الجزء الأول - ذكر سلطان هرمز

وهو السلطان قطب الدين تمتهن طوران شاه " وضبط اسمه بفتح التاءين المعلوتين وبينهما ميم مفتوح وهاء مسكنة وآخره نون "، وهو من كرماء السلاطين، كثير التواضع حسن الأخلاق، وعادته أن يأتي لزيارة كل من يقدم عليه من فقيه أو صالح أو شريف ويقوم بحقه، ولما دخلنا جزيرته وجدناه مهيأ للحرب مشغولاً بها مع ابني أخيه نظام الدين. فكان في كل ليلة يتيسر للقتال. والغلاء مستولٍ على الجزيرة، فأتى إلينا وزيره شمس الدين محمد بن علي وقاضيه عماد الدين الشونكاري وجماعة من الفضلاء، فاعتذروا بما هم عليه من مباشرة الحرب. وأقمنا عندهم ستة عشر يوماً. فلما أردنا الانصراف قلت لبعض الأصحاب: كيف ننصرف ولا نرى هذا السلطان ؟ فجئنا على الوزير وكانت داره في جوار الزاوية التي نزلت بها، فقلت له، إني أريد السلام على الملك. فقال بسم الله، وأخذ بيدي فذهب بي إلى داره، وهي على ساحل البحر، والأجفان مجلسة عندها. فإذا شيخ عليه أقبية ضيقة دنسة، وعلى رأسه عمامة، وهو مشدود الوسط بمنديل، فسلم عليه الوزير وسلمت عليه ولم أعرف انه الملك. وكان إلى جانبه ابن اخته، وهو علي شاه ابن جلال الدين الكيجي، وكانت بيني وبينه معرفة، فأنشأت أحادثه، وأنا لا أعرف الملك، فعرفني الوزير بذلك. فخجلت منه لإقبالي بالحديث على ابن أخته دونه واعتذرت، ثم قام فدخل داره، وتبعه الأمراء والوزراء وأرباب الدولة. ودخلت مع الوزير، فوجدناه قاعداً على سرير ملكه وثيابه عليه لم يبدلها وفي يده سبحة جوهر، لم تر العيون مثلها لأن مغاصات الجوهر تحت حكمه. فجلس أحد الأمراء إلى جانبه، وجلست إلى جانب ذلك الأمير، وسألني عن حالي ومقدمي وعمن لقيته من الملوك فأخبرته بذلك. وحضر الطعام فأكل الحاضرون ولم يأكل معهم، ثم قام فودعته وانصرفت. وسبب الحرب التي بينه وبين ابني أخيه أنه ركب البحر مرة من مدينته الجديدة برسم النزهة في هرمز القديمة وبساتينها، وبينهما في البحر ثلاثة فراسخ كما قدمناه. فخالف عليه أخوه نظام الدين، ودعا لنفسه وبايعه أهل الجزيرة وبايعته العساكر، فخاف قطب الدين على نفسه وركب البحر إلى مدينة قلهات التي تقدم ذكرها، وهي من جملة بلاده، فأقام بها شهوراً وجهز المراكب وأتى الجزيرة، فقاتله أهلها مع أخيه وهزموه. وعاد إلى قلهات، وفعل ذلك مراراً. فلم تكن له حيلة إلا أن يراسل بعض نساء أخيه فسمته ومات. وأتى هو إلى الجزيرة فدخلها، وفر ابنا أخيه بالخزائن والأموال والعساكر إلى جزيرة قيس، حيث مغاص الجوهر، وصاروا يقطعون الطريق على من يقصد الجزيرة من أهل الهند والسند، ويغيرون على بلاده البحرية، حتى تخرب معظمها. ثم سافرنا من مدينة جرون برسم لقاء رجل صالح ببلد خنج بال. فلما عدينا البحر اكترينا دواب من التركمان، وهم سكان تلك البلاد، ولا يسافر فيها إلا معهم لشجاعتهم ومعرفتهم بالطرق. وفيها صحراء مسيرة أربع، يقطع بها الطريق لصوص الأعراب، وتهب فيها ريح السموم في شهري تموز وحزيران، فمن صادفته فيها قتلته. ولقد ذكر لي أن الرجل إذا قتلته تلك الريح وأراد أصحابه غسله ينفصل كل عضو منه عن سائر الأعضاء. وبها قبور كثيرة للذين ماتوا فيها بهذه الريح، وكنا نسافر فيها بالليل، فإذا طلعت الشمس نزلنا تحت ظلال الأشجار من أم غيلان، ونرحل بعد العصر إلى طلوع الشمس. وفي هذه الصحراء وما والاها كان يقطع الطريق بها جمال اللك الشهير الاسم هنالك.

حكاية

كان جمال اللك من أهل سجستان أعجمي الأصل " واللك بضم اللام " معناه الأقطع. وكانت يده قطعت في بعض حروبه. وكانت له جماعة كثيرة من فرسان الأعراب والأعاجم يقطع بهم الطرق. وكان يبني الزوايا، ويطعم الوارد والصادر من الأموال التي يسلبها من الناس. ويقال: إنه كان يدعو أن لا يسلط إلا على من لا يزكي ماله، وأقام على ذلك دهراً. وكان يغير هو وفرسانه ويسلكون براري لا يعرفها سواهم، ويدفنون بها قرب الماء ورواياه. فإذا تبعهم عسكر السلطان دخلوا الصحراء واستخرجوا المياه، ويرجع العسكر عنهم خوفاً من الهلاك. وأقام على هذه الحالة مدة لا يقدر عليه ملك العراق ولا غيره، ثم تاب وتعبد حتى مات، وقبره يزار ببلده. وسلكنا هذه الصحراء إلى أن وصلنا إلى كوراستان " وضبط اسمه بفتح الكاف واسكان الواو وراء "، وهو بلد صغير فيه الأنهار والبساتين وهو شديد الحر. ثم سرنا منه ثلاثة أيام في صحراء مثل التي تقدمت ووصلنا إلى مدينة لار " وآخر اسمها راء "، مدينة كبيرة كثيرة العيون والمياه المطردة والبساتين. ولها أسواق حسان، ونزلنا منها بزاوية الشيخ العابد أبي دلف محمد وهو الذي قصدنا زيارته بخنج بال. وبهذه الزاوية ولده أبو زيد عبد الرحمن، ومعه جماعة من الفقراء. ومن عادتهم أنهم يجتمعون بالزاوية بعد صلاة العصر من كل يوم، ثم يطوفون على دور المدينة فيعطاهم من كل دار الرغيف والرغيفان، فيطعمون منها الوارد والصادر. وأهل الدور قد ألفوا ذلك فهم يجعلونه في جملة قوتهم، ويعدونه لهم إعانة على إطعام الطعام. وفي كل ليلة جمعة يجتمع بهذه الزاوية فقراء المدينة وصلحاؤها، ويأتي كل منهم بما تيسر له من الدراهم، فيجمعونها وينفقونها تلك الليلة، ويبيتون في عبادة من الصلاة والذكر والتلاوة، وينصرفون بعد صلاة الصبح.