بيعة العقبة الأولى ، و مصعب بن عمير

حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا ، فلقوه بالعقبة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وهي العقبة الأولى ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب ‏‏.‏‏

رجال البيعة الأولى من بني النجار

منهم من بني النجار ، ثم من بني مالك بن النجار ‏‏:‏‏ أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو أبو أمامة ؛ وعوف ، ومعاذ ، ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ، وهما ابنا عفراء ‏‏.‏‏ رجال العقبة الأولى من بني زريق

ومن بني زريق بن عامر ‏‏:‏‏ رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ؛ وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد ابن عامر بن زريق ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ذكوان ، مهاجري أنصاري ‏‏.‏‏

رجال العقبة الأولى من بني عوف

ومن بني عوف بن الخزرج ، ثم من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ، وهم القواقل‏‏:‏‏ عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم ؛ وأبو عبدالرحمن ، وهو يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة ، من بني غُصينة ، من بلي ، حليف لهم ‏‏.‏‏ مقالة ابن هشام في اسم القواقل قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وإنما قيل لهم القواقل ، لأنهم كانوا إذا استجار بهم الرجل دفعوا له سهما ، وقالوا له ‏‏:‏‏ قوقل به بيثرب حيث شئت ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ القوقلة ‏‏:‏‏ ضرب من المشي ‏‏.‏‏ رجال العقبة من بني سالم قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج ، ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم ‏‏:‏‏ العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان ‏‏.‏‏

رجال العقبة من بني سَلِمة ، بلام مكسورة

ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة ‏‏:‏‏ عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام ‏‏.‏‏

رجال العقبة من بني سواد

ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ قطبة بن عامر بن حديدة ابن عمرو بن غنم بن سواد ‏‏.‏‏

رجال العقبة من الأوس

وشهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، ثم من بني عبدالأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ‏‏:‏‏ أبو الهيثم بن التَّيَّهان ، واسمه مالك ‏‏.‏‏ ‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ التَّيهان ‏‏:‏‏ يخفف ويثقل ، كقوله مَيْت وميِّت ‏‏.‏‏

رجال العقبة من بني عمرو

ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ‏‏:‏‏ عويم بن ساعدة ‏‏.‏‏

عهد رسول الله على مبايعي العقبة ، و نص البيعة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرثد بن عبدالله اليزني ، عن عبدالرحمن بن عسيلة الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت ، قال ‏‏:‏‏ كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثنى عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفترض الحرب ، على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ‏‏.‏‏ فإن وفَّيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وذكر ابن شهاب الزهري ، عن عائذ الله بن عبدالله الخولاني أبي إدريس أن عبادة بن الصامت حدثه أنه قال ‏‏:‏‏ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ؛ فإن وفيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأُخذتم بحده في الدنيا ، فهو كفارة له ، وإن سُترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عز وجل ، إن شاء عذب ، وإن شاء غفر ‏‏.‏‏

إرسال الرسول مصعب بن عمير مع وفد العقبة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما انصرف عنه القوم ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي ، وأمره أن يُقرئهم القرآن ، ويعلمهم الإسلام ، ويفقههم في الدين ، فكان يُسمَّى المقرِىء ‏بالمدينة ‏‏:‏‏ مصعب ‏‏.‏‏ وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس ، أبي أمامة‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏‏:‏‏ أنه كان يصلي بهم ، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضُهم أن يؤمه بعض ‏‏.‏‏
أول جمعة أقيمت بالمدينة

أسعد بن زرارة و إقامة أول جمعة بالمدينة قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه أبي أمامة ، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك ، قال ‏‏:‏‏ كنت قائد أبي ، كعب بن مالك ، حين ذهب بصره ، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة ، فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة ، أسعد بن زرارة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فمكث حينا على ذلك ‏‏:‏‏ لا يسمع الأذان للجمعة إلا‏ صلى عليه واستغفر له ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ والله إن هذا بي لعجز ، ألا أسأله ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج ؛ فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت له ‏‏:‏‏ يا أبت ، ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ أي بني ، كان أول من جمَّع بنا بالمدينة في هزم النبيت ، من حرة بني بياضة ، يقال له ‏‏:‏‏ نقيع الخضمات ، قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ وكم أنتم يومئذ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أربعون رجلا ‏‏.‏‏ أسعد بن زرارة ، و مصعب بن عمير ، و إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وبني عبدالأشهل قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ‏‏:‏‏ أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبدالأشهل ، ودار بني ظفر ، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس بن زيد بن عبدالأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة ، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر ‏‏.‏‏ - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واسم ظفر ‏‏:‏‏ كعب بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن الأوس - قالا ‏‏:‏‏ على بئر يقال لها ‏‏:‏‏ بئر مرق ، فجلسا في الحائط ، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، وسعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، يومئذ سيدا قومهما من بني عبدالأشهل ، وكلاهما مشرك على دين قومه ، فلما سمعا به ، قال سعد بن معاذ لأسيد بن ‏حضير ‏‏:‏‏ لا أبا لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا ، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك ، هو ابن خالتي ، ولا أجد عليه مقدما ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما ؛ فلما رآه أسعد بن زرارة ، قال لمصعب بن عمير ‏‏:‏‏ هذا سيد قومه قد جاءك ، فاصدق الله فيه ؛ قال مصعب ‏‏:‏‏ إن يجلس أكلمه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوقف عليهما متشتِّما فقال ‏‏:‏‏ ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ‏‏؟‏‏ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة ‏‏.‏‏ فقال له مصعب ‏‏:‏‏ أوتجلس فتسمع ، فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكره ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنصفت ، ثم ركز حربته وجلس إليهما ، فكلمه مصعب بالإسلام ، وقرأ عليه القرآن ؛ فقالا‏‏:‏‏ فيما يذكر عنهما ‏‏:‏‏ والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ، ثم قال ‏‏:‏‏ ما أحسن هذا الكلام وأجمله ‏‏!‏‏ كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ‏‏؟‏‏ قالا له ‏‏:‏‏ تغتسل فتطهَّر وتُطهِّر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ‏‏.‏‏ ‏فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ، وتشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين ، ثم قال لهما ‏‏:‏‏ إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، وسأرسله إليكما الآن ، سعد بن معاذ ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم ؛ فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا ، قال ‏‏:‏‏ أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ؛ فلما وقف على النادي قال له سعد ‏‏:‏‏ ما فعلت ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ كلمت الرجلين ، فوالله ما رأيت بهما بأسا ، وقد نهيتهما، فقالا ‏‏:‏‏ نفعل ما أحببت ، وقد حُدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ، ليخفروك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقام سعد مغضبا مبادرا ، تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يده ، ثم قال ‏‏:‏‏ والله ما أراك أغنيت شيئا ، ثم خرج إليهما ؛ فلما رآهما سعد مطمئنين ، عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد بن زرارة ‏‏:‏‏ يا أبا أمامة ، أما والله ، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني ، أتغشانا في دارينا بما نكره - وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير ‏‏:‏‏ أي مصعب ، جاءك والله سيد من وراءه من قومه ، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان - قال ‏‏:‏‏ فقال له مصعب ‏‏:‏‏ أوتقعد فتسمع ، فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ‏‏؟‏‏ قال سعد ‏‏:‏‏ أنصفت ‏‏.‏‏ ثم ركز الحربة وجلس ، فعرض عليه الإسلام ، وقرأ عليه القرآن ، قالا ‏‏:‏‏ فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ، لإشراقه وتسهله ؛ ثم قال لهما ‏‏:‏‏ كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين ‏‏؟‏‏ قالا ‏‏:‏‏ تغتسل فتطهَّر و تطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ركعتين ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ، وشهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين ، ثم أخذ حربته ، فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما رآه قومه مقبلا، قالوا ‏‏:‏‏ نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ؛ فلما وقف عليهم قال ‏‏:‏‏ يا بني عبدالأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ سيدنا و أوصلنا وأفضلنا رأيا ، وأيمننا نقيبة ؛ قال ‏‏:‏‏ فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله ‏‏.‏‏ قالا ‏‏:‏‏ فوالله ما أمسى في دار بني عبدالأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة ، ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة ، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام ، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد ، وخطمة ووائل وواقف ، وتلك أوس الله ، وهم من الأوس بن حارثة ؛ وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت ، وهو صيفي ، وكان شاعرا لهم قائدا يستمعون منه ويطيعونه ، فوقف بهم عن الإسلام ، فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، وقال فيما رأى من الإسلام ، وما اختلف الناس فيه من أمره ‏‏:‏‏

أربَّ الناس أشياء ألـمـت

 

يُلف الصعب منها بـالـذَّلـولِ

أرب الناس أما إذ ضللـنـا

 

فيسرنا لمعـروف الـسـبـيل

فلولا ربنـا كـنـا يهـودا

 

وما دين اليهود بذي شُـكـول

ولولا ربنا كنـا نـصـارى

 

مع الرهبان في جبل الجـلـيل

ولكنا خلقنـا إذ خـلـقـنـا

 

حنيفا دينُنـا عـن كـل جـيل

نسوق الهَدْي ترسف مذعنات

 

مكشفة المناكب في الجـلـول

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أنشدني قوله ‏‏:‏‏ فلولا ربنا ، وقوله ‏‏:‏‏ لولا ربنا ، وقوله ‏‏:‏‏ مكشفة المناكب في الجلول ، رجل من الأنصار ، أو من خزاعة ‏‏.‏‏

أمر العقبة الثانية
مصعب بن عمير و العقبة الثانية

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك ، حتى قدموا مكة ، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، من أوسط أيام التشريق ، حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته ، والنصر لنبيه ، وإعزاز الإسلام وأهله ، وإذلال الشرك وأهله ‏‏.‏‏

البراء بن معرور يصلي إلى الكعبة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين ، أخو بني سلمة ، أن أخاه عبدالله بن كعب ، وكان من أعلم الأنصار ، حدثه أن أباه كعبا حدثه ، وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، قال ‏‏:‏‏ خرجنا في حجاج قومنا من المشركين ، وقد صلينا وفقهنا ، ‏‏ ومعنا البراء بن معرور ، سيدنا وكبيرنا ‏‏.‏‏ فلما وجهنا لسفرنا ، وخرجنا من المدينة ، قال البراء لنا ‏‏:‏‏ يا هؤلاء ، إني قد رأيت رأيا ، فوالله ما أدري ، أتوافقونني عليه ، أم لا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلنا ‏‏:‏‏ وما ذاك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قد رأيت أن لا أدع هذه البَنيِّة مني بظهر ، يعني الكعبة ، وأن أصلي إليها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلنا ‏‏:‏‏ والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ إني لمصل إليها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلنا له ‏‏:‏‏ لكنا لا نفعل ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام ، وصلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وقد كنا عبنا عليه ما صنع ، وأبى إلا الإقامة على ذلك ‏‏.‏‏ فلما قدمنا مكة قال لي ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء ، لما رأيت من خلافكم إياي فيه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنا لا نعرفه ، ولم نره قبل ذلك ، فلقينا رجلا من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ هل تعرفانه ‏‏؟‏‏ فقلنا ‏‏:‏‏ لا ؛ قال ‏‏:‏‏ فهل تعرفان العباس بن عبدالمطلب عمه‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلنا ‏‏:‏‏ نعم - قال ‏‏:‏‏ و قد كنا نعرف العباس ، وكان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال ‏‏:‏‏ فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه ، فسلمنا ثم جلسنا إليه ‏‏.‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ‏‏:‏‏ هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ، هذا البراء بن معرور ، سيد قومه ؛ وهذا كعب بن مالك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ الشاعر ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال له البراء بن معرور ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، إني خرجت في سفري هذا ، وقد هداني الله للإسلام ، فرأيت أن لا‏ أجعل هذه البَنِيَّة مني بظهر ، فصليت إليها ، وقد خالفني أصحابي في ذلك ، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قد كنت على قبلة لو صبرت عليها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى معنا إلى الشام ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات ، وليس ذلك كما قالوا ، نحن أعلم به منهم ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وقال عون بن أيوب الأنصاري ‏‏:‏‏

ومنا المُصلي أول الناس مُقبلا

 

على كعبة الرحمن بين المشاعر

يعني البراء بن معرور ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

إسلام عبدالله بن عمرو بن حرام

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني معبد بن كعب ، أن أخاه عبدالله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه ، قال كعب ‏‏:‏‏ ثم خرجنا إلى الحج ، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما فرغنا من الحج ، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، ومعنا عبدالله بن عمرو بن حرام أبو جابر ، سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، أخذناه معنا ، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه وقلنا له ‏‏:‏‏ يا أبا جابر ، إنك سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ؛ ثم دعوناه إلى الإسلام ، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأسلم وشهد معنا العقبة ، وكان نقيبا ‏‏.‏‏

امرأتان في البيعة
قال ‏‏:‏‏ فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نتسلل تسلل القطا مستخفين ، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا ‏‏:‏‏ نُسيبة بنت كعب ، أم عمارة ، إحدى نساء بني مازن بن النجار ؛ وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي ، إحدى نساء بني سلمة ، وهي أم منيع ‏‏.‏‏
العباس يستوثق من الأنصار

قال ‏‏:‏‏ فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب ، وهو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له ‏‏.‏‏ فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبدالمطلب ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر الخزرج - قال ‏‏:‏‏ وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار ‏‏:‏‏ الخزرج ، خزرجها وأوسها - ‏‏:‏‏ إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عز من قومه ومنعة في بلده ، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم ، واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك ؛ وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم ، فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلنا له ‏‏:‏‏ قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله ، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت ‏‏.‏‏

عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على الأنصار

قال ‏‏:‏‏ فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلا القرآن ، ودعا إلى الله ، ورغب في الإسلام ، ثم قال‏‏:‏‏ أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأخذ البراء بن معرور بيده ، ثم قال‏‏:‏‏ نعم، والذي بعثك بالحق نبيا ، لنمنعنك مما نمنع منه أُزُرنا ، فبايِعْنا يا رسول الله ، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة ، ورثناها كابرا عن كابر ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فاعترض القول ، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو الهيثم بن التيهان ، فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ‏‏:‏‏ بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ الهدم الهدم ‏‏:‏‏ يعني الحرمة ‏‏.‏‏ أي ذمتي ذمتكم ، وحرمتي حرمتكم ‏‏.‏‏ قال كعب بن مالك ‏‏:‏‏ وقد كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبا ، ليكونوا على قومهم بما فيهم ‏‏.‏‏ فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس ‏‏.‏‏

أسماء النقباء الاثني عشر و تمام خبر العقبة

نقباء الخزرج

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ من الخزرج - فيما حدثنا زياد ابن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي - ‏‏:‏‏ أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عُدَس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ؛ وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ؛ وعبدالله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ؛ ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ؛ والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة ابن تزيد بن جشم بن الخزرج ؛ وعبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة ابن حرام بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ؛ وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هو غنم بن عوف ، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وسعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج ؛ والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ابن خنيس - ‏‏.‏‏

 

نقباء الأوس

ومن الأوس ‏‏:‏‏ أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل ؛ وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك ابن كعب بن النحَّاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس ؛ ورفاعة بن عبدالمنذر بن زبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ‏‏.‏‏

شعر كعب بن مالك في حصر النقباء

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان ، ولا يعدون رفاعة ‏‏.‏‏ وقال كعب بن مالك يذكرهم ، فيما أنشدني أبو زيد الأنصاري ‏‏:‏‏

أبـلـغ أُبـيا أنـه فــال رأيه

 

وحان غداة الشعب والحـين واقـعُ

أبى الله ما منتك نفـسـك إنـه

 

بمرصاد أمر الناس راءٍ وسـامـع

وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لـنـا

 

بأحمد نور من هدى الله سـاطـع

فلا ترغبنْ في حشد أمر تـريده

 

وألِّب وجمِّع كل ما أنـت جـامـع

ودونك فاعلم أن نقض عهودنـا

 

أباه عليك الرهط حين تـبـايعـوا

أباه البراء وابن عمرو كلاهمـا

 

وأسـعـد يأبـاه عـلـيك ورافـع

وسعد أباه الساعـدي ومـنـذر

 

لأنفك إن حـاولـت ذلـك جـادع

وما ابن ربيع إن تناولت عهـده

 

بمسلمه لا يطمعـنْ ثـم طـامـع

وأيضا فلا يُعطيكه ابـن رواحة

 

وإخفاره من دونه الـسـم نـاقـع

وفاء به والقوقلي بن صـامـت

 

بمندوحة عـمـا تـحـاول يافـع

أبو هيثم أيضا وفيّ بمـثـلـهـا

 

وفاء بما أعطى من العهد خـانـع

وما ابن حضير إن أردت بمطمع

 

فهل أنت عن أُحموقة الغي نـازع

وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه

 

ضَروح لما حاولت مِْلأمر مـانـع

أولاك نجوم لا يغبـك مـنـهـمُ

 

عليك بنحس في دجى الليل طالـع

فذكر كعب فيهم ‏‏(‏‏ أبا الهيثم بن التيهان ‏‏)‏‏ ولم يذكر ‏‏(‏‏ رفاعة ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عبدالله بن أبي بكر ‏‏:‏‏ أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم قال للنقباء ‏‏:‏‏ أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم ، وأنا كفيل على قومي - يعني المسلمين - قالوا ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ ما قاله العباس بن عبادة للخزرج قبل المبايعة قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏‏:‏‏ أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري ، أخو بني سالم بن عوف ‏‏:‏‏ يا معشر الخزرج ، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس ، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة ، وأشرافكم قتلا أسلمتموه ، فمن الآن ، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة ، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأمول ، وقتل الأشراف ، فخذوه ، فهو والله خير الدنيا والآخرة ؛ قالوا ‏‏:‏‏ فإنا نأخذه على مصيبة الأموال ، وقتل الأشراف ؛ فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ الجنة ‏‏.‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ ابسط يدك ؛ فبسط يده فبايعوه ‏‏.‏‏ وأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال ‏‏:‏‏ والله ما قال ذلك العباس إلا ليشد لعقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم ‏‏.‏‏ وأما عبدالله بن أبي بكر فقال ‏‏:‏‏ ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة ، رجاء أن يحضرها عبدالله بن أبي ابن سلول ، فيكون أقوى لأمر القوم ‏‏.‏‏ فالله أعلم أي ذلك كان ‏‏.‏‏ نسب سلول قال ابن هشام ‏‏:‏‏ سلول ‏‏:‏‏ امرأة من خزاعة ، وهي أم أبيّ بن مالك بن الحارث ‏‏.‏‏ أول من ضرب على يد الرسول في بيعة العقبة الثانية قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة ، أسعد بن زرارة ، كان أول من ضرب على يده ؛ وبنو عبدالأشهل يقولون ‏‏:‏‏ بل أبو الهيثم بن التيهان ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأما معبد بن كعب بن مالك فحدثني في حديثه ، عن أخيه عبدالله بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك ، قال ‏‏:‏‏ كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور ، ثم بايع بعدُ القوم ‏‏.‏‏
الشيطان يصرخ بعد بيعة العقبة الثانية

فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط ‏‏:‏‏ يا أهل الجباجب - والجباجب ‏‏:‏‏ المنازل - هل لكم في مذمَّم والصُّباة معه ، قد اجتمعوا على حربكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ هذا أزبّ العقبة ، هذا ابن أزيب - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ابن أُزيب - أتسمع أي عدو الله ، أما والله لأفرغنّ لك ‏‏.‏‏

الأنصار تستعجل الإذن بالحرب

قال ‏‏:‏‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ارفضُّوا إلى رحالكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال له العباس بن عبادة بن نضلة ‏‏:‏‏ والله الذي بعثك بالحق ‏‏:‏‏ إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لم نؤمر بذلك ، ولكن ارجعوا إلى رحالكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجعنا إلى مضاجعنا ، فنمنا عليها حتى أصبحنا ‏‏.‏‏

قريش تجادل الأنصار في شأن البيعة

قال ‏‏:‏‏ فلما أصبحنا غدت علينا جِلَّة قريش ، حتى جاءونا في منازلنا ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا معشر الخزرج ، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا ، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم ، منكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فانبعث مَنْ هناك مِنْ مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء ، وما علمناه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وقد صدقوا ، لم يعلموه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وبعضنا ينظر إلى بعض ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم قام القوم ، وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وعليه نعلان له جديدان ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت له كلمة - كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا - ‏‏:‏‏ يا أبا جابر ، أما تستيطع أن تتخذ ، وأنت سيد من ساداتنا ، مثل نعلَيْ هذا الفتى من قريش ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فسمعها الحارث ، فخلعهما من رجليه ثم رمي بهما إلي ، وقال ‏‏:‏‏ والله لتنتعلنَّهما ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول أبو جابر ‏‏:‏‏ مه ، أحفظت والله الفتى ، فاردد إليه نعليه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ والله لا أردهما ، فأل والله صالح ، لئن صدق الفأل لأسلُبنَّه ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ‏‏:‏‏ أنهم أتوا عبدالله بن أبي ابن سلول ، فقالوا له مثل ما قال كعب من القول ؛ فقال لهم ‏‏:‏‏ و الله إن هذا الأمر جسيم ، ما كان قومي ليتفوَّتوا علي بمثل هذا ، وما علمته كان‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فانصرفوا عنه ‏‏.‏‏

قريش تأسر سعد بن عبادة

قال ‏‏:‏‏ ونفر الناس من منى ، فتنطَّس القوم الخبر ، فوجوده قد كان ، وخرجوا في طلب القوم ، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر ، والمنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ، وكلاهما كان نقيبا ‏‏.‏‏ فأما المنذر فأعجز القوم ؛ وأما سعد فأخذوه ، فربطوا يديه إلى عنقه بِنِسْع رحله ، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ، ويجذبونه بجُمَّته ، وكان ذا شعر كثير ‏‏.‏‏ خلاص سعد بن عبادة من أسر قريش قال سعد ‏‏:‏‏ فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش ، فيهم رجل وضيء أبيض ، شعشاع ، حلو من الرجال ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الشعشاع ‏‏:‏‏ الطويل الحسن ‏‏.‏‏ قال رؤبة ‏‏:‏‏

يمطوه من شعشاع غير مودن

 

 

يعني عنق البعير غير قصير ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ مودن اليد ‏‏:‏‏ أي ناقص اليد ‏‏. قال ‏‏:‏‏ فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ إن يك عند أحد من القوم خير ، فعند هذا ؛ قال ‏‏:‏‏ فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ لا والله ما عندهم بعد هذا من خير ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم ، فقال ‏‏:‏‏ ويحك ‏‏!‏‏ أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ بلى والله ، لقد كنت أُجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجارة ، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحارث بن حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ؛ قال ‏‏:‏‏ ويحك ‏‏!‏‏ فاهتف باسم الرجلين ، واذكر ما بينك وبينهما ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ففعلت ، وخرج ذلك الرجل إليهما ، فوجدهما في المسجد عند الكعبة ، فقال لهما‏‏:‏‏ إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما ، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا ؛ قالا ‏‏:‏‏ ومن هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ سعد بن عبادة ؛ قالا ‏‏:‏‏ صدق والله ، إن كان ليجير لنا تجارنا ، ويمنعهم أن يُظلموا ببلده ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجاءا فخلَّصا سعدا من أيديهم ، فانطلق ‏‏.‏‏ وكان الذي لكم سعدا ، سهيل بن عمرو ، أخو بني عامر بن لؤي ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان الرجل الذي أوى إليه ، أبا البختري بن هشام ‏‏.‏‏

أول ما قيل في الهجرة من الشعر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين ، قالهما ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر فقال ‏‏:‏‏

تداركتَ سعدا عنوة فأخذته

 

وكان شفاء لو تداركت منذرا

لو نلتُه طُلَّت هناك جراحه

 

وكانت حريَّا أن يُهان ويُهدرا

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويروى ‏‏:‏‏ وكان حقيقا أن يهان ويهدرا قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال ‏‏:‏‏

لست إلى سعد ولا المرء منـذر

 

إذا ما مطايا القوم أصبحن ضُمَّـرا

فلولا أبو وهب لمرت قصـائد

 

على شرف البرقاء يهوين حُسَّـرا

أتفخر بالكتان لما لـبـسـتـه

 

وقد تلبس الأنباط ريطا مقـصـرا

فلا تك كالوسنان يحـلـم أنـه

 

بقرية كسرى أو بقرية قـيصـرا

ولاتك كالثكلى وكانت بمعـزل

 

عن الثكل لو كان الفؤاد تفـكـرا

ولا تك كالشاة التي كان حتفهـا

 

بحفر ذراعيها فلم ترض محفـرا

ولا تك كالعاوي فأقبل نـحـره

 

ولم يخشه ، سهما من النبل مضمرا

فإنا ومن يُهدي القصائد نحونـا

 

كمستبضع تمرا إلى أهل خـيبـرا

قصة صنم عمرو بن الجموح
عدوان قوم عمرو على صنمه

فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها ، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك ، منهم عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ، وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، وكان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة، وشريفا من أشرافهم ، وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب ، يقال له ‏‏:‏‏ مناة ، كما كانت الأشراف يصنعون ، تتخذه إلها تعظمه وتطهره ، فلما أسلم فتيان بني سلمة ‏‏:‏‏ معاذ بن جبل ، وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح ، في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة ، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة ، وفيها عِذَر الناس ، مُنكَّسا على رأسه ؛ فإذا أصبح عمرو، قال ‏‏:‏‏ ويلكم ‏‏!‏‏ من عدا على آلهتنا هذه الليلة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم يغدو يلتمسه ، حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه ، ثم قال ‏‏:‏‏ أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأُخزينَّه ‏‏.‏‏ فإذا أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه، ففعلوا به مثل ذلك ؛ فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى ، فيغسله ويطهره ويطيبه ؛ ثم يعدون عليه إذا أمسى ، فيفعلون به مثل ذلك ‏‏. فلما أكثروا عليه ، استخرجه من حيث ألقوه يوما ، فغسله وطهره وطيبه ، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ، ثم قال ‏‏:‏‏ إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى ، فإن كان فيك خير فامتنع ، فهذا السيف معك ‏‏.‏‏ فلما أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه ، فأخذوا السيف من عنقه ، ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة ، فيها عذر من عذر الناس ، ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به ‏‏.‏‏

إسلام عمرو ، وما قاله من الشعر

فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت ، فلما رآه وأبصر شأنه ، وكلمه من أسلم من رجال قومه ، فأسلم برحمة الله ، وحسن إسلامه ‏‏.‏‏ فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف ، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره ، ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة ‏‏:‏‏

والله لو كنتَ إلها لم تـكـن

 

أنت وكلب وسط بئر في قَرَنْ

أُفٍّ لملقاك إلها مسـتـدن

 

الآن فتشناك عن سوء الغبـن

الحمد لله العلي ذي المنـن

 

الواهب الـرزاق ديان الـدين

هو الذي أنقذني من قبل أن

 

أكون في ظلمة قبر مرتهـن

بأحمد المهدي النبي المرتهن

 

 

شروط البيعة في العقبة الأخيرة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكانت بيعة الحرب ، حين أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال شروطا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى ، كانت الأولى على بيعة النساء ، وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحرب ، فلما أذن الله له فيها ، وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود ، أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه ، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه الوليد ، عن جده عبادة بن الصامت ، وكان أحد النقباء ، قال ‏‏:‏‏ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعه الحرب - وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء - على السمع والطاعة ، في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول بالحق أينما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم ‏‏.‏‏

أسماء من شهد العقبة الأخيرة

عدد من شهدها قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وهذا تسمية من شهد العقبة ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها من الأوس والخزرج ، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين ‏‏.‏‏ من شهدها من الأوس بن حارثة و بني عبدالأشهل شهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ؛ ثم من بني عبدالأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن الأوس ‏‏:‏‏ أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل ، نقيب لم يشهد بدرا ‏‏.‏‏ وأبو الهيثم بن التيهان ، واسمه مالك ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وسلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعُوراء بن عبدالأشهل ، شهد بدرا ، ثلاثة نفر ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال‏‏:‏‏ ابن زعَوراء ‏‏(‏‏ بفتح العين ‏‏)‏‏ من شهدها من بني حارثة بن الحارث قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ‏‏:‏‏ ظُهير بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة‏‏.‏‏ وأبو بردة بن نيار ، واسمه هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذيبان بن هميم بن كامل بن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، حليف لهم ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ ونهُير بن الهيثم ، من بني نابي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس ؛ ثم من آل السوّاف بن قيس بن عامر بن نابي بن مجدعة بن حارثة ‏‏.‏‏ ثلاثة نفر ‏‏.‏‏ من شهدها من بني عمرو بن عوف ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ‏‏:‏‏ سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحَّاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس ، نقيب ، شهد بدرا ، فقُتل به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ونسبه ابنُ إسحاق في بني عمرو بن عوف ؛ وهو من بني غنم بن السلم ، لأنه ربما كانت دعوة الرجل في القوم ، ويكون فيهم فيُنسب إليهم ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ورفاعة بن عبدالمنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو ، نقيب ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وعبدالله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البُرَك - واسم البرك ‏‏:‏‏ امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس - شهدا بدرا ، وقتل يوم أحد شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة ؛ ويقال ‏‏:‏‏ أمية بن البَرْك ، فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة ، حليف لهم من بلي ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ، قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‏‏.‏‏ وعُويم بن ساعدة ، شهد بدرا وأحدا والخندق ‏‏.‏‏ خمسة نفر ‏‏.‏‏ فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلا ‏‏.‏‏ من شهدها من الخزرج بن حارثة وشهدها من الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، ثم من بني النجار ، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ‏‏:‏‏ أبو أيوب ، وهو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها ؛ مات بأرض الروم غازيا في زمن معاوية بن أبي سفيان ‏‏.‏‏ ومعاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها ، وهو ابن عفراء ‏‏.‏‏ وأخوه عوف بن الحارث ، شهد بدرا وقتل به شهيدا ، وهو لعفراء ‏‏.‏‏ وأخوه معوّذ بن الحارث ، شهد بدرا وقتل به شهيدا ، وهو الذي قتل أبا جهل بن هشام بن المغيرة ، وهو لعفراء - ويقال‏‏:‏‏ رفاعة بن الحارث بن سواد ، فيما قال ابن هشام - وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها ، قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‏‏.‏‏ وأسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، نقيب ، مات قبل بدر ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبنى ، وهو أبو أمامة‏‏.‏‏ ستة نفر ‏‏.‏‏ من شهدها من بني عمرو بن مبذول ومن بني عمرو بن مبذول - ومبذول ‏‏:‏‏ عامر بن مالك بن النجار - ‏‏:‏‏ سهل بن عتيك بن نعمان بن عمرو بن عتيك بن عمرو ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ رجل ‏‏.‏‏ من شهدها من بني عمرو بن مالك ومن بني عمرو بن مالك بن النجار ، وهم بنو حديلة - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حديلة ‏‏:‏‏ بنت مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج - ‏أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وأبو طلحة ، وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، شهدا بدرا ‏‏.‏‏ رجلان ‏‏.‏‏ من شهدها من بني مازن بن النجار ومن بني مازن بن النجار ، قيس بن أبي صعصعة ، واسم أبي صعصعة ‏‏:‏‏ عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن، شهد بدرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله على الساقة يومئذ ‏‏.‏‏ وعمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ‏‏.‏‏ رجلان ‏‏.‏‏ فجميع من شهد العقبة من بني النجار أحد عشر رجلا ‏‏.‏‏ تصويب نسب عمرو بن غزية قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء ، هذا الذي ذكره ابن إسحاق ، إنما هو غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء ‏‏.‏‏ من شهدها من بلحارث بن الخزرج قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بَلْحارث بن الخزرج ‏‏:‏‏ سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج بن الحارث ، نقيب ، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا ‏‏.‏‏ وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا ‏‏.‏‏ وعبدالله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس بن عمرو بن امرىء القيس الأكبر بن مالك الأغر بن ثعلبة ين كعب بن الخزرج بن الحارث ، نقيب ، شهد بدرا وأحدا والخندق ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ، إلا الفتح وما بعده ، وقتل يوم مؤتة شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ وبشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ، أبو النعمان بن بشير ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وعبدالله بن زيد بن ثعلبة ابن عبدالله بن زيد مناة بن الحارث بن الخزرج ، شهد بدرا ، وهو الذي أُري النداء للصلاة ، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به ‏‏.‏‏ وخلاّد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، وقتل يوم بني قريظة شهيدا ، طُرحت عليه رحى من أُطم من أطامها فشدخته شدخا شديدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - ‏‏:‏‏ إن له لأجر شهيدين ‏‏.‏‏ وعقبة بن عمرو ابن ثعلبة بن أُسيرة بن عُسيرة بن جِدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج ، وهو أبو مسعود ، وكان أحدث من شهد العقبة سنا، مات في أيام معاوية ، لم يشهد بدرا ‏‏.‏‏ سبعة نفر ‏‏.‏‏ من شهدها من بني بياضة بن عامر ومن بني بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ‏‏:‏‏ زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي ابن أمية بن بياضة ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة ، شهد بدرا‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ وُدْفة ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ ثلاثة نفر ‏‏.‏‏ من شهدها من بني زريق ومن بنى زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ‏‏:‏‏ رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ، نقيب ‏‏.‏‏ وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلَّد بن عامر بن زريق ، وكان خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان معه بمكة وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، فكان يقال له ‏‏:‏‏ مهاجري أنصاري ؛ شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا ‏‏.‏‏ وعباد بن قيس بن عامر بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ والحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق ، وهو أبو خالد ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ أربعة نفر ‏‏. من شهدها من بني سلمة بن سعد ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم ابن الخزرج ؛ ثم من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم ، نقيب ، وهو الذي تزعم بنو سلمة أنه كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط له ، واشترط عليه ، ثم توفي قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ‏‏.‏‏ وابنه بشر بن البراء بن معرور ، شهد بدرا وأحدا والخندق ومات بخيبر من أكله أكلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الشاة التي سُمّ فيها - وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين سأل بني سلمة ‏‏:‏‏ من سيدكم يا بني سلمة ‏‏؟‏‏ فقالوا ‏‏:‏‏ الجدُّ بن قيس ، على بخله ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ وأي داء أكبر من البخل ‏‏!‏‏ سيد بني سلمة الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور - وسنان بن صيفي بن صخر ابن خنساء بن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ، وقتل يوم الخندق شهيدا ‏‏.‏‏ والطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ، وقتل يوم الخندق شهيدا ‏‏.‏‏ ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد ، شهدا بدرا ‏‏.‏‏ و أخوه يزيد بن المنذر ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ ومسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد‏‏.‏‏ والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد ، شهد ‏بدرا ‏‏.‏‏ ويزيد بن حرام بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد ‏‏.‏‏ وجُبار بن صخر بن أمية بن خنساء ابن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ جَبَّار بن صخر بن أمية بن خناس ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ أحد عشر رجلا ‏‏.‏‏ من شهدها من بني سواد بن غنم ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ، ثم من بني كعب بن سواد ‏‏:‏‏ كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب ‏‏.‏‏ رجل ‏‏.‏‏ من شهدها من بني غنم بن سواد ومن بني غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ سليم بن عمرو بن حديدة بن عمرو بن غنم ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وأخوه يزيد بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم ، وهو أبو المنذر ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وأبو اليسر ، واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وصيفي بن سواد بن عباد بن عمرو بن غنم ‏‏.‏‏ خمسة نفر‏‏.‏‏ تصويب اسم صيفي قال ابن هشام ‏‏:‏‏ صيفي بن أسود بن عباد بن عمرو بن غنم بن سواد ، وليس لسواد ابن يقال له ‏‏:‏‏ غنم ‏‏.‏‏ من شهدها من بني نابي بن عمرو قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب ابن سلمة ‏‏:‏‏ ثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي ، شهد بدرا ، وقتل بالخندق شهيدا‏‏.‏‏ وعمرو بن غنمة بن عدي بن نابي ، وعبس بن عامر بن عدي بن نابي ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وعبدالله بن أُنيس ، حليف لهم من قضاعة ‏‏.‏‏ وخالد بن عمرو بن عدي بن نابي ‏‏.‏‏ خمسة نفر ‏‏.‏‏ من شهدها من بني حرام بن كعب قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ عبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام ، نقيب ، شهد بدرا ، وقتل يوم أحد شهيدا ، وابنه جابر بن عبدالله ‏‏.‏‏ ومعاذ بن عمرو بن الجموح بن يزيد بن حرام ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وثابت بن الجذع - والجِذع ‏‏:‏‏ ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام - شهد بدرا ، وقتل بالطائف شهيدا ‏‏.‏‏ وعمير بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن حرام، شهد بدرا ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وخَديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن الفرافر ، حليف لهم من بلي ‏‏.‏‏ ومعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد ؛ ويقال ‏‏:‏‏ أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ؛ وكان في بني سلمة ، شهد بدرا ، والمشاهد كلها ومات بعمواس ، عام الطاعون بالشام ، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وإنما ادعته بنو سلمة أنه كان أخا سهل بن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي ابن غنم بن كعب بن سلمة لأمه ‏‏.‏‏ سبعة نفر ‏‏.‏‏  تصويب نسب خديج بن سلامة قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أوس ‏‏:‏‏ ابن عباد بن عدي بن كعب بن عمرو بن أُذَن ابن سعد ‏‏.‏‏ من شهدها من بنى عوف بن الخزرج قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بنى عوف بن الخزرج ؛ ثم من بنى سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ‏‏:‏‏ عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف ، نقيب ، شهد بدرا والمشاهد كلها ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هو غنم بن عوف ، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف ، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، فأقام معه بها ، فكان يقال له ‏‏:‏‏ مهاجري أنصاري ، وقتل يوم أحد شهيدا ‏‏.‏‏ وأبو عبدالرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمّارة ، حليف لهم من بني غصينة من بلي ‏‏.‏‏ وعمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة ‏‏.‏‏ أربعة نفر ، وهم القواقل ‏‏.‏‏ من شهدها من بنى سالم بن غنم ومن بني سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج ، وهم بنو الحُبُلِيّ - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الحُبُلِيّ ‏‏:‏‏ سالم بن غنم بن عوف ، وإنما سُمِّي ‏‏(‏‏ الحبلي ‏‏)‏‏ لعظم بطنه - ‏‏:‏‏ رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم بن غنم ، شهد بدرا ، وهو أبو الوليد ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ رفاعة ‏‏:‏‏ ابن مالك ، ومالك ‏‏:‏‏ ابن الوليد بن عبدالله بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وعقبة بن وهب بن كلَّدة بن الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبدالله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ، حليف لهم ، شهد بدرا ، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا من المدينة إلى مكة ، فكان يقال له ‏‏:‏‏ مهاجري أنصاري ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ رجلان ‏‏.‏ من شهدها من بني ساعدة بن كعب قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج ‏‏:‏‏ سعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة ، نقيب ‏‏.‏‏ والمنذر بن عمرو بن خَنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن جشم بن الخزرج بن ساعدة ، نقيب ، شهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي كان يقال له ‏‏:‏‏ أعنق ليموت ‏‏.‏‏ رجلان ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ المنذر ‏‏:‏‏ ابن عمرو بن خنش ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فجميع من شهد العقبة من الأوس والخزرج ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان منهم ، يزعمون أنهما قد بايعتا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء ، إنما كان يأخذ عليهن ، فإذا أقررن ، قال ‏‏:‏‏ اذهبن فقد بايعتكن ‏‏.‏‏ من شهدها من بني مازن بن النجار ومن بنى مازن بن النجار ‏‏:‏‏ نُسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ، وهي أم عمارة ، كانت شهدت الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهدت معها أختها ‏‏.‏‏ وزوجها زيد بن عاصم بن كعب ‏‏.‏‏ وابناها ‏‏:‏‏ حبيب بن زيد ، وعبدالله بن زيد ، وابنها حبيب الذي أخذه مسيلمة الكذاب الحنفي ، صاحب اليمامة ، فجعل يقول له ‏‏:‏‏ أتشهد أن محمدا رسول الله ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ نعم ؛ فيقول ‏‏:‏‏ أفتشهد أني رسول الله ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ لا أسمع ، فجعل يقطعه عضوا عضوا حتى مات في يده ، لا يزيده على ذلك ، إذا ذُكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به وصلى عليه ، وإذا ذكر له مسيلمة قال ‏‏:‏‏ لا أسمع ، فخرجت إلى اليمامة مع المسلمين ، فباشرت الحرب بنفسها ‏‏.‏‏ حتى قتل الله مسيلمة ، ورجعت وبها اثنا عشر جرحا ، من بين طعنة وضربة ‏‏.‏‏ ‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني هذ الحديث عنها محمد بن يحيى بن حبان ، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة ‏‏.‏‏ من شهدها من بني سلمة ومن بني سلمة ‏‏:‏‏ أم منيع ؛ واسمها ‏‏:‏‏ أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي بن عمرو بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏.

نزول الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال

بسم الله الرحمن الرحيم قال ‏‏:‏‏ حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال ‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء ، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى ، والصفح عن الجاهل ، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم ، فهم من بين مفتون في دينه ، ومن بين معذب في أيديهم ، ومن بين هارب في البلاد فرارا منهم ، منهم من بأرض الحبشة ، ومنهم من بالمدينة ، وفي كل وجه ؛ فلما عتت قريش على الله عز وجل ، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة ، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعذبوا ونفوا من عبده ووحَّده وصدق نبيه، واعتصم بدينه ، أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم ‏‏.‏‏ فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب ، وإحلاله له الدماء والقتال ، لمن بغى عليهم، فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء ، قول الله تبارك وتعالى ‏‏:‏‏ ‏‏ {(‏‏ أذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ‏‏.‏‏ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرا ، ولينصرن اللهُ من ينصره ، إن الله لقوي عزيز ‏‏.‏‏ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، ولله عاقبة الأمور ‏‏)} ‏‏ ‏‏.‏‏ أي ‏‏:‏‏ أني إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظُلموا ، ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس ، إلا أن يعبدوا الله ، وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجميعن ، ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ أي ‏‏:‏‏ حتى لا يُفتن مؤمن عن دينه ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ ويكون الدين لله ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏ أي ‏‏:‏‏ حتى يُعبدالله ، لا يعبد معه غيره ‏‏.‏‏

إذنه صلى الله عليه و سلم لمسلمي مكة بالهجرة إلى المدينة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب ، وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه ، وأوى إليهم من المسلمين ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ، ومن معه بمكة من المسلمين ، بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها ، واللحوق بإخوانهم من الأنصار ، وقال ‏‏:‏‏ إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها ‏‏.‏‏ فخرجوا أرسالا ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة ، والهجرة إلى المدينة ‏‏.‏‏ ذكر المهاجرين إلى المدينة هجرة أبي سلمة وامرأته ، و حديثه عما لقياه فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش ، من بني مخزوم ‏‏:‏‏ أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، واسمه ‏‏:‏‏ عبدالله ، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة ، وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة ، فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار ، خرج إلى المدينة مهاجرا ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق‏‏:‏‏ فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن سلمة بن عبدالله ابن عمر بن أبي سلمة ، عن جدته أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏‏:‏‏ لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه ، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري ، ثم خرج بي يقود بي بعيره ، فلما رأته رجال بنى المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه ، فقالوا ‏‏:‏‏ هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتك هذه ‏‏؟‏‏ علام نتركك تسير بها في البلاد ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فنزعوا خطام البعير من يده ، فأخذوني منه ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ وغضب عند ذلك بنو عبدالأسد ، رهط أبي سلمة ، فقالوا ‏‏:‏‏ لا والله ، لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فتجاذبوا بُنيَّ سلمة بينهم حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبدالأسد ، وحبسني بنو المغيرة عندهم ، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي ، حتى أمسى سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي ، أحد بني المغيرة ، فرأى ما بي فرحمنى فقال لبني المغيرة ‏‏:‏‏ ألا تخُرجون هذه المسكينة ، فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ‏‏!‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقالوا لي ‏‏:‏‏ الحقي بزوجك إن شئت ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ و ردَّ بنو عبدالأسد إلي عند ذلك ابني ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ وما معي أحد من خلق الله ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ أتبلَّغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي ؛ حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، أخا بني عبدالدار ، فقال لي ‏‏:‏‏ إلى أين يا بنت أبي أمية ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ أريد زوجي بالمدينة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ أوما معك أحد ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ لا والله ، إلا الله وبُني هذا ، قال ‏‏:‏‏ والله ما لك من مترك ، فأخذ بخطام البعير ، فانطلق معي يهوي بي ، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط ، أرى أنه كان أكرم منه ، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ، ثم استأخر عني ، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري ، فحط عنه ، ثم قيده في الشجرة ، ثم تنحى عني إلى شجرة ، فاضطجع تحتها ، فإذا دنا الرواح ، قام إلى بعيري فقدمه فرحله ، ثم استأخر عني ، وقال ‏‏:‏‏ اركبي ‏‏.‏‏ فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذه بخطامه ، فقاده ، حتى ينزل بي ‏‏.‏‏ فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء ، قال ‏‏:‏‏ زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعا إلى مكة ‏‏.‏‏ قال‏‏:‏‏ فكانت تقول ‏‏:‏‏ والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة ، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة ‏‏.‏‏ هجرة عامر بن ربيعة و زوجه ، وهجرة بني جحش قال ابن إسحاق‏‏:‏‏ ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة ‏‏:‏‏ عامر بن ربيعة ، حليف بني عدي بن كعب ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبدالله بن عوف بن عبيد بن عدي بن كعب ‏‏.‏‏ ثم عبدالله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم ابن دودان بن أسد بن خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جحش ، وهو أبو أحمد - وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر، وكان يطوف مكة ، أعلاها وأسفلها ، بغير قائد ، وكان شاعرا ، وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب ، وكانت أمه أميمة بنت عبدالمطلب بن هاشم - فغُلِّقت دار بني جحش ‏هجرة ، فمر بها عتبة بن ربيعة ، والعباس بن عبدالمطلب ، وأبو جهل ابن هشام بن المغيرة ، وهي دار أبان بن عثمان اليوم التي بالردم ، وهم مصعدون إلى أعلى مكة ، فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها يبابا ، ليس فيها ساكن ، فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ، ثم قال ‏‏:‏‏

وكل دار وإن طالت سلامتها

 

يوما ستدركها النكباء والحُـوب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وهذا البيت لأبي دؤاد الإيادي في قصيدة له ‏‏.‏‏ والحوب ‏‏:‏‏ التوجع ، و هو في موضع آخر ‏‏:‏‏ الحاجة ؛ و يقال ‏‏:‏‏ الحوب ‏‏:‏‏ الإثم ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قال عتبة بن ربيعة ‏‏:‏‏ أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها ‏‏!‏‏ فقال أبو جهل ‏‏:‏‏ وما تبكي عليه من قُلّ بن قُلّ ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ القل ‏‏:‏‏ الواحد ‏‏.‏‏ قال لبيد بن ربيعة ‏‏:‏‏

كل بني حرة مصيرهم

 

قُلّ وإن أكثرت من العددِ

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قال ‏‏:‏‏ هذا عمل ابن أخي هذا ، فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وقطع بيننا ‏‏.‏‏ فكان منزل أبي سلمة بن عبدالأسد ، وعامر بن ربيعة ، وعبدالله بن جحش ، وأخيه أبي أحمد بن جحش ، على مبشر بن عبدالمنذر بن زنبر بقباء ، في بني عمرو بن عوف ، ثم قدم المهاجرون أرسالا ، وكان بنو غنم بن دوادن أهل إسلام ، قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساؤهم‏‏:‏‏ عبدالله بن جحش ، وأخوه أبو أحمد بن جحش ، وعُكَّاشة بن محصن ، وشجاع ، وعقبة ، ابنا وهب، وأربد بن حُمَيِّرة ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ابن حُمَيْرَة ‏‏.‏‏ هجرة بعض الرجال ونسائهم قال ابن إسحاق‏‏:‏‏ ومنقذ بن نباتة ، وسعيد بن رقيش ، ومحرز بن نضلة ، ويزيد بن رقيش ، وقيس بن جابر ، وعمرو بن محصن ، ومالك بن عمرو ، وصفوان بن عمرو ، وثقف بن عمرو ، وربيعة بن أكثم ، والزبير بن عبيد، وتمام بن عبيدة ، وسخبرة بن عبيدة ، ومحمد بن عبدالله بن جحش ‏‏.‏‏ هجرة نسائهم ومن نسائهم ‏‏:‏‏ زينب بنت جحش ، وأم حبيب بنت جحش ، وجذامة بنت جندل ، وأم قيس بنت محصن ، وأم حبيب بنت ثمامة ، وآمنة بنت رقيش ، وسخبرة بنت تميم ، وحمنة بنت جحش ‏‏.‏‏ شعر أبي أحمد بن جحش في هجرة بني أسد وقال أبو أحمد بن جحش بن رئاب ، وهو يذكر هجرة بني أسد بن خزيمة من قومه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإيعابهم في ذلك حين دُعوا إلى الهجرة ‏‏:‏‏

ولو حلفت بين الصفا أم أحمـد

 

ومروتها بالله بـرت يمـينـهـا

لنحن الأُلى كنا بها ثم لم نـزل

 

بمكة حتى عاد غثا سـمـينـهـا

بها خيمت غنم بن دودان وابتنت

 

وما إن غدت غنم وخفّ قطينهـا

إلى الله تغدو بين مثنى وواحـد

 

ودين رسول الله بالحـق دينـهـا

وقال أبو أحمد بن جحش أيضا ‏‏:‏‏

لما رأتني أم أحمد غـاديا بـذمة

 

من أخـشـى بـغـيب وأرهـبُ

تقول ‏‏:‏‏ فإما كنت لا بد فـاعـلا

 

فيمم بنا البلـدان ولـتـنـأ يثـرب

فقلت لها ‏‏:‏‏ بل يثرب اليوم وجهنا

 

وما يشإِ الرحمن فالعـبـد يركـب

إلى الله وجهي والرسول ومن يُقم

 

إلى الله يومـا وجـهـه لا يخُـيَّب

فكم قد تركنا من حميم مناصـح

 

وناصحة تبكي بـدمـع وتـنـدب

ترى أن وترا نأينا عن بـلادنـا

 

ونحن نرى أن الرغائب تـطـلـب

دعوت بني غنم لحقن دمـائهـم

 

وللحق لما لاح للنـاس مـلـحـب

أجابوا بحمد لله لـمـا دعـاهـم

 

إلى الحق داع والنجاح فأوعـبـوا

وكنا وأصحابا لنا فارقوا الهـدى

 

أعانوا علينا بالسـلاح وأجـلـبـوا

كَفوجَيْن ‏‏:‏‏ أما منهما فـمـوفَّـق

 

على الحق مهدي ، وفوج معـذب

طغوا وتمنـوا كـذبة وأزلـهَّـم

 

عن الحق إبليس فخابـوا وخُـيِّبـوا

ورِعْنا إلى قول النبي مـحـمـد

 

فطاب ولاة الحق مـنـا وطُـيبـوا

نَمُتُّ بـأرحـام إلـيهـم قـريبة

 

ولا قرب بالأرحـام إذ لا نُـقـرَّب

فأي ابن أخت بعدنا يأمنَّـنـكـم

 

وأية صهر بعد صهـريَ تُـرقـبُ

ستعلم يومـا أينـا إذ تـزايلـوا

 

وزُيِّل أمر الناس للـحـق أصـوب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولتنأ يثرب ‏‏)‏‏ ، وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إذ لا نقرب ‏‏)‏‏ ، عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏ قال ابن هشام‏‏:‏‏ يريد بقوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إذ ‏‏)‏‏ إذا ، كقول الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏ قال أبو النجم العجلي ‏‏:‏‏

ثم جزاه الله عنا إذ جـزى

 

جنات عدن في العلاليِّ والعُلا

هجرة عمر وقصة عياش وهشام معه قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم خرج عمر بن الخطاب ، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي ، حتى قدما المدينة ‏‏.‏‏ فحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر ، عن أبيه عمر بن الخطاب ، قال ‏‏:‏‏ اتعدت ، لما أردنا الهجرة إلى المدينة ، أنا وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام ‏بن العاصي بن وائل السهمي التَّناضِبَ من أضاة بني غفار ، فوق سَرِف ، وقلنا ‏‏:‏‏ أينا لم يصبح عندها فقد حُبس فليمض صاحباه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب ، وحبس عنا هشام ، وفُتن فافتتن ‏‏.‏‏ أبو جهل و الحارث يغرران بعياش بن أبي ربيعة فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء ، وخرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة ، وكان ابنَ عمهما وأخاهما لأمهما ، حتى قدما علينا المدينة ، ورسول الله صلى عليه وسلم بمكة ، فكلماه وقالا ‏‏:‏‏ إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك ، ولا تستظل من شمس حتى تراك ، فرق لها ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا عياش ، إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم ، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت ، قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ أبر قسم أمي ، و لي هنالك مال فآخذه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت‏‏:‏‏ والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا ، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأبى علي إلا أن يخرج معهما ؛ فلما أبى إلا ذلك ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت له ‏‏:‏‏ أما إذ قد فعلت ما فعلت ، فخذ ناقتي هذه ، فإنها ناقة نجيبة ذلول ، فالزم ظهرها ، فإن رابك من القوم ريب ، فانج عليها ‏‏.‏‏ فخرج عليه معهما ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، قال له أبو جهل ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ، والله لقد استغلظت بعيري هذا ، أفلا تُعْقبني على ناقتك هذه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ بلى ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأناخ ، وأناخا ليتحول عليها ، فلما استووا بالأرض عدوا عليه ، فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة ، وفتناه فافتتن ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة ‏‏:‏‏ أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا ، ثم قالا ‏‏:‏‏ يا أهل مكة ، هكذا فافعلوا بسفهائكم ، كما فعلنا بسفيهنا هذا ‏‏.‏‏ كتاب عمر إلى هشام بن العاصي قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني نافع ، عن عبدالله بن عمر ، عن عمر في حديثه ، قال ‏‏:‏‏ فكنا نقول ‏‏:‏‏ ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة ، قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم ‏‏.‏‏ فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أنزل الله تعالى فيهم ، وفي قولنا وقولهم لأنفسهم ‏‏:‏‏ ‏‏ (‏‏ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا ، إنه هو الغفور الرحيم ‏‏.‏‏ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ‏‏.‏‏ واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ‏‏) ‏‏ ‏‏.‏‏ قال عمر بن الخطاب ‏‏:‏‏ فكتبتها بيدي في صحيفة ، وبعثت بها إلى هشام بن العاصي ، قال ‏‏:‏‏ فقال هشام بن العاصي ‏‏:‏‏ فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طُوى ، أُصعِّد بها فيه وأصوب ولا أفهمها ، حتى قلت ‏‏:‏‏ اللهم فهمنيها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فألقى الله تعالى في قلبي إنما أنزلت فينا ، وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجعت إلى بعيري ، فجلست عليه ، فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة ‏‏.‏‏ خروج الوليد بن الوليد إلى مكة في أمر عياش وهشام قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فحدثني من أثق به ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، وهو بالمدينة ‏‏:‏‏ من لي بعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاصي ‏‏؟‏‏ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة ‏‏:‏‏ أنا لك يا رسول الله بهما ، فخرج إلى مكة ، فقدمها مستخفيا ، فلقي امرأة تحمل طعاما ، فقال لها ‏‏:‏‏ أين تريدين يا أمة الله ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ أريد هذين المحبوسين - تعنيهما - فتبعها حتى عرف موضعهما ، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له ؛ فلما أمسى تسور عليهما ، ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما ، فكان يقال لسيفه ‏‏:‏‏ ‏‏(ذو المروة ‏‏)‏‏ لذلك ، ثم حملهما على بعيره ، وساق بهما ، فعثر فدميت أصبعه ، فقال ‏‏:‏‏

هل أنت إلا أصبع دميتِ

 

وفي سبيل الله ما لـقـيتِ

ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ‏‏.‏‏ ‏ منازل المهاجرين بالمدينة منزل عمر وأخيه، وعمرو وعبدالله ابني سراقة ، وخنيس بن حذافة ، وبني البكير قال ابن اسحاق ‏‏:‏‏ ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه ، وأخوه زيد بن الخطاب ؛ وعمرو وعبدالله ابنا سراقة ابن المعتمر وخنيس بن حذافة السهمي - وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر ، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده - وسعيد بن زيد عمرو بن نفيل ؛ وواقد بن عبدالله التميمي ، حليف لهم ؛ وخولي بن أبي خولي ؛ ومالك بن أبي خولي ، حليفان لهم ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أبو خولي ‏‏:‏‏ من بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي ابن بكر بن وائل ‏‏.‏‏ قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وبنو البكير أربعتهم ‏‏:‏‏ إياس بن البكير ، وعاقل بن البكير ، وعامر بن البكير ، وخالد بن البكير ، وحلفاؤهم من بني سعد ابن ليث ، على رفاعة بن عبدالمنذر بن زنبر ، في بني عمرو بن عوف بقباء ، وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة ‏‏.‏‏ منزل طلحة وصهيب ثم تتابع المهاجرون ، فنزل طلحة بن عبيد الله بن عثمان ، وصهيب بن سنان ، على خبيب بن إساف ، أخي بلحارث‏ بن الخزرج بالسُّنْح ‏‏.‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ بل نزل طلحة بن عبيد الله على أسعد بن زرارة ، أخي بني النجار ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وذُكر لي عن أبي عثمان النهدي ، أنه قال ‏‏:‏‏ بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش ‏‏:‏‏ أتيتنا صعلوكا حقيرا ، فكثر مالك عندنا ، وبلغت الذي بلغت ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ، والله لا يكون ذلك ؛ فقال لهم صهيب ‏‏:‏‏ أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فإني جعلت لكم مالي ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ ربح صهيب ، ربح صهيب ‏‏.‏‏ منزل حمزة وزيد وأبي مرثد وابنه وأنسة وأبي كبشة قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ونزل حمزة بن عبدالمطلب ، وزيد بن حارثة ، وأبو مرثد كنَّاز بن حصن ‏‏.‏‏ - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ابن حصين - وابنه مرثد الغنويان ، حليفا حمزة بن عبدالمطلب ، وأنسة ، وأبو كبشة ، موليا رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ، على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف بقباء، ويقال ‏‏:‏‏ بل نزلوا على سعد بن خيثمة ؛ ويقال ‏‏:‏‏ بل نزل حمزة بن عبدالمطلب على أسعد بن زرارة، أخي بني النجار ‏‏.‏‏ كل ذلك يقال ‏‏.‏‏ منزل عبيدة وأخيه الطفيل والحصين وغيرهم ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب ، وأخوه الطفيل بن الحارث ، والحصين بن الحارث ، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، وسويبط بن سعد بن حريملة ، أخو بني عبدالدار ، وطليب بن عمير ، أخو بني عبد بن قصي، وخباب ، مولى عتبة بن غزوان ، على عبدالله بن سلمة ، أخي بَلْعجلان بقباء ‏‏.‏‏ منزل عبدالرحمن بن عوف ونزل عبدالرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع أخي بلحارث بن الخزرج ، في دار بلحارث بن الخزرج ‏‏.‏‏ منزل الزبير وأبي سبرة ونزل الزبير بن العوام ، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبدالعزى ، على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعصبة ، دار بني جحجبى ‏‏.‏‏ منزل مصعب بن عمير

ونزل مصعب بن عمير بن هاشم ، أخو بني عبدالدار على سعد بن معاذ بن النعمان ، أخي بني عبدالأشهل ، في دار بني عبدالأشهل ‏‏.‏‏

منزل أبي حذيفة

ونزل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسالم مولى أبي حذيفة - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ سالم مولى أبي حذيفة سائبة ، لِثُبَيتَة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، سَيَّبَتْه فانقطع إلى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة فتبناه ، فقيل ‏‏:‏‏ سالم مولى أبي حذيفة ‏‏.‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ كانت ثُبيتة بنت يعار تحت أبي حذيفة بن عتبة ، فأعتقت سالما سائبة ‏‏.‏‏ فقيل ‏‏:‏‏ سالم مولى أبي حذيفة -

منزل عتبة بن غزوان

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ونزل عتبة بن غزوان بن جابر على عباد بن بشر بن وقش أخي بني عبدالأشهل ، في دار عبدالأشهل ‏‏.‏‏ منزل عثمان بن عفان ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت بن المنذر ، أخي حسان بن ثابت في دار بني النجار ، فلذلك كان حسان يحب عثمان ويبكيه حين قتل ‏‏.‏‏ وكان يقال ‏‏:‏‏ نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة ، وذلك أنه كان عزبا ، فالله أعلم أي ذلك كان ‏‏.