الباب الرابع عشر: طبقات الأطباء المشهورين من أطباء ديار مصر: المبشر بن فاتك، إسحاق بن يونس، علي بن رضوان، أبو البيان بن المدور، أفرائيم بن الزفان، سلامة بن رحمون، مبارك بن سلامة بن رحمون، ابن العين زربي، بلمظفر بن معرف

المبشر بن فاتك

هو الأمير محمود الدولة أبو المبشر بن فاتك الآمري من أعيان أمراء مصر وأفاضل علمائها، دائم الاشتغال، محب للفضائل، والاجتماع بأهلها ومباحثهم، والانتفاع بما يقتبسه من جهتهم وكان ممن اجتمع به منهم، وأخذ عنه كثيراً من علوم الهيئة والعلوم الرياضية أبو محمد بن الحسن بن الهيثم، وكذلك أيضاً اجتمع بالشيخ أبي الحسين المعروف بابن الآمدي، وأخذ عنه كثيراً من العلوم الحكمية، واشتغل أيضاً بصناعة الطب، ولازم أبا الحسن علي بن رضوان الطبيب.

وللمبشر بن فاتك تصانيف جليلة في المنطق وغيره من أجزاء الحكمة، وهي مشهورة فيما بين الحكماء وكان كثير الكتابة، وقد وجدت بخطه كتباً كثيرة من تصانيف المتقدمين، وكان المبشر بن فاتك قد اقتنى كتباً كثيرة جداً، وكثير منها يوجد وقد تغيرت ألوان الورق الذي له بغرق أصابه، وحدثني الشيخ سديد الدين المنطقي بمصر قال كان الأمير ابن فاتك محباً لتحصيل العلوم، وكانت له خزائن كتب، فكان في أكثر أوقاته إذا نزل من الركوب لا يفارقها، وليس له دأب إلا المطالعة والكتابة، ويرى أن ذلك أهم ما عنده، وكانت له زوجة كبيرة القدر أيضاً من أرباب الدولة فلما توفي، رحمه اللَّه، نهضت هي وجوار معها إلى خزائن كتبه، وفي قلبها من الكتب، وأنه كان يشتغل بها عنها، فجعلت تندبه، وفي أثناء ذلك ترمي الكتب في بركة ماء كبيرة في وسط الدار هي وجواريها، ثم شيلت الكتب بعد ذلك من الماء وقد غرق أكثرها، فهذا سبب أن كتب المبشر بن فاتك يوجد كثير منها وهو بهذه الحال.

أقول وكان من جملة تلاميذ المبشر بن فاتك والآخذين عنه أبو الخير سلمة بن مبارك بن رحمون، وللمبشر بن فاتك من الكتب كتاب الوصايا والأمثال والموجز من محكم الأقوال، كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم، كتاب البداية في المنطق، كتاب في الطب،

إسحاق بن يونس

كان طبيباً عالماً بالصناعة الطبية، عارفاً بالعلوم الحكمية، جيد الدربة، حسن العلاج، قرأ الحكمة على ابن السمح، وكان مقيماً بمصر.

علي بن رضوان

هو أبو الحسن بن رضوان بن علي بن جعفر، وكان مولده ومنشؤه بمصر، وبها تعلم الطب، وقد ذكر علي بن رضوان في سيرته من كيفية تعلمه صناعة الطب وأحواله ما هذا نصه، قال إنه لما كان ينبغي لكل إنسان أن ينتحل أليق الصنائع به، وأوفقها له، وكانت صناعة الطب تتاخم الفلسفة طاعة للَّه عز وجل، وكانت دلالات النجوم في مولدي تدل على أن صناعتي الطب، وأن العيش عندي في الفضيلة ألذ من كل عيش، أخذت في تعلم صناعة الطب وأنا ابن خمس عشرة سنة، والأجود أن أقتص إليك أمري كله ولدت بأرض مصر في عرض ثلاثين درجة، وطول خمس وخمسين درجة، والطالع بزيج يحيى بن أبي منصور الحمل (ه لو) وعاشرة الجدي (ه كح) ومواضع الكواكب الشمس بالدلو (اه لب) والقمر بالعقرب (ح يه) وعرضه جنوب (ح يز) وزحل بالقوس (كط) وللمشتري بالجدي (ه كح) والمريخ بالدلو (كا) (مح) والزهرة بالقوس (كد) (ك،) وعطارد بالدلو (يط،) وسهم السعادة الجدي (د) (ه) وجزء الاستقبال المتقدم بالسرطان (كب ي،)، والزهرة بالقوس (يز) (يا) والذنب بالجوزاء (يز) (ما،) والنسر الواقع يالجدي (1) (كب) والشعرى العبور بالسرطان (يب،)، فلما بلغت السنة السادسة أسلمت نفسي في التعليم، ولما بلغت السنة العاشرة انتقلت إلى المدينة العظمى وأجهدت نفسي في التعلم، ولما أقمت أربع عشرة سنة أخذت في تعلم الطب والفلسفة ولم يكن لي مال أنفق منه، فلذلك عرض لي في التعلم صعوبة ومشقة، فكنت مرة أتكسب بصناعه القضايا بالنجوم، ومرة بصناعة الطب، ومرة بالتعليم، ولم أزل كذلك وأنا في غاية الاجتهاد في التعليم، إلى السنة الثانية والثلاثين، فإني اشتهرت فيها بالطب وكفاني ما كنت أكسبه بالطب، بل وكان يفضل عني إلى وقتي هذا، وهو آخر السنة التاسعة والخمسين، وكسبت مما فضل عن نفقتي أملاكاً في هذه المدينة إن كتب اللَّه عليها السلامة وبلغني سن الشيخوخة كفاني في النفقة عليها،وكنت منذ السنة الثانية والثلاثين إلى يومي هذا أعمل تذكرة لي وأغيرها في كل سنة إلى أن قررتها على هذا التقرير الذي أستقبل به السنة الستين من ذلك، أتصرف في كل يوم في صناعتي بمقدار ما يغني، ومن الرياضة التي تحفظ صحة البدن، وأغتذي بعد الاستراحة من الرياضة غذاء أقصد به حفظ الصحة، وأجتهد في حال تصرفي في التواضع والمداراة وغياث الملهوف، وكشف كربة المكروب، وإسعاف المحتاج، وأجعل قصدي في كل ذلك الالتذاذ بالأفعال، والانفعالات الجميلة، ولا بد أن يحصل مع ذلك، كسب ما ينفق فأنفق منه على صحة بدني، وعمارة منزلي نفقة لا تبلغ التبذير، ولا تنحط إلى التقتير وتلزم الحال الوسطى بقدر ما يوجبه التعقل في كل وقت، وأتفقد آلات منزلي فما يحتاج إلى إصلاح أصلحته، وما يحتاج إلى بدل بدلته، وأعد في منزلي ما يحتاج إليه من الطعام والشراب، والعسل والزيت والحطب، وما يحتاج إليه من الثياب، فما فضل بعد ذلك له صرفته في وجوه الجميل والمنافع مثل إعطاء الأهل والإخوان والجيران، وعمارة المنزل، وما اجتمع من غلة أملاكي ادخرته لعمارتها ومرمّتها، ولوقت الحاجة إلى مثله، وإذا هممت لتجديد أمر مثل تجارة أو بناء أو غير ذلك فرضته مطلوباً، وحللته إلى موضوعاته ولوازمها، فإن وجدته من الممكن الأكثر بادرت إليه، وإن وجدته من الممكن القليل اطرحته، وأتعرف ما يمكنني تعريفه من الأمور المزمعة وآخذ له أهبته، وأجعل ثيابي مزينة بشعار الأخيار والنظافة وطيب الرائحة، وألزم الصمت وكف اللسان عن معايب الناس، وأجتهد أن لا أتكلم إلا بما ينبغي، وأتوقى الأيمان ومثالب الآراء، فأحذر العجب وحب الغلبة، وأطرح الهم الحرصي والاغتمام، وإن دهمني أمر فادح أسلمت فيه إلى اللَّه تعالى، وقابلته بما يوجبه التعقل من غير جبن ولا تهور، ومن عاملته عاملته يداً بيد، لا أسف ولا أتسلف، إلا أن أضطر لذلك، وإن طلب مني أحد سلفاً وهبت منه، ولم أرد منه عوضاً وما بقي من يومي بعد فراغي من رياضتي صرته في عبادة اللَّه سبحانه بأن أتنزه بالنظر في ملكوت السموات والأرض، وتمجيد محكمها، وأتدبر مقالة أرسطاطاليس في التدبير، وآخذ نفسي بلزوم وصاياها بالغداة والعشي، وأتفقد في وقت خلوتي ما سلف في يومي من أفعالي وانفعالاتي، فما كان خيراً أو جميلاً أو نافعاً سررت به، وما كان شراً أو قبيحاً أو ضاراً اغتممت به، ووافقت نفسي بأن لا أعود إلى مثله، وأما الأشياء التي أتنزه فيها فلأني فرضت نزهتي ذكر اللَّه عز وجل وتمجيده بالنظر في ملكوت السماء والأرض، وكان قد كتب القدماء والعارفون في ذلك كتباً كثيرة رأيت أن أقتصر منها على ما أنصه من ذلك خمسة كتب من كتب الأدب؛ وعشرة كتب من كتب الشرع؛ وكتب أبقراط وجالينوس في صناعة الطب وما جانسها مثل كتاب الحشائش لديسقوريدس، وكتب روفس، وأريباسيوس، وبولس وكتاب الحاوي للرازي؛ ومن كتب الفلاحة والصيدلة أربعة كتب؛ ومن كتب التعاليم المجسطي ومداخله، وما أنتفع به فيه والمربعة لبطلميوس؛ ومن كتب العارفين كتب أفلاطن، وأرسطوطاليس، والإسكندر، وثامطيوس، ومحمد الفارابي، وما أنتفع به فيها، وما سوى ذلك إما أبيعه بأي ثمن اتفق، وإما أن أخزنه في صناديق، وبيعه أجود من خزنه، أقول هذا جملة ما ذكره من سيرته، وإن مولده في ديار مصر بالجيزة ونشأ بمدينة مصر، وكان أبوه فراناً ولم يزل ملازماً للاشتغال والنظر في العلم إلى أن تميز وصار له الذكر الحسن والسمعة العظيمة، وخدم الحاكم وجعله رئيساً على سائر المتطببين، وكانت دار ابن رضوان بمدينة مصر في قصر الشمع، وهي الآن تعرف به، وقد تهدمت ولم يتبين إلا بقايا يسيرة من آثارها، وحدث في الزمان الذي كان فيه ابن رضوان بديار مصر الغلاء العظيم، والغلاء الفادح الذي هلك به أكثر أهلها، ونقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان أن الغلاء عرض بمصر في سنة خمس وأربعين وأربعمائة قال ونقص النيل في السنة التي تليها، وتزايد الغلاء، وتبعه وباء عظيم، واشتد وعظم في سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وحكي أن السلطان كفن من ماله ثمانين ألف نفس، وأنه فقد ثمانمائة قائد، وحصل للسلطان من المواريث مال زيل. وحدثني أبو عبد اللَّه محمد المالقي الناسخ أن ابن رضوان تغير عقله في آخر عمره، وكان السبب في ذلك أنه في ذلك الغلاء، كان قد أخذ يتيمة رباها، وكبرت عنده فلما كان في بعض الأيام خلا لها الموضع، وكان قد ادخر أشياء نفيسة، ومن الذهب نحو عشرين ألف دينار فأخذت الجميع وهربت ولم يظفر منها على خبر، ولا عرف أين توجهت فتغيرت أحواله من حينئذ.

أقول وكان ابن رضوان كثير الرد على من كان يعاصره من الأطباء وغيرهم، وكذلك على كثير ممن تقدمه، وكانت عنده سفاهة في بحثه، وتشنيع على من يريد مناقشته، وأكثر ذلك يوجد عندما كان يرد على حنين بن إسحاق، وعلى أبي الفرج بن الطيب، وكذلك أيضاً على أبي بكر محمد بن زكريا الرازي، ولم يكن لابن رضوان في صناعة الطب معلم ينسب إليه، وله كتاب في ذلك يتضمن أن تحصيل الصناعة من الكتب أوفق من المعلمين، وقد رد عليه ابن بطلان هذا الرأي وغيره في كتاب مفرد، وذكر فصلاً في العلل التي لأجلها صار المتعلم من أفواه الرجال أفضل من المتعلم من الصف إذا كان القول واحداً، وأورد عدة علل الأولى منها تجري هكذا وصول المعاني من النسيب إلي النسيب، خلاف وصولها من غير النسيب إلى النسيب، والنسيب الناطق أفهم للتعليم بالنطق وهو المعلم، وغير النسيب له جماد وهو الكتاب، وبُعد الجماد من الناطق مطيل لطريق الفهم، وقرب الناطق من الناطق مقرب للفهم، فالفهم من النسيب، وهو المعلم أقرب وأسهل من غير النسيب، وهو الكتاب.

والثانية، هكذا النفس العلامة علامة بالفعل، وصورة الفعل عنها يقال له تعليم، والتعليم والتعلم من المضاف، وكلما هو للشيء بالطبع أخص به مما ليس له بالطبع، والنفس المتعملة علامة بالقوة، وقبول العلم فيها يقال له تعلم، والمضافان معاً بالطبع، فالتعليم من المعلم أخص بالمتعلم من الكتب.

والثالثة، على هذه الصورة المتعلم إذا استعجم عليه ما يفهمه المعلم من لفظ نقله إلى لفظ آخر، والكتاب لا ينقل من لفظ إلى لفظ، فالفهم من المعلم أصلح للمتعلم من الكتاب، وكل ما هو بهذه الصفة فهو في إيصال العلم أصل للمتعلم.

والرابعة العلم موضوعه اللفظ، واللفظ على ثلاثة أضرب قريب من العقل، وهو الذي صاغه العقل مثالاً لما عده من المعاني؛ ومتوسط، ومتوسط، وهو المتلفظ به بالصوت، وهو مثال لما صاغه العقل؛ وبعيد، وهو المثبت في الكتب، وهو مثال ما خرج باللفظ، فالكتاب مثال مثال مثال المعاني التي في العقل، والمثال الأول لا يقوم مقام المثل لعوز المثل، فما ظنك بمثال مثال مثال المثل، فالمثال الأول لما عند العقل أقرب في الفهم من مثال المثال، والمثال الأول هو اللفظ، والثاني هو الكتاب، وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من لفظ المعلم أسهل وأقرب من لفظ الكتاب.

والخامسة وصول اللفظ الدال على المعنى إلى العقل يكون من جهة حاسة غريبة من اللفظ، وهي البصر، لأن الحاسة النسبية للفظ هي السمع لأنه تصويت، والشيء الواصل من النسيب، وهو اللفظ، أقرب من وصوله من الغريب، وهو الكتابة، فالفهم من المعلم باللفظ أسهل من الكتاب بالخط.

والسادسة هكذا يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم قد عدمت في تعليم المعلم، وهي التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ، والغلط بزوغان البصر وقلة الخبرة بالإعراب، أو عدم وجوده مع الخبرة به، أو فساد الموجود منه، واصطلاح الكتاب ما لا يقرأ وقراءة ما لا يكتب، ونحو التعليم ونمط الكلام ومذهب صاحب الكتاب، وسقم النسخ ورداءة النقل، وادماج القارئ مواضع المقاطع، وخلط مبادئ التعاليم، وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة، وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة كالثوروس وهذه كلها معوقة عن العلم، وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم، وإذا كان الأمر على هذا فالقراءة على العلماء أفضل وأجدى من قراءة الإنسان لنفسه، وهو ما أردنا بيانه. قال وأنا آتيك ببيان سابع أظنه مصدقاً عندك، وهو ما قاله المفسرون في الاعتياض عن السالبة البسيطة بالموجبة المعدولة، فإنهم مجمعون على أن هذا الفصل لو لم يسمعه من أرسطوطاليس تلميذه تاؤفرسطس وأوذيموس، لما فهم قط من كتاب، وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من المعلم أفضل من الفهم من الكتاب، وبحسب هذا يجب على كل محب للعلم أن لا يقطع بظن فربما خفي الصواب، وإذا خفي الصواب، عَلم الأشياء علماًردياً، فثار عليه بحسب اعتقاده في الحق أنه مَحال شكوك يعسر حلّها، وكانت وفاة علي بن رضوان، رحمه اللَّه، في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة بمصر، وذلك في خلافة المستنصر باللَّه أبي تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين اللَّه الحاكم، ومن كلام علي بن رضوان قال إذا كانت للإنسان صناعة ترتاض بها أعضاؤه، ويمدحه بها الناس، ويكسب بها كفايته في بعض يومه، فأفضل ما ينبغي له في باقي يومه أن يصرفه في طاعة ربه، وأفضل الطاعات النظر في الملكوت، وتمجيد المالك لها سبحانه، ومن رزق ذلك فقد رزق خير الدنيا والآخرة، وطوبى له وحسن مآب، ومن كلامه نقلته من خطه قال الطبيب على رأي بقراط هو الذي اجتمعت فيه سبع خصال الأولى أن يكون تام الخلق، صحيح الأعضاء، حسن الذكاء، جيد الروية، عاقلاً، ذكوراً، خير الطبع.

الثانية أن يكون حسن الملبس، طيب الرائحة، نظيف البدن والثوب.

الثالثة أن يكون كتوماً لأسرار المرضى لا يبوح بشيء من أمراضهم.

الرابعة أن تكون رغبته في إبراء المرضى أكثر من رغبته فيما يلتمسه من الأجرة، ورغبته في علاج الفقراء أكثر من رغبته في علاج الأغنياء.

الخامسة أن يكون حريصاً على التعليم والمبالغة في منافع الناس.

السادسة أن يكون سليم القلب، عفيف النظر، صادق اللهجة، لا يخطر بباله شيء من أمور النساء والأموال التي شاهدها في منازل الأعلاء فضلاً عن أن يتعرض إلى شيء منها.

السابعة أن يكون مأموناً ثقة على الأرواح والأموال، لا يصف دواء قتالاً ولا يعلمه، ولا دواء يسقط الأجنة، يعالج عدوه بنية صادقة كما يعالج حبيبه.

وقال المعلم لصناعة الطب هو الذي اجتمعت فيه الخصال بعد استكماله صناعة الطب، والمتعلم هو الذي فراسته تدل على أنه ذو طبع خير، ونفس ذكية، وأن يكون حريصاً على التعليم، ذكياً، ذكوراً لما قد تعلمه.

وقال البدن السليم من العيوب هو البدن الصحيح الذي كل واحد من أعضائه باق على فضيلته، أعني أن يكون يفعل فعله الخاص على ما ينبغي.

وقال تعرُّف العيوب هو أن تنظر إلى هيئة الأعضاء والسحنة والمزاج وملمس البشرة، وتتفقد أفعال الأعضاء الباطنة والظاهرة، مثل أن تنادي به من بعيد فتعتبر بذلك حال سمعه، وأن تعتبر بصره بنظر الأشياء البعيدة والقريبة، ولسانه بجودة الكلام، وقوته بشيل الثقل والمسك والضبط والمشي وأنحاء ذلك، مثل أن تنظر مشيه مقبلاً ومدبراً؛ ويؤمر بالاستلقاء على ظهره ممدود اليدين قد نصب رجليه وصفهما، وتعتبر بذلك حال أحشائه؛ وتتعرف حال مزاج قلبه بالنبض وبالأخلاق، ومزاج كبده بالبول وحال الأخلاط؛ وتعتبر عقله بأن يسأل عن أشياء، وفهمه وطاعته بأن يؤمر بأشياء، وأخلاقه إلى ما تميل بأن تعتبر كل واحد منها بما يحركه أو يسكنه، وعلى هذا المثال أجر الحال في تفقد كل واحد من الأعضاء والأخلاق، أما فيما يمكن ظهوره للحس فلا تقنع فيه حتى تشاهده بالحس، وأما فيما يتعرف بالاستدلال فاستدل عليه بالعلامات الخاصة، وأما فيما يتعرف بالمسألة فابحث عنه بالمسألة، حتى تعتبر كل واحد من العيوب فتعرف هل هو عيب حاضر أو كان أو متوقع، أم الحال حال صحة وسلامة.

ومن كلامه قال إذا دعيت إلى مريض فأعطه ما لا يضره إلى أن تعرف علته فتعالجها عند ذلك، ومعنى معرفة المرض هو أن تعرف من أي خلط حدث أولاً، ثم تعرف بعد ذلك في أي عضو هو، وعند ذلك تعالجه. ولعلي بن رضوان من الكتب شرح كتاب العرق لجالينوس، وفرغ من شرحه له في يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي الحجة سة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، شرح كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس، شرح كتاب النبض الصغير لجالينوس، شرح كتاب جالينوس إلى أغلوقن في التأني لشفاء الأمراض، شرح المقالة الأولى في خمس مقالات، وشرح المقالة الثانية في مقالتين، شرح كتاب الأسطقسات لجالينوس، شرح بعض كتاب المزاج لجالينوس، ولم يشرح من الكتب الستة عشر لجالينوس سوى ما ذكرت، كتاب الأصول في الطب، أربع مقالات، كناش، رسالة في علاج الجذام، كتاب تتبع مسائل حنين، مقالتان، كتاب النافع في كيفية تعليم صناعة الطب، ثلاث مقالات، مقالة في أن جالينوس لم يغلط في أقاويله في اللبن على ما ظنه قوم، مقالة في دفع المضارعن الأبدان بمصر، مقالة في سيرته، مقالة في الشعير وما يعمل منه، ألفها لأبي زكريايهوذا بن سعادة الطبيب، جوابه لمسائل في لبن الأتن، سأله إياها يهوذا بن سعادة، تعاليق طبية، تعاليق نقلها في صيدلة الطب، مقالة في مذهب أبقراط في تعليم الطب، كتاب في أن أفضل أحوال عبد اللَّه بن الطيب الحالي السوفسطائية، وهو خمس مقالات، كتاب في أن الأشخاص كل واحد من الأنواع المتناسلة أب أول، منه تناسلت الأشخاص على مذهب الفلسفة، تفسير مقالة الحكيم فيثاغورس في الفضيلة، مقالة في الرد على إفرائيم وابن زرعة في الاختلاف في الملل، انتزاعات شروح جالينوس لكتب أبقراط، كتاب الانتصار لأرسطوطاليس، وهو كتاب التوسط بينه وبين خصومه المناقضين له في السماع الطبيعي، تسع وثلاثون مقالة.

تفسير ناموس الطب لأبقراط، تفسير وصيةأبقراط المعروفة بترتيب الطب، كلام في الأدوية المسهلة، كتاب في عمل الأشربة والمعاجين، تعليق من كتاب التميمي في الأغذية والأدوية، تعليق من كتاب فوسيدونيوس في أشربة لذيذة للأصحاء، فوائد علقها من كتاب فيلغريوس في الأشربة النافعة اللذيذة في أوقات الأمراض، مقالة في الباه مقالة في أن كل واحد من الأعضاء يغتذي من الخلط المشاكل له، مقالة في الطريق إلى إحصاء عدد الحميات، فصل من كلامه في القوى الطبيعية، جواب مسائل في النبض وصل إليه السؤال عنها من الشام، رسالة في أجوبة مسائل سأل عنها الشيخ أبو الطيب أزهر بن النعمان في الأورام، رسالة في علاج صبي أصابه المرض المسمى بداء الفيل وداء الأسد، نسخة الدستور الذي أنفذه أبو العسكر الحسين بن معدان ملك مكران في حال علة الفالج في شقة الأيسر، وجواب ابن رضوان له، فوائد علقها من كتاب حيلة البرء لجالينوس، فوائد علقها من كتاب تدبير الصحة لجالينوس، فوائد علقها من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس، فوائد علقها من كتاب تدبير الصحة لجالينيوس، فوائد علقها من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس، فوائد علقها من كتاب الميامر لجالينوس، فوائد علقها من كتاب قاطاجانس لجالينوس، فوائد علقها في الأخلاط من كتب عدة لأبقراط وجالينوس. كتاب في حل شكوك الرازي على كتب جالينوس، سبع مقالات، مقالة في حفظ الصحة، مقالة في أدوار الحميات، مقالة في التنفس الشديد، وهو ضيق النفس، رسالة كتب بها إلى أبي زكريا يهوذا بن سعادة في النظام الذي استعمله جالينوس في تحليل الحد في كتابه المسمى الصناعة الصغيرة، مقالة في نقض مقالة ابن بطلان في الفرخ والفروج، مقالة في الفأر، مقالة فيما أورده ابن بطلان من التحييرات، مقالة في أن ما جهله يقين وحكمة، وما علمه ابن بطلان غلط وسفسطة، مقالة في أن ابن بطلان لا يعلم كلام نفسه فضلاً عن كلام غيره،رسالة إلى أطباء مصر والقاهرة في خبر ابن بطلان، قول له في جملة الرد عليه، كتاب في مسائل جرت بينه وبين ابن الهيثم في المجرة والمكان، أخرجه لحواشي كامل الصناعة الطبية الموجود منه بعض الأولى، رسالة في أزمنة الأمراض، مقالة في التطرق بالطب إلى السعادة، مقالة في أسباب مدد حميات الأخلاط وقرائنها، جوابه عما شرح له من حال عليل به علة الفالج في شقه الأيسر، مقالة في الأورام، كتاب في الأدوية المفردة على حروف المعجم، اثنتا عشرة مقالة الموجود منه إلى بعض السادسة، مقالة في شرف الطب، رسالة في الكون والفساد، مقالة في سبيل السعادة وهي السيرة التي اختارها لنفسه، رسالة في بقاء النفس بعد الموت، مقالة في فضيلة الفلسفة، مقالة في بناء النفس على رأي أفلاطون وأرسطوطاليس، أجوبته لمسائل منطقية من كتاب القياس، مقالة في حل شكوك يحيى بن عدي المسماة بالمحراسات، مقالة في الحر، مقالة في بعث نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والفلسفة، مقالة في أن الوجود نقط وخطوط طبيعية، مقالة في حدث العالم، مقالة في التنبيه على حيل من ينتحل صناعة القضايا بالنجوم وتشرف أهلها، مقالة في خلط الضروري والوجودي، مقالة في اكتساب الحلال من المال، مقالة في الفرق بين الفاضل من الناس والسديد والعطب، مقالة في كل السياسة، رسالة في السعادة، مقالة في اعتذاره عما ناقض به المحدثين، مقالة في توحيد الفلاسفة وعبادتهم، كتاب في الرد على الرازي في العلم الإلهي وإثبات الرسل، كتاب المستعمل من المنطق في العلوم والصنائع، ثلاث مقالات، رسالة صغرى في الهيولي، صنفها لأبي سليمان بن بابشاد، تذكرتاه المسماة بالكمال الكامل والسعادة القصوى غير كاملة، تعاليقه لفوائد كتب أفلاطون المساجرة لهوية طبيعة الإنسان، تعاليق فوائد مدخل فرفوريوس، تهذيب كتاب الحابس في رياسة الثنا الموجود منه بعض لا كل، تعاليق في أن خط الاستواء بالطبع أظلم ليلاً، وأن جوهره بالعرض أظلم ليلاً، كتاب فيما ينبغي أن يكون في حانوت الطبيب، أربع مقالات، مقالة في هواء مصر، مقالة في مزاج السكر، مقالة في التنبيه على ما في كلام ابن بطلان من الهذيان، رسالة في دفع مضار الحلوى بالمحرور.

أفرائيم بن الزفان

هو ابو كثير أفرائيم بن الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب، إسرائيلي المذهب وهو من الأطباء المشهورين بديار مصر، وخدم الخلفاء الذين كان في زمانهم وحصل من جهتهم من الأموال والنعم شيئاً كثيراً جداً، وكان قد قرأ صناعة الطب على أبي الحسن علي بن رضوان وهو من أجل تلامذته، وكانت له همة عالية في تحصيل الكتب، وفي استنساخها حتى كانت عنده خزائن كثيرة من الكتب الطبية وغيرها، وكان أبداً عنده النساخ يكتبون ولهم ما يقوم بكفايتهم منه، ومن جملتهم محمد بن سعيد بن هشام الحجري، وهو المعروف بابن ملساقه ووجدت بخط هذا عدة كتب قد كتبها لأفرائيم، وعليها خط أفرائيم، وحدثني أبي أن رجلاً من العراق كان قد أتى إلى الديار المصرية ليشتري كتباً ويتوجه بها وأنه اجتمع مع أفرائيم، واتفق الحال فيما بينهما أن باعه أفرائيم من الكتب التي عنده عشرة آلاف مجلد، وكان ذلك في أيام ولاية الأفضل بن أمير الجيوش، فلما سمع بذلك أراد أن تلك الكتب تبقى في المصرية، ولا تنتقل إلى موضع آخر فبعث إلى أفرائيم من عنده بجملة المال الذي كان قد اتفق تثمينه بين أفرائيم والعراقي، ونقلت الكتب إلى خزانة الأفضل وكتبت عليها ألقابه، ولهذا إنني قد وجدت كتباً كثيرة من الكتب الطبية وغيرها عليها اسم أفرائيم، وألقاب الأفضل أيضاً، وخلف أفرائيم من الكتب ما يزيد على عشرين ألف مجلد، ومن الأموال النعم شيئاً كثيراً جداً. ولأفرائيم بن الزفان من الكتب تعاليق ومجريات جعلها على جهة الكناش، ووجدت هذا الكتاب بخطه، وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها، وقد ذكر في أوله ما هذا نصه قال أقول وأنا أفرائيم إنني جعلت هذا الكتاب تذكرة على طريق المجموع، لا على جهة التصنيف احتياطاً على من يعالج من السهو، كتاب التذكرة الطبية في مصلحة الأحوال البدنية، ألفها لنصير الدولة أبي علي الحسين بن أبي علي الحسن بن حمدان، لما أراد الانفصال عن مصر، والتوجه إلى ثغر الإسكندرية والبحيرة وتلك الأعمال، مقالة في التقرير القياسي على أن البلغم يكثر تولده في الصيف، والدم والمرار الأصفر في الشتاء.

سلامة بن رحمون

هو أبو الخير سلامة بن مبارك بن رحمون بن موسى، من أطباء مصر وفضائلها، وكان يهودياً وله أعمال حسنة في صناعة الطب، واطلاع على كتب جالينوس والبحث عن غوامضها، وكان قد قرأ صناعة الطب أفرائيم، واشتغل بها عليه مدة، وكان لابن رحمون أيضاً اشتغال جيد بالمنطق والعلوم الحكمية، وله تصانيف في ذلك، وكان شيخه الذي اشتغل عليه بهذا الفن الأمير أبو الوفاء محمود الدولة المبشر بن فاتك، ولما وصل أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي من المغرب إلى الديار المصرية اجتمع بسلامة بن رحمون وجرت بينهما مباحث ومشاغبات، وقدذكره ابن أبي الصلت في رسالته المصرية عندما ذكر من رآه من أطباء مصر قال وأشبه من رأيته منهم وأدخلهم في عدد الأطباء رجل من اليهود يدعي أبا الخير سلامة بن رحمون فإنه لقي أبا الوفاء المبشر بن فاتك، فأخذ عنه شيئاً من صناعة المنطق تخصص به وتميز عن أضرابه، وأدرك أبا كثير بن الزفان تلميذ أبي الحسن بن رضوان فقرأ عليه بعض كتب جالينوس، ثم نصب نفسه لتدريس جميع كتب المنطق وجميع كتب الفلسفة الطبيعية والهيئة، وشرح بزعمه وفسر ولخص ولم يكن هناك في تحصيله وتحقيقه واستقصائه عن لطيف العلم ودقيقه، بل كان يكثر كلامه فيضل، ويسرع جوابه فيزل، ولقد سألته أول لقائي له واجتماعي به عن مسائل استفتحت مباحثه بها مما يمكن أن يفهمها من لم يكن يمتد في العلم باعه، ولم يكثر تبحره واتساعه، فأجاب عنها بما أبان عن تقصيره ونطق بعجزه، وأعرب عن سوء تصوره وفهمه، وكان مثله في عظم دواعيه وقصوره عن أيسر ماهو متعاطيه كقول الشاعر

يشمر للـج عـن سـاقـه

 

ويغمره الموج في الساحل

تمنيتـم مـائتـي فـارس

 

فردَّكـم فـارس واحـد

قال أبو الصلت وكان طبيب من أهل إنطاكية يسمى بجرجس، ويلقب بالفيلسوف على نحو ما قيل في الغرب أبو البيضاء، وفي اللديغ سليم قد تفرغ للتولع بابن رحمون والإزراء عليه، وكان يزور فصولاً طبية وفلسفية، يقررها في معارض ألفاظ القوم، وهي محال لا معنى لها وفارغة لا فائدة فيها، ثم إنه ينفذها إلى من يسأله عن معانيها، ويستوضحه أغراضها، فيتكلم عليها ويشرحها بزعمه دون تيقظ ولا تحفظ، بل باسترسال واستعجال وقلة اكتراث واهتبال، فيوجد فيها عنه ما يضحك منه، وأنشدت لجرجس هذا فيه وهو أحسن ما سمعته في هجو طبيب مشؤوم، وأنا متهم له فيه

إن أبا الخير على جهلـه

 

يخف في كفته الفاضـل

عليله المسكين من شؤمه

 

في بحر هلك ماله ساحل

ثلاثة تدخل فـي دفـعة

 

طلعته والنعش والغاسل

ولبعضهم

لأبي الخير في العلا

 

ج يد ما تقـصـر

كل من يستطـبـه

 

بعد يومين يقـبـر

والذي غاب عنكـم

 

وشهدنـاه أكـثـر

وله

جنون أبي الخير الجنون بـعـينـه

 

وكل جنون عنده غـاية الـعـقـل

خذوه فغـلـوه، فـشـدو وثـاقـه

 

فما عاقل من يستهين بـمـخـتـل

وقد كان يؤذي الناس بالقول وحـده

 

فقد صار يؤذي الناس بالقول والفعل

ولسلامة بن رحمون من الكتب كتاب نظام الموجودات، مقالة في السبب الموجب لقلة المطر بمصر، مقالة في العلم الإلهي، مقالة في خصب أبدان النساء بمصر عند تناهي الشباب.

مبارك بن سلامة بن رحمون

هو مبارك بن أبي الخير سلامة بن مبارك بن رحمون، مولده ومنشؤه بمصر، وكان أيضاً طبيباً فاضلاً ولمبارك بن سلامة بن رحمون من الكتب مقالة في الجمرة المسماة بالشقفة والخزفة مختصرة.

ابن العين زربي

هو الشيخ موفق الدين أبو نصر عدنان بن نصر بن منصور من أهل عين زربة، وأقام ببغداد مدة، واشتغل بصناعة الطب بالعلوم الحكمية ومهر فيها، وخصوصاً في علم النجوم، ثم بعد ذلك انتقل من بغداد إلى الديار المصرية إلى حين وفاته وخدم الخلفاء المصريين، حظي في أيامهم، وتميز في دولتهم وكان من أجل المشايخ، وأكثرهم علماً في صناعة الطب، وكانت له فراسة حسنة وإنذارات صائبة في معالجته، وصنف بديار مصر كتباً كثيرة في صناعة الطب، وفي المنطق وفي غير ذلك من العلوم، وكانت له تلاميذ عدة يشتغلون عليه، وكل منهم تميز وبرع في الصناعة وكان ابن العين زربي في أول أمره إنما يتكسب بالتنجيم.

وحدثني أبي قال حكى لي سبط الشيخ أبي نصر عدنان بن العين زربي أن سبب اشتهار جده في الديار المصرية، واتصاله بالخلفاء أنه ورد من بغداد رسول إلى ديار مصر، وكان يعرف ابن العين زربي ببغداد وما هو عليه من الفضل والتحصيل والإتقان لكثير من العلوم، فلما كان ماراً في بعض الطرق بالقاهرة، وإذا به قد وجد ابن العين زربي جالساً وهو يتكسب بالتنجيم فعرفه وسلم عليه، وبقي متعجباً من كثرة تحصيله للعلوم، وكونه متميزاً في علم صناعة الطب، وهو على تلك الحال، وبقي في خاطره ذلك، فلما اجتمع بالوزير وتحدثا أجرى ذكر ابن العين زربي، وما هو عليه من العلم والفضل والتقدم في صناعة الطب وغيرها، وكونهم لم يعرفوا قدره ولا انتهى إليهم أمره، وإن الواجب في مثل هذا لا يهمل، فاشتاق الوزير إلى رؤيته، والاجتماع بمشاهدته، فاستحضر، وسمع كلامه فأعجب به، واستحسن مما سمعه منه، وتحقق فضله ومنزلته في العلم، وأنهى أمره إلى الخليفة فأطلق له ما يليق بمثله، ولم تزل أنعامهم تصل إليه ومواهبهم تتوالى عليه.

أقول وكان ابن العين زربي خبيراً بالعربية، جيد الدراية لها، حسن الخط، وقد رأيت كتباً عدة في الطب وفي غيره بخطه، هي في نهاية الحسن والجودة ولزم الطريقة المنسوبة، وكان أيضاً يشعر وله شعر جيد، وتوفي رحمه اللَّه في ثمان وأربعين وخمسمائة بالقاهرة، وذلك في دولة الظافر بأمر اللَّه.

ولابن العين زربي من الكتب كتاب الكافي في الطب، وصنفه في سنة عشر وخمسمائة بمصر وكمل في السادس والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وأربعين وخمسمائة، شرح كتاب الصناعة الصغيرة لجالينوس، الرسالة المقتنعة في المنطق ألفها من كلام أبي نصر الفارابي والرئيس بن سينا، مجربات في الطب على جهة الكناش جمعها ورتبها ظافر بن تميم بمصر بعد وفاة ابن العين زربي، رسالة في السياسة، رسالة في تعذر وجود الطبيب الفاضل ونفاق الجاهل، مقالة في الحصى وعلاجه.

بلمظفر بن معرف

هو بلمظفر نصر بن محمود بن المعرف، كان ذكياً فطناً، كثير الاجتهاد والعناية والحصر في العلوم الحكمية، وله نظر أيضاً في صناعة الطب والأدب ويشعر، وكان قد اشتغل على ابن العين زربي ولازمه مدة وقرأ عليه كثيراً من العلوم الحكمية وغيرها، ورأيت خطه في آخر تفسير الإسكندر لكتاب الكون والفساد لأرسطوطاليس، وهو يقول إنه قرأه عليه، وأتقن قراءته، وتاريخ كتابته لذلك في شعبان سة أربع وثلاثين وخمسمائة، وكان بلمظفر حسن الخط، جيد العبارة، وكان مغرى بصناعة الكيمياء ، والنظر فيها، والاجتماع بأهلها، وكتب بخطه من الكتب التي صنفت فيها شيئاً كثيراً جداً، وكذلك أيضاً كتب كثيراً من الكتب الطبية والحكمية، وكانت له همة عالة في تحصيل الكتب وقراءتها.

وحدثني الشيخ سديد الدين المنطقي عنه أنه كان في داره مجلس كبير مشحون بالكتب على رفوف فيه، وأن بلمظفر لم يزل في معظم أوقاته في ذلك المجلس مشتغلاً في الكتب وفي القراءة والنسخ.

أقول ومن أعجب شيء منه أنه كان قد ملك ألوفاً كثيرة من الكتب في كل فن، وأن جميع كتبه لا يوجد شيء منها إلا وقد كتب على ظهره ملحاً ونوادر مما يتعلق بالعلم الذي قد صنف ذلك الكتاب فيه، وقد رأيت كتباً كثيرة من كتب الطب وغيرها من الكتب الحكمية كانت لأبي المظفر وعليها اسمه، وما منها شيء إلا وعليه تعاليق مستحسنة، وفوائد متفرقة من يجانس ذلك الكتاب. ومن شعر بلمظفر بن معرف

وقالوا الطبيعة مبـدأ الـكـيان

 

فيا ليت شعري ما هي الطبيعة؟

أقادرة طبـعـت نـفـسـهـا

 

على ذاك أم ليس بالمستطـيعة؟

وقال أيضاً

وقالوا الطبيعة معلومنـا

 

ونحن نبين ما حـدهـا

ولم يعرفوا الآن ما قبلها

 

فكيف يرومون ما بعدها

ولبلمظفر بن معرف من الكتب تعاليق في الكيمياء، كتاب في علم النجوم، مختارات في الطب.

الشيخ السديد رئيس الطب هو القاضي الأجل السديد أبو المنصور عبد اللَّه بن الشيخ السديد أبي الحسن علي، وكان لقب القاضي أبي المنصور شرف الدين، وإنما غلب عليه لقب أبيه وعرف به وصار له علماً بأن يقال الشيخ السديد، وكان عالماً بصناعة الطب خبيراً بأصولها وفروعها، وجيد المعالجة، كثير الدربة، حسن الأعمال باليد، وخدم الخلفاء المصريين وحظي في أيامهم، ونال من جهتهم من الأموال الوافرة، والنعم الجسيمة، ما لم ينله غيره من سائر الأطباء الذين كانوا في زمانه، ولا قريباً منه، وكانت له عندهم المنزلة العليا والجاه الذي لا مزيد عليه، وعمّر عمراً طويلاً، وكان من بيتوتة صناعة الطب، وكان أبوه أيضاً طبيباً للخلفاء المصريين مشهوراً في أيامهم.

حدثني القاضي نفيس الدين بن الزبير، وكان قد لحق الشيخ السديد وقرأ عليه صناعة الطب، قال قال لي الشيخ السديد رئيس الطب إن أول من مثلت بين يديه من الخلفاء وأنعم علي الآمر بأحكام اللَّه ، وذلك أن أبي كان طبيباً في خدمته، وكان مكيناً عنده، رفيع المنزلة في أيامه قال وكنت صبياً في ذلك الوقت فكان أبي يهب لي في كل يوم دراهم، وأجلس عند باب الدار التي لنا، وأقصد جماعة في كل نهار، حتى تمرنت وصرت لي دربة جيدة في الفصد، وكنت قد شدوت شيئاً من صناعة الطب، فذكرني أبي عند الآمر وأخبره بما أنا عليه وأنني أعرف صناعة الفصد، ولي درجة جيدة بها، فاستدعاني، فتوجهت إليه وأنا بحالة جميلة من الملبوس الفاخر والمركوب الفاره المتحلي بمثل الطوق الذهب وغيره، وإنني لما دخلت إليه القصر مشيت مع أبي حتى صرنا بين يديه فقبلت الأرض وخدمت، فقال لي افصد هذا الأستاذ وكان واقفاً بين يديه، فقلت السمع والطاعة، ثم جيء بطشت فضة وشددت عضده، وكانت له عروق بينة الظهور ففصدته وربطت موضع الفصادة، فقال لي أحسنت وأمر لي بإنعام كثيرة وخلع فاخرة وصرت من ذلك الوقت متردداً إلى القصر، وملازماً للخدمة، وأطلق لي من الجاري ما يقوم بكفايتي على أفضل الأحوال التي أؤملها، وتواترت علي من الهبات والإطلاقات الشيء الكثير.

وحدثني أسعد الدين عبد العزيز بن أبي الحسن إن الشيخ السديد حصل له في يوم واحد من الخلفاء في بعض معالجاته لأحدهم ثلاثون ألف دينار، وقال لي القاضي نفيس الدين بن الزبير عنه أنه لما طهر ولَدَي الحافظ لدين اللَّه، حصل له في ذلك الوقت من المال نحو خمسين ألف دينار وأكثر من ذلك، سوى ما كان في المجلس من أواني الذهب والفضة فإنها وهبت جميعها له وكانت له همة عالية وإنعام عام،حدثني الشيخ رضي الدين الرحبي قال لما وصل المهذب بن النقاش إلى الشام من بغداد، وكان فاضلاً في صناعة الطب، أقام بدمشق مدة، ولم يحصل له بها ما يقوم بكفايته، وسمع بالديار المصرية وإنعام الخلفاء فيها وكرمهم وإحسانهم إلى من يقصدهم ولا سيما من أرباب العلم والفضل وتاقت نفسه إلى السفر، وتوجهت أمانيه إلى الديار المصرية، فلما وصلها أقام بها أياماً، وكان قد سمع بالشيخ السديد طبيب الخلفاء، وما هو عليه من الأفضال وسعة الحال، والأخلاق الجميلة والمروءة العزيزة، فمشى إلى داره وسلم عليه، وعرفه بصناعته، وأنه إنما أتى قاصداً إليه، ومفوضاً كل أموره لديه ومغترفاً من بحر علمه، ومعترفاً بأن مهما يصله من جهة الخلفاء فإنما هو من بره، ويكون معتداً له بذلك في سائر عمره، فتلقاه الشيخ السديد بما يليق بمثله وأكرمه غاية الإكرام، ثم بعد ذلك قال له وكم تؤثر أن يطلق لك من الجامكية إذا كنت مقيماً بالقاهرة؟ فقال يا مولانا يكفيني مهما تراه وما تأمر به، فقال له قل بالجملة، فقال واللَّه إن أطلق لي في كل شهر من الجاري عشرة دنانير مصرية فإني أراها خيراً كثيراً، فقال له لا، هذا القدر ما يقوم بكفايتك على ما ينبغي وأنا أقول لوكيلي أن يوصلك في كل شهر خمسة عشر ديناراً مصرية وقاعة قريبة مني تسكنها، وهي بجميع فرشها وطرحها، وجارية حسناء تكون لك، ثم أخرج له بعد ذلك خلعة فاخرة ألبسه إياها وأمر الغلام أن يأتي له ببغلة من أجود دوابه فقدمها له، ثم قال له هذا الجاري يصلك في كل شهر وجميع ما تحتاج إليه من الكتب وغيرها فهو يأتيك على ما تختاره، وأريد منك أننا لا نخلو من الاجتماع والإنس وأنك لا تتطاول إلى شيء آخر من جهة الخلفاء، ولا تتردد إلى أحد من أرباب الدولة، فقبل ذلك منه، ولم يزل ابن النقاش مقيماً في القاهرة على هذا الحال، إلى أن رجع إلى الشام، وأقام بدمشق إلى حين وفاته.

أقول وكان الشيخ السديد قد قرأ صناعة الطب واشتغل على أبي نصر عدنان بن العين زربي، ولم يزل الشيخ السديد مبجلاً عند الخلفاء، وأحواله تنمى، وحرمته عندهم تتزايد من حين الآمر بأحكام اللَّه إلى آخر أيام العاضد باللَّه، وذلك أنه كان وهو صبي مع أبيه في خدمة الآمر بأحكام اللّه، وهو أبو المنصور بن أبي القاسم أحمد المستعلي باللَّه بن المستنصر، إلى أن استشهد الآمر في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة من سنة أربع وعشرين وخمسائة بالجزيرة، وكانت مدة خلافته ثمانية وعشرين سنة وتسعة أشهر وأيام،، ثم بقي في خدمة الحافظ لدين اللَّه، وهو أبو الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم محمد بن الإمام المستنصر باللَّه وبويع للحافظ يوم استشهاد الآخر، ولم يزل في خدمة الحافظ إلى أن انتقل في اليوم الخامس من جمادى الآخرة من سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ثم خدم بعده للظافر بأمر اللَّه وهو أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين اللَّه وبويع له في ليلة صباحها الخامس من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة عند انتقال والده، ولم يزل في خدمته إلى أن استشهد الظافر بأمر اللَّه وذلك في التاسع والعشرين من المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة. ثم بعد ذلك خدم الفائز بنصر اللَّه، وهو أبو القاسم عيسى بن الظافر بأمر اللَّه، وبويع له في الثلاثين من المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة، ولم يزل في خدمته إلى أن انتقل الفائز بنصر اللَّه في سنة وخمسمائة، ثم خدم بعده العاضد لدين اللَّه وهو أبو محمد عبد اللَّه بن المولى بن أبي الحجاج يوسف بن الإمام الحافظ لدين اللَّه، ولم يزل في خدمة العاضد لدين اللَّه إلى أن انتقل في التاسع من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة، وهو آخر الخلفاء المصريين، وخدمهم ونال في أيامهم من العطايا السنية والمنن الوافرة خمس خلفاء الآمر والحافظ والظافر والفائز والعاضد،ثم لما استبد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالملك في القاهرة، واستولى على الدولة كان يفتقد الشيخ السديد بالإنعام الكثير، والهبات المتواترة، والجامكية السنية مدة مقامه بالقاهرة إلى أن توجه إلى الشام وكان يستطبه ويعمل على وصفاته وما يشير به أكثر من بقية الأطباء ولم يزل الشيخ السديد رئيساً على سائر المتطببين إلى حين وفاته، وكان يسكن في القاهرة عند باب زويلة في دار قد اعتني بها وبولغ في تحسينها، وجرت عليه في أواخر عمره محنة، وذلك أن داره قد احترقت وذهب له فيها من الأثاث والآلات والأمتعة شيء كثير جداً، ولما تهدم بعضها من النار وقعت براني كبار وخوابي ممتلئة من الذهب المصري، وتكسرت وتناثر فيها بعد الحريق والهدم منها الذهب إلى كل ناحية، وشاهد الناس وبعضه قد انسبك من النار وكان مقدار ذلك الوفاً كثيرة جداً.

وحدثني القاضي نفيس الدين بن الزبير إن الشيخ السديد كان قد رأى في منامه قبل ذلك بقليل أن داره التي هي ساكنها قد احترقت فاشتغل سره بذلك وعزم على الانتقال منها، ثم إنه شرع في بناء دار قريبة منها، وحث الصناع في بنائها، وعند كمالها حيث لم يبق منها إلا مجلس واحد وينتقل إليها احترقت داره التي كان ساكنها، وذلك في السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وخمسمائة، والدار التي عمرها قريباً منها هي التي صارت بعده للصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وهي التي تعرف به الآن.

ونقلت من خط فخر الكتاب حسن بن علي بن إبراهيم الجويني الكاتب في الشيخ السديد عن حريق داره وذهاب منفوساته يعزيه، وكان صديقاً له وبينهما أنس ومودة،

أيا من حق نعـمـتـه قـديم

 

على المرؤوس منا والرئيس

فكم عاف أعدت له العوافـي

 

وكم عنا نضوت لباس بـوس

ويا من نفسه أعلـى مـحـلاً

 

من المنفوس يعدم والنفـيس

جرعت مرارة أحلى مـذاقـاً

 

لمثلك من كميت خـنـدريس

فعاين ما عراك بنور تـقـوى

 

خلائقك التي هي كالشمـوس

مصابك بالذي أضحى ثـوابـاً

 

يريك البشر في اليوم العبوس

عطاء اللَّه يوم العرض يسمو

 

مماثلة عن العرض الخسيس

هموم الخلق في الدنيا شـراب

 

يدور عليهم مثل الـكـؤوس

تروم الروح في الدنيا بعقـل

 

ترى الأرواح منها في حبوس

وكل حوادث الـدنـيا يسـير

 

إذا بقيت حشاشات النـفـوس

ونقلت أيضاً من خطه مما نظمه في مآثر القاضي السديد مجيزاً البيتين عملاً فيه وهما

ولكل عافية عفت وقـت فـإن

 

عُدت المريض فأنت من أوقاتها

فاسلم ليسلم من تعلـلـه فـقـد

 

صحَّت بك الدنيا على علاتهـا

فعمل هذه الأبيات

بك عرّفت نفسي لذيذ حـياتـهـا

 

سبحان منشرها عقيب مماتـهـا

وردت حياض الموت فاستنقذتهـا

 

بمشيئة للّـه بـعـد وفـاتـهـا

وأعدت فائتـهـا بـقـدرة قـادر

 

يسترجع الأشياء بعد فـواتـهـا

فلذاك شكرك بعد شكر إلـهـهـا

 

في سائر الأوقات من أوقاتـهـا

للَّه نفسـك مـا أتـم ضـياءهـا

 

ألعلمها تعتـام أم بـركـاتـهـا

تقوى تقرّ الروح في أوطانـهـا

 

ونهى تجير النفس من آفـاتـهـا

كم مثل مهجتي اختلست من الردى

 

فرددت عنها وهي في سكراتهـا

وغمرتها براً وبرءاً بـعـدمـا

 

قذفت بها الأمراض في غراتها

ونزعت عنها النزع وهو مدافع

 

لنسيم روح الروح عن لهواتها

ولكم بإذن اللَّه عـدت مـودعـاً

 

نفساً فعدت بها إلى عاداتـهـا

يا من غدت ألفاظه لتلاوة القرآن

 

تهدي البرء من نـفـثـاتـهـا

يا أيها القاضي السديد ومن غـدا

 

للملة البيضاء من حسنـاتـهـا

يا من بعين العلم منـه قـريحة

 

تتصور الأشياء في مرآتـهـا

للَّه فكرك مدركاً ما اكتن فـي

 

الأعضاء عنه من جيمع جهاتها

يحمي طريق الروح من دعاره

 

فكأنه وال على طرقـاتـهـا

للَّه في هـذا الأنـام لـطـائف

 

خفيت عليهم أنت من آياتـهـا

ولكل عافية عفت وقـت فـإن

 

عدت المريض فأنت من أوقاتها

فأسلم ليسلم من تعلـلـه فـقـد

 

صحت بك الدنيا على علاتهـا

ونقلت أيضاً من خطه مما نظمه فيه وقد عالجه من بعض الأمراض العظيمة الخطر فكتب إليه

أواصل شكراً لست عنه بلاهي

 

سفيراً غدا بيني وبين إلـهـي

أعاد بإذن اللّه روحي ولم أكـد

 

أعود إلى هذا الوجود ولاهـي

هو السيد القاضي السديد الذي به

 

أفاخر أرباب العلا وأبـاهـي

فلولا التناهي في البرايا لقلت ما

 

لآماده في المكرمات تنـاهـي

تنير له المشكـلات بـصـيرة

 

تريه خفايا الغائبات كما هـي

زمام العوافي والسقام بكـفـه

 

له آمر في الفرقتين ونـاهـي

لك اللَّه يا عبد الإله فكم زهـت

 

ببهجتك الدنيا ولست بـزاهـي

تجل عن الماء الزلال وجَله أن

 

يقاس هواء منـعـش بـمـياه

وتوفي الشيخ السديد رحمه اللّه بالقاهرة في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة