الجزء الأول - ذكر سلطان لار

وبهذه المدينة سلطان يسمى بجلال الدين، تركماني الأصل، بعث إلينا بضيافة. ولم نجتمع به ولا رأيناه. ثم سافرنا إلى مدينة خنج بال " وضبط اسمها بضم الخاء المعجم وقد يعوض منه هاء وإسكان النون وضم الجيم وباء معقودة وألف ولام "، وبها سكنى الشيخ أبي دلف الذي قصدنا زيارته، وبزاويته نزلنا. ولما دخلت الزاوية، رأيته قاعداً بناحية منها على التراب، وعليه جبة صوف خضراء بالية، وعلى رأسه عمامة صوف سوداء، فسلمت عليه، فأحسن الرد، وسألني عن مقدمي وبلادي وأنزلني. وكان يبعث إلي الطعام والفاكهة مع ولد له من الصالحين، كثير الخشوع والتواضع صائم الدهر كثير الصلاة. ولهذا الشيخ أبي دلف شأن عجيب وأمر غريب، فإن نفقته في هذه الزاوية عظيمة. وهو يعطي العطاء الجزيل، ويكسو الناس، ويركبهم الخيل، ويحسن لكل وارد وصادر. ولم أر في تلك البلاد مثله، ولا يعلم له جهة إلا ما يصله من الإخوان والاصحاب، حتى زعم كثير من الناس أنه ينفق من الكون. وفي زاويته المذكورة قبر الشيخ الولي الصالح القطب دانيال، وله اسم بتلك البلاد شهير. وشأن في الولاية كبير. وعلى قبره قبة عظيمة بناها السلطان قطب الدين تمتهن بن طوران شاه. وأقمت عند الشيخ أبي دلف يوماً واحداً، لاستعجال الرفقة التي كنت في صحبتها. وسمعت أن بالمدينة خنج بال المذكورة زاوية فيها جملة من الصالحين المتعبدين، فرحت إليها بالعشي، وسلمت على شيخهم وعليهم، ورأيت جماعة مباركة قد أثرت فيهم العبادة، فهم صفر الألوان نحاف الجسوم كثيرو البكاء غزيرو الدموع، وعند وصولي إليهم أتوا بالطعام. فقال كبيرهم: ادعوا إلي ولدي محمداً وكان معتزلاً في بعض نواحي الزاوية. فجاء إلينا الولد، وهو كأنما خرج من قبر مما نهكته العبادة، فسلم وقعد. فقال له أبوه: يا بني، شارك هؤلاء الواردين في الأكل تنل من بركاتهم، وكان صائماً فأفطر معنا، وهم شافعية المذهب، فلما فرغنا من أكل الطعام دعوا لنا وانصرفنا. ثم سافرنا منها إلى مدينة قيس. وتسمى أيضاً بسيراف، وهي على ساحل بحر الهند المتصل ببحر اليمن وفارس، وعدادها في كور فارس مدينة لها انفساح وسعة، طيبة البقعة، في دورها بساتين عجيبة، فيها الرياحين والأشجار الناضرة. وشرب أهلها من عيون منبعثة من جبالها، وهم عجم من الفرس أشراف، وفيهم طائفة من عرب بني سفاف، وهم الذين يغوصون على الجوهر.