قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي

قريش تحذره من استماعه للرسول صلى الله عليه و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما يرى من قومه ، يبذل لهم النصيحة ، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه ‏‏.‏‏ وجعلت قريش ، حين منعه الله منهم ، يحذّرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب ‏‏.‏‏ وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث ‏‏:‏‏ أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، فقالوا له ‏‏:‏‏ يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنَّه ولا تسمعنّ منه شيئا ‏‏.‏‏

استماعه لقول قريش ، ثم عدوله و سماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم

قال ‏‏:‏‏ فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فَرقا من أن يبلغني شيء من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقمت منه قريبا ، فأبى الله إلا أن يُسمعني بعض قوله ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فسمعت كلاما حسنا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ واثُكْل أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ‏‏!‏‏ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته ‏‏.‏‏

إسلام الطفيل

قال ‏‏:‏‏ فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ، فقلت ‏‏:‏‏ يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، للذي قالوا ، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يُسمعني قولك ، فسمعته قولا حسنا، فاعرض علي أمرك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، وتلا علي القرآن، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ، ولا أمرا أعدل منه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت‏‏:‏‏ يا نبي الله ، إني امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم ، وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه ، فقال ‏‏:‏‏ اللهم اجعل له آية ‏‏.‏‏ آية للطفيل ليصدقه قومه قال ‏‏:‏‏ فخرجت إلى قومي ، حتى إذا كنت بِثنيَّة تطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح ؛ فقلت‏‏:‏‏ اللهم في غير وجهي ، إني أخشى أن يظنوا أنها مُثْلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فتحول فوقع في رأس سوطي ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط إليهم من الثنية ، قال ‏‏:‏‏ حتى جئتهم فأصبحت فيهم ‏‏.‏‏

إسلام والد الطفيل
قال ‏‏:‏‏ فلما نزلت أتاني أبي ، وكان شيخا كبيرا ، قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست مني ؛ قال ‏‏:‏‏ ولم يابني ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏‏:‏‏ أي بني ، فديني دينك ؛ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما عُلِّمت ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فذهب فاغتسل ، وطهر ثيابه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم جاء فعرضت عليه الإسلام ، فأسلم ‏‏.‏‏
دعوته زوجه إلى الإسلام

قال ‏‏:‏‏ ثم أتتني صاحبتي ، فقلت ‏‏:‏‏ إليك عني ، فلست منك ولست مني ؛ قالت ‏‏:‏‏ لم ‏‏؟‏‏ بأبي أنت وأمي ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ قد فرق بيني وبينك الإسلام ، وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قالت ‏‏:‏‏ فديني دينك ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ فاذهبي إلى حِنا ذي الشَّرى - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ حمى ذي الشرى - فتطهري منه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وكان ذو الشرى صنما لدوس ، وكان الحمى حمى حموه له ، وبه وَشَل من ماء يهبط من جبل ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقالت ‏‏:‏‏ بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ لا ، أنا ضامن لذلك ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام ، فأسلمت ‏‏.‏‏ دعوته قومه إلى الإسلام ، و ما كان منهم ، و لحاقهم بالرسول صلى الله عليه و سلم ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبطئوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، إنه قد غلبني على دوس الزنا ، فادع الله عليهم ؛ فقال ‏‏:‏‏ اللهم اهد دوسا ، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فأَسْهم لنا مع المسلمين ‏‏.‏‏ ثم لم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا فتح الله عليه مكة ، قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين ، صنم عمرو بن حممة حتى أُحرقه ‏‏.‏‏

إحراق صنم ذي الكفين

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فخرج إليه ، فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول ‏‏:‏‏

يا ذا الكفين لست من عُبَّادكا

 

ميلادنا أقدم مـن مـيلادكـا

إني حشوتُ النار في فؤادكا

 

 

جهاده معه صلى الله عليه وسلم وموته

قال ‏‏:‏‏ ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ فلما ارتدت العرب ، خرج مع المسلمين ، فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ، ومن أرض نجد كلها ‏‏.‏‏ ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل ، فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة ، فقال لأصحابه ‏‏:‏‏ إني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي ، رأيت أن رأسي حُلق ، وأنه خرج من فمي طائر ، وأنه لقيتْني امرأة فأدخلتني في فرجها ، وأرى ابني يطلبني حثيثا ، ثم رأيته حُبس عني ؛ قالوا ‏‏:‏‏ خيرا ؛ قال ‏‏:‏‏ أما أنا والله فقد أولتها ؛ قالوا ‏‏:‏‏ ماذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أما حَلْق رأسي فوضعه ؛ وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي ؛ وأما المرأة التي أدخلتني فرجها فالأرض تحفر لي ، فأُغيَّب فيها ؛ وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني ، فإني أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابني ‏‏.‏‏ فقُتل رحمه الله شهيدا باليمامة ، وجُرح ابنه جراحة شديدة ، ثم استبل منها ، ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهيدا ‏‏.‏‏ ‏

قصة أعشى بني قيس بن ثعلبة
قدومه على الرسول ومدحه

قال ابن هشام ‏‏:‏‏حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي وغيره من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم ‏‏:‏‏ أن أعشى بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام ، فقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمـدا

 

وبتَّ كما بات السلـيم مُـسـهَّـدا

وما ذاك من عشق النساء وإنما

 

تناسيت قبل اليوم صُحبة مـهـددا

ولكن أرى الدهر الذي هو خائن

 

إذا أصلحت كفاي عاد فـأفـسـدا

كهولا وشُبَّانا فـقـدت وثـروة

 

فلله هذا الـدهـر كـيف تـرددا

وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع

 

وليدا وكهلا حين شبـت وأمـردا

وأبتذل العيس المراقيل تغتلـي

 

مسافة ما بين النُّجير فصـرخـدا

ألا أيهذا السائلي أين يمـمـتْ

 

فإن لها في أهل يثرب مـوعـدا

فإن تسألي عني فـيا رُب سـائل

 

حفيّ عن الأعشى به حيث أصـعـدا

أجدَّت برجليها النجاء وراجـعـت

 

يداها خنـافـا لـينـا غـير أحـردا

وفيها إذا ما هجرت عـجـرفـية

 

إذا خلت حرباء الظـهـيرة أصـيدا

و آليت لا آوي لهـا مـن كـلالة

 

ولا من حفى حتى تلاقي مـحـمـدا

متى ما تناخي عند باب ابن هاشـم

 

تراحي وتلقى من فواضـلـه نـدى

نبيا يرى مـا لا تـرون وذكـره

 

أغار لعمري في الـبـلاد وأنـجـدا

له صدقات مـا تـغـب ونـائل

 

وليس عطاء اليوم مـانـعـه غـدا

أجدك لم تسمع وصاة مـحـمـد

 

نبى الإله حـيث أوصـى وأشـهـدا

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقـى

 

ولاقيت بعد الموت مـن قـد تـزودا

ندمت على أن لا تكون كمثـلـه

 

فترصد للموت الذي كـان أرصـدا

فإياك والميتات لا تـقـربـنـهـا

 

ولا تأخذنْ سهما حديدا لـتـفـصـدا

وذا النصب المنصوب لا تنسكنـه

 

ولا تعبد الأوثان والـلـه فـاعـبـدا

ولا تقربن حـرة كـان سـرهـا

 

عليك حراما فانـكـحـن أو تـأبـدا

وذا الرحم القربى فلا تقطعـنـه

 

لعـاقـبة ولا الأسـير الـمـقـيدا

وسبح على حين العشيات والضحى

 

ولا تحمد الشيطان والله فـاحـمـدا

ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة

 

ولا تحسبن المال للمـرء مـخـلـدا

         
نهاية الأعشى

فلما كان بمكة أو قريبا منها ، اعترضه بعض المشركين من قريش ، فسأله عن أمره ، فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم ؛ فقال له ‏‏:‏‏ يا أبا بصير ، إنه يحرم الزنا ؛ فقال الأعشى ‏‏:‏‏ والله إن ذلك الأمر ما لي فيه من أرب ؛ فقال له ‏‏:‏‏ يا أبا بصير ، فإنه يحرم الخمر ؛ فقال الأعشى ‏‏:‏‏ أما هذه فوالله إن في النفس منها لعلالات ، ولكني منصرف فأتروى منها عامي هذا ، ثم آتيه فأسلم ‏‏.‏‏ فانصرف فمات في عامه ذلك ، ولم يعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ ‏

أبو جهل يَذِلُّ للرسول صلى الله عليه و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد كان عدو الله أبو جهل بن هشام مع عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبغضه إياه ، وشدته عليه ، يذله الله له إذا رآه ‏‏.‏‏

أبو جهل وأمر الإراشي الذي باعه الإبل

مماطلة أبي جهل الإراشي ، و استنجاده بقريش ، و استخفافهم بالرسول قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني عبدالملك بن عبدالله بن أبي سفيان الثقفي ، وكان واعية ، قال ‏‏:‏‏ قدم رجل من إراش - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ إراشة - بإبل له مكة ، فابتاعها منه أبو جهل ، فمطله بأثمانها ‏‏.‏‏ فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام ، فإني ‏ رجل غريب ، ابن سبيل ، وقد غلبني على حقي ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال له أهل ذلك المجلس ‏‏:‏‏ أترى ذلك الرجل الجالس - لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يهزءون به لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة - اذهب إليه فإنه يؤديك عليه ‏‏.‏‏

الرسول ينصف الإراشي من أبي جهل

فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ يا عبدالله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله ، وأنا رجل غريب ابن سبيل ، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه، يأخذ لي حقي منه ، فأشاروا لي إليك ، فخذ لي حقي منه ، يرحمك الله ؛ قال ‏‏:‏‏ انطلق إليه ، وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه قام معه ‏‏.‏‏ قالوا لرجل ممن معهم ‏‏:‏‏ اتبعه ، فانظر ماذا يصنع‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه ، فقال ‏‏:‏‏ من هذا ‏‏؟‏‏ قال‏‏:‏‏ محمد، فاخرج إلي ، فخرج إليه ، وما في وجهه من رائحة ، قد انتقع لونه ، فقال ‏‏:‏‏ أعط هذا الرجل حقه ؛ قال ‏‏:‏‏ نعم ، لا تبرح حتى أعطيه الذي له ، قال ‏‏:‏‏ فدخل ، فخرج إليه بحقه ، فدفعه إليه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال للإراشي ‏‏:‏‏ الحق بشأنك ، فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس ، فقال ‏‏:‏‏ جزاه الله خيرا ، فقد والله أخذ لي حقي ‏‏.‏‏

ما خافه أبو جهل من رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ‏‏:‏‏ وجاء الرجل الذي بعثوا معه ، فقالوا ‏‏:‏‏ ويحك ‏‏!‏‏ ماذا رأيت ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ عجبا من العجب ، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه ، فخرج إليه وما معه روحه ، فقال له ‏‏:‏‏ أعط هذا حقه ، فقال ‏‏:‏‏ نعم ، لا تبرح حتى أخرج إليه حقه ، فدخل فخرج إليه بحقه ، فأعطاه إياه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء ، فقالوا له ‏‏:‏‏ ويلك ‏‏!‏‏ ما لك ‏‏؟‏‏ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ ويحكم ، والله ما هو إلا أن ضرب علي بابي ، وسمعت صوته ، فملئت رعبا ، ثم خرجت إليه ، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ، ما رأيت مثل هامته ، ولا قصرته ، ولا أنيابه لفحل قط ، والله لو أبيت لأكلني ‏‏.‏‏

أمر ركانة المطلبي ومصارعته للنبي صلى الله عليه وسلم

من معجزاته صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، قال ‏‏:‏‏ كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب بن عبد مناف أشد قريش ، فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا ركانة ، ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أفرأيت إن صرعتك ، أتعلم أن ما أقول حق ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فقم حتى أصارعك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقام إليه ركانة يصارعه ؛ فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعه ، وهو لا يملك من نفسه شيئا ، ثم قال‏‏:‏‏ عد يا محمد ، فعاد فصرعه ، فقال ‏‏:‏‏ يا محمد ، والله إن هذا للعجب ، أتصرعني ‏‏!‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه ، إن اتقيت الله واتبعت أمري ؛ قال ‏‏:‏‏ ما هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني ؛ قال ‏‏:‏‏ ادعها ، فدعاها ، فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لها ‏‏:‏‏ ارجعي إلى مكانك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجعت إلى مكانها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فذهب ركانة إلى قومه ، فقال ‏‏:‏‏ يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض ، فوالله ما رأيت أسحر منه قط ، ثم أخبرهم بالذي رأى والذي صنع ‏‏.‏‏

قدوم وفد النصارى الذين أسلموا من الحبشة
أبو جهل يحاول ردهم عن الإسلام ، و إخفاقه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بمكة ، عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى ، حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ؛ فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا ، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن ‏‏.‏‏ فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله ، وآمنوا به وصدقوه ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره ‏‏.‏‏ فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم ‏‏:‏‏ خيبكم الله من ركب ‏‏!‏‏ بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده، حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ، ما نعلم ركبا أحمق منكم ‏‏.‏‏ أو كما قالوا ‏‏.‏‏فقالوا لهم ‏‏:‏‏ سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نَأْلُ أنفسنا خيرا ‏‏.‏‏
مواطنهم و ما نزل فيهم من القرآن

ويقال ‏‏:‏‏ إن النفر من النصارى من أهل نجران ، فالله أعلم أي ذلك كان ‏‏.‏‏ فيقال - والله أعلم - فيهم نزلت هؤلاء الآيات ‏‏:‏‏ ‏‏ {(‏‏ الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ‏‏.‏‏ وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به ، إنه الحق من ربنا ، إنا كنا من قبله مسلمين ‏‏)} ‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏ (‏‏ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن أنزلن ، فقال لي ‏‏:‏‏ ما أسمع من علمائنا أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه ‏‏.‏‏ والآية من سورة المائدة من قوله ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ، وأنهم لا يستكبرون ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ فاكتبنا مع الشاهدين ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏

تهكم المشركين بالمستضعفين ، وما نزل في ذلك

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد ، فجلس إليه المستضعفون من أصحابه ‏‏:‏‏ خباب ، وعمار ، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية بن محرث ، وصهيب ، وأشباههم من المسلمين ، هزئت بهم قريش ، وقال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ هؤلاء أصحابه كما ترون ، أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق ‏‏!‏‏ لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه ، وما خصهم الله به دوننا ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، ما عليك من حسابهم من شيء ، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ، وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ، أليس الله بأعلم بالشاكرين ‏‏.‏‏ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ، فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه ‏الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏

ادعاء المشركين على النبي أنه يعلمه بشر ، ورد القرآن عليهم

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مَبْيَعة غلام نصراني ، يقال له ‏‏:‏‏ جبر ، عبد لبني الحضرمي ، فكانوا يقولون ‏‏:‏‏ والله ما يُعلِّم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني ، غلام بنى الحضرمي ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ، وهذا لسان عربي مبين ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يلحدون إليه ‏‏:‏‏ يميلون إليه ‏‏.‏‏ والإلحاد ‏‏:‏‏ الميل عن الحق ‏‏.‏‏ قال رؤبة بن العجاج ‏‏:‏‏

إذا تبع الضحاك كل ملحد

 

 

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يعني الضحاك الخارجي ، وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏

سبب نزول سورة الكوثر

نزول سورة الكوثر في العاص بن وائل قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان العاص بن وائل السهمي - فيما بلغني - إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ دعوه ، فإنما هو رجل أبتر لا عقب له ، لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه ، فأنزل الله في ذلك ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ إنا أعطيناك الكوثر ‏‏) ‏‏ ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ‏‏.‏‏ والكوثر ‏‏:‏‏ العظيم ‏‏.‏‏ معنى الكوثر قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قال لبيد بن ربيعة الكلابي ‏‏:‏‏

وصاحب ملحوب فجعنا بيومه

 

وعند الرداع بيت آخر كـوثـر

يقول ‏‏:‏‏ عظيم ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وصاحب ملحوب ‏‏:‏‏ عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، مات بملحوب ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وعند الرداع بيت آخر كوثر ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ يعني شريح بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، مات بالرداع ‏‏.‏‏ وكوثر ‏‏:‏‏ أراد الكثير ‏‏.‏‏ ولفظه مشتق من لفظ الكثير ‏‏.‏‏ قال الكميت بن زيد يمدح هشام بن عبدالملك بن مروان ‏‏:‏‏

وأنت كثير ياابن مروان طيب

 

وكان أبوك ابن العقائل كوثـرا

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي يصف حمار وحش ‏‏:‏‏ ‏

يحامي الحقيق إذا ما احتدمن

 

وحمحمن في كوثر كالجـلال

 يعني بالكوثر ‏‏:‏‏ الغبار الكثير ، شبهه لكثرته عليه بالجلال ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكوثر ما هو ‏‏؟‏‏ فأجاب قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني جعفر بن عمرو - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هو جعفر ابن عمرو بن أمية الضمري - عن عبدالله بن مسلم أخي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أنس بن مالك ، قال ‏‏:‏‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل له ‏‏:‏‏ يا رسول الله، ما الكوثر الذي أعطاك الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نهر كما بين صنعاء إلى أيلة ، آنيته كعدد نجوم السماء ، ترده طيور لها أعناق كأعناق الإبل ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول عمر بن الخطاب ‏‏:‏‏ إنها يا رسول الله لناعمة ؛ قال ‏‏:‏‏ آكلها أنعم منها‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد سمعت في هذا الحديث أو غيره أنه قال صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ من شرب منه لا يظمأ أبدا ‏‏.‏‏ نزول ‏‏ (‏‏ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ‏‏) ‏‏ مقالة زمعة و صحبه ، و نزول هذه الآية قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام ، وكلمهم فأبلغ إليهم ، فقال له زمعة بن الأسود ، والنضر بن الحارث ، والأسود بن عبد يغوث ، وأبي بن خلف ، والعاص بن وائل ‏‏:‏‏ لو جُعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويُرى معك ‏‏!‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ، ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ، ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ، وللبسنا عليهم ما يلبسون ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏

نزول ‏‏(‏‏ ولقد استهزىء برسل من قبلك ‏‏)‏‏

مقالة الوليد و صحبه ، و نزول هذه الآية قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - بالوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، وبأبي جهل بن هشام ، فهمزوه واستهزءوا به ، فغاظه ذلك ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من أمرهم ‏‏:‏‏ ‏‏ {(‏‏ ولقد استهزىء برسل من قبلك ، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون ‏‏)} ‏‏ ‏‏.‏‏ ‏

ذكر الإسراء والمعراج

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ‏‏:‏‏ ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس من إيلياء ، وقد فشا الإسلام بمكة في قريش ، وفي القبائل كلها ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى الله عليه وسلم ، عن عبدالله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري ، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعاوية بن أبي سفيان ، والحسن بن أبي الحسن البصري ، وابن شهاب الزهري ، وقتادة وغيرهم من أهل العلم ، وأم هانئ بنت أبي طالب ، ما اجتمع في هذا الحديث ، كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أُسري به صلى الله عليه وسلم ، وكان في مسراه ، وما ذكر عنه بلاء وتمحيص ، وأمر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه ، فيه عبرة لأولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق ، وكان من أمر الله سبحانه ‏وتعالى على يقين ، فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء ، ليريه من آياته ما أراد ، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد ‏‏.‏‏ رواية عبدالله بن مسعود عن الإسراء فكان عبدالله بن مسعود - فيما بلغني عنه - يقول ‏‏:‏‏ أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحُمل عليها الأنبياء قبله ، تضع حافرها في منتهى طرفها - فحُمل عليها ، ثم خرج به صاحبه ، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمُعوا له ، فصلى بهم ‏‏.‏‏ ثم أُتي بثلاثة آنية ، إناء فيه لبن ، وإناء فيه خمر ، وإناء فيه ماء ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فسمعت قائلا يقول حين عُرضت علي ‏‏:‏‏ إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته ، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته ، وإن أخذ اللبن هُدي وهديت أمته ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأخذت إناء اللبن ، فشربت منه ، فقال لي جبريل عليه السلام ‏‏:‏‏ هُديت وهديت أمتك يا محمد ‏‏.‏‏

رواية الحسن عن مسراه صلى الله عليه و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحُدثت عن الحسن أنه قال ‏‏:‏‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ بينا أنا نائم في الحجر ، إذ جاءني جبريل ، فهمزني بقدمه ، فجلست فلم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه ، فجلست ولم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه ، فجلست ، فأخذ بعضدي ، فقمت معه ، فخرج بي إلى باب المسجد ، فإذا دابة أبيض ، بين البغل والحمار ، في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه ، يضع يده في منتهى طرفه ، فحملني عليه ، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته ‏‏.‏‏ رواية قتادة عن مسراه صلى الله عليه و سلم قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحُدثت عن قتادة أنه قال ‏‏:‏‏ حُدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏‏:‏‏ لما دنوت منه لأركبه شَمَس ، فوضع جبريل يده على مَعرفته ، ثم قال ‏‏:‏‏ ألا تستحي يا براق مما تصنع ، فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه ‏‏.‏‏ قال‏‏:‏‏ فاستحيا حتى ارفضّ عرقا ، ثم قر حتى ركبته ‏‏.‏‏

عودة إلى رواية الحسن

قال الحسن في حديثه ‏‏:‏‏ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومضى جبريل عليه السلام معه ، حتى انتهى به إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء ، فأمَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ، ثم أُتي بإناءين ، في أحدهما خمر ، وفي الآخر لبن ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء اللبن ، فشرب منه ، وترك إناء الخمر ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال له جبريل‏‏:‏‏ هديت للفطرة ، وهديت أمتك يا محمد ، وحرمت عليكم الخمر ‏‏.‏‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر ‏‏.‏‏ فقال أكثر الناس ‏‏:‏‏ هذا والله الإمْر البين، والله إن العير لتطرد ، شهرا من مكة إلى الشام مدبرة ، وشهرا مقبلة ، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة، ويرجع إلى مكة ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ فارتد كثير ممن كان أسلم ، وذهب الناس إلى أبي بكر ، فقالوا له ‏‏:‏‏ هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لهم‏ أبو بكر ‏‏:‏‏ إنكم تكذبون عليه ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ؛ فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ والله لئن كان قاله لقد صدق ، فما يُعجبكم من ذلك ‏‏!‏‏ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه ، فهذا أبعد مما تعجبون منه ، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ‏‏؟‏‏ قال‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، فصفه لي ، فإني قد جئته - قال الحسن ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فرُفع لي حتى نظرت إليه - فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر ، ويقول أبو بكر ‏‏:‏‏ صدقت ، أشهد أنك رسول الله ، كلما وصف له منه شيئا ، قال ‏‏:‏‏ صدقت ، أشهد أنك رسول الله ، حتى إذا انتهى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ‏‏:‏‏ وأنت يا أبا بكر الصديق ؛ فيومئذ سماه الصديق ‏‏.‏‏ قال الحسن ‏‏:‏‏ وأنزل الله تعالى فيمن ارتد عن إسلامه لذلك ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، والشجرة الملعونة في القرآن ، ونخوفهم ، فما يزيد إلا طغيانا كبيرا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ وما دخل فيه من حديث قتادة ‏‏.‏‏

رواية عائشة عن مسراه صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني بعض آل أبي بكر ‏‏:‏‏ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ‏‏:‏‏ ما فُقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه ‏‏.‏‏ رواية معاوية عن مسراه صلى الله عليه و سلم قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ‏‏:‏‏ أن معاوية بن أبي سفيان ، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ كانت رؤيا من الله تعالى صادقة‏‏.‏‏
جواز أن يكون الإسراء رؤيا

فلم يُنكر ذلك من قولهما ، لقول الحسن ‏‏:‏‏ إن هذه الآية نزلت في ذلك ، قول الله تبارك وتعالى ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ‏‏) ‏‏ ، ولقول الله تعالى في الخبر عن إبراهيم عليه السلام إذ قال لابنه ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ يا بُنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك ‏‏) ‏‏ ثم مضى على ذلك ‏‏.‏‏ فعرفت أن الوحي من الله يأتي الأنبياء أيقاظا ونياما ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول ‏‏:‏‏ تنام عيناي وقلبي يقظان ‏‏.‏‏ والله أعلم أي ذلك كان قد جاءه ، وعاين فيه ما عاين ، من أمر الله ، على أي حاليه كان ‏‏:‏‏ نائما ، أو يقظان ، كل ذلك حق وصدق ‏‏.‏‏ ‏

وصفه صلى الله عليه وسلم لإبراهيم وموسى وعيسى

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وزعم الزهرى عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في تلك الليلة ، فقال ‏‏:‏‏ أما إبراهيم ، فلم أر رجلا أشبه قط بصاحبكم ، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ وأما موسى ، فرجل آدم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة ؛ وأما عيسى بن مريم ، فرجل أحمر ، بين القصير والطويل ، سبط الشعر ، كثير خِيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس ، تخال رأسه يقطر ماء ، وليس به ماء ، أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي‏‏.‏‏

علي يصف الرسول صلى الله عليه وسلم

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر عمر مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب ، قال ‏‏:‏‏ كان علي بن أبي طالب عليه السلام ، إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏‏:‏‏ لم يكن بالطويل الممغَّط ، ولا القصير المتردد ‏‏.‏‏ وكان ربعة من القوم ، ولم يكن بالجعد القطط ولا السبط ، كان جعدا رجلا ، ولم يكن بالمطهَّم ولا المكلثم ، وكان أبيض مشربا ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ، جليل المشاش والكتد ، دقيق المسربة ، أجرد شَثْن الكفين والقدمين ، إذا مشى تقلع ، كأنما يمشي في صبب ، وإذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهو صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين ، أجود الناس كفا ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفى الناس ذمة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه أحبه ، يقول ناعته ‏‏:‏‏ لم أر قبله ولا بعده مثله ، صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

رواية أم هانئ عن الإسراء

قال محمد بن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان فيما بلغني عن أمر هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ، واسمها هند ، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنها كانت تقول ‏‏:‏‏ ما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي ، نام عندي تلك الليلة في بيتي ، فصلى العشاء الآخرة ، ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما صلى الصبح وصلينا معه ، قال ‏‏:‏‏ يا أم هانىء ، لقد ‏صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ، ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين ، ثم قام ليخرج ، فأخذت بطرف ردائه ، فتكشَّف عن بطنه كأنه قُبطية مطوية ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ؛ قال ‏‏:‏‏ والله لأحدثنهموه ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقلت لجارية لي حبشية ‏‏:‏‏ ويحك اتبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسمعي ما يقول للناس ، وما يقولون له ‏‏.‏‏ فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أخبرهم ، فعجبوا وقالوا ‏‏:‏‏ ما آية ذلك يا محمد ‏‏؟‏‏ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط ؛ قال ‏‏:‏‏ آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا ، فأنفرهم حس الدابة ، فندَّ لهم بعير ، فدللتهم عليه ، وأنا موجَّه إلى الشام ‏‏. ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان ، فوجدت القوم نياما ، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء ، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ، ثم غطيت عليه كما كان ؛ وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء ، ثنية التنعيم ، يقدمها جمل أورق ، عليه غرارتان ، إحداهما سوداء ، والآخرى برقاء ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولُ من الجمل كما وصف لهم ، وسألوهم عن الإناء ، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه ، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه ، ولم يجدوا فيه ماء ‏‏.‏‏ وسألوا الآخرين وهم بمكة ، فقالوا ‏‏:‏‏ صدق والله ، لقد أُنْفرنا في الوادي الذي ذكر ، وندّ لنا بعير ، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه ، حتى أخذناه ‏‏.‏‏

قصة المعراج
الرسول صلى الله عليه وسلم يصعد إلى السماء الأولى ‏‏(‏‏ حديث الخدري عن المعراج ‏‏)‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني من لا أتهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال ‏‏:‏‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏‏:‏‏ لما فرغت مما كان في بيت المقدس ، أُتي بالمعراج ، ولم أر شيئا قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضر ، فأصعدني صاحبي فيه ، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء ، يقال له ‏‏:‏‏ باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة ، يقال له ‏‏:‏‏ إسماعيل ، تحت يديه اثنا عشر ألف ملك ، تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك - قال ‏‏:‏‏ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث ‏‏:‏‏ وما يعلم جنود ربك إلا هو - فلما دُخل بي ، قال ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا محمد ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ أوقد بعث ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدعا لي بخير ، وقاله ‏‏.‏‏

صفة مالك خازن النار

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏‏:‏‏ تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا ، فلم يلقني ملك إلا ضاحكا مستبشرا ، يقول ‏خيرا ويدعو به ، حتى لقيني ملك من الملائكة ، فقال مثل ما قالوا ، ودعا بمثل ما دعوا به ، إلا أنه لم يضحك ، ولم أر منه من البشر مثل ما رأيت من غيره ، فقلت لجبريل ‏‏:‏‏ يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك إلي ، ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لي جبريل ‏‏:‏‏ أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك ، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك ، لضحك إليك ، ولكنه لا يضحك ، هذا مالك صاحب النار ‏‏.‏‏

من صفات جهنم أعاذنا الله منها

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فقلت لجبريل ، وهو من الله تعالى بالمكان الذي وصف لكم ‏‏ (مطاع ثم أمين‏‏) ‏‏ ‏‏:‏‏ ألا تأمره أن يُريني النار ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ بلى ، يا مالك ، أرِ محمدا النار ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فكشف عنها غطاءها ، فقال ‏‏:‏‏ ففارت وارتفعت ، حتى ظننت لتأخذن ما أرى ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت لجبريل ‏‏:‏‏ يا جبريل ، مُرْه فليردها إلى مكانها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأمره ، فقال لها ‏‏:‏‏ اخبي ، فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه ‏‏.‏‏ فما شبَّهت رجوعها إلا وقوع الظل ‏‏.‏‏ حتى إذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها ‏‏.‏‏

عرض الأرواح على آدم عليه السلام ، ‏‏(‏‏ و عود إلى حديث الخدري عن المعراج ‏‏)‏‏
و قال أبو سعيد الخدري في حديثه ‏‏:‏‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏‏:‏‏ لما دخلت السماء الدنيا ، رأيت بها رجلا جالسا تُعرض عليه أرواح بني آدم ، فيقول لبعضها إذا عُرضت عليه خيرا ويُسّر به ، ويقول ‏‏:‏‏ روح طيبة خرجت من جسد طيب ؛ ويقول لبعضها إذا عُرضت عليه ‏‏:‏‏ أف ، ويعبس بوجهه ويقول ‏‏:‏‏ روح ‏خبيثة خرجت من جسد خبيث ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أبوك آدم ، تعرض عليه أرواح ذريته ، فإذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها ‏‏.‏‏ وقال ‏‏:‏‏ روح طيبة خرجت من جسد طيب ‏‏.‏‏ وإذا مرت به روح الكافر منهم أفَّف منها وكرهها ، وساءه ذلك ، وقال ‏‏:‏‏ روح خبيثة خرجت من جسد خبيث ‏‏.‏‏
صفة أكلة أموال اليتامى ظلما

قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار ، يقذفونها في أفواههم، فتخرج من أدبارهم ‏‏.‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء أكلة أمول اليتامى ظلما ‏‏.‏‏

صفة أكلة الربا

قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون ، يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يُعرضون على النار ، يطئونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء أكلة الربا ‏‏.‏‏

صفة الزناة من بني آدم

قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم ثمين طيب ، إلى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون السمين الطيب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ، ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن ‏‏.‏‏ ‏

من نسبت ابنا لزوجها من غيره

قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت نساء معلقات بثديهنّ ، فقلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني جعفر بن عمرو ، عن القاسم بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ، فأكل حرائبهم ، واطلع على عوراتهم ‏‏.‏‏

صعوده صلى الله عليه وسلم إلى السماوات الآخرة ، وما رأى منها

ثم رجع إلى حديث أبي سعيد الخدري ، قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الثانية ، فإذا فيها ابنا الخالة ‏‏:‏‏ عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أخوك يوسف ابن يعقوب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها رجل فسألته ‏‏:‏‏ ‏من هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا إدريس - قال ‏‏:‏‏ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ورفعناه مكانا عليا - قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الخامسة فإذا فيها كهل أبيض الرأس واللحية ، عظيم العثنون ، لم أر كهلا أجمل منه ؛ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال هذا المحبَّب في قومه هارون بن عمران ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء السادسة ، فإذا فيها رجل آدم طويل أقنى ، كأنه من رجال شنوءة ؛ فقلت له ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أخوك موسى بن عمران ‏‏.‏‏ ثم أصعدني إلى السماء السابعة ، فإذا فيها كهل جالس على كرسي إلى باب البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يرجعون فيه إلى يوم القيامة ‏‏.‏‏ لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أبوك إبراهيم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم دخل بي الجنة ، فرأيت فيها جارية لعساء ، فسألتها ‏‏:‏‏ لمن أنت ‏‏؟‏‏ وقد أعجبتني حين رأيتها ؛ فقالت ‏‏:‏‏ لزيد بن حارثة ، فبشَّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ‏‏.‏‏ ‏

فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ‏‏:‏‏ أن جبريل لم يصعد به إلى سماء من السماوات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ محمد ؛ فيقولون ‏‏:‏‏ أوقد بعث إليه ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ نعم ؛ فيقولون ‏‏:‏‏ حياه الله من أخ وصاحب ‏‏!‏‏ حتى انتهى به إلى السماء السابعة ، ثم انتهى به إلى ربه ، ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم ‏‏.‏‏

موسى بن عمران عليه السلام يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام سؤال ربه التخفيف عن أمته في أمر الصلاة

قال ‏‏:‏‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فأقبلت راجعا ، فلما مررت بموسى بن عمران ، ونعم الصاحب كان لكم ، سألني كم فُرض عليك من الصلاة ‏‏؟‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ خمسين صلاة كل يوم ؛ فقال ‏‏:‏‏ إن الصلاة ثقيلة ، وإن أمتك ضعيفة ، فارجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك ‏‏.‏‏ فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا ‏‏.‏‏ ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك؛ فرجعت فسألت ربي ، أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا ‏‏.‏‏ ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسألت ربي ، فوضع عني عشرا ‏‏.‏‏ ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك ، كلما رجعت إليه ، قال ‏‏:‏‏ فارجع فاسأل ربك ، حتى انتهيت إلى أن وضع ذلك عني ، إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة ‏‏.‏‏ ثم رجعت إلى موسى ، فقال لي مثل ذلك ، فقلت ‏‏:‏‏ قد راجعت ربي وسألته ، حتى استحييت منه ، فما أنا بفاعل ‏‏.‏‏ فمن أَدَّاهنّ منكم إيمانا بهن ، واحتسابا لهن ، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة ‏‏.‏‏

المستهزئون بالرسول ، وكفاية الله أمرهم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله تعالى صابرا محتسبا ، مؤديا إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب والأذى و الاستهزاء ‏‏.‏‏ وكان عظماء المستهزئين ، كما حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، خمسة نفر من قومهم ، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم ‏‏.‏‏

أسماء المستهزئين بالرسول من بني أسد

من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب ‏‏:‏‏ الأسود بن المطلب بن أسد أبو زمعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه به ، فقال ‏‏:‏‏ اللهم أَعمِ بصره ، وأثكله ولده ‏‏.‏‏ المستهزئون بالرسول من بني زهرة ومن بني زهرة بن كلاب ‏‏:‏‏ الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ‏‏.‏‏ المستهزئون بالرسول من بني مخزوم ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة ‏‏:‏‏ الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر ابن مخزوم ‏‏.‏‏ المستهزئون بالرسول من بني سهم ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏‏:‏‏ العاص بن وائل بن هشام ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ العاص بن وائل بن هاشم بن سُعيد بن سهم ‏‏.‏‏ المستهزئون بالرسول من خزاعة ومن بني خزاعة ‏‏:‏‏ الحارث بن الطُّلاطِلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو بن لؤي بن ملكان ‏‏.‏‏ فلما تمادوا في الشر ، وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء ، أنزل الله تعالى عليه ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ، إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏

ما فعل الله بالمستهزئين
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، أو غيره من العلماء ‏‏:‏‏ أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يطوفون بالبيت ، فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فمر به الأسود بن المطلب ، فرمى في وجهه بورقة خضراء ، فعمي ‏‏.‏‏ ومر به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار إلى بطنه ، فاستستقى بطنه فمات منه حبنا ‏‏.‏‏ ومر به الوليد بن المغيرة ، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله ، كان أصابه قبل ذلك بسنين ، وهو يجر سبله ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا له ، فتعلق سهم من نبله بإزاره ، فخدش في رجله ذلك الخدش ، وليس بشيء ، فانتقض به فقتله ‏‏.‏‏ ومر به العاص بن وائل ، فأشار إلى أخمص رجله وخرج على حمار له يريد الطائف ، فربض به على شُبارقة ، فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته ‏‏.‏‏ ومر به الحارث بن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه ، فامتخض قيحا ، فقتله ‏‏.‏‏‏ قصة أبي أزيهر الدوسي
وصية الوليد لأولاده

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه ، وكانوا ثلاثة ‏‏:‏‏ هشام بن الوليد ، والوليد بن الوليد، وخالد بن الوليد ، فقال لهم ‏‏:‏‏ أي بني ، أوصيكم بثلاث ، فلا تضيعوا فيهن دمي في خزاعة فلا تَطُلُّنَّه ، والله إني لأعلم أنهم منه برآء ، ولكني أخشى أن تُسبوا به بعد اليوم ؛ ورباي في ثقيف ، فلا تدعوه حتى تأخذوه ؛ وعُقري عند أبي أُزيهر ، فلا يفوتنكم به ‏‏.‏‏ وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتا ، ثم أمسكها عنه ، فلم يُدخلها عليه حتى مات ‏‏.‏‏

عقل الوليد عند خزاعة

فلما هلك الوليد بن المغيرة ، وثب بنو مخزوم على خزاعة يطلبون منهم عَقْل الوليد ، وقالوا ‏‏:‏‏ إنما قتله سهم صاحبكم - وكان لبني كعب حلف من بني عبدالمطلب بن هاشم - فأبت عليهم خزاعة ذلك ، حتى تقاولوا أشعارا ، وغلظ بينهم الأمر - وكان الذي أصاب الوليد سهمه رجلا من بني كعب بن عمرو ، من خزاعة - فقال عبدالله بن أبي أمية ابن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ‏‏:‏‏

ما قيل من الأشعار في مقتل الوليد

إني زعيم أن تسيروا فتهربـوا

 

وأن تتركوا الظهران تعوي ثعالبه

وأن تتركوا ماء بجزعة أطرقا

 

وأن تسألوا ‏‏:‏‏ أي الأراك أطايبه ‏‏؟‏‏ ‏

فإنا أناس لا تُطـلّ دمـاؤنـا

 

ولا يتعالى صاعدا من نحـاربـه

وكانت الظهران والأراك منازل بني كعب ، من خزاعة ‏‏.‏‏ فأجابه الجون بن أبي الجون ، أخو بني كعب بن عمرو الخزاعي ، فقال ‏‏:‏‏

والله لا نؤتي الولـيد ظُـلامة

 

ولما تروا يوما تزول كـواكـبـه

ويُصرع منكم مُسْمن بعد مسمن

 

وتُفتح بعد الموت قسرا مشاربـه

إذا ما أكلتم خبزكم و خزيركـم

 

فكلكم باكـي الـولـيد ونـادبـه

ثم إن الناس ترادوا وعرفوا أنما يخشى القوم السُّبة ، فأعطتهم خزاعة بعض العقل ، وانصرفوا عن بعض ‏‏.‏‏ فلما اصطلح القوم قال الجون بن أبي الجون ‏‏:‏‏

وقائلة لما اصطلحنا تـعـجـبـا

 

لما قد حملـنـا لـلـولـيد وقـائل

ألم تُقسموا تُؤتوا الولـيد ظُـلامة

 

ولما تروا يوما كـثـير الـبـلابـل

فنحن خلطنا الحرب بالسلم فاستوت

 

فأمَّ هـواه آمـنـا كـلُّ راحـــل

ثم لم ينته الجون بن أبي الجون حتى افتخر بقتل الوليد ، وذكر أنهم أصابوه ، وكان ذلك باطلا ‏‏.‏‏ فلحق بالوليد وبولده وقومه من ذلك ‏ ما حذره ، فقال الجون بن أبي الجون ‏‏:‏‏

ألا زعم المغيرة أن كعبا

 

بمكة منهـمُ قـدر كـثـيرُ

فلا تفخر مغيرة أن تراها

 

بها يمشي المُعَلْهَج والمهـير

بها آباؤنا وبهـا وُلـدنـا

 

كما أرسى بمثبتـه ثـبـير

وما قال المغـيرة ذاك إلا

 

ليعلم شأننـا أو يسـتـثـير

فإن دم الوليد يُطـل إنـا

 

نطل دماء أنت بها خـبـير

كساه الفاتك الميمون سهما

 

زُعافا وهو ممتلىء بـهـير

فخرّ ببطن مكة مسلحبَّـا

 

كأنه عند وجبـتـه بـعـير

سيكفيني مِطالَ أبي هشام

 

صغار جعدة الأوبار خُـور

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تركنا منها بيتا واحدا أُقذع فيه ‏‏.‏‏

مقتل أبي أزيهر و ثورة بني عبد مناف لذلك

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم عدا هشام بن الوليد على أبي أزيهر ، وهو بسوق ذي المجاز ، وكانت عند أبي سفيان بن حرب عاتكة بنت أبي أزيهر - وكان أبو أزيهر رجلا شريفا في قومه - فقتله بعُقر الوليد الذي كان عنده ، لوصية أبيه إياه ، وذلك بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر، وأُصيب به من أصيب من أشراف قريش من المشركين ؛ فخرج يزيد بن أبي سفيان ، فجمع بني عبد مناف ، وأبو سفيان بذي المجاز ، فقال الناس ‏‏:‏‏ أُخفر أبو سفيان في صهره ، فهو ثائر به ‏‏.‏‏ فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع ابنه يزيد - وكان أبو سفيان رجلا حليما منكرا ، يحب قومه حبا ‏‏ شديدا - انحط سريعا إلى مكة ، وخشي أن يكون بين قريش حدث في أبي أزيهر ، فأتى ابنه وهو في الحديد ، في قومه من بني عبد مناف والمطيبين ، فأخذ الرمح من يده ، ثم ضرب به على رأسه ضربة هده منها ، ثم قال له ‏‏:‏‏ قبحك الله ‏‏!‏‏ أتريد أن تضرب قريشا بعضهم ببعض في رجل من دوس ‏‏.‏‏ سنؤتيهم العقل إن قبلوه ، وأطفأ ذلك الأمر ‏‏.‏‏ فانبعث حسان بن ثابت يحرض في دم أبي أزيهر ، ويعير أبا سفيان خُفْرَته ويجُبنه ، فقال ‏‏:‏‏

غدا أهل ضوجَىْ ذي المجاز كليهما

 

وجار ابن حرب بالمغمس مـا يغـدو

ولم يمنع العَير الضـروط ذمـاره

 

وما منعت مخـزاة والـدهـا هـنـد

كساك هشام بن الـولـيد ثـيابـه

 

فأبْلِ وأخلفْ مثلـهـا جـددا بـعـد

قضى وطرا منه فأصبح مـاجـدا

 

وأصبحت رخوا ما تخُب وما تـعـدو

فلو أن أشياخا ببـدر تـشـاهـدوا

 

لَبلَّ نعال الـقـوم مُـعـتـبـط وَرْدُ

فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال ‏‏:‏‏ يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من دوس ‏‏!‏‏ بئس والله ما ظن ‏‏!‏‏

مطالبة خالد بربا أبيه ، و ما نزل في ذلك من القرآن

ولما أسلم أهل الطائف كلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربا الوليد ، الذي كان في ثقيف ، لما كان أبوه أوصاه به ‏‏.‏‏ ‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من الربا بأيدي الناس نزلن في ذلك من طلب خالد الربا ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ، وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏إلى آخر القصة فيها ‏‏.‏‏

ثورة دوس للأخذ بثأر أبي أزيهر ، و حديث أم غيلان

ولم يكن في أبي أزيهر ثأر نعلمه ، حتى حجز الإسلام بين الناس ؛ إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرادس الفهري خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس ، فنزلوا على امرأة يقال لها أم غيلان ، مولاة لدوس ، وكانت تمشط النساء ، وتجهز العرائس ، فأرادت دوس قتلهم بأبي أزيهر ، فقامت دونهم أم غيلان ونسوة معها ، حتى منعتهم ، فقال ضرار بن الخطاب في ذلك ‏‏:‏‏

جزى الله عنا أم غيلان صالحا

 

ونسوتها إذ هنَّ شُعث عـواطـلُ

فهن دفعن الموت بعد اقترابـه

 

وقد برزت للثائرين المـقـاتـل

دعت دعوة دوسا فسالت شعابها

 

بعز وأدَّتها الشَّـراج الـقـوابـل

وعمرا جزاه الله خيرا فما وَنى

 

وما بردت منه لدي المفـاصـل

فجرّدت سيفي ثم قمت بنصلـه

 

وعن أي نفس بعد نفسي أقـاتـل

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حدثني أبو عبيدة ‏‏:‏‏ أن التي قامت دون ضرار أم جميل ، ويقال أم غيلان ؛ قال ‏‏:‏‏ ويجوز أن تكون أم غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه ‏‏.‏‏

أم جميل و عمر بن الخطاب

فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل ، وهي ترى أنه أخوه ‏‏:‏‏ فلما انتسبت له عرف القصة ، فقال ‏‏:‏‏ إني لست بأخيه إلا في الإسلام ، ‏وهو غاز ، وقد عرفت مِنَّتك عليه ، فأعطاها على أنها ابنة سبيل ‏‏.‏‏

ضرار و عمر بن الخطاب
قال الراوي ‏‏:‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد ، فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول ‏‏:‏‏ انج يا بن الخطاب لا أقتلك ؛ فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه ‏‏.‏‏
وفاة أبي طالب وخديجة، وما عاناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهما من كان يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان النفر الذن يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ‏‏:‏‏ أبا لهب ، والحكم بن العاص بن أمية ، وعقبة بن أبي معيط ، وعدي بن حمراء الثقفي ، وابن الأصداء الهذلي ؛ وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص ، فكان أحدهم - فيما ذكر لي - يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي ، وكان أحدهم يطرحها في بُرْمته إذا نُصبت له ، حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا يستتر به منهم إذا صلى ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى ، كما حدثني عمر بن عبدالله بن عروة بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، يخرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم على العود ، فيقف به على بابه ، ثم يقول ‏‏:‏‏ يا بني عبد مناف ، أي جوار هذا ‏‏!‏‏ ثم يُلقيه في الطريق ‏‏.‏‏

طمع المشركين في الرسول صلى الله عليه و سلم بعد وفاة أبي طالب و خديجة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا ‏في عام واحد ، فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة ، وكانت له وزير صدق على الإسلام ، يشكو إليها ؛ وبهلك عمه أبي طالب ، وكان له عضدا وحرزا في أمره ، ومنعة وناصرا على قومه ، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين ‏‏.‏‏ فلما هلك أبو طالب ، نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب ، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش ، فنثر على رأسه ترابا ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، قال ‏‏:‏‏ لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التراب ، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه ، فقامت إليه إحدى بناته ، فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها ‏‏:‏‏ لا تبكي يا بُنيِّة ، فإن الله مانع أباك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ و يقول بين ذلك ‏‏:‏‏ ما نالت مني قريش شيئا أكرهه، حتى مات أبو طالب ‏‏.‏‏ المشركون يطلبون عهدا بينهم وبين الرسول عند أبي طالب لما ثقل به المرض قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما اشتكى أبو طالب ، وبلغ قريشا ثقله ، قالت قريش بعضها لبعض ‏‏:‏‏ إن حمزة وعمر قد أسلما ، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها ، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب ، فيأخذ لنا على ابن أخيه ، وليعطه منا ، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني العباس بن عبدالله بن معبد بن عباس عن بعض أهله ، عن ابن عباس ، قال ‏‏:‏‏ مشوا إلى أبي طالب فكلموه؛ وهم أشراف قومه ‏‏:‏‏ عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، وأبو سفيان بن حرب ، في رجال من أشرافهم ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا أبا طالب ، إنك منا حيث قد علمت ، وقد حضرك ما ترى، وتخوفنا عليك ، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك ، فادعه ، فخذ له منا ، وخذ لنا منه ، ليكف عنا ، ونكف عنه ، وليدعنا وديننا ، وندعه ودينه ؛ فبعث إليه أبو طالب ، فجاءه ، فقال ‏‏:‏‏ يا ابن أخي‏‏:‏‏ هؤلاء أشراف قومك ، قد اجتمعوا لك ، ليعطوك ، وليأخذوا منك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ نعم ، كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب ، وتدين لكم بها العجم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال أبو جهل ‏‏:‏‏ نعم وأبيك ، وعشر كلمات ؛ قال ‏‏:‏‏ تقولون ‏‏:‏‏ لا إله إلا الله ، وتخلعون ما تعبدون من دونه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فصفقوا بأيديهم ، ثم قالوا ‏‏:‏‏ أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلها واحدا ، إن أمرك لعجب ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم قال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون ، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم ، حتى يحكم الله بينكم وبينه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم تفرقوا ‏‏.‏‏

رجاء الرسول إسلام أبي طالب ، و حديث ذلك

فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ والله يا ابن أخي ، ما رأيتك سألتهم شططا ؛ قال ‏‏:‏‏ فلما قالها أبو طالب طمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسلامه ، فجعل يقول له ‏‏:‏‏ أي عم ، فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ، قال ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ، والله لولا مخافة السبة عليك وعلي بني أبيك من بعدي ، وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها ، لا أقولها إلا لأسرك بها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما تقارب من أبي طالب الموت قال ‏‏:‏‏ نظر العباس إليه يحرك شفتيه ، قال ‏‏:‏‏ فأصغى إليه بأذنه ، قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها ، قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لم أسمع ‏‏.‏‏ ما نزل فيمن طلبوا العهد على الرسول عند أبي طالب قال ‏‏:‏‏ وأنزل الله تعالى في الرهط الذين كانوا قد اجتمعوا إليه ، وقال لهم ما قال ، وردوا عليه ما ردوا ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ ص والقرآن ذي الذكر ، بل الذين كفروا في عزة وشقاق ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ أجعل الآلهة إلها واحدا ، إن هذا لشيء عجاب ‏‏.‏‏ وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم ، إن هذا لشيء يراد ‏‏.‏‏ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏ يعنون النصارى ، لقولهم ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ إن الله ثالث ثلاثة ‏‏) ‏‏ - ‏‏ (‏‏ إن هذا إلا اختلاق ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏ثم هلك أبو طالب ‏‏.‏‏

سعي الرسول إلى الطائف يطلب النصرة ، وموقف ثقيف منه

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، يلتمس النصرة من ثقيف ، والمنعة بهم من قومه ، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل ، فخرج إليهم وحده ‏‏.‏‏

الثلاثة الذين نزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشرافهم ، و تحريضهم عليه

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال ‏‏:‏‏ لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، عمد إلى نفر من ثقيف ، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم ، وهم إخوة ثلاثة ‏‏:‏‏ عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، ومسعود بن عمرو بن عمير ، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح ، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاهم إلى الله ، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه ؛ فقال له أحدهم ‏‏:‏‏ هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ؛ وقال الآخر ‏‏:‏‏ أما وجد الله أحدا يرسله غيرك ‏‏!‏‏ وقال الثالث ‏‏:‏‏ والله لا أكلمك أبدا ‏‏.‏‏ لئن كنت رسولا من الله كما تقول ، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ، ما ينبغي لي أن أكلمك ‏‏.‏‏ فقام رسول الله صلى عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، وقد قال لهم - فيما ذكر لي - ‏‏:‏‏ إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغَ قومَه عنه ، فيُذْئِرهم ذلك عليه‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قال عبيد بن الأبرص ‏‏:‏‏

ولقد أتاني عن تميم أنهم

 

ذَئِروا لقتلى عامر وتعصبوا

فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم ، يسبونه ويصيحون به ، حتى اجتمع عليه الناس ، وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، وهما فيه ، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه ، فعمد ‏ إلى ظل حَبَلة من عنب ، فجلس فيه ‏‏.‏‏ وابنا ربيعة ينظران إليه ، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - المرأة التي من بني جمح ، فقال لها ‏‏:‏‏ ماذا لقينا من أحمائك ‏‏؟‏‏  شكواه صلى الله عليه وسلم إليه تعالى

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - فيما ذكر لي - اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ‏‏؟‏‏ إلى بعيد يتجهمني ‏‏؟‏‏ أم إلى عدو ملكته أمري ‏‏؟‏‏ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ‏‏.‏‏

قصته صلى الله عليه وسلم مع عداس النصراني

قال ‏‏:‏‏ فلما رآه ابنا ربيعة ، عتبة وشيبة ، وما لقي ، تحركت له رحمهما ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا ، يقال له عداس ، فقالا له ‏‏:‏‏ خذ قطفا من هذا العنب ، فضعه في هذا الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه ‏‏.‏‏ ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له ‏‏:‏‏ كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ، قال ‏‏:‏‏ باسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس في وجهه ، ثم قال ‏‏:‏‏ والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس ، وما دينك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؛ فقال له عداس ‏‏:‏‏ وما يدريك ما يونس بن متى ‏‏؟‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي ، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه ‏‏:‏‏ أما غلامك فقد أفسده عليك ‏‏.‏‏ فلما جاءهما عداس ، قالا له ‏‏:‏‏ ويلك يا عداس ‏‏!‏‏ ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ؛ قالا له ‏‏:‏‏ ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه ‏‏.‏‏ وفد جن نصيبين الذين استمعوا له و آمنوا به قال ‏‏:‏‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة ، حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي ، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى ، وهم - فيما ذكر لي - سبعة نفر من جن أهل نصيبين ، فاستمعوا له ؛ فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا ‏‏.‏‏ فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏ {(‏‏ وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ‏‏)} ‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ ويجركم من عذاب أليم ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏ وقال تبارك وتعالى ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة ‏‏.‏‏

عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل

عرض الرسول صلى الله عليه و سلم نفسه على العرب في مواسمهم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه ، إلا قليلا مستضعفين ، ممن آمن به ‏‏.‏‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم ، إذا كانت ، على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ، ويخبرهم أنه نبي مرسل ، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين لهم الله ما بعثه به ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني من أصحابنا ، من لا أتهم ، عن زيد بن أسلم ، عن ربيعة بن عباد الديلي ، - أو من حدثه أبو الزناد عنه - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ربيعة بن عباد ‏‏.‏‏
أبو لهب يفرق الناس من حوله صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني حسين بن عبدالله بن عبيد الله بن عباس ، قال ‏‏:‏‏ سمعت ربيعة بن عباد ، يحدثه أبي ، قال ‏‏:‏‏ إني لغلام شاب مع أبي بمنى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب ، فيقول ‏‏:‏‏ يا بني فلان ، إني رسول الله إليكم ، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد ، وأن تؤمنوا بي ، وتصدقوا بي ، وتمنعوني ، حتى أُبين عن الله ما بعثني به ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وخلفه رجل أحول وضيء ، له غديرتان ، عليه حلة عدنية ‏‏.‏‏ فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه ، قال ذلك الرجل ‏‏:‏‏ يا بني فلان ، إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم ، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تطيعوه ، ولا تسمعوا منه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت لأبي ‏‏:‏‏ يا أبت ، من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا عمه عبدالعزى بن عبدالمطلب ، أبو لهب ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قال النابغة ‏‏:‏‏

كأنك من جمال بني أقيش

 

يُقعقع خلف رجليه بـشـنّ

عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على كندة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثنا ابن شهاب الزهري ‏‏:‏‏ أنه أتى كندة في منازلهم ، وفيهم سيد لهم يقال له ‏‏:‏‏ مُليح ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم نفسه ، فأبوا عليه ‏‏.‏‏

عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على بني كلب

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن حصين ‏‏:‏‏ أنه أتى كلبا في منازلهم ، إلى بطن منهم يقال لهم ‏‏:‏‏ بنو عبدالله ، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه ، حتى إنه ليقول لهم ‏‏:‏‏ يا بني عبدالله ، إن الله عز وجل قد أحسن اسم أبيكم ، فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم ‏‏.‏‏

عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على بني حنيفة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أصحابنا عن عبدالله بن كعب بن مالك ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حنيفة في منازلهم ، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه ، فلم يكن أحد من العرب أقبح عليهم ردا منهم ‏‏.‏‏ ‏

عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على بني عامر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم نفسه ، فقال رجل منهم - يقال له ‏‏:‏‏ بَيْحرة بن فراس ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فراس بن عبدالله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة - ‏‏:‏‏ والله ، لو أني أخذت هذا الفتى من قريش ، لأكلت به العرب ، ثم قال ‏‏:‏‏ أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء ؛ قال ‏‏:‏‏ فقال له ‏‏:‏‏ أفتُهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ‏‏!‏‏ لا حاجة لنا بأمرك ؛ فأبوا عليه ‏‏.‏‏ فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم ، قد كانت أدركته السن ، حتى لا يقدر أن يُوافي معهم المواسم ، فكانوا إذا رجعوا اليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم ؛ فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم ، فقالوا ‏‏:‏‏ جاءنا فتى من قريش ، ثم أحد بني عبدالمطلب ، يزعم أنه نبي ، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ، ونخرج به إلى بلادنا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال ‏‏:‏‏ يا بني عامر ، هل لها من تلاف ، هل لذُناباها من مطلب ، والذي نفس فلان بيده ، ما تقولها إسماعيلي قط ، وإنها لحق ، فأين رأيكم كان عنكم ‏‏.‏‏ ‏

عرضه الرسول نفسه على العرب في المواسم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره ، كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام ، ويعرض عليهم نفسه ، وما جاء به من الله من الهدى والرحمة ، وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب ، له اسم وشرف ، إلا تصدى له ، فدعا إلى الله ، وعرض عليه ما عنده ‏‏.‏‏

عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على سويد بن صامت

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري عن أشياخ من قومه ، قالوا‏‏:‏‏ قدم سويد بن صامت ، أخو بني عمرو بن عوف ، مكة حاجا أو معتمرا ، وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم ‏‏:‏‏ الكامل ، لجلده وشعره وشرفه ونسبه ، وهو الذي يقول ‏‏:‏‏

ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى

 

مقالته بالغيب سـاءك مـا يفـري

مقالته كالشهد ما كـان شـاهـدا

 

وبالغيب مأثور على ثُغْرة النـحـر

يسرك بـاديه وتـحـت أديمـه

 

نميمة غش تبتري عقب الـظـهـر

تُبين لك العينان ما هـو كـاتـم

 

من الغل والبغضاء بالنظر الشـزر

فَرِشْني بخير طالما قد بريتـنـي

 

فخير الموالي من يريش ولا يبـري

وهو الذي يقول ‏‏:‏‏ ونافر رجلا من بني سليم ، ثم أحد بني زِعب بن مالك على مائة ناقة ، إلى كاهنة من كهان العرب ، فقضت له ‏‏.‏‏ فانصرف عنها هو والسلمي ، ليس معهما غيرها ، فلما فرقت بينهما الطريق، قال ‏‏:‏‏ مالي ، يا أخا بني سليم ، قال ‏‏:‏‏ أبعث إليك به ؛ قال ‏‏:‏‏ فمن لي بذلك إذا فُتَّني به ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ كلا ، والذي نفس سويد بيده ، لا تفارقنِّي حتى أُوتَى بمالي ، فاتخذا فضرب به الأرض ، ثم أوثقه رباطا ، ثم انطلق به إلى دار بني عمرو بن عوف ، فلم يزل عنده حتى بعثت إليه سليم بالذي له ، فقال في ذلك ‏‏:‏‏

لا تحسبنِّي يا ابن زغب بن مالك

 

كمن كنت تُردي بالغيوب وتختـلُ

تحولت قِرنا إذ صُرعت بعـزة

 

كذلك إن الحـازم الـمـتـحـول

ضربت به إبط الشمال فلم يزل

 

على كل حال خده هـو أسـفـل

في أشعار كثيرة كان يقولها ‏‏.‏‏ فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به ، فدعاه إلى الله وإلى الإسلام ، فقال له سويد ‏‏:‏‏ فلعل الذي معك مثل الذي معي ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏‏:‏‏ وما الذي معك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ مجلة لقمان - يعني حكمة لقمان - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ اعرضها علي ، فعرضها عليه ؛ فقال له ‏‏:‏‏ إن هذا لكلام حسن ، والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله تعالى علي ، هو هدى ونور ‏‏.‏‏ فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، ودعاه إلى الإسلام ، فلم يبعد منه ، وقال ‏‏:‏‏ إن هذا لقول حسن ‏‏.‏‏ ‏ثم انصرف عنه ، فقدم المدينة على قومه ، فلم يلبث أن قتلته الخزرج ، فإن كان رجال من قومه ليقولون ‏‏:‏‏ إنا لنراه قد قُتل وهو مسلم ‏‏.‏‏ وكان قتله قبل يوم بعاث ‏‏.‏‏

إسلام إياس بن معاذ وقصة أبي الحيسر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني الحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن محمود بن لبيد ، قال ‏‏:‏‏ لما قدم أبو الحَيْسر ، أنس بن رافع ، مكة ومعه فتية من بني عبدالأشهل ، فيهم إياس بن معاذ ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم فجلس إليهم ، فقال لهم ‏‏:‏‏ هل لكم في خير مما جئتم له ‏‏؟‏‏ فقالوا له ‏‏:‏‏ وما ذاك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنا رسول الله بعثني إلى العباد ، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، وأنزل علي الكتاب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم ذكر لهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال إياس بن معاذ ، وكان غلاما حدثا ‏‏:‏‏ أي قوم ، وهذا والله خير مما جئتم له ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فيأخذ أبو الحيسر ، أنس بن رافع ، حفنة من تراب البطحاء ، فضرب بها وجه إياس بن معاذ ، وقال ‏‏:‏‏ دعنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فصمت إياس ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ، وانصرفوا إلى المدينة ، وكانت وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك ‏‏.‏‏ قال محمود بن لبيد ‏‏:‏‏ فأخبرني من حضره من قومه عند موته ‏‏:‏‏ أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل ‏الله تعالى ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات ، فما كانوا يشكون أن قد مات مسلما ، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس ، حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع ‏‏.
بدء إسلام الأنصار
اجتماعه صلى الله عليه وسلم بوفد من الخزرج عند العقبة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه ، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإنجاز موعده له ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب ، كما كان يصنع في كل موسم ‏‏.‏‏ فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أشياخ من قومه ، قالوا ‏‏:‏‏ لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لهم ‏‏:‏‏ من أنتم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نفر من الخزرج ، قال ‏‏:‏‏ أمن موالي يهود ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ أفلا‏ تجلسون أكلمكم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ بلى ‏‏.‏‏ فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام ، أن يهود كانوا معهم في بلادهم ، وكانوا أهل كتاب وعلم ، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان ، وكانوا قد غزوهم ببلادهم ، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم ‏‏:‏‏ إن نبيا مبعوث الآن ، قد أظل زمانه ، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ‏‏.‏‏ فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ، ودعاهم إلى الله ، قال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ يا قوم ، تعلموا والله إنه للنبي توعدكم به يهود ، فلا تسبقنكم إليه ‏‏.‏‏ فأجابوه فيما دعاهم إليه ، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام ، وقالوا ‏‏:‏‏ إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، فعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليهم ، فندعوهم إلى أمرك ، وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ‏‏.‏‏ ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم ، وقد آمنوا وصدقوا ‏‏.‏‏ أسماء من التقوا به صلى الله عليه وسلم من الخزرج عند العقبة قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وهم - فيما ذكر لي - ‏‏:‏‏ ستة نفر من الخزرج ، منهم من بني النجار - وهو تيم الله - ثم من بني مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن عمرو بن عامر ‏‏:‏‏ أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو أبو أمامة ؛ وعوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو ابن عفراء ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وعفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج‏‏:‏‏ رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ عامر بن الأزرق ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني سَلِمة بن سعد بن علي بن ساردة بن تزيد ابن جشم بن الخزرج ، ثم من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عمرو بن سواد ، وليس لسواد ابن يقال له ‏‏:‏‏ غنم ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام ‏‏.‏‏ ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ جابر بن عبدالله ابن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد ‏‏.‏‏ فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏