الباب الحادي عشر: طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد العجم: الحسن الفسوي، أبو منصور الحسن بن نوح القمري، أبو سهل المسيحي، الشيخ الرئيس بن سينا

الحسن الفسوي

كان طبيباً معروفاً من أرض فارس، من مدينة فسا، متميزاً في الطب والقيام به والتقدم بسببه، خدم الدولة البويهية واختص منها بخدمة الملك بهاء الدين عضد الدولة، وصحبه في أسفاره وتقدر عنده، ولما مرض أمير الأمراء أبو منصور بويه بن بهاء الدولة في رجب سنة ثمان وتسعين وثلثمائة مع والده بالبصرة وعزم بهاء الدولة على التوجه من البصرة إلى تستر للصيد والفرجة، وكان شديد الإشفاق على ولده من هذا المرض كثير الاحتراس منه، خائفاً من جانبه مانعاً للجند من لقائه، وهو مع أبيه كالمحصور يمنعه من جميع مراده، واتفق أن حم هذا الولد في رجب حمى أضعفت قوته قبل اليوم الذي أراد بهاء الدولة المسير فيه، فقال الأثير لبهاء الدولة أمير الأمراء محموم، ولا فضل فيه لحركة والرأي تركه، فقال لا يحمل من فوره ويخرج قولاً واحداً، فقال له هو إذا انزعج هلك، ومدة مقامه بعدنا لا تطول، فلم يرجع إلى مقال الأثير، وتقدم إلى الحسن الطبيب الفسوي هذا بالمضي إليه والعودة يخبره، لثقته بما يقول؛ فمضى إليه وشاهده وعاد وقال الصواب في تركه وتأخيره، فنزل وأشعر الملك سراً بخطر مرضه، وعرفه أعراضه وآيسه من حياته، فحينئذٍ تقدم بتركه واستمرت عليه الحمى وأشياء أخرى حدثت له، فتوفي في يوم الأحد ثاني شعبان سنة ثمان وتسعين وثلثمائة.

أبو منصور الحسن بن نوح القمري

كان سيد وقته وأوحد زمانه، مشهوراً بالجودة في صناعة الطب محمود الطريقة في أعمالها، فاضلاً في أصولها وفروعها، وكان، رحمه اللّه حسن المعالجة جيد المداواة؛ متميزاً عند الملوك في زمانه؛ كثيري الاحترام له،حدثني الشيخ الإمام شمس الدين عبد الحميد بن عيسى بن الخسروشاهي أن الشيخ الرئيس بن سينا كان قد لحق هذا وهو شيخ كبير، وكان يحضر مجلسه ويلازم دروسه، وانتفع به في صناعة الطب، ولأبي منصور الحسن بن نوح القمري من الكتب كتاب غنى ومنى، وهو كناش حسن، وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها على أفضل ما يكون، ولخص فيه جملاً من أقوال المتعينين في صناعة الطب، وخصوصاً ما ذكره الرازي تفرقاً في كتبه، كتاب علل العلل.

أبو سهل المسيحي

هو أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني، طبيب فاضل بارع في صناعة الطب علمها وعملها، فصيح العبارة جيد التصنيف، وكان حسن الخط متقناً للعربية، وقد رأيت بخطه كتابه في إظهار حكمة اللّه تعالى في خلق الإنسان وهو في نهاية الصحة والإتقان، والإعراب والضبط، وهذا الكتاب من أجل كتبه وأنفعها، فإنه قد أتى فيه بجمل ما ذكره جالينوس وغيره في منافع الأعضاء بأفصح عبارة وأوضحها، مع زيادات نفيسة من قبله تدل على فضل باهر وعلم غزير، ولذلك يقول في أول كتابه هذا وليس يعرف فضيلة ما أوردناه على ما أوردوا إلا من قابل بين كلامنا هذا وكلامهم مع دراية وإنصاف منه، فإن من لا يدري ما يعتبره لم يصلح للحكم فيه، ومن لا إنصاف فيه لم يحكم للأفضل ولم يؤثره، فمن اعتبر من يصلح للاعتبار وهو العالم المنصف بعناية واستقصاء منه ما أوردناه وما أوردوا رأى كيف صححنا ما أوردوه وهذبناه وأتممناه وسهلناه ورتبناه ترتيباً أفضل لجملة الكلام ولكل فصل منه؛ وأسقطنا من هذا الصنف من العلم ما ليس منه، ثم زدنا من عندنا معاني دقيقة عجيبة كانت قد خفيت عليهم للطفها وجلالة رتبتها، وكيف جعلنا البيانات من الأشياء المتقدمة على الأشياء المتأخرة بالعكس مما فعلوه، ليكون بياناً للشيء بمباديه وأسبابه، فيكون برهاناً حقيقياً. وسمعت من الشيخ الإمام الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي، رحمه اللّه، وهو يقول إنني لم أجد أحداً من الأطباء النصارى المتقدمين والمتأخرين أفصح عبارة ولا أجود لفظاً ولا أحسن معنى من كلام أبي سهل المسيحي، وقيل إن المسيحي هو معلم الشيخ الرئيس صناعة الطب، وإن كان الشيخ الرئيس بعد ذلك تميز في صناعة الطب ومهر فيها وفي العلوم الحكمية حتى صنف كتباً للمسيحي وجعلها باسمه، وقال عبيد اللّه بن جبرئيل إن المسيحي كان بخراسان، وكان متقدماً عند سلطانها، وإنه مات وله من العمر أربعون سنة،ومن كلام المسيحي قالنومة بالنهار بعد أكلة خير من شربة دواء نافع،ولأبي سهل المسيحي من الكتب كتاب المائة في الطب وهو من أجود كتبه وأشهرها؛ ولأمين الدولة بن التلميذ حاشية عليه قال يجب أن يعتمد على هذا الكتاب فإنه كثير التحقيق قليل التكرار واضح العبارة منتخب العلاج، كتاب إظهار حكمة اللّه تعالى في خلق الإنسان، كتاب في العلم الطبيعي كتاب الطب الكلي، مقالتان، مقالة في الجدري، اختصار كتاب المجسطي، كتاب تعبير الرؤيا كتاب في الوباء ألفه للملك العادل خوارزمشاه أبي العباس مأمون بن مأمون،

الشيخ الرئيس بن سينا

هو أبو علي الحسين بن عبد اللّه بن علي بن سينا، وهو إن كان أشهر من أن يذكر، وفضائله أظهر من أن تسطر، فإنه قد ذكر من أحواله، ووصف من سيرته ما يغني غيره عن وصفه، ولذلك إننا نقتصر من ذلك على ما قد ذكره هو عن نفسه، نقله عنه أبو عبيد الجوجزاني، قال، قال الشيخ الرئيس إن أبي كان رجلاً من أهل بلخ، وانتقل منها إلى بخارى في أيام نوح بن منصور واشتغل بالتصرف، وتولى العمل في أثناء أيامه بقربة يقال لها خرميثن من ضياع بخارى، وهي من أمهات القرى، وبقربها قرية يقال لها أفشنة، وتزوج أبي منها بوالدتي وقطن بها وسكن، وولدت منها بها، ثم ولدت أخي، ثم انتقلنا إلى بخارى، وأحضرت معلم القرآن ومعلم الأدب، وأكملت العشر من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب، حتى كان يقضى مني العجب، وكان أبي ممن أجاب داعي المصريين وبعد من الإسماعيلية، وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل على الوجه الذي يقولونه ويعرفونه هم، وكذلك أخي، وكانوا ربما تذاكروا بينهم وأنا أسمعه وأدرك ما يقولونه ولا تقبله نفسي، وابتدأوا يدعونني أيضاً إليه، ويجرون على ألسنتهم ذكر الفلسفة والهندسة وحساب الهند، وأخذ يوجهني إلى رجل كان يبيع البقل، ويقوم بحساب الهند حتى أتعلمه منه، ثم جاء إلى بخارى أبو عبد اللّه النائلي وكان يدعى المتفلسف، وأنزله أبي دارنا رجاء تعلمي منه، وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والتردد فيه إلى إسماعيل الزاهد، وكنت من أجود السالكين، وقد ألفت طرق المطالبة ووجوه الاعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به،  ثم ابتدأت بكتاب إيساغوجي على النائلي، ولما ذكر لي حد الجنس، أنه هو المقول على كثيرين مختلفين بالنوع في جواب ما هو، فأخذت في تحقيق هذا الحد بما لم يسمع بمثله، وتعجب مني كل العجب وحذر والدي من شغلي بغير المعلم، وكان أي مسألة قالها لي أتصورها خيراً منه، حتى قرأت ظواهر المنطق عليه، وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبرة، ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي وأطالع الشروح حتى أحكمت علم المنطق، وكذلك كتاب إقليدس فقرأت من أوله خمسة أشكال أو ستة عليه، ثم توليت بنفسي حل بقية الكتاب بأسره، ثم انتقلت إلى المجسطي، ولما فرغت من مقدماته وانتهيت إلى الأشكال الهندسية، قال لي النائلي تول قراءتها وحلها بنفسك، ثم اعرضها عليّ لأبين لك صوابه من خطئه، وما كان الرجل يقوم بالكتاب، وأخذت أحل ذلك الكتاب فكم من شكل ما عرفه إلى وقت ما عرضته عليه ومفهمته إياه، ثم فارقني النائلي متوجهاً إلى كركانج، واشتغلت أنا بتحصيل الكتب من الفصوص والشروح، من الطبيعي والإلهي، وصارت أبواب العلم تنفتح علي،ثم رغبت في علم الطب وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه؛ وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة، فلا جرم أني برزت فيه في أقل مدة حتى بدأ فضلاء الطب يقرأون علي علم الطب، وتعهدت المرضى فانفتح علي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف، وأنا مع ذلك اختلف إلى الفقه وأناظر فيه، وأنا في هذا الوقت من أبناء ست عشرة سنة، ثم توفرت على العلم والقراءة سنة ونصفاً، فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة، وفي هذه المدة ما نمت ليلة واحدة بطولها، ولا اشتغلت النهار بغيره وجمعت بين يدي ظهوراً، فكل حجة كنت أنظر فيها أثبت مقدمات قياسية، ورتبتها في تلك الظهور ثم نظرت فيما عساها تنتج، وراعيت شروط مقدماته حتى تحقق لي حقيقة الحق في تلك المسألة، وكلما كنت أتحير في مسألة ولم أكن أظفر بالحد الأوسط في قياس ترددت إلى الجامع، وصليت وابتهلت إلى مبدع الكل، حتى فتح لي المنغلق، وتيسر المتعسر،وكنت أرجع بالليل إلى داري واضع السراج بين يدي، وأشتغل بالقراءة والكتابة، فمهما غلبني النوم أو شعرت بضعف، عدلت إلى شرب قدح من الشراب ريثما تعود إلي قوتي، ثم أرجع إلى القراءة ومهما أخذني أدنى نوم أحلم بتلك المسائل بأعيانها، حتى أن كثيراً من المسائل اتضح لي وجوهها في المنام، وكذلك حتى استحكم معي جميع العلوم، ووقفت عليها بحسب الإمكان الإنساني، وكل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما علمته الآن لم أزدد فيه إلى اليوم، حتى أحكمت على المنطق والطبيعي والرياضي، ثم عدلت إلى الإلهي، وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة، فما كنت أفهم ما فيه، والتبس علي غرض واضعه، حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظاً، وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا المقصود به، وأيست من نفسي وقلت هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه، وإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في الوراقين، وبيد دلال مجلد ينادي عليه، فعرضه علي فرددته رد متبرم، معتقد أن لا فائدة من هذا العلم، فقال لي اشتر مني هذا فإنه رخيص أبيعكه بثلاثة دراهم، وصاحبه محتاج إلى ثمنه، واشتريته فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة ورجعت إلى بيتي وأسرعت قراءته، فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه كان لي محفوظاً على ظهر القلب، وفرحت بذلك وتصدقت في ثاني يومه بشيء كثير على الفقراء شكراً للّه تعالى، وكان سلطان بخارى في ذلك الوقت نوح بن منصور، واتفق له مرض أتلج الأطباء فيه، وكان اسمي اشتهر بينهم بالتوفر على القراءة، فأجروا ذكري بين يديه وسألوه إحضاري، فحضرت وشاركتهم في مداواته وتوسمت بخدمته فسألته يوماً الأذن لي في دخول دار كتبهم ومطالعتها وقراءة ما فيها من كتب الطب، فأذن لي فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها على بعض، في بيت منها كتب العربية والشعر، وفي آخر الفقه وكذلك في كل بيت كتب علم مفرد،فطالعت فهرست كتب الأوائل وطلبت ما احتجب إليه منها، ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير من الناس قط، وما كنت رأيته من قبل ولا رأيته أيضاً من بعد، فقرأت تلك الكتب وظفرت بفوائدها، وعرفت مرتبة كل رجل في علمه، فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري، فرغت من هذه العلوم كلها، وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنه اليوم معي أنضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيء، وكان في جواري رجل يقال له أبو الحسين العروضي، فسألني أن أصنف له كتاباً جامعاً في هذا العلم، فصنفت له المجموع وسميته به، وأتيت فيه على سائر العلوم سوى الرياضي، ولي إذ ذاك إحدى وعشرون سنة من عمري، وكان في جواري أيضاً رجل يقال له أبو بكر البرقي، خوارزمي المولد، فقيه النفس، متوحد في الفقه والتفسير والزهد، مائل إلى هذه العلوم؛ فسألني شرح الكتب له فصنفت له كتاب الحاصل والمحصول في قريب من عشرين مجلدة؛ وصنفت له في الأخلاق كتاباً سميته كتاب البر والإثم، وهذان الكتابان لا يوجدان إلا عنده فلم يعر أحداً ينسخ منهما ثم مات والدي وتصرفت بي الأحوال، وتقلدت شيئاً من أعمال السلطان، ودعتني الضرورة إلى الإخلال ببخاري والانتقال إلى كركانج، وكان أبو الحسين السهلي المحب لهذه العلوم وزيراً، وقدمت إلى الأمير بها، وهو علي بن مأمون وكنت على زي الفقهاء إذ ذاك بطيلسان وتحت الحنك، وأثبتوا لي مشاهرة دارة بكفاية مثلي، ثم دعت الضرورة إلى الانتقال إلى نسا، ومنها إلى باورد ومنها إلى طوس، ومنها إلى شقان، ومنها إلى سمنيقان ومنها إلى جاجرم رأس حد خراسان، ومنها إلى جرجان، وكان قصدي الأمير قابوس، فاتفق في أثناء هذا أخذ قابوس وحبسه في بعض القلاع وموته هناك، ثم مضيت إلى دهستان ومرضت بها مرضاً صعباً وعدت إلى جرجان، فاتصل أبو عبيد الجوزجاني بي وأنشأت في حالي قصيدة فيها بيت القائل

لما عظمت فليس مصر واسعي

 

لما غلا ثمني عدمت المشتري

قال أبو عبيد الجوزجاني، صاحب الشيخ الرئيس؛ فهذا ما حكى لي الشيخ من لفظه ومن هاهنا شاهدت أنا من أحواله، وكان بجرجان رجل يقال له أبو محمد الشيرازي يحب هذه العلوم، وقد اشترى للشيخ داراً في جواره وأنزله بها، وأنا اختلف إليه في كل يوم أقرأ المجسطي وأستملي المنطق، فأملى علي المختصر الأوسط في المنطق، وصنف لأبي محمد الشيرازي كتاب المبدأ والمعاد، وكتاب الأرصاد الكلية، وصنف هناك كتباً كثيرة، كأول القانون ومختصر المجسطي، وكثيراً من الرسائل ثم صنف في أرض الجبل بقية كتبه،وهذا فهرست كتبه، كتاب المجموع مجلدة، الحاصل والمحصول عشرون مجلدة، الإنسان عشرون مجلدة، البر والإثم مجلدتان، الشفاء ثماني عشرة مجلدة، القانون أربع عشرة مجلدة، الأرصاد الكلية مجلدة، كتاب النجاة ثلاث مجلدات، الهداية مجلدة، القولنج مجلدة، لسان العرب عشر مجلدات، الأدوية القلبية مجلدة، الموجز مجلدة، بعض الحكمة المشرقية مجلدة، بيان ذوات الجهة مجلدة، كتاب المعاد مجلدة، كتاب المبدأ والمعاد مجلدة، كتاب المباحثات مجلدة،ومن رسائله القضاء والقدر، الآلة الرصدية غرض قاطيغورياس، المنطق بالشعر القصائد في العظمة والحكمة في الحروف، تعقب المواضع الجدلية، مختصر إقليدس، مختصر في النبض بالعجمية الحدود، الأجرام السماوية، الإشارة إلى علم المنطق، أقسام الحكمة في النهاية واللانهاية، عهد كتبه لنفسه حي بن يقظان في أن أبعاد الجسم غير ذاتية له، خطب، الكلام في الهندبا، في أنه لا يجوز أن يكون شيء واحد جوهرياً وعرضياً، في أن علم زيد غير علم عمرو، رسائل له إخوانية وسلطانية، مسائل جرت بينه وبين بعض الفضلاء، كتاب الحواشي على القانون، كتاب عيون الحكمة، كتاب الشبكة والطير. انتقل إلى الري واتصل بخدمة السيدة وابنها مجد الدولة، وعرفوه بسبب كتب وصلت معه تتضمن تعريف قدره، وكان يمجد الدولة إذ ذاك غلبة السوداء، فاشتغل بمداواته، وصنف هناك كتاب المعاد، وأقام بها إلى أن قصد شمس الدولة بعد قتل هلال ابن بدر بن حسنويه وهزيمة عسكر بغداد، ثم اتفقت أسباب أوجبت الضرورة لها خروجه إلى قزوين، ومنها إلى همدان، واتصاله بخدمة كذبانويه والنظر في أسبابها، ثم اتفق معرفة شمس الدولة وإحضاره مجلسه بسبب قولنج كان قد أصابه، وعالجه حتى شفاه اللّه، وفاز من ذلك المجلس بخلع كثيرة، ورجع إلى داره بعد ما أقام هناك أربعين يوماً بلياليها، وصار من ندماء الأمير، ثم اتفق نهوض الأمير إلى قرمسين لحرب عناز، وخرج الشيخ في خدمته، ثم توجه نحو همدان منهزماً راجعاً،  ثم سألوه تقلد الوزارة فتقلدها، ثم اتفق تشويش العسكر عليه، وإشفاقهم منه على أنفسهم، فكبسوا داره وأخذوه إلى الحبس، وأغاروا على أسبابه، وأخذوا جميع ما كان يملكه، وسألوا الأمير قتله فامتنع منه وعدل إلى نفيه عن الدولة طلباً لمرضاتهم، فتوارى في دار الشيخ أبي سعد بن دخدوك أربعين يوماً فعاد الأمير شمس الدولة القولنج، وطلب الشيخ فحضر مجلسه، فاعتذر الأمير إليه بكل الاعتذار، فاشتغل بمعالجته، وأقام عنده مكرماً مبجلاً، وأُعيدت الوزارة إليه ثانياً، ثم سألته أنا شرح كتب أرسطوطاليس، فذكر أنه لا فراغ له إلى ذلك في ذلك الوقت، ولكن إن رضيت مني بتصنيف كتاب أورد فيه ما صح عندي من هذه العلوم بلا مناظرة مع المخالفين، ولا اشتغال بالرد عليهم فعلت ذلك، فرضيت به، فابتدأ بالطبيعيات من كتاب سماه كتاب الشفاء، وكان قد صنف الكتاب الأول من القانون، وكان يجتمع كل ليلة في داره طلبة العلم، وكنت أقرأ من الشفاء، وكان يقرىء غيري من القانون نوبة، فإذا فرغنا حضر المغنون على اختلاف طبقاتهم وهيئ مجلس الشراب بآلاته وكنا نشتغل به، وكان التدريس بالليل لعدم الفراغ بالنهار خدمة للأمير، فقضينا على ذلك زمناً، ثم توجه شمس الدين إلى طارم لحرب الأمير بها، وعاوده القولنج قرب ذلك الموضع واشتد عليه، وانضاف إلى ذلك أمراض أخر جلبها سوء تدبيره، وقلة القبول من الشيخ، فخاف العسكر وفاته فرجعوا به طالبين همدان في المهد فتوفي في الطريق في المهد، ثم بويع ابن شمس الدولة وطلبوا استيزار الشيخ فأبى عليهم وكاتب علاء الدولة سراً يطلب خدمته، والمصير إليه، والانضمام إلى جوانبه، وأقام في دار أبي غالب العطار متوارياً، وطلبت منه إتمام كتاب الشفاء، فاستحضر أبا غالب وطلب الكاغد والمحبرة فأحضرهما، وكتب الشيخ في قريب من عشرين جزءاً على الثمن بخطه رؤوس المسائل، وبقي فيه يومين حتى كتب رؤوس المسائل كلها بلا كتاب يحضره ولا أصل يرجع إليه، بل من حفظه، وعن ظهر قلبه، ثم ترك الشيخ تلك؛ الأجزاء بين يديه وأخذ الكاغد فكان ينظر في كل مسألة ويكتب شرحها، فكان يكتب كل يوم خمسين ورقة حتى أتى على جميع الطبيعيات والإلهيات ما خلا كتابي الحيوان والنبات، وابتدأ بالمنطق وكتب منه جزءاً، ثم اتهمه تاج الملك بمكاتبته علاء الدولة، فأنكر عليه ذلك، وحث في طلبه فدل عليه بعض أعدائه، فأخذوه وأدوه إلى قلعة يقال لها فردجان وأنشأ هناك قصيدة منها

دخولي باليقين كـمـا تـراه

 

وكل الشك في أمر الخروج

وبقي فيها أربعة أشهر، ثم قصد علاء الدولة همدان وأخذها، وانهزم تاج الملك ومر إلى تلك القلعة بعينها، ثم رجع علاء الدولة عن همدان، وعاد تاج الملك وابن شمس الدولة إلى همدان وحملوا معهم الشيخ إلى همدان، ونزل في دار العلوي، واشتغل هناك بتصنيف المنطق من كتاب الشفاء وكان قد صنف بالقلعة كتاب الهدايات، ورسالة حي بن يقظان، وكتاب القولنج، وأما الأدوية القلبية فإنما صنفها أول وروده إلى همدان، وكان قد تقضى على هذا زمان، وتاج الملك في أثناء هذا يمنيه بمواعيد جميلة، ثم عنّ للشيخ التوجه إلى أصفهان، فخرج متنكراً وأنا وأخوه وغلامان معه في زي الصوفية إلى أن وصلنا إلى طبران على باب أصفهان، بعد أن قاسينا شدائد في الطريق، فاستقبلنا أصدقاء الشيخ وندماء الأمير علاء الدين وخواصه، وحمل إليه الثياب والمراكب الخاصة وأنزل في محلة يقال لها كونكنبد في دار عبد اللّه بن بابي، وفيها من الآلات والفرش ما يحتاج إليه، وحضر مجلس علاء الدولة فصادف في مجلسه الإكرام والإعزاز الذي يستحقه مثله، ثم رسم علاء الدولة ليالي الجمعات مجلس النظر بين يديه بحضرة سائر العلماء على اختلاف طبقاتهم، والشيخ من جملتهم، فما كان يطاق في شيء من العلوم، اشتغل بأصفهان في تتميم كتاب الشفاء، ففرغ من المنطق والمجسطي، وكان قد اختصر أوقليدس والأرثماطيقي والموسيقى، وأورد في كل كتاب من الرياضيات زيادات رأى أن الحاجة إليها داعية، أما في المجسطي فأورد عشرة أشكال في اختلاف القطر وأورد في آخر المجسطي في علم الهيئة أشياء لم يسبق إليها، وأورد في أوقليدس شبهاً، وفي الارثماطيقي خواص حسنة، وفي الموسيقى مسائل غفل عنها الأولون وتم الكتاب المعروف بالشفاء ما خلا كتابي النبات والحيوان فإنه صنفهما في السنة التي توجه فيها علاء الدولة إلى سابور خواست في الطريق، وصنف أيضاً في الطريق كتاب النجاة واختص بعلاء الدولة وصار من ندمائه إلى أن عزم علاء الدولة على قصد همدان، وخرج الشيخ في الصحبة، فجرى ليلة بين يدي علاء الدولة ذكر الخلل الحاصل في التقاويم المعمولة بحسب الأرصاد القديمة، فأمر الأمير الشيخ الاشتغال برصد هذه الكواكب وأطلق له من الأموال ما يحتاج إليه وابتدأ الشيخ وولاني اتخاذ آلاتها واستخدام صناعها حتى ظهر كثير من المسائل، فكان يقع الخلل في أمر الرصد لكثرة الأسفار وعوائقها، وصنف الشيخ بأصفهان الكتاب العلائي،كان من عجائب أمر الشيخ إني صحبته وخدمته خمساً وعشرين سنة فما رأيته إذا وقع له كتاب مجدد ينظر فيه على الولاء، بل كان يقصد المواضع الصعبة منه والمسائل المشكلة، فينظر ما قاله مصنفه فيها، فيتبين مرتبته في العلم ودرجته في الفهم، وكان الشيخ جالساً يوماً من الأيام بين يدي الأمير وأبو منصور الجبائي حاضر فجرى في اللغة مسألة تكلم الشيخ فيها بما حضره، فالتفت أبو منصور إلى الشيخ يقول إنك فيلسوف وحكيم، ولكن لم تقرأ من اللغة ما يرضي كلامك فيها، فاستنكف الشيخ من الكلام، وتوفر على درس كتب اللغة ثلاث سنين، استهدى كتاب تهذيب اللغة من خراسان من تصنيف أبي منصور الأزهري، فبلغ الشيخ في اللغة طبقة قلما يتفق مثلها، وأنشأ ثلاث قصائد ضمنها ألفاظاً غريبة من اللغة، وكتب ثلاثة كتب أحدها على طريقة ابن العميد، والآخر على طريقة الصابي والآخر.لى طريقة الصاحب وأمر بتجليدها وإخلاق جلدها، ثم أوعز الأمير فعرض تلك المجلدة على أبي منصور الجبائي، وذكر أنا ظفرنا بهذه المجلدة في الصحراء وقت الصيد فيجب أن تتفقدها وتقول لنا ما فيها، فنظر فيها أبو منصور وأشك عليه كثير مما فيها، فقال له الشيخ أن ما تجهله من هذا الكتاب فهو مذكور في الموضع الفلاني من كتب اللغة، سماه لسان العرب لم يصنف في اللغة مثله ولم ينقله في البياض حتى توفي فبقي على مسودته لا يهتدي أحد إلى ترتيبه. وكان قد حصل للشيخ تجارب كثيرة فيما باشره من المعالجات عزم على تدوينها في كتاب القانون، وكان قد علقها على أجزاء فضاعت قبل تمام كتاب القانون، من ذلك أنه صدع يوماً فتصور أن مادة تريد النزول إلى حجاب رأسه، وأنه لا يأمن ورماً ينزل فيه فأمر بإحضار ثلج كثير ودقة ولفه في خرقة وتغطية رأسه بها ففعل ذلك حتى قوي الموضع، وامتنع عن قبول تلك المادة وعوفي، ومن ذلك أن امرأة مسلولة بخوارزم أمرها أن لا تتناول شيئاً من الأدوية سوى الجلنجبين السكري حتى تناولت على الأيام مقدار مائة منه وشفيت المرأة،ان الشيخ قد صنف بجرجان المختصر الأصغر في المنطق وهو الذي وضعه بعد ذلك في أول النجاة، ووقعت نسخة إلى شيراز فنظر فيها جماعة من أهل العلم هناك فوقعت لهم الشبه في مسائل منها، فكتبوها على جزء، وكان القاضي بشيراز من جملة القوم، فأنفذ بالجزء إلى أبي القاسم الكرماني صاحب إبراهيم بن بابا الديلمي المشتغل بعلم التناظر، وأضاف إليه كتاباً إلى الشيخ أبي القاسم وأنفذهما على يدي ركابي قاصد، وسأله عرض الجزء على الشيخ واستيجاز أجوبته فيه، وإذا الشيخ أبي القاسم دخل على الشيخ عند اصفرار الشمس في يوم صائف، وعرض عليه الكتاب والجزء، فقرأ الكتاب ورده عليه، وترك الجزء بين يديه وهو ينظر فيه والناس يتحدثون، ثم خرج أبو القاسم، وأمرني الشيخ بإحضار البياض وقطع أجزاء منه، فشددت خمسة أجزاء كل واحد منها عشرة أوراق بالربع الفرعوني، وصلينا العشاء وقدم الشمع فأمر بإحضار الشراب وأجلسني وأخاه وأنا بتناول الشراب، وابتدأ هو بجواب تلك المسائل، وكان يكتب ويشرب إلى نصف الليل حتى غلبني وأخاه النوم، فأمر بالانصراف فعند الصباح قرع الباب فإذا رسول الشيخ يستحضرني فحضرته وهو على المصلى، وبين يديه الأجزاء الخمسة، فقال خذها وصر بها إلى الشيخ أبي القاسم الكرماني، وقل له استعجلت في الأجوبة عنها لئلا يتعوق الركابي، فلما حملته إليه تعجب كل العجب وصرف الفيج وأعلمهم بهذه الحالة، وصار هذا الحديث تاريخاً بين الناس،ووضع في حال الرصد آلات ما سبق إلها، وصنف فيها رسالة وبقيت أنا ثماني سنين مشغولاً بالرصد، وكان غرضي تبين ما يحكيه بطليموس عن قصته في الأرصاد، فتبين لي بعضها، وصنف الشيخ كتاب الإنصاف واليوم الذي قدم فيه السلطان مسعود إلى اصفهان نهب عسكره رحل الشيخ وكان الكتاب في جملته، وما وقف له على أثر. وكان الشيخ قوي القوى كلها، وكانت قوة المجامعة من قواه الشهوانية أقوى وأغلب، وكان كثيراً ما يشتغل به فأثر في مزاجه وكان الشيخ يعتمد على قوة مزاجه حتى صار أمره في السنة التي حارب فيها علاء الدولة تاش فراش على باب الكرخ إلى أن الشيخ قولنج، ولحرصه على برئه إشفاقاً من هزيمة يدفع إليها، ولا يتأتى له المسير فيها مع المرض حقن نفسه في يوم واحد ثمان كرات، فتقرح بعض أمعائه وظهر به سحج، وأحوج إلى المسير مع علاء الدين فأسرعوا نحو ايذج فظهر به هناك الصرع الذي يتبع علة القولنج، ومع ذلك كان يدبر نفسه ويحق نفسه لأجل السحج ولبقية القولنج، فأمر يوماً باتخاذ دانقين من بزر الكرفس في جملة ما يحتقن به وخلطه بها طلباً لكسر الرياح، فصد بعض الأطباء الذي كان يتقد هو إليه بمعالجته، وطرح من بزر الكرفس خمسة دراهم لست أدري أعمداً فعله أم خطأ لأنني لم أكن معه، فازداد السحج به من حدة ذلك البزر، وكان يتناول المثرود بطوس لأجل الصرع فقام بعض غلمانه وطرح شيئاً كثيراً من الافيون فيه، وناوله فأكله وكان سبب ذلك خيانتهم في مال كثير من خزانته، فتمنوا هلاكه ليأمنوا عاقبة أعمالهم،ونقل الشيخ كما هو إلى أصفهان، فاشتغل بتدبير نفسه، وكان من الضعف بحيث لا يقدر على القيام فلم يزل يعالج نفسه حتى قدر على المشي وحضر مجلس علاء الدولة، ولكنه مع ذلك لا يتحفظ ويكثر التخليط في أمر المجامعة، ولم يبرأ من العلة كل البرء، فكان ينتكس ويبرأ كل وقت، ثم قصد علاء الدولة همدان فسار معه الشيخ فعاودته في الطريق تلك العلة إلى أن وصل إلى همدان، وعلم أن قوته قد سقطت، وأنها لا تفي بدفع المرض فأهمل مداواة نفسه وأخذ يقول المدبر الذي كان يدبر بدني قد عجز عن التدبير، والآن فلا تنفع المعالجة، وبقي على هذا أياماً، ثم انتقل إلى جوار ربه، وكان عمره ثلاثاً وخمسين سنة، وكان موته في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وكانت ولادته في سنة خمس وسبعين وثلثمائة، هذا آخر ما ذكره أبو عبيدة من أحوال الشيخ الرئيس، وقبره تحت السور من جانب القبة من همدان، وقيل أنه نقل إلى أصفهان ودفن في موضع على باب كونكنبد، ولما مات ابن سينا من القولنج الذي عرض له قال فيه بعض أهل زمانه

رأيت ابن سينا يعادي الرجال

 

وبالحبس مات أخس الممات

فلم يشف ما ناله بالـشـفـا

 

ولم ينج من موته بالنـجـاة

وقوله بالحبس يريد انحباس البطن من القولنج الذي أصابه، والشفاء والنجاة يريد الكتابين من تأليفه وقصد بهما الجناس في الشعر.

ومن كلام الشيخ الرئيس وصية أوصى بها بعض أصدقائه وهو أبو سعيد بن أبي الخير الصوفي قال ليكن اللّه تعالى أول فكر له وآخره، وباطن كل اعتبار وظاهره، ولتكن عين نفسه مكحولة بالنظر إليه، وقدمها موقوفة على المثول بين يديه؛ مسافراً بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحط إلى قراره، فلينزه الله تعالى في اثاره، فإنه باطن ظاهر تجلى لك شيء بكل شيء

ففي كل شيء له آية

 

تدل على أنه واحد

فإذا صارت هذه الحال له ملكه، انطبع فيها نقش الملكوت، وتجلى له قدس اللاهوت، فألف الأنس الأعلى، وذاق اللذة القصوى، وأخذ عن نفسه من هو بها أولى، وفاضت عليه السكينة وحقت عليه الطمأنينة، وتطلع إلى العالم الأدنى اطلاع راحم لأهله، مستوهن لحيله، مستخف لثقله، مستحسن به لعقله، مستضل لطرقه؛ وتذكر نفسه وهي بها لهجة، وببهجتها بهجه، فتعجب منها ومنهم تعجبه منه، وقد ودعها وكان معها كأنه ليس معها، وليعلم أن أفضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وانفع البر الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السهي المراءاة، ولن تخلص النفس عن الدرن ما التفتت إلى ما قيل وقال، ومناقشة وجدال، وانفعلت بحال من الأحوال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية؛ وخير النية ما ينفرج عن جناب علم؛ والحكمة أم الفضائل، ومعرفة اللّه أول الأوائل إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، ثم يقبل على هذه النفس المزينة بكمالها الذاتي فيحرسها عن التلطخ بما يشينها من الهيئات الانقيادية للنفوس الموادية التي إذا بقيت في النفوس المزينة كان حالها عند الانفصال كحالها عند الاتصال، إذ جوهرها غير مشاوب ولا مخالط، وإنما يدنسها هيئة الانقياد لتلك الصواحب؛ بل يفيدها هيئات الاستيلاء والسياسة والاستعلاء والرياسة، وكذلك يهجر الكذب قولاً وتخيلاً حتى تحدث للنفس هيئة صدوقة، فتصدق الأحلام والرؤيا، وأما اللذات فيستعملها على إصلاح الطبيعة وإبقاء الشخص أو النوع أو السياسة، أما المشروب فإنه يهجر شربه تلهياً بل تشفياً وتداوياً؛ ويعاشر كل فرقة بعادته ورسمه؛ ويسمح بالمقدور والتقدير من المال؛ ويركب لمساعدة الناس كثيراً مما هو خلاف طبعة، ثم لا يقصر في الأوضاع الشرعية، ويعظم السنن الإلهية، والمواظبة على التعبدات البدنية، ويكون دوام عمره إذا خلا وخلص من المعاشرين تطريه الزينة في النفس والفكرة في الملك الأول وملكه، وكيس النفس عن عيار الناس من حيث لا يقف عليه الناس عاهد اللّه أنه يسير بهذه السيرة، ويدين بهذه الديانة، واللّه ولي الذين آمنوا وهو حسبنا ونعم الوكيل.ومن شعر الشيخ الرئيس قال في النفس وهي من أجل قصائده وأشرفها

هبطت إليك من المحـل الأرفـع

 

ورقاء ذات تـعـزز وتـمـنـع

محجوبة عن كل مـقـلة عـارف

 

وهي التي سفرت ولم تتبـرقـع

وصلت على كره إلـيك وربـمـا

 

كرهت فراقك وهي ذات تفجـع

أنفت وما أنست فلمـا واصـلـت

 

ألفت مجاورة الخراب البـلـقـع

وأظنها نسيت عهوداً بالـحـمـى

 

ومنازلاً بفراقهـا لـم تـقـنـع

حتى إذا اتصلت بهاء هبـوطـهـا

 

في ميم مركزها بـذات الأجـرع

علقت بها ثاء الثقيل فأصـبـحـت

 

بين المعالم والطلول الـخـضـع

تبكي إذا ذكرت دياراً بالـحـمـى

 

بمدامع تهمي ولـمـا تـقـطـع

وتظل ساجعة على الدمن الـتـي

 

درست بتكرار الـرياح الأربـع

إذ عاقها الشرك الكثيف وصـدهـا

 

قفص عن الأوج الفسيح الأربـع

حتى إذا قرب المسير إلى الحمـى

 

ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسـع

سجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت

 

ما ليس يدرك بالعيون الـهـجـع

وغدت مفارقة لكـل مـخـلـف

 

عنها حليف الترب غير مـشـيع

وبدت تغرد فـوق ذروة شـاهـق

 

سام إلى قعر الحضيض الأوضـع

إن كان أرسلها الإلـه لـحـكـمة

 

طويت عن الفطن اللبـيب الأروع

فهبوطها إن كـان ضـربة لازب

 

لتكون سامعة بما لـم تـسـمـع

وتعود عـالـمة بـكـل خـفـية

 

في العالمين فخرقهـا لـم يرقـع

وهي التي قطع الزمان طريقـهـا

 

حتى لقد غربت بغير المـطـلـع

فكأنه برق تـألـق لـلـحـمـى

 

ثم انطوى فكـأنـه لـم يلـمـع

وقال في الشيب والحكمة والزهد

أما أصبحت عن ليل التصابي

 

وقد أصبحت عن ليل الشباب

تنفس في عذارك صبح شيب

 

وعسعس ليله فكم التصابـي

شبابك كان شيطانـاً مـريداً

 

فرجم من مشيبك بالشهـاب

وأشهب من بزاة الدهـر خـوّى

 

على فودي فألمـأ بـالـغـراب

عفا رسم الشـبـاب ورسـم دار

 

لهم عهدي بها مغـنـى ربـاب

فذاك ابيضَّ من قطرات دمعـي

 

وذاك اخضرّ من قَطْر السحـاب

فذا ينعي إليك النـفـس نـعـياً

 

وذالكـم نـشـورٌ لـلـروابـي

كذا دنـياك تـرأب لانـصـداع

 

مغالطة وتبـنـي لـلـخـراب

ويعلق مشمئز النفـس عـنـهـا

 

فلما عفتهـا أغـريتـهـا بـي

فلولاها لعجلـت انـسـلاخـي

 

عن الدنيا وإن كانـت أهـابـي

عرفت عقوقها فسلوت عـنـهـا

 

بأشراك تعوق عن اضـطـراب

بلـيت بـعـالـم يعـلــو أذاه

 

سوى صبري ويسفل عن عتابي

وسيل للـصـواب خـلاط قـوم

 

وكم كان الصواب سوى الصواب

أخالطه ونفسـي فـي مـكـان

 

من العلياء عنهم فـي حـجـاب

ولست بمن يلـطـخـه خـلاط

 

متى اغبرت أناث عـن تـراب

إذا ما لحت الأبـصـار نـالـت

 

خيالاً واشمـأزت عـن لـبـاب

وقال أيضاً

يا ربع، نكّرك الأحـداث والـقـدم

 

فصار عينك كـالآثـار تـتـهـم،

كإنما رسمك الـسـر الـذي لـهـم

 

عندي، ونؤيك صبري الدارس الهدم؛

كأنمـا سـفـعة الأثـفـيّ بـاقـية

 

بين الرياض كطاجـونـية جـثـم

أو حسرة بقيت في القلب مظـلـمة

 

عن حاجة ما قضوها إذ هـم أمـم

ألا بكاه سحـاب دمـعـه هـمـع

 

بالرعد مزدفر بالبرق مـبـتـسـم

لم لم تجدها سـحـاب جـودهـا ديم

 

من الدموع الهوامي كـلـهـن دم

ليت الطلول أجابت مـن بـه أبـداً

 

في حبهم صحة في حبـه سـقـم

أو علها بلسـان الـحـال نـاطـقة

 

قد تفهم الحال ما لا تفهم الـكـلـم

أما ترى شيبتي تـنـبـيك نـاطـقة

 

بأن حدي الذي استدلـقـتـه ثـلـم

الـشـيب يوعـد والآمـال واعـدة

 

والمرء يغتـر والأيام تـنـصـرم

مالي أرى حكم الأفعـال سـاقـطة

 

وأسمع الدهر قولاً كـلـه حـكـم

مالي أرى الفضل فضلاً يستهان بـه

 

قد أكرم النقص لما استنقص الكرم

جوّلت في هذه الدنيا وزخـرفـهـا

 

عيني، فألفيت داراً مـا بـهـا أرم

كجيفة دودت فـالـدود مـنـشـؤه

 

فيها، ومنها له الأرزاء والطـعـم

سيان عندي إن بروا وأن فـجـروا

 

فليس يجري على أمثالـهـم قـلـم

لا تحسـدنـهـم إن جـد جـدهـم

 

فالجد يجدي ولكن ما لـه عـصـم

ليسوا وإن نعموا عيشاً سوى نـعـم

 

وربما نعمت في عيشها الـنـعـم

الوجدان غنى، العـادمـون نـهـى

 

ليس الذي وجدوا مثل الذي عدمـوا

خلقت فيهم وأيضاً قد خلطت بـهـم

 

كرهاً فليس غنى عنهـم ولا لـهـم

أسكنت بينهم كالـلـيث فـي أجـم

 

رأيت ليثاً له في جـنـسـه أجـم

أني وإن بان عني من بـلـيت بـه

 

في عينه كمه فـي أذنـه صـمـم

مميز من بنـي الـدنـيا يمـيزنـي

 

أقل ما فيّ ليس الـجـل والـعـظ

بأي مـأثـرة ينـقـاس بـي أحـد

 

بأي مكرمة تـحـكـينـي الأمـم

أمثل عنجهة شوكـاء يلـحـق بـي

 

أمثل شغبر حـش عـرضـه زيم

فذا عجوز ولكن بعـدمـا قـعـدت

 

وذاك جود مساع الملـك مـتـهـم

إني وإن كانت الأقلام تخـدمـنـي

 

كذاك يخدم كفي الصـارم الـخـدم

قد أشهد الروع مرتاحاً فأكـشـفـه

 

إذا تناكـر عـن تـياره الـبـهـم

الضرب محتدم، والطعن منتـظـم،

 

والدم مرتكم والبـأس مـغـتـلـم

والحق يافوخه من نقعـهـم قـتـر

 

والإفك قسطاسه من سفكهم قـتـم

والبيض والسمر حمر تحت عثـيره

 

والموت يحكم والأبطال تختـصـم

وأعدل القسم في حربي وحربـهـم

 

منهم لنا غنم مـنـا لـهـم عـرم

أما البلاغة فاسألني الخبـير بـهـا

 

أن اللسان قديمـاً والـزمـان فـم

لا يعلم العلم غيري معلماً عـلـمـاً

 

لأهله أنا ذاك المعـلـم الـعـلـم

كانت قناة علوم الـحـق عـاطـلة

 

حتى جلاها بشرحي البند والعـلـم

نبيد أرواحهم بالرعـب نـقـذفـه

 

فيهم وأجسادهم بالقضب تلـتـحـم

ماتت أنالة ذا الدهر اللقاح عـلـى

 

عزائمي وأسفت بي لهـا الـهـيم

لو شئت كان الذي لو شئت بحت به

 

ما الخوف أسكت بل أن تلزم الحشم

ولو وجدت طلاع الشمس متسـعـاً

 

لحط رجل عزيمي كنت أعـتـزم

ولو بكت عزماتي دونها الـحـشـم

 

ولم يعم سبيلي نحوهـا الـعـمـم

وكانت البيض ظلفاً للعـمـود لـه

 

وقد تباغل عرض الخيل والحكـم

وظن أن ليس تحجيل سوى شـعـر

 

وأن للخيل في ميلادها الـلـجـم

وغشيت صفحات الأرض مـعـدلة

 

فالأسد تنفر عن مرى بـه غـتـم

لكنها بقعة حف الـشـقـاء بـهـا

 

فكل صاغ إليهـا صـاغـر سـدم

         

وقال أيضاً

هو الشيب لا بد من وخـطـه

 

فقرضه واخضبه أو غـطـه

أأقلقك الـطـل مـن وبـلـه

 

وجرعت من البحر في شطه

وكم منك سرك غصن الشباب

 

وريقاً فلا بـد مـن حـطـه

فلا تجزعن لطريق سلـكـت

 

كم أنبت غيرك في وسـطـه

ولا تجشعـن فـمـا أن ينـال

 

من الرزق كل سوى قسطـه

وكم حاجة بذلك نـفـسـهـا

 

ففوتها الحرص من فـرطـه

إذا أخصب المرء من عقـلـه

 

نشا في الزمان على قحطـه

ومن عاجل الحزم في عزمـه

 

فإن النـدامة مـن شـرطـه

وكم مـلـق دونـهـا غـيلة

 

كما يمرط الشعر من مشطـه

إذا مـا أحـال أخـــو زلة

 

على الغدر فاعجل على بسطه

وما يتعب النـفـس تـمـييزه

 

فلا تعجلن إلـى خـلـطـه

ووقر أخا الشيب وألح الشبـاب

 

إذا ما تعسف في خـبـطـه

ولا تبغ في العذل وأقصد فكـم

 

كتبت قديماً عـلـى خـطـه

وكم عاند النـصـح ذو شـيبة

 

عناد القتـاد لـدى خـرطـه

تراه سريعاً إلـى مـطـمـع

 

كما أنشط البكر عن نشـطـه

وكم رام ذو مـلـل حـاشـم

 

ليغصب حلمي فلم أعـطـه

وذي حسد أسقطـتـه لـقـى

 

فما يأنف الدهر من لقـطـه

يحاول حطي عن رتـبـتـي

 

قد ارتفع النجم عن حـطـه

يظل على دهره سـاخـطـاً

 

وكم يضحك الدهر من سخطه

وقال أيضاً

قفا نجزي معـاهـده قـلـيلاً

 

نغيث بدمعنا الربع المـحـيلا

تخونه العـفـاة كـمـا تـراه

 

فأمسى لا رسوم ولا طلـولا

لقد عشنا بها زمنـاً قـصـيراً

 

نقاسي بعدهم زمنـاً طـويلاً

ومن يستثبت الـدنـيا بـحـال

 

يرم من مستحيل مستـحـيلا

إذا ما استعرض الدنيا اعتبـاراً

 

تنحي الحرص عنها مستقـيلا

خليلي أبلـغ الـعـذال أنـي

 

هجرت تجملي هجراً جمـيلاً

وأني من أناس مـا أحـلـنـا

 

على عزم فاعقبـنـا نـزولا

مآقـينـا وأيدينـا إذا مـــا

 

همين رأيتنا نعصي العـذولا

وقفت دموعَ عيني دون سعدي

 

على الأطلال ما وجدت مسيلا

على جفني لدمعي فرض دمع

 

أقمت له به قلبـي كـفـيلا

عقدت لها الوفاء وأن عقـدي

 

والعقد الذي لن يسـتـحـيلا

وكم أخت لها خطبت فـؤادي

 

فما وجدت إلى عذري سبـيلا

أعاذل لست في شيء فأسهـب

 

مدى الملوين أو أقصر قلـيلا

فلم ير مثلها قلبي ألوفـا

 

ولم تر مثلها أذني ملولا

وعذل الشيب أولى لي لواني أطقت وأن جهدت له قبولا أجل قد كررت هذي الليالي على ليلي زماناً لن يزولا أتنكر ذرءة لما علتني تزين كزينة الأثر النصولا يعيرني ذبولي أو نحولي كسيت الذبل والجسد النحيلا كما أن الخفيش أبا وجيم يعيرني بأن لست البخيلا يقول مبذر ليغض مني يعد علو ذي كرم سفولا متى وسعت لقصدي الأرض حتى أبرز أو أنيل به جزيلا يقول به انخراق الكف جداً وكم خرق وقعت به منيلا

فجل خلل الأصابع منك واجهد

 

عسى أن لا تطوف ولا تنولا

بفحش أن مالك فوق مـالـي

 

نفائس ما تصان بـمـا أذيلا

حكاك غباء ما أفنـاه بـذلـي

 

يباع ببعض ما تحوي كمـيلا

يحذرك الأحبة وقـع كـيدي

 

فلست بذاك مذعوراً مهـولا

سقطت عن اعتقادي فيك سوءاً

 

فطب نفساً ولا تفرق قبـيلا

فأما أن أرعك بغير قصـدي

 

فقد ما روع الفـيل الافـيلا

وقال أيضاً

أوليتني نعمة مذ صرت تلحـظـنـي

 

كافي الكفاة بعيني مجمل الـنـظـر

كذا اليواقيت فيما قـيل نـشـأتـهـا

 

من حسن تأثير عين الشمس في القمر

وشكا إليه الوزير أبو طالب العلوي آثار بئر بدا على جبهته ونظم شكواه شعراًنفذه إليه وهو

صنيعة الشيخ مولانا وصاحبـه

 

وغرس إنعامه بل نشء نعمته

يشكو إليه أدام اللّـه مـدتـه

 

آثار بئر تبدى فوق جبهـتـه

فامنن عليه بحسم اداء مغتنمـاً

 

شكر النبي له مع شكر عترته

فأجاب الشيخ الرئيس عن أبياته ووصف في جوابه ما كان به برؤه من ذلك فقال

اللّّه يشفي وينفي ما بجـبـهـتـه

 

من الأذى ويعافيه بـرحـمـتـه

أما العلاج فـاسـهـال يقـدمـه

 

ختمت آخر أبياتي بـنـسـخـتـه

وليرسل العلق المصاص يرشف من

 

دم القذال ويغني عن حجـامـتـه

واللحم يهجره إلا الـخـفـيف ولا

 

يدني إليه شراباً مـن مـدامـتـه

والوجه يطليه ماء الورد معتصـراً

 

فيه الخلاف مدافاً وقت هجعـتـه

ولا يضيق منه الزر مخـتـنـقـاً

 

ولا يصيحن أيضاً عن سخطـتـه

هذا العلاج ومن يعمل بـه سـيرى

 

آثار خير ويكفي أمـر عـلـتـه

وقال أيضاً

خير النفوس العارفات ذواتها

 

وحقيق كميات ماهـياتـهـا

وبم الذي حلت ومم تكـونـت

 

أعضاء بنيتها على هيئاتـهـا

نفس النبات ونفس حس ركبـا

 

هلا كذاك سماته كسماتـهـا

يا للرجال لعظم رزء لم تزل

 

منه النفوس تخب في ظلماتها

وقال أيضاً

هذب النفس بالعلوم لترقى

 

وذر الكل فهي للكل بيت

إنما النفس كالزجاجة والعلم

 

سراج وحكمة اللّـه زيت

فإذا أشرقت فإنـك حـي

 

وإذا أظلمت فإنـك مـيت

وقال أيضاً

صبها في الكاس صرفا

 

غلبت ضوء السـراج

ظنها في الكاس نـارا

 

فطفاها بـالـمـزاج

وقال أيضاً

قم فاسقنيها قهوة كدم الـطـلا

 

يا صاح بالقدح الملا بين الملا

خمراً تظل لها النصارى سجدا

 

ولها بنو عمران أخلصت الولا

لو أنها يوماً وقد ولعت بـهـم

 

قالت أسلت بربكم؟ قالوا بلى

وقال أيضاً

نزل اللاهوت في نـاسـوتـهـا

 

كنزول الشمس في أبـراج يوح

قال فيها بعض من هـام بـهـا

 

مثل ما قال النصارى في المسيح

هي والكاس ومـا مـازجـهـا

 

كأب مـتـحـد وابــن روح

وقال أيضاً

شربنا على الصوت القديم قديمة

 

لك قـديم أول هـــي أول

ولو لم تكن في حيز قلت أنهـا

 

هي العلة الأولى التي لا تعلل

وقال أيضاً

عجباً لقوم يحسدون فضـائلـي

 

ما بين غيابي إلـى عـذالـي

عتبوا على فضلي وذموا حكمتي

 

واستوحشوا من نقصهم وكمالي

إني وكيدهم وما عتبـوا بـه

 

كالطود يحقر نطحة الأوعال

وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه

 

هانت عليه ملامة الجـهـال

وقال أيضاً

أساجية الجفون أكـل خـود

 

سجاياها استعرن من الرحيق

هي الصهباء مخبرها عـدو

 

وإن كانت تناغي عن صديق

وقال أيضاً

أكاد أجـن فـيمـا قـد أجـن

 

فلم ير مـا أرى إنـس وجـن

رميت من الخطوب بمصميات

 

نوافذ لا يقوم بـهـا مـجـن

وجاورنـي أنـاس لـو أريدوا

 

على منفت ما أكلوه ضـنـوا

فإن عن مسائل مـشـكـلات

 

أجال سهامهم حـدس وظـن

وإن عرضت خطوب معضلات

 

تواروا واستكانوا واستكـنّـوا

وقال أيضاً

أشكو إلى اللّه الزمان فصرفـه

 

أبلى جديد قواي وهـو جـديد

محن إلي توجهت فكـأنـنـي

 

قد صرت مغناطيس وهي حديد

وقال أيضاً

تنهنه وحاذر أن ينالك بـغـتة

 

حسام كَلامي أو كِلام حسامي

وقال أيضاً أن هذه الأبيات إذا قيلت عند رؤية عطار وقت شرفه؟ فأنها تفيد علماً وخيراً بإذن اللّه تعالى:

عطارد قد واللّـه طـال تـرددي

 

مساء وصبحاً كي أراك فأغنمـا

فها أنت فامددني قوى أدرك المنى

 

بها والعلوم الغامضات تكـرمـا

ووقني المحذور والشـر كـلـه

 

بأمر مليك خالق الأرض والسما

ومما ينسب إلى الشيخ الرئيس بن سينا قصيدة فيما يحدث من الأمور والأحوال عند قران المشتري وزحل في برج الجدي، بيت زحل، وهو أنحس البروج، لكونه بيت زحل نحس الفلك النحس الأكبر وأول القصيدة احذر بني من القران العاشروجملة ما قيل في هذه القصيدة من أحوال التتر وقتلهم للخلق وخرابهم للقلاع جرى، وقد رأيناه في زماننا، ومن أعجب ما أتى فيها عن التتر يفنيهم الملك المظفر، وكان كذلك أفناهم الملك المظفر قطز لما وصل من الديار المصرية بعساكر الإسلام، وكانت الكسرة على التتر منه في وادي كنعان كما ذكر، وذلك في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة، وكذلك أشياء أخر من ذلك كثيرة صحت الأحكام بها في هذه القصيدة، مثل القول عن خليفة بغداد، وكذا الخليفة جعفر البيت والبيت الذي يليه بعده تمحى خلافته وملكت التتر بغداد كما ذكر، وكان ذلك في أول سنة سبع وخمسين وستمائة، وكان الاعتماد بما في هذه القصيدة من كتاب الجفر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، واللّه أعلم، أن يكون الشيخ الرئيس قال هذه القصدة أو غيره وقد عن لي أن أذكر القصدة ها هنا سواء كانت لابن سينا أو لغيره وهي:

احذر بني من القران العـاشـر

 

وانفر بنفسك قبل نفر النـافـر

لا تشغلنك لذة تـلـهـو بـهـا

 

فالموت أولى بالظلوم الفـاجـر

واسكن بلاداً بالحجاز وقم بـهـا

 

واصبر على جور الزمان الجائر

ولا تركنن إلى البـلاد فـإنـهـا

 

سيعمها حد الحسـام الـبـاتـر

من فتية فطس الأنوف كأنـهـم

 

سيل طما أو كالجراد النـاشـر

خزر العيون تـراهـم فـي ذلة

 

كم قد أبادوا من مليك قـاهـر

ما قصدهم إلا الدماء كـأنـمـا

 

ثار لهم مـن كـل نـاه آمـر

وخراب ما شاد الـورى حـتـى

 

ترى قفراً عمارتهم برغم العامر

أما خراسان تعـود مـنـابـتـا

 

للعشب ليس لأهلها من جـابـر

وكذا الخوارزم وبلخ بـعـدهـا

 

تضحي وليس بربعها من صافر

والديلمان جبالـهـا ودحـالـهـا

 

ورها ستخرب بعد أخذ نشـاور

والري يسفك فـيه دم عـصـابة

 

من آل أحمد لا بسيف الكـافـر

وتفر سفاك الدما منهـم كـمـا

 

فر الحمام من العقاب الكاسـر

فهو الخوارزمي يكسر جـيشـه

 

في نصف شهر من ربيع الآخر

ويموت من كمد على ما نـالـه

 

من ملكه في لج بحـر زاخـر

وتذل عترته وتـشـقـى ولـده

 

لظهور نجم لـلـذؤابة زاهـر

ويكون في نصف القران ظهوره

 

لكن سعادته كلمح الـنـاظـر

وتثور أعداه علىه ويلـتـقـي

 

يوعود منهزماً بصفقة خاسـر

ويكون آخر عمـره فـي آمـد

 

يسري إليه وما له مـن سـائر

وتعود عظم جيوشـه مـرتـدة

 

عنه إلى الخصم الألد الفـاجـر

وديار بكر سوف يقتل بعضهـم

 

بالسيف بين أصاغر وأكـابـر

وترى بآذربـيج بـدو خـيامـه

 

نصبت لجاجاً من عدو كـافـر

تفنى عساكره ويفنـى جـيشـه

 

متمزقاً في كل قـفـر واعـر

والويل ما تلقى النصارى منهـم

 

بالذل بـين أصـار وأكـابـر

والويل إن حـلـوا ديار ربـيعة

 

ما بين دجلتها وبين الـجـازر

ويدوخون ديار بابـل كـلـهـا

 

من شهرزور إلى بلاد السامـر

وخلاط ترجع بعد بهجة منظـر

 

قفراً تداوس باختلاف الحافـر

هذا وتغلق أربل مـن دونـهـم

 

تسعاً وتفتح في النهار العاشـر

وبطون نينوه ويؤخـذ مـالـهـا

 

ودوابها من معشر متـجـاور

ولربما ظهرت عساكر موصـل

 

تبغي الأمان ن الخؤون الغـادر

فتراهم نزلا بشـاطـئ دجـلة

 

ومضوا إلى بلد بغير تـفـاتـر

وترى إلى الثرثار نهباً واقـعـاً

 

ودماً يسيل وهتك ستر سـاتـر

ويكون يوم حريق زهـرتـهـا

 

التي تأتيه مطر كبحـر زاخـر

واحسرتاه على البلاد وأهلـهـا

 

ماذا يكون وما له من نـاصـر

ولربما ظهرت عليهـم فـتـية

 

من آل صعصعة كرام عشـائر

يسقون من ماء الفرات خيولهـم

 

من كل ظام فوق صهوة ضامر

تلقاهم حلب بجيش لـو سـرى

 

في البحر أظلم بالعجاج الثـائر

وإذا مضى حد القران رأيتـهـم

 

يردون جلق وهي ذات عساكر

يفنيهم الملك المظـفـر مـثـل

 

ما فنيت ثمود في الزمان الغابر

ويبيدهم نجل الإمـام مـحـمـد

 

بحسامه الماضي الغرار الباتـر

ولربما أبقى الزمان عـصـابة

 

منهم فيهلكهم حسام النـاصـر

والترك تفني الفرس لا يبـقـى

 

لهم أثر كذا حكم المليك القـادر

في أرض كنعان تظل جسومهم

 

مرعى الذئاب وكل نسر طـائر

وتجول عباد الصليب عـلـيهـم

 

بالسيف ذات ميامن ومـياسـر

يا ريع بغداد لا تـحـويه مـن

 

جثث محـلـقة ورأس طـائر

وكذا الخليفة جعفر سيظل فـي

 

أرض وليس لسبلها من خاطـر

وكذا العراق قصورها وربوعها

 

تلك النواحي والمشيد العـامـر

يفنيهم سيف القِران فـيا لـهـا

 

من سفرة أودت بمال التـاجـر

والروم تكسره وتكسر بعـدهـم

 

عاماً وليس لكسرها من جابـر

تمحى خلافته وينـسـى ذكـره

 

بين البرية صـنـع رب قـادر

فترى الحصون الشـامـخـات

 

مهدة لم يبق فيها ملجأ لمسافـر

وتر قراها والبـلاد تـبـدلـت

 

بعد الأنيس بكل وحش نـافـر

وأنشدني بعض التجار من أهل العجم قصيدة لابن سينا في هذا المعنى على قافية الراء الساكنة وأولها:

إذا شرق المريخ من أرض بابل

 

واقترن النحسان فالحذر الحذر

ولا بد أن تجري أمور عجـيبة

 

ولا بد أن تأتي بلادكم التـتـر

ولم يكن يحفظ إلا بعض القصيدة على غير الصواب فما نقلتها عنه، وللشيخ الرئيس من الكتب كما وجدناه غير ما هو مثبت فيما تقدم من كلام أبي عبيد الجوزجاني كتاب اللواحق يذكر أنه شرح الشفاء، كتاب الشفاء، جمع جميع العلوم الأربعة فيه وصنف طبيعياته وإلهياتها في عشرين يومان بهمدان، كتاب الحاصل والمحصول، صنفه ببلده للفقيه أبي بكر البرقي في أول عمره في قريب من عشرين مجلدة، ولا يوجد ألا نسخة الأصل، كتاب البر والإثم، صنفه أيضاً للفقيه أبي بكر البرقي في الأخلاق مجلدتان، ولا يوجد إلا عنده، كتاب الأنصاف عشرون مجلدة شرح فيه جميع كتب أرسطوطاليس وأنصف فيه بين المشرقيين والمغربيين، ضاع في نهب السلطان مسعود، كتاب المجموع ويعرف بالحكمة العروضية، صنفه وله إحدى وعشرون سنة لأبي الحسن العروضي من غير الرياضيات، كتاب القانون في الطب صنفه بعضه بجرجان وبالرس، وتممه بهمدان، وعول على أن يعمل له شرحاً وتجارب، كتاب الأوسط الجرجاني في المنطق صنفه بجرجان لأبي محمد الشيرازي، كتاب المبدأ والمعاد في النفس، صنفه له أيضاً بجرجان ووجدت في أول هذا الكتاب أنه صنفه للشيخ أبي أحمد محمد إبراهيم الفارسي، كتاب الأرصاد الكلية صنفها أيضاً بجرجان لأبي محمد الشيرازي، كتاب المعاد صنفه بالري للملك مجد الدولة، كتاب لسان العرب في اللغة صنفه باصفهان ولم ينقله إلى البياض، ولم يوجد له نسخة ولا مثله، ووقع إلي بعض هذا الكتاب وهو غريب التصنيف، كتاب دانش مايه العلائي بالفارسية، صنفه لعلاء الدين بن كاكويه بإصفهان، كتاب النجاة صنفه في طريق سابور خواست، وهو في خدمة علاء الدولة، كتاب الإشارات والتنبيهات وهي آخر ما صنف في الحكمة وأجوده، وكان يضن بها، كتاب الهداية في الحكمة صنفه وهو محبوس بقلعة فردجان لأخي عليه، يشتمل على الحكمة مختصراً، كتاب القولنج صنفه بهذه القلعة أيضاً، ولا يوجد تاماً، رسالة حي بن يقظان صنفها بهذه القلعة أيضاً رمزاً عن العقل الفعال، كتاب الأدوية القلبية صنفها بهمدان وكتب بها إلى الشريف السعيد أبي الحسن علي بن الحسين الحسيني، مقالة في النبض بالفارسية، مقالة في مخارج الحروف، وصنفها بإصفهان للجبائي، رسالة إلى أبي سهل المسيحي في الزاوية صنفها بجرجان، مقالة في القوى الطبيعية إلى أبي سعد اليمامي، رسالة الطبر مرموزة تصنيف فيما يوصله إلى علم الحق، كتاب الحدود، مقالة في تعرض رسالة الطبيب في القوى الطبيعبة، كتاب عيون الحكمة يجمع العلوم الثلاثة، مقالة في عكوس ذوات الجهة، الخطب التوحيدية في الإلهيات، كتاب الموجز الكبير في المنطق، وأما الموجز الصغير فهو منطق النجاة، القصيدة المزدوجة في المنطق صنفها للرئيس أبي الحسن سهل بن محمد السهلي بكركانج، مقالة في تحصيل السعادة، وتعرف الحجج الغر، مقالة في القضاء والقدر صنفها في طريق أصفهان عند خلاصه وهربه إلى أصفهان، مقالة في الهندبا، مقالة في الإشارة إلى علم المنطق، مقالة في تقاسيم الحكمة والعلوم، رسالة في السكنجبين،مقالة في اللانهاية، كتاب تعاليق علقه عنه تلميذه أبو منصور بن زيلا، مقالة في خواص خط الاستواء، المباحثات بسؤال تلميذه أبي الحسن بهمنيار بن المرزبان وجوابه له، عشر مسائل أجاب عنها لأبي الريحان البيروني، جواب ست عشرة مسألة لأبي الريحان، مقالة في هيئة الأرض من السماء وكونها في الوسط، كتاب الحكمة المشرقية لا يوجد تاماً، مقالة في تعقب المواضع الجدلية، المدخل إلى صناعة الموسيقى، وهو غير الموضوع في النجاة، مقالة في الأجرام السماوية، كتاب التدارك لأنواع خطأ التدبير، سبع مقالات ألفه لأبي الحسن أحمد بن محمد السهلي، مقالة في كيفية الرصد ومطابقته مع العلم الطبيعي، مقالة في الأخلاق، رسالة إلى الشيخ أبي الحسن سهل بن محمد السهلي في الكيمياء، مقالة في آلة رصدية صنعها بأصفهان عند رصده لعلاء الدولة مقالة في غرض قاطيغورياس، الرسالة الأضحوية في المعاد صنفها للأمير أبي بكر محمد بن عبيده، معتصم الشعراء في العروض، صنفه ببلاده، وله سبع عشرة سنة، مقالة في حد الجسم، الحكمة العرشية وهو كلام مرتفع في الإلهيات عهد له عاهد اللّه به لنفسه، مقالة في أن علم زيد غير علم عمرو، كتاب تدبير الجند والمماليك والعساكر وأرزاقهم وخراج الممالك، مناظرات جرت له في النفس مع أبي علي النيسابوري،خطب وتمجيدات وأسجاع جواب تضمن الاعتذار فيما نسب إليه من الخطب، مختصر أوقليدس أظنه المضمون إلى النجاة، مقالة الأرثماطيقي، عشر قصائد وأشعار في الزهد وغيره يصف فيها أحواله، رسائل بالفارسية والعربية، ومخاطبات ومكاتبات وهزليات، تعاليق مسائل حنين في الطب، قوانين ومعالجات طبية، مسائل عدة طبية عشرون مسألة سأله عنها بعض أهل العصر، مسائل ترجمها بالتذاكير جواب مسائل كثيرة، رسالة له إلى علماء بغداد يسألهم الإنصاف بينه وبين رجل همداني يدعي الحكمة، جواب لعدة مسائل كلام له في تبين ماهية الحروف، شرح كتاب النفس لأرسطوطاليس ويقال أنه من الإنصاف، مقالة في النفس تعرف بالفصول، مقالة في إبطال أحكام النجوم، كتاب الملح في النحو، فصول إلهية في إثبات الأول، فصول في النفس وطبيعيات، رسالة إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي في الزهد، مقالة في أنه لا يجوز أن يكون شيء واحد جوهراً وعرضاً، مسائل جرت بينه وبين بعض الفضلاء في فنون العلوم، تعليقات استفادها أبو الفرج الطبيب الهمداني من مجلسه وجوابات له، مقالة ذكرها في تصانيفه أنها في الممالك وبقاع الأرض، مختصر في أن الزاوية التي من المحيط والمماس لا كمية لها، أجوبة لسؤالات سأله عنها أبو الحسن العامري وهي أربع عشرة مسألة، كتاب الموجز الصغير في المنطق كتاب قيام الأرض في وسط السماء ألفه لأبي الحسين بن أحمد بن محمد السهلي، كتاب مفاتيح الخزائن في المنطق، كلام في الجوهر والعرض كتاب تأويل الرؤيا، مقالة في الرد على مقالة الشيخ أبي الفرج بن الطيب، رسالة في العشق ألفها لأبي عبيد اللّه الفقيه، رسالة في القوى الإنسانية وإدراكاتها، قول في تبين ما الحزن وأسبابه، مقالة إلى أبي عبيد اللّه الحسين بن سهل بن محمد السهلي في أمر مشوب.