مقدمة الحكواتي

الفصل في الملل والأهواء والنحل

علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد الأندلسي

المولود بقرطبة عام  994 م والمتوفي عام 1064 م

 

هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، من شعراء الأندلس.

عالم الأندلس في عصره، وأحد أئمة الإسلام، كان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه، يقال لهم الحزمية.

ولد بقرطبة، وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة، فزهد بها وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من صدور الباحثين فقيهاً حافظاً يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، بعيداً عن المصانعة، وانتقد كثيراً من العلماء والفقهاء، فأجمعوا على تضليله وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو منه، فأقصته الملوك وطاردته، فرحل إلى بادية لَبْله (من بلاد الأندلس) فتوفي فيها.

رووا عن ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه نحو 400 مجلد، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.

وكان يقال: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان.

له: (الفصل في الملل والأهواء والنحل)، (المحلى) في 11 جزءاً فقه.

وله أيضا (جمهرة الأنساب)، و(الناسخ والمنسوخ)، و(الإحكام لأصول الأحكام) ثماني مجلدات.

وله أيضا (إبطال القياس والرأي)، و(المفاضلة بين الصحابة) رسالة مما اشتمل عليها كتاب (ابن حزم الأندلسي) لسعيد الأفغاني.

وله أيضا (مداواة النفوس) رسالة في الأخلاق، و(طوق الحمامة) أدب، و(ديوان شعر) وغير ذلك.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه

الحمد لله كثيراً وصلى الله على عبده ورسوله خاتم أنبيائه بكرةً وأصيلاً وسلم تسليماً أما بعد فإن كثيراً من الناس كتبوا في افتراق الناس في دياناتهم ومقالاتهم كتباً كثيرة جداً فبعض أطال وأسهب وأكثر وهجر واستعمل الأغاليط والشغب فكان ذلك شاغلاً عن الفهم قاطعاً دون العلم وبعض حذف وقصر وقلل واختصر واضرب عن كثير من قوي معارضات أصحاب المقالات فكان في ذلك غير منصف لنفسه في أن يرضى لها بالغبن في الإبانة وظالماً لخصمه في أن لم يوفه حق اعتراضه وباخساً حق من قرأ كتابه إذ لم يغنه عن غيره وكلهم إلا تحلة القسم عقد كلامه تعقيداً يتعذر فهمه على كثير من أهل الفهم وحلق على المعاني من بعد حتى صار ينسي آخر كلامه أوله وأكثر هذا منهم ستائر دون فساد معانيهم فكان هذا منهم غير محمود في عاجله وآجله‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه فجمعنا كتابنا هذا مع استخارتنا الله عز وجل في جمعه وقصدنا به قصد إيراد البراهين المنتجة عن المقدمات الحسية أو الراجعة إلى الحس من قرب أو من بعد على حسب قيام البراهين التي لا تخون أصلاً مخرجها إلى ما أخرجت له وأن لا يصح منه إلا ما صححت البراهين المذكورة فقط‏.‏

إذ ليس الحق إلا ذلك وبالغنا في بيان اللفظ وترك التعقيد راجين من الله تعالى على ذلك الأجر الجزيل وهو تعالى ولي من تولاه ومعطي من استعطاه لا إله إلا هو وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه فنقول وبالله التوفيق رؤس الفرق المخالفة لدين الإسلام ست ثم تتفرق كل فرقة من هذه الفرق الست على فرق وسأذكر جماهيرها إن شاء الله عز وجل‏.‏

فالفرق الست التي ذكرناها على مراتبها في البعد عنا أولها مبطلو الحقائق وهم الذين يسميهم المتكلمون السوفسطائية ثم القائلون بإثبات الحقائق إلا أنهم قالوا إن العالم لم يزل وأنه لا محدث له ولا مدبر ثم القائلون بإثبات الحقائق وإن العالم لم يزل وإن له مدبراً لم يزل ثم القائلون بإثبات الحقائق فبعضهم قال إن العالم لم يزل وبعضهم قال هو محدث واتفقوا على أنه له مدبرين لم يزالوا وأنهم أكثر من واحد واختلفوا في عددهم ثم القائلون بإثبات الحقائق وأن العالم محدث وأن له خالقاً واحداً لم يزل وأبطلوا النبوات كلها ثم القائلون بإثبات الحقائق وأن العالم محدث وأن له خالقاً واحداً لم يزل وأثبتوا النبوات إلا أنهم خالفوا في عبضها فأقروا ببعض الأنبياء عليهم السلام وأنكروا بعضهم‏.‏

قال أبو محمد رضي الله عنه وقد تحدث في خلال هذه الأقوال آراء هي منتجة من هذه الرؤس مركبة منها فمنها ما قد قالت به طوائف من الناس‏.‏

مثل ما ذهبت إليه فرق من الأمم من القول بتناسخ الأرواح أو القول بتواتر النبوات في كل وقت أو إن في كل نوع من أنواع الحيوان أنبياء‏.‏
ومثل ما قد ذهب إليه جماعة من القائلين به وناظرتهم عليه من القول بأن العالم محدث وأن له مدبراً لم يزل إلا أن النفس ولامكان المطلق وهو الخلاء والزمان المطلق لم يزل معه‏.‏

قال أبو محمد وهذا قول قد ناظرني عليه عبد الله بن خلف ابن مروان الأنصاري وعبد الله بن محمد السلمي الكاتب ومحمد بن علي بن أبي الحسين الأصبحي الطبيب وهو قول يؤثر عن محمد بن زكريا الرازي الطبيب ولنا عليه فيه كتاب مفرد في نقض كتابه في ذلك وهو المعروف بالعلم الإلهي‏.‏

ومثل ما ذهب إليه قوم من أن الفلك لم يزل وأنه غير الله تعالى وأنه هو المدبر للعالم الفاعل له إجلالاً بزعمهم لله عن أن يوصف بأنه فعل شيئاً من الأشثياء وقد كنى بعضهم عن ذلك بالعرش

ومنا ما لا نعلم أن أحداً قال به إلا أنه مما لا يؤمن أن يقول به قائل من المخالفين عند تضييق الحجيج عليهم فيلجئون إليها فلا بد إن شاء الله تعالى من ذكر ما يقتضيه مساق الكلام منها وذلك مثل القول بأن العالم محدث ولا محدث له فلا بد بحول الله تعالى من إثبات المحدث بعد الكلام في إثبات الحدوث وبالله تعالى التوفيق والعون لا إله إلا هو‏.‏