الباب الثاني عشر: طبقات الأطباء الذين كانوا من الهند

كنكه الهندي
حكيم بارع من متقدمي حكماء الهند وأكابرهم، وله نظر في صناعة الطب وقوى الأدوية وطبائع المولدات وخواص الموجودات، وكان من أعلم الناس بهيئة العالم وتركيب الأفلاك وحركات النجوم، وقال أبو معشر جعفر بن محمد ابن عمر البلخي في كتاب الألوف إن كنكه هو المقدم في علم النجوم عند جميع العلماء من الهند في سالف الدهر،ولكنكه من الكتب كتاب النموذار في الأعمار، كتاب أسرار المواليد، كتاب القرانات الكبير، كتاب القرانات الصغير، كتاب الطب وهو يجري مجري كناش، كتاب في التوهم، كتاب في أحداث العالم والدور في القران.

صنجهل
كان من علماء الهند وفضلائهم الخبيرين بعلم الطب والنجوم،ولصنجهل من الكتب كتاب المواليد الكبير،وكان من بعد صنجهل الهندي جماعة من بلاد الهند ولهم تصانيف معروفة في صناعة الطب وفي غيرها من العلوم مثل باكهر، راحه، صكة، داهر، انكرزنكل، جبهر، اندي، جاري، كل هؤلاء أصحاب تصانيف، وهم من حكماء الهند وأطبائهم ولهم الأحكام الموضوعة في علم النجوم، والهند تشتغل بمؤلفات هؤلاء فيما بينهم ويقتدون بها ويتناقلونها وقد نقل كثير منها إلى اللغة العربية، ووجدت الرازي قد نقل في كتابه الحاوي وفي غيره عن كتب جماعة من الهند مثل كتاب شرك الهندي وهذا الكتاب فسره عبد اللّه بن علي من الفارسي إلى العربي لأنه أولاً نقل من الهندي إلى الفارسي؛ وعن كتاب سسرد، وفيه علامات الأدواء ومعرفة علاجها وأدويتها وهو عشر مقالات، أمر يحيى بن خالد بتفسيره؛ وكتاب بدان في علامات أربعمائة وأربعة أدواء ومعرفتها بغير علاج؛ وكتاب سندهشان وتفسيره؛ كتاب صورة النجح؛ وكتاب فيما اختلف فيه الهند والروم في الحار والبارد وقوى الأدوية وتفصيل السنة؛ وكتاب تفسير أسماء العقار بأسماء عشرة؛ وكتاب أسانكر الجامع؛ وكتاب علاجات الحيالى للهند؛ وكتاب مختصر في العقاقير للهند؛ وكتاب نوفشل، فيه مائة داء ومائة دواء؛ وكتاب روسي الهندية في علاجات النساء؛ وكتاب السكر للهند؛ وكتاب رأي الهندي في أجناس الحيات وسمومها؛ وكتاب التوهم في الأمراض والعلل لأبي قبيل الهندي.

شاناق
ومن المشهورين أيضاً من أطباء الهند شاناق، وكانت له معالجات وتجارب كثيرة في صناعة الطب وتفنن في العلوم وفي الحكمة، وكان بارعاً في علم النجوم حسن الكلام متقدماً عند ملوك الهند، ومن كلام شاناق قال في كتابه الذي سماه منتحل الجوهر يا أيها الوالي اتق عثرات الزمان، واخش تسلط الإمام ولوعة غلبة الدهر، ،اعلم أن الأعمال جزاء، فاتق عوائق الدهر والأيام فإن لها غدرات، فكن منها على حذر؛ والأقدار مغيبات فاستعد لها، والزمان منقلب فاحذر دولته، لئيم الكرة فخف سطوته، سرع الغرة فلا تأمن دولته، واعلم أن من لم يداو نفسه من سقام الآثام في أيام حياته فما أبعده من الشفاء في دار لا دواء لها، ومن أذل حواسه واستبعدها فيما تقدم من خير لنفسه أبان فضله وأظهر نبله، ومن لم يضبط نفسه وهي واحدة لم يضبط حواسه وهي خمس، فإذا لم يضبط حواسه مع قلتها وذلتها صعب عليه ضبط الأعوان مع كثرته وخشونة جانبهم، فكانت عامة الرعية في أقاصي البلاد وأطراف المملكة أبعد من الضبط،ولشاناق من الكتب كتاب السموم، خمس مقالات، فسره من اللسان الهندي إلى اللسان الفارسي منكه الهندي، وكان المتولي لنقله بالخط الفارسي رجل يعرف بأبي حاتم البلخي فسره ليحيى بن خالد بن برمك؛ ثم نقل للمأمون على يد العباس بن سعيد الجوهري مولاه، وكان المتولي قراءته على المأمون كتاب البيطرة، كتاب في علم النجوم، كتاب المنتحل الجوهر، وألفه بعض ملوك زمانه، وكان يقال لذلك الملك ابن قانص الهندي.

جودر
حكيم فاضل من حكماء الهند وعلمائه متميز في أيامه، وله نظر في الطب وتصانيف في العلوم الحكمية،وله من الكتب كتاب المواليد، وهو قد نقل إلى العربي.

منكه الهندي
كان عالماً بصناعة الطب حسن المعالجة، لطيف التدبير فيلسوفاً، من جملة المشار إليهم في علوم الهند متقناً للغة الهند ولغة الفرس، وهو الذي نقل كتاب شاناق الهندي في السموم من اللغة الهندية إلى الفارسي وكان في أيام الرشيد هارون، وسافر من الهند إلى العراق في أيامه، واجتمع به وداواه،ووجدت في بعض الكتب أن منكه الهندي كان في جملة إسحاق بن سليمان بن علي الهاشمي، وكان ينقل من اللغة الهندية إلى الفارسية والعربية، ونقلت من كتاب أخبار الخلفاء والبرامكة إن الرشيد اعتل علة صعبة فعالجه الأطباء فلم يجد من علته إفاقة، فقال له أبو عمر الأهجمي بالهند طبيب يقال له منكه، وهو أحد عبادهم وفلاسفتهم، فلو بعث إليه أمير المؤمنين فلعل أن يهب له الشفاء على يده، قال فوجه الرشيد من حمله ووصله بصلة تعينه على سفره، فقدم وعالج الرشيد فبرأ من علته بعلاجه، فأجرى عليه رزقاً واسعاً وأموالاً كافية، قال، فبينما منكه ماراً في الخلد إذا هو برجل من المائنين قد بسط كساءه وألقى عليه عقاقير كثيرة، وقام يصف دواءٌ عنده، فقال في صفته هذا دواء للحمى الدائمة وحمى الغب وحمى الربع ولوجع الظهر والركبتين والخام والبواسير والرياح ووجع المفاصل ووجع العينين، ولوجع البطن والصداع والشقيقة ولتقطير البول والفالج والارتعاش، ولم يدع علة في البدن إلا ذكر أن ذلك الدواء شفاؤها، فقال منكه لترجمانه ما يقول هذا؟ فترجم له ما سمع فتبسم منكه وقال على كل حال ملك العرب جاهل، وذلك أنه إن كان الأمر على ما قال هذا، فلم حملني من بلدي وقطعني عن أهلي وتكلف الغليظ من مؤونتي وهو يجد هذا نصب عينه وبإزائه؟ وإن كان الأمر ليس كما يقول هذا فلم لا يقتله؟ فإن الشريعة قد أباحت دم هذا ومن أشبهه، لأنه أن قُتل ما هي إلا نفسٌ تحيا بفنائها أنفسُ خلقٍ كثير، وإن تُرك وهذا الجهل قتَلَ في كل يوم نفساً، والحري أن يقتل اثنين أو ثلاثة وأربعة في كل يوم، وهذا فساد في الدين ووهن في المملكة.

صالح بن بهلة الهندي
متميز من علماء الهند، وكان خبيراً بالمعالجات التي لهم، وله قوة وإنذارات في تقدمة المعرفة، وكان بالعراق في أيام الرشيد هارون، قال أبو الحسن يوسف بن إبراهيم الحاسب المعروف بابن الداية حدثني أحمد بن رشيد الكاتب، مولى سلام الأبرش، إن مولاه حدثه، إن الموائد قدمت بين يدي الرشيد في بعض الأيام وجبرائيل ابن بختيشوع غائب، فقال لي أحمد قال أبو سلمة، يعني مولاه، فأمرني أمير المؤمني بطلب جبرائيل ليحضر أكله على عادته في ذلك، فلم أدع منزلاً من منازل الولد، ومن كان يدخل إليه جبرائيل من الحرم إلا طلبته فيه، ولم أقع له على أثر، فأعلمت أمير المؤمنين بذلك، فطفق يلعنه ويقذفه، إذ دخل عليه جبرائيل والرشيد على تلك الحال من قذفه ولعنه، فقال له لو اشتغل أمير المؤمنين بالبكاء على ابن عمه إبراهيم بن صالح، وترك ما فيه من تناولي بالسب كان أشبه، فسأله عن خبر إبراهيم، فأعلمه أنه خلف وبه رمق ينقضي بآخره وقت صلاة العتمة، فاشتد جزع الرشيد لما أخبره به وأقبل على البكاء، وأمر برفع الموائد فرفعت، وكثر ذلك منه حتى رحمه مما نزل به جميع من حضر،فقال جعفر بن يحيى يا أمير المؤمنين أن طب جبرائيل طب رومي وصالح بن بهلة الهندي في العلم بطريقة أهل الهند في الطب مثل جبرائيل في العلم بمقالات الروم، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإحضاره وتوجيهه إلى إبراهيم بن صالح لنفهم عنه ما يقول مثل ما فهمنا عن جبرائيل، فعل، فأمر الرشيد جعفراً بإحضاره وتوجيهه والمصير به إليه، ورده بعد منصرفه من عنده، ففعل ذلك جعفر، ومضى صالح إلى إبراهيم حتى عاينه وجس عرقه وصار إلى جعفر وسأله عما عنده من العلم، فقال لست أخبر بالخبر غير أمير المؤمنين، فاستعمل جعفر مجهوده بصالح أن يخبره بجلة من الخبر فلم يجبه إلى ذلك، ودخل جعفر على الرشيد فأخبره بحضور صالح وامتناعه عن إخباره بما عاين، فأمر بإحضار صالح، فدخل ثم قال يا أمير المؤمنين أنت الإمام، وعاقد ولاية القضاء للحكام، ومهما حكمت به لم يجز لحاكم فسخه، وأنا أشهدك يا أمير المؤمنين وأشهد على نفسي من حضرك أن إبراهيم ابن صالح إن توفي في هذه الليلة أو في هذه العلة إن كل مملوك لصالح بن بهلة أحرار لوجه اللّه، وكل دابة له فحبيس في سبيل اللّه؛ وكل مال له فصدقة على المساكين، وكل امرأة له فطالق ثلاثاً بتاتاً، فقال له الرشيد حلفت ويحك يا صالح على غيب، فقال صالح كلا يا أمير المؤمنين، إنما الغيب ما لا علم لأحد به، ولا دليل له عليه، ولم أقل ما قلت إلا بعلم واضح ودلائل بينة، قال أحمد بن رشيد، قال لي أبو سلمة فسري عن الرشيد ما كان يجد وطعم، وأحضر له الشراب فشرب، ولما كان وقت صلاة العتمة ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام يخبر بوفاة إبراهيم بن صالح على الرشيد فاسترجع وأقبل على جعفر بن يحيى باللوم في إرشاده إياه إلى صالح بن بهلة، وأقبل يلعن الهند وطبهم ويقول وأسوءتاه من اللّه أن يكون ابن عمي يتجرع غصص الموت، وأنا أشرب النبيذَ ثم دعا برطل من النبيذ بالماء وألقى فيه شيئاً من ملح، وأخذ يشرب يتقيأ حتى قذف ما كان في جوفه من طعام وشراب، وبكر إلى دار إبراهيم فقصد خدمه بالرشيد إلى رواق على مجالس لإبراهيم على يمين الرواق ويساره فراشان بكراسيهما ومتكئاتهما ومساندهما، وفيما بين الفراشين نمارق فاتكأ الرشيد على سيفه ووقف وقال لا يحسن الجلوس في المصيبة بالأحبة من الأهل على أكثر من البسط، ارفعوا هذه الفرش والنمارق ففعل ذلك الفراشون وجلس الرشيد على البساط، فصارت سنة لبني العباس من ذلك اليوم، ولم تكن قبله، ووقف صالح بن بهلة بين يدي الرشيد فلم يناطقه أحد إلى أن سطعت روائح المجامر، فصاح عند ذلك صالح اللّه اللّه يا أمير المؤمنين أن تحكم علي بطلاق زوجتي فتنزعها وتزوجها غيري وأنا رب الفرج المستحق له، وتنكحها من لا تحل له، واللّه اللّه أن تخرجني من نعمتي ولم يلزمني حنث، واللّه اللّه أن تدفن ابن عمك حياً، فواللّه يا أمير المؤمنين ما مات، فأطلق لي الدخول عليه والنظر إليه؛ وهتف بهذا القول مرات، فإذن له بالدخول على إبراهيم وحده، قال أحمد، قال لي أبو سلمة فاقبلنا نسمع صوت ضرب بدن بكف، ثم انقطع عنا ذلك الصوت، ثم سمعنا تكبيراً فخرج إلينا صالح وهو يكبر ثم قال قم يا أمير المؤمنين حتى أريك عجباً، فدخل إليه الرشيد وأنا ومسرور الكبير، وأبو سليم معه، فأخرج صالح إبرة كانت معه فأدخلها بين ظفر إبهام يده اليسرى ولحمه، فجذب إبراهيم بن صالح يده وردها إلى بدنه، فقال صالح يا أمير المؤمنين هل يحس الميت بالوجع؟ فقال الرشيد لا، فقال له صالح لو شئت أن يكلم أمير المؤمنين الساعة لكلمه، فقال له الرشيد فأنا أسألك أن تفعل ذلك فقال يا أمير المؤمنين أخاف إن عالجته وأفاق وهو في كفن فيه رائحة الحنوط أن ينصدع قلبه فيموت موتاً حقيقياً، فلا يكون لي في إحيائه حيلة، ولكن يا أمير المؤمنين تأمر بتجريده من الكفن ورده إلى المغتسل وإعادة الغسل عليه حتى تزول رائحة الحنوط عنه، ثم يلبس مثل ثيابه التي كان يلبسها في حال صحته وعلته، ويطيب بمثل ذلك الطيب ويحول إلى فراش من فرشه التي كان يجلس وينام عليها، حتى أعالجه بحضرة أمير المؤمنين، فإنه يكلمه من ساعته، قال أحمد، قال أبو سلمة فوكلني الرشيد بالعمل بما حده صالح، ففعلت ذلك، ثم صار الرشيد وأنا ومسرور وأبو سليم وصالح إلى الموضع الذي فيه إبراهيم، ودعا صالح بكندس ومنفخة من الخزانة ونفخ من الكندس في أنفه فمكث مقدار ثلث ساعة، ثم اضطرب بدنه وعطس وجلس قدام الرشيد، وقبل يده وسأله عن قصته، فذكر أنه كان نائماً لا يذكر أنه نام مثله قط طيباً إلا أنه رأى في منامه كلباً قد أهوى إليه فتوقاه بيده، فعض إبهام يده اليسرى عضة انتبه وهو يحس وجعها، وأراه إبهامه التي كان صالح أدخل فيها الإبرة وعاش إبراهيم بعد ذلك دهراً ثم تزوج العباسة بنت المهدي وولي مصر وفلسطين وتوفي بمصر وقبره بها.