الجزء الأول - طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم

وفي عشي ذلك اليوم دخلنا الحرم الشريف، وانتهينا إلى المسجد الكريم، فوقفنا بباب السلام مسلمين، وصلينا بالروضة الكريمة بين القبر والمنبر الكريم، واستلمنا القطعة الباقية من الجذع الذي حن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ملصقة بعمود قائم بين القبر والمنبر عن يمين مستقبل القبلة، وأدينا حق السلام على سيد الأولين والآخرين، وشفيع العصاة والمذنبين، والرسول النبي الهاشمي الأبطحي محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً، وشرف وكرم وحق السلام على ضجيعيه وصاحبيه أبي بكر الصديق وأبي حفص عمر الفاروق رضي الله عنهما. وانصرفنا إلى رحلنا مسرورين بهذه النعمة العظمى، مستبشرين بنيل هذه المنة الكبرى، حامدين الله تعالى على بالبلوغ إلى معاهد رسوله الشريفة، ومشاهده العظيمة المنيفة، داعين أن لا يجعل ذلك آخر عهدنا بها، وأن يجعلنا ممن قبلت زيارته، وكتبت في سبيل الله سفرته.

ذكر مسجد رسول الله وروضته الشريفة

المسجد المعظم مستطيل، تحفه من جهاته الأربع بلاطات دائرة به، ووسطه صحن مفروش بالحصى والرمل، ويدور بالمسجد الشريف شارع مبلط بالحجر المنحوت. والروضة المقدسة صلوات الله وسلامه على ساكنها في الجهة القبلية مما يلي الشرق من المسجد الكريم، وشكلها عجيب لا يتأتى تمثيله. ووهي منورة بالرخام البديع النحت الرائق النعت، قد علاها تضميخ المسك والطيب مع طول الأزمان. وفي الصفة القبلية منها مسمار فضة هو قبالة الوجه الكريم. وهنالك يقف الناس مستقبلين الوجه الكريم مستدبرين القبلة، فيسلمون وينصرفون يميناً إلى وجه أبي بكر الصديق، ورأس أبي بكر رضي الله عنه عند قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينصرفون إلى عمر بن الخطاب، ورأس عمر عند كتفي أبي بكر رضي الله عنهما. وفي الجوفي من الروضة المقدسة، زادها الله طيباً، حوض صغير مرخم، وفي قبلته شكل محراب، يقال: إنه كان بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، ويقال أيضاً: هو قبرها، والله أعلم. وفي وسط المسجد الكريم دفة مطبقة على وجه الأرض، مقفلة على سرداب له مدرج يفضي إلى دار أبي بكر رضي الله عنه خارج المسجد، وعلى ذلك السرداب كان طريق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إلى داره، ولا شك أنه هو الخوخة التي ورد ذكرها في الحديث، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبقائها، وسد ما سواها. وبإزاء دار أبي بكر رضي الله عنه دار عمر، ودار ابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وبشرقي المسجد الكريم دار إمام المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه، وبمقربة من باب السلام سقاية، ينزل إليها على درج، ماؤها معين، وتعرف بالعين الزرقاء.

ذكر ابتداء بناء المسجد الكريم

قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً المدينة الشريفة دار الهجرة يوم الإثنين ليلة الثالث عشر من شهر ربيع الأول، فنزل على بني عمرو بن عوف، وأقام عندهم ثنتين وعشرين ليلة، وقيل أربع عشرة ليلة، وقيل أربع ليالٍ، ثم توجه إلى المدينة فنزل على بني النجار بدار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وأقام عنده سبعة أشهر حتى بنى مساكنه ومسجده. وكان موضع المسجد مربداً لسهل وسهيل ابني رافع أبي عمر بن عاند بن ثعلبة بن غانم بن مالك بن النجار. وهما يتيمان في حجر أسعد بن زرارة رضي الله عنهم أجمعين. وقيل: كانا في حجر أبي أيوب رضي الله عنه، فابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المربد، وقيل بل أرضاهما أبو أيوب عنه. وقيل: إنهما وهباه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وعمل فيه مع أصحابه، وجعل عليه حائطاً، ولم يجعل له سقفاً ولا أساطين، وجعله مربعاً، طوله مائة ذراع، وعرضه مثل ذلك. وقيل: إن عرضه كان دون ذلك. وجعل ارتفاع حائطه قدر القامة. فلما اشتد الحر تكلم أصحابه في تسقيفه، فأقام له أساطين من جذوع النخل، وجعل سقفه من جريدها. فلما أمطرت السماء وكف المسجد. فكلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمله بالطين. فقال: كلا عريش كعريش موسى، أو ظله كظلة موسى، والأمر أقرب من ذلك.

قيل: وما ظلة موسى ؟ قال الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا قام أصاب السقف رأسه. وجعل للمسجد ثلاثة أبواب: ثم سد باب الجنوب منها حين حولت القبلة، وبقي المسجد على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، وحياة أبي بكر رضي الله عنه. فلما كانت أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه زاد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ينبغي أن نزيد في المسجد ما زدت فيه. فأنزل أساطين الخشب، وجعل مكانها أساطين اللبن، وجعل الأساس حجارة إلى القامة، وجعل الأبواب ستة، منها في كل جهة ما عدا القبلة بابان، وقال: في باب منها ينبغي أن يترك هذا للنساء فما رئي فيه. حتى لقي الله عز وجل، وقال: زدنا في هذا المسجد حتى يبلغ الجبانة، لم يزل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد عمر أن يدخل في المسجد موضعاً للعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما، فمنعه منه. وكان فيه ميزاب يصب في المسجد، فنزعه عمر. وقال: إنه يؤذي الناس، فنازعه العباس، وحكما بينهما أبي بن كعب رضي الله عنهما، فأتيا داره فلم يأذن لهما إلا بعد ساعة، ثم دخلا إليه، فقال: كانت جاريتي تغسل رأسي، فذهب عمر ليتكلم، فقال له أبي: دع أبا الفضل يتكلم لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال العباس، خطة خطها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنيتها معه، وما وضعت الميزاب إلا ورجلاي على عاتقي رسول الله فجاء عمر فطرحه وأراد إدخالها في المسجد. فقال أبي: إن عندي من هذا علماً. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أراد داود عليه السلام أن يبني بيت الله المقدس. وكان فيه بيت ليتيمين فراودهما على البيع فأبيا. ثم راودهما فباعاه. ثم قاما بالغين فردا البيع، واشتراه منهما. ثم رداه كذلك. فاستعظم داود الثمن. فأوحى الله إليه إن كنت تعطي من شيء فهو لك؛ فأنت أعلم. وإن كنت تعطيهما نم رزقنا فأعطهما حتى يرضيا. وإن أغنى البيوت عن مظلمة بيت هو لي، وقد حرمت عليك بناءه.

قال: يا رب فأعطه سليمان. فأعطاه سليمان ليه السلام. فقال عمر: من لي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ؟ فخرج أبي إلى قوم من الأنصار، فأثبتوا له ذالك. فقال عمر رضي الله عنه أما إني لو لم أجد غيرك أخذت قولك، ولكنني أحببت أن أثبت. ثم قال للعباس رضي الله عنه: والله لا ترد الميزاب إلا وقدماك على عاتقي. ففعل العباس ذلك. ثم قال: أما إذا أثبتت لي، فهي صدقة لله، فهدمها عمر، وأدخلها في المسجد. ثم زاد فيه عثمان رضي الله عنه، وبناه بقوة وباشره بنفسه، فكان يظل فيه نهاره، وبيضه وأتقن محله بالحجارة المنقوشة، ووسعه من جهاته إلى جهة الشرق منها، وجعل له سواري حجارة مثبتة بأعمدة الحديد والرصاص، وسقفه بالساج، وصنع له محراباً.

وقيل: إن مروان هو أول من بنى المحراب. وقيل: عمر بن عبد العزيز في خلافة الوليد - ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك. تولى ذلك عمر بن عبد العزيز، فوسعه وحسنه وبالغ في إتقانه، وعمله بالرخام والساج المذهب. وكان الوليد بعث إلى ملك الروم: أريد أن أبني مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم، فأعني فيه. فبعث إليه الفعلة، وثمانين ألف مثقال من الذهب. وأمر الوليد بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فاشترى عمر من الدور ما زاد في ثلاث جهات من المسجد. فلما صار إلى القبلة، امتنع عبيد الله بن عبد الله بن عمر من بيع دار حفصة، ودار بينهما الكلام، حتى ابتاعها عمر، على أن له ما بقي منها، وعلى أن يخرجوا من باقيها طريقاً إلى السجد، وهي الخوخة التي في المسجد، وجعل عمر للمسجد أربع صوامع في أربعة أركانه، وكانت إحداها مطلة على دار مروان. فلما حج سليمان بن عبد الملك نزل بها، فأطل عليه المؤذن حين الأذان. فأمر بهدمها، وجعل عمر للمسجد محراباً. ويقال: هو أول من أحدث المحراب. ثم زاد فيه المهدي بن أبي جعفر المنصور. وكان أمرهم بذلك، ولم يقض له، وكتب إليه الحسن بن زيد يرغبه في الزيادة فيه من جهة الشرق، ويقول: إنه إن زيد في شرقيه توسطت الروضة الكريمة المسجد الكريم. فاتهمه أبو جعفر بأنه إنما أراد هدم دار عثمان رضي الله عنه. فكتب إليه: إني قد عرفت الذي أردت، فاكفف عن دار عثمان وأمر أبو جعفر أن يطلل الصحن أيام القيظ بستور تنشر على حبال ممدودة على خشب، تكون في الصحن، لتكن المصلين من الحر، وكان طول المسجد في بناء الوليد مائتي ذراع. فبلغه المهدي إلى ثلاثمائة ذراع، وسوى المقصورة بالأرض، وكانت مرتفعة عنها بمقدار ذراعين، وكتب اسمه على مواضع من المسجد. ثم أمر الملك المنصور قلاوون ببناء دار للوضوء عند باب السلام - فتولى بناءها الأمير الصالح علاء الدين المعروف بالأقمر. وأقامها متسعة الفناء تستدير بها البيوت، وأجرى إليها الماء. وأراد أن يبني بمكة شرفها الله تعالى مثل ذلك، فلم يتم له، فبناه ابنه الملك الناصر بين الصفا والمروة. وسيذكر إن شاء الله. قبلة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبلة قطع لأنه صلى الله عليه وسلم أقامها. وقيل: أقامها جبريل عليه السلام. وقيل: كان يشير جبريل له إلى سمتها وهو يقيمها. وروي أم جبريل عليه السلام أشار إلى الجبال، فتولضعت فتنحت حتى بدت الكعبة. فكان صلى الله عليه وسلم يبني وهو ينظر إليه عياناً. وبكل اعتبار فهي قبلة قطع وكانت القبلة أول ورود النبي صلى الله عليه وسلم المدينة إلى بيت المقدس. ثم حولت إلى الكعبة بعد ستة عشر شهراً. وقيل: بعد سبعة عشر شهراً.

ذكر المنبر الكريم وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً كان يخطب إلى جزع نخلة بالمسجد، فلما صنع له المنبر وتحول إليه حنّ الجذع حنين الناقة إلى حوارها .وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً نزل إليه فالتزمه فسكن. وقال: لو لم ألتزمه لحنَّ إلى يوم القيامة. واختلفت الروايات فيمن صنع المنبر الكريم. فروي أن تميماً الداري رضي الله عنه هو الذي صنعه. وقيل: إن غلاماً للعباس رضي الله عنه صنعه، وقيل: غلام لأمرأة من الأنصار ورد ذلك في الحديث الصحيح. وصنع من طرفاء الغابة، وقيل من الأثل. وكان له ثلاث درجات. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد على علياهن، ويضع رجليه الكريمتين في وسطاهن. فلما ولي أبو بكر الصديق رضي الله عنه قعد على وسطاهن، وجعل رجليه على أولاهن. فلما ولي عمر رضي الله عنه جلس على أولاهن وجعل رجليه على الأرض، وفعل ذلك عثمان رضي الله عنه صدراً من خلافته، ثم ترقى إلى الثالثة. ولما أن صار الأمر إلى معاوية رضي الله عنه أراد نقل المنبر إلى الشام، فضج المسلمون. وعصفت ريح شديدة، وخسفت الشمس، وبدت النجوم نهاراً، وأظلمت الأرض، فكان الرجل يصادم الرجل ولا يتبين مسلكه، فلما رأى ذلك معاوية تركه، وزاد فيه ست درجات من أسفله، فبلغ تسع درجات.

ذكر الخطيب والإمام بمسجد رسول الله وكان الإمام بالمسجد الشريف في عهد دخولي إلى المدينة بهاء الدين بن سلامة من كبار أهل مصر، وينوب عنه العالم االصالح الزاهد بقية المشايخ، عز الدين الواسطي، نفع الله به، وكان يخطب قبله ويقضي بالمدينة الشريفة سراج الدين عمر المصري.

حكاية

يذكر أن سراج الدين هذا أقام في خطة القضاء بالمدينة والخطابة بها نحو أربعين سنة، ثم إنه أراد الخروج بعد ذلك إلى مصر، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم ثلاث مرات، في كل مرة ينهاه عن الخروج منها، وأخبره باقتراب أجله، فلم ينته عن ذلك وخرج، فمات بموضع يقال له: سويس ، على مسيرة ثلاث من مصر، قبل أن يصل إليها، نعوذ بالله من سوء الخاتمة. وكان ينوب عنه الفقيه أبو عبد الله محمد بن فرحون رحمه الله، وأبناؤه الآن بالمدينة الشريفة: أبو محمد عبد الله مدرس المالكية، ونائب الحكم، وأبو عبد الله محمد وأصلهم من مدينة تونس، ولهم بها حسب وأصالة. وتولي الخطابة والقضاء بالمدينة الشريفة بعد ذلك جمال الدين الأسيوطي من أهل مصر. وكان قبل ذلك قاضياً بحصن الكرك.

ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذنين به وخدام هذا المسجد الشريف وسدنته من الأحابيش وسواهم وهم على هيئات حسان، وصور نظاف، وملابس ظراف، وكبيرهم يعرف بشيخ الخدام، وهو في هيئة الأمراء الكبار، ولهم المرتبات بديار مصر والشام، ويؤتى إليهم بها في كل سنة، ورئيس المؤذنين بالحرم الشريف الإمام المحدث الفاضل جمال الدين المطري، من مطرية قرية بمصر، وولده الفاضل عفيف الدين عبد الله، والشيخ المجاور الصالح أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الغرناطي المعروف بالتراس قديم المجاورة، وهو الذي جب نفسه خوفاً من الفتنة.

حكاية

يذكر أن أبا عبد الله الغرناطي كان خديماً لشيخ يسمى عبد الحميد العجمي، وكان الشيخ حسن الظن به، يطمئن إليه بأهله، ويتركه متى سافر بداره، فسافر مرة، وتركه على عادته بمنزله، فعلقت به زوجة الشيخ عبد الحميد وراودته عن نفسه، فقال: إني أخاف الله ولا أخون من ائتمنني على أهله وماله. فلم تزل تراوده وتعارضه حتى خاف على نفسه الفتنة فجبّ نفسه، وغشي عليه، ووجده الناس على تلك الحالة، فعالجوه حتى برئ وصار من خدام المسجد الكرام، ومؤذناً به، ورأس الطائفين به. وهو باقٍ بقيد الحياة إلى هذا العهد.

ذكر المجاورين بالمدينة الشريفة

منهم الشيخ الصالح الفاضل أبو العباس أحمد بن محمد مرزوق كثير العبادة والصوم والصلاة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، صابراً محتسباً، وكان ربما جاور بمكة المعظمة، رأيته بها في سنة ثمانٍ وعشرين، وهو أكثر الناس طوافاً وكنت أعجب من ملازمته الطواف مع شدة الحر بالمطاف، والمطاف مفروش بالحجارة السود: وتصير بحر الشمس كأنها الصفائح المحماة. ولقد رأيت السقائين يصبون الماء عليها فما يجاوز الموضع الذي يصب فيه إلا ويلتهب الموضع من حينه. وأكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون الجوارب وكان أبو العباس بن مرزوق يطوف حافي القدمين، ورأيته يوماً يطوف، فأحببت أن أطوف معه فوصلت المطاف، وأردت استلام الحجر الأسود، فلحقني لهب تلك الحجارة، وأردت الرجوع بعد تقبيل الحجر، فما وصلته إلا بعد جهد عظيم، ورجعت فلم أطف ورجعت أجعل نجادي على الأرض وأمشي عليه، حتى بلغت الرواق. وكان في ذلك العهد بمكة وزير غرناطة وكبيرها أبو القاسم محمد ابن محمد بن الفقيه أبي الحسن سهل بن مالك الأزدي. وكان يطوف كل اسبوع سبعين طوافاً، ولم يكن يطوف في وقت القائلة لشدة الحر. وكان ابن مرزوق يطوف في شدة القائلة زيادة عليه. ومن المجاورين بالمدينة كرمها الله الشيخ الصالح العابد سعيد المراكشي الكفيف، ومنهم أبو مهدي عيسى بن حزرون المكناسي.

حكاية

جاور الشيخ أبو مهدي بمكة سنة ثمان وعشرين، وخرج إلى جبل حراء مع جماعة من المجاورين، فلما صعدوا الجبل ووصلوا لمتعبد النبي الله صلى الله عليه وسلم تسايماً ونزلوا عنه، تأخر أبو مهدي عن الجماعة، ورأى طريقاً في الجبل، فظنه قصيراً فسلك عليه، ووصل أصحابه إلى أسفل اجبل فانتظروه فلم يأت، فتطلعوا فيما حولهم فلم يروا له أثراً فظنوا أنه سبقهم، فمضوا إلى مكة شرفها الله تعالى، ومضى عيسى في طريقه، فأفضى به إلى جبل آخر، وتاه عن الطريق، وأجهده العطش والحر، وتمزقت نعله، فكان يقطع من ثيابه ويلف على رجليه إلى أن ضعف عن المشي، واستظل بشجرة أم غيلان . فبعث الله أعرابياً على جمل، حتى وقف عليه: فأعلمه بحاله، فأركبه وأوصله إلى مكة، وكان على وسطه هيمان فيه ذهب فسلمه إليه، وأقام نحو شهر لا يستطيع القيام على قدميه، وذهبت جلدتهما ونبتت لهما جلدة أخرى. وقد جرى مثل ذلك لصاحب لي أذكره إن شاء الله. ومن المجاورين بالمدينة الشريفة أبو محمد الشروي من القراء المحسنين، وجاور بمكة في السنة المذكورة. وكان يقرأ بها كتاب الشفاء للقاضي عياض بعد الظهر، وأمَّ في التراويح. وبها من المجاورين الفقيه أبو العباس الفاسي مدرس المالكية بها، وتزوج ببنت الشيخ الصالح شهاب الدين الزرندي. حكاية: يذكر أن أبا العباس الفاسي تكلم يوماً مع بعض الناس فانتهى به الكلام إلى أن تكلم بعظيمة ارتكب فيها بسبب جهله بعلم النسب، وعدم حفظه للسانه مركباً صعباً عفا الله عنه، فقال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام لم يعقب، فرفع كلامه إلى أمير المدينة طفيل بن منصور بن جماز الحسني ، فأنكر كلامه، وبحق إنكاره، وأراد قتله. فكلم فيه فنفاه عن المدينة. ويذكر أنه بعث من اغتاله وإلى الآن لم يظهر له أثر نعوذ بالله من عثرات اللسان وزلله.

ذكر أمير المدينة الشريفة

كان أمير المدينة كبيش بن منصور بن جماز. وكان قد قتل عمه مقبلاً. ويقال: إنه توضأ بدمه. ثم إن كبيشاً خرج سنة سبع وعشرين إلى الفلاة في شدة الحر ومعه أصحابه، فأدركتهم القائلة في بعض الأيام، فتفرقوا تحت ظلال الأشجار فما راعهم إلا وأبناء مقبل في جماعة من عبيدهم ينادون: يا لثارات مقبل، فقتلوا كبيش بن منصور صبراً، ولعقوا دمه. وتولى بعده أخوه طفيل بن منصور، الذي ذكرنا أنه نفى أبا العباس الفاسي.

ذكر بعض المشاهد الكريم بخارج المدينة الشريفة

فمنها بقيع الغرقد، وهو بشرقي المدينة المكرمة، ويخرج إليه على باب يعرف بباب البقيع. فأول ما يلقى الخارج إليه على يساره عند خروجه من الباب قبر صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنهما، وهي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، وأم الزبير بن العوام رضي الله عنه، وأمامها قبر إمام المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه، وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء، وأمامه قبر السلالة الطاهرة المقدسة النبوية الكريم إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قبة بيضاء، وعن يمينها تربة عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو المعروف بأبي شحمة، وبإزائه قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، وقبر عبد الله بن ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وبإزائهم روضة فيها قبور أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ويليها روضة فيها قبر العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، وهي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الإحكام، عن يمين الخارج من باب البقيع، ورأس الحسن إلى رجلي العباس عليهما السلام، وقبراهما مرتفعان عن الأرض، متسعان مغشيان بألواح بديعة الالتصاق، مرصعة بصفائح الصفر البديعة العمل. وبالبقيع قبور المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة رضي الله عنهم. إلا أنها لا يعرف أكثرها. وفي آخر البقيع قبر أمير المؤمنين أبي عمر عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعليه قبة كبيرة وعلى مقربة منه قبر فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب رضي الله عنها وعن ابنها.

ومن المشاهد الكريمة قباء، وهو قبلي المدينة، على نحو ميلين منها والطريق بينهما في حدائق النخل، وبه المسجد الذي أسس على التقوى والرضوان. وهو مسجد مربع فيه صومعة بيضاء طويلة تظهر على البعد وفي وسطه مبرك الناقة بالنبي صلى الله عليه وسلم، يتبرك الناس بالصلاة فيه، وفي الجهة القبلية من صحنه محراب على مصطبة، وهو أول موضع ركع فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وفي قبلي المسجد دار كانت لأبي أيوب الأنصاري. ويليها دور تنسب لأبي بكر وعمر وفاطمة وعائشة رضي الله عنهم. وبإزائه بئر أريس، وهي التي عاد ماؤها عذباً لما تفل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان أجاجاً. وفيها وقع الخاتم الكريم من عثمان رضي الله عنه. ومن المشاهد فيه حجر الزيوت بخارج المدينة الشريفة. يقال: إن الزيت رشح من حجر هنالك للنبي صلى الله عليه وسلم. وإلى جهة الشمال منه بئر بضاعة. بإزائها جبل الشيطان، حيث صرخ يوم أحد وقال: قد قتلت نبيكم. وعلى شفير الخندق الذي حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تخرب الأحزاب، حصن خرب يعرف بحصن العزاب. يقال: إن عمر بناه لعزاب المدينة. وأمامه إلى جهة الغرب بئر رومة التي اشترى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه نصفها بعشرين ألفاً ، ومن المشاهد الكريمة أحد، وهو الجبل المبارك الذي قال فيه رسول اله صلى الله عليه وسلم تسليماً: " إن أحداً جبل يحبنا ونحبه " وهو بجوار المدينة الشريفة، على نحو فرسخ منها، وبإزائه الشهداء المكرمون رضي الله عنهم. وهنالك قبر حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه، وحوله الشهداء المستشهدون في أحد رضي الله عنهم، وقبورهم لقبلي أحد. وفي طريق أحد مسجد ينسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومسجد ينسب إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه، ومسجد الفتح حيث أنزلت سورة الفتح على رسوله صلى الله عليه وسلم. وكانت إقامتنا بالمدينة الشريفة في هذه الوجهة أربعة أيام: وفي كل ليلة نبيت بالمسجد الكريم، والناس قد حلقوا في صحنه حلقاً، وأوقدوا الشمع الكبير. وبينهم ربعات القرآن الكريم يتلونه، وبعضهم يذكرون الله، وبعضهم في مشاهدة التربة الطاهرة، زادها الله طيباً، والحداة بكل جانب يترنمون بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا دأب الناس في تلك الليالي المباركة، ويجودون بالصدقات الكثيرة على المجاورين والمحتاجين. وكان في صحبتي في هذه الوجهة من الشام إلى المدينة الشريفة رجل من أهلها فاضل يعرف بمنصور بن شكل، وأضافني بها. واجتمعنا بعد ذلك بحلب وبخارى. وكان في صحبتي أيضاً قاضي الزيدية شرف الدين قاسم بن شنان، وصحبني أيضاً أحد الصلحاء الفقراء، من أهل غرناطة، يسمى بعلي بن حجر الأموي.

حكاية لما وصلنا إلى المدينة كرمها الله، على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام، ذكر لي علي بن حجر المذكور أنه رأى تلك الليلة في النوم قائلاً يقول له: اسمع مني واحفظ عني:  

هنيئاً لـكـم يا زائرين ضـريحـه

 

أمنتم به يوم المعاد من الـرجـس

وصلتم إلى قبر الحبـيب بـطـيبةٍ

 

فطوبى لمن يضحي بطيبة أو يمسى

وجاور هذا الرجل بعد صحبه بالمدينة. ثم رحل إلى مدينة دهلي قاعدة بلاد الهند، في سنة ثلاث وأربعين، فنزل في جواري. وذكرت حكاية رؤياه بين يدي ملك الهند، فأمر بإحضاره، فحضر بين يديه، وحكى له ذلك، فأعجبه واستحسنه، وقال له كلاماً جميلاً بالفارسية، وأمر بإنزاله، وأعطاه ثلاثمائة تنكة من ذهب. ووزن التنكة من دنانير المغرب ديناران ونصف دينار، وأعطاه فرساً محلى بالسرج واللجام، وخلعة، وعين له مرتباً في كل يوم. وكان هنالك فقيه طيب من أهل غرناطة، ومولده ببجاية، يعرف هنالك بجمال الدين المغربي. فصحبه علي بن حجر المذكور، وواعده على أن يزوجه بنته. وأنزله بدويرة خارج داره، واشترى جارية غلاماً. وكان يترك الدنانير في مفرش ثيابه ولا يطمئن بها لأحد. فاتفق الغلام والجارية على أخذ ذلك الذهب. وأخذاه وهربا. فلما أتى الدار لم يجد لهما أثراً، ولا للذهب. فامتنع عن الطعام والشراب، واشتد به المرض أسفاً على ما جرى عليه، فعرضت قضيته بيد يدي الملك، فأمر أن يخلف له ذلك، وبعث إليه من يعلمه بذاك، فوجدوه قد مات رحمه الله تعالى. وكان رحيلنا من المدينة، نريد مكة شرفهما الله تعالى. فنزلنا بقرب مسجد ذي الحليفة الذي أحرم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمدينة منه على خمسة أميال، وهو منتهى حرم المدينة. وبالقرب منه وادي العقيق. وهنالك تجردت من مخيط الثياب واغتسلت ولبست ثوب احرامي وصليت ركعتين وأحرمت بالحج مفرداً. ولم أزل ملبياً في كل سهل وجبل وصعود وحدور إلى أن أتيت شعب علي عليه السلام، وبه نزلت تلك الليلة.
ثم رحلنا منه ونزلنا بالروحاء، وبها بئر تعرف ببئر ذات العلم. ويقال: إن علياً عليه السلام قاتل بها الجن.

ثم رحلنا ونزلنا بالصفراء. وهو وادٍ معمور، فيه ماء ونخل وبنيان، وقصر يسكنه الشرفاء الحسنيون وسواهم، وفيها حصن كبير، وتواليه حصون كثيرة وقرى متصلة. ثم رحلنا منه، ونزلنا ببدر حيث نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنجز وعده الكريم، واستأصل صناديد المشركين. وهي قرية فيها حدائق نخل متصلة، وبها حصن منيع يدخل إليه من بطن وادٍ بين جبال. وببدر عين فوارة يجري ماؤها وموضع القليب الذي سبح به أعداء الله المشركون. هو اليوم بستان. وموضع الشهداء رضي الله عنهم خلفه. وجبل الرحمة الذي نزلت به الملائكة على يسار الداخل منه إلى الصفراء، وبإزائه جبل الطبول، وهو شبه كثيب الرمل ممتد. ويزعم أهل تلك البلدة أنهم يسمعون هنالك مثل أصوات الطبول في كل ليلة جمعة وموضع عريش رسول الله صاى الله عليه وسلم الذي كان به يوم بدر، يناشد ربه جلّ وتعالى، متصل بسفح جبل الطبول، وموضع الواقعة أمامه، وعند نخل القليب مسجد يقال له مبرك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبين بدر والصفراء نحو بريد في وادٍ بين جبال تطرد فيه العيون، وتتصل حدائق النخل.

ورحلنا من بدر إلى الصحراء المعروفة بقاع البزواء، وهي برية يضل بها الدليل، ويذهل عن خليله الخليل. مسيرة ثلاث وفي منتهاها وادي رابغ، يتكون فيه المطر غدراناً يبقى بها الماء زماناً طويلاً، ومنه يحرم حجاج مصر والمغرب، وهو دون الجحفة. وسرنا من رابغ ثلاثاً إلى خليص، ومررنا بعقبة السويق، وهي على مسافة نصف يوم من خليص، كثيرة الرمل والحجاج يقصدون شرب السويق بها، ويستصحبونه من مصر والشام برسم ذلك، ويسقونه الناس مخلطاً بالسكر. والأمراء يملأون منه الأحواض، ويسقونها الناس ويذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بها. ولم يكن مع أصحابه طعام فأخذ من رملها فأعطاهم إياه فشربوه سويفاً. ثم نزلنا بركة خليص وهي في بسيط من الأرض، كثيرة حدائق النخل، لها حصن مشيد في قنة جبل. وفي البسيط حصن خرب، وبها عين فوارة صنعت لها أخاديد في الأرض، وسربت إلى الضياع. وصاحب خليص شريف حسني النسب. وعرب تلك الناحية يقيمون هنالك سوقاً عظيمة يجلبون إليها الغنم والتمر والأدام. ثم رحلنا إلى عسفان، وهي في بسيط من الأرض، بين جبال، وبها آبار ماء معين، تنسب إحداها إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه. والمدرج المنسوب إلى عثمان أيضاً على مسافة نصف يوم من خليص، وهو مضيق بين جبلين. وفي موضع منه بلاط على صورة درج، وأثر عمارة قديمة. وهنالك بئر تنسب إلى علي عليه السلام. ويقال: إنه أحدثها. وبعسفان حصن عتيق وبرج مشيد قد أوهنه الخراب، وبه من شجر المقل كثير. ثم رحلنا من عسفان، ونزلنا بطن مر، ويسمى أيضاً مر الظهران ، وهو واد مخصب كثير النخل، ذو عين فوارة سيالة تسقي تلك الناحية. ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر إلى مكة شرفها الله تعالى. ثم أدلجنا من هذا الوادي المبارك، والنفوس مستبشرة ببلوغ آمالها مسرورة بحالها ومآلها، فوصلنا عند الصباح إلى البلد الأمين مكة شرفها الله تعالى، فوردنا منها على حرم الله تعالى، ومبوإ خليله إبراهيم، ومبعث صفية محمد صلى الله عليه وسلم. ودخلنا البيت الحرام الشريف الذي من دخله كان آمناً من باب بني شيبة، وشاهدنا الكعبة الشريفة، زادها الله تعظيماً، وهي كالعروس تجلى على منصة الجلال، وترفل في برود الجمال، محفوفة بوفود الرحمن، موصلة إلى جنة الرضوان. وطفنا بها طواف القدوم، واستلمنا الحجر الكريم، وصلينا ركعتين بمقام إبراهيم، وتعلقنا بأسنار الكعبة عند الملتزم بين الباب والحجر الأسود، حيث يستجاب الدعاء، وشربنا من ماء زمزم، وهو لما شرب له حسبما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً، ثم سعينا بين الصفا والمروة، ونزلنا هنالك بدار، بمقربة من باب إبراهيم - والحمد لله الذي شرفنا بالوفادة على هذا البيت الكريم، وجعلنا ممن بلغنا دعوة الخليل عليه السلام والتسليم، ومتع أعيننا بمشاهدة الكعبة الشريفة والمسجد العظيم والحجر الكريم وزمزم والحطيم.

ومن عجائب صنع الله تعالى أنه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة، والشوق إلى المثول بمعاهدها الشريفة، وجعل حبها متمكناً في القلوب، فلا يحلها أحد إلا أخذت يمجاميع قلبه، ولا يفارقها إلا أسفاً لفراقها، متولهاً لبعاده عنها، شديد الحنين إليها، ناوياً لتكرار الوفادة عليها، فأرضها المباركة نصب الأعين، ومحبتها حشو القلوب. حمكة من الله بالغة، وتصديقاً لدعوة خليله عليه السلام. والشوق يحضرها وهي نائية، ويمثلها وهي غائبة، ويهون على قاصدها ما يلقاه من المشاق ويعانيه من العناء، وكم من ضعيف يرى الموت عياناً دونها، ويشاهد التلف في طريقها. فإذا جمع الله بها شمله، تلقاها مسروراً مستبشراً، كأنه لم يذق لها مرارة ولا كابد محنة ولا نصباً. إنه لأمر إلهي، وصنع رباني، ودلالة لا يشوبها لبس، ولا تغشاها شبهة، ولا يطرقها تمويه. وتعز في بصيرة المستبصرين، وتبدو في فكرة المتفكرين - ومن رزقه الله تعالى الحلول بتلك الأرجاء، والمثول بذلك الفناء، فقد أنعم الله عليه النعمة الكبرى، وخوله خير الدارين: الدنيا والأخرى. فحق عليه أن يكثر الشكر على ما خوله، ويديم الحمد على ما أولاه. جعلنا الله تعالى ممن قبلت زيارته، وربحت في قصدها تجارته، وكتبت في سبيل الله آثاره، ومحيت بالقبول أوزاره، بمنه وكره.