الجزء الأول - ذكر سلطان قل حصار

وسلطانها محمد جلبي وجلبي " بجيم معقود ولام مفتوحين وباء موحدة وياء "، وتفسيره بلسان الروم سيدي، وهو أخو السلطان أبي إسحاق ملك أكريدور، ولما وصلنا إلى مدينته كان غائباً عنها فأقمنا بها أياماً ثم قدم فأكرمنا وأركبنا وزودنا، وانصرفنا على طريق قرا أغاج وقرا " بفتح القاف " وتفسيره أسود " وأغاج بفتح الهمزة والغين المعجم وآخره جيم " تفسيره الخشب وهي صحراء خضراء يسكنها التركمان. وبعث معنا السلطان فراساناً يبلغوننا إلى مدينة لاذق. بسبب أن هذه الصحراء يقطع الطريق فيها طائفة يقال لها الجرميان يذكر أنهم من ذرية يزيد بن معاوية، ولهم مدينة يقال لها: كوتاهية فعصمنا الله منهم، ووصلنا إلى مدينة لاذق، " وهي بكسر الذال المعجم وبعده قاف " وتسمى أيضاً دون غزله وتفسيره بلد الخنازير، وهي من أبدع المدن وأضخمها وفيها سبعة من المساجد لإقامة الجمعة، ولها البساتين الرائقة والأنهار المطردة والعيون المنبعة، وأسواقها حسان، وتصنع بها ثياب قطن معلمة بالذهب لا مثل لها تطول أعمارها لصحة قطنها وقوة غزلها وهذه الثياب معروفة بالنسبة إليها، وأكثر الصناع بها نساء الروم، وبها من الروم كثير تحت الذمة، وعليهم وظائف للسلطان من الجزية وسواها وعلامة الروم بها القلانس الطوال، منها الحمر والبيض. ونساء الروم لهن عمائم كبار وأهل هذه المدينة لا يغيرون المنكر، بل كذلك أهل هذا الإقليم كلهم وهم يشترون الجواري الروميات الحسان ويتركونهن للفساد وكل واحدة عليها وظيف لمالكها تؤديه له.


وسمعت هنالك أن الجواري يدخلن الحمام مع الرجال، فمن أراد الفساد فعل ذلك بالحمام من غير منكر عليه. وذكر لي أن القاضي بها له جوارٍ على هذه الصورة. وعند دخولنا لهذه المدينة تقدم إلينا رجال من حوانيتهم حتى سل بعضهم السكاكين وأخذوا بأعنة الخيل ونازعهم آخرون على بعض، ونحن لا نعلم ما يقولون، فخفنا منهم وظننا أنهم الجرميان الذين يقطعون الطرق، وأن تلك مدينتهم، وحسبنا أنهم يريدون نهبنا. ثم بعث الله لنا رجلاً حاجاً يعرف اللسان العربي فسألته عن مرادهم منا فقال: إنهم من الفتيان، وإن الذين سبقوا إلينا أولاً هم أصحاب الفتى أخي سنان والآخرون أصحاب الفتى أخي طومان، وكل طائفة ترغب أن يكون نزولكم عندهم. فعجبنا من كرم نفوسهم. ثم وقع بينهم الصلح على المقارعة، فمن كانت قرعته نزلنا عنده أولاً، فوقعت قرعة أخي سنان وبلغه ذلك، فأتى إلينا في جماعة من أصحابه فسلموا علينا ونزلنا بزاوية له. وأتي بأنواع الطعام، ثم ذهب بنا إلى الحمام ودخل معنا، وتولى خدمتي بنفسه، وتولى أصحابه خدمة أصحابي يخدم الثلاثة والأربعة الواحد منهم. ثم خرجنا من الحمام فأتو بطعام عظيم وحلواء وفاكهة كثيرة. وبعد الفراغ من الأكل قرأ القراء آيات من القرآن العزيز، ثم أخذوا في السماع والرقص. وأعلموا السلطان بخبرنا. فلما كان من الغد بعث في طلبنا بالعشي فتوجنا إليه وإلى ولده كما نذكره، ثم عدنا إلى الزاوية فألفينا الأخي طومان وأصحابه في انتظارنا، فذهبوا بنا إلى زاويتهم، ففعلوا في الطعام والحمام مثل أصحابهم، وزادوا عليه أن صبوا علينا ماء الورد صباً بعد خروجنا من الحمام، ثم مضوا بنا إلى الزاوية، ففعلوا أيضاً من الأحتفال في الأطعمة والحلواء والفاكهة وقراءة القرآن بعد الفراغ من الأكل ثم السماع والرقص كمثل ما فعله أصحابهم أو أحسن. وأقمنا عندهم بالزاوية أياماً.