الباب الخامس عشر: طبقات الأطباء المشهورين من أطباء الشام: صدقة السامري، مهذب الدين يوسف بن أبي سعيد، الصاحب أمين الدولة، مهذب الدين عبد الرحيم بن علي

صدقة السامري

هو صدقة بن منجا بن صدقة السامري، من الأكابر في صناعة الطب، والمتميزين من أهلها، والأماثل من أربابها، كان كثير الاشتغال محباً للنظر والبحث، وافر العلم، جيد الفهم، قوياً في الفلسفة، حسن الدراية لها، متقناً لغوامضها، وكان يدرس صناعة الطب وينظم متوسطاً، وربما ضمنه ملحاً من الحكمة، وأكثر ما كان يقوله دوبيت، وله تصانيف في الحكمة وفي الطب، وخدم الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وبقي معه سنين كثيرة في الشرق إلى أن توفي في الخدمة، وكان الملك الأشرف يحترمه غاية الاحترام ويكرمه كل الإكرام، ويعتمد عليه في صناعة الطب، وله منه الجامكية الوافرة والصلات المتواترة، وتوفي صدقة بمدينة حران في سنة نيف وعشرين وستمائة، خلف مالاً جزيلاً، ولم يكن له ولد.

ومن كلامه مما نقلته من خطه قال الصوم منع البدن من الغذاء، وكف الحواس عن الخطاء، والجوارح عن الآثام، وهو كف الجميع عما يلهي عن ذكر اللّه، وقال اعلم أن جميع الطاعات ترى إلا الصوم لا يراه إلا اللّه فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد، وللصوم ثلاث درجات صوم العموم، وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة؛ وصوم الخصوص وهو كف السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح عن الآثام؛ وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنياوية، وكفه عما سوى اللّه تعالى.

وقال ما كان من الرطوبات الخارجة من الباطن ليس مستحيلاً، وليس له مقر فهو طاهر كالدمع والعرق واللعاب والمخاط، وأما ما له مقر وهو مستحيل فهو نجس، كالبول والروث.

قال اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه، وحمل الوزر لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه، أما في خلقته فأن يكون تام الصورة، حسن الهيئة، متناسب الأعضاء، صحيح الحواس؛ وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة، سامي الرأي، ذكي الذهن، جيد الحدس، صادق الفراسة، رحب الصدر، كامل المروءة، عارفاً بموارد الأمور ومصادرها، فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل، ويرفعه عن الدناءة، ويغوص له على الفرصة، ومنزلته منزلة الآلة التي يتوصل بها إلى نيل البغية، ومنزلة السور الذي يحرز المدينة من دخول الآفة، ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمه صاحبه، وليس كل أحد يصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه، والمحبة لمن استخصه، والإيثار لمن قربه.

وقال صبر العفيف ظريف ومن شعره قال

سلوه لم صدني تيهاً ولم هـجـرا

 

وأورث الجفن بعد الرقدة السهرا

 

وقد جفاني بلا ذنب ولا سـبـب

 

وقد وفيت بميثاقي فلـم غـدرا

 

ياللرجال قفوا واستشرحوا خبري

 

ومني فغيري لم يصدقكم خبـرا

 

إن لنت ذلاً قسا عزاً علـي وإن

 

دانيته بَانَ أو آنسـتـه نـفـرا

 

هذا هو الموت عندي كيف عـنـدكـم

 

هيهات أن يستوي الصادي ومن صدرا

           

وقال أيضاً

يا وارثــاً عـــن أب

 

وجد فضيلة الطب والسداد

وضامـنـاً رد كـل روح

 

همت عن الجسم بالبعـاد

أقسـم لـو كـان طـب

 

دهراً لعاد كوناً بلا فسـاد

وقال يهجو

درى ومـولاتـه وســـيده

 

حدود شكل القياس مجموعـه

والسيد فوق الاثنين منحـمـل

 

والست تحت الاثنين موضوعه

والعبد محمول ذي وحـامـل

 

ذا لحرمة بينهن مرفـوعـه

ذاك قياس جاءت نتـيجـتـه

 

قرينة في دمشق مطبـوعـه

وقال أيضاً

الراح بدت بريحها الريحاني

 

ثم افتخرت بلطفها الروحاني

لما سطعت بنورها الـنـورا

 

رقت وصفت خلائق الإنسان

وقال أيضاً

أنفي نكد الزمـان بـالأقـداح

 

فالراح قوام جوهـر الأرواح

فما يفلح من يظل يوماً صاحي

 

أو يسمع من زخارف النصاح

وقال أيضاً

أطفئ نكد العيش بماء وشراب

 

فالدهر كما ترى خيال وسراب

واغنم زمن اللذة بين الأتـراب

 

فالجسم مصيره كما كان تراب

وقال أيضاً

الراح هي الروح فواصل يا صاح

 

صفراء بلطفها تنافـي الأتـراح

لولا شبك يصيدها فـي الأقـداح

 

طارت فرحاً إلى محـل الأرواح

ولصدقة السامري من الكتب شرح التوراة، كتاب النفس، تعاليق في الطب ذكر فيها الأمراض وعلاماتها، شرح كتاب الفصول لأبقراط لم يتم، مقالة في أسامي الأدوية المفردة، مقالة أجاب فيها عن مسائل طبية سأله عنها الأسعد المحلي اليهودي، مقالة في التوحيد وسمها كتاب الكنز في الفوز،كتاب الاعتقاد.

مهذب الدين يوسف بن أبي سعيد

هو الشيخ الإمام العالم الصاحب الوزيرمهذب الدين يوسف بن أبي سعيد بن خلف السامري، قد أتقن الصناعة الطبية، وتميز في العلوم الحكمية، واشتغل بعلم الأدب، وبلغ في الفضائل أعلى الرتب، وكان كثير الإحسان، غزير الامتنان، فاضل النفس، صائب الحس، وقرأ صناعة الطب على الحكيم إبراهيم السامري المعروف بشمس الحكماء، وكان هذا شمس الحكماء في خدمة الملك الناصر صلاح الدين يوسف، وقرأ أيضاًَ على الشيخ إسماعيل بن أبي الوقار الطبيب، وقرأ على مهذب الدين بن النقاش، وقرأ الأدب على تاج الدين النكدي أبي اليمن، وتميز في صناعة الطب، واشتهر بحسن العلاج والمداواةومن حسن معالجاته أنه كانت ست الشام أخت الملك العادل أبي بكر بن أيوب قد عرض لها دوسنطاريا كبدية وترمي كل يوم دماً كثيراً، والأطباء يعالجونها بالأدوية المشهورة لهذا المرض من الأشربة وغيرها، فلما حضرها وجس نبضها قال للجماعة يا قوم ما دامت القوة قوية، أعطوها الكافور ليصلح كيفية هذا الخلط الحاد الذي فعل هذا الفعل، وأمر بإحضار كافور قيصوري وسقاها مع حليب بزر بقلة محمصة، وشراب رمان وصندل فتقاصر عنها الدم وحرارةالكبد التي كانت، وسقاها أيضاً منه ثاني يوم فقل أكثر، ولاطفها بعد ذلك إلى أن تكامل برؤها وصلحت، وحدثني بعض جماعة الصاحب بن شكر وزير الملك العادل قال كان قد عرض للصاحب ألم في ظهره عن برد فأتى إليه الأطباء فوصف بعضهم مع إصلاح الأغذية بغلي يسير جندبيدستر مع زيت ويدهن به، وقال آخر دهن بابونج ومصطكى، فقال المصلحة أن يكون عوض هذه الأشياء شيء ينفع مع طيب رائحة، فأعجب الصاحب قوله، وأمر مهذب الدين يوسف بإحضار غالية ودهن بان، فحل ذلك على النار، ودهن به الموضع فانتفع به، وخدم مهذب الدين يوسف بصناعة الطب لعز الدين فرخشاه بن شاهىان شاه بن أيوب، ولما توفي عز الدين فرخشاه رحمه اللّه، وذلك في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، خدم بعده لولده الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن عز الدين فرخشاه بصناعة الطب، وأقام عنده ببعلبك، وحظي في أيامه، ونال من جهته من الأموال والنعم شيئاً كثيراً، وكان يستشيره في أموره ويعتمد عليه في أحواله، وكان الشيخ مهذب الدين حسن الرأي وافر العلم جيد الفطرة، فكان يستصوب آراءه ويشكر مقاصده، ثم استوزره واشتغل بالوزارة وارتفع أمره، وارتقت منزلته عنده حتى صار هو المدبر لجميع الدولة والأحوال بأسرها لا تعدل عن أمره ونهيه، ولذلك قال فيه الشيخ شهاب الدين فتيان

الملك الأمجد الذي شـهـدت

 

له جميع الملوك بالفـضـل

أصبح في السامري معتقـداً

 

ما اعتقد السامري في العجل

أنشدني هذين البيتين شمس الدين محمد بن شهاب الدين فتيان قال أنشد فيهما والدي لنفسه، أقول ولم تزل أحوال الشيخ مهذب الدين على سننها وعلو منزلته على كيانها، حتى كثرت الشكاوى من أهله وأقاربه السمرة، فإنه كان قد جاءه إلى بعلبك جماعة منهم من دمشق، واستخدمهم في جميع الجهات، وكثر منهم العسف وأكل الأموال والفساد، وكان له الجاه العريض بالوزير مهذب الدين السامري فلا يقدر أحد أن يقاومهم بالجملة، فإن الملك الأمجد لما تحقق أن الأموال قد أكلوها وكثر فسادهم، ولامته الملوك في تسليم دولته للسمرة قبض على المهذب السامري، وعلى جميع السمرة المستخدمين واستقصى منهم أموالاً عظيمة، وبقي الوزير معتقلا عنده مدة إلى أن لم يبق له شيء يعتد به، ثم أطلقه وجاء إلى دمشق ورأيته في داره، ولما جاء من بعلبك وكنت مع أبي لنسلم عليه فوجدته شيخاً حسناً فصيح الكلام لطيف المعاني، ومات بعد ذلك وكانت وفاته يوم الخميس مستهل صفر سنة أربع وعشرين وستمائة بدمشق.

ومن شعر مهذب الدين يوسف

إن ساءني الدهر يوماً

 

فإنـه سـر دهـرا

وإن دهاني بـمـال

 

فقد تعوضت أجـرا

اللّه أغنى وأقـنـى

 

والحمد للّه شكـرا

ولمهذب الدين يوسف بن أبي سعيد من الكتب شرح التوراة.

الصاحب أمين الدولة

هو الصاحب الوزير العالم العامل، الرئيس الكامل، أفضل الوزراء، سيد الحكماء، إمام العلماء، أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد، كان سامرياً وأسلم، ولقب بكمال الدين، وكان مهذب الدين السامري عمه، وكان أمين الدولة هذا له الذكاء الذي لا مزيد عليه، والعلم الذي لا يصل إليه، والإنعام العام، والإحسان التام، والهمم العالية، والآلاء المتوالية، وقد بلغ من الصناعة غاياتها، وانتهى إلى نهاياتها، واشتمل على محصولها، وأتقن معرفة أصولها وفصولها، حتى قل عنه المماثل وقصر عن إدراك معاليه كل فاضل وكامل، كان أولا عند الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن عز الدين فرخشاه بن أيوب، معتمداً عليه في الصناعة الطبية وأعمالها، مفوضاً إليه أمور دولته وأحوالها، ولم يزل عنده إلى أن توفي الملك الأمجد رحمه اللّه، وذلك في داره بدمشق آخر نهار يوم الثلاثاء حادي عشر شهر شوال سنة ثمان وعشرين وستمائة.

وبعد ذلك استقل بالوزارة للملك الصالح عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، فساس الدولة أحسن السياسة، وبلغ في تدبر المملكة نهاية الرياسة، وثبت قواعد الملك وأيدها ورفع مباني المعالي وشيدها، وجدد معالم العلم والعلماء، وأوجد من الفضل ما لم يكن لأحد من القدماء، ولم يزل في خدمة الملك الصالح، وهو عالي القدر نافذ الأمر، مطاع الكلمة كثير العظمة إلى أن ملك دمشق الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل، وجعل نائبه بها الأمير معين الدين بن شيخ الشيوخ، وكان لما ملك دمشق أعطى الملك الصالح إسماعيل بعلبك ونقل إليها ثقله وأهله، وذلك في سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وكان أمين الدولة في مدة وزارته يحب جمع المال وحصل لصاحبه الملك الصالح إسماعيل أموالاً عظيمة جداً من أهل دمشق وقبض على كثير من أملاكهم.

وكان موافقه في ذلك قاضي القضاة بدمشق وهو رفيع الدين الجيلي والنواب، ولما بلغ نائب السلطنة بدمشق، وهو الأمير معين الدين بن شيخ الشيوخ والوزير جمال الدين ابن مطروح بدمشق وأكابر الدولة ما وصل إلى أمين الدولة من الأموال قصدوا أن يقبضوا عليه، ويستصفوا أمواله فعملوا له مكيدة،وهي أنهم استحضروه وعظموه، وقاموا له لما أتى، ولما استقر في المجلس قالوا له إن أردت أن تقيم بدمشق فابق كما أنت، وإن أردت أن تتوجه إلى صاحبك ببعلبك فافعل، فقال لا واللّه أروح إلى مخدومي وأكون عنده، ثم إنه خرج وجمع أمواله وذخائره وحواصله وجميع ما يملكه حتى الأثاث وحصر دوره وجمع الجميع على عدة بغال، وتوجه قاصداً إلى بعلبك، ولما صار ظاهر دمشق قبض عليه وأخذ جميع ما كان معه، واحتيط على أملاكه واعتقل، وكان ذلك يوم الجمعة ثاني شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ثم سير إلى الديار المصرية تحت الحوطة، وأودع السجن في قلعة القاهرة مع جماعة أخر من أصحاب الملك الصالح إسماعيل، ولما كان بعد ذلك بزمان وتوفي الملك الصالح نجم الدين أيوب بمصر في سنة سبع وأربعين وستمائة، وجاء الملك الناصر يوسف بن محمد من حلب وملك دمشق، وذلك في يوم الأحد ثامن شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة صار معه الملك الصالح إسماعيل وملوك الشام، وتوجه إلى مصر ليأخذها فخرجت عساكر مصر، وكان ملك مصر يومئذ الملك المعز عز الدين أيبك التركماني، كان قد تملك بعد وفاة أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب، والتقوا فكانت أول الكسرة على عسكر مصر، ثم عادوا وكسروا عسكر الشام، وقبض على الملك الصالح إسماعيل وجماعة كثيرة من الملوك والأمراء وحبسوا جميعهم في مصر، ثم أطلق بعضهم فيما بعد، وأما الملك الصالح إسماعيل فكان آخر العهد به وقيل إنه خنق بوتر. حدثني الأمير سيف الدين المشدّ علي بن عمر رحمه اللّه لما سمع الوزير أمين الدولة في قلعة القاهرة بأن ملوك الشام قد كسروا عسكر مصر، ووصل الخبر إليهم بذلك من بلبيس، قال أمين الدولة لصاحب الآمر في القلعة دعنا نخرج في القلعة حتى تطلع الملوك، وتبصر أيش تعمل معك من الخير فأطمعته نفسه، وأخرجهم وكانوا في ذلك الموضع في الحبس ثلاثة من أصحاب الملك الصالح إسماعيل وزيره أمين الدولة، وأستاذ داره ناصر الدين بن يغمور، وأمير كردي يقال له سيف الدين، فقال الكردي لهم يا قوم لا تستعجلوا مواضعكم، فإن كان الأمر صحيحاً فمصير أستاذنا يخرجنا ويعيدنا إلى ما كنا عليه ويحسن إلينا ونخلف، وإن كان الأمر غير صحيح فنكون في موضعنا لم نخرج منه فهو أسلم لنا فلم يقبلوا منه، وخرج الوزير وناصر الدين بن يغمور وبسطوا مواضع في القلعة وأمروا ونهوا، ولما صح الخبر بعكس ما أملوه أمر عز الدين التركماني لما طلع القلعة بقتل ناصر الدين بن يغمور فقتل، وأمر بشنق الوزير فشنقوه، وحكى لي من رآه لما شنق وأنه كان عليه قندورة عنابي خضراء، وسرموزة في رجليه، ولم ينظر مشنوقاً في رجليه سرموزة سواه، وأما رفيقهم الكردي فأطلقه وخلع عليه وأعطاه خيراً.

أقول وأعجب ما أتى من الأحكام النجومية فيما يتعلق بهذا المعنى ما حكاه الأمير ناصر الدين زكري المعروف بابن عليمة وكان من جماعة الملك الصالح نجم الدين أيوب قال لما حبس الصاحب أمين الدولة أرسل إلى منجم في مصر له خبرة بالغة في علم النجوم وإصابات لا تكاد تخرم في أحكامها،وسأله ما يكون من حاله وهل يخلص من الحبس قال فلما وصلت الرسالة إليه أخذ ارتفاع الشمس للوقت، وحقق درجة الطالع والبيوت الاثني عشر ومركز الكواكب، ورسم ذلك كله في تخت الحساب وحكم بمقتضاه فقال يخلص هذا من الحبس ويخرج منه وهو فرحان مسرور، وتلحظه السعادة أن يبقى له أمر مطاع في الدولة بمصر، ويمتثل أمره ونهيه جماعة من الخلق، فلما وصل إليه الجواب بذلك فرح به، وعندما وصله مجيء الملوك وأن النصر لهم خرج وأيقن أن يبقى وزيراً بمصر، وتم له ما ذكره المنجم من الخروج من الحبس والفرح والأمر والنهي وصار له أمر مطاع في ذلك اليوم، ولم يعلم أمين الدولة ما يجري عليه بعد ذلك، وإن اللهّّ عز وجل قد أنفذ ما جعله عليه مقدوراً وكان ذلك في الكتاب مسطوراً، وكان للصاحب أمين الدولة نفس فاضلة وهمة عالية في جمع الكتب وتحصيلها، واقتنى كتباً كثيرة فاخرة في سائر العلوم، وكانت النساخ أبداً يكتبون له حتى أنه أراد مرة نسخة من تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر وهو بالخط الدقيق ثمانون مجلداً فقال هذا الكتاب، الزمن يقصر أن يكتبه ناسخ واحد ففرقه على عشرة نساخ، كل واحد منهم ثمان مجلدات فكتبوه في نحو سنتين وصار الكتاب بكماله عنده وهذا من علو همته، ولما كان رحمه اللّه بدمشق، وهو في دست وزارته في أيام الملك الصالح إسماعيل، وكان أبي صديقه وبينهما مودة فقال له يوماً سديد الدين، بلغني أن ابنك قد صنف كتاباً في طبقات الأطباء ما سبق إليه، وجماعة الأطباء الذين يأتون إلي شاكرين منه، وهذا الكتاب جليل القدر، وقد اجتمع عندي في خزانتي أكثر من عشرين ألف مجلد ما فيها شيء من هذا الفن، وأشتهي منك أن تبعث إليه يكتب لي نسخة من هذا الكتاب، وكنت يومئذ بصرخد عند مالكها الأمير عز الدين أيبك المعظمي فامتثل أمره، ولما وصلني كتاب أبي أتيت إلى دمشق واستصحبت معي مسودات من الكتاب واستدعيت الشريف الناسخ وهو شمس الدين محمد الحسيني، وكان كثيراً ينسخ لنا، وخطه منسوب في نهاية الجودة، وهو فاضل في العربية فأخليت له موضعاً عندنا، وكتب الكتاب في مدة يسيرة في تقطيع ربع البغدادي أربعة أجزاء، ولما تجلدت عملت قصيدة مديح في الصاحب أمين الدولة، وبعثت بالجميع إليه مع قاضي القضاة بدمشق رفيع الدين الجيلي، وهو من جملة المشايخ الذين اشتغلت عليهم فإني قرأت عليه شيئاً من كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا، وكان بيني وبينه أنس كثير، ولما وقف أمين الدولة على ذلك أعجبه غاية الإعجاب، وفرح به كثيراً وأرسل إلي مع القاضي المال الجزيل والخلع الفاخرة وتشكر وقال أشتهي منك أن كلما تصنفه من الكتب تعرفني به، وهذه نسخة القصيدة التي قلتها فيه، وذلك في أوائل سنة ثلاث وأربعين وستمائة 

فؤادي في محبتـهـم أسـير

 

وأنّى سار ركبـهـم يسـير

يحن إلى العذيب وساكـنـيه

 

حنيناً قد تضمـنـه سـعـير

ويهوى نسمة هبت سـحـيرا

 

بها من طيب نشرهم عبـير

وإني قانع بعـد الـتـدانـي

 

بطيف من خـيالـهـم يزور

ومعسول اللمى مر التجـنـي

 

يجور على المحب ولا يجير

تصدى للصدود ففي فـؤادي

 

بوافر هجره أبـداً هـجـير

وقد وصلت جفوني فيه سهدي

 

فما هذي القطيعة والنفـور

كأن قوامه غصـن رطـيب

 

وطلعة وجهه بـدر مـنـير

يرى نشوان من خمر التصابي

 

يميد وفي لواحظـه فـتـور

ففي وجناته للحـسـن روض

 

وفي خديّ من دمعي غـدير

وكم زمن أراه قـد تـعـدى

 

علي وإنني فـيه صـبـور

وحالي مع بنيه غـير حـال

 

وسري لايمازجـه سـرور

وإن أشكو الزمان فإن ذخري

 

أمين الدولة المولى الـوزير

كريم أريحـــــي ذو أياد

 

تعم كما همى الجون المطير

تسامى في سماء المجد حتـى

 

تأثر تحت أخمصـه الأثـير

وهل شعر يعبر عـن عـلاه

 

ودون محله الشعرى العبور

له أمر وعدل مستمر به فـي

 

الخلق تـعـتـدل الأمـور

ففي الأزمان للعافي مبر وفي

 

العزمات للـعـادي مـبـير

لقد فاق الأوائل في المعالـي

 

وكم من أول فـاق الأخـير

وكم في الطب من معنى خفي

 

بشرح منك عاد له ظهـور

وقد قاس الرئيس إليك يومـاً

 

يجده إليك مرؤوسـاً يصـير

وهل يحكيك في لفظ وفضـل

 

وما لك فيهما أبـداً نـظـير

وقد أرسلت تأليفاً لـيبـقـى

 

على اسمك لا تغيره الدهور

فريد ما سبقت إلـيه قـدمـاً

 

ومولانا بذاك هو الـخـبـير

ولكن في علومك فهو يهـدى

 

كما تهدى إلى هجر التمـور

وحاشا أن أبكار المـعـالـي

 

إذا زفت إلى المولى تبـور

وإن تـك زلة أبـديت فــيه

 

فعن أمثالها أنت الـغـفـور

ونقلت من خط الشيخ موفق الدين هبة اللّه أبي القاسم بن عبد الوهاب بن محمد ابن علي الكاتب المعروف بابن النحاس، من أبيات كتبها إلى الصاحب أمين الدولة يطلب منه خطاً وعده به الملك الأمجد، وذلك في سنة سبع وعشرين وستمائة

وعدت بالخط فأرسل ماوعدت به

 

يا من له نعم تترى بلا مـنـن

من يفعل الخير يجن كل مكرمة

 

ويشتري مِدَحاً تتلى بلا ثـمـن

خطاً يزيدك حظاً كلما صدحـت

 

ورقاء في شجر يوماً على فنن

وأنشدني شرف الدين إسماعيل بن عبد اللّه بن عمر الكاتب المعروف بابن قاضي اليمن لنفسه قصيدة كتبها إلى الصاحب أمين الدولة من جملتها

نالني من زمانـي الـتـغـيير

 

ومحا صفو لذتي الـتـكـدير

كان عيشي يظل حلواً وقد عـا

 

د بجور الزمان وهو مـرير

ونأى من أحب لم يلو عطـفـاً

 

فبقلبي للهجر منـه هـجـير

ورجوت الشفاء من داء سقـم

 

شفني فهو في حشاي سعـير

قال لي قائل وقد أعضل الـدا

 

ء وعزا الدوا وعاز المشـير

كيف تشكو الآلام أو يعضل الدا

 

ء على الجسم والطبيب الوزير

اقصد الـصـاحـب الـوزير

 

ولا تخش فإحسانه عميم غزير

وإذا الداء خيف منـه تـلافـاً

 

ليس يشفي إلا الحكيم البصير

سيد صاحـب أريب حـكـيم

 

عالم مـاجـد وزير كـبـير

منقذ منصف لـطـيف رؤوف

 

محسن مؤثـر كـريم أثـير

ومن شعر الصاحب أمين الدولة قال، وكتب به في كتاب إلى برهان الدين وزير الأمير عز الدين المعظمي تعزية لبرهان الدين في ولده الخطيب شرف الدين عمر

قولا لهذا السيد الماجد

 

قول حزين مثله فاقد

لا بد من فقد ومـن فـاقـد

 

هيهات ما في الناس من خالد

كن المعزي لا المعـزى بـه

 

إن كان لا بد من الـواحـد

وللصاحب أمين الدولة من الكتب كتاب النهج الواضح في الطب، وهو من أجل كتاب صنف في الصناعة الطبية، وأجمع لقوانينها الكلية والجزئية، وهو ينقسم إلى كتب خمسة الكتاب الأول في ذكر الأمور الطبيعية والحالات الثلاث للأبدان وأجناس الأمراض، وعلائم الأمزجة المعتدلة والطبيعية والصحية للأعضاء الرئيسة وما يقرب منها، ولأمور غيرها شديدة النفع يصلح أن تذكر في هذا الموضع، ويتبعها بالنبض والبول والبراز والبحران الكتاب الثاني في الأدوية المفردة وقواها الكتاب الثالث في الأدوية المركبة ومنافعها الكتاب الرابع في تدبير الأصحاء وعلاج الأمراض الظاهرة وأسبابها وعلائمها، وما يحتاج إليه من عمل اليد فيها وفي أكثر المواضع ويذكر فيه أيضاً تدبير الزينة وتدبير السموم الكتاب الخامس في ذكر الأمراض الباطنة وأسبابها وعلائمها وعلاجها وما يحتاج إليه من عمل اليد.

مهذب الدين عبد الرحيم بن علي

هو شيخنا الإمام الصدر الكبير، العالم الفاضل مهذب الدين أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد ويعرف بالدخوار، وكان رحمه اللّه أوحد عصره، وفريد دهره، وعلامة زمانه،وإليه انتهت رياسة صناعة الطب ومعرفتها على ما ينبغي، وتحقيق كلياتها وجزئياتها، ولم يكن في اجتهاده من يجاريه، ولافي علمه من يماثله، أتعب نفسه في الاشتغال، وكد خاطره في تحصيل العلم حتى فاق أهل زمانه، في صناعة الطب، وحظي عند الملوك، ونال من جهتهم من المال والجاه ما لم ينله غيره من الأطباء إلى أن توفي، وكان مولده ومنشؤه بدمشق، وكان أبوه علي بن حامد كحالاً مشهوراً، وكذلك كان أخوه وهو حامد بن علي كحالاً، وكان الحكيم مهذب الدين أيضاً في مبدأ أمره يكحل، وهو مع ذلك مواظب على الاشتغال والنسخ، وكان خطه منسوباً، وكتب كتباً كثيرة بخطه، وقد رأيت منها نحو مائة مجلد أو أكثر في الطب وغيره، واشتغل بالعربية على الشيخ تاج الدين الكندي أبي اليمن، ولم يزل مجتهداً في تحصيل العلوم وملازمة القراءة والحفظ حتى في أوقات خدمته وهو في سن الكهولة، وكان في أول اشتغاله بصناعة الطب قد قرأ شيئاً من المكي على الشيخ رضي الدين الرحبي رحمه اللّه، ثم بعد ذلك لازم موفق الدين بن المطران وتتلمذ له، واشتغل عليه بصناعة الطب، ولم يزل ملازماً له في أسفاره وحضره إلى أن تميز ومهر، واشتغل بعد ذلك أيضاً على فخر الدين المارديني لما ورد إلى دمشق في سنة تسع وسبعين وخمسمائة بشيء من القانون لابن سينا، وكان فخرالدين المارديني كثير الدراية لهذا الكتاب والتحقيق لمعانيه وخدم الحكيم مهذب الدين الملك العادل أبا بكر بن أيوب بصناعة الطب، وكان السبب في ذلك أنه في أول أمره كان يعاني صناعة الكحل ويحاول أعمالها، وخدم بها في البيمارستان الكبير الذي أنشأه ووقفه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، ثم بعد ذلك لما اشتغل على ابن المطران، ووسم بصناعة الطب، أطلق له الصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل أبي بكر بن أيوب جامكية على الطب وخدم بها، وهو مع ذلك يشتغل ويتزيد في العلم والعمل، ولا يخل بخدمة الصاحب صفي الدين بن شكر والتردد إليه، وعرف الصاحب منزلته في صناعة الطب وعلمه وفضله، ولما كان في شهرشوال سنة أربع وستمائة كان الملك العادل قد قال للصاحب بن شكر نريد أن يكون مع الحكيم موفق الدين عبد العزيز حكيم آخر، برسم خدمة العسكر والتردد إليهم في أمراضهم، فإن الحكيم عبد العزبز ما يلحق لذلك، فامتثل أمره وقال ههنا حكيم فاضل في صناعة الطب يقال له المهذب الدخوار يصلح أن يكون في خدمة مولانا، فأمره باستخدامه. ولما حضر مهذب الدين عند الصاحب قال له إني شكرتك للسلطان وهذه ثلاثون ديناراً ناصرية لك في كل شهر وتكون في الخدمة، فقال يا مولانا الحكيم موفق الدين عبد العزيز له في كل شهر مائة دينار ورواتب مثلها، وأنا أعرف منزلتي في العلم وما أخدم بدون مقرره، وانفصل عن الصاحب ولم يقبل، ثم إن الجماعة ذمت مهذب الدين على امتناعه، وما بقي يمكنه أن يعاود الصاحب ليخدم، وكان مقرره في البيمارستان شيء يسير، واتفق المقدورأن بعد ذلك الحديث بنحو شهر، وكان يعاود الموفق عبد العزيز قولنج صعب فعرض له وتزايد به ومات منه، ولما بلغ الملك العادل موته قال للصاحب كنت قد شكرت لنا حكيماً يقال له المهذب نزله على مقرر الموفق عبد العزيز فتنزل على جميع مقرره، واستمرفي خدمة الملك العادل من ذلك الوقت، ثم لم تزل منزلته عنده، وتترقى أحواله، حتى صار جليسه وأنيسه وصاحب مشورته.

وظهر أيضاً منه في أول خدمته له نوادرفي تقدمة المعرفة، أكدت حسن ظنه به واعتماده عليه، ومن ذلك أن الملك العادل كان قد مرض ولازمه أعيان الأطباء، فأشار الحكيم مهذب الدين عليه بالفصد فلم يستصوب ذلك الأطباء الذين كانوا معه، فقال واللّه لم نخرج له دماً إلا خرج الدم بغير اختيارنا، ولم يوافقوه في قوله فما كان قعد ذلك بأيسر وقت إلا والسلطان قد رعف رعافاًَ كثيراً وصلح فعرف أن ما في الجماعة مثله، ومن ذلك أيضاً أنه كان يوماً على باب دار السلطان ومعه جماعة من أطباء الدور فخرج خادم ومعه قارورة جارية يستوصف لها من شيء يؤلمها، فلما رآها الأطباء وصفوا لها ما حضرهم، وعندما عاينها الحكيم مهذب الدين قال إن هذا الألم الذي تشكوه لم يوجب هذا الصبغ الذي للقارورة،يوشك أنه الصبغ من حناء قد اختضبت به، فأعلمه الخادم بذلك وتعجب منه، وأخبر الملك العادل فتزيد حسن اعتقاده فيه.

ومن محاسن ما فعله الشيخ مهذب الدين من كمال مروءته ووافر عصبيته، حدثني أبي قال كان الملك العادل قد غضب على قاضي القضاة محيي الدين بن زكي الدين بدمشق لأمر نقم عليه به، وأمر باعتقاله في القلعة، ورسم عليه أن يزن للسلطان عشرة آلاف دينار مصرية وشدد عليه في ذلك، وبقي في الحبس والمطالبة عليه كل وقت فوزن البعض وعجز عن وزن بقية المال، وعظم الملك العادل عليه الأمر وقال لا بد أن يزن بقية المال وإلا عذبته، فتحير القاضي وأبلغ جميع موجوده وأثاث بيته حتى الكتب التي له، وتوسل إلى السلطان وتشفع بكثير من الأمراء والخواص والأكابر، مثل الشميس أستاذ الدار وشمس الخواص صواب والوزير وغيرهم أن يسامحه بالبعض، أو يسقط عليه فما فعل السلطان، وحمل القاضي هماً عظيماً على ذلك حتى قل أكله ونومه، وكاد يهلك فافتقده الحكيم مهذب الدين، وكان بينهما صداقة قديمة، وشكا إليه حاله، وسأله المساعدة بحسب ما يقدر عليه ففكر مهذب الدين وقال أنا أدبر لك أمراً وأرجو أن يكون فيه نفع لك إن شاء اللّه تعالى وفارقه.

وكانت سرية الملك العادل أم الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل متغيرة المزاج في تلك الأيام،وكانت تركية الجنس وعندها عقل ودين وصلاح ولها معروف كثير وصدقات، فلما حضر الحكيم مهذب الدين عندها وزمام الدور أوجدها مهذب الدين حال القاضي وضره وأنه مظلوم وقد ألزمه السلطان بشيء لا يقدر عليه، وطلب منها شفاعة لعل السلطان ينظر إليه بعين الرحمة ويسامحه بالبعض أو يقسط عليه، وساعده الإمام في ذلك فقالت واللّه كيف لي بالخير للقاضي وأن أقول للسلطان عنه، ولكن ما يمكن هذا فإن السلطان يقول لي أيش الموجب أنك تتكلمي في القاضي، ومن أين تعرفيه ولو كان هو في المثل حكيم يتردد إلينا، أو تاجر يشتري لنا القماش كان فيه توجه للكلام والشفاعة، وهذا فما يمكن أتكلم فيه، فقال لها الحكيم يا ستي أنت لك ولد ومالك غيره وتطلبي له السعادة والبقاء، وتلقي من اللّه كل خير بشيء تقدري تفعليه، وما تقولي للسلطان شفاعة أصلاً، فقالت أيش هو؟ فقال وقت يكون السلطان وأنتم نيام توجديه أنك أبصرت مناماً في أن القاضي مظلوم، وعرفها ما تقول، هذا يمكن،  ولما تكاملت عافيتها، وكان الملك العادل نائماً عندها وهي إلى جانبه انتبهت في أواخر الليل، وأظهرت أنها مرعوبة وأمسكت فؤادها وبقيت ترتعد وتتباكى، فانتبه السلطان وقال مالك؟ وكان يحبها كثيراً فلم تجبه مما بها، فأمر بإحضار شراب تفاح وسقاها ورش على وجهها ماء ورد، وقال أما تخبريني أيش جرى عليك وأيش عرض لك؟ فقالت يا خوند منام عظيم هالني، وكدت أموت منه، وهو إنني رأيت كأن القيامة قد قامت، وخلق عظيم، وكان في موضع به نيران كثيرة تشعل وناس يقولون هذا للملك العادل لكونه ظلم القاضي، ثم قالت هل فعلت قط بالقاضي شيئاً؟ فما شك في قولها وانزعج، ثم قام لوقته وطلب الخدام وقال امضوا إلى القاضي وطيبوا قلبه وسلموا عليه عني، وقولوا له يجعلني في حل مما تم عليه وإن جميع ماوزنه يعاد إليه، وما أطالبه بشيء فراحوا إليه وفرح القاضي غاية الفرح بقولهم، ودعا للسلطان وجعله في حل، ولما أصبح أمر له بخلعة كاملة وبغلة وأعاده إلى القضاء، وأمر بالمال الذي وزنه أن يحمل إليه من الخزانة، وأن جميع ما باعه من الكتب وغيرها تسترجع من المشترين لها ويعطوا الثمن الذي وزنوه، وحصل للقاضي الفرج بأهون سعي وألطف تدبير.

قال ولما كان الملك العادل بالشرق، وذلك في سنة عشر وستمائة مرض مرضاً صعباً وتولى علاجه الحكيم مهذب الدين إلى أن برئ مما كان به فحصل له منه في تلك المرضة نحو سبعة آلاف دينار مصرية، وبعث إليه أيضاً أولاده الملك العادل وسائر ملوك الشرق وغيرهم الذهب والخلع والبغلات بأطواق الذهب وغير ذلك، وكذلك توجه الملك العادل إلى الديار المصرية في سنة اثنتي عشرة وستمائة وأقام بالقاهرة، أتى في ذلك الوقت وباء عظيم إلى أن هلك أكثر الخلق، وكان قد مرض الملك الكامل ابن الملك العادل، ومرض كثير من خواصه، وهو صاحب الديار المصرية فعالجه بألطف علاج إلى أن برئ،وحصل له أيضاً من الذهب والخلع والعطايا السنية شيء كثير، وكان مبلغ ما وصل إليه من الذهب نحو اثني عشر ألف دينار وأربع عشرة بغلة بأطواق ذهب، والخلع الكثيرة من الثياب الأطلس وغيرها، أقول وولاه السلطان الكبير في ذلك الوقت رياسة أطباء ديار مصر بأسرها وأطباء الشام، وكنت في ذلك الوقت مع أبي وهو في خدمة الملك العادل ففوض إليه النظر في أمر الكحالين واعتبارهم، وإن من يصلح منهم لمعالجة أمراض العين ويرتضيه يكتب له خطاً بما يعرفه منه ففعل ذلك، ولما كان في سنة أربعة عشرة وستمائة وسمع الملك العادل بتحرك الفرنج في الساحل أتى إلى الشام، وأقام بمرج الصفر ثم حصل له وهو في أثناء ذلك مرض وهو بمنزله بخانقين، وتوفي رحمه اللّه بها في الساعة الثانية من يوم الجمعة سابع جمادى الآخر سنة خمس عشرة وستمائة، ولما استقر ملك الملك المعظم بالشام استخدم جماعة عدة ممن كانوا في خدمة أبيه الملك العادل، وانتظم في خدمته منهم من الحكماء الحكيم رشيد الدين بن الصوري وأبي، وأما الحكيم مهذب الدين فإنه أطلق له جامكية وجراية، ورسم أنه يقيم بدمشق، وأن يتردد إلى البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي ويعالج المرضى به، ولما أقام الشيخ مهذب الدين بدمشق شرع في تدريس صناعة الطب، واجتمع إليه خلق كثير من أعيان الأطباء وغيرهم يقرأون عليه، وأقمت أنا بدمشق لأجل القراءة عليه، وأما أولا فكنت أشتغل عليه في المعسكر لما كان أبي والحكيم مهذب الدين في خدمة السلطان الكبير فبقيت أتردد إليه مع الجماعة، وشرعت في قراءة كتب جالينوس، وكان خبيراً بكل ما يقرأ عليه من كتب جالينوس وغيرها، وكانت كتب جالينوس تعجبه جداً، وإذا سمع شيئاً من كلام جالينوس في ذكر الأمراض ومداواتها والأصول الطبية يقول هذا هو الطب، وكان طلق اللسان حسن التأدية للمعاني جيد البحث لازمته أيضاً في وقت معالجته للمرضى بالبيمارستان فتدربت معه في ذلك وباشرت أعمال صناعة الطب، وكان في ذلك الوقت أيضاً معه في البيمارستان لمعالجة المرضى الحكيم عمران وهو من أعيان الأطباء وأكابرهم في المداواة والتصرف في أنواع العلاج فتضاعفت الفوائد المقتبسة من اجتماعهما، ومما كان يجري بينهما من الكلام في الأمراض ومداواتها ومما كانا يصفاه للمرضى. وكان الحكيم مهذب الدين يظهر من ملح صناعة الطب ومن غرائب المداواة والتقصي في المعالجة والإقدام بصفات الأدوية التي تبرئ في أسرع وقت ما يفوق به أهل زمانه ويحصل من تأثيرها شيء كأنه سحر، ومن ذلك أنني رأيته يوماً وقد أتى محموم بحمى محرقة وقواريره في غاية الحدة فاعتبر قوته، ثم أمر بأن يترك له في قدح بزور من الكافور مقداراً صالحاً عينه لهم في الدستور، وأن يشربه ولا يتناول شيئاً غيره، فلما أتينا من الغد وجدنا ذلك المريض والحمى قد انحطت عنه، وقارورته ليس فيها شيء من الحدة، ومثل هذا أيضاً أنه وصف في قاعة الممرورين لمن به المرض المسمى مانيا، وهو الجنون السبعي، أن يضاف إلى ماء الشعير في وقت إسقائه إياه مقدار متوفر من الأفيون، فصلح ذلك الرجل وزال ما به من تلك الحال، ورأيته يوماً في قاعة المحمومين وقد وقفنا عند مريض، وجست الأطباء نبضه فقالوا عنده ضعف ليعطى مرقة الفروج للتقوية فنظر إليه، وقال إن كلامه ونظر عينيه يقتضي الضعف، ثم جس نبض يده اليمنى وجس الأخرى وقال جسوا نبض يده اليسر، فوجدناه قوياً، فقال انظروا نبض يده اليمنى وكيف هو من قريب كوعه قد انفرق العرق الضارب شعبتين، فواحدة بقيت التي تجس والأخرى طلعت في أعلى الزند وامتدت إلى ناحية الأصابع، فوجدناه حقاً، ثم قال إن من الناس، وهو نادر، ومن يكون النبض فيه هكذا، ويشتبه على كثير من الأطباء ويعتقدون أن النبض ضعيف، وإنما يكون جسم لتلك الشعبة التي هي نصف العرق فيعتقدون أن النبض ضعيف، وكان في ذلك الوقت أيضاً في البيمارستان الشيخ رضي الدين الرحبي، وهو من أكبر الأطباء سناً وأعظمهم قدراً وأشهرهم ذكراً، فكان يجلس على دكة ويكتب لمن يأتي إلى البيمارستان، ويستوصف منه للمرضى أوراقاً يعتمدون عليها ويأخذون بها من البيمارستان الأشربة والأدوية التي يصفها، فكنت بعد ما يفرغ الحكيم مهذب الدين والحكيم عمران من معالجة المرضى المقيمين بالبيمارستان، وأنا معهم، أجلس مع الشيخ رضي الدين الرحبي فأعاين كيفية استدلاله على الأمراض، وجملة ما يصفه للمرضى وما يكتب لهم، وأبحث معه في كثير من الأمراض ومداواتها، ولم يجتمع في البيمارستان منذ بني وإلى ما بعده من الزمان من مشايخ الأطباء كما اجتمع فيه في ذلك الوقت من هؤلاء المشايخ الثلاثة وبقوا كذلك مدة.

ثم انقضت تلك السنون وأهلها

 

فكأنها وكـأنـهـم أحـلام

وكان الشيخ مهذب الدين رحمه اللَّه إذا تفرغ من البيمارستان، وافتقد المرضى في أعيان الدولة وأكابرها وغيرهم، يأتي إلى داره ثم يشرع في القراءة والدرس والمطالعة، ولا بد له مع ذلك من نسخ، فإذا فرغ منه أذن للجماعة فيدخلون إليه ويأتي قوم بعد قوم من الأطباء والمشتغلين، وكان يقرأ كل واحد منهم درسه، ويبحث معه فيه، ويفهمه إياه بقدر طاقته، ويبحث في ذلك مع المتميزين منهم إن كان الموضع يحتاج إلى فضل بحث، أو فيه إشكال يحتاج إلى تحرير، وكان لا يقرئ أحداً إلا وبيده نسخة من ذلك الكتاب يقرأه ذلك التلميذ، وينظر فيه ويقابل به، فإن كان في نسخة الذي يقرأ غلط أمره بإصلاحه، وكانت نسخ الشيخ مهذب الدين التي تقرأ عليه في غاية الصحة، وكان أكثرها بخطه، وكان أبداً لا يفارقه إلى جانبه مع ما يحتاج إليه من الكتب الطبية ومن كتب اللغة كتاب الصحاح للجوهري، والمجمل لابن فارس وكتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، فكان إذا فرغت الجماعة من القراءة يعود هو إلى نفسه فيأكل شيئاً ثم يشرع بقية نهاره في الحفظ والدرس والمطالعة يسهر أكثر ليله في الاشتغال. وكان أيضاً في ذلك الزمان يجتمع بالشيخ سيف الدين علي بن أبي علي الآمدي، وكان يعرفه قديماً فلازمه في الاشتغال عليه بالعلوم الحكمية، وحفظ شيئاً من كتبه، وحصل معظم مصنفاته ليشتغل بها مثل كتاب دقائق الحقائق، وكتاب رموز الكنوز، وكتاب كشف التمويهات في شرح التنبيهات وكتاب أبكار الأفكار، وغير ذلك من مصنفات سيف الدين، ثم بعد ذلك أيضاً نظر في علم الهيئة والنجوم، واشتغل بها على أبي الفضل الإسرائيلي المنجم، واقتنى من آلات النحاس التي يحتاج إليها في هذا الفن، ما لم يكن عند غيره ومن الكتب شيئاً كثيرا جداً، وسمعته يحكي أن عنده ست عشرة رسالة غريبة من الأصطرلاب لجماعة من المصنفين، وفي أثناء ذلك طلبه الملك الأشرف أبو الفتح موسى ابن الملك العادل وهو بالشرق توجه إليه، وذلك في شهر ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقال لي إنه خرج منه في هذه السفرة لما عزم على الحركة من شراء بغلات وخيم وآلات لا بد منها للسفر عشرون ألف درهم، ولما وصل ذلك إلى الملك الأشرف أكرمه وأحسن إليه، وأطلق له إقطاعاً في الشرق يغل له في كل سنة ألف وخمسمائة دينار فبقي معه مدة، ثم عرض له ثقل في لسانه واسترخاء فبقي لا يسترسل في الكلام ووصل إلى دمشق لما ملكها الملك الأشرف في سنة ست وعشرين وستمائة، وهو معه فولاه رياسة الطب، وبقي كذلك مديدة، وجعل له مجلساً لتدريس صناعة الطب، ثم زاد وهو معه فولاه رياسة الطب، ثم زاد به ثقل لسانه حتى بقي إذا حاول الكلام لا يفهم ذلك منه إلا بعسر، وكانت الجماعة تبحث قدامه فإذا استعصى معنى يجيب عنه بأيسر لفظ يدل على كثير من المعنى، وفي أوقات يعسر عليه الكلام فيكتبه في لوح وتنظر الجماعة، ثم اجتهد في مداواة نفسه، واستفرغ بدنه بعدة أدوية مسهلة، وكان يتناول كثيراً من الأدوية والمعاجين الحارة ويغتذي بمثلها فعرضت له حمى وتزايدت به حتى ضعفت قوته وتوالت عليه أمراض كثيرة، ولا جاء الأجل بطل العمل .

وإذا المنية أنشبت أظفارها

 

ألفيت كل تميمة لا تنفـع

وكانت وفاته رحمه اللّه في الليلة التي صبيحتها يوم الاثنين خامس عشر صفرسنة ثمان وعشرين وستمائة ودفن بجبل قاسيون ولم يخلف ولداً.

ولما كان في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وذلك قبل سفر الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي عند الملك الأشرف وخدمته له، وقف داره وهي بدمشق عند الصاغة العتيقة شرقي سوق المناخليين، وجعلها مدرسة يدرس فيها من بعده صناعة الطب، ووقف لها ضياعاً وعدة أماكن يستغل ما ينصرف في مصالحها، وفي جامكية المدرس وجامكية المشتغلين بها، ووصى أن يكون المدرس فيها الحكيم شرف الدين علي بن الرحبي وابتدأ بالصلاة في هذه المدرسة يوم الجمعة صلاة العصر ثامن ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة.

ولما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الآخر سنة ثمان وستمائة حضر الحكيم سعد الدين إبراهيم بن الحكيم موفق الدين عبد العزيز، والقاضي شمس الدين الخوئي والقاضي جمال الدين الخرستاني، والقاضي عزيز الدين السنجاري وجماعة من الفقهاء والحكماء، وشرع الحكيم شرف الدين بن الرحبي في التدريس بها في صناعة الطب واستمر على ذلك، وبقي سنين عدة، ثم صار المدرس فيما بعد الحكيم بدر الدين المظفر بن قاضي بعلبك، وذلك أنه لما ملك دمشق الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين ممدود ابن الملك العادل، كتب للحكيم بدر الدين ابن قاضي بعلبك منشوراً برياسته على سائر الحكماء في صناعة الطب، وأن يكون مدرساً للطب في مدرسة الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي، وتولى ذلك في يوم الأربعاء رابع صفر سنة سبع وثلاثين وستمائة.

وأنشدني مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر الحلبي، قال أنشدني الشيخ الأديب شهاب الدين فتيان بن علي الشاغوري لنفسه يمدح الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي  

أنعم ولذ بأقدار تؤاتـيكـا حـتـى

 

تنال بهـا أقـصـى أمـانـيكـا

 

مهذب الدين يا عبد الرحـيم لـقـد

 

شأوت يا ابن علي من يبـاريكـا

 

فازت قداحك في حفظ الـدروس

 

بأيام سلفن وما خابت لـيالـيكـا

 

ما زلت تسعى لكسب الحمد مجتهداً

 

حتى بلغت الأواني من مساعيكـا

 

أنت امرؤ أودعت ألفـاظـه حـكـمـاً

 

أملت دقيق المعاني مـن مـعـانـيكـا

حتى ربيت بحجر العلـم مـتـخـذاً لـك

 

التواضع لـبـسـاً فـي تـعـالـيكـا

فللمعاني ابتسـام فـي خـلائقـك الـح

 

سان مثل ابتسام المـجـد فـي فـيكـا

يا من لـه قـلـم كـم مـد مـن لـقـم

 

في الفضل سبحـان بـاريه وبـاريكـا

لك الـثـنـاء جـمـيلاً حـيث كـنـت

 

فما خلق عن المجد والعلـياء يثـنـيكـا

متـى تـمـادى الـمـجـيد الـمــدح

 

في مدح يبدّ أقصى المدى أدنى الذي فيكا

يا جامـعـاً حـسـبـاً عـدا إلـى أدب

 

جم عدمت امرءاً في الجود يحـكـيكـا

عنـدي إلـيك صـبـابـات يؤكـدهــا

 

حسن الوفـاء بـمـعـروف يوافـيكـا

ولـي إلـيك اشـتـياق لا يفـارقـنـي

 

يا ليت لي سبباً للوصـل مـسـلـوكـا

ولو تهيأ لي الـمـسـعـى إلـيك لـمـا

 

فارقـت بـابـك بـوابـاً أنـاجـيكـا

لكننـي فـي يدي شـيخـوخة وضـنـا

 

قد غادر الجسم منهوبـاً ومـنـهـوكـا

كم همة لك قد أوفت عـلـى الـفـلـك

 

الأعلى بأخمصها كـيوان مـعـروكـا

وددت أن عـلـياً والـرشـيد مـعـــاً

 

عاشـا وقـد رأيا مـا الـلّـه يولـيكـا

كلاهما كـان فـي سـر وفـي عـلـن

 

لك المحـب فـمـا ينـفـك يطـريكـا

عش وابـق وارفـل طـول الـدهــر

 

في خل ع الملوك واخلع قلوباً من أعاديكا

ولا تـزل أبـداً فـي بـاب دارك لــل

 

رسل أزحام إلى السلطـان تـدعـوكـا

ونلت بـالـعـادل الـمـيمـون طـائره

 

قصوى بالمنى منجعـا فـيه تـداويكـا

فهـو الـذي ثـل عـرش الـشـرك إذ

 

دمهم أمسى وأضحى بسيف الدين مسفوكا

معود النـصـر والـفـتـح الـقـريب

 

فسل به الملوك فكل عـنـه ينـبـيكـا

ستهزم الـمـلـك الأنـكـور وثـبـتـه

 

وفي كلاء سنان الرمـح مـشـكـوكـا

دع حمل هم دمشـق الـلّـه كـالـئهـا

 

ممـا تـخـوفـه والـلَّـه كـالـيكـا

هل الـرئيس بـن سـينـا وهـو يطـر

 

ب بالقانون وافاك بالبشـرى يغـنـيكـا

وهل مـقـالات جـالـينـوس صـادرة

 

عما تـقـول فـتـأويهـا فـتـاويكـا

فنـعـم حـدث مـلـوك أنـت أفـلـح

 

من منهم بناديه في الـجـلـى ينـاديكـا

كم قـلــت لابـــن خـــروف دع

 

تنمى سـعـادتـه يا أنـوك الـنـوكـا

هجاءك من حتى هـوى بـحـضـيض

 

قد تبوأه إلى القيامة ما ينفك مـدكـوكـا

وعشت أنت غنياً بالهبـات ومـن عـاداك

 

مات شـديد الـفـقـر صـعـلـوكـا

دمشق جنة عدن للـمـقـيم بـهـا فـلا

 

نأت عـن مـغـانـيهـا مـغـانـيكـا

شوت كلى ابن خـروف نـار سـعـدك

 

إذ دعا به نحسـه يومـاً لـيهـجـوكـا

فكم أسـير سـقـام مـن جـوامـعـه

 

جعلته بعد ضيق الأسـر مـفـكـوكـا

نزهت عن هفـوات يسـتـفـز بـهـا

 

سواك من للخنا يبغـي الـمـمـالـيكـا

ولم تـضـع صـلـوات مـا بـرحـت

 

لها حلماً بـخـير تـحـيات تـحـييكـا

ولم تكن راغبـاً فـي شـرب صـافـية

 

صحت فأصبح منها العقل مـوعـوكـا

           

أقول وكان هذا ابن خروف الذي ذكره شهاب الدين فتيان مغربيا شاعراً، وكان كثير الهجاء للحكيم مهذب الدين، وكان آخرة ابن خروف أنه توجه إلى حلب، ومدح صاحبها الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين، وأنشده المديح، ولما فرغ تأخر القهقرى إلى خلف، وكان ثم بئر فوقع فيها ومات.

ومن شعر مهذب الدين عبد الرحيم بن علي، قال وكتب به إلى عمي الحكيم رشيد الدين علي بن خليفة في مرضة مرضها

يا من أؤمله لكل ملمة وأخاف

 

إن حدثـت لـه أعـراض

حوشيت من مرض تعاد لأجلها

 

وبقيت ما بقيت لنا أعـراض

إنا نعدك جوهراً في عصرنـا

 

وسواك أن عدوا فهم أعراض

ولمهذب الدين عبد الرحيم بن علي من الكتب اختصار كتاب الحاوي في الطب للرازي، اختصار كتاب الأغاني الكبير لأبي الفرج الأصفهاني، مقالة في الاستفراغ ألفها بدمشق في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وستمائة، كتاب الجنينة في الطب، تعاليق ومسائل في الطب وشكوك طبية ورد أجوبتها له، كتاب الرد على شرح ابن صادق لمسائل حنين، مقالة يرد فيها على رسالة أبي الحجاج يوسف الإسرائيلي في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها.