الباب الحادي عشر: طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد العجم: أبو الحسن أحمد بن محمد الطبري، أبو سليمان السجستاني، أبو الخير الحسن بن سوار، أبو الفرج بن هندو

أبو الحسن أحمد بن محمد الطبري

من أهل طبرستان فاضل عالم بصناعة الطب وكان طبيب الأمير ركن الدولة، ولأحمد بن محمد الطبري من الكتب الكناش المعروف بالمعالجات البقراطية، وهو من أجل الكتب وأنفعها، وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها على أتم ما يكون، وهو يحتوي على مقالات كثيرة.

أبو سليمان السجستاني

هو أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي كان فاضلاً في العلوم الحكمية متقناً لها مطلعاً على دقائقها، واجتمع بيحيى بن عدي ببغداد وأخذ عنه وكان لأبي سليمان المنطقي السجستاني أيضاً نظر في الأدب والشعر ومن شعره قال

لا تحسدن على تظاهر نـعـمة

 

شخصاً تبيت له المنون بمرصد

أو ليس بعد بلـوغـه آمـالـه

 

يفضي إلى عدم كأن لم يوجـد

لو كنت أحسد ما تجاوز خاطري

 

حسد النجوم على بقاء مرصـد

وقال أيضاً

الجوع يدفع بالرغـيف الـيابـس

 

فعلام أكثر حسرتي ووساوسـي

والموت أنصف، حين ساوى حكمه

 

بين الخليفة والفـقـير الـبـائس

وقال أيضاً

لذة العيش في بهيمية اللذة لا

 

ما يقوله الـفـلـسـفـيّ

حكم كأس المنون أن يتساوى

 

في حساها الغبي والألمعيّ

ويحل البليد تحت ثـرى الأر

 

ض كما حل تحتها اللوذعيّ

أصبحا رمة تزايل عـنـهـا

 

فصلها الجوهري والعرضيّ

وتلاشى كيانها الـحـيوانـي

 

وأودى تمييزها المنطـقـيّ

فاسأل الأرض عنهما إن أزال

 

الشك والمرية الجواب الخفيّ

بطلت تلكم الصفات جمـيعـاً

 

ومحال أن يبطـل الأزلـيّ

ولأبي سليمان السجستاني من الكتب مقالة في مراتب قوى الإنسان، وكيفية الإنذارات التي تنذر بها النفس فيما يحدث في عالم الكون، كلام في المنطق، مسائل عدة سئل عنها وجواباته لها، تعاليق حكمية وملح ونوادر، مقالة في أن الأجرام العلوية طبيعتها طبيعة خامسة، وأنها ذات أنفس، وإن النفس التي لها هي النفس الناطقة.

أبو الخير الحسن بن سوار

ابن بابا بن بهنام المعروف بابن الخمار لفظة فارسية مركبة من كلمتين وهي به خير؛ ونام اسم؛ أي اسم الخير وكان أبو الخير الحسن نصرانياً عالماً بأصول صناعة الطب وفروعها، خبيراً بغوامضها، كثير الدراية لها، ماهراً في العلوم الحكمية، وله مصنفات جليلة في صناعة الطب وغيرها، وكان خبيراً بالنقل، وقد نقل كتباً كثيرة من السرياني إلى العربي، ووجدت بخطه شيئاً من ذلك، وقد أجاد فيها، وقرأ الحكمة على يحيى بن عدي، وكان في نهاية الذكاء والفطنة، ومولده في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة، وقال أبو الخطاب محمد بن أبي طالب في كتاب الشامل في الطب إن أبا الخير الحسن بن سوار كان موجوداً في سنة ثلاثين وثلثمائة، وقد ذكر أبو الحسن علي بن رضوان عنه في كتاب حل شكوك الرازي على جالينوس ما هذا نصه، قال كما فعل في عصرنا هذا الحسن بن بابا المعروف بابن الخمار فإنه وصل بالطب إلى أن قيل له محمود الملك للأرض، وكان الملك محمود عظيماً جداً وذلك أن هذا الرجل كان فيلسوفاً حسن التعقل حسن المعرفة، وقال عنه أنه كان حسن السياسة لفقهاء الناس، ورؤساء العوام والعظماء والملوك، وذلك أنه كان إذا دعاه من أظهر العبادة والزهد مشى إليه راجلاً وقال له جعلت هذا المشي كفارة لمروري إلى أهل الفسق والجبابرة، فإذا دعاه السلطان ركب إليه في زي الملوك والعظماء، حتى أنه ربما حجبه في هذه الحال ثلثمائة غلام تركي بالخيول الجياد، والهيئة البهية، ووفى صناعته حقها بالتواضع للضعفاء، وبالتعاظم على العظماء، وهكذا كان طريق بقراط وجالينوس وغيرهما من الحكماء، فمنهم من تواضع ولزم الزهد والتصاون، ومنهم من أظهر من حكمته ما ظهرت به محاسن الحكمة.

قال أبو الفرج بن هندو في كتاب مفتاح الطب إنه رأى في بلاد العجم جماعة كانوا ينفون من صناعة الطب، قال وقد كان زعيم الفرقة النافية للطب يعادي أستاذي أبا الخير بن الخمار الفيلسوف ويغري العامة بإيذائه فاشتكى الزعيم رأسه، واستفتى أبا الخير في دوائه فقال ينبغي أن يضع تحت رأسه كتابه الفلاني الذي نفى فيه فعل الطب ليشفيه اللّه ولم يداوه،ولأبي الخير بن سوار بن بابا من الكتب مقالة في الهيولى، كتاب الوفاق بين رأي الفلاسفة والنصارى ثلاث مقالات، كتاب تفسير إيساغوجي مشروع كتاب تفسير إيساغوجي مختصر، مقالة في الصديق والصداقة، مقالة في سيرة الفيلسوف، مقالة في الآثار المخيلة في الجو الحادثة عن البخار المائي وهي الهالة والقوس والضباب على طريق المسألة والجواب، مقالة في السعادة، مقالة في الإفصاح عن رأي القدماء في الباري تعالى وفي الشرائع ومورديها، مقالة في امتحان الأطباء، صنفها للأمير خوارزمشاه أبي العباس مأمون بن مأمون، كتاب في خلق الإنسان وتركيب أعضائه أربع مقالات ، كتاب تدبير المشايخ، وقد ذكر في أوله أن حنين بن إسحاق كان قد ألف ذلك بالسرياني، وجمع من كلام جالينوس وروفس في تدبير المشايخ ما الحاجة داعية إلى معرفته، مع زيادات ذكر أنه زادها من عنده، وصير ذلك على طريق المسألة والجواب، وأن أبا الخير بسط القول وأوضحه من غير مسألة وجواب، وجعله ستة وعشرين باباً، كتاب تصفح ما جرى بين أبي زكريا يحيى بن عدي وبين أبي إسحاق إبراهيم بن بكوس في سورة النار، وتبين فساد ما ذهب إليه أبو سليمان محمد بن طاهر في صور الأسطقسات، مقالة في المرض المعروف بالكاهني وهو الصرع، تقاسيم إيساغوجي وقاطيغورياس لالينوس الإسكندراني، مما نقله من السرياني إلى العربي الحسن بن سوار بن بابا، وشرحه على طريق الحواشي، نقلت ذلك من الدستور من خط الحسن بن سوار.

أبو الفرج بن هندو

هو الأستاذ السيد الفاضل أبو الفرج علي بن الحسين بن هندو من الأكابر المتميزين في العلوم الحكمية، والأمور الطبية، والفنون الأدبية، له الألفاظ الرائقة، والأشعار الفائقة، والتصانيف المشهورة، والفضائل المذكورة، وكان أيضاً كاتباً مجيداً، وخدم بالكتابة وتصرف، وكان اشتغاله بصناعة الطب والعلوم الحكمية على الشيخ أبي الخير الحسن بن سوار بن بابا المعروف بابن الخمار وتتلمذ له، وكان من أجل تلاميذه، وأفضل المشتغلين عليه، قال أبو منصور الثعالبي في كتاب يتيمة الدهر في وصف أبي المفرج بن هندو، قال هو مع ضربه في الأداب والعلوم بالسهام الفائزة، وملكه رقَّ البلاغة والبراعة؛ فرد الدهر في الشعر، وأوحد أهل الفضل في صيد المعاني الشوارد، ونظم الفرائد في القلائد، مع تهذيب الألفاظ البليغة، وتقريب الأغراض البعيدة، وتذكير الذين يسمعون ويرون؛ أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون، قال أبو منصور الثعالبي وكان قد اتفق لي معنى بديع لم أقدّر أني سبقت إليه، وهو قولي آخر هذه الأبيات

قلبي وجداً مشتـعـل

 

على الهموم مشتمـل

وقد كستني في الهوى

 

ملابس الصب الغزل

إنـسـانة فـتــانة

 

بدر الدجى منها خجل

إذا زنت عيني بـهـا

 

فبالدموع تغـتـسـل

 

حتى أنشدني لأبي الفرج بن هندو

يقولون لي ما بال عينك مذ رأت

 

محاسن هذا الظبي أدمُعها هطل

فقلت زنت عيني بطلعة وجهـه

 

فكان لها من صوب أدمعها غسل

فعرفت أن السبق له، ومن شعر أبي الفرج بن هندو قال

قوض خيامك من أرض تضام بها

 

وجانب الذل إن الذل يجـتـنـب

وارحل إذا كانت الأوطان منقصة

 

فمندل الهند في أوطانه حطـب

وقال أيضاً

أطال بين البلاد بـحـوالـي

 

قصور مالي وطول آمالـي

إن رحت عن بلدة غدوت إلى

 

أخرى فما تستقر أحمالـي

كأنني فكرة المـوسـوس لا

 

تبقى مدى لحظة على حال

وقال في الحث على الحركة والسعي

خليلي، ليس الرأي مـا تـريان

 

فشأنكما أني ذهبت لـشـانـي

خليلي، لولا أن في السعي رفعة

 

لما كان يوماً يدأب القـمـران

وقال أيضاً

وحقك ما أخرت كتبي عنـكـم

 

لقالة واش أو كلام مـحـرش

ولكن دمعي أن كتبت مشـوش

 

كتابي وما نفع الكتاب المشوش

وقال أيضاً في النهي عن اتخاذ العيال والأمر بالوحدة

ما للمعيل وللمعالي إنـمـا

 

يسمو إليهن الوحيد الفـارد

فالشمس تجتاب السماء فريدة

 

وأبو بنات النعش فيها راكد

وقال في الصبر

تصبر إذا الهم أسرى إليك

 

فلا الهم يبقى ولا صاحبه

وقال أيضاً

قالوا اشتغل عنهم يوماً بغيرهم

 

وخادع النفس إن النفس تنخدع

قد صيغ قلبي على مقدار حبهم

 

فما لحب سواهم فيه متسـع

قال أيضاً

عارض ورد الغصون وجنته

 

فاتفقا في الجمال واختلفـا

يزداد بالقطف ورد وجنتـه

 

وينقص الورد كلما قطفـا

وقال أيضاً

قولا لهذا القمر البـادي

 

مالك إصلاحي وإفسادي

زود فؤاداً راحلاً بقبـلة

 

لا بد للراحل مـن زاد

وقال أيضاً

تمنيت من أهوى فلـمـا لـقـيتـه

 

بهت فلم أملك لسانـاً ولا طـرفـا

وأطـرقـت إجـلالاً ومـهــابة

 

وحاولت أن يخفى الذي بي فلم يخفا

وقد كان في قلبي دفاتر عـتـبـه

 

فلما التقينا ما فهمت ولا حـرفـا

وقال أيضاً

عابوه لما التحى فقلنـا

 

عبتم وغبتم عن الجمال

هذا غزال ولا عجـب

 

تولد المسك في الغزال

وقال أيضاً في العذار

أوحى لعارضه العذار فمـا

 

أبقى على ورعي ولا نُسكي

فكأن نملأ قـد دبـبـن بـه

 

غمست أكارعهن في مسك

وقال أيضاً

قالوا صحا قلب المحب وما صحا

 

ومحا العذار سنا الحبيب وما محا

ما ضره شعر العـذار وإنـمـا

 

وافى يسلسل حسنه أن يبـرحـا

وقال أيضاً في خط العذار

الآن قد صحَّت لدي شهـادة

 

أن ليس مثل جماله لمصور

خط يكنيه حـوالـي خـده

 

قلم الإله بنقش مسك أذفـر

وقال أيضاً

يا من حياه كاسمـه حـسـن

 

إن نمت عني فليس لي وسن

قد كنت قبل العذار في محن

 

حتى تبدى فزادت المـحـن

يا شعرات جميعهـا فـتـن

 

يتيه في كنه وصفها الفطـن

ما عيروا من عذاره سفـهـاً

 

قد كان غصناً فأورق الغصن

وقال في ذم العذار

كفى فؤادي عـذاره حـرقـه

 

فكف عيناً بدمعـهـا غـرقـه

ما خط حرف من العـذار بـه

 

إلا محا من جمـالـه ورقـه

وقـال فـي الـشـــراب

 

 

أرى الخمر ناراً والنفوس جواهراً

 

فإن شربت أبدت طباع الجواهر

فلا تفضحن النفس يوماً بشربها

 

إذا لم تثق منها بحسن السـرائر

وقال أيضاً

أوصى الفقيه العسكـري

 

بأن أكف عن الشـراب

فعصـيتـه إن الـشـرا

 

ب عمارة البيت الخراب

وقال لبعض الرؤساء وقد انصبت الخمر على كمه في مجلس الشراب

انصبت الخمر على كمـه

 

تلثم منه كـمـه خـدمـه

لو لم ترد خدمته بـالـتـي

 

قد فعلت ما خصصت كمه

وقال وكتبها على عود

رأيت العود مشتقاً

 

من العود بإتقان

فهذا طيب آنـاف

 

وهذا طيب آذان

وقال أيضاً

ودوحة أنس أصبحت ثمـراتـهـا

 

أغاريد تجنيها نـدامـى وجـلاس

تغنى عليها الطير وهـي رطـيبة

 

فلما عست غنى على عودها الناس

وقال في الآذريون

رب روض خلت آذر

 

يونه لـمـا تـوقـد

ذهباً أشعل مسـكـاً

 

في كوانين زبرجـد

وقال في عز الكمال

فإذا رأيت الفضل فاز به الفتى

 

فاعلم بأن هناك نقصاً خافـيا

واللّه أكمل قدرة من أن يرى

 

لكماله ممـن تـراه ثـانـيا

وقال في الشكوى

ضعت بأرض الري في أهلها

 

ضياع حرف الراء في اللثغه

صرت بها بعد بلوغ المـنـى

 

يعجبني أن أبلغ البـلـغـه

وقال أيضاً

لنا ملك ما فـيه لـلـمـلـك آلة

 

سوى أنه يوم السـلاح مـتـوج

أقيم لإصلاح الورى وهو فاسـد

 

وكيف استواء الظل والعود أعوج

وقال أيضاً

عجبت لقولنج هذا الأمير

 

وأنّى ومن أين قد جاءه

وفي كل يوم له حقـنة

 

تفرّغ بالزب أمـعـاءه

وقال في مدح الجرب وملح وظرف

بهيج مسرتي جرب بكفـي

 

إذا ما عد في الكرب العظام

تجنبني اللئام لذاك حتـى

 

كفيت به مصافحة اللئام

وقال في مراجعة الشعر بعد تركه إياه

وكنت تركت الشعر آنف من خنا

 وأكبر عن مدح وأزهد عن غزل

فما زال بي حبيك حتى تطلعت

 خواطر شعر كان طالعه أفل 

تزل القوافي عن لساني كأنها

يفاع يزل السيل منه على عجل

فأصبح شعر الأعشـيين من العشا

لديه وشعر الأخـطلين من الخطل

ولأبي الفرج بن هندو من الكتب المقالة الموسومة بمفتاح الطب الفها لإخوانه من المتعلمين وهي عشرة أبواب، المقالة المشوقة في المدخل إلى علم الفلسفة - كتاب الكلم الروحانية من الحكم اليونانية، ديوان شعره، رسالة هزلية مترجمة بالوساطة بين الزناة واللاطة.