الباب الحادي عشر: السـفير

ويقع في الحب بعد هذا، بعد حلول الثقة وتمام الاستئناس، إدخال السفير. ويجب تخيره وارتياده واستجادته واستفراهه، فهو دليل عقل المرء، وبيده حياته وموته، وستره وفضيحته بعد الله تعالى. فينبغي أن يكون الرسول ذا هيئة، حاذقاً يكتفي بالإشارة، وبقرطس عن الغائب، ويحسن من ذات نفسه ويضع من عقله ما أغفله باعثه، ويؤدي إلى الذي أرسله كل ما يشاهد على وجهه كأنما كان للأسرار حافظاً، وللعهد وفياً، قنوعاً ناصحاً. ومن تعدى هذه الصفات كان ضرره على باعثه بمقدار ما نقصه منها. وفي ذلك أقول شعراً، منه:

رسولك سيف في يمينك فاستجـد

 

حساماً ولا تضرب به قبل صقله

فمن يك ذا سيف كهام فـضـره

 

يعود على المعنى منه بجهـلـه

 

وأكثر ما يستعمل المحبون في إرسالهم إلى من يحبونه، إما خاملاً لا يؤبه له ولا يهتدي للتحفظ منه، لصباه أو لهيئة رثة أو بدادة في طلعته.


وإما جليلاً لا تلحقه الظنن لنسك يظهره أو لسن عالية قد بلغها.


وما أكثر هذا في النساء ولا سيما ذوات العكاكيز والتسابيح والثوبين الأحمرين وإني لأذكر بقرطبة التحذير للنساء المحدثات من هذه الصفات حيثما رأيتها.


أو ذرات صناعة يقرب بها من الأشخاص. فمن النساء كالطبيبة والحجامة والسراقة والدلالة والماشطة والنائحة والمغنية والكاهنة والمعلمة والمستخفة والصناع في المغزل والنسيج، وما أشبه ذلك.


أو ذا قرابة من المرسل إليه لا يشح بها عليه. فكم منيع سهل بهذه الأوصاف، وعسير يسر، وبعيد قرب. وجموح أنس، وكم داهية دهت الحجب المصونة، والأستار الكثيف، والمقاصير المحروسة، والسدد المضبوطة، لأرباب هذه النعوت. ولولا أن أنبه عليها لذكرتها، ولكن لقطع النظر فيها وقلة الثقة بكل واحد. والسعيد من وعظ بغيره. وبالضد تتميز الأشياء. أسبل الله علينا وعلى جميع المسلمين ستره، ولا أزال عن الجميع ظل العافية.


خبر: وإني لأعرف من كانت الرسول بينهما حمامة مؤدبة، ويعقد الكتاب في جناحها. وفي ذلك أقول قطعة، منها:

تخيرها نوح فما خاب ظنـه

 

لديها وجاءت نحوه بالبشائر

سأودعها كتبي إليك فهاكهـا

 

رسائل تهدي في قوادم طائر