له الأجوبة عن تلك المسائل بأسرها، ولما راح الرسول غاب عنا جميع ما كنا نراه، فقلت للشيخ يا مولانا ما أعجب ما رأينا من ساعة من تلك الأبهة والحشمة فتبسم وقال يا بغدادي، هو علم.

وقال جلال الدين وكان للشيخ كمال الدين عند بدر الدين لؤلؤ حاجة، فركب عند الصبح ليلقاه فيها، وكانت عادة بدر الدين أن يركب الخيل والبغال السريعة المشي، فلما قدموا في السحر فرساً وركبه لم ينبعث في المشي، فنزل عنه وركب غيره فلم يقدر على المشي خطوة، فبقي متحيراً في أمره، وإذا بالشيخ قد وصل إليه وقال له عن حاجته فقضاها له، ثم قال ما كان الفرس امتنعت من المشي إلاحتى تقدم، فقال يا مولانا، هذا من همة المشايخ، وعاد وسار بدر الدين لؤلؤ وتبعه العسكر. حدثني نجم الدين حمزة بن عابد الصرخدي أن نجم الدين القمراوي وشرف الدين المتاني - وقمراومتان هما قريتان من قرى صرخد قال كانا قد اشتغلا بالعلوم الشرعية والحكمية وتميزا واشتهر فضلهما، وكانا قد سافرا إلى البلاد في طلب العلم، ولما جاءا إلى الموصل قصدا الشيخ كمال الدين بن يونس وهو في المدرسة يلقي الدرس، فسلما وقعدا مع الفقهاء، ولما جرت مسائل فقهية تكلما في ذلك وبحثا في الأصول، وبان فضلهما على أكثر الجماعة، فأكرمهما الشيخ وأدناهما، ولما كان آخر النهار سألاه أن يريهما كتاباً له كان قد ألفه في الحكمة وفيه لغز، فامتنع وقال هذا كتاب لم أجد أحداً يقدر على حله وأنا ضنين به، فقالا له نحن قوم غرباء، وقد قصدناك ليحصل لنا الفوز بنظرك والوقوف على هذا الكتاب، ونحن بائتون عندك في المدرسة، وما نريد نطالعه سوى هذه الليلة، وبالغداة يأخذه مولانا وتلطفا له حتى أنعم لهما وأخرج الكتاب، فقعدا في بيت من بيوت المدرسة ولم يناما أصلاً في تلك الليلة، بل كل واحد منهما يملي على الآخر وهو يكتب حتى فرغا من كتابته وقابلاه، ثم كررا النظر فيه مرات، ولم يتبين لهما حله إلى آخر وقت، وقد طلع النهار، فظهر لهما حل شيء منه، من آخره، واتضح أولاً فأولا حتى انحل لهما اللغز وعرفاه، فحملا الكتاب إلى الشيخ وهو في الدرس، فجلسا وقالا يا مولانا ما طلبنا إلا كتابك الكبير الذي فيه اللغز الذي يعسر حله، وأما هذا الكتاب فنحن نعرف معانيه من زمان، واللغز الذي فيه علمه عندنا قديم؛ وإن شئت أوردناه، فقال قولا حتى أسمع، فتقدم النجم القمراوي؛ وتبعه الآخر، وأوردا جميع معانيه من أول الكتاب إلى آخره، وذكرا حل اللغز بعبارة حسنة فصيحة، فعجب منهما وقال من أين تكونان؟ قالا من الشام، قال من أي موضع منه؟ قالا من حوران، فقال لا أشك أن أحدكما النجم القمراوي، والآخر الشرف المتاني، قالا نعم، فقام لهما الشيخ وأضافهما عنده وأكرمهما غاية الإكرام واشتغلا عليه مدة ثم سافرا.

أقول وكان عمي رشيد الدين بن خليفة، وهو في أول شبيبته، قصد السفر إلى الموصل ليجتمع بالشيخ كمال الدين بن يونس ويشتغل عليه، لما بلغه من علمه وفضله الذي لم يلحقه فيه أحد وتجهز للسفر، فلما علمت بذلك والدته، جدتي، بكت وتضرعت إليه أن لا يفارقها، وكان يأخذ بقلبها فلم يمكنه مخالفتها، وأبطل الرواح إليه،ولكمال الدين بن يونس أولاد بمدينة الموصل قد أتقنوا الفقه وسائر العلوم، وهم من سادات المدرسين وأفاضل المصنفين، ومن شعر كمال الدين بن يونس قال

ما كنت ممـن يطـيع عـذالـي

 

ولا جرى هجره علـى بـالـي

حُلْتُ كما حلتَ غادراً، وكـمـا

 

أرخصتَ أرخصتُ قدرك الغالي

وقال

حتى ومتى لي وعدكم لـي زور

 

مطـل واف ونـائل مـنـزور

في قلبي حب حبـكـم مـبـذور

 

زوروا فعسى يثمر وصلاً زوروا

ولكمال الدين بن يونس من الكتب كتاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في تفسير القرآن شرح كتاب التنبيه في الفقه مجلدان، وكتاب مفردات ألفاظ القانون، كتاب في الأصول، كتاب عيون المنطق، كتاب لغز في الحكمة، كتاب الأسرار السلطانية في النجوم.