الجزء الأول - باب الكلام على من قال أن العالم لم يزل وله مع ذلك فاعل لم يزل

قال أبو محمد رضي الله عنه قد أفسدنا بحول الله وقوته بالبراهين التي قدمنا هذه المقالة ولكن بقي لهم اعتراض وجب إيراده تقصياً لكل ما موهوا به قال أبو محمد رضي الله عنه اعتمد أهل هذه المقالة على أن قالوا إن علة فعل الباري تعالى إنما هو جوده وحكمته وقدرته وهو تعالى لم يزل جواداً حكيماً قادراً فالعالم لم يزل إذ علته لم تزل فهذا فاسد البتة بالدلالة التي قدمنا التي تضطر إلى المعرفة والتيقن بحدوث العالم ثم نقول أنه إنما يلزم هذا من أقر بهذه المقدمة أعني أن للعالم علة وأما نحن فإنا نقول أنه لا علة لتكوين الله عز وجل كل ما كونه وأنه لا شيء غير الخالق وخلقه ثم نقول على علم هؤلاء قولاً كافياً إن شاء الله تعالى وهو أن المفعول هو المنتقل من العدم إلى الوجود بمعنى من ليس إلى شيء فهذا هو المحدث ومعنى المحدث هو ما لم يكن ثم كان وهم يقولون أنه الذي لم يزل وهذا هو خلاف المعقول لأن الذي لم يكن ثم كان هو غير الذي لم يزل فالعالم إذاً هو غير نفسه وهذا عين المحال وبالله تعالى التوفيق فإن قال لنا قائل لما كان الباري تعالى غير فاعل على قولكم ثم صار فاعلاً فقد لحقته استحالة وتعالى الله عن ذلك قلنا له وبالله التوفيق هذا السؤال راجع عليكم إذ صححتموه فهو لكم لازم لا لنا إذ لم نصححه وذلك أنه إن كان عندكم الفعل منه بعد أن كان غير فاعل يوجب الاستحالة على الفاعل تعالى فإن فعله لما أحدث من الإعراض عندكم بعد أن كان غير محدث لها وإعدامه ما أعدم منها بعد أن كان غير معدم لها موجب عليه الاستحالة فأجيبوا عن سؤالكم الذي صححتموه ولا جواب لكم إلا بإفساده‏.‏

وأما نحن فنقول إن الاستحالة ليست ما ذكرتم وإنما معنى الاستحالة أنه حدوث شيء في المستحيل لم يكن فيه قبل ذلك صار به مستحيلاً عن صفته المحمولة عليه إلى غيرها وهذا المعنى منفي عن الله تعالى أي أنه تعالى يجل عن أن يكون حاملاً لصفة عليه بل بذاته لم يفعل إن كان غير فاعل وبذاته فعل إن فعل ولا علة لما فعل ولا علة لما لم يفعل وأيضاً فإن الذي لم يزل هو الذي لا فاعل له ولا مخرج له من عدم إلى وجود فلو كان العالم لم يزل لكان لا محرج له ولا فاعل له وقد أقر أهل هذه المقالة بأن العالم لم يزل وإن له فاعلاً لم يزل يفعل وهذا عين المحال والتخليط والفساد وبالله تعالى التوفيق‏.‏