وكان ملك ديار مصر في هذا العهد الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون. وبعد ذلك خلع عن الملك، وولي أخوه الملك الصالح. ولما وصلت القاهرة، وجدت قاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، قد توجه إلى مكة في ركب عظيم يسمونه الرجبي، لسفرهم في شهر رجب. وأخبرت أن الوباء لم يزل معهم حتى وصلوا إلى عقبة أيلة، فارتفع عنهم. ثم سافرت من القاهرة إلى بلاد الصعيد، وقد تقدم ذكرها، إلى عيذاب. وركبت منها البحر، فوصلت إلى جدة، ثم سافرت منها إلى مكة، شرفها الله تعالى وكرمها، فوصلتها في الثاني والعشرين لشعبان سنة تسع وأربعين. ونزلت في جوار إمام المالكية الصالح الولي الفاضل أبي عبد الله محمد بن عبد الله المدعو بخليل. فصمت شهر رمضان بمكة. وكنت أعتمر كل يوم على مذهب الشافعي. ولقيت ممن أعهد من أشياخها شهاب الدين الحنفي، وشهاب الدين الطبري، وأبا محمد اليافعي، ونجم الدين الأصفوني، والحرازي. وحججت ذلك العام، ثم سافرت مع الركب الشامي إلى طيبة، مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزرت قبره المكرم، زاده الله طيباً وتشريفاً، وصليت في المسجد الكريم، طهره الله وزاده تعظيماً، وزرت من بالبقيع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، ولقيت من الأشياخ أبا محمد بن فرحون. ثم سافرنا من المدينة الشريفة إلى العلا وتبوك، ثم إلى بيت المقدس، ثم إلى مدينة الخليل صلى الله عليه وسلم، ثم إلى غزة، ثم إلى منازل الرمل، وقد تقدم ذكر ذلك كله، ثم إلى القاهرة. وهنالك تعرفنا أن مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين المتوكل على رب العالمين أبا عنان أيده الله تعالى، قد ضم الله به نشر الدولة المرينية، وشفى ببركته بعد إشفائها البلاد المغربية، وأفاض الإحسان على الخاص والعام، وغمر جميع الناس بسابغ الإنعام. فتشوقت النفوس إلى المثول ببابه، وأملت لثم ركابه. فعند ذلك قصدت القدوم على حضرته العلية، مع ما شاقني من تذكار الأوان، والحنين إلى الأهل والخلان، والمحبة إلى بلادي التي لها الفضل عندي على البلدان.
بلاد بها نيطت علي تمـائمـي |
|
وأول أرض مس جلدي ترابها |
فركبت البحر في قرقورة لبعض التونسيين صغيرة، وذلك في صفر سنة خمسين. وسرت حتى نزلت بجربة. وسافر المركب المذكور إلى تونس، فاستولى العدو عليه. ثم سافرت في مركب صغير إلى قابس، فنزلت في ضيافة الأخوين الفاضلين أبي مروان وأبي العباس ابني مكي أميري جربة وقابس. وحضرت عندهما مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركبت في مركب إلى سفاقس، ثم توجهت في البحر إلى بليانة، ومنها سرت في البر مع العرب، فوصلت بعد مشقات إلى مدينة تونس، والعرب محاصرون لها.