الجزء الأول - ذكر سلطان ميلاس

وهو السلطان المكرم شجاع الدين أرخان بك ابن المنتشا " وضبط اسمه بضم الهمزة وإسكان الراء وخاء معجم وآخره نون "، وهو من خيالي الملوك، حسن الصورة والسيرة، جلساؤه الفقهاء وهم معظمون لديه، وببابه منهم جماعة منهم الفقيه الخوارزمي عارف بالفنون فاضل. وكان السلطان في أيام لقائي له واجداً عليه. بسبب رحلته إلى مدينة أياسلوق ووصوله إلى سلطانها وقبول ما أهداه. فسألني هذا الفقيه أن أتكلم عند الملك في شأنه بما يذهب ما في خاطره، فأثنيت عليه عند السلطان، وذكرت ما علمته من علمه وفضله، ولم أزل به حتى ذهب ما كان يجده فيه. وأحسن إلينا هذا السلطان وأركبنا وزودنا. وسكناه في مدينة برجين، وهي قريبة من ميلاس، بينهما ميلان " وضبط اسمها بفتح الموحدة واسكان الراء وجيم وياء مد وآخره نون "، وهي جديدة على تل هنالك، بها العمارات الحسان والمساجد. وكان قد بنى بها مسجداً جامعاً، لم يتم بناؤه بعد. وبهذه البلدة لقيناه، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي علي. ثم انصرفنا بعد ما أحسن إلينا كما قدمناه إلى مدينة قونيه " وضبط اسمها بضم القاف وواو مد ونون مسكن مكسور ويار آخر الحروف "، مدينة عظيمة حسنة العمارة كثيرة المياه والانهار والبساتين والفواكة، وبها المشمش المسمى بقمر الدين. وقد تقدم ذكره، ويحمل منه أيضاً إلى ديار مصر والشام. وشوارعها متسعة جداً، وأسواقها بديعة الترتيب. وأهل كل صناعة على حدة ويقال: إن هذه المدينة من بناء الإسكندر، وهي من بلاد السلطان بدر الدين بن قرمان، وسنذكره. وقد تغلب عليها صاحب العراق في بعض الأوقات لقربها من بلاده التي بهذا الإقليم. نزلنا منها بزاوية قاضيها، ويعرف بابن قلم شاه وهو من الفتيان، وزاويته من أعظم الزوايا. وله طائفة كبيرة من التلاميذ، ولهم في الفتوة سند يتصل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. ولباسها عندهم السراويل كما تلبس الصوفية الخرقة. وكان صنيع هذا القاضي في إكرامنا وضيافتنا أعظم صنيع من قبله وأجمل. وبعث ولده عوضاً عنه لدخول الحمام معنا. وبهذه المدينة تربة الشيخ الإمام الصالح القطب جلال الدين المعروف بمولانا، وكان كبير القدر. وبأرض الروم طائفة ينتمون ويعرفون باسمه، فيقال لهم الجلالية، كما تعرف الأحمدية بالعراق، والحيدرية بخراسان، وعلى تربته زاوية عظيمة فيها الطعام للوارد.

حكاية

يذكر أنه كان في ابتداء أمره فقيهاً مدرساً، يجتمع إليه الطلبة بمدرسته بقونيه، فدخل يوماً إلى المدرسة رجل يبيع الحلواء، وعلى رأسه طبق منها، وهي مقطعة قطعاً، يبيع القطعة منها بفلس. فلما أتى مجلس التدريس قال له الشيخ: هات طبقك. فأخذ الحلواني قطعة منه وأعطاها للشيخ.. فأخذها الشيخ بيده، وأكلها. فخرج الحلواني، ولم يطعم أحداً سوى الشيخ. فخرج الشيخ في اتباعه، وترك التدريس، فأبطأ على الطلبة. طال انتظارهم إياه، فخرجوا في طلبه فلم يعرفوا له مستقراً. ثم إنه عاد إليهم بعد أعوام، وصار لا ينطق إلا بالشعر الفارسي المتعلق الذي لا يفهم. فكان الطلبة يتبعونه ويكتبون ما يصدر عنه من ذلك الشعر، وألفوا منه كتاباً سموه المثنوي. وأهل تلك البلاد يعظمون ذلك الكتاب ويعتبرون كلامه، ويعلمونه ويقرأونه بزواياهم في ليالي الجمعات. وفي هذه المدينة أيضاً قبر الفقيه أحمد، الذي يذكر أنه كان معلم جلال الدين المذكور. ثم سافرنا إلى مدينة اللارندة، وهي " بفتح الراء التي بعد الالف واللام واسكان النون وفتح الدال المهمل "، مدينة حسنة كثيرة المياه والبساتين.