الجزء الثاني - ذكر سلطان كنكار

وهو يعرف بالكنار " بضم الكاف وفتح النون وألف وراء "، وعنده الفيل الأبيض. ولم أر في الدنيا فيلاً أبيض سواه، يركبه في الأعياد، ويجعل على جبهته أحجار الياقوت العظيمة. واتفق له أن قام عليه أهل دولته، وسملوا عينيه، وولوا ولده وهو هنالك أعمى.

ذكر الياقوت

والياقوت العجيب البهرمان إنما يكون بهذه البلدة. فمنه ما يخرج من الخور، وهو عزيز عندهم، ومنه ما يحفر عنه. وفي جزيرة سيلان يوجد الياقوت في جميع مواضعها، وهي متملكة. فيشتري الإنسان القطعة منها، ويحفر عن الياقوت، فيجد أحجاراً بيضاء مشعبة، وهي التي يتكون الياقوت في أجوافها، فيعطيها الحكاكين، فيحكونها حتى تنفلق عن أحجار الياقوت. فمنه الأحمر ومنه الأصفر ومنه الارزق ويسمونه النيلم " بفتح النون واللام وسكون الياء آخر الحروف "، وعادتهم أن ما بلغ ثمنه من أحجار الياقوت إلى مائة فنم " بفتح الفاء والنون " فهو للسلطان، يعطي ثمنه ويأخذه. وما نقص عن تلك القيمة فهو لأصحابه. وصرف مائة فنم ستة دنانير من الذهب. وجميع النساء بجزيرة سيلان لهن القلائد من الياقوت الملون، ويجعلنه في أيديهن وأرجلهن عوضاً من الأسورة والخلاخيل. وجواري السلطان يصنعن منه شبكة يجعلنها على رؤوسهن. ولقد رأيت على جبهة الفيل الأبيض سبعة أحجار منه. كل حجر أعظم من بيضة الدجاج. ورأيت عند السلطان أيري شكروتي سكرجة على مقدار الكف من الياقوت، فيها دهن العود. فجعلت أعجب منها، فقال: إن عندنا ما هو أضخم من ذلك. ثم سافرنا من كنكار فنزلنا بمغارة تعرف باسم اسطا محمود اللوري " بضم اللام "، وكان من الصالحين، واحتفر تلك المغارة في سفح جبل، عند خور صغير هنالك. ثم رحلنا عنها ونزلنا بالخور المعروف بخور بوزنه " بالباء الموحدة وواو وزاي ونون وهاء "، وبوزنه هي القرود.

ذكر القرود

والقرود بتلك الجبال كثيرة جداً، وهي سود الألوان، لها أذناب طوال. ولذكورها لحى كما هي للآدميين. وأخبرني الشيخ عثمان وولده وسواهما أن هذه القرود لها مقدم تتبعه كأنه سلطان، يشد على رأسه عصابة من أوراق الأشجار، يتوكأ على عصا، ويكون عن يمينه ويساره أربعة من القرود ولها عصي بأيديها. وأنه إذا جلس القرد المقدم تقف القرود الأربعة على رأسه: وتأتي أنثاه وأولاده فتقعد بين يديه كل يوم، وتأتي القرود فتقعد على بعد منه. ثم يكلمها أحد القرود الأربعة فتنصرف القرود كلها. ثم يأتي كل فرد منها بموزة أو ليمونة أو شبه ذلك، فيأكل القرد المقدم وأولاده والقرود الأربعة. وأخبرني بعض الجوكية أنه رأى القرود الأربعة بين يدي مقدمها، وهي تضرب بعض القرود بالعصي، ثم نتفت وبره بعد ضربه. وذكر لي الثقات أنه إذا ظفر قرد من هذه القرود بصبية لا تستطيع الدفاع عن نفسها جامعها. وأخبرني بعض أهل هذه الجزيرة أنه كان بداره قرد منها، فدخلت بنت له بعض البيوت، فدخل عليها، فصاحت به، فغلبها، قال: ودخلنا عليها وهو بين رجليها فقتلناه. ثم كان رحيلنا إلى خور الخيزران. ومن هذا الخور أخرج أبو عبد الله بن خفيف الياقوتتين اللتين أعطاهما لسلطان هذه الجزيرة، حسبما ذكرناه في السفر الأول. ثم رحلنا إلى موضع يعرف ببيت العجوز، وهو آخر العمارة. ثم رحلنا إلى مغارة بابا طاهر، وكان من الصالحين، ثم رحلنا إلى مغارة السبيك " بفتح السين المهمل وكسر الباء الموحدة وياء مد وكاف "، وكان السبيك من سلاطين الكفار، وانقطع للعبادة هنالك.

ذكر العلق الطيار

وبهذا الموضع رأينا العلق الطيار، ويسمونه الزلو " بضم الزاي واللام "، ويكون بالأشجار والحشائش التي تقرب من الماء. فاذا قرب الإنسان منه وثب عليه. فحيثما وقع من جسده، خرج منه الدم الكثير. والناس يعدون له الليمون، يعصرونه عليه، فيسقط عنهم. ويجردون الموضع الذي يقع عليه بسكين خشب معه لذلك. ويذكر أن بعض الزوار مر بذلك الموضع فتعلقت به العلق، فأظهر الجلد، ولم يعصر عليها الليمون، فنزف دمه ومات. وكان اسمه بابا خوزي " بالخاء المعجم المضموم والزاي "، وهنالك مغارة تنسب إليه. ثم رحلنا إلى السبع مغارات، ثم إلى عقبة اسكندر، ثم مغارة الأصفهاني وعين ماء، وقلعة غير عامرة تحتها خور يعرف بغوطة كاه عارفان، وهنالك مغارة النارنج، ومغارة السلطان، وعندها دروازة الجبل أي بابه.

ذكر جبل سرنديب

وهو من أعلى جبال الدنيا. رأيناه من البحر، وبيننا وبينه مسيرة تسعة. ولما صعدناه كنا نرى السحاب أسفل، قد حال بيننا وبين رؤية أسفله. وفيه كثير من الأشجار التي لا يسقط لها ورق، والأزاهير الملونة، والورد الأحمر على قدر الكف. ويزعمون أن في ذلك الورد كتابة يقرأ منها اسم الله تعالى واسم رسوله عليه الصلاة والسلام. وفي الجبل طريقان إلى القدم: أحدهما يعرف بطريق " بابا "، والآخر بطريق " ماما". يعنون آدم وحواء عليهما السلام. فأما طريق ماما فطريق سهل، عليه يرجع الزوار إذا رجعوا. ومن مضى عليه فهو عندهم كمن لم يزر، وأما طريق بابا فصعب، وعر المرتقى. وفي أسفل الجبل حيث دروازته، مغارة تنسب أيضاً للإسكندر وعين ماء. ونحت ألأولون في الجبل شبه درج يصعد عليها، وغرزوا فيها أوتاد الحديد، وعلقوا منها السلاسل ليتمسك بها من يصعده. وهي عشر سلاسل، اثنتان في أسفل الجبل إلى حيث الدروازة، وسبع متوالية بعدها، والعاشرة هي سلسلة الشهادة. لأن الإنسان إذا وصل إليها ونظر إلى أسفل الجبل أدركه الوهم خوف السقوط. ثم إذا جاوزت هذه السلسلة، وجدت طريقاً مهملة. ومن السلسلة العاشرة إلى مغارة الخضر سبعة أميال. وهي في موضع فسيح، عندها عين ماء تنسب إليه أيضاً ملأى بالحوت، ولا يصطاده أحد. وبالقرب منها حوضان منحوتان في الحجارة عن جانبي الطريق. وبمغارة الخضر يترك الزوار ما عندهم، ويصعدون منها ميلين إلى أعلى الجبل حيث القدم.

ذكر القدم

وأثر القدم الكريمة قدم أبينا آدم صلى الله عليه وسلم في صخرة سوداء، مرتفعة بموضع فسيح. وقد غاصت القدم الكريمة في الصخرة، حتى عاد موضعها منخفضاً. وطولها أحد عشر شبراً. وأتى إليها أهل الصين قديماً، فقطعوا من الصخرة موضع ألإبهام وما يليه، وجعلوه في كنيسة بمدينة الزيتون، ويقصدونها من أقصى البلاد. وفي الصخرة حيث القدم تسع حفر منحوتة، يجعل الزوار من الكفار فيها الذهب واليواقيت والجواهر. فترى الفقراء إذا وصلوا مغارة الخضر يتسابقون منها لأخذ ما بالحفر، ولم نجد نحن بها إلا يسير حجيرات وذهباً أعطيناها الدليل. والعادة أن يقيم الزوار بمغارة الخضر ثلاثة أيام يأتون فيها إلى القدم غدوة وعشياً، وكذلك فعلنا.

ولما تمت الأيام الثلاثة، عدنا على طريق ماما. فنزلنا بمغارة شيث وهو شيث ابن آدم عليهما السلام، ثم إلى خور السمك، ثم إلى قرية كرمله " بضم الكاف وسكون الراء وضم الميم "، ثم إلى قرية جبركاوان " بفتح الجيم والباء الموحدة وسكون الراء وفتح الكاف والواو وآخره نون "، ثم إلى قرية دل دينوة " بدالين مهملين مكسورين بينهما لام مسكن وياء مد ونون مفتوح وواو مفتوح وتاء تأنيث "، ثم إلى قرية آت قلنجة " بهمزة مفتوحة وتاء مثناة مسكنة وقاف ولام مفتوحتين ونون مسكن وجيم مفتوح "، وهنالك " كان " يشتو الشيخ أبو عبد الله ابن خفيف. وكل هذه القرى والمنازل هي بالجبل. وعند أصل الجبل في هذا الطريق درخت روان، ودرخت هي " بفتح الدال المهمل والراء وسكون الخاء المعجم وتاء معلوة " وروان " بفتح الراء والواو والف ونون "، وهي شجرة عادية لا يسقط لها ورق. ولم أر من رأى ورقها ، ويعرفونها أيضاً بالماشية، لأن الناظر إليها من أعلى الجبل يراها بعيدة منه، قريبة من أسفل الجبل، والناظر إليها من أسفل الجبل يراها بعكس ذلك. ورأيت هنالك جملة من الجوكيين ملازمين أسفل الجبل ينتظرون سقوط ورقها، وهي بحيث لا يمكن التوصل إليها ألبتة. ولهم أكاذيب في شأنها، من جملتها أن من أكل من أوراقها عاد له الشباب إن كان شيخاً. وذلك باطل. وتحت هذا الجبل الخور الذي يخرج منه الياقوت، وماؤه يظهر في رأي العين شديد الزرقة. ورحلنا من هنالك يومين إلى مدينة دينور " وضبط اسمها بدال مهمل مكسور وياء مد ونون وواو مفتوحين وراء "، مدينة عظيمة على البحر، يسكنها التجار. وبها الصنم المعروف بدينور، في كنيسة عظيمة، فيها نحو ألف من البراهمة والجوكية، ونحو خمسمائة من النساء بنات الهنود، ويغنين كل ليلة عند الصنم، ويرقصن. والمدينة ومجابيها وقف على الصنم. وكل من بالكنيسة ومن يرد عليها يأكلون ذلك، والصنم من ذهب على قدر الآدمي، وفي موضع العينين منه ياقوتتان عظيمتان، أخبرت أنهما تضيئان بالليل كالقنديل. ثم رحلنا إلى مدينة قالي " بالقاف وكسر اللام "، وهي صغيرة، على ستة فراسخ من دينور، وبها رجل من المسلمين، يعرف بالناخوذة إبراهيم. أضافنا بموضعه ورحلنا إلى مدينة كلنبو " بفتح الكاف واللام وسكون النون وضم الباء الموحدة وواو "، وهي من أحسن بلاد سرنديب وأكبرها، وبها يسكن الوزير حاكم البحر، جالسني، ومعه نحو خمسمائة من الحبشة. ثم رحلنا، فوصلنا بعد ثلاثة أيام إلى بطالة، وقد تقدم ذكرها، ودخلنا إلى سلطانها الذي تقدم ذكره، ووجدت الناخوذة إبراهيم في انتظاري، فسافرنا بقصد بلاد المعبر. وقويت الريح، وكاد الماء يدخل في المركب، ولم يكن لنا رئيس عارف. ثم وصلنا إلى حجارة، كاد المركب ينكسر فيها. ثم دخلنا بحراً قصيراً. فتجلس المركب، ورأينا الموت عياناً، ورمى الناس بما معهم، وتوادعوا، وقطعنا صاري المركب، فرمينا به. وصنع البحرية معدية من الخشب. وكان بيننا وبين البحر فرسخان. فأردت أن أنزل في المعدية. وكان لي جاريتان وصاحبان من أصحابي. فقالا: أتنزل وتتركنا ؟ فآثرتهما على نفسي، وقلت انزلا أنتما والجارية التي أحبها. فقالت الجارية: إني أحسن السباحة، فأتعلق بحبل المعدية، وأعوم معهم. فنزل رفيقاي، وأحدهما محمد بن فرحان التوزري، والآخر رجل مصري، والجارية معهم، والأخرى تعوم. وربط البحرية في المعدية حبالاً وسبحوا بها. وجعلت معهم ما عز علي من المتاع والجواهر والعنبر، فوصلوا إلى البر سالمين، لأن الريح كانت تساعدهم. وأقمت بالمركب، ونزل صاحبه إلى البر على الدفة. وشرع البحرية في عمل أربع من المعادي. فجاء الليل قبل تمامها، ودخل معنا الماء، فصعدت إلى المؤخر، وأقمت به حتى الصباح. وحينئذ جاء إلينا بعض الكفار في قارب لهم، ونزلنا معهم إلى الساحل ببلاد المعبر، فأعلمناهم أنا من أصحاب سلطانهم، وهم تحت ذمته، فكتبوا إليه بذلك. وهو على مسيرة يومين في الغزو، كتبت أنا إليه بما اتفق علي، وأدخلنا أولئك الكفار إلى غيضة عظيمة، فأتونا بفاكهة تشبه البطيخ تثمرها، شجرة المقل. وفي داخلها شبه القطن، فيه عسلية يستخرجونها، ويصنعون منها حلواء يسمونها التل، وهي تشبه السكر. وأتوا بسمك طيب. وأقمنا ثلاثة أيام. ثم وصل من جهة السلطان أمير يعرف بقمر الدين معه جماعة من فرسان ورجال، وجاءوا بالدولة وبعشرة خيول، فركبت وركب أصحابي وصاحب المركب وإحدى الجاريتين، وحملت الثانية في الدولة، ووصلنا إلى حصن هركاتو " وضبط اسمه بفتح الهاء وسكون الراء وفتح الكاف والف وتاء معلوة مضمومة وواو "، وبتنا. وتركت فيه الجواري وبعض الغلمان والأصحاب، ووصلنا في اليوم الثاني إلى محلة السلطان.