الباب الثالث عشر: طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب وأقاموا بها: أبو الوليد بن الكتاني، أبو عبد الله بن الكتاني، أحمد بن حكيم بن حفصون، أبو بكر أحمد بن جابر، أبو عبد الله الملك الثقفي، هارون بن موسى الأشبوني، محمد بن عبدون الجبلي العذري، عبد الرحمن بن إسحاق بن الهيثم، ابن جلجل، أبو العرب يوسف بن محمد، ابن وافد، الرميلي، ابن الذهبي، ابن النباش، أبو جعفر بن خميس الطليطلي، ابن الخياط، مروان بن جناج، إسحاق بن قسطار، حسداي بن إسحاق، أبو الفضل حسداي بن يوسف بن حسداي، أبو جعفر يوسف بن أحمد بن حسداي، ابن سمجون

أبو الوليد بن الكتاني

هو أبو الوليد محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني، كان عالماً بهياً سرياً حلو اللسان محبوباً من العامة والخاصة لسخائه بعلمه ومواساته بنفسه، ولم يكن يرغب في المال ولا جمعه، وكان لطيف المعاناة وخدم الناصر والمستنصر بصناعة الطب، ومات بعلة الاستسقاء.

أبو عبد اللّه بن الكتاني

هو أبو عبد اللّه محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني، كان أخذ الطب عن عمه محمد بن الحسين وطبقته وخدم به المنصور بن أبي عامر وابنه المظفر، ثم انتقل في صدر الفتنة إلى مدينة سرقسطة واستوطنها، وكان بصيراً بالطب، متقدماً فيه، ذا حظ من المنطق والنجوم، وكثير من علوم الفلسفة، قال القاضي صاعد أخبرني عنه الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن وافد اللخمي إنه كان دقيق الذهن، ذكي الخاطر، جيد الفهم، حسن التوحيد والتسبيح، وكان ذا ثروة وغنى واسع، وتوفي قريباً من سنة عشرين وأربعمائة وهو قد قارب ثمانين سنة، قال وقرأت في بعض تآليفه أنه أخذ صناعة المنطق عن محمد بن عبدون الجبلي، وعمر بن يونس بن أحمد الحراني، وأحمد بن حفصون الفيلسوف، وأبي عبد اللّه محمد بن إبراهيم القاضي النحوي، وأبي عبد اللّه محمد بن مسعود البجائي، ومحمد بن ميمون المعروف بمركوس، وأبي القاسم فيد بن نجم، وسعيد بن فتحون السرقسطي المعروف بالحمار، وأبي الحرث الأسقف تلميذ ربيع بن زيد الأسقف الفيلسوف وأبي مرين البجائي، ومسلمة بن أحمد المرحيطي.

أحمد بن حكيم بن حفصون

كان طبيباً عالماً جيد القريحة، حسن الفطنة، دقيق النظر، بصيراً بالمنطق، مشرفاً على كثير من علوم الفلسفة، وكان متصلاً بالحاجب جعفر الصقلبي ومستولياً على خاصته، فأوصله بالحكم المستنصر باللّه وخدمه بالطب إلى أن توفي جعفر فأسقط حينئذ من ديوان الأطباء وبقي مخمولاً إلى أن توفي ومات بعلة الإسهال.

أبو بكر أحمد بن جابر

كان شيخاً فاضلاً في الطب، حليماً عفيفاً وخدم المستنصر باللّه بالطب وأدرك صدراً من دولة المؤيد وكان أولاد الناصر جميعهم يعتمدون على تعظيمه وتبجيله ومعرفة حقه، وكان وجيهاً عندهم مؤتمناً، وكذلك عند الرؤساء، وكان أديباً فهماً، وكتب بخطه كتباً كثيرة في الطب والمجامع والفلسفة، وعمر زماناً طويلاً.

أبو عبد اللّه الملك الثقفي

كان طبيباً أديباً عالماً بكتاب إقليدس، وبصناعة المساحة، وخدم الناصر والمستنصر بصناعة الطب، وكان أعرج، وله في الطب نوادر، وولاه المستنصر أو الناصر خزانة السلاح، وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه، ومات بعلة الاستسقاء،

هارون بن موسى الأشبوني

كان من شيوخ الأطباء وأخيارهم، مؤتمناً مشهوراً بأعمال اليد وخدم الناصر والمستنصر بصناعة الطب.

محمد بن عبدون الجبلي العذري

رحل إلى المشرق سنة سبع وأربعين وثلثمائة، ودخل البصرة ولم يدخل بغداد، وأتى مدينة فسطاط مصر ودبر مارستانها، ومهر بالطب ونبل فيه وأحكم كثيراً من أصوله، وعانى صناعة المنطق عناية صحيحة، وكان شيخه فيها أبو سليمان محمد بن طارهر بن بهرا السجستاني البغدادي، ورجع إلى الأندلس سنة ستين وثلثمائة، وخدم بالطب المستنصر باللّه والمؤيد باللّه، وكان قبل أن يتطبب مؤدباً بالحساب والهندسة، وله في التكسير كتاب حسن، قال القاضي صاعد وأخبرني أبو عثمان سعيد بن محمد بن البعوض الطليطلي أنه لم يلق في قرطبة أيام طلبه فيها من يلحق بمحمد بن عبدون الجبلي في صناعة الطب، ولا يجاريه في ضبطها، وحسن دربته فيها وأحكامه لغوامضها.ولمحمد بن عبدون من الكتب كتاب في التكسير،

عبد الرحمن بن إسحاق بن الهيثم

من أعيان أطباء الأندلس وفضلائها، وكان من أهل قرطبة،وله من الكتب كتاب الكمال والتمام في الأدوية المسهلة والمقيئة، كتاب الاقتصار والإيجاد في خطأ ابن الجزار في الاعتماد، كتاب الاكتفاء بالدواء من خواص الأشياء، صنفه للحاجب القائد أبي عامر محمد بن أبي عامر، كتاب السمائم.

ابن جلجل

هو أبو داود بن حسان يعرف بابن جلجل، وكان طبيباً فاضلاً خبيراً بالمعالجات، جيد التصرف في صناعة الطب، وكان في أيام هشام المؤيد باللّه، وخدمه بالطب وله بصيرة واعتناء بقوى الأدوية المفردة، وقد فسر أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس العين زربي، وأفصح عن مكنونها، وأوضح مستغلق مضمونها، وهو يقول في أول كتابه هذا إن كتاب ديسقوريدس ترجم بمدينة السلام في الدولة العباسية في أيام جعفر المتوكل وكان المترجم له اصطفن بن بسيل الترجمان من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي، وتصفح ذلك حنين بن إسحاق المترجم، فصحح الترجمه وأجازها فما علم اصطفن من تلك الأسماء اليونانية في وقته له اسماً في اللسان العربي فسره بالعربية، وما لم يعلم له في اللسان العربي اسماً تركه في الكتاب على اسمه اليوناني اتكالاً منه على أن يبعث اللّه بعده من يعرف ذلك ويفسره باللسان العربي، إذ التسمية لا تكون بالتواطؤ من أهل كل بلد على أعيان الأدوية بما رأوا، وأن يسموا ذلك إما باشتقاق وإما بغير ذلك من تواطئهم في التسمية فاتكل اصطفن على شخوص يأتون بعده ممن قد عرف أعيان الأدوية التي لم يعرف هو لها اسماً في وقته فيسميها على قدر ما سمع في ذلك الوقت فيخرج إلى المعرفة.

قال ابن جلجل وورد هذا الكتاب إلى الأندلس وهو على ترجمة اصطفن منه ما عرف له اسماً بالعربية، ومنه ما لم يعرف له اسماً، فانتفع الناس بالمعروف منه بالمشرق والأندلس إلى أيام الناصر عبد الرحمن بن محمد، وهو يومئذ صاحب الأندلس فكاتبه أرمانيوس الملك، مالك قسطنطينية، في سنة سبع وثلاثين وثلثمائة، وهاداه بهدايا لها قدر عظيم، فكان في جملة هديته كتاب دسقوريدس مصور الحشائش بالتصوير الرومي العجيب، وكان الكتاب مكتوباً بالإغريقي الذي هو اليوناني، وبعث معه كتاب هروسيس صاحب القصص، وهو تاريخ للروم عجيب، فيه أخبار الدهور وقصص الملوك الأول، وفوائد عظيمة، وكتب أرمانيوس في كتابه إلى الناصر أن كتاب دسقوريدس لا تجتنى فائدتة إلا برجل يحسن العبارة باللسان اليوناني، ويعرف أشخاص تلك الأدوية، فإن كان في بلدك من يحسن ذلك فزت أيها الملك بفائدة الكتاب؛ وأما كتاب هروسيس فعندك في بلدك من اللطينيين من يقرأه باللسان اللطيني، وأن كشفتهم عنه نقلوه لك من اللطيني إلى اللسان العربي.

قال ابن جلجل ولم يكن يومئذ بقرطبة من نصارى الأندلس من يقرأ اللسان الإغريقي الذي هو اليوناني القديم، فبقي كتاب ديسقوريدس في خزانة عبد الرحمن الناصر باللسان الإغريقي، ولم يترجم إلى اللسان العربي، وبقي الكتاب بالأندلس، والذي بين أيدي الناس بترجمة اسطفن الواردة من مدينة السلام بغداد.

فلما جاوب الناصر أرمانيوس الملك سأله أن يبعث إليه برجل يتكلم بالإغريقي واللطيني ليعلم له عبيداً يكونون مترجمين، فبعث أرمانيوس الملك الناصر براهب كان يسمى نقولا، فوصل إلى قرطبة سنة أربعين وثلثمائة، وكان يومئذ من الأطباء قوم لهم بحث وتفتيش وحرص على استخراج ما جهل من أسماء عقاقير كتاب ديسقوريدس إلى العربية، وكان أبحثه وأحرصهم على ذلك من جهة التقرب إلى الملك عبد الرحمن الناصر، حسداي بن بشروط الإسرائيلي، وكان نقولا الراهب عنده أحظى الناس وأخصهم به، وفسر من أسماء عقاقير كتاب ديسقوريدس ما كان مجهولاً، وهو أول من عمل بقرطبة ترياق الفاروق على تصحيح الشجارية التي فيه، وكان في ذلك الوقت من الأطباء الباحثين عن تصحيح أسماء عقاقير الكتاب وتعيين أشخاصه محمد المعروف بالشجار، ورجل كان يعرف بالبسباسي، وأبو عثمان الجزار الملقب باليابسة، ومحمد بن سعيد الطيب، وعبد الرحمن بن إسحاق بن هيثم وأبو عبد اللّه الصقلي، وكان يتكلم باليونانية ويعرف أشخاص الأدوية.

قال ابن جلجل وكان هؤلاء النفر كلهم في زمان واحد مع نقولا الراهب أدركته وأدركت نقولا الراهب في أيام المستنصر، وصحبتهم في أيام المستنصر الحكم، وفي صدر دولته مات نقولا الراهب، فصح ببحث هؤلاء النفر الباحثين عن أسماء عقاقير كتاب ديسقوريدس تصحيح الوقوف على أشخاصها بمدينة قرطبة خاصة بناحية الأندلس، ما أزال الشك فيها عن القلوب، وأوجب المعرفة بها بالوقوف على أشخاصها،، وتصحيح النطق بأسمائها بلا تصحيف إلا القليل منها الذي لا بال به، ولا خطر له، وذلك يكون في مثل عشرة أدوية. قال وكان لي في معرفة تصحيح هيولى الطب الذي هو أصل الأدوية المركبة حرص شديد وبحث عظيم، حتى وهبني اللّه من ذلك بفضله بقدر ما اطلع عليه من نيتي في إحياء ما خفتُ يُدرس وتذهب منفعته لأبدان الناس، فاللّه قد خلق الشفاء وبثه فيما انبتته الأرض، واستقر عليها من الحيوان المشاء، والسابح في الماء والمنساب، وما يكون تحت الأرض في جوفها من المعدنية، كل ذلك فيه شفاء ورحمة ورفق، ابن البغونشولابن جلجل من الكتب كتاب تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس، ألفه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة بمدينة قرطبة، في دولة هشام بن الحكم المؤيد باللّه، مقالة في ذكر الأدوية التي لم يذكرها ديسقوريدس في كتابه مما يستعمل في صناعة الطب وينتفع به، وما لا يستعمل لكيلا يغفل ذكره، وقال ابن جلجل إن ديسقوريدس أغفل ذلك ولم يذكره إما لأنه لم يره ولم يشاهده عياناً، وإما لأن ذلك كان غير مستعمل في دهره وأبناء جنسه، رسالة التبيين فيم غلط فيه بعض المتطبيين، كتاب يتضمن ذكر شيء من أخبار الأطباء والفلاسفة ألفه في أيام المؤيد باللّه.

أبو العرب يوسف بن محمد

أحد المتحققين بصناعة الطب والراسخين في علمه، قال القاضي صاعد حدثني الوزير أبو المطرف بن وافد وأبو عثمان سعيد بن محمد بن البغونش إنه كان محكماً لأصول الطب نافذاً في فروعه حسن التصرف في أنواعه، قال وسمعت غيرهما يقول لم يكن أحد بعد محمد بن عبدون يوازي أبو العرب في قيامه بصناعة الطب ونفوذه فيها، وكان غلب عليه في آخر عمره حب الخمر فكان لا يوجد صاحياً ولا يرى مفيقاً من خمار، وحرم بذلك الناس كثيراً من الانتفاع به وبعلمه، وتوفي وقد قارب تسعين سنة، وذلك بعد ثلاثين وأربعمائة.

ابن البغونش هو أبو عثمان سعيد بن محمد بن البغونش، قال القاضي صاعد كان من أهل طليطلة، ثم رحل إلى قرطبة لطلب العلم بها، فأخذ عن مسلمة بن أحمد علم العدد والهندسة، وعن محمد بن عبدون الجبلي وسليمان بن جلجل وابن الشناعة ونظرائهم علم الطب، ثم انصرف إلى طليطلة واتصل بها بأميرها الظافر اسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن عامر بن مطرف بن ذي النون، وحظي عنده وكان أحد مديري دولته، قال ولقيته أنا فيها بعد ذلك في صدر دولة المأمون، ذي المجد بن يحيى بن الظافر اسماعيل بن ذي النون، وقد ترك قراءة العلوم وأقبل على قراءة القرآن، ولزم داره والانقباض عن الناس، فلقيت منه رجلاً عاقلاً، جميل الذكر والمذهب، حسن السيرة، نظيف الثياب، ذا كتب جليلة في أنواع الفلسفة وضروب الحكمة، وتبينت منه أنه قرأ الهندسة وفهمها، وقرأ المنطق وضبط كثيراً منه، ثم أعرض عن ذلك وتشاغل بكتب جالينوس وجمعها، وتناولها بتصحيحه ومعاناته، فحصل بتلك العناية على فهم كثير منها، ولم تكن له دربة بعلاج المرضى ولا طبيعة نافذة في فهم الأمراض، وتوفي عند صلاة الصبح من يوم الثلاثاء أول يوم من رجب سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وأخبرني أنه ولد سنة تسع وستين وثلثمائة، فكان إذ توفي ابن خمس وسبعين سنة.

ابن وافد

هو الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن يحيى بن وافد بن مهند اللخمي أحد أشراف أهل الأندلس، وذوي السلف الصالح منهم، والسابقة القديمة فيهم، عني عناية بالغة بقراءة كتب جالينوس وتفهمها، ومطالعة كتب أرسطوطاليس وغيره من الفلاسفة، قال القاضي صاعد وتمهر بعلم الأدوية المفردة حتى ضبط منها ما لم يضبطه أحد في عصره، وألف فيها كتاباً جليلاً لا نظير له جمع فيه ما تضمن كتاب ديسقوريدس وكتاب جالينوس المؤلفان في الأدوية المفردة، ورتبه أحسن ترتيب، قال وأخبرني أنه عانى جمعه، وحاول ترتيبه وتصحيح ما ضمنه من أسماء الأدوية وصفاتها، وأودعه إياه من تفصيل قواها وتحديد درجاتها نحواً من عشرين سنة، حتى كمل موافقاً لغرضه، وتم مطابقاً لبغيته، وله في الطب منزع لطيف ومذهب نبيل، وذلك أنه كان لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن التداوي بالأغذية أو ما كان قريباً منها، فإذا دعت الضرورة إلى الأدوية فلا يرى التداوي بمركبها ما وصل إلى التداوي بمفردها، فإن اضطر إلى المركب منها لم يكثر التركيب بل اقتصر على الأقل ما يمكنه منه، وله نوادر محفوظة وغرائب مشهورة في الإبراء من العلل الصعبة والأمراض المخوفة بأيسر العلاج وأقربه، واستوطن مدينة طليطلة، وكان في أيام ابن ذي النون، ومولد ابن وافد في ذي الحجة من سنة سبع وثمانين وثلثمائة، وكان في الحياة في سنة ستين وأربعمائة.

ولابن وافد من الكتب كتاب الأدوية المفردة، كتاب الوساد في الطب، مجربات في الطب، كتاب تدقيق النظر في علل حاسة البصر، كتاب المغيث.

الرميلي

وكان بالمرية في أيام ابن معن المعروف بابن صمادح، ويلقب بالمعتصم باللّه، وقال أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم بن اليسع في كتاب المغرب عن محاسن أهل المغرب إن الرميلي صحبه توفيق يساعده ويصعده، ويقيم له الجاه ويقعده، مع دربة جرى بها فأدرك، وقياس حركة للمحاورة فتحرك، فأصبح يقتدى بنسخه ويتنافس في مستصرخه ويتوسل إليه برئاسة نفس لا ترضى بدَنيّة، ولا تعامل إلا بالحرية، وربما عالج في بعض أوقاته المستورين بماله أدوية وأغذية، فأحبه البعيد والقريب، وأصبح ما له إلا حميم أو حبيب حتى أودت به الأيام فاقدة إحسان نادبة مكانه، وللرميلي من الكتب كتاب البستان في الطب،

ابن الذهبي

هو أبو محمد عبد اللّه بن محمد الأزدي ويعرف بابن الذهبي، أحد المعتنين بصناعة الطب، ومطالعة كتب الفلاسفة، وكان كلفاً بصناعة الكيمياء مجتهداً في طلبها، وتوفي ببلنسية في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة،ولابن الذهبي من الكتب مقالة في أن الماء لا يغذو،

ابن النباش

هو أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن حامد البجائي ويعرف بابن النباش، معتن بصناعة الطب مواظب لعلاج المرضى، ذو معرفة جيدة بالعلم الطبيعي، وله أيضاً نظر ومشاركة في سائر العلوم الحكمية، وكان مقيماً بجهة مرسية،

أبو جعفر بن خميس الطليطلي

قرأ كتب جالينوس على مراتبها، وتناول صناعة الطب من طرقها، وكانت له رغبة كثيرة في معرفة العلم الرياضي والاشتغال به،أبو الحسن عبد الرحمن بن خلف بن عساكر الدارمي اعتنى بكتب جالينوس عناية صحيحة، وقرأ كثيراً منها على أبي عثمان سعيد بن محمد بن بغونش، واشتغل أيضاً بصناعة الهندسة والمنطق وغير ذلك، وكانت له عبارة بالغة، وطبع فاضل في المعاناة، ومنزع حسن في العلاة، وله تصرف في دروب من الأعمال اللطيفة والصناعات الدقيقة.

ابن الخياط

هو أبو بكر يحيى بن أحمد ويعرف بابن الخياط، كان أحد تلاميذ أبي القاسم مسلمة بن أحمد المرحيطي في علم العدد والهندسة، ثم مال إلى أحكام النجوم وبرع فيها واشتهر بعلمها، وخدم بها سليمان بن حكم بن الناصر لدين اللّه في زمن الفتنة وغيره من الأمراء، وآخر من خدم بذلك الأمير المأمون يحيى بن إسماعيل بن ذي النون، وكان مع ذلك معتنياً بصناعة الطب، دقيق العلاج حصيفاً حليماً دمثاً حسن السيرة كريم المذهب، وتوفي بطليطلة سنة سبع وأربعين وأربعمائة وقد قارب ثمانين سنة، منجم بن الفوال يهودي من سكان سرقسطة، وكان متقدماً في صناعة الطب متصرفاً مع ذلك في علم المنطق وسائر علوم الفلسفة. ولمنجم بن الفوال من الكتب كتاب كنز المقل، على طريق المسألة والجواب، وضمنه جملاً من قوانين المنطق وأصول الطبيعة.

مروان بن جناج

كان أيضاً يهودياً وله عناية بصناعة المنطق والتوسع في علم لسان العرب واليهود، ومعرفة جيدة بصناعة الطب، وله من الكتب كتاب التلخيص وقد ضمنه ترجمة الأدوية المفردة، وتحديد المقادير المستعملة في صناعة الطب من الأوزان والمكاييل،

إسحاق بن قسطار

كان أيضاً يهودياً وخدم الموفق مجاهداً العامري وابنه إقبال الدولة عليا، وكان إسحاق بصيراً بأصول الطب، مشاركاً في علم المنطق، مشرفاً على آراء الفلاسفة، وكان وافر العقل، جميل الأخلاق، وله تقدم في علم العبرانية، بارعاً في فقه اليهود، حبراً من أحبارهم، ولم يتخذ قط امرأة، وتوفي بطليطلة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وله من العمر خمس وسبعون سنة.

حسداي بن إسحاق

معتن بصناعة الطب، وخدم الحكم بن عبد الرحمن الناصر لدين اللّه، وكان حسداي بن إسحاق من أحبار اليهود متقدماً في علم شريعتهم، وهو أول من فتح لأهل الأندلس منهم باب علمهم من الفقه والتاريخ وغير ذلك، وكانوا قبل يضطرون في فقه دينهم وسني تاريخهم ومواقيت أعيادهم إلى يهود بغداد، فيستجلبون من عندهم حساب عدة من السنين يتعرفون به مداخل تاريخ ومبادئ سنيهم، فلما اتصل حسداي بالحكم، ونال عنده نهاية الحظوة توصل به إلى استجلاب ما شاء من تآليف اليهود بالمشرق، فعلم حينئذ يهود الأندلس ما كانوا قبل يجهلونه، واستغنوا عما كانوا يتجشمون الكلفة فيه.

أبو الفضل حسداي بن يوسف بن حسداي

من ساكني مدينة سرقسطة، ومن بيت شرف اليهود بالأندلس، من ولد موسى النبي عليه السلام، عني بالعلوم على مراتبها، وتناول المعارف من طرقها، فأحكم علم لسان العرب، ونال حظاً جزيلاً من صناعة الشعر والبلاغة، وبرع في علم العدد والهندسة وعلم النجوم، وفهم صنعاة الموسيقى وحاول عملها، وأتقن علم المنطق وتمرن بطرق البحث والنظر، واشتغل أيضاً بالعلم الطبيعي، وكان له نظر في الطب، وكان في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة في الحياة وهو في سن الشبيبة.

أبو جعفر يوسف بن أحمد بن حسداي

من الفضلاء في صناعة الطب، وله عناية بالغة في الاطلاع على كتب ابقراط وجالينوس وفهمها، وكان قد سافر من الأندلس إلى الديار المصرية، واشتهر ذكره بها وتميز في أيام الآمر بأحكام اللّه من الخلفاء المصريين، وكان خصيصاً بالمأمون، وهو أبو عبد اللّه محمد بن نور الدولة أبي شجاع الآمري، في مدة أيام دولته وتدبيره للملك، وكانت مدته في ذلك ثلاث سنين وتسعة أشهر لأن الآمر كان قد استوزر المأمون في الخامس من ذي الحجة سنة خمس عشرة وخمسمائة وقبض عليه ليلة السبت الرابع من شهر رمضان سنة تسع عشرة وخمسمائة وصلب بظاهر القاهرة، وكان المأمون في أيام وزارته له همة عالية، ورغبة في العلوم فكان قد أمر يوسف بن حسداي أن يشرح له كتب أبقراط إذ كانت أجل كتب هذه الصناعة وأعظمها جدوى وأكثرها غموضاً، وكان ابن حسداي قد شرع في ذلك، ووجدت له منه شرح كتاب الإيمان لأبقراط، وقد أجاد في شرحه لهذا الكتاب واستقصى ذكر معانية وتبيينها على أتم ما يكون، وأحسنه، ووجدت له أيضاً شرح بعض كتاب الفصول لأبقراط، وكان بينه وبين أبي بكر محمد بن يحيى المعروف بابن باجة صداقة فكان أبداً يراسله من القاهرة.

وكان يوسف بن أحمد بن حسداي مدمناً للشراب، وعنده دعابة ونوادر، وبلغني أنه لما أتى من الإسكندرية إلى القاهرة، كان هو وبعض الصوفية قد اصطحبا في الطريق فكانا يتحادثان ، وأنس كل واحد منهما إلى الآخر، ولما وصلا إلى القاهرة قال له الصوفي أنت أين تنزل في القاهرة حتى أكون أراك؟ فقال ما كان في خاطري أن أنزل إلا حانة الخمار وأشرب فإن كنت توافق وتأتي إلي فرأيك، فصعب قوله على الصوفي وأنكر هذا الفعل، ومشى إلى الخانكاه، ولما كان في بعض الأيام، بعد مديدة، وابن حسداي في السوق، وإذا يجمع من الناس وفي وسطهم صوفي يعزر وقد اشتهر أمره بأنه وجد سكران، ولما قرب إلى الموضع الذي فيه ابن حسداي ونظر إليه وجده ذلك الصوفي بعينه، فقال يا للّه قتلك النامس. وليوسف بن أحمد بن حسداي من الكتب الشرح المأموني لكتاب الإيمان لأبقراط المعروف بعهده إلى الأطباء، صنفه للمأمون أبي عبد اللّه محمد الأمري، شرح المقالة الأولى من كتاب الفصول لأبقراط، تعاليق وجدت بخطه كتبها عند وروده على الإسكندرية من الأندلس، فوائد مستخرجة استخرجها وهذبها من شرح علي بن رضوان لكتاب جالينوس إلى اغلوقن، من القول على أول الصناعة الصغيرة لجالينوس، كتاب الإجمال في المنطق، شرح كتاب الإجمال.

ابن سمجون

وهو أبو بكر حامد بن سمجون فاضل في صناعة الطب متميز في قوى الأدوية المفردة وأفعالها، متقن لما يجب من معرفتها، وكتابه في الأدوية المفردة مشهور بالجودة، وقد بالغ فيه وأجهد نفسه في تأليفه، واسوتفى فيه كثيراً من آراء المتقدمين في الأدوية المفردة، وقال أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم بن اليسع في كتاب المغرب عن محاسن أهل المغرب أن ابن سمجون ألف كتابه هذا في أيام المنصور الحاجب محمد ابن أبي عامر، أقول وكانت وفاة محمد بن أبي عامر في سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة،ولابن سمجون من الكتب كتاب الأدوية المفردة، كتاب الأقراباذين.