الجزء الأول - ذكر سلطان عمان

وسلطانها عربي من قبيلة الأزد بن الغوث، ويعرف بأبي محمد ابن نبهان. وأبو محمد عندهم سمة لكل سلطان يلي عمان، كما هي أتابك عند ملوك اللور. وعادته أن يجلس خارج باب داره في مجلس هنالك، ولا حاجب له ولا وزير، ولا يمنع أحداً من الدخول إليه من غريب أو غيره، ويكرم الضيف على عادة العرب، ويعين له الضيافة، ويعطيه على قدره. وله أخلاق حسنة. ويؤكل على مائدته لحم الحمار الإنسي، ويباع بالسوق، لأنهم قائلون بتحليله، ولكنهم يخفون ذلك عن الوارد عليهم، ولا يظهرونه بمحضره. ومن مدن عمان مدينة زكي لم أدخلها، وهي على ما ذكر لي، مدينة عظيمة منها القريات وشبا وكلبا وخورفكان وصحار، وكلها ذات أنهار وحدائق وأشجار ونخل، وأكثر هذه البلاد في عمالة هرمز.

حكاية

كنت يوماً عند السلطان أبي محمد بن نبهان فأتته امرأة صغيرة السن حسنة الصورة بادية الوجه، فوقفت بين يديه وقالت له: يا أبا محمد طغا الشيطان في رأسي. فقال لها: اذهبي واطردي الشيطان. فقالت له: لا أستطيع وأنا في جوارك يا أبا محمد. فقال لها: اذهبي فافعلي ما شئت. فذكر لي لما انصرفت عنه أن هذه ومن فعل مثل فعلها تكون في جوار السلطان، وتذهب للفساد، ولا يقدر أبوها ولا ذوو قرابتها أن يغيروا عليها، وإن قتلوها قتلوا بها، لأنها في جوار السلطان. ثم سافرت من بلاد عمان إلى بلاد هرمز، وهرمز مدينة على ساحل البحر، وتسمى أيضاً موغ أستان، وتقابلها في البحر هرمز الجديدة، وبينهما في البحر ثلاثة فراسخ. ووصلنا إلى هرمز الجديدة، وهي جزيرة مدينتها تسمى جرون " بفتح الجيم والراء وآخرها نون "، وهي مدينة حسنة كبيرة لها أسواق حافلة، وهي مرسى الهند والسند، ومنها تحمل سلع الهند إلى العراقين وفارس وخراسان. وهذه المدينة سكنى السلطان، والجزيرة التي فيها المدينة مسيرة يوم، وأكثرها سباخ وجبال ملح، وهو الملح الداراني، ومنه يصنعون الأواني المزينة والمنارات التي يضعون السرج عليها. وطعامهم السمك والتمر المجلوب إليهم من البصرة وعمان. ويقولون بلسانهم: خرما وما هي لوت بادشاهي، معناه بالعربي التمر والسمك طعام الملوك. وللماء في الجزيرة قيمة، وبها عيون ماء وصهاريج مصنوعة، يجتمع فيها ماء المطر. وهي على بعد من المدينة، ويأتون إليها بالقرب فيملأونها ويرفعونها على ظهورهم إلى البحر، يوسقونها في القوارب ويأتون بها إلى المدينة. ورأيت من العجائب عند باب الجامع فيما بينه وبين السوق رأس سمكة كأنه رابية وعيناه كأنهما بابان، فترى الناس يدخلون في إحداهما، ويخرجون من الأخرى. ولقيت بهذه المدينة الشيخ الصالح السائح أبا الحسن الأقطاراني، وأصله من بلاد الروم، فأضافني وزارني وألبسني ثوباً، وأعطاني كمر الصحبة، وهو يحتبي به، فيعين الجالس، فيكون كأنه مستند. وأكثر فقراء العجم يتقلدونه. وعلى ستة أميال من هذه المدينة مزار ينسب إلى الخضر والياس عليهما السلام. يذكر أنهما يصليان فيه، وظهرت له بركات وبراهين. وهنالك زاوية يسكنها أحد المشايخ يخدم بها الوارد والصادر، وأقمنا عنده يوماً، وقصدنا من هنالك زيارة رجل صالح منقطع في آخر هذه الجزيرة، قد نحت غاراً لسكناه. فيه زاوية ومجلس ودار صغيرة له. فيها جارية وله عبيد خارج الغار يرعون بقراً له وغنماً. وكان هذا الرجل من كبار التجار فحج البيت وقطع العلائق وانقطع هنالك للعبادة، ودفع ماله لرجل من إخوانه يتجر له به. وبتنا عنده ليلة، فأحسن القرى وأجمل، رضي الله تعالى عنه، وسيمة الخير والعبادة لائحة عليه.