الباب السادس عشر: العـاذل

وللحب آفات، فأولها العاذل، والعذال أقسام، فأصلهم صديق قد أسقطت مؤونة التحفظ بينك وبينه فعذله أفضل من كثير المساعدات؟ وهي من الحظ والنهي، وفي ذلك زاجر للنفس عجيب، وتقوية لطيفة لها عرض، وعمل ودواء تشتد عليه الشهوة، ولا سيما إن كان رفيقاً في قوله حسن التوصل إلى ما يورد من المعاني بلفظه، عالماً بالأوقات التي يؤكد فيها النهي، وبالأحيان التي يزيد فيها الأمر. والساعات التي يكون فيها واقفاً بين هذين، على قدر ما يرى من تسهيل العاشق وتوعره، وقبوله وعصيانه.

ثم عاذل زاجر لا يفيق أبداً من الملامة، وذلك خطب شديد وعبء ثقيل. ووقع لي مثل هذا، وإن لم يكن من جنس الكتاب ولكنه يشبهه، وذلك أن أبا السرى عمار بن زياد صديقنا أكثر من عذلى على نحو نحوته وأعان على بعض من لامني في ذلك الوجه أيضاً، وكنت أظن أنه سيكون معي مخطئاً كنت أو مصيباً. لو كيد صداقتي وصحيح أخوتي به.

ولقد رأيت من اشتد وجوده وعظم كلفه حتى كان العذل أحب شيء إليه، ابرى العاذل عصيانه ويستلذ مخالفته، ويحصل مقاومته للأئمة وغلبته إياه. كالملك الهازم لعدوه والمجادل الماهر الغالب لخصمه، ويسر بما يقع منه في ذلك وربما كان هذا المستجلب لعذل العاذل بأشياء يوردها توجب ابتداء العذل وفي ذلك أقول أبياتاً، منها:

أحب شيء إلي اللـوم والـعـذل

 

كي أسمع اسم الذي ذكراه لي أمل

كأنني شارب بالـعـذل صـافـية

 

وباسم مولاي بعدي الشرب أنتقـل