هو رضوان بن محمد بن علي بن رستم الخراساني الساعاتي، مولده ومنشؤه بدمشق، وكان أبوه محمد من خراسان وانتقل إلى الشام وأقام بدمشق إلى أن توفي، وكان أوحداً في معرفة الساعات وعلم النجوم، وهو الذي عمل الساعات عند باب الجامع بدمشق، صنعها في أيام الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، وكان له منه الأنعام الكثير، والجامكية والجراية لملازمته الساعات، وبقي كذلك إلى أن توفي رحمه اللَّه، وخلف ولدين أحدهما بهاء الدين أبو الحسن علي بن الساعاتي الشاعر، الذي هو أفضل أهل زمانه في الشعر، ولا أحد يماثله فيه، وتوفي بالقاهرة، وديوانه مشهور ومعروف، والآخر فخر الدين رضوان بن الساعاتي الطبيب الكامل في الصناعة الطبية، الفاضل في العلوم الأدبية.
وقرأ فخر الدين صناعة الطب على الشيخ رضي الدين الرحبي، ولازمه مدة، وكان فطناً ذكياً متقناً لما يعانيه، حريصاً في العلم الذي يشتغل فيه، وقرأ أيضاً صناعة الطب على الشيخ فخر الدين المارديني، ولما ورد إلى دمشق، كان فخر الدين بن الساعاتي جيد الكتابة يكتب خطاً منسوباً في النهاية من الجودة ويشعر أيضاً، وله معرفة جيدة بصناعة المنطق العلوم الحكمية، وكان اشتغاله بعلم الأدب على الشيخ تاج الدين الكندي بدمشق، وخدم فخر الدين بن الساعاتي الملك الفائز بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وتوزر له، وخدم أيضاً الملك المعظم عيسى بن الملك العادل بصناعة الطب، وتوزر له، وكان ينادمه ويلعب بالعود، وكان محباً لكلام الشيخ الرئيس بن سينا في الطب مغرى به، وتوفي رحمه اللَّه بدمشق بعلة اليرقان.
ومن شعره
يحسدني قومي على صنعتي |
|
لأننـي بـينـهـم فـارس |
سهرت في ليلي واستنعسوا |
|
لن يستوي الدارس والناعس |
ولفخر الدين بن الساعاتي من الكتب تكميل كتاب القولنج للرئيس بن سينا، الحواشي على كتاب القانون لابن سينا، كتاب المختارات في الأشعار وغيرها،
هو الحكيم الإمام العالم الكبير شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبدان بن عبد الواحد بن اللبودي، علامة وقته، وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية وفي علم الطب، سافر من الشام إلى بلاد العجم، واشتغل هناك بالحكمة على نجيب الدين أسعد الهمداني، وقرأ صناعة الطب على رجل من أكابر العلماء وأعيانهم في بلاد العجم، كان أخذ الصناعة عن تلميذ لابن سهلان عن السيد الأيلاقي محمد، وكان لشمس الدين بن اللبودي همة عالية وفطرة سليمة وذكاء مفرط، وحرص بالغ فتميز في العلوم وأتقن الحكمة وصناعة الطب، وصار قوياً في المناظرة، جيداً في الجدل، يعد من الأئمة الذين يقتدى بهم، والمشايخ الذين يرجع إليهم، وكان له مجلس للاشتغال عليه بصناعة الطب وغيرها، وخدم الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأقام عنده بحلب، وكان يعتمد عليه في صناعة الطب، ولم يزل في خدمته إلي أن توفي الملك الظاهر رحمه اللَّه، وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة، وبعد وفاته أتى إلى دمشق، وأقام بها يدرس صناعة الطب، ويطب في البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي رحمه اللَّه، وكانت وفاته بدمشق في رابع ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وستمائة، وله من العمر إحدى وخمسون سنة، ومن كلام شمس الدين بن اللبودي كل شيء إذا شرع في نقص مع إصراف الهمة إليه تناهى عن قرب.
ولشمس الدين بن اللبودي من الكتب كتاب الرأي المعتبر في القضاء والقدر، شرح كتاب الملخص لابن الخطيب، رسالة في جمع المفاصل، شرح كتاب المسائل لحنين بن إسحاق.
هو الحكيم السيد العالم الصاحب نجم الدين أبو زكريا يحيى بن الحكيم الإمام شمس الدين محمد بن عبدان بن عبدان بن عبد الواحد، أوحد في الصناعة الطبية، ندرة في العلوم الحكمية، مفرط الذكاء، فصيح اللفظ، شديد الحرص في العلوم، متفنن في الآداب، قد تميز في الحكمة في الأوائل، وفي البلاغة على سحبان وائل، له النظم البديع، والترسل البليغ فما يدانيه في شعره لبيد، ولا في ترسله عبد الحميد ولما رأيت الناس دون محله تيقنت أن الدهر للناس ناقد. مولده بحلب سنة سبع وستمائة، ولما وصل أبوه إلي دمشق كان معه وهو صبي وكانت النجابة تتبين فيه من الصغر وعلو الهمة، وقرأ على شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي، واشتغل عليه بصناعة الطب، واشتغل بعد ذلك وتميز في العلوم حتى صار أوحد زمانه وفريد أوانه، وخدم الملك المنصور إبراهيم بن الملك المجاهد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي صاحب حمص، وبقي في خدمته بها، وكان يعتمد عليه في صناعة الطب، ولم تزل أحواله تنمي عنده حتى استوزره وفوض إليه أمور دولته، واعتمد عليه بكليته، وكان لا يفارقه في السفر والحضر، ولما توفي الملك المنصور، رحمه اللّه، وذلك في سنة ثلاث وأربعين وستمائة بعد كسره الخوارزمية، توجه الحكيم نجم الدين إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل، وهو بالديار المصرية فأكرمه غاية الإكرام، ووصله بجزيل الإنعام، وجعله ناظراً على الديوان بالإسكندرية، وله منه المنزلة العلية وجعل مقرره في كل شهر ثلاثة آلاف درهم وبقي على ذلك مدة، ثم توجه إلى الاشم وصار ناظراً على الديوان بجميع الأعمال الشامية.
ومن ترسله كتب رقعة وقف الخادم على الشمرفة الكريمة أدام اللَّه نعمة المنعم بما أودعها من النعم الجسام، وأقتضبه فيها من الأريحية التي أربى فيها على كل من تقدمه من الكرام، وأبان فيها عما يقضي على الخادم بالاسترقاق، وعلى الدولة خلدها اللَّه بمزايا الاستحقاق، وكلما أشار المولى عليه فهو كما نص عليه، لكنه يعلم بسعادته أن الفرص تمر مر السحاب، وأن الأمور المعينة في الأوقات المحدودة تحتاج إلى تلافي الأسباب، وقد ضاق الوقت بحيث لا يحتمل التأخير، والمولى يعلم أن المصلحة تقديم النظر في المهم على جميع أنواع التدبير، وما الخادم مع المولى في هذا المهم العظيم إلا كسهم، والمولى مدده، وسيف والمولى جرده، فاللَّه اللَّه في العجلة والبدار، وقد ظهرت مخايل السعادة والانتصار، والحذر الحذر من التأخير والإهمال فنتفوت والعياذ باللَّه الأوقات التي نرجو من اللَّه فيها بلغ الآمال، والمرجو من كرم اللَّه أن ينهض المملوك في خدمة مولانا السلطان بما يبيض وجه أمله، ويكون ذلك على يد المولى ويقوله وعمله إن شاء اللَّه تعالى.
ومن شعره وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال في الخليل عليه الصلاة والسلام، وهو متوجه إلى خدمته عند عودته من الديار المصرية، وأنشدها عند باب السرداب وهو قائم في ذي القعدة سنة إحدى وستين وستمائة
هذي المهابة والجلال الـهـائل |
|
بهرا فماذا أن يقول الـقـائل |
لو أن قساً حاضراً متـمـثـلاً |
|
يوماً لديك حسبته هو بـاقـل |
هل تقدر الفصحاء يوماً أن يروا |
|
وبيانهم عن ذي الجلال يناضل |
وبك اقتدي جل النبيين الأولـى |
|
ولديك أضحـت حـجة ودلائل |
أظهرت إبراهيم أسباب الهـدى |
|
والخير والمعروف أنت العامل |
شيدت أركان الشريعة معلـنـاً |
|
ومقرراً أن الإله الـفـاعـل |
ما زال بيتك مهبط الوحي الذي |
|
لجلاله مقفر ربـعـك آهـل |
وبهرت في كل الأمور بمعجز |
|
ما أن يخالف فيه يوماً عاقـل |
وكفاك يوم الفخر أن محـمـداً |
|
يوم التناسب في النجار مواصل |
ما زلت تنقل للنبوءة سـرهـا |
|
حتى غدا لمحمد هو حاصـل |
فعليكما صلوات رب لـم يزل |
|
يأتيكما منه ثـنـا وفـواصـل |
وقد التجأت إلى جنابك خاضعـاً |
|
متوسلاً وأنا الفقـير الـسـائل |
أرجوك تسأل لي لدى رب العلا |
|
غفران ما قد كنت فـيه أزاول |
وأرى وقد غفرت لديه خطيتي |
|
وبلغت مقصوديوما أنـا آمـل |
ورجعت منقطعاً إلى أبوابـه لا |
|
ألتقي عن غـيره أنـا سـائل |
ولقد سألت لكامل فـي جـوده |
|
يعطي بلا منّ ولا هو باخـل |
فحقيقة أني بلغت إرادتي سيمـا |
|
وأنت لما سألـت الـحـامـل |
وقال أيضاً في الخليل عليه الصلاة والسلام عند عوده من الديار المصرية في شهر جمادى الآخرة سنة أربع وستين وستمائة وأنشدها عند باب السرداب
ألا يا خليل اللَّه قد جـئت قـاصـداً |
|
إلى بابك المقصود من كل موضـع |
أؤدي حقوقاً واجبات لفـضـلـكـم |
|
مننتم بها قدماً على كل مـن يعـي |
فأرشدت أقواماً بـهـديك اقـتـدوا |
|
فصاروا بذاك الهدي في خير مهيع |
وأظهرت أعلام الشريعة معـلـنـاً |
|
فأضحت بمرأى للأنام ومـسـمـع |
وأودعتهـا أسـرار كـل خـفـية |
|
فكنت بما أودعـتـه خـير مـودع |
وأظهرت برهاناً غدا بك قـاطـعـاً |
|
قطعت به من لم يكن قبل يقـطـع |
وها أنا قد وافـيت بـابـك سـائلاً |
|
بوقة مسـكـين وذل تـخـضـع |
بأن تسأل اللَّه الكريم فإنه لأفـضـل |
|
مسـؤول وأكـرم مـن دعـــي |
بأن يحمني من شر كل بلية ويصرف |
|
عن صرف الحوادث مجـمـعـي |
ولا يبلني من بعدهـا بـمـصـيبة |
|
ولا التقي خـلاً بـأنـه مـوجـع |
ويفرج لي مما ابتليت بهـمـه فـق |
|
بت مهموماً بـقـلـب مـصـدع |
فإني إذا ما نابني خـطـب حـادث |
|
جعلت إلى مغناك قصدي ومفزعي |
لتشفع لي عند الإلـه فـأنـثـنـي |
|
بتبليغ آمالي وتحصيل مطـمـعـي |
فأفرغ عن إشعـال دنـيا وأنـثـن |
|
إلى أمر أخراي بقلـب مـوسـع |
وتسأله أن يعف عنـي تـكـرمـا |
|
وإن أحظ من أنـواره بـتـمـتـع |
ومن كان مشفوعاً وأنـت شـفـيع |
|
فلا بد في الجنات يحظى بمـرتـع |
ورأى الخليل عليه الصلاة والسلام فيما بين النائم واليقظان عقيب حال كانت اتفقت له يقول له
لا تأسـفـن عـلـى خـيل ولا مـا |
|
ولا تبيتن مهمـومـاً عـلـى حـال |
ما دامـت، الـنـفـس والـعـلـياء |
|
سالمة فانظر إلى سائر الأشيا بإهمال |
فإنما الـمـال أعـراض مـجـددة |
|
معـرضـات لـتـضـييع وإبـدال |
ولذة المال أن النـفـس تـصـرفـه |
|
فيما تـجـدد مـن هـم وإشـغـال |
وخير ما صرفت كفاك ما جمـعـت |
|
في صون عرضك عن قيل وعن قال |
فكم جمعت من الأموال مـقـتـدراً |
|
وفرقتها يد الأقـدار فـي الـحـال |
ولم تر قط محتاجاً إلـى أحـد ولـم |
|
تزل أهـل حـاجـات وآمـــال |
وسـوف يجـزيك رب الـعــرش |
|
عادته على عوائد إحسان وإجـمـال |
وتلتقي كل سير بت ترقـبـه كـمـا |
|
مضى سالفاً في عصرك الحـالـي |
وقال، ونظمه في القدس الشريف عند عوده من مصر في منتصف جمادي الأولى سنة ست وستين وستمائة
ألا يا خليل الـلَّـه عـنـدي صـبـابة |
|
وشوق إلى لقياك زاد بهـا كـربـي |
|||
3فأنت الذي سننت للنـاس مـذهـبـاً |
|
فكنت به الهادي إلى السنن الـرحـب |
|||
وأوضحت في طرق النبوة منـهـجـاً |
|
فراح من الأشواق يعلو على الشهـب |
|||
بما كنت مبديه من الحجج التـي قـوين |
|
فلا يدفعـن بـالـقـدح والـثـلـب |
|||
وكان بودي لو أتـيتـك زائراً أعـفـر |
|
في مغناك خـدي عـلـى الـتـرب |
|||
وأقضي حقوقاً واجبات لفـضـلـكـم |
|
غدت لكم بالفضل في أفضل الكـتـب |
|||
وأنهي ما عندي من الـوجـد والأسـى |
|
وما بات من هم وأصبح في قـلـبـي |
|||
وإن الليالي قد رمتنـي بـصـرفـهـا |
|
بماحط من شأني وقلل مـن غـربـي |
|||
وأنت لذي أرجـوك فـي كـل شـدة |
|
لتكشف عني كل مستكـره صـعـب |
|||
وتشع لي عند الإلـه فـأنـنـي وقـد |
|
فرج الرحمن ما بي من الـخـطـب |
|||
ولا سيما والعبـد فـي شـيمة الـذي |
|
به شرفت كل الأعـاجـم والـعـرب |
|||
وذلك خير الناس أعني محمـداً ومـن |
|
شرفت كان في الأراء في غاية القرب |
|||
ومن كنتما ذخراً له ووسـيلة وكـنـزاً |
|
عظيماً راح في السـلـم والـحـرب |
|||
فلا عجباً إن راح وهو مسـلـم مـن |
|
البأس والضراء والعتب والـسـلـب |
|||
وغـير بـديع أن يرى غـير خـائف |
|
يبات قريراً آمن القلـب والـسـرب |
|||
فيا صاحبي طرق النبوة والهدى |
|
أقيلاً عثاري شافعين إلى ربي |
|
||
فحسبكما لي شافعان فإنـنـي |
|
لأعلم أن اللَّه حينئذ حسـبـي |
|
||
وقال أيضاً
إذا ضاق أمر فاصبـر سـوف |
|
ينجلي فكم حر نار أعقبت بسلام |
ولا تسـأل الأيام دفـع مـلـمة |
|
فلست ترى أمراً حـلـيف دوام |
وقال وكتبه إلى الملك الناصر يوسف بن محمد
ليهنك نـيروز أتـاك مـبـشـراً |
|
بنيل الذي تهواه يوماً وتـطـلـب |
وإن بقاء الملك مع غـير أهـلـه |
|
عجيب وحالي منه عندك أعجـب |
أسوق إليك الملك طوعاً فتـلـقـه |
|
ومن عند غيري في تقاضيه ترغب |
وتدأب في تحصيل مـا أنـا قـادر |
|
عليه من الملك الذي راح يصعب |
وأقسم لو ساعدتني بـعـض مـدة |
|
لأمسى الذي استعبدته وهو يقـرب |
وقال
يا مالك مهجتي ويا متـلـفـهـا |
|
كم تسعفك النفس وكم تعسفـهـا |
إن كنت أنا في الحب يعقوب هوي |
|
ها أنت على حسانها يوسـفـهـا |
وللصاحب نجم الدين بن اللبودي من الكتب مختصر الكليات من كتاب القانون لابن سينا، مختصر كتاب المسائل لحنين بن إسحق، مختصر كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا، مختصر كتاب عيون الحكمة لابن سينا، مختصر كتاب الملخص لابن خطيب الري، مخحتصر كتاب المعاملين في الأصولين، مختصر كتاب أوقليدس، مختصر مصدرات أوقليدس، كتاب اللمعات في الحكمة، كتاب آفاق الأشراق في الحكمة، كتاب المناهج القدسية في العلوم الحكمية، كفاية الحساب في علم الحساب، غاية الغايات في المحتاج إليه أوقليدس والمتوسطات، تدقيق المباحث الطبية، في تحقيق المسائل الخلافية، علي طريق المسائل خلاف الفقهاء، مقاله في البرشعثا، كتاب إيضاح الرأي السخيف من كلام الموفق عبد اللطيف، وألف هذا الكتاب وله من العمر ثلاث عشرة سنة، غاية الإحكام في صناعة الأحكام، الرسالة السنية في شرح المقدمة المطرزية، الأنوار الساطعات في شرح الآيات البينات، كتاب نزهة الناظر في المثل السائر، الرسالة الكاملة في علم الجبر والمقابلة، الرسالة المنصورية في الأعداد الوفقية، الزاهي في اختصار الزيج المقرب المبني على الرصد المجرب،
هو الصدر الإمام العالم الأمير زين الدين سليمان بن المؤيد علي بن خطيب عقرباء، اشتغل بصناعة الطب على شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه اللَّه فحصل علمها وعملها، وأتقن فصولها وجملها، وخدم بصناعة الطب الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه بن أبي بكر بن أيوب، وكان يومئذ صاحب قلعة جعبر، وأقام في خدمته في قلعة جعبر، وتميز عنده، وأجزل رفده، وخوله في دولته، واشتمل عليه بكليته، وكان زين الدين يعاني الأدب والشعر والكتابة الحسنة، وكان أيضاً يعاني الجندية، وداخل أولاد الملك الحافظ، وصار حظياً عندهم مكيناً في دولتهم، ولما توفي الملك الحافظ، وتسلم قلعة جعبر الملك الناصر يوسف بن محمد بن غازي صاحب حلب وذلك بمراسلات كان فيها زين الدين الحافظي وانتقل زين الدين إلى حلب، وصارت له يد عند الملك الناصر، ومنزلة رفيعة، وتزوج زينالدين بابنة رئيس حلب، واقتنى أموالاً كثيرة، ولما ملك الناصر يوسف بن محمد دمشق وصل معه إلي دمشق، وصار مكيناً في دولته، وجيهاً في أيامه، معانياً للصناعة الطبية، معيناً في الإمره والجندية، ولذلك قلت فيه
وما زال زين الدين في كل منصـب |
|
له في سماء المجد أعلى المـراتـب |
أمير حوى في العلم كـل فـضـيلة |
|
وفاق الورى في رأيه والتـجـارب |
إذا كان في طب فصـد مـجـالـس |
|
وإن كان في حرب فقلب الكـتـائب |
ففي السلم كم أحـيا ولـياً بـطـبـه |
|
وفي الحرب كم أفنى العدا بالقواضب |
ولم يزل الملك الناصر بدمشق، وهو عنده حتى جاءت رسل التتر من الشرق إلى الملك الناصر وهم في طلب البلاد، والتشرط عليه بما يحمله إليهم من الأموال وغيرها، فبعث زين الدين الحافظي رسولاً إلى خاقان هولاكو ملك التتر، وسائر ملوكهم، فأحسنوا إليه الإحسان الكثير، واستمالوه حتى صار من جهتهم ومازجهم، وتردد في المراسلة مرات، وأطمع التتر في البلاد، وصار يهول على الملك الناصر أمورهم، ويعظم شأنهم ويفخم مملكتهم، ويصف كثرة عساكرهم، ويصغر شأن الملك الناصر ومن عنده من العساكر، وكان الملك الناصر مع ذلك جباناً متوقفاً عن الحرب، ولما جاءت التتر إلي حلب، وكان هولاكوا قد نازلها بقوا عليها نحو شهر، وملكوها وقتلوا أهلها وسبوا النساء والصبيان، ونهبوا الأموال، وهدموا القلعة وغيرها، هرب الملك الناصر يوسف من دمشق إل مصر وقصد أن يملكها، فخرجت عساكر مصر وملكها يومئذ الملك المظفر سيف الدين قطز، فكسر الملك الحافظ وتفرقت عساكره وزال ملكه، وملكت التتر دمشق بالأمان، وجعلوا فيها نائباً من جهتهم، وصار زين الدين أيضاً بها وأمروه، وبقي معه جماعة أجناد حتى كانوا يدعونه الملك زين الدين ولما وصل الملك المظفر قطز صاحب مصر، ومعه عساكر الإسلام، وكسر التتر في وادي كنعان الكسرة العظيمة المشهورة، وقتل من التتر الخلق العظيم الذي لا يحصى، انهزم نائب التتر ومن معه من دمشق وراح زين الدين الحافظي معهم خوفاً علي نفسه من المسلمين، وصارت بلاد الشام بحمد اللَّه إلى ما كانت عليه، وملكها بعد الملك المظفر قطز رحمه اللَّه السلطان لملك الظاهر ركن الدين بيبرس وصار صاحب الديار المصرية والشام خلد اللَّه ملكه.
هو مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم ابن عبد الأمن الحارثي، مولده ومنشؤه بدمشق، وكان يعرف بالمهندس لجودة معرفته بالهندسة وشهرته بها قبل أن يتحلى بمعرفة صناعة الطب، وكان في أول أمره نجاراً وينحت الحجارة أيضاً، وكان تكسبه بصناعة النجارة، وله يد طولى فيها، والناس كثيراً ما يرغبون إلى أعماله، وأكثر أبواب البيمارستان الكبيرة الذي أنشأه الملك العادل نور الدين ابن زنكي رحمه اللَّه من نجارته وصنعته أخبرني سديد الدين بن رقيعة عنه أنه أخبره بذلك، وحدثني شمس الدين بن المطواع الكحال عنه، وكان صديقاً له أن أول اشتغاله بالعلم أنه قصد إلى أن يتعلم أوقليدس ليزداد في صناعة النجارة جودة ويطلع على دقائقها ويتصرف في أعمالها، قال وكان في تلك الأيام يعمل في مسجد خاتون الذي تحت المنيبع غربي دمشق، فكان في كل غداة لا يصل إلى ذلك الموضع إلا وقد حفظ شيئاً من أوقليدس، ويحل أيضاً منه في طريقه، وعند فراغه من العمل، إلى أن حل كتاب أوقليدس بأسره، وفهمه فهماً جيداً وقوي فيه، ثم نظر إيضاً في كتاب المجسطي، وشرع في قراءته وحله، وانصرف بكليته إلى صناعة الهندسة وعرف بها،أقول واشتغل أيضاً بصناعة النجوم وعمل الزيجات، وكان قد ورد إلى دمشق ذلك الوقت الشرف الطوسي، وكان فاضلاً في الهندسة والعلوم الرياضية، ليس في زمانه مثله فاجتمع به، وقرأ عليه، وأخذ عنه شيئاً كثيراً من معارفه وقرأ أيضاً صناعة الطب على أبي المجد محمد بن أبي الحكم ولازمه حق الملازمة ونسخ بخطه كتباً كثيرة في العلوم الحكمية، وفي صناعة الطب، ووجدت بخطه الكتب الستة عشر لجالينوس، وقد قرأها على أبي المجد محمد بن أبي الحكم، وعليها خط ابن أبي الحكم له بالقراءة، وهو الذي أصلح الساعات التي للجامع بدمشق، وكان له على مراعاتها وتفقدها جامكية له بالقراءة، وهو الذي أصلح الساعات التي للجامع بدمشق، وكان له على مراعاتها وتفقدها جامكية مستمرة يأخذها، وكانت له أيضاً جامكية لطبه في البيمارستان الكبير، وبقي سنيناً كثيرة يطلب في البيمارستان إلى حين وفاته، وكان فاضلاً في صناعة الطب، جيد المباشرة لأعمالها، محمود الطريقة، وكان قد سافر إلى ديار مصر، وسمع شيئاً من الحديث بالإسكندرية في سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين وخمسمائة، من رشيد الدين أبي الثناء حماد بن هبة اللّه بن حماد بن الفضيل الحراني، ومن أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي الأصفهاني، واشتغل أيضاً بالأدب وعلم النحو، وكان ىشعر وله قطع جيدة، وتوفي رحمه اللَّه في سنة تسع وتسعين وخمسمائة بدمشق بإسهال عرض له، وعاش نحو السبعين سنة، ومن شعر أبي الفضل بن عبد الكريم المهندس نقلت من خطه في مقالته في رؤية الهلال ألفها للقاضي محيي الدين بن القاضي زكي الدين ويقول فيها يمدحه
خصصت بالأب لمـا أن رأيتـهـم |
|
دعوا بنعتك أشخاصاً من الـبـشـر |
ضد النعوت ترتاهم أن بـلـوتـهـم |
|
وقد يسمى بصيراً غير ذي بـصـر |
والنعت ما لم تك الأفعال تعـضـده |
|
اسم على صورة خطت من الصور |
وما الحقيق به لفظ يطابقـه الـمـع |
|
نى كنجل القضاة الصيد من مضـر |
فالدين والملـك والإسـلام قـاطـبة |
|
برأيه في أمـان مـن يد الـغـير |
كم سـن سـنة خـير فـي ولايتـه |
|
وقام للَّه فـيهـا غـير مـعـتـذر |
يرجو بذاك نعـيمـاً لا نـفـاد لـه |
|
جوار ملك عزيز جـل مـقـتـدر |
فاللّـه يكـلـؤه مـن كـل حـادثة |
|
ما غردت هاتفات الورق في الشجر |
ولأبي الفضل بن عبد الكريم المهندس من الكتب رسالة في معرفة رمز التقويم، مقالة في رؤية الهلال، اختصار كتاب الأغاني الكبير لأبي الفرج الأصبهاني، وكتب من تصنيفه هذا نسخه بخط في عشر مجلدات، ووقفها بدمشق في الجامع مضافاً إلى الكتب الموقوفة في مقصورة ابن عروة، كتاب في الحروب والسياسة، كتاب في الأدوية المفردة، على ترتيب حروف أبجد.
هو الشيخ الإمام العالم موفق الدين عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي، كان كثير الخبر محباً له مؤثراً للجميل، عزيز المروءة، وافر العربية، شديد الشفقة على المرضى وخصوصاً لمن كان منهم، ضعيف الحال يفتقدهم ويعالجهم ويوصل إلهم النفقة وما يحتاجونه من الأدوية والأغذية، وكان كثير الدين، طلق الوجه، يحبه كل أحد، وكان في أول أمره في المدرسة فقيهاً في المدرسة الأمينية بدمشق عند الجامع، واشتغل بعد ذلك على إلياس بن المطران بصناعة الطب وأتقن معرفتها وصل عملها وعملها، وصار من المتميزين من أربابها، والمشايخ الذين يقتدى بهم فيها، وكان له مجلس عام للمشتغلين عليه بالطب، وخدم بصناعة الطب في البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، ثم خدم بعد ذلك الملك العادل أبا بكر بن أيوب، وبقي معه سنين، وله منه الإنعام الكثير، والإفضال الغزير، والمنزلة العلية، والجامكية السنية، ولم يزل في خدمته إلى أن توفي كموفق الدين عبد العزيز رحمه اللَّه بدمشق بعلة القولنج، وذلك في يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة سنة أربع وستمائة، ودفن بجبل قاسيون وعمره نحو الستين سنة، ومولده في سنة خمسمائة ونيف وخمسين.
هو الحكيم الأجل الإمام العالم سعد الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الجبار بن أبي محمد السلمي، قد أشبه أباه في خلقه وخلقه ومعرفته وحذقه، كثير الدين، شريف اليقين، بارع في العلوم الفقهية، ورع في الأمور الدينية، ولما كان بدمشق كان يعتكف بالجامع شهر رمضان، ولم يتكلم فيه، وهو الذي تولى عمارة المدرسة الحنبلية في سوق القمح بدمشق، وذلك في أيام الملك الأشرف موسى بن الملك العادل، وكان الإمام المستنصر باللّه خليفة بغداد قد أمره بعمارتها، وكان الحكيم سعد الدين أوحد زمانه وعلامة أوانه في صناعة الطب، قد أحكم كليات أصولها وأتقن جزئيات أنواعها وفصولها، ولم يزل مواظباً على الاشتغال ملازماً له في كل الأحوال، مولده بدمشق في أوائل المحرم سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وخدم بصناعة الطب في البيمارستان الكبير الذ أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي.
وبعد ذلك خدم الملك الأشرف أبا الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب وأقام معه في بلاد الشرق وله منه الإحسان الكثير، والإفضال الغزير، والجامكية الوافرة، والصلات المتواترة، وكان حظياً عنده، مكيناً في دولته، ولم يزل في خدمته إلى أن أتى الملك الأشرف إلى دمشق وتسلمها من ابن أخيه الملك الناصر داود بن الملك المعظم، وذلك في شعبان سنة ست وعشرين وستمائة فأتى معه إلى دمشق، وبقي بها، ثم ولاه السلطان رئاسة الطب، ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك الأشرف، وكانت وفاته رحمه اللَّه بقلعة دمشق، أول نهار يوم الخميس رابع المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة، ثم بعد ذلك لما ملك دمشق الملك الكامل بمحمد بن أبي بكر بن أيوب في العشر الأول من جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة أمر باستخدامه، وأن يقرر له جميع ما كان باسمه من أخيه الملك الأشرف، وبقي في خدمته مدة يسيرة، وتوفي الملك الكامل رحمه اللَّه، وذلك في ليلة الخميس أول الليل ثاني وعشرين رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة، ولم يزل الحكيم سعد الدين مقيماً بدمشق، وله مجلس عام للمشتغلين عليه بصناعة الطب إلى أن توفي رحمه اللّه، وكانت وفاته بدمشق في شهر جمادى الآخرة سنة أربع وستمائة.
وللشريف البكري في الحكيم سعد الدين من أبيات
حكيم لطيف من لطافة وصفه |
|
يود المعافى السقم حتى يعوده |