الجزء الثاني - ذكر سلطان سيلان

واسمه إيري شكروتي " بفتح الهمزة وسكون الياء وكسر الراء ثم ياء وشين معجم مفتوح وكاف مثله وراء مسكنة وواو مفتوح وتاء معلوة مكسورة وياء "، وهو سلطان قوي في البحر. رأيت مرة وأنا بالمعبر، مائة مركب من مراكبه بين صغار وكبار. وصلت إلى هنالك، وكانت بالمرسى ثمانية مراكب للسلطان برسم السفر إلى اليمن، فأمر السلطان بالاستعداد، وحشد الناس لحماية أجفانه. فلما يئسوا من انتهاز الفرصة فيها، قالوا: إنا جئنا لحماية مراكب لنا تسير أيضاً إلى اليمن. ولما دخلت على هذا السلطان الكافر، قام الي وأجلسني إلى جانبه وكلمني بأحسن كلام، وقال: ينزل أصحابك على الأمان، ويكونون في ضيافتي إلى أن يسافروا. فإن سلطان المعبر، بيني وبينه الصحبة، ثم أمر بإنزالي، فأقمت عدة ثلاثة أيام في إكرام عظيم متزايد، في كل يوم. وكان يفهم اللسان الفارسي، ويعجبه ما أحدثه به عن الملوك والبلاد. ودخلت عليه يوماً وعنده جواهر كثيرة أتى بها من مغاص الجوهر الذي ببلاده، وأصحابه يميزون النفيس منها من غيره. فقال لي: هل رأيت مغاص الجوهر في البلاد التي جئت منها ؟ فقلت له: نعم، رأيته بجزيرة قيس، وجزيرة كش، التي لابن السواملي. فقال: سمعت بها ثم أخذت منه حبات. فقال: أيكون في تلك الجزيرة مثل هذه ؟ فقلت له: رأيت ما هو دونها. فأعجبه ذلك. وقال: هي لك. وقال لي: لا تستحي، واطلب مني ما شئت. فقلت له: ليس مرادي منذ وصلت هذه الجزيرة إلا زيارة القدم الكريمة، قدم آدم عليه السلام، وهم يسمونه " بابا "، ويسمون حواء " ماما ". قال: هذا هين. نبعث معك من يوصلك. فقلت: ذلك أريد. ثم قلت له: وهذا المركب الذي جئت به، يسافر آمنا إلى المعبر، وإذا عدت أنا بعثتني في مراكبك. فقال نعم. فلما ذكرت ذلك لصاحب المركب، قال لي: لا أسافر حتى تعود، ولو أقمت سنة بسببك. فأخبرت السلطان بذلك. فقال: يقيم في ضيافتي حتى تعود. فأعطاني دولة يحملها عبيده على أعناقهم، وبعث معي أربعة من الجوكية الذين عادتهم السفر كل عام إلى زيارة القدم، وثلاثة من البراهمة، وعشرة من سائر أصحابه. وخمسة عشر رجلاً يحملون الزاد. وأما الماء فهو بتلك الطريق كثير. ونزلنا ذلك اليوم على واد جزناه في معدية مصنوعة من قصب الخيزران، ثم رحلنا من هنالك إلى منار مندلي " وضبط ذلك بفتح الميم والنون وألف وراء مسكنة وميم مفتوح ونون مسكن ودال مهمل مفتوح ولام مسكور وياء "، مدينة حسنة هي آخر عمالة السلطان. أضافنا أهلها ضيافة حسنة. وضيافتهم عجول الجواميس يصطادونها بغابة هنالك. ويأتون بها أحياء، ويأتون بالأرز والسمن والحوت والدجاج واللبن. وليس بالمدينة مسلم غير رجل خراساني انقطع بسبب مرضه، فسافر معنا. ورحلنا إلى بندرسلاوات " وضبطه بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهمل وسكون الراء وفتح السين المعمل واللام والواو والف وتاء معلوة "، بلدة صغيرة. وسافرنا منها في أوعار كثيرة المياه، وبها الفيلة الكثيرة، إلا أنها لا تؤذي الزوار والغرباء. وذلك ببركة الشيخ أبي عبد الله بن خفيف رحمه الله، وهو أول من فتح هذا الطريق إلى زيارة القدم، وكان هؤلاء الكفار يمنعون المسلمين من ذلك، ويؤذونهم ولا يؤاكلونهم ولا يبايعونهم. فلما اتفق للشيخ أبي عبد الله ما ذكرنا في السفر الأول من قتل الفيلة لأصحابه، وسلامته من بينهم، وحمل الفيل له على ظهره، صار الكفار من ذلك العهد يعظمون المسلمين، ويدخلونهم دورهم، ويطعمون معهم ويطمئنون لهم بأهلهم وأولادهم. وهم إلى الآن يعظمون الشيخ المذكور أشد تعظيماً، ويسمونه الشيخ الكبير. ثم وصلنا بعد ذلك إلى مدينة كنكار " وضبط اسمها بضم الكاف الاول وفتح النون والكاف الثانية وآخره راء "، وهي حضرة السلطان الكبير بتلك البلاد، وبناؤها في خندق بين جبيلين على خور كبير يسمى بخور الياقوت، لأن الياقوت يوجد به. وبخارج هذه المدينة مسجد الشيخ عثمان الشيرازي المعروف بشاوش " بشينين معجمين بينهما واو مضموم "، وسلطان هذه المدينة وأهلها يزورونه ويعظمونه. وهو كان الدليل إلى القدم، فلما قطعت يده ورجله، صار الأدلاء أولاده وغلمانه، وسبب قطعه أنه ذبح بقرة، وحكم كفار الهنود أنه من ذبح بقرة ذبح كمثلها، أو جعل في جلدها وحرق. وكان الشيخ عثمان معظماً فقطعوا يده ورجله، وأعطوه مجبى بعض الأسواق.